ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق
ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق
ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق
- TAGS
- dahsha.com
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
معلقة عمرو بن كلثوم<br />
"دراسة وتحليل"<br />
*<br />
مختار سيدي الغوث<br />
الملخص<br />
تدور معلقة عمرو هذه على معنى واحد، هو قوة تغلب، وف َوقها المطلق. وما<br />
يبدو منها خارجا ً عن هذا المعنى هو داخل فيه، عند التأمل: فالغزل لم يكن إلا كناية ً<br />
عن شرف المتغزل، ولم تكن الخمر إلا رمزا ً للفتوة.<br />
ولم يفخر الشاعر في المعلقة إلا بالقوة؛ لأن المقام الذي قيلت فيه لا يستدعي<br />
غيرها. وكان فخره جماعيا ً، ولم يفخر بنفسه، ولا ذكرها إلا مرة واحدة؛ وسبب ذلك<br />
أنه كان يفاخر عن قبيلته قبيلة ً تعاديها، ولم يكن يفاخر فردا ً.<br />
وقد حفلت القصيدة بصور بيانية متفاوتة في قيمتها الفنية، ولكن جل َّها كان رائعا ً،<br />
يعج بالحياة والحركة، وينطق بمشاعر الشاعر،وإن كان الغالب على القصيدة هو<br />
الوصف،والتعبير المباشر،كعادة أكثر الشعر الحماسي القديم.<br />
وكانت لغتها أجود لغة المعلقات، لتجنبها حوشي الألفاظ ومستكرهها، مع<br />
الجزالة، وحسن الإيقاع.<br />
وقد استهلها الشاعر بالخمر، على غير عادة الجاهليين، ثم عدل عنها إلى الغزل؛<br />
وسبب ذلك –فيما يبدو- أنها كانت قصيدتين، قيلتا في مناسبتين مختلفتين، فكانت<br />
*<br />
<strong>جامعة</strong> الملك سعود – كلية المجتمع بالأفلاج<br />
71
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
الخمر مقدمة لإحداهما، والغزل مقدمة للأخرى، ثم خلطهما الرواة؛ للشبه بين<br />
غرضيهما، ولتوافقهما وزنا ً وقافية.<br />
وورد في بعض الكتب المتأخرة أنها ألف بيت، وهو سهو من المؤلف؛ لأن الذي<br />
ورد منها في المصادر القديمة هو دون المائة، أو يزيد عليها قليلا ً. والألف إنما تلائم<br />
الشعر القصصي، والشعر العربي شعر غنائي مبناه على الإيجاز. والإطالة<br />
الجملة- دليل العي عند العرب.<br />
– في<br />
ولم تسلم القصيدة من التزيد، شأن كثير من الشعر الجاهلي، فقد اشتملت على<br />
نحو من 36 بيتا ً تلوح عليها علائم الصناعة والنحل.<br />
72
بر<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
يعرف قارئ الشعر الجاهلي فخريات كثيرة، ذكر الشعراء فيها قبائلهم بكل جميل<br />
كانت العرب تتمدح به، أو تحب أن ينسب إليها ؛ ولكن معلقة عمرو بن كلثوم ض<br />
(1)<br />
آخر من الفخر : إنها نشوة من الشعور بالعظمة ، خ َيلت إليه أن تغلب لم يخلق مثلها<br />
في البلاد ، وكل ُّ بالغ في المجد شأْوا ً –من ملِك فمن دونه- هو دونها، مهما بلغ.<br />
والقصيدة كلها تدور على هذا المعنى<br />
:<br />
القوة والف َوق المطلق ، حتى الذي يبدو<br />
منها خارجا ً عنه-كمقدمتها- ليس بخارج عنه، عند التأمل. فشرب الخمر والغزل<br />
بالمرأة ليسا إلا وسيلتين من وسائل التعبير عن هذا الشعور، عبر بهما غيره من<br />
شعراء الجاهلية، على وجه جعل المرأة والخمر –عندهم-<br />
الفتوة، كما يظهر من قول طرفة بن العبد في معلقته:<br />
ولولا ثلاث ٌ، هن من عيشة الفتى<br />
نمطا ً من أنماط الكناية عن<br />
(2)<br />
-وجدك-لم أَحفِلْ متى قام عودي...<br />
وفي محاورة بين عمارة بن الوليد ونديمه مسافر بن أبي عمرو – وكانا من<br />
فتيان قريش في الجاهلية - يقول عمارة:<br />
خ ُلق البيض الحسان لنا،<br />
وجِياد الخيل والحِب ر<br />
ك ابرا ً ك ُن َّ ا أح ق َّ به ا<br />
ح ين صِ يغ َ الش مس والقم ر<br />
وهو يعني قومه بني مخزوم ، فيرد عليه مسافر مفتخرا ً بقومه بني أمية:<br />
خلق البيض الحسان لنا وجياد الخيل والحِبره<br />
كابرا ً كنا أحق َّ بها<br />
(3)<br />
كل حي تابع أثره<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
يقول نالينو: "وهي قصيدة غاية في الفخر، لا تكاد تفوق فيه عليها غيرها"، (تاريخ الآداب العربية ،<br />
76)، يعني أن غيرها من القصائد لا يكاد يفوقها في الفخر.<br />
شرح المعلقات السبع للزوزني ، 60 وما بعدها.<br />
الأغاني، 46/8 وما بعدها ، ونشوة الطرب ،<br />
. 358/1<br />
73
ج<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
ولا يعني طرفة نفسه في قوله<br />
"<br />
من عيشة الفتى"، بل الفتى في نظر أهل<br />
(1)<br />
الجاهلية، والفتى- كما يقول القتيبي-: "إنما هو بمعنى الكامل الجزل من الرجال" .<br />
وهذا المعنى بين في قول طرفة أيضا ً:<br />
إذا القوم قالوا:"من فتى"؟خِلت ُ أنني<br />
(2)<br />
عنيت ُ، فلم أَك ْسلْ، ولم أَتبل َّدِ<br />
وقد تضمنت معلقة عمرو بن كلثوم الخلال الثلاث التي ذكر طرفة كلها.<br />
وعلاقة الخمر بالقوة والفوق واضحة في شعر الجاهليين: فنشوتها ت ُخيل إلى<br />
شاربها فوق ما فيه من القوة والتميز، كما يبدو من قول حسان بن ثابت-رضي االله<br />
عنه-:<br />
ونش ربها، فتتركن ا ملوك ا ً<br />
وقول المنخل اليشكري:<br />
ف إذا انتش يت ُ ف إنني<br />
وإذا صحوت فإنني<br />
(3)<br />
وأُسدا ً ماينهنهنا اللقا ء<br />
رب الخ َورن َ قِ والس ديرِ<br />
(4)<br />
رب الش ُّويهةِ والبعي ِر<br />
ج<br />
وقرن عنترة- وهو يتمدح عند صاحبته عبلة- قوته وإباءه بشربه الخمر:<br />
أَث ْني علي بما علمتِ؛ فإنني<br />
وإذا ظ ُلمت ُ فإن ظلمي باسل<br />
ولقد شربت من المدامةِ بعدما<br />
ثم قال عن قوته وفروسيته:<br />
وحليلِ غانيةٍ تركت ُ مجدلا<br />
س مح مخ القتي إذا ل م أُظ ْل َ مِ<br />
مر مذاقته كطعم العل ْق َمِ<br />
رك َد الهواجر بالمش ُوفِ الم<br />
ت َمك ُو فريصت ه<br />
كشدق الأَ<br />
مِ... َلع<br />
(5)<br />
َلع مِ...<br />
.57<br />
.8<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
(4)<br />
(5)<br />
لسان العرب ، (فتى).<br />
شرح المعلقات السبع ، للزوزني ،<br />
ديوان حسان بن ثابت ،<br />
الأصمعيات، 60 وما بعدها.<br />
انظر البيت والأبيات التي قبله في شرح المعلقات السبع، للزوزني، 145وما بعدها.<br />
74
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
أما الغزل فقد كان بعضه كناية عن الشرف والتميز؛ لأن الحسان- عادة- أكثر<br />
من يحظى بهن الأشراف؛ فهم الذين يملكون من المال ما يصدقونهن به صداقا ً يليق<br />
بجمالهن. من أجل ذلك كن َّى عنترة في بيته الأخير عن شرف مقتوله وبطولته بأنه<br />
حليل غانية<br />
عن غناهم،<br />
(1)<br />
(المرأة التي استغنت بجمالها عن الحل ُي ).<br />
وكنى شعراء العرب القدامى كثيرا ً عن شرف أهل النساء بجمالهن وبجمالهن<br />
ووجه ذلك أن الأشراف الذين لا يتزوجون –عادة- إلا الحسان، لا يلدون<br />
إلا الحسان بحكم الوراثة. وحسن المرأة جانب منه موروث ، وجانب مكتسب بالصون<br />
والنعمة، ويتهيأ لبنات الأشراف –لغناهم- من هذين ما لا يتهيأ لغيرهن. يقول أحد<br />
الباحثين:" لقد أضحى من المسل َّم به في زماننا هذا أن بين الجمال ورغد العيش أسباب ًا<br />
متينة...مما يسمح للإنسان بالحديث عن صلة... بين المال والجمال. وإن الناظر في<br />
أقدم الشواهد الباقية من شعرنا القديم يلاحظ في يسر أن الشعراء اعتنوا بهذه العلاقة<br />
(2)<br />
اعتناء واضحا ً، وتكررت في مقاطع النسيب وقصائد الغزل" .<br />
فغنى أهل المرأة في الشعر القديم-إذن- كناية-أبدا ً- عن جمالها وشرفهم. ولم<br />
يخرج غزل عمرو في معلقته عن هذا. فقد كان جمال صاحبته رمزا ً لشرفه هو<br />
وف َوقه، إلا أنه كان غزلا ً فيه صلابة، ويخلو من الرقة التي يصف بها الشعراء<br />
–<br />
عادة- صواحبهم.وليس مأتى الصلابة من كون صوره أعرابية، كلا َّ، فقد كان بعضها<br />
حضريا ً، بيد أن الحضري منها والأعرابي متساويان في ذلك. فقد شبه ذراعي<br />
صاحبته بذراعي ناقةٍ عيطلٍ بكر، تربعت الأجارع والمتون. ويستوجب طولُ<br />
الذراعين طولَ القامة، وعظم الجسم كله؛ ولذلك قال إن قامتها طالت ، وثقلت روادفها<br />
حتى ناء بها ظهرها. وليس فيما وصفها به من الألفاظ ما يدل على لين أورقة سوى:<br />
(1)<br />
(2)<br />
انظر القاموس المحيط<br />
الشعر والمال،<br />
)<br />
.120<br />
غ ن ي).<br />
75
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
رخ ْص، ول َدنة، ولانت. وصف بالأول ثديها، بعد أن شبهه بِحق ِّ العاج في البياض،<br />
ووصف باللين قامتها.<br />
البيتان(11<br />
وليس في القصيدة من رقة الشوق التي يبديها الشعراء المتغزلون-ولو تكلفا ً- إلا<br />
(12،<br />
من القصيدة الأولى.<br />
وكان حديثه عن نساء تغلب وجمالهن، في معرض تحريضهن الرجال على<br />
(1)<br />
القتال في المعركة- أرق َّ كثيرا ً من هذا الغزل . وما ذكرهن به من الحسن دليل آخر<br />
على ما ذ ُكِر من صلة بعض الغزل بالشرف، فمشيهن الهوينى كناية عن ثقل<br />
أجسامهن، وعظمِ عجائزهن، وقد وصف به ظعينته، وحسبهن ودينهن هو الذي جعل<br />
صاحبته "حصانا ً من أَك ُف ِّ اللامسينا"، وحسنهن الذي أجمله هنا هو حسنها هي الذي<br />
فصل هناك، ولا يخفى –بعد- أنه جعل صاحبته ظعينة هنالك، كما فعل بنساء بني<br />
جشم بن بكر هنا<br />
.<br />
وبقي من الثلاث التي هي عيشة "الفتى"الخيل، وذكرها عقب حديثه عن سلاح<br />
تغلب ذكرا ً مقتضبا ً، فلم يزد على أن قال إنها جرد، تِلاد توارثوها عن آبائهم، وهم<br />
يورثونها أبناءهم من بعدهم،وقد انتخبت لهم انتخابا ً، ويقوم على تربيتها نساؤهم<br />
الحسان. وهذه عادة عند العرب، كما قال التبريزي:" وكانت العرب لا تثق في خيولها<br />
(2)<br />
إلا بأهاليها" .<br />
وعلاقة الخيل بالقوة والفوق من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى التدليل.<br />
وإذا غودر الغزل والخمر لم يبق في القصيدة إلا ما يشير إلى ذلك المعنى الذي<br />
دارت عليه صراحة.<br />
(1)<br />
(2)<br />
انظر الأبيات: 62و63 و66 من القصيدة الأولى المثبتة هنا.<br />
شرح اختيارات المفضل،144/1.<br />
76
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
لقد جعلت تغلب نشوة ُ عمرو الشعورية ُ بها قبيلة ً لا معق ِّب لحكمها، ولا حائل<br />
يحول بينها وبين ما تريد: تتحدى الناس كلهم فلا يطيقون ردها عن شيء رأت أن<br />
(1)<br />
تفعله .<br />
ولما كان ف َوق تغلب وقوت ُها تراثا ً ورثه الأسلاف كان حتما ً أن يوزعه بين بنيها،<br />
فجعل للش ِّيب الحكمة والتجربة، اللتين تورثان حسن التدبير؛ لئلا تكون القوة والشجاعة<br />
نزقا ً وتهورا ً، لا يعقبان خيرا ً، وللشبان الإقدام والحرص على الموت واستباق َه ؛لأنه<br />
مجد، وللنساء إصلاح أمر الخيل وغذاءها، والسير في أثر الرجال يحرضنهم على<br />
القتال بالتبرؤ منهم إن جبنوا.<br />
لقد تواطأت عزائم تغلب-إذن- على أن تفوق وتستعلي؛ فتول َّى كل امرئ منها ما<br />
يطيق. ويستتبع هذا التواطؤُ والفوق ُ والاستعلاء ألا تشاكل فعالُ تغلب فعالَ سواها من<br />
الناس، حتى الأدنين من بني العم والأكفاء في الحسب والنسب(بني بكر بن وائل). وقد<br />
جمع بين هؤلاء وتغلب في حسن البلاء والإقدام في بعض المعارك، حتى كاد يسوي<br />
بينهم، لكنه جعل تغلب على ميمنة الجيش، وبكرا ً على الميسرة، وجعل بكرا ً تؤوب<br />
بالأسلاب والسبايا، وتؤوب تغلب بالملوك مصفدين؛ ففي الميمنة من القوة ما ليس في<br />
الميسرة، وفي أَسر الملوك وتصفيدهم من القوة والاقتدار على وضع العظماء<br />
والاستعلاء عليهم ما ليس في السلب والسبي.<br />
وفي أفعال تغلب-عند عمرو- قوة غير معتادة في الناس، يعرضها تارة عرضا ً<br />
فيه تهويل،ويعرضها تارة أخرى -عرضا ً<br />
فيه سخرية واستخفاف بالفعل نفسه، على<br />
عظمته وصعوبته؛ لاقتدار فاعله وتمكنه منه. فالحرب التي يشنون-مثلا ً- على<br />
ق ُضاعة- على بأسها ووفرتها- تطحنها كما تطحن الرحى القبضة من الحب ، في<br />
اليسر ، وفي السرعة وشدة السحق، ويبادرون إلى سحق من ينزل بساحتهم مبادرة<br />
الكريم إلى قِرى الضيف خيفة أن يهجوه. وإذا لاقوا العدو شققوا رؤوس أبطاله<br />
(1)<br />
انظر الأبيات:<br />
56 ، 55 و ، 42<br />
، 43 و34 من القصيدة الأولى<br />
.<br />
77
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
بالسيوف، وقطعوا الرقاب كما يقط َّع العشب الرطب بالمناجل. وضربهم لرؤوس<br />
الأبطال كضرب الغلمان الأَشِداء للأُك َر يلعبون بها في الأباطح ، فتنتثر في المعترك<br />
انتثار أحمال الإبل في الأمكنة ذات الحجارة الكثيرة.<br />
وليس في القصيدة ما يفهم منه تنقص الأعداء ولا ذمهم أو استضعافهم، وإن ذكر<br />
الغ َل َب والانتصار عليهم، وهذا ربما كان يت َوقع خلافه؛ فما بلغه عمرو من التيه<br />
والعجب بقبيلته جدير بأن يريه غيرها بعين الاستصغار، بقدر نظره إلى نفسه بعين<br />
الفوق والكمال. غير أن العرب درجوا على ألا يهونوا من شأن من ينتصرون عليه،<br />
بل يعمدون كثيرا ً إلى الثناء عليه: نسبا ً وفعالا ً وأخلاقا ً، وهم إنما يعظمون بتعظيمه<br />
فعالهم هم، إذ العظمة الحق أن ينت َصر على القوي الكامل، لا على الضعيف والرذل،<br />
فليس في النصر عليهما نصر ولا فخار. ولذلك روي أن عبد الملك بن مروان قال<br />
لمن تنقص عنده مصعب بن الزبير بعد قتله : "إن توهين المقتول توهين للقاتل".<br />
وإذا كان في بعض الفخريات الجاهلية مبالغات وصور نمطية جاهزة يتداولها<br />
الشعراء جميعا ً؛ لأنها هي المثل عندهم ، ويجد المرء فيها-من أجل ذلك- الفتور<br />
الشعوري- فليس فخر عمرو في هذه القصيدة كذلك: فليست صوره نمطية، ولا<br />
شعوره فاترا ً مصطنعا ً. وهو –إلى ذلك- فخر يصدقه تاريخ تغلب، وما عرفت به من<br />
بأس، في جاهليتها وإسلامها، وما كان فيها من أفذاذ الرجال، كالذين عددهم عمرو في<br />
هذه القصيدة، ولا سيما كليب الذي روى بعض المؤرخين أنه واحد من ثلاثة رجال<br />
اجتمعت عليهم معد، وكان اجتماعها عليه يوم خ َزازى،"ففض جموع اليمن؛ فاجتمعت<br />
(1)<br />
عليه معد كلها، وجعلوا له ق َسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته" ، وكان يضرب به<br />
المثل في العزة.<br />
(1) خزانة الأدب 166/2، .<br />
78
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
ويصور ما بلغته تغلب من القوة والغلب في الجاهلية قولُ أبي عمرو الشيباني:"<br />
كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية<br />
(1)<br />
لأكلت بنو تغلب الناس" .<br />
.<br />
وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلا ً<br />
وهذا المجد بسط لعمرو من أسباب القول ما أغناه عن الادعاء الذي يفقد بعض<br />
الفخر حرارته، ويجعله ضربا ً من التكلف البارد، لا يعبر عن شعور حقيقي، وإنما<br />
يعبر عما يطمح إليه الفاخر أو يتمناه، لا ما يتصف به.<br />
ويبدو أن أسرة عمرو كلها كانت مثل عمرو في هذه العزة، فأبوه كلثوم كان يقال<br />
(2)<br />
إنه أفرس العرب، وأخوه هو قاتل المنذر بن النعمان ، وأمه ليلى تروي عنها كتب<br />
الأدب ما يدل على أنها كانت مرهفة، عزيزة أبية، ومن عزتها أنفت من أن تناول أم<br />
عمرو بن هند طبقا ً كان بجوارها، وقد سألتها مناولته، فكان جوابها عفويا ً وحازما ً<br />
وموجزا ً:" لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها".<br />
ولم يمنعها أنها ضيف على أم عمرو بن هند، وأنها صاحبة فضل عليها، وأم<br />
(3)<br />
ملك ظلوم غشوم مرهوب الجانب ، ولا حملها على أن تغض الطرف عن زلة<br />
صغيرة، لا تستحق كل ما صنعت ليلى. وليس في الطلب في ذاته إهانة حقيقية لو<br />
فعلت، فمن دأب المرء أن يسأل جليسه مناولة ما هو أقرب إليه؛ لكن الأَنِف َ الأبي<br />
يتأثر بما لا يتأثر به غيره، على أن ليلى ربما آنست من أم عمرو بن هند ت َعمد الإهانة<br />
الت َي كانت تبيتها، فكان منها ما كان. وكان نداؤها:"واذلاه! يا ل َتغلب"! ترجمة لذلك<br />
الإباء والعزة، وترجمة لثقتها بما عند تغلب وسيدها عمرو.<br />
وليس يخفى النسب القريب بين عزة ليلى وغضب ابنها عمرو وسرعة استجابته<br />
وتفطنه من فوره لما كان يبيت عمرو بن هند، من إذلاله وإذلال أمه، كما فطنت له<br />
هي، فقد عمد إلى سيف عمرو بن هند المعلق في رواقه فقتله به، ولم يتردد في<br />
(1)<br />
.103<br />
(2)<br />
(3) الأغاني ، 171/9 .<br />
السابق،181/3، وانظر: شرح القصائد السبع الطوال،<br />
الشعر والشعراء ،<br />
، 369 والكامل في التاريخ ، 524/1 .<br />
79
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
(1)<br />
فعله .وكان كليب عم أمه قد فعل مثل هذا : قتل عامل أحد ملوك غسان؛لأنه لطم<br />
(2)<br />
أخت كليب، وكانت تحته .<br />
وقد صرح عمرو بأثر الوراثة والتنشئة فيه، إذ ذهب يعدد أسلافه الذين ورث<br />
عنهم محامدهم، على وجه يختلف نوع اختلاف عما يفعل بعض الفاخرين: فهم<br />
يذكرون مآثر أسلافهم –عادة- يريدون تأصل الخلال المفتخر بها فيهم، أما عمرو<br />
فيريد أن أسلافه سنوا له سنة لا يستطيع إلا اتباعها، فوق ما ت ُحدِث ُه مآثرهم في نفسه<br />
من نخوة تحمله حملا ً تلقائيا ً على أن يكون كما كان:<br />
(3)<br />
عزيزا ً أنفا ً قويا ً .<br />
ففعال تغلب-إذن- أنطقت شاعرها عمرا ً، كما أنطقته تربيتها بالصدق؛ فلم يحتج<br />
إلى ثقافته الشعرية في استحضار المعاني والصور التي تعاورها معاصروه وسابقوه<br />
من الشعراء، وتقارضوها أو تناقلوها.<br />
ولعل هذا هو الذي يجعل القارئ يتعاطف مع القصيدة، على ما فيها من تيه<br />
وعجب، لا تستسيغهما النفس-عادة- من أحد؛ لكن صدق عمرو الشعوري وصدقه<br />
التاريخي ينسيان القارئ عدم أخلاقية العجب والتيه.<br />
ومن آثار الصدق أن عمرا ً لم يفخر في القصيدة-على طولها- إلا بالقوة وحدها،<br />
على حين فخر شعراء الجاهلية بها وبغيرها من مكارم الأخلاق وخلال المروءة، ولا<br />
سيما الكرم. وسبب هذا<br />
(4)<br />
-فيما يبدو- أن عمرا ً ولد في حرب البسوس التي دامت<br />
أربعين عاما ً، فصنعت منه رجل القوة التي لا ينافسها على مشاعره غيرها من<br />
الخلال، فضلا ً عن أن أكثر ما اشتهرت به تغلب هو القوة والبأس، ومقام القصيدة<br />
الذي قيلت فيه لا يستدعي سوى الحديث عن القوة وحدها.<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
الشعر والشعراء،102.<br />
شرح المعلقات السبع، للزوزني،<br />
انظر الأبيات: 12 من القصيدة الثانية.<br />
(4)ولادته في حرب البسوس يمكن استنتاجها من كونه كان شاهدا ً لتصالح بكر وتغلب لآخر مرة على<br />
يد عمرو بن هند، كما يقول الزيات( تاريخ الأدب العربي/ ، وهو قد عاش قبل ذلك بمدة. ويرى<br />
جامع ديوانه علي أبو زيد أنه لم يشهدها؛ لأنه لم يرد له ذكر فيها، (الديوان،<br />
.(17<br />
(64<br />
.130<br />
، 9 ، 8<br />
80
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وكان الفخر في القصيدة جماعيا ً كله، ولم يفخر بنفسه مرة واحدة، ولا ذكرها<br />
مفردة إلا في الغزل والخمر،<br />
"<br />
وقد يكون من الطريف أن نلاحظ أن ضمير المتكلم<br />
الفرد لم يرد في هذه المعلقة الطويلة إلا في موضع واحد، وهو قوله:<br />
ورثت مهلهلا ً والخير منه<br />
(1)<br />
زهيرا ً، نعم ذ ُخ ْر الذاخري َنا "<br />
ومرد هذا -فيما يبدو- إلى أمرين رئيسين غير ما تعارف عليه أهل الجاهلية،<br />
وغير ما تقتضيه حياتهم الاجتماعية، أولهما أن عمرا ً كان سيد تغلب، ومثله لا يكون<br />
بعض مآثره من صنع نفسه وحدها، بل يناله بقومه، ولا سيما القوة، والفوق الذي<br />
صنعته القوة. وت َغن ِّي عمرو بهذين ونسبتهما إليه وحده دون من صنعهما معه من بني<br />
عمومته فيه أَث َرة، تنافي ما تستوجبه السيادة من إيثار، وفناءِ ذات في القبيلة. هذا إلى<br />
أن ما ن ُسب إلى القبيلة -في الجملة- يصدق على كل فرد منها، ولاسيما السادة<br />
والرؤوس ، وبخاصة رأسها الأول: عمرو بن كلثوم وأبوه، فهو –وإن شمله الفخر<br />
ضمنا ً- مخصوص منه بالنصيب الأوفى؛ إذ كان معروفا ً عند العرب ألا يسود القبيل َة<br />
إلا أجمعها لخلال الشرف والسؤدد.<br />
(2)<br />
وقد صرح هو نوع تصريح بذلك . وقال :"إن<br />
غاراتهم وحروبهم كان النصر فيها يتحقق بقيادة رأسهم من بني جشم بن بكر، وهو<br />
(3)<br />
رأس بني جشم بن بكر، وإن لم يسم نفسه ؛ لأن التجريد هنا أبلغ من التحديد، لكي<br />
يكون كل رأس من بني جشم هذه سيرته كائنا ً من كان.<br />
الأمر الثاني أن عمرا ً ولد في حرب البسوس، وأظهر ما يكون الروح الجماعي<br />
وأقواه في أوقات الشدة، ولاسيما إذا عظمت المحنة وطالت ونالت الجماعة، فكان كل<br />
.177<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
دراسات في الشعر الجاهلي،<br />
انظر البيتين 37 من القصيدة الأولى.<br />
يرى التبريزي أن الرأس هنا: الحي العظيم الذين لا يحتاجون إلى أحد، (شرح القصائد<br />
العشر،234)، ويرى الجاحظ أنه:القبيلة إذا عزت وقهرت(البرصان والعرجان،314). ولعل الأكثر<br />
اتفاقا ً مع السياق ما ذهب إليه الزوزني من أنه الرئيس، (شرح المعلقات السبع،272)، ويرى ياقوت<br />
الحموي( معجم البلدان، أن المراد بالرأس كليب ، وللأبيات عنده ترتيب غير الذي في شروح<br />
المعلقات.<br />
(419/2<br />
: 36 و<br />
81
ج<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
فرد منها مطلوبا ً أو مؤاخذا ً بالنسب وحده؛ فإنها تت َّحد صغارا ً وكبارا ً، وقد ينسى ما<br />
كان بين بعضها من خلاف، ويغدو الفرد والجماعة في شعور كل امرئ منها شيئ ًا<br />
واحدا ً، أو كالواحد؛ لأنه مؤاخذ -لا محالة- بجريرتها ومعدو عليه لانتمائه، وإن لم<br />
يعت َدِ، فت ُتناسى الخصوصيات ، وتغدو الجماعة بإزاء الجماعة، ولا يكون للفرد معنى<br />
إلا من حيث كونه من تلك الجماعة، فيتحتم أن يفخر الفاخر بقبيلته لا بنفسه؛لأنه يفاخر<br />
جماعة، لا فردا ً مثله، وفخاره بنفسه- لو فخر- لا يغني عن قبيلته، وقد يكون أثرة<br />
وعجبا ً يستحق صاحبهما الملام. لذلك نسب عمرو كل مأثرة ذكرها إلى قبيلته، حتى ما<br />
تفرد هو بصنعه، أو خصه دونها، كقوله:<br />
ت َه ددنا، وأوع دنا، روي دا ً، متى كنا لأمك مقتوينا؟<br />
أما المتع والشهوات التي ليس فيها فخر في ذاتها فلا معنى إلا لأن يخ ْتص بها<br />
صاحبها نفسه دون قبيلته.<br />
ومن الحق أن الفخر الجماعي هو الأكثر في مقامات الحروب وتنافس القبائل،<br />
وإن كان الشاعر ربما ذكر بلاءه وما أغنى عن قبيلته في طي فخره بمآثرها، وذلك ما<br />
أضرب عنه عمرو هنا بالكلية. ولعل هذا من أسباب تعظيم تغلب لمعلقته؛ إذ كانوا<br />
يروونها صغارهم وكبارهم، حتى هجاهم أحد البكريين، فقال:<br />
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم<br />
يروونها أبدا ً مذ كان أولهم<br />
يا ل َلرجال لشعر غير مسؤوم<br />
!<br />
(1)<br />
فقد كانت لهم بمنزلة الهوية التي يجد كل تغلبي فيها ماهيته دون سائر العرب،<br />
فضلا ً عن كونها ذكرا ً مرفوعا ً، ووسيلة من وسائل التربية على الخلال التي يحبون أن<br />
يرثها بنوهم من بعدهم.ولو لم تكن كذلك لكانت مأثرة من مآثر عمرو، أكثر من يعنى<br />
بها وبروايتها أهلُ بيته، وإن رواها غيرهم من تغلب ف َلِما ت ُروى له الأشعار في<br />
الجاهلية.<br />
(1)<br />
الشعر والشعراء،<br />
.103<br />
82
ج<br />
ج<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
لقد توسل عمرو إلى ما يريد بالتعبير المباشر، والوصف ، على طريقة أكثر<br />
الشعراء الحماسيين، الذين يشغلهم<br />
-عادة- الانفعال، وضيق المقام، ونشوة النصر، أو<br />
ذل الهزيمة عن تحري الصور البيانية، التي قد تحتاج إلى روِية وتفكر، ممن لم يؤْت َ<br />
الخيال التلقائي البارع، والذكاء الفطري المفرط، والتجربة الطويلة في الشعر والحياة.<br />
بيد أن صدق<br />
الشعور، وحرارة الدفق العاطفي، وبراعة الوصف المباشر، وتخير اللغة<br />
المثقلة بالمعاني والدلالات، مع الوجازة، وحسن الإيقاع، وجمال القافية- قد تنوب<br />
كثيرا ً عن براعة الصور البيانية. فهذه الأبيات –مثلا ً-:<br />
ورِث ْنا المجد- قد علمت معد-،<br />
ن ُطاع ن دونه حتى يبينا<br />
ونحن -<br />
إذا عماد الحي خرت<br />
على الأحف َاضِ<br />
-<br />
نمنع من يلينا<br />
بشبانٍ، يرون القتل مجدا ً<br />
حديا الناس كل ِّهم جميعا ً،<br />
فأما يوم خشيتنا عليهم<br />
وأما يوم لا نخشى عليهم<br />
برأس من بني جشم بن بكر،<br />
إذا ما المل ْك سام الناس خ َسفا ً<br />
ألا لا يجهلن أحد علينا<br />
-قد بلغ فيها عمرو ما أراد من البيان<br />
وشِيبٍ في الحروب مجربينا<br />
مقارعة ً بنيهم عن بنينا<br />
فتص بح خيل ُن ا عص با ً ث ُبِين ا<br />
فنمعن غارة ً متلببينا<br />
ن دق ُّ ب ه الس هولة َ والحزون ا<br />
أبين ا أن ن ُقِ ر الخس ف فين ا<br />
فنجه لَ فوق جهل الجاهلينا<br />
عن قوة تغلب وف َوقها، مقرونين بمشاعره<br />
التياهة، وعواطفه الم<br />
َتس عِرة، وذهابِه في الفخر بقبيلته كل مذهب،بما يغني عن التشبيه<br />
والاستعارة. ولعل هذا التدفق التلقائي، والصدق الشعوري ما كانا ليحدثا لو تلهى<br />
باستجلاب تشبيه أو استعارة لم يرِدا على خاطره عفوا ً، فإن ذلك يقطع عليه تدفقه،<br />
ويبرد انفعاله، ويستحضر وعيه كاملا ً؛ فيضعف شعره. ولاسيما أن عمرا ً ربما كان<br />
يحفظ كثيرا ً من الأشعار، كعادة النابهين من الجاهليين والإسلاميين، وذلك يشغله<br />
83
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
باستعادة الصور الجاهزة المكرورة التي سبِق إليها، فيغدو شعره تردادا ً واعيا ً باردا ً لما<br />
تختزنه ذاكرته، كما يفعل كثير من شعراء الجاهلية المتأخرين، وشعراء الإسلام؛ فلا<br />
يجد قارئه عمرا ً وتغلب التاريخيين؛ وإنما يجد صورة فرد أو قبيلة من قبائل العرب<br />
مثاليين، يصح أن ينتحلها كل عربي جاهلي وكل قبيلة جاهلية، أي يجد صورة نمطية<br />
صنعتها السن َّة الأدبية، والثقافة الاجتماعية أكثر مما صنعها عمرو بن كلثوم.<br />
وقد حفلت القصيدة –مع ذلك- بالصور البيانية، ولكنها متفاوتة في قيمتها الفنية:<br />
فبعضها صور مادية، لا تعدو عرض صفة مشتركة بين محسوسين، هي في أحدهما<br />
أبين منها في الآخر، عرضا ً مجردا ً من الشعور، وربما نقصته الطرافة والغرابة اللتان<br />
قد ت ُخ ْرجان هذا النوع من الصور عن برودته، وعدم جدواه الفنية. من ذلك تشبيه<br />
الخمر بالحص، وذراعي المرأة بذراعي الناقة، وثديها بحق العاج، وعروض اليمامة<br />
بارتفاع السيوف في أيدي اللاعبين، ومتون الدروع بمتون الغدران تصفقها الرياح<br />
الجارية، وحمرة ثياب المقاتلين بالأُرجوان.<br />
وبعضها ليس بحسي، ولكنه قريب عادي، كتشبيه حزنه بحزن ناقة أضلت<br />
سقبها، وحزن امرأة ثكلى مات لها تسعة من البنين.<br />
على أن من الإنصاف أن يقال: إن هذه النظرة إلى الصور لا تنظر بالحسبان<br />
إلى تقدم عمرو الزماني، الذي قد يستتبع أن يكون سابقا ً أو من السابقين إلى هذه<br />
الصور وإدخالها في الرصيد الخيالي الأدبي في العصر الجاهلي، وإنما تحكم عليها<br />
بحسب ترددها في الشعر الجاهلي، وكثرة توارد الشعراء عليها. وليس إيراد الشاعر<br />
للصور العادية دليل ضعف أو تقصير، ففي<br />
"<br />
بعض الآداب الراقية المتقدمة، وفي<br />
بعض الحقب بخاصة يقتصر عمل الشاعر على استعمال تقاليد جاهزة. ولنقل إن اللغة<br />
(1)<br />
تقدم له نفسها شعرا ً" . وقد كان العصر الجاهلي وما سبق العصر العباسي من<br />
العصر الإسلامي كذلك، وإنما تعظم مكانة الشاعر ويتميز بقدر إضافته إلى ذلك<br />
(1)<br />
نظرية الأدب،<br />
.23<br />
84
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
المشترك من الصور الشعرية والمعاني التي صنعها الخيال في حقبة من حقب التاريخ<br />
الأدبي.<br />
ومع هذين الصنفين صور رائعة جدا ً، بث فيها عمرو مشاعره، وأبرز فيها من<br />
المعنويات ما لا يسهل –في العادة- إدراكه إدراكا ً دقيقا ً، إذا اق ْت ُصِر على وصفه<br />
وصفا ً مباشرا ً. ومن أجودها تشبيهه عزة تغلب بقناة صلبة، تتأبى على مثق ِّفها ما يروم<br />
من تغييرها عن خلقتها، فإذا أعضها الثقاف َ انقلبت وأرن َّت واشمأزت، ثم انقلبت عليه<br />
(2)<br />
(1)<br />
فشجت وجهه وقفاه . ولا تقل عنها صور أخرى وردت في القصيدة .<br />
وتشترك هذه الصور كلها في تصوير تغلب في شعور عمرو ، قبيلة ً قوية غالبة<br />
جسورا ً على جسام الأفعال، مستخفة بها على جسامتها؛ لشدة اقتدارها على نيل ما تهم<br />
به. لكن الصورة الأولى هي أروعها؛ لما فيها من الحياة والحركة ، والإيحاء وعزة<br />
النفس، التي كاد ين ْطق بها الجماد، بل جعله يثب، ويشمئز، وينتقم أشد انتقام. وقد<br />
كانت صورة القناة صورة حسية حية لنفسية عمرو وقبيلته، ولاسيما أمه ليلى، كما<br />
بدت في قصتهما مع عمرو بن هند؛ فقد كانت صرختها مستغيثة بتغلب بمنزلة رنين<br />
القناة الشديدة واشمئزازها، وخفة ُ عمرو إلى عمرو بن هند ليقتله بمنزلة انقلاب القناة<br />
على المثقف وشج وجهه وقفاه.<br />
وإخراج هذه المعنويات بهذا البيان المشف المشع بالمعاني وجه من أوجه الحسن<br />
في الصورة.<br />
وقد جعل عبد القاهر الجرجاني إبراز التشبيه الحسي للمعنويات علة من علل<br />
بلاغة التمثيل وتأثيره:" فأُن ْس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي،<br />
وتأتيها بصريح بعد مكني،... نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس، وعما يعلم<br />
بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع؛لأن العلم المستفاد من ط ُرق الحواس، أو<br />
(1)<br />
انظر الأبيات:<br />
(2)انظر الأبيات:<br />
15 و 16 و<br />
38 و 39 و 57 و<br />
17 من القصيدة الثانية.<br />
، 33 من القصيدة الأولى.<br />
85
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
المركوز فيها من جهة الطبع، وعلى حدِّ الضرورة يف ْضل المستفاد من جهة النظر<br />
والفكر، في القوة والاستحكام، وبلوغ الثقة فيه غاية التمام، كما قالوا: ليس الخبر<br />
(1)<br />
كالمعاينة، ولا الظن كاليقين" ، " وهو يريك للمعاني الممث َّلة بالأوهام شبها ً في<br />
الأشخاص الماثلة، والأشباح القائمة، وينطق لك الأخرس، ويعطيك البيان من الأعجم،<br />
(2)<br />
ويريك الحياة في الجماد، ويريك التئام عين الأضداد" . وهذا يصدق كل الصدق على<br />
صور عمرو هذه ولاسيما الأولى منها.<br />
يضاف إلى هذا ما في التشبيه -بمعناه الأعم- من إيجاز وإيحاء يغنيان عن<br />
الوصف والتفصيل، وقد فطن يحيى الجبوري إلى ذلك في الشعر الجاهلي، فقال:"<br />
ولعل أقرب صور الإيجاز تتمثل في التشبيه، حيث يقرب المعاني البعيدة، ويركزها<br />
في صورة قريبة محسوسة، ولذلك كان التشبيه في الشعر الجاهلي أكثر الأغراض<br />
(3)<br />
البيانية" ، إلا أن جل َّ صور عمرو التي عرضت هنا إنما هي صور استعارية أبان<br />
فيها عن منزع ليس هو الأكثر عند الجاهليين، لأن الاستعارة"عمل مركب فيه تعقيد؛<br />
(4)<br />
فهي قليلة" ؛ فلذلك تقل عند الجاهليين ويكثر التشبيه إلا بعض عبيد الشعر فإن الروية<br />
والتنقيح ربما أعاناهم على أن يقعوا من الاستعارة على ما لم يقع عليه الشعراء<br />
المطبوعون. ولكن استعارات عمرو تتسم بالطبع والتلقائية وعدم التكلف مع ما فيها<br />
من الروعة والإيحاء المبين.ويزداد المرء إعجابا ً بها إذا علم أنه ارتجلها في مقام<br />
ضيق دون ترو أو سابق فكرة أو نظر.<br />
أما لغة المعلقة فهي أجود لغة المعلقات السبع؛ إذ غلب عليها الوضوح، مع القوة<br />
والإحكام، وقل فيها الغريب ، وما تضمنت منه غريب نسبي. وربما كان يت َوق َّع أن<br />
تكون لغة عمرو من أغرب لغة الشعر الجاهلي؛لقدمه وبداوته. لكن دارس الشعر<br />
(1)<br />
(2) السابق .111،<br />
:<br />
(3)<br />
.<br />
(4)<br />
أسرار البلاغة ، 102 وما بعدها.<br />
الشعر الجاهلي<br />
الموضع السابق<br />
خصائصه وفنونه،<br />
.208<br />
86
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
العربي القديم لا تخطئ عينه قوة أثر الغرض في لغة الشعر غرابة وأُنسا ً. والفخر<br />
والحماسة إنما تلائمهما اللغة الجزلة، في غير غرابة ولا حوشية، ودون لين ولا<br />
ابتذال، كما قال ابن رشيق عن لغة المديح:" وأن يجعل معانيه جزلة، وألفاظه نقية،<br />
(1)<br />
غير مبتذلة ولا سوقية" ، " والافتخار هو المدح نفسه، إلا أن الشاعر يخص به نفسه<br />
(2)<br />
وقومه، وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار" .<br />
ومعلقة عمرو تنكبت بعض الأغراض التي هي مظنة الإغراب، كوصف الناقة<br />
والرحلة والأظعان والمهامه والقفار، وبقر الوحش وحمره، والخيل والمطر؛ فذهب<br />
عنها من الغريب بقدر ما تنكبت من هذه ، بخلاف المعلقات الأُخ َر، ولا سيما معلقتي<br />
طرفة ولبيد. وقد غاب هذا عن طه حسين؛ فشك في صحتها لرقة لفظها وسهولته<br />
فقال: "<br />
وما هكذا كانت تتحدث العرب في منتصف القرن السادس للمسيح وقبل ظهور<br />
الإسلام بما يقرب من نصف قرن، وما هكذا كانت تتحدث ربيعية خاصة في هذا<br />
العصر الذي لم تسد فيه لغة مضر، ولم تصبح لغة الشعر، بل ما هكذا كان يتحدث<br />
(3)<br />
الأخطل التغلبي الذي عاش في العصر الأموي، أي بعد ابن كلثوم بنحو قرن" .<br />
ولا نريد أن نتوقف عند هذه الدعاوى؛ لأن المقام ليس مقام الحديث عن مذهب<br />
طه حسين، سوى أننا نقول إنها ليست مبنية على دراسة علمية. ولغة مضر لم يتكلم<br />
بها الأخطل ألبتة ولا سادت ديار ربيعة يوما ً.<br />
ولا يق ْدر المرء هذه القصيدة قدرها إلا إذا قارنها بمعلقة الحارث بن حلزة، التي<br />
ملأها بالغريب والحوشي من الألفاظ، مع أنه لم يتعرض إلا للموضوع الذي تعرض<br />
له عمرو، سوى وصفه للناقة في مقدمتها. وبسبب هذه الغرابة عدها طه حسين أمتن<br />
العمدة،<br />
.128/2 (1)<br />
(2)السابق ، .143/2<br />
(3)في الشعر الجاهلي ،<br />
.167<br />
87
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
(1)<br />
وأرصن من قصيدة عمرو ، على طريقة بعض النقاد الذين يجعلون الغرابة معيارا ً<br />
من معايير جودة الشعر.<br />
" إنها<br />
ولعل ما ذ ُكر آنفا ً من مزايا القصيدة هو علة ذلك الثناء العريض من الرواة<br />
والنقاد القدامى عليها، كقول عيسى بن عمر:" الله در عمرو بن كلثوم: أي حلس شعر،<br />
ووعاء علم، لو أنه رغب فيما رغب فيه أصحابه من الشعراء؟ وإن واحدته لأجود<br />
(2)<br />
سبعهم" .وقال مطرف :" بلغني عن عيسى بن عمر، وأظن أني قد سمعته منه ، أنه<br />
كان يقول: لو وضعت أشعار العرب في كفة، وقصيدة ُ عمرو بن كلثوم في كفة لمالت<br />
(4)<br />
(3)<br />
بأكثرها" . وقال ابن قتيبة:" وهي من جيد شعر العرب القديم" . وقال المرزباني<br />
(5)<br />
إحدى مفاخر العرب" .<br />
غير أن بعض النقاد أخذ عليها السناد في :<br />
تصفقها الرياح إذا جرينا<br />
كما عيبت المبالغة في<br />
:<br />
يكون ثِفال ُها شرقي نجد<br />
ول ُهوت ُها ق ُضاعة َ أجمعينا<br />
وقد تؤخذ على القصيدة عيوب أخر، لا نحب أن نتتبعها الآن؛إذ تبين من تتبع<br />
الروايات أن بعضها قد يكون من صنع الرواة، وضعوا مكان الكلمة غيرها، وتصرفوا<br />
في القصيدة بما أحدث فيها من العيوب ما لم يصنعه الشاعر. وقد نبه ذو الرمة عيسى<br />
ابن عمر على ذلك، فقال له: "اكتب شعري، فالكتاب أحب إلي من الحفظ؛ لأن<br />
(1)السابق ، .171<br />
.72<br />
(2)<br />
.73<br />
.103<br />
(4)<br />
.202 /<br />
(5)<br />
جمهرة أشعار العرب،<br />
(3)السابق،<br />
الشعر والشعراء،<br />
معجم الشعراء<br />
88
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
الأعرابي ينسى الكلمة قد تعب في طلبها يوما ً أو ليلة ، فيضع موضعها كلمة في<br />
(1)<br />
وزنها، ثم ينشدها الناس" .<br />
عرِينا"،<br />
وهذا البيت الذي عيب عليه سناده، فيه روايتان أخريان لا سناد فيهما، هما :"إذا<br />
(2)<br />
"إذا غ َرِينا" . أما بيت المبالغة فمأتى العيب فيه –عند النقاد- من أنهم"كانوا<br />
يقيسون كلام الشاعر على الواقع، أي على الحقيقة، ومن أن هذه المقايسة كانت ت ُظ ْهر<br />
لهم –بالطبع- أن كلام الشاعر لا يطابق الواقع الحقيقي، أو أن ما يقوله لا يمكن أن<br />
يتحقق في الواقع العيني الملموس. وخطأ النقاد هنا هو في مبدأ المقايسة ذاته؛ فهذا<br />
مبدأ منطقي عقلاني تحليلي، وليس للشعر أية علاقة بهذا المبدأ... الشعر مجرد قول،<br />
(3)<br />
أي نوع من الاستيهام الخاص" .<br />
وإذا انصرف المرء عن المقايسة إلى مقصد الشاعر ونفسيته- عد هذا البيت من<br />
أجود أبيات القصيدة؛ لبراعته في الإبانة عن تلك النفس التائهة بما عند قبيلتها. على<br />
أن الصورة هنا مجازية، تشبه شيئا ً بشيء لتقريب تصوره إلى الأذهان، ولا تدعي<br />
المطابقة، ولا الحقيقة، وإن أخرجها في أسلوب استعاري، والاستعارة مبناها على<br />
الادعاء.<br />
وفي بناء القصيدة بصورتها التي ن ُقلت إلينا شيء يستوقف الدارس: فالشاعر<br />
استهلها بالخمر، ثم عدل عن الخمر إلى الغزل، فاستوقف صاحبته الظاعنة من الدار<br />
التي كانت تجمعهما، وسألها عما ستصنع-إذا افترقا- بما كان بينهما من علاقة قبل<br />
التفرق، ثم استطرد من ذلك إلى جسمها وما فيه من جمال يثير الشوق إليها، والحنين<br />
في أثرها. وليس بين الموضوعين من علاقة، ولا رابط يسوغ التخلص من أحدهما<br />
.250/2<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
العمدة، ولم يكن تغيير الرواة سلبيا ً دائما ً ، بل كانوا يصلحون الشعر كثير ًا. (انظر: لغة<br />
قريش،324).<br />
انظر: معلقة عمرو بن كلثوم،<br />
كلام البدايات، 104 وما بعدها.<br />
.106<br />
89
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
إلى الآخر، ولا من دأْب شعراء الجاهلية أن يجمعوا بين هذين الموضوعين في<br />
مقدمات القصائد، على هذا الوجه، فلِم فعل عمرو بن كلثوم؟<br />
يبدو أن القصيدة كانت في الأصل قصيدتين، لكل منهما مطلع ومقدمة ، أحد<br />
المطلعين هو:<br />
ألا هبي بصحنك فاصبحينا...<br />
والآخر:<br />
قفي قبل التفرق يا ظعينا...<br />
وكان عمرو قال القصيدتين في مناسبتين: أولاهما ما كان بين بكر وتغلب عند<br />
عمرو بن هند في شأن من هلك من غلمان تغلب، وما أعقبه من خ ُلف بين الحيين.<br />
والأخرى في قتل عمرو بن هند لما أراد أن يخ ْدم أم عمرو بن كلثوم أمه. وفي<br />
القصيدة ما يشير إلى المناسبتين إشارة صريحة، كقوله يخاطب عمرو بن هند في<br />
الأولى:<br />
أبا هند ، فلا تعجل علينا،<br />
وأنظرنا ن ُخ َبرك اليقينا<br />
ج<br />
وقوله يخاطب البكريين:<br />
إليكم يا بني بكر، إليكم<br />
ألم ا تعلم وا من ا وم نكم<br />
ألما تعلموا منا اليقينا؟<br />
كتائب يط َّع ن ويرتمين ا<br />
أما المناسبة الأخرى فيشير إليها قوله:<br />
تهددنا وأوعدنا، رويدا ً<br />
متى كنا لأمك مقتوينا؟...<br />
ولا جامع بين بعض أبيات المناسبتين ؛ فت ُجعلَ في قصيدة واحدة ؛ إذ لا مسوغ<br />
لحديث عمرو عما كان بينهم وبين البكريين وهو يتحدث عن قتل عمرو بن هند، ولا<br />
مسوغ لتهديد بني بكر بن وائل وتحديهم، بأمر لم يكونوا حاضريه، ولا شأن لهم به.<br />
ولكن رواة الشعر خلطوا القصيدتين؛ لما بينهما من ش َبه الغرض، واتفاق الوزن<br />
والقافية، ووحدة الشعور، وكون عمرو بن هند هو المعني في القصيدتين، في تينك<br />
90
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
المناسبتين. ثم جعلوا مقدمتيهما متواليتين، كأنهما عنصران من مقدمة واحدة؛ لما كان<br />
وضع إحداهما بعد فراغ الأخرى غير ذي مسوغ ، إذ لا يحسن إقحام الغزل، أو ذكر<br />
الخمر في فخر كفخر عمرو هذا، ثم ضموا فخر القصيدتين أحدهما إلى الآخر، ووالوا<br />
بينهما.<br />
(1)<br />
ولهذا نظائر في الشعر الجاهلي ، منها مفضلية سويد بن أبي كاهل ، وهي مئة<br />
وثمانية أبيات، وذات مقدمتين غزليتين، لكن مقدمتيها، قد ف ُصِل بينهما، بأن جعلت<br />
القصيدة الثانية بعد فراغ أختها. والذي سوغ هذا قِصر الفخر الذي أعقب المقدمة<br />
الأولى، فلم يزد على خمسة عشر بيتا ً ، وجاء بعد أبيات في وصف الرحلة، ت ُوهِم<br />
القارئ أنها إلى صاحبته سلمى التي يتغزل بها، وهي إلى أرض قبيلة الشاعر التي<br />
يفخر بها. أما القصيدة الثانية فاست ُهِل َّت بالغزل بسلمى أيضا ً، استهلالا ً يخيل إلى القارئ<br />
أنه عود إلى الغزل، ووصل لِما قطع منه الاستطراد إلى الفخر.<br />
وليس في قصيدتي عمرو ما يسوغ ذلك. ولولا ما في قصيدة سويد من المعاني<br />
والألفاظ الإسلامية التي لا يعرفها الجاهليون لعسر على الدارس ألا يحكم بأنها قصيدة<br />
واحدة.<br />
ولم يرد فيما اطلعت عليه من المصادر القديمة ما يدل على أن القدامى نبهوا<br />
على أن معلقة عمرو كانت قصيدتين في الأصل، قيلتا في مناسبتين ، إلا أن من<br />
الممكن أن يستنتج من خلافهم في مناسبتها أنها كانت قصيدتين. فقد ذهبت طائفة منهم<br />
إلى أنها قيلت في حضرة عمرو بن هند، بعدما كان بين بكر وتغلب، وبعد أن أنشده<br />
(2)<br />
الحارث بن حلزة معلقته .وذهبت أخرى إلى أنه قالها بعد قتله عمرو بن هند لما<br />
(3)<br />
أراد أن يخ ْدِم أمه أمه . ومأتى هذا الاختلاف من ظن الرواة أن القصيدتين واحدة،<br />
.166<br />
(1)<br />
(2) الأغاني ،<br />
انظر: حديث الأربعاء،<br />
171/9، والخزانة،180/3، وشرح القصائد العشر، 252 وما بعدها. وشرح القصائد<br />
السبع الطوال، 371، والبرصان والعرجان<br />
انظر: الأغاني، 176/9، والشعر والشعراء، 103، ومعجم الشعراء،<br />
، 24 وانظر: الديوان ، .27<br />
.202<br />
(3)<br />
91
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
وقيلت في مناسبة واحدة، وخفي عليهم أنهما اثنتان قيلت كل واحدة منهما في واحدة<br />
من تينك المناسبتين، ولا خلاف بين الفريقين في الحقيقة. ويؤيد هذا التوفيق أن بعض<br />
الذين جعلوا القصيدة في الذي كان بين البكريين والتغلبيين قالوا إن مطلعها:<br />
قفي قبل التفرق يا ظعينا...<br />
والذين يرون أنها قيلت في قتل عمرو بن هند جعلوا مطلعها:<br />
ألا هبي بصحنك فاصبحينا...<br />
ولم أقف – فيما اطلعت عليه- على ما يؤيد قول علي أبو زيد إن نظم القصيدة<br />
في زمنين مختلفين هو ما ورد في<br />
(1)<br />
التاريخ ورواه العلماء ، وهو قول يناقض قولا ً<br />
آخر له: إن الذي عليه أغلب القدماء أن عمرا ً نظم قصيدته فيما كان من احتكام بكر<br />
وتغلب إلى عمرو بن هند، ولم يجعل قولها في قتل عمرو بن هند إلا بعض المحدثين،<br />
(2)<br />
دون أن يقدموا دليلا ً أو توثيقا ً لما ذهبوا إليه .<br />
والبيتان" قفي قبل التفرق..." و" ألا هبي بصحنك..." صالح كل منهما لأن يكون<br />
مطلعا ً لقصيدة. وما بعدهما من الأبيات صالح معهما لأن يكون مقدمة من المقدمات<br />
الجاهلية ، ولاسيما البيت الأول؛ فإن" قف، وقفا، وقفي" مشهورة في مقدمات القصائد<br />
القديمة. وللقطامي- الشاعر التغلبي- مطلع قريب من هذا المطلع، هو قوله في<br />
قصيدته العينية:<br />
قفي قبل التفرق يا ضباعا<br />
(3)<br />
ولا يك موقف ٌ منك الوداعا<br />
.33<br />
27 ومابعدها.<br />
(1)<br />
(2)<br />
الديوان،<br />
وهذا القول نفسه فيه تناقض، فهو يقول في بدايته إنه قول أغلب القدماء ،<br />
السابق،<br />
وهذا يعني أن قلة منهم لا تقول به، ويقول في نهايته إن قولها بعد قتل عمرو بن هند لم يقل به إلا<br />
المحدثون دون دليل. وفي الحق أن من قال به له سنده، بل لقد ذكر الأصفهاني أنه لم يقل إنها قيلت<br />
فيما كان بين بكر وتغلب إلا الأصمعي، وغيره من الرواة يخالفه الأغاني،<br />
(3)المنتخب في محاسن أشعار العرب ،<br />
.(171/9<br />
)<br />
.20/2<br />
92
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
والقرب الجغرافي، واتحاد البيئة الاجتماعية سبب لتقريب المذاهب الفنية وتعاور<br />
الأساليب الشعرية وإشاعتها، ولاسيما إذا أضيفت إليهما الرواية، فهي تهيئ للشاعر من<br />
أساليب غيره وصوره ما يجعله يلاقيه في كثير من العبارات والصور والمعاني.<br />
أما الدارسون المحدثون الذين تعرضوا لعمرو ومعلقته فلم أجد من صرح منهم<br />
بأنها كانت قصيدتين، وإنما قال بعضهم إنها ن ُظمت في المناسبتين السابقتين، بدأها في<br />
(1)<br />
الأولى وأتمها في الثانية . ويرى أحدهم أن عمرا ً تذك َّر بعد قتله عمرو بن هند وقفته<br />
يوم التحكيم في المناسبة الأولى ،" فلم يق ْبل منه،وغ ُل ِّب؛ فارتجل أبياتا كان يود لو أنه<br />
استطاع أن يقولها... فجاءت الأبيات مشاكلة لأبيات القصيدة السابقة، ثم اختلطت<br />
الأبيات بالأبيات، والمناسبة بالمناسبة، فجاءت المعلقة مزيجا ً من أبيات لا يمكن أن<br />
تكون ن ُظمت في زمن واحد. ولعل ابن كلثوم نفسه هو الذي دمج الأبيات جميعا ً في<br />
(2)<br />
قصيدة واحدة فيما بعد، فأسقط أبياتا ً وأضاف أخرى" .<br />
وربما لم يكن الأمر بهذه الصورة، وربما لم يكن عمرو هو الذي ضم<br />
القصيدتين، ولا أتم أولاهما بأبيات أضافها إليها. أما أولا ً فلأنه لو كان ما قال في<br />
المناسبة الثانية إتماما ً لما قال في الأولى أو زيادة عليه لما احتاج إلى مطلع آخر<br />
ومقدمة غير الأولى، بل لنظم ما تقتضيه المناسبة، مكتفيا ً بالمقدمة الأولى ومطلعها.<br />
وأما ثانيا ً فلأن عمرا ً لم يكن متفرغا ً للشعر،يتدبره فيحذف منه ويضيف إليه ، بل ربما<br />
كانت تفيض قريحته-أحيانا- بشيء من الشعر في مناسبة من المناسبات فيقوله ،<br />
(3)<br />
وليس له من القصائد سوى المعلقة ، وما سواها إنما هو قِط َع قصيرة . على أن هذا<br />
143/1، ومقدمة<br />
.31<br />
،123/1<br />
(1)<br />
انظر: تاريخ آداب اللغة العربية، وتاريخ الأدب العربي ، لعمر فروخ،<br />
القصيدة العربية، ولحسين عطوان قول صريح إنها كانت قصيدتين نظمتا في زمنين، لكنه<br />
رجع إلى ما يشبه قول المشار إليهم آنفا ً، حين ذكر أن قسما ً منها نظم قبل قسم.<br />
ديوان عمرو بن كلثوم،صنعة علي أبوزيد،<br />
يؤيد هذا الرأي ما ورد في(جمهرة أشعار العرب، تحقيق الهاشمي، من أن رجلا ً سأل أبا<br />
عمرو بن العلاء:" هل قال عمرو بن كلثوم غير قصيدته؟ قال أما قصيدة فلا ، غير أن الناس<br />
افتعلوا عليه أشعارا ً نسبوها إليه. وإني لأظن لولا ما افتخر به في قصيدته ، وما ذكر من حربهم ما<br />
قالها".<br />
(208/1<br />
:<br />
.172<br />
(2)<br />
(3)<br />
93
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
الضرب من تلفيق الشعر لم يكن معروفا ً عن الجاهليين. أما الذي جمع القصيدتين في<br />
واحدة فقد يكون الرواة الأولين من تغلب، عن غير قصد، وإنما كانوا ينشدونهما<br />
متواليتين حتى طال عليهما الأمد، فظ ُن َّتا واحدة. ولكن هذا ربما كان يستوجب أن تكونا<br />
كقصيدتي سويد، توضع الثانية منهما بعد فراغ الأولى، ولا يدمج المطلعان<br />
والمقدمتان، غير أن هذا الدمج ربما كان من صنيع الرواة الإسلاميين، قدموا وأخروا<br />
في القصيدتين حتى صارتا على الصورة التي انتهت إلينا، كما صنعوا بسائر أبياتها،<br />
وقد يكون حادثا ً في القصيدة قبل الإسلام.<br />
وقد يعترض هذا الرأي بقول الشاعر البكري الذي انتقد تغلب على إفراطها في<br />
ترداد القصيدة:<br />
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة<br />
(قصيدة) قالها عمرو بن كلثوم<br />
فهو ذكر قصيدة، ولم يذكر اثنتين، وقد يكون هذا دليلا ً على أنها لم تكن إلا<br />
واحدة قبل الرواة الإسلاميين. كما قد يعترض بما ذهب إليه أحد الباحثين من الشك في<br />
أن يكون ما ورد في أول القصيدة من ذكر الخمر كان أول َها حقا ً ، يوم قالها<br />
عمرو؛لأن ما بقي من شعره ليس فيه ذكر للخمر ألبتة، ولأن البيتين:"صبنت<br />
الكأس..." ورد في بعض الروايات أنهما لغيره، ولأن الشعر الجاهلي لم ت ُف ْت َتح منه<br />
قصيدة واحدة بوصف الخمر، فالراجح –إذن- أن عمرا ً وصف الخمر في أثناء<br />
(1)<br />
قصيدته، لا في مقدمتها ؛ فذاك الغالب على شعر الجاهليين .وعليه يكون للقصيدة<br />
مطلع واحد، هو ذاك الغزلي، ويكون عمرو ربما أتم القصيدة الأولى بعد حين.<br />
وليس في الاعتراضين ما يرد ذاك الرأي؛ فلعل الذي أشار إليه البكري إحدى<br />
قصيدتي عمرو، هي الأولى. وقد ثبت أن المعلقة بصورتها هذه قيلت في زمنين،<br />
وفي<br />
مناسبتين، وليس حتما ً أن يكون مراد الشاعر المعلقة كما هي اليوم في دواوين الأدب<br />
(1)<br />
مقدمة القصيدة العربية ،<br />
.172<br />
94
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
العربي؛ فلا دليل على ذلك، ولو أراده ما نفى أن تكون في الأصل قصيدتين دمجتا.<br />
فهو يتكلم عنها في صورتها الحالية، لا في نشأتها التاريخية.<br />
وخلو مقطوعات عمرو الباقية من الخمر هو الأصل؛ فهي مقطوعات حماسية<br />
كلها، وليست المقطوعات من الشعر الجاهلي الذي تتعدد أغراضه ، وإنما تتعدد<br />
(1)<br />
أغراض القصائد .<br />
والبيتان المشار إليهما ليسا لعمرو بن كلثوم –كما سنرى-، وكذلك البيت الذي<br />
بعدهما, وليس ذلك بنافٍ أن يكون سائر المقدمة الخمرية لعمرو بن كلثوم، والباحث لا<br />
ينكر هذا، بل يراه.<br />
وبعيد – فيما أرى- أن يكون<br />
"<br />
وفيه من علامات المطالع ما لا يخفى<br />
:<br />
المطالع ، وخطابٍ لم يتقدمه من قد يكون هو المعني به.<br />
والشذوذ.<br />
ألا هبي بصحنك..." من أبيات القصيدة الداخلية،<br />
من تصريع ، واستفتاح أكثر ما يكونان في<br />
وكون الجاهليين درجوا على التقدمة للقصائد بغير الخمر لا ينفي إمكان الندرة<br />
ولم ينتبه الباحث للفرق بين قصيدة عمرو هذه والقصائد التي وصفت فيها الخمر<br />
في الجاهلية: فالشعراء الذين وصفوا الخمر أو ذكروها إنما فعلوا في مقام التمدح<br />
بالفتوة، والفعال الذاتية، أو كانوا يذكرونها استطرادا ً من وصف ريق امرأة يشبهونه<br />
بها، أو من وصف ما يعتادهم من وله يشبه السكر. وهذا كله يقتضي ألا تكون الخمر<br />
إلا في أثناء القصائد، وليس فيه ما يسوغ أن تستهل بها.وفخر عمرو فخر قبلي جمعي<br />
خالص، لا مكان فيه للتمدح بالصبوات وشرب الخمر، ومنادمة الفتيان وتتبع الصيد،<br />
وسماع الغناء ، كما يفعل بعض الشعراء. وإذا ذ َك َر الخمر أو النساء فالمكان اللائق<br />
بهما في قصيدة هذا شأنها هو المقدمة، فإن من شأن القصائد أن تستهل ببعض<br />
المثيرات المهيجة للشعر، الباعثة على قوله، فإذا فرغ من ذلك عمد إلى الفخر بقبيلته<br />
(1)<br />
الشعر الجاهلي<br />
:<br />
خصائصه وفنونه،<br />
.241<br />
95
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
فلم يخلطه بشيء لا يلائمه، حتى يفرغ منه. وعمرو فوق هذا كله لم يكن له في<br />
حياته- فيما يبدو- ميل إلى اللهو الذي عرف به شعراء الخمر في الجاهلية، فقد كانت<br />
رياسته تغلب في الخامسة عشرة من عمره تصرفه عن ذلك؛ لأنه لا يليق برؤوس<br />
القبائل، ولاسيما القبيلة التي رأينا من قوتها وبأسها ما رأينا. ولا ينافي هذا ما روى<br />
(1)<br />
الكلبي من أن عمرا ً ممن شربوا الخمر صرفا ً حتى ماتوا ، فإن هذا كان في آخر<br />
(2)<br />
حياته بعد أن بلغ مئة وخمسين عاما ً . ويروي بعض المصادر أن شربه الخمر في<br />
آخر حياته كان غضبا ً من مساواة النعمان بن المنذر بينه وبين ابنه الأسود في هدية<br />
(3)<br />
كان يهديها إليه، فترك الطعام والشراب إلا الخمر الصرف طلبا ً للموت. ويؤيد هذا<br />
ما فطن إليه صانع ديوانه من أن" ضمير الجمع كان غالبا ً على معظم شعره، ولا تكاد<br />
(4)<br />
تظهر فرديته إلا في أبيات يسيرة" ، وهو ما ظهر في القصيدة أيضا ً. والخمر وما<br />
شاكلها من صنوف اللذات أمر فردي يباين الجماعة التي كانت تستحوذ على روح<br />
عمرو، كما كانت إدارتها تستحوذ على سائره.<br />
بقيت قضية تستحق المناقشة، هي طول المعلقة فقد قال إسماعيل البغدادي<br />
وهو يتحدث عن عمرو- :"<br />
بعض الأدباء<br />
–<br />
(5)<br />
له القصيدة المعلقة، نحو ألف بيت" . ونقل هذا القولَ<br />
(6)<br />
غير معترض عليه أو منكر لصحته ، بل قال أحدهم إن ما حل بها من<br />
(7)<br />
ذهاب تسعة أعشارها أصاب غيرها من القصائد الجاهلية . وهذا القول يعسر جدا ً<br />
على دارس الشعر الجاهلي- خاصة-، والشعر القديم قبل العصر العباسي –عامة- أن<br />
يتقبله، كما يعسر تقبله على من له معرفة بحياة العرب الأقدمين ، ومذاهبهم في القول،<br />
.66/21<br />
178/9<br />
الأغاني، (1)<br />
(2)السابق،<br />
انظر: ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي،185.<br />
ديوانه، صنعة علي أبو زيد،<br />
هدية العارفين ،<br />
تاريخ الأدب العربي ، لعمر فروخ، 143/1، ومقدمة القصيدة العربية،172.<br />
تاريخ الشعر العربي ، 50 وما بعدها.<br />
.24<br />
801/1<br />
(3)<br />
(4)<br />
(5)<br />
(6)<br />
(7)<br />
96
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
الن َّزاعة إلى الإيجاز، القالية للإطناب. وأكبر الظن أن البغدادي أراد أنها نحو "مئة<br />
بيت"، فسها أو سبقه القلم، فهو توفي سنة<br />
(1)<br />
1920م ، ولم يطرأ على مصادره تلف أو<br />
ضياع كبيران؛ فتتعذر رؤيتها على غيره. وأطول روايات القصيدة رواية أبي زيد<br />
القرشي، وتبلغ فيها 115 بيت ًا، وتبلغ94عند الأنباري، و93 عند النحاس،و85 عند ابن<br />
كيسان، و97 عند التبريزي، و103عند الزوزني. وهذا يسوغ أن يقال: إنها "نحو مئة<br />
بيت". وربما كان بعض أبيات القصيدة قد سقط بسهو من الرواة أو بنسيان، كما حدث<br />
لكثير من شعر العرب القديم، قبل التدوين، ولاسيما الجاهلي منه، وليس ما سقط من<br />
هذه أكثر مما سقط من سائر القصائد الجاهلية. وربما كانت عناية تغلب بها منذ قيلت،<br />
حافظت عليها ، وهيأت لها من الصون وأسباب البقاء ما لم يتهيأ لغيرها من القصائد.<br />
ومن أقوى المؤيدات لهذا أن معلقة الحارث بن حلزة اليشكري التي قيلت مع إحدى<br />
قصيدتي عمرو بن كلثوم لا يزيد ما بقي منها على<br />
(2)<br />
85بيت ًا . وهذا يدل على ما كانت<br />
تبلغه القصيدة دلالة تقريبية، على أنني أتوقع أن تكون قصيدة الحارث أطول كثيرا ً من<br />
قصيدة عمرو بن كلثوم؛ للمنحى الذي نحاه كل منهما: الحارث نحا منحى المديح<br />
والإقناع والاستمالة وسرد الأدلة والحوادث، ونحا عمرو منحى الفخر والوعيد<br />
والتهديد، والأول يحتاج من الإطالة والإطناب إلى ما لا يحتاج إليه الآخر. ويبدو أن<br />
الحارث –أيضا ً- كان أكثر محافظة على سنة شعراء الجاهلية في بناء القصيدة من<br />
عمرو، كما يظهر من انتقاله من الغزل إلى وصف الراحلة، وهو ما أعرض عنه<br />
عمرو، وهذا من دواعي الإطالة، وإنما بلغت معلقة عمرو ما بلغت من الطول بإضافة<br />
القصيدة التي قال بعد قتل عمرو بن هند.<br />
ودراسة القصيدة من الداخل لا ت ُبين أن هناك فجوات كبيرة بين أبياتها، تحمل<br />
على الظن أنها من سقوط بعضها ولاسيما القسم الأول منها، كما سوف نرى –إن شاء<br />
.289/2<br />
(1)<br />
(2)<br />
معجم المؤلفين،<br />
هي 85 في رواية النحاس، و84في رواية ابن الأنباري ، و 82 عند الزوزني.<br />
97
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
االله-. ولست أرى ما يرى البهبيتي من أن القصائد الجاهلية كانت في الأصل ملاحم،<br />
ثم عبث بها النسيان فلم يبق إلا بعضها، وبقيت موضوعاتها الرئيسة لا علاقة بينها في<br />
الظاهر، وفقدت ما كان بينها من روابط؛ "فكان هذا التفكك الذي أظهر القصيدة بمظه ِر<br />
غيرِ ذاتِ الغرض الواحد، فما هي إلا خطرات ٌ شعرية يط ْرد إليها الشاعر قصيدته<br />
(1)<br />
طردا ً ويحملها عليها حملا ً" ، ولو ذهب المرء إلى ملاحم اليونان وأزال ما بينها "من<br />
الروابط وأساليب الوصل والتمهيد التي تجمع بين أجزائها، لوقع لها ما وقع للقصيدة<br />
الجاهلية من براءة الجزء من الجزء، وغرابة الخروج من الموضوع إلى الموضوع،<br />
ولغدت مث ْل َها تمام ًا:<br />
(2)<br />
خطرات شعرية يجمعها الوزن الواحد والقافية الواحدة" . وهذا<br />
إغراق في الوهم والتخيل، يحسن ألا يأْخذ به الباحث نفسه من غير برهان، قد يكون<br />
الداعي إليه شعورا ً قوميا ً يجد النقص في ألا يكون في شعر العرب من المطولات<br />
والملاحم ما كان في شعر اليونان، وأشعار الأمم الأخرى، وليس دافعه أدلة ً علمية<br />
يمكن البناء عليها في استنتاج حكم. والباحث يناقض نفسه في هذه القضية مناقضة<br />
كبيرة، فقد جعل الإيجاز سمة من سمات شعر الجاهلية، وأفاض في التدليل عليه بما<br />
(3)<br />
ينفي إمكان أن تكون القصائد الجاهلية أطول مما كانت كثير ًا ، ويقول هنا ما يقول!<br />
وينبغي تمييز شعر العرب العاطفي من الشعر الملحمي القائم على القصص<br />
التاريخية أو الخيالية، والأساطير، وما في ذلك كله من التفصيل، والسرد الطويل.<br />
فالشعر العاطفي شعر انفعالي يلائمه الإيجاز والإشارة، والمفردات والعبارات<br />
المشحونة بالدلالات والصور، ولا يلائمه التفصيل والسرد، فهذان لا ينفسان عن النفس<br />
المتوترة المستوفزة، كما تنفس عنها العبارة البليغة الموجزة، فضلا ً عن أن نظم الشعر<br />
الطويل يستغرق وقتا ً طويلا ً، ويحتاج إلى كتابة لم يكن جل الشعراء يعرفها.والشاعر<br />
الأمي لا يبلغ نهاية الفكرة الطويلة حتى ينسى أولها، وقد يقع في التناقض من أجل<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
تاريخ الشعر العربي،54.<br />
الموضع السابق.<br />
السابق، 78 وما بعدها.<br />
98
ت)<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
ذلك.ولولا خوف الإطالة التي لا يحتملها المقام لضربت الأمثلة لذلك. ولهذا كانوا<br />
يحذ ِّرون من الإطالة ، ويقولون:"كثرة القول ينسي بعضه بعضا ً". ولقد كانوا-مع ذلك-<br />
يستهجنون الإطالة، ويرونها من العي. يروى أن ربيعة الرأي-وكان بليغا ً- تكلم يوما ً<br />
فأطال وأحسن، حتى داخله العجب من كلامه، فالتفت إلى أعرابي قريب منه فسأله:<br />
ماتعدون العِي فيكم؟ فقال له الأعرابي: ما كنت فيه منذ اليوم!<br />
وقد فطن بعض دارسي الأدب العربي إلى هذه الطبيعة، فقال:"والعرب أهل بديهة<br />
وارتجال، وت َط ْل ُب الإلمام بطبائع النفوس، وقد ش ُغلوا بأنفسهم عن النظر فيمن عداهم،<br />
وتفتقر إلى التحليل والتطويل، وهم أشد الناس اختصارا ً للقول، وأقلهم تعمقا ً في<br />
(1)<br />
البحث" .<br />
ويعلل أحدهم هذا المنزع بما في حياتهم من ن ُق ْلة وحركة دائمة، ومناخ قاسٍ<br />
صيفا ً وشتاء، فذلك جعلهم لا يطيلون ولا يتأملون، بل يقفون عند المعنى وقفة سريعة،<br />
(2)<br />
ثم يتركونه . ويعلله بعضهم بقلة الأسفار البعيدة، وقلة تعرضهم للأخطار الشديدة،<br />
وطبيعة الأرض، وبساطة الدين، وضيق الخيال، وقلة الأساطير، واعتقاد وحدانية<br />
(3)<br />
الإله .<br />
ومن عجيب الاتفاق-ونحن ننفي عن قصيدة عمرو ما ن ُسبت إليه من الطول- أن<br />
نجد في وصيته لبنيه- وقد حضره الموت-:" وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار<br />
(4)<br />
يكون الإهذار" . وما كان هذا ليكون رأيه ثم يطيل إطالة لا نظير لها فيما أُثِر عن<br />
أهل زمانه من نثر وشعر.<br />
وربما كان مذهب عمرو في الإيجاز هو الذي جعل ما أُثر عنه من الشعر-غير<br />
المعلقة- قِط َعا ً لا يجاوز أطولها تسعة أبيات، وليس ما قال صانع الديوان فقط من"أنه<br />
1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
(4)<br />
اريخ الأدب العربي ، للزيات ،31.<br />
الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه، 105 وما بعدها.<br />
تاريخ الأدب العربي،<br />
الأغاني،<br />
.31<br />
.178/9<br />
99
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
لم يكن محترفا ً للشعر، ولم يكن موضعه من قبيلته ليسمح له أن ي<br />
ِثك ْ<br />
ر من الشعر<br />
(1)<br />
المطول، بل كل ما قاله جاء ردة فعل آنية على ما يطرأ من أحداث" ، على أن هذا<br />
كله من أسباب ألا تطول المعلقة.<br />
ولست أدري كيف يتأتى أن يحفظ التغلبيون الأميون قصيدة عمرو التي تبلغ ألف<br />
بيت من مرة واحدة، ولا كيف يستطيع هو تذك ُّرها إذا هو ارتجلها، إن غضضنا<br />
الطرف عن إمكان حدوث ذلك، وفرضنا أن عمرا ً أوتي شاعرية لم يؤتها أحد قبله من<br />
العرب ولا بعده.<br />
لقد كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجال الحارث بن حلزة قصيدته في موقف<br />
واحد، ويقول:<br />
(2)<br />
"لو قالها في حول لم يل َم" ، وهي لا تزيد على خمسة وثمانين بيتا ً ،<br />
ومعلقة عمرو بن كلثوم أجود منها كثيرا ً، فكيف لا يعجب المرء أن يقول عمرو ألف<br />
بيت من الشعر في موقف أو موقفين؟<br />
وثمة أمر من الأهمية بمكان، هو أن معاني الجاهليين كانت محدودة، وهم<br />
متساوون في ثقافتهم وبيئتهم، متشابهون في عواطفهم،"والعواطف تتشابه في أكثر<br />
(3)<br />
القلوب، ويكاد التعبير عنها يتفق في أكثر الألسنة" ؛ فلذلك كان أحدهم لا يكاد يأتي<br />
إلا بما سبق إليه ، بل يردد معاني محدودة بألفاظ مكرورة.ومن كانت هذه حال َه لم يكن<br />
للإطالة مكان في شعره. ولعل هذا سبب من أسباب كون قصائدهم- مع ما فيها من<br />
الاستطراد، وتعدد الأغراض، والإطناب في بعض الموضوعات- لا تكاد تبلغ المئة.<br />
وربما كان من الممكن أن تبلغ القصيدة ألف بيت لو أن عمرا ً نحا فيها منحى<br />
تفصيليا ً لأيام تغلب وانتصارها، ولاسيما يوم البسوس، وما فيه من الحوادث الجسام،<br />
والملاحم العظام؛ بيد أن الذي درج عليه شعراء الجاهلية أن يشيروا إلى الحوادث<br />
التاريخية إشارة، دون توقف أو سرد، تعويلا ً على معرفة الناس بالتاريخ والأيام-<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
الديوان،26.<br />
الأغاني،172/9.<br />
تاريخ الأدب العربي،31.<br />
100
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وكانت أهم معارفهم- كما ألمح إلى ذلك البهبيتي:"وإنما القصة فيه (أي الشعر<br />
الجاهلي)... لمحات وإشارات مقتضبة وموجزة تفسرها-عادة- حكايات قد تكون<br />
شائعة بين الناس، كان الشاعر يمكنه أن يدرجها في صلب قصيدته-لو أراد ذلك-<br />
ولكنه يكتفي عنها بتلك اللمحة القصيرة. ذلك أنه لا ينظر إلى القصة على أنها<br />
(1)<br />
موضوع من موضوعات الشعر، وإنما هي مث َلٌ يضربه أو عبرة يسوقها" .وما كانوا<br />
يتحدثون عن شيء من الأيام بالتفصيل إلا الأيام المنقضية قريبا ً، عقب انقضائها؛<br />
لأنها ما زالت مجهولة، والشعر مصدر من مصادر معرفة ما كان من أمرها،<br />
والشاعر المتحدث عنها يكون في مقام الشماتة والفخر؛ فيذهب به ذلك مذهب الإطالة<br />
والتفصيل، تخليدا ً لمآثر قومه، وسبقا ً إلى الأذهان يضع فيها ما يحب أن يعت َق َد فيهم،<br />
معولا على أن "من يسمع يخ َلْ". على أن الإطالة هنا إضافية أيضا ً،" فلم يكن وصف<br />
شعرائهم للمعارك وصفا ً مطولا ً يأخذ بالكلام من أوائله حتى ينتهي إلى أواخره كما<br />
تدعو الحوادث، فليس لديهم قصائد تمسك بأوائلها حتى تبلغ نهايتها، فتريك صورة<br />
معركة منذ بداءة الوقعة إلى ختامها، وإنما هي فترات شعر، في لمحات وصف<br />
مقتضبة مجتزأة، يتبين فيها الروح العربي البياني الذي انطوى -منذ كان- على<br />
(2)<br />
الاختصار في سرد الصور أو الزهد في التقصي".<br />
وفي معلقة عمرو من الشواهد<br />
على هذا النهج ما يغني عن التمثيل من غيرها. فيوم خ َزازى الذي كان مفخرة تغلب<br />
الكبرى لم يرد له ذكر في شيء من أشعارها، ولا أشعار غيرها من المعديين الذين<br />
انتصروا فيه على القبائل اليمنية، سوى قول عمرو:<br />
ونحن غداة أوقد في خزازى<br />
(3)<br />
رفدنا فوق رفد الرافدينا<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
تاريخ الشعر العربي،،79.<br />
شعر الحرب في أدب العرب،4.<br />
العقد الفريد،84/6 وما بعدها. وورد بعد هذا البيت عنده ثلاثة أبيات، قال إن أبا عمرو بن العلاء<br />
جعلها في يوم خزازى. وفي (الخزانة،546/8) أن الثلاثة في غير يوم خزازى ، وهو الظاهر.<br />
101
ج<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
ولما أراد التفصيل في إحدى الحوادث لم يزد على أن قال:<br />
وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />
فصالوا صولة<br />
فيمن يليهم<br />
فآبوا بالنهاب وبالسبايا<br />
وكان الأيسرين بنو أبينا<br />
وصلنا صولة فيمن يلينا<br />
وأبنا بالملوك مصفدينا<br />
لم يزد على ثلاثة أمور: موقعِ تغلب في المعركة الدال على قوتها وتميزها،<br />
وهجومِها هي وبني عمها من بني بكر، كل ٌّ على من يليه، ونتيجةِ الهجوم. وتنك َّب كل َّ<br />
التنكب ما سوى ذلك؛لأن ما ذكر يحصل به الغرض، وما سواه إطالة لا مسوغ لها،<br />
والحادثة يعرف تفصيلها من ت ُل ْق َى إليه. ولما فخر بأسلافه اقتصر على ذكر أسمائهم،<br />
(1)<br />
دون تفصيل شيء من مآثرهم أو ذكرها .<br />
الآن.<br />
وإذا استبان هذا لم يبق مجال لتصديق أن تزيد القصيدة كثيرا ً على ما هي عليه<br />
وذهب علي أبو زيد إلى أن بعضا ً من القصيدة، أسقطه عمرو، أو تناسته تغلب<br />
حتى نسيه الناس؛لأنه كان في موضوع، لا تود أن يذكر؛لأن فيه منقصة وضعفا ً.<br />
ويستدل على ذلك بأن ليس فيما بقي من المعلقة ذكر لقتلى تغلب الذين دارت على<br />
قتلهم معلقة الحارث بن حلزة، وهو كان يتوقع أن يكون لما قال الحارث ما يشاكله في<br />
(2)<br />
قصيدة عمرو .<br />
ومعلقة عمرو فخرية، والفخر لا يذكر فيه إلا القوة والغ َل َب، ويت َنك َّب ذكر<br />
(3)<br />
الضعف والهزيمة، ويندر أن يذكر الشعراء ما فعل بهم أعداؤهم . فليس من المتوقع<br />
إذن أن يرد في شعر عمرو ذكر لحادثة القتلى، والحارث أيضا ً لم يتحدث عن القتلى،<br />
وإنما تحدث عن ظلم تغلب لهم ووشايتهم بهم إلى عمرو بن هند، وحذ َّرهم نقض العهد<br />
9 إلى<br />
. 33<br />
(2)<br />
(3)<br />
(1)انظر الأبيات: من 13 من القصيدة الأولى.<br />
الديوان،31و<br />
القصائد التي يذكر فيها ذلك تسمى (المنصفات)، وهي قليلة جدا ً. وسبب ذلك أن الفخر والحماسة<br />
موضوعان عاطفيان يسجلان ما تهوى النفس لا ما رأت العين.<br />
102
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
الذي بينهم، وافتخر بأيام بكر ومآثرهم، وذكر مثالب تغلب وهزائمهم. على أن عمرو<br />
بن هند كان ميله- قبل أن ينشده الحارث- مع تغلب، فلما غيره ما سمع، وعرف<br />
عمرو بن كلثوم ذلك منه عمد إلى تهديده وتهديد بكر، ولم يعمد إلى دفع الحجة بالحجة<br />
لاستمالته ورد قالة الحارث؛ فتطولَ قصيدته.<br />
مصادر القصيدة<br />
وردت معلقة عمرو كاملة ً في عدة مصادر قديمة، أهم ما اطلعت عليه منها:<br />
معلقة عمرو بن كلثوم، بشرح أبي الحسن بن كيسان(ت299ه). وهو مما بقي من<br />
(1)<br />
شرحه لخمس من المعلقات . ووردت في ) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات)،<br />
لأبي بكر الأنباري<br />
(ت328ه). و(شرح القصائد التسع المشهورات) لأبي جعفر<br />
النحاس(ت338). و(شرح القصائد العشر) للخطيب التبريزي(ت502)، ومعلقة عمرو<br />
ابن كلثوم بشرح عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري(ت514ه)، و(شرح<br />
المعلقات السبع)<br />
(2)<br />
للزوزني(ت486) ، و(جمهرة أشعار العرب) لأبي زيد محمد بن<br />
أبي الخطاب القرشي. ووردت منها أبيات متفرقة في مصادر قديمة شتى.<br />
والقصيدة عند ابن كيسان خمسة وثمانون بيت ًا. ويبدو من دراسة روايته لها أنها<br />
أضبط الروايات، من حيث ترتيب الأبيات، وتحرير الألفاظ، وأسلمها من الصناعة<br />
والنحل؛ فلم أجد فيها ما يت َردد في قبوله سوى بيت واحد، هو:<br />
(1)<br />
(2)<br />
إذا لم نحمهن فلا بقينا<br />
لشيء بعدهن ولا حيينا<br />
ج<br />
ففي النفس شيء منه؛ لأنه- فيما أرى- من الفضول، والأبيات التي قبله تغني<br />
عنه؛ لأن فحواها أن من دأب التغلبيين حماية النساء، والدعاء عليهم إن لم يحموا<br />
نساءهم لا يزيد على هذا المعنى، وهذا النحو من الفضول يكثر في الشعر المصنوع،<br />
كما قال ابن سلام:" وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه، ولا حجة ٌ<br />
انظر: معلقة عمرو بن كلثوم، 118.<br />
هذا هو التاريخ الذي ذكر حاجي خليفة(كشف الظنون،1741)وهو الذي ذكر السيوطي في (بغية<br />
الوعاة،232)، ولكن القفطي قال إنه كان موجودا ً في المئة السادسة.( إنباه الرواة،321/1).<br />
103
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
(1)<br />
في عربية، ولا أدب يستفاد، ولا معنى يستخرج، ولا مث َلٌ يضرب..." . مع أن البيت<br />
ورد في جل المصادر المذكورة، بل لم يسقط إلا من اثنين منها: شرح الزوزني،<br />
وشرح القشيري.<br />
وتوافق رواية الأنباري رواية ابن كيسان، ولم تختلفا إلا في كلمات يسيرة في<br />
(2)<br />
بعض الأبيات، وخمسة أبيات زادها الأنباري . وتوافقا في ترتيب الأبيات،كلها إلا<br />
بيتا ً واحدا ً، وتوافقا في التحرز من خلط الروايات الشاذة بالرواية الصحيحة الموثوق<br />
بها. فأشارا -بعد أن فرغا مما يطمئنان إلى صحته- إلى أبيات يزيدها بعض الرواة<br />
(3)<br />
في القصيدة .وهي<br />
مصنوعة-فيما يبدو- ولا سيما بيتين رواهما ابن كيسان عن<br />
المبرد، فغير خافٍ أن لا علاقة بينهما وبين قصيدة عمرو، إلا أن يكون ناظمهما أراد<br />
تشطيرها، على أن المراد منهما غير واضح ؛ وإن لم يكونا مقطوعين من نص آخر<br />
فلا معنى لهما بهذه الصورة.<br />
أما الخمسة التي انفرد بها الأنباري فيبدو أن الأربعة الأخيرة منها غير صحيحة؛<br />
لما فيها من التكرار،. والبيت الآخر ربما كان مما نسيه ابن كيسان أو لم يروه عن<br />
شيخه بندار الذي روى عنه القصيدة.<br />
أما اختلاف الرجلين في رواية بعض الألفاظ –على قلته- فمما يسوغ ُ وقوعه بين<br />
الرواة، لاعتماد من يروون عنه من القدامى على الذاكرة.<br />
ولعل سبب هذا التوافق ما عرف به الرجلان من العلم والضبط والصدق،<br />
ولاسيما الأنباري، فقد قال عنه أبو علي القالي: "وكان ثقة دينا ً صدوقا ً، وكان أحفظ<br />
(4)<br />
من تقدم من الكوفيين" ، فضلا ً عن أنهما ربما رجعا إلى مصدر واحد، نقلا منه،<br />
.4/1<br />
، 75 ، 74 ، 45 ، 33<br />
(1)<br />
طبقات فحول الشعراء،<br />
، 77 من رواية الأنباري.<br />
(2)هي الأبيات:<br />
(3)معلقة عمرو بن كلثوم ، 117 ، وشرح القصائد السبع الطوال ،<br />
طبقات النحويين واللغويين،154.<br />
.427<br />
(4)<br />
104
ج<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وكانا يتفقان نوع اتفاق في أنهما كوفيان، إلا أن ابن كيسان كان يميل إلى المذهب<br />
(1)<br />
البصري وهما إلى ذلك متعاصران.<br />
وت ُوافِق ُ رواية أبي جعفر النحاس رواية الأنباري، من حيث الزيادة، إلا أنه لم<br />
يورد بيتين من الأبيات الخمسة التي زاد الأنباري ولكنه زاد مكانهما: "صددت الكأس<br />
عنا"، و"إذا بلغ الفطام لنا صبي".<br />
وأورد النحاس الأبيات الثلاثة التي قال الأنباري إن بعض الرواة يجعلها من<br />
القصيدة، دون أن ينبه على ذلك، كما نبه سلفه. وأكثر ما اختلف فيه الأنباري وابن<br />
كيسان من الألفاظ اتبع فيه النحاس شيخه بن كيسان. ويبدو أنه اطلع على روايتيهما،<br />
فجعلهما أساسه الذي يعتمد عليه، فلم يزد على مجموعهما شيئا ً ذا بال. أما التبريزي<br />
فلم يزد على رواية الأنباري سوى ثلاثة أبيات، اثنان منها هما اللذان زادهما النحاس،<br />
والثالث هو: وما شر الثلاثة أم عمرو<br />
...<br />
وصنع بالأبيات الثلاثة التي ت َحرز الأنباري من إدخالها في القصيدة ما صنع<br />
النحاس، وتابع الأنباري في رواية الألفاظ المختلف فيها كلها، إلا نحوا ً من ستة.<br />
ويمكن من هذه المقارنة أن يتضح مبلغ التوافق بين الروايات الأربع ، كمايمكن<br />
أن يعد مصدرها واحدا ً، هو ذاك الذي أخذ منه ابن كيسان والأنباري، وما وقع بين<br />
الأربع من التخالف قد يقع- أحيان ًا- بين نسخ الكتاب الواحد.<br />
والخلاف الأكبر في روايات القصيدة يقع بين هؤلاء الأربعة والزوزني وصاحب<br />
(جمهرة أشعار العرب). فقد زاد صاحب (الجمهرة) خمسة وعشرين بيتا ً، على ما<br />
روى الأنباري، واحد منها لفروة بن مسيك المرادي، واثنان لعمرو ابن عدي، زادهما<br />
التبريزي، وزاد أحدهما النحاس، وواحد يبدو أنه صحيح؛ إذ رواه بعض الثقات<br />
المتقدمين، كالسجستاني، هو:<br />
ح زاورة بأبطحه ا الكرين ا<br />
يدهدون الرؤوس كما تدهدي<br />
.153 السابق، (1)<br />
105
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
وسائرها مصنوع.وثمة تقارب بين ترتيب ابن كيسان والأنباري وترتيب<br />
(الجمهرة)، وبعض ما بينهما من خلاف قد يحتمله السياق. أما الزوزني فزاد على<br />
الأنباري اثني عشر بيت ًا. واتفقا على رواية عجز بيت، واختلفا في صدره، وهو عند<br />
الأنباري:<br />
ندافع عنهم الأعداء قدما ً ونحمل عنهم ما حملونا<br />
وفي (الجمهرة<br />
:(<br />
ن َعم أنا سنا ونعف عنهم ونحمل عنهم ما حملونا<br />
واختلفا في رواية الأبيات المبدوأة ب(بأنا...) اختلافا ً كثيرا ً، وهي عند الزوزني<br />
تزيد بواحد على ما عند الأنباري. وبعض المصادر يختلف في هذه الأبيات من<br />
القصيدة كثيرا ً، لسهولة اختلاطها ، وتشابهها في المفردات والوزن، فكلها مبنية على<br />
جمع اسم فاعل جمعا ً مذكرا ً متبوعا ً ب (لِما)، وهذا يسهل إحلال مفردات على وزنها<br />
بمعانيها محلها.<br />
ولم يروِ الزوزني بيتين من الأبيات الثلاثة التي ألحق الأنباري بالقصيدة،<br />
هما:"بغاة ظالمينا، لنا الدنيا".<br />
واتفقا في ترتيب ثلاثين بيتا ً متوالية، وكثر الاختلاف بينهما فيما عدا ذلك. وتتسم<br />
رواية الزوزني بتعبث بالترتيب، لا نظير له في سواها من الروايات، يمكن أن يتضح<br />
من هذين المثالين:<br />
ونحن إذا عماد الحي خرت عن الأحفاض نمنع من يلينا<br />
نجذ رؤوسهم في غير بر فم ا ي درون م اذا يتقون ا<br />
فالضمير في (رؤوسهم) لا يتبادر إلا أنه يعود على( من يلينا)، وهو معنى لا<br />
يصح، وليس مرادا ً. وقد ورد بعد البيت الأول - في مصادر أخرى- بيت غير البيت<br />
الأخير، هكذا:<br />
ونحن إذا عماد الحي خرت عن الأحفاض نمنع من يلينا<br />
106
ج<br />
ج<br />
ُق ْتي<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
ندافع عنهم الأعداء ق دما ً<br />
ونحم ل ع نهم م ا حملون ا<br />
وهو ترتيب صحيح تبرز فيه العلاقة الصحيحة بين البيتين، التي أخل بها<br />
الترتيب السابق.<br />
وهذان البيتان:<br />
أخذن على بعولتهن عهدا ً<br />
ليس تلبن أفراس ا ً وبيض ا ً<br />
جاء بعدهما في رواية الزوزني أيضا ً:<br />
ترانا بارزين وكل حي<br />
إذا ما رحن يمشين الهوينى<br />
إذا لاقوا كتائب معلمينا<br />
وأسرى في الحديد مقرنينا<br />
ق د اتخ ذوا مخافتن ا قرين ا<br />
كما اضطربت متون الشاربينا<br />
والترتيب الصحيح- كما في المصادر الأخرى- أن يكون البيت الأخير تاليا ً<br />
للبيتين الأولين؛ لأنه يتحدث عن نسوة تغلب، أما البيت الذي قبله فلا مكان له هنا.<br />
فبعض ترتيب الزوزني<br />
–إذن- ينتزع البيت من بين إخوته، ويقحمه بين أُخ َر لا<br />
تشاكله.<br />
ويظهر من دراسة مصادر القصيدة أن( الجمهرة) و( شرح الزوزني) هما أقل<br />
المصادر تحقيقا ً، وأكثرها نحلا ً وصناعة وخلطا ً، وتفوق( الجمهرة) المصادر كلها في<br />
النحل والصناعة، ويليها شرح الزوزني، ويفوقها في سوء الترتيب. ولا تختلف رواية<br />
القشيري عن الزوزني في شيء- تقريب ًا- إلا أن القشيري لم يروِ البيتين:" ونحن<br />
الحاكمون... ونحن التاركون..."، وقدم البيت" ظعائن من بني جشم"على"<br />
ن جيادنا"،<br />
وهما بعكس هذا عند الزوزني.<br />
وقد ن ُشِر شرح القشيري في ديوان عمرو بن كلثوم الذي أخرجه أيمن ميدان<br />
(1)<br />
عام1413ه، وقال إنه وجد الشرح في دار الكتب المصرية .<br />
(1)<br />
انظر الديوان،99 و<br />
.307<br />
107
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
و(جمهرة أشعار العرب) دون سائر المصادر كتاب مجهول المؤلف، مجهول<br />
التاريخ، تحوم حوله شكوك كثيرة، فمؤلفه المنسوب إليه" ليس له أدنى ذكر في جميع<br />
كتب الطبقات والرجال، فلم يذكر مع المحدثين ورواة الحديث، ولا مع اللغويين<br />
(1)<br />
والنحويين، ولا مع الشعراء والأدباء، ولا مع مؤلفي الكتب وجامعي الدواوين" .<br />
(2)<br />
وأقدم من ذ َك َره ابن رشيق (ت463ه) ، ثم ذكره بعد ذلك عبد القادر البغدادي<br />
(3)<br />
(2)<br />
والسيوطي . وأكثر ما نقل من الأخبار أسنده إلى مجهول ، وقد حاول بعض<br />
الباحثين استيضاح شخصيته والزمن الذي عاش فيه وألف كتابه، فقال مصطفى جواد<br />
إنه أُل ِّف في القرن الخامس الهجري، مستدلا ً بما ورد في حواشيه من إشارة<br />
إلى(الصحاح) للجوهري، و(ديوان الأدب) للفارابي، وهو يرى أن هذه الحواشي قد<br />
(4)<br />
تكون غير مزيدة ، كما يرى أنه ألفه في العصر الفاطمي مستدلا ً بما ورد في الكتاب<br />
من التسليم على علي بن أبي طالب<br />
(5)<br />
–رضي االله عنه-، كما هي عادة الشيعة .<br />
وذهب محمد علي الهاشمي إلى أنه توفي سنة 300ه أو في أول القرن الرابع،<br />
(6)<br />
واستدل على ذلك بأمور ربما لا تسلم له؛ لعدم دقتها .<br />
وهذه الآراء كلها ظنون لا تغني من الحق شيئا ً، ولا يمكن أن يبن َى عليها حكم<br />
علمي يط ْمأن إلى صحته أو رجحانه.ويزيد أمر الكتاب غموضا ً وتعقيدا ً ما ورد في<br />
إحدى نسخه من نسبته إلى أبي جعفر النحاس، وأن أبا زيد محمد بن أبي الخطاب<br />
(7)<br />
القرشي العمري شرحه شرحا ً بسيطا ً . وورد في أخرى أن مؤلفه محمد بن أيوب<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
(4)<br />
(5) السابق ، .20/1<br />
.24/1 (6)<br />
.71/1 (7)<br />
مصادر الشعر الجاهلي، 584 وما بعدها.<br />
السابق،585 وما بعدها.<br />
السابق، 586وما بعدها.<br />
جمهرة أشعار العرب ، بتحقيق الهاشمي(المقدمة)،<br />
السابق،<br />
السابق،<br />
.18/1<br />
108
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
(1)<br />
العزيزي ثم العمري .وكتاب هذا حاله لا ينبغي التعويل عليه فيما انفرد به، ولاسيما<br />
إذا خالف الثقاتِ المتقدمين.<br />
ومما يستوقف الباحث أن الأبيات المزيدة في القصيدة في المصادر المتقدمة كلها<br />
(الأنباري، والنحاس، والتبريزي، والزوزني) قد وردت في( الجمهرة)، وزادت عليها،<br />
كأن صاحبها من المتأخرين الذين يجمعون كل شيء يجدونه في الكتب المغمورة،<br />
والكتب التي لا يعول عليها.<br />
وقد جمع أحمد بن الأمين الشنقيطي المعلقات العشر في العصر الحديث، في<br />
كتاب سماه (المعلقات العشر وأخبار شعرائها). وروايته لمعلقة عمرو نسخة من رواية<br />
الزوزني، سوى أنه قدم" نشق بها رؤوس القوم..." على" كأن جماجم الأبطال..."،<br />
وهما بعكس هذا الترتيب عند الزوزني. وزاد عليه ثلاثة أبيات، هي:" إذا لم نحمهن<br />
فلا بقينا"، "لنا الدنيا ومن أمسى عليها..."، "بغاة ظالمين...".<br />
بقي مما يتعلق بهذه القضية أن نتحدث عن المصنوع والمنحول في القصيدة،<br />
وسيكون معتمدنا هنا على القصيدة كما وردت في الديوان الذي صنعه علي أبو زيد؛<br />
لأنه حاول أن يجمع كل ما نسب إلى عمرو منها، كائنا ً ما كان شأنه.<br />
ولم أجد من استقصاها كاستقصائه، فقد بلغت عنده(124) بيتا ً، ولم يفته شيء مما<br />
ورد في مصادرها الرئيسة سوى بيت واحد رواه الأنباري، هو:<br />
بأنا العاصمون بكل كحل<br />
وأنا الباذلون لمجتدينا<br />
وقد يكون سبب فوته ما وقع في هذه الأبيات -خاصة- من خلط واضطراب في<br />
الرواية، كما تقدم.<br />
وأنا أشك فيما لا يقل عن ستة وثلاثين بيتا ً من القصيدة، هي: (3 ،9 ،7 ،6 ،4<br />
92، 88، 82، 77، 76، 72، 58، 57<br />
،56، 35<br />
،24، 23، 21، 17<br />
،11<br />
،10،<br />
(1)<br />
مصادر الشعر الجاهلي،<br />
.586<br />
109
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
121، 120، 119، 117،118<br />
، 116، 115، 114<br />
،113<br />
،98<br />
،97، 95، 94،<br />
.(123، 122،<br />
وأهم دواعي الشك:<br />
1- كون بعضها مجرد حاشية ضعيفة على بعض أبيات القصيدة، أراد<br />
الصانعون أن يمط ُّوا بها المعنى أو يبالغوا فيه، كالبيتين<br />
مضمون البيتين اللذين قبلهما. وكذلك الأبيات(91،<br />
نسجها الصانعون المتزيدون على منوال قوله:<br />
ونحن التاركون لما سخطنا<br />
، 57)<br />
58)، فمضمونهما هو<br />
،(97 ، 95 ، 94 ، 93 ، 92 فقد<br />
ونحن الآخذون لما رضينا<br />
ويبدو أن الوضاعين الذي يحاكون مذاهب الشعراء الفنية ربما توسلوا إلى التزيد<br />
بالتكرار، فيبالغون حتى ينكشف صنعهم ، كما فعلوا ببيت الحارث بن عباد:<br />
بلغت<br />
قربا مربط النعامة مني<br />
فقد كرروه<br />
لقحت حرب وائل عن حيال<br />
(1)<br />
44 مرة، وزادوا في الأبيات التي لم تكن تزيد على ثلاثة حتى<br />
(2)<br />
مئة ، وفعلوا مثل ذلك برائية المهلهل، كرروا :" على أن ليس عدلا ً من كليب"<br />
(3)<br />
أكثر من عشرين مرة في بعض الروايات ، وأكبر الظن أن هذا التكرار ت َزيد من<br />
(4)<br />
الرواة، كله أو جله، وقد قال الأصمعي إن أكثر شعر المهلهل محمول عليه . ولم<br />
تزد الأبيات المبدوءة ب (بأنا) عند ابن كيسان على واحد ،أما المبدوأة بنحن الفاعلون<br />
(5)<br />
فلم تزد على ثلاثة ، وزادها المتأخرون حتى بلغت الأولى سبعة متوالية. وبلغت<br />
الأبيات التي صدرها "بأي مشيئة" أربعة، وهو واحد عند ابن كيسان ، ليس إلا. ويبدو<br />
.327<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
الأصمعيات، 71، ومصادر الشعر الجاهلي،<br />
انظر: ديوان بني بكر في الجاهلية،<br />
انظر:الأمالي، لليزيدي ص120(هامش). والقصيدة لم تزد في(الأصمعيات ،154 ومابعدها) على<br />
تسعة أبيات، وليس فيها "على أن ليس عدلا" أصلا ً، ولكنها بلغت في(أمالي اليزيدي،117 ومابعدها)<br />
واحدا ً وأربعين بيتا ً، وفي(أمالي القالي،130/2 وما بعدها) تسعة وعشرين.<br />
سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي،<br />
معلقة عمرو بن كلثوم، 95 وما بعدها، و<br />
.41<br />
.108<br />
.511<br />
(4)<br />
(5)<br />
110
و(<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
أن بعض الرواة خلط الأبيات المبدوءة ب(بأنا)، والمبدوءة ب(ونحن)، لكونها تشترك<br />
في ضمير المتكلم، وكون (بأنا)،<br />
إخلال بالوزن.<br />
نحن) يصلح أن يحل أحدهما محل الآخر دون<br />
ومن هذا القبيل الأبيات التي زيدت في المقدمة الخمرية، وكانت في الأصل<br />
أربعة أبيات، كما في المصادر الموثوق بها، فزيدت فيها سبعة ، خمسة منها مما تفرد<br />
به (جمهرة أشعار العرب) أو شاركه الزوزني في روايته.<br />
2- ضعف الأسلوب، كالبيت(72):<br />
بنا اهتدت القبائل من معد<br />
بنارينا، وكنا الموقدينا<br />
ف"بنا اهتدت"، و" بنارينا" تكرار غايته إقامة الوزن، و"كنا الموقدينا" فضول من<br />
القول غايته بلوغ القافية. وقد عول الصانع في إخفاء صنعته على الإشارة إلى حادثة<br />
(1)<br />
من حوادث يوم خ َزازى . والإشارة إلى الحوادث التاريخية لا تكفي وحدها لإخفاء<br />
أمارات الصناعة.<br />
ومثل هذا البيت(82):<br />
نقود الخيل دامية كلاها<br />
إلى الأعداء، لاحقة ً بطونا<br />
فكونها دامية الكلا كناية عن شدة عطشها وطول تضميرها، وهذا يغني عن<br />
"لاحقة بطونا"؛ لأنه بمعناه. وقد يكون تعريف الك ُلا وتنكير البطون أثرا ً من آثار<br />
الصناعة في البيت، غرضه بلوغ القافية.<br />
ومن علامات الضعف التكرار في البيتين: )<br />
، 23<br />
24)، فقد ختما بمصدر مؤكد<br />
لعامله: "ج ْننِ ت ُ به جنونا"، "يرن... رنينا" ، جيء به من أجل القافية وحدها. وتوالي<br />
البيتين بهذه الصورة مدعاة للشك فيهما.<br />
(1)<br />
معجم البلدان،<br />
.418/2<br />
111
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
3- مخالفة الواقع التاريخي والجغرافي، كالبيت(76): فمعنى البيت مع ماقبله<br />
(1)<br />
وما بعده أن عكا ً كانت مع بكر وتغلب في وقعة تلمح إليها الأبيات .لم تشهدها عك.<br />
وشتان ما عك وهاتان القبيلتان: عك من قبائل تهامةِ اليمنِ، وبكر وتغلب نجديتان، ولم<br />
يكن للمنذر الذي بعث القبيلتين في هذه الوقعة سلطان على قبائل اليمن وتهامة؛فيرس َلها<br />
معهما.<br />
وكذلك البيت(116) وعده ابن كيسان مما زيد في القصيدة. وقد يفهم المرء أن<br />
تملأ تغلب البر في شعور عمرو، وأن يذكر البحر مقابلة ً له على سبيل المبالغة، والذي<br />
يتعذر فهمه أن تملأ البحر سفنا ً، وهي قبيلة أعرابية لا تعرف التجارة بالسفن ، وربما<br />
كانت تأنف منها، ولا تعرف الغزو بها، فكيف يفخر عمرو بما لا يعرف؟<br />
4- المبالغة المبتذلة التي لم يكن يجرؤ عليها الشعراء قبل المولدين كثير ًا،<br />
كالبيت السابق، والبيت(4) فهو أشبه بشعر أبي نواس- خاصة- منه بشعر الجاهليين.<br />
(2)<br />
والمعنى يرد كثيرا ً في خمرياته ، ومثله البيتان( 115).ولو ، 113 علم طه حسين<br />
أن هذه الأبيات ونحوها مصنوعة ما قال عن القصيدة :"فأنت إذا قرأت هذه القصيدة<br />
رأيت أن مهلهلا ً لم يكن يتكث َّر وحده، وإنما أورث التكثر والكذب سبطه عمرو بن<br />
كلثوم، فلسنا نعرف كلمة تضاف إلى الجاهليين وفيها من الإسراف والغلو ما في كلمة<br />
(3)<br />
عمرو بن كلثوم هذه" ، ولا جعل هذا سببا ً من أسباب شكه في صحة نسبتها إلى<br />
عمرو.<br />
5- ورود البيت مقحما ً قلقا ً في موضعه، مع عدم صلاحيته لأن ينقل إلى موضع<br />
آخر، كالأبيات(17،<br />
.(122 ، 117 ، 88 ، 77 ، 35<br />
6- ورود البيت منسوبا ً إلى غير عمرو، مع خلو مصادر القصيدة الموثوق بها<br />
منه، كالبيت(123) فهذا لم ينسبه أحد من الثقات إلى عمرو بن كلثوم، وإنما نسبه إليه<br />
44 و 45 و<br />
(2)<br />
(1)انظر الأبيات: 46 من القصيدة الأولى.<br />
انظر: أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار بين الأعشى والجاهليين،<br />
(3)في الشعر الجاهلي ،<br />
.24<br />
166<br />
112
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
(1)<br />
صاحب الجمهرة ؛ لموافقته بحر القصيدة وقافيتها. وهو لفروة بن مسيك المرادي.<br />
والإقرار بالهزيمة في البيت يخالف نفسية عمرو التي رأينا. أما فروة فقد هزِمت ْ قبيلت ُه<br />
(2)<br />
مراد في يوم يقال له الرزم، ولم ت ُهزم قبله، فهو يعترف بالهزيمة ويعتذر منها .<br />
ومثله البيتان: "صبنت الكأس..."، فقد نسبهما بعض الأدباء إلى عمرو بن<br />
(3)<br />
عدي ، وجزم بذلك أبو العلاء المعري، إلا أنه قال: إن عمرو بن كلثوم ربما "حسن<br />
(4)<br />
بهما كلامه ، واستزادهما في أبياته" .<br />
وقول المعري بعيد؛ لأن التضمين من الفنون البديعية التي لم تكن مشهورة عند<br />
الجاهليين. وأكبر الظن أن البيتين مما زيد في القصيدة، وليسا بدعا ً من سائر الأبيات<br />
الخمرية التي زيدت في مقدمتها. ثم إن أوثق مصدرين للقصيدة لم يردا فيهما، وإن<br />
قال ابن الجراح: إن" الرواة جميعا ً يروونهما له، والمفضل يذكر أنهما لعمرو بن<br />
(5)<br />
عدي" ؛ فالعبرة برواية الثقات كالمفضل وابن كيسان والأنباري، وليست بكثرة النقول<br />
عمن لا يحقق.<br />
وليست قصيدة عمرو هذه بدعا ً من الشعر الجاهلي كله، فقد دخله من الصناعة<br />
والنحل، مثلُ الذي دخلها، وقد أفاض الباحثون في ذلك قديما ً وحديثا ً، وسأضرب أمثلة<br />
قليلة من قصيدة امرئ القيس المعلقة ليستبين ش َبه ما حل َّ بها بما حل بمعلقة عمرو.<br />
فإن الأبيات الخمسة الأولى منها تنسب إلى رجل من كلب اسمه امرؤ القيس بن<br />
الحمام. قال هشام بن السائب:" فأعراب كلب إذا سئلوا: بما ذا بكى ابن حمام الديار؟<br />
أنشدوا خمسة أبيات متصلة من أول:"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"، ويقولون إن<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
(4)<br />
(5)<br />
انظر: تخريجه في الديوان،154.<br />
انظر: السيرة النبوية، 582/4، وفرحة الأديب،<br />
انظر تخريجهما في الديوان ، 130 وما بعدها.<br />
رسالة الغفران/278.<br />
من اسمه عمرو من الشعراء،<br />
،202 والخزانة، .115/4<br />
.49<br />
113
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
(1)<br />
بقيتها لامرئ القيس" .وقال التبريزي إن بعض الرواة روى أربعة أبيات ذكر أنها<br />
من معلقة امرئ القيس، وخالفه فيها سائر الرواة وزعموا أنها لتأبط شرا ً، هي:<br />
وقِربةِ أقوام جعلت عصامها<br />
(2)<br />
على كاهل مني ذلول مرحل...<br />
وكان الأصمعي قد أشار إلى هذا الوضع في شعر امرئ القيس، فقال:" ويقال إن<br />
(3)<br />
كثيرا ً من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه" .أما المعلقة فيكفي أن يعلم أنها في<br />
رواية ابن كيسان<br />
(4)<br />
76بيت ًا وهي في (الجمهرة) 93.<br />
ويخلص من هذا إلى أن ما ينبغي الوثوق به والاعتماد عليه من مصادر معلقة<br />
عمرو هو رواية ابن كيسان أولا ً، ثم رواية الأنباري، وما عداهما فإنما كان ناقلا ً<br />
عنهما، زائدا ً عليهما ما لا تصح نسبته إلى عمرو، غالبا ً. ويستنتج من دراسة المصادر<br />
السابقة أن الأدباء كانوا يتساهلون في الرواية كلما تقدمت الأيام، وتقل عنايتهم بالضبط<br />
والتحقيق، وينزعون إلى الجمع دون تمييز، فما أفرده الأنباري ونبه على مخالفته لما<br />
عليه أكثر الرواة أدخله النحاس والتبريزي دون تنبيه ولا تمييز.<br />
وكان التزيد في القصيدة مطردا ً مع الزمن، فالأنباري زاد على ابن كيسان خمسة<br />
أبيات، وزاد النحاس ستة، وزاد التبريزي سبعة (فضلا ً عن الثلاثة التي أفرد<br />
الأنباري)، وزاد الزوزني ثلاثة عشر، وزاد صاحب الجمهرة خمسة وعشرين. وثمة<br />
أمر آخر يتبينه القارئ في صنيع ابن كيسان والأنباري والتبريزي والنحاس، هو<br />
ضعف الروح النقدي في عملهم، ووقوف الثقات منهم عند حد ما صحت عندهم روايته<br />
بالنقل دون النظر في المروي نفسه. ولو كان لهم نظر نقدي لنفوا من القصيدة بعض<br />
ما أدخلوا فيها، ولم يترددوا. وقد يكون عذرهم أنهم نحاة لغويون أكثر منهم نقادا ً مهرة<br />
بأساليب العرب ، ومذاهب الشعراء الفنية، لا يجوز عليهم ما يصنع بعض المتزيدين.<br />
(1)<br />
(2)<br />
(3)<br />
جمهرة أنساب العرب،456.<br />
شرح القصائد العشر،<br />
سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي،<br />
(4)انظر: شرح معلقة امرئ القيس ،<br />
.33<br />
.109<br />
.53<br />
114
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وما ينبغي أن يقبل من الشعر إلا ما ورد من طريق الرواة الثقات، وسلم من<br />
الصناعة، أما ما عدا ذلك فينظر إليه بعين الارتياب، حتى تستبين حقيقته.<br />
فصل وترتيب<br />
قد يكون لزاما ً –بعد أن ق ُرر أن معلقة عمرو كانت قصيدتين- أن نجتهد في<br />
الفصل بينهما، ولو فصلا ً تقريبيا ً، على حسب ما يظهر لنا من الأمارات المعينة على<br />
ذلك، وأن نحاول إعادة ترتيب أبيات كل قصيدة على حسب ما يبدو لنا من أوجه<br />
العلاقة بينها؛ لنزيل –ما استطعنا- ذلك التنافر الذي يرى بين بعضها، ون َسد ما يمكن<br />
سده من الفجوات الحادثة بسبب الإخلال بالترتيب في القصيدتين.<br />
وثمة صعوبة في الفصل بين القصيدتين فصلا ً دقيقا ً تطمئن النفس إلى صحته كل<br />
الاطمئنان، وإن كان من الممكن الجزم بأن بعضا ً من كلتيهما لم تجمعه مناسبة، وبعيد<br />
أن تضمه قصيدة.<br />
ومرد الصعوبة إلى وحدة الغرض، وأنهما قيلتا في مقامين أثارا مشاعر<br />
متشابهة؛ فتشابه التعبير، وأن بعضا ً منهما يصلح لكلا المناسبتين. ثم إن أبياتا ً من<br />
كلتيهما ربما سقطت، ولو بقيت لكانت من المعينات على التمييز؛ لما قد تتضمن من<br />
الإشارة إلى إحدى المناسبتين، أو لسدت فجوات قد تشكك في صحة الفصل.<br />
ووجه آخر من أوجه الصعوبة هو أن مذاهب الشعراء الفنية تختلف، ففيهم من<br />
تنقصه البراعة في سل ْسلة الأفكار والربط بينها، كما قال رؤبة بن العجاج عن ولده<br />
عقبة:" ليس لشعره قِران"،"<br />
(1)<br />
يريد أنه ليس يشبه بعضه بعضا ً" .<br />
فإذا توهم المرء أن فقد القران من سقوط بعض القصيدة، فذهب يقدره كان عمله<br />
أشبه بتقدير ما كان ينبغي، منه بتقدير ما تقوم الأدلة على أنه قد كان، فأزالته الرواية<br />
عن وجهه. وربما عاق ذلك عن تقبل القصيدة بصورتها التي ربما قيلت بها، ف َظ ُن ما<br />
بها خللا ً حادثا ً، وهو خلل أنشئت عليه.<br />
(1)<br />
الشعر والشعراء،<br />
.300<br />
115
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
غير أن الذي سقط من القصيدة ربما كان قليلا ً ، ودليل ذلك أن بعض ما يظهر<br />
من الفجوات بين الأبيات قد يسده بيت واحد، أو إعادة ترتيب الأبيات، إذا اهتدى المرء<br />
إلى العلاقة بينها، كهذه الأبيات:<br />
ونحن التاركون لما سخطنا،<br />
وكنا الأيمنين إذا التقينا،<br />
فصالوا صولة فيمن يليهم<br />
ونحن الآخذون لما رضينا<br />
وكان الأيسرين بنو أبينا<br />
وصلنا صولة فيمن يلينا...<br />
فالبيت الأول مقطوع الصلة بالذي بعده، ولا يخامر القارئَ شك في أن بينهما<br />
سقطا ً، هو الذي قطع العلاقة وأحدث الفجوة.<br />
ونحن الحابسون بذي أُر طاٍ<br />
وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />
(1)<br />
لكن أحد المصادر رتبها هكذا:<br />
تسف ُّ الجِل َّة ُالخور الدرينا<br />
وكان الأيسرين بنو أبينا<br />
ج<br />
وإذا كان يوم ذي أُراطٍ هو يوم الحادثة التي تشير إليها الأبيات فلا سقط إذن،<br />
فكأن الشاعر يقول إنهم في هذا اليوم حبسوا إبلهم صبرا ً للعدو، وكانوا في الميمنة<br />
وكان بنو عمهم في الميسرة، ثم كانت عاقبة اليوم ما ذكرت الأبيات التالية من السلب<br />
والنهب وأسر الملوك.<br />
وإذا كان هذا الترتيب غير صحيح فإن بيتا ً واحدا ً من قبيل" ونحن الحابسون"،<br />
يذ ْك ُر اسم اليوم الذي كانت فيه هذه الوقعة- يسد الفجوة في الترتيب الأول. وذلك يدل<br />
على مقدار ما أسقطته ذواكر الرواة من القصيدة.<br />
ولا يخفى على الناظر في القصيدتين- كما تبدوان في محاولة الفصل هذه- أن<br />
أولاهما جل ُّ أبياتها متلائم، ويمكن أن يكون عمرو قالها على هذه الصورة. وما قد<br />
يظ َن فجواتٍ بين بعض أبياتها ليس بفجوات حادثة؛ فالقصيدة فخرية ، ومثيلاتها تتغيا-<br />
في العادة- حشد المآثر، ولا يتوخى أصحابها تصنيفها تصنيفا ً موضوعيا ً بحيث<br />
(1)<br />
جمهرة أشعار العرب،145.<br />
116
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
يتشاكل ما يتوالى منها نوع تشاكل. والشعر الغنائي- لكونه عاطفيا ً انفعاليا ً- ربما يقبل<br />
هذا الضرب من عدم الوحدة العضوية، ولاسيما إذا كان الشاعر مطبوعا ً لا يتدبر<br />
شعره، ولا ي َنع ى بإصلاحه، فكيف إذا ارتجله؟!<br />
على أن جل أبيات القصيدة تظهر بينها علائق واضحة، وترتيب أكثرها-هنا-<br />
هو ما اتفقت عليه المصادر القديمة الموثوق بها، ولاسيما شرح ابن كيسان.والأصل<br />
في المصادر الموثوق بها أن تحافظ على جل الترتيب؛لأن إخلال الذاكرة أمر يعرض،<br />
والأصل أن ت ُبقِي على المحفوظ كما تلقته.<br />
وربما كانت نهاية القصيدة هنا غير نهايتها في الحقيقة؛ لأن الانفعال فيها ما زال<br />
على أش ُده. غير أنه لا يستطاع الجزم بهذا؛ إذ نهايات القصائد ليس لها ضابط، أو<br />
معيار ين ْتهى إليه، بعكس بداياتها التي كانت تتبع سنة غالبة.<br />
أما القصيدة الثانية فهي أقل تلاؤما ً في أولها وآخرها من الأولى، بخلاف<br />
وسطها. والاقتصار من المقدمة على أربعة أبيات خمرية ربما لا يكون هو الأصل،<br />
ولاسيما أن مقدمة القصيدة الأولى الغزلية بلغت اثني عشر بيت ًا. وهناك انتقال فجائي<br />
من الخمر إلى الوعيد والتهديد، ربما لم يصدر من عمرو بهذه الصورة. ولا يستبين<br />
الأساس الذي جعلت فيه مقدمة ُ هذه خمرية ً، ومقدمة ُ تلك غزلية ً، ف َلِم لا يكون الأمر<br />
بعكس هذا؟<br />
هذه اعتراضات قد ت َرِد على هذا الفصل والترتيب، إلا أن دفعها يبدو قريب ًا: فعدم<br />
التلاؤم في المبتدأ والمنتهى قد يكون سببه سقوط بعض الأبيات، أو عدم الاهتداء إلى<br />
تخليص القصيدة من أختها، أو الانتقال الفجائي في المقدمة، أو شدة الانفعال.<br />
وقصر المقدمة هو الأصل؛ لأنه يلائم قِصر القصيدة. فقصيدة من نحو عشرين<br />
بيتا ً ما ينبغي أن تزيد مقدمتها على ما يعادل الربع.<br />
(1)<br />
(1)<br />
ولهذا نظائر في الشعر القديم .<br />
كقصيدة الحطيئة" ألا آل ليلى أزمعوا بقفول"، وهي 22بيتا ً، مقدمتها الغزلية أربعة أبيات.<br />
(الديوان،33)، وقصيدته" ألا طرقتنا بعدما هجدوا هند" غزلها بيتان، وهي خمسة عشر بيت ًا. )<br />
الديوان،95) ولامية طفيل الغنوي" هل حبل خرقاء بعد الصرم موصول" خمسة وعشرون بيتا ً،<br />
وغزلها ستة أبيات.(المنتخب في محاسن أشعار العرب،239/2)<br />
، إلخ.<br />
117
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
وأما الانتقال الفجائي من الخمر إلى الفخر والتهديد فمعهود في الشعر الجاهلي<br />
والشعر القديم عامة، كما قال أبو هلال العسكري:" فأما الخروج المتصل بما قبله فقليل<br />
(1)<br />
في أشعارهم" .<br />
وقد انتقل عمرو في قصيدتيه هاتين من المقدمة دون تمهيد. ولو ق ُدر أن المعلقة<br />
كلها قصيدة واحدة، مقدمتها" قفي قبل التفرق..." ما زال الإشكال؛ لأن الخروج منها لم<br />
يكن متصلا ً بما قبله.<br />
وثمة علاقة نفسية بين مقدمتي القصيدتين وموضوعيهما، ت ُرجح أن يكون مطلع<br />
الأولى غزليا ً، ومطلع الأخرى خمريا ً. فالغزل وما اشتمل عليه من الحزن في الأبيات<br />
الأخيرة من المقدمة قد يكون أكثر المقدمتين ملاءمة لمضمون القصيدة الأولى<br />
ومناسبتها التاريخية. فعمرو ساءه تحول عمرو بن هند، وانتقاله من تقديم تغلب<br />
وإيثارها إلى تأخيرها والإيثار عليها. وحزنه موت من مات من بني تغلب.<br />
وتعبيره عن الغضب والحزن- وإن ظهر بصورة قوية عنيفة؛ لرد الاعتبار إلى<br />
قبيلته التي تجرأ عليها الحارث بن حلزة فحطم صورتها، فجعلها قبيلة ذليلة مغ َل َّبة،<br />
يسومها الملوك سوء العذاب- لا ينفي وجود انكسار نفسي، وحرج بالغ، يزيدهما أن<br />
تغلب ط ُل َّت دماء أبنائها، ولا سبيل إلى الثأر لهم وقد صار ابن هند خصما ً لها.<br />
أما المقدمة الخمرية فتلائم نشوة النصر والشعور بالقوة بعد قتل الملك. وقد تقدم<br />
ما بين الخمر والقوة من علاقة في نفوس الشعراء.والبيت الأخير من هذه المقدمة:<br />
وإنا سوف تدركنا المنايا<br />
مق درة لن ا ومق درينا<br />
ج<br />
يلائم حالة الشاعر وإقدامه على قتل عمرو بن هند دون وجل. وهو يبِين عن<br />
علة هذا الإقدام، وعدم الصبر على الذلة، فالآجال مقدرة، لا يدنيها إقدام، ولا يؤخرها<br />
إحجام؛ فما ينبغي - إذن- أن يتأخر عما فيه عزه، أو دفع المذلة عنه، كما قال<br />
المتنبي:<br />
(1)<br />
كتاب الصناعتين،514 .<br />
118
ج<br />
ج<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وإذا لم يكن من الموت بد<br />
فمن العجز أن تكون<br />
(1)<br />
جبانا<br />
هذا إلى ما تقدم من قول بعض الرواة<br />
-الذين يرونها قيلت فيما كان بين بكر<br />
وتغلب-: إن مطلعها"قفي قبل التفرق يا ظعينا"، وقول آخرين إن مطلعها<br />
"ألا هبي<br />
بصحنك"، وإنها قيلت في قتل عمرو بن هند.<br />
ومن علم مقتضيات المقامين اللذين قيلت فيهما القصيدتان لم يفاجئه أن تكونا بهذا<br />
التفاوت في الطول، فأولاهما كانت ردا ً لقصيدة الحارث، فهي في حاجة إلى هذا<br />
الطول، والأخرى كانت شماتة وتقريعا ً لامرئ قد قضى؛ فلا تحتاج إلى أن تكون<br />
أطول كثيرا ً مما هي، إلا بمقدار ما يسد ما يظهر من فجوات بين أبياتها إن لم تكن من<br />
طبيعة مذهب الشاعر، أو مقتضيات المقام أو الغرض.<br />
وربما يتبين للناظر المتوسم في القصيدتين أن لكل منهما روحا ً غير روح<br />
الأخرى، على ما بينهما من توافق في الغرض العام، وبعض الجوانب النفسية.<br />
فالأولى روحها القوة والبطش والتميز، وما ذكرت من أيام تغلب الغابرة إنما كان<br />
تدليلا ً على ذلك، وروح الثانية إباء الضيم وقهر من رام النيل من عزة تغلب كائنا ً من<br />
كان. صحيح أن بين الإباء والقوة سببا ً، إلا أن كلا ً منهما استأثر بقصيدة أكثر من<br />
الآخر.<br />
(1)ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري ،241/4.<br />
119
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
قفي قبل التفرق يا ظعينا<br />
قفي نسألك: هل أحدثت صرما ً<br />
بيوم كريهة ضربا ً وطعنا ً<br />
وإن غ دا ً وإن الي وم ره ن<br />
تريك إذا دخلت على خلاء<br />
ذراعي عيطل أدماء بكر<br />
وثديا ً مثل حق ِّ العاج رخصا ً<br />
ومتني لدنةٍ طالت ولانت،<br />
تذكرت ُ الصبا واشتقت لما<br />
وأعرضت اليمامة واشمخرت<br />
فما وجدت ْ كوجدي أم سق ْب<br />
ولا شمطاء لم يترك شقاها<br />
أبا هند، فلا تعجل علينا،<br />
بأنا نورد الرايات بيض ا ً<br />
وأيامٍ لنا غ ُر طوال<br />
إذا ما المل ْك سام الناس خ َسفا<br />
وس يد معش ر ق د توج وه<br />
تركنا الخيل عاكفة ً عليه<br />
(1)<br />
القصيدة الأولى<br />
نخب رك اليق ين وتخبرين ا<br />
لو شك البين؟ أم خنت الأمينا<br />
أقر به مواليك العيونا<br />
وبعد غدٍ بما لا تعلمينا<br />
-وقد أمنت عيون الكاشحينا-<br />
تربعت الأجارع والمتونا<br />
حص انا ً م ن أك ف اللامس ينا<br />
روادفها تنوء بما ولينا<br />
رأي ت حموله ا أُص لا ً ح دينا<br />
كأس ياف بأي دي مص لتينا<br />
أضل َّته فرجعت الحنينا<br />
لها من تسعة إلا جنينا<br />
وأنظرنا نخبرك اليقينا<br />
ونصدرهن حم را ً قدر روينا<br />
عص ينا المل ك فيه ا أن ن دينا<br />
أبينا أن ن ُقِر الخسف فينا<br />
بتاج الملك يحمي المحجرينا<br />
مقل َّدة ً أعن َّتها صف ُونا<br />
(1)<br />
اعتمدنا هنا على رواية ابن كيسان؛لما نرى فيها من الضبط والجودة، وزدنا عليها ما نراه صحيح ًا<br />
من الأبيات المنسوبة إلى عمرو.<br />
120
ج<br />
ج<br />
ج<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
وقد هرت كلاب الجن من َّا<br />
ورِث ْنا المجد، قد علمت معد،<br />
ونحن إذا عماد الحي ِّخرت<br />
ندافع عنهم الأعداء قدما ً<br />
نطاعن ما تراخى الناس عنا<br />
بسمر من قنا الخطي ل ُدنٍ<br />
وشذ َّ بنا قتادة َ من يلينا<br />
نطاعن دونه حتى يبينا<br />
على الأحفاض نمنع من يلينا<br />
ونحمل عنهم ما حملونا<br />
ونض رب بالس يوف إذا غ ُش ينا<br />
ذوابلَ، أو بِبِيضٍ يعتلينا<br />
نشق بها رؤوس القوم<br />
شقًّا<br />
ون ُخليها الرقاب فيختلينا<br />
ن َجد رؤوسهم في غير بر<br />
تخال جماجم الأبطال منهم<br />
ك أن س يوفنا فين ا وف يهم<br />
كأن ثيابنا من َّا ومنهم<br />
إذا ما عي بالإسناف قوم<br />
نصبنا مث ْلَ رهوة َ ذات حد<br />
بفتيان يرون القتل مجدا،ً<br />
يدهدون الرؤوس كما ت ُدهدي<br />
حديا الناس كلهم جميع ا ً<br />
فأم ا ي وم خش يتنا عل يهم<br />
وأما يوم لا نخشى عليهم<br />
برأسٍ من بني جش َم بن بكر<br />
متى ننقل إلى قوم رحانا<br />
يكون ثِفال ُها ش رقي نجد<br />
فما يدرون ماذا يتقونا<br />
وس وقا ً بالأماعز يرتمينا<br />
مخ اريق ٌ بأيدي لاعبينا<br />
خ ُضِبن بأُرجوانٍ أو ط ُلينا<br />
م ن اله ول المش به أن يكون ا<br />
محافظ ة ً، وكن ا الس ابقينا<br />
وشِ يبٍ في الحروب مجربينا<br />
حزاورة ٌ بأبطحها الك ُرينا<br />
مقارعة ً بنيهم عن بنينا<br />
فتصبح خيلنا عصبا ً ث ُبِينا<br />
فنصبح غارة ً متلببينا<br />
ندق ُّ به السهولة والحزونا<br />
يكونوا في اللقاء لها طحينا<br />
ول ُهوتها قض اعة َ أجمعينا<br />
121
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
ونحن غداة أوقد في خ َزازى<br />
ونحن الحابسون بذي أُراطى<br />
ونحن الحاكمون إذا أُطعنا<br />
ونحن التاركون لما سخطنا<br />
وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />
فصالوا صولة فيمن يليهم<br />
فآبو بالن ِّهاب وبالسبايا<br />
إليكم يا بني بكر، إليكم!<br />
ألما تعلموا منا ومنكم<br />
علينا البيض واليل َب اليماني<br />
علينا كل سابغة دلاص<br />
إذا وضعت عن الأبطال يوما ً<br />
كأن غ ُضونهن متون غ ُدرٍ<br />
وتحملنا غداة الروع جرد<br />
ورثناهن عن آباء صدق<br />
رفدنا فوق رفد الرافدينا<br />
تسف ُّ الجِل َّة الخ ُور الدرِينا<br />
ونحن العازمون إذا عصينا<br />
ونح ن الآخ ذون لم ا رض ينا<br />
وكان الأيسرين بنو أبينا<br />
وصلنا صولة فيمن يلينا<br />
وأُبن ا ب الملوك مص ف َّدينا<br />
أَلما تعلموا منا اليقينا؟<br />
كتائ ب يط َّع ن ويرتمين ا؟<br />
وأس ياف يقم ن وينحنين ا<br />
ترى فوق الن ِّجاد لها غ ُضونا<br />
رأيت َ لها جلود القوم جونا<br />
تصف ِّقها الرياح إذا جرينا<br />
عرِف ْن لنا نقائذ وافتلينا<br />
ونورثها إذا متنا بنينا<br />
وقد علم القبائل<br />
-غير فخر<br />
إذا ق ُب ب بأبطحه ا بنين ا-<br />
بأنا المنعمون إذا قدرنا<br />
مت ى نعق د قرينتن ا بحب ل<br />
ونوجد نحن أمنعهم ذِمارا ً<br />
ألا أبلغ بني الطماح عنا<br />
نزلتم منزل الأضياف منا<br />
قريناكم فعجلنا قِراكم،<br />
وأن المهلكون إذا أُتينا<br />
تج ذ َّ الحب ل أو ت َق ْ صِ القرين ا<br />
وأوف اهم إذا عق دوا يمين ا<br />
ودعميا، فكيف وجدتمونا؟<br />
فعجل ْنا القِرى أن تشت ُمونا<br />
قبي ل الص بح مِ رادة ً طحون ا<br />
122
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
على آثارنا بيض كرام<br />
ظعائن من بني جش َم بنِ بك ْرٍ<br />
أخذن على بعولتهن عهدا ً<br />
ليستلبن أبدانا ً وبيض ًا<br />
إذا ما رحن يمشين الهوين َى<br />
يقتن جيادنا ويقلن: لستم<br />
وما منع الظعائن مثلُ ضربٍ<br />
تحاذر أن تفارق أو تهونا<br />
خ َل َط ْن بميسم حسبا ً ودينا<br />
إذا لاق َوا فوارس معلمينا<br />
وأس رى ف ي الحدي د مق َن َّعين ا<br />
كما اضطربت متون الشاربينا<br />
بعولتنا إن لم تمنعونا<br />
ترى منه السواعد كالق ُلِينا<br />
123
ج<br />
ج<br />
ج<br />
ج<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
القصيدة الثانية<br />
ألا هبي بصحنك فاصبحينا<br />
مشعشعة ً كان الحص فيها<br />
تجور بذي الل ُّبانة عن هواه<br />
ترى الل َّحِز الشحيح إذا أُمِرت<br />
وإن َّا سوف تدركنا المنايا<br />
ولا تبق ي خم ور الأن درينا<br />
إذا ما الماء خالطها سخينا<br />
إذا ماذاقها حتى يلينا<br />
عليه لماله فيها مهِينا<br />
مق درة ً لن ا ومق درينا<br />
وإن الضغن بعد الضغن يبدو<br />
عليك، ويخرج<br />
الداء الدفينا<br />
بأي مشيئة عمرو بن هند<br />
فهل حدثت َ في جشم بن بكر<br />
ورثنا مجد علقمة بن سيف<br />
نكون لخ َل ْفِكم فيها قطينا؟<br />
بنقص في خطوب الأولينا؟<br />
أباح لنا حصون المجد دينا<br />
ورثت ُ م<br />
ْله هِلا ً والخي ر منه<br />
زهيرا ً، نعم ذخر<br />
الذاخرينا<br />
وعت َّابا ً وكلثوما ً جميعا ً<br />
وذا البرة الذي حدثت َ عنه،<br />
ومن َّا قبله الساعي كليب<br />
ته ددنا وأوع دنا، روي دا ً!<br />
فإن قناتنا -يا عمرو- أعيت<br />
إذا عض الث َّقاف بها اشمأزت<br />
عشوزنة إذا انقلبت أرن َّت<br />
بهم نلنا تراث الأكرمينا<br />
به ن ُحمى ون َحمي المحجرينا<br />
ف أي المجد إلا قد ولينا؟<br />
متى كنا لأمك مق ْت َوينا؟<br />
على الأعداء قبلك أن تلينا<br />
وول َّته عش َوزنة ً زبونا<br />
ت دق ُّ قفا المثق ِّف والجبينا<br />
ألا لا يجهل ن أح د علين ا<br />
فنجهلَ<br />
فوق جهل الجاهلينا<br />
124
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
-1<br />
مراجع البحث<br />
أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار بين الأعشى والجاهليين. محمد محمد<br />
حسين. بيروت:دار النهضة العربية،<br />
.1972<br />
-2<br />
-3<br />
-4<br />
-5<br />
أسرار البلاغة. عبد القاهر الجرجاني. بيروت: دار المعرفة، 1398ه.<br />
الأصمعيات. أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي. تحقيق أحمد محمد<br />
شاكر وعبد السلام هارون. دار المعارف.<br />
الأغاني. أبو الفرج الأصفهاني. ط الساسي.<br />
. عالم الفكر : بيروت . اليزيدي . الأمالي<br />
ط2 ؛ 1404ه<br />
-<br />
-6<br />
-7<br />
-8<br />
-9<br />
الأمالي. أبو علي القالي. القاهرة: المطبعة الأميرية،1324ه.<br />
1984م.<br />
إنباه الرواه على أنباه النحاه. جمال الدين علي بن يوسف القفطي. تحقيق محمد<br />
أبو الفضل إبراهيم. القاهرة: دار الكتب، 1973م.<br />
البرصان والعرجان والعميان والحولان. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.<br />
تحقيق محمد مرسي الخولي. بيروت: مؤسسة الرسالة. ط1؛1392ه-1972م.<br />
بغية الوعاه في طبقات اللغويين والنحاه. جلال الدين السيوطي. بيروت:دار<br />
المعرفة.<br />
10- تاريخ آداب اللغة العربية. جرجي زيدان. دار الهلال، 1957م.<br />
11- تاريخ الآداب العربية. كارلونالينو. دار المعارف،ط2.<br />
12- تاريخ الأدب العربي. أحمد حسن الزيات. ط الرابعة والعشرون.(من دون<br />
تاريخ).<br />
13- تاريخ الأدب العربي. عمر فروخ. بيروت: دار العلم للملايين.<br />
14- تاريخ الشعر العربي. حتى آخر القرن الثالث الهجري. نجيب محمد البهبيتي.<br />
بيروت:دارالفكر.ط4؛1970م.<br />
125
ط.<br />
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
15- جمهرة أشعار العرب. أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي.<br />
بيروت:داربيروت،1398ه.<br />
16- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام.أبو زيد محمد بن أبي الخطاب<br />
القرشي. تحقيق محمد علي الهاشمي. الرياض: <strong>جامعة</strong> الإمام محمد بن سعود<br />
1؛1399ه-1979م.<br />
17- جمهرة أنساب العرب. ابن حزم الأندلسي. تحقيق عبد السلام هارون. دار<br />
المعارف.ط5.<br />
18- حديث الأربعاء.طه حسين. بيروت:دار الكتاب اللبناني. ط2؛1974.<br />
19- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب. عبد القادر البغدادي. تحقيق عبد السلام<br />
هارون. القاهرة: مكتبة الخانجي.<br />
20- دراسات في الشعر الجاهلي. يوسف خليف. القاهرة: دار غريب، 1981م.<br />
21- ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري.تحقيق مصطفى السقاء<br />
وآخرين.بيروت:دار المعرفة.<br />
22- ديوان بني بكر في الجاهلية. جمع عبد العزيز نبوي. القاهرة: دار<br />
الزهراء.ط1؛1410ه-1989م.<br />
23- ديوان حسان بن ثابت الأنصاري. بيروت: دار بيروت.1398ه-1978م.<br />
24- دي وان الحطيئ ة.تحقي ق نعم ان محم د أم ين ط ه. الق اهرة:مكتب ة<br />
الخانجي.ط1؛1987-1407م.<br />
25- ديوان عمرو بن كلثوم. صنعة علي أبو زيد. <strong>دمشق</strong>: دار سعد الدين.<br />
ط1؛1412ه-1991م.<br />
26- ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي. تحقيق أيمن ميدان. جدة:النادي الأدبي الثقافي.<br />
ط؛1413ه-1992م.<br />
27- ديوان المعاني. أبو هلال العسكري. بيروت: عالم الكتب.<br />
126
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
28- رسالة الغفران. أبو العلاء المعري. تحقيق عائشة بنت عبد الرحمن. دار<br />
المعارف.ط8.<br />
29- السيرة النبوية. ابن هشام. تحقيق مصطفى السقا وآخرين. بيروت: دار المعرفة.<br />
30- سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي ورده عليه فحولة الشعر. تحقيق محمد<br />
عودة سلامة أبو جري. القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية. 1994م-1414ه.<br />
31- شرح اختيارات المفضل. الخطيب التبريزي. تحقيق فخر الدين قباوة.(من دون<br />
تاريخ)<br />
32- شرح القصائد التسع المشهورات. صنعة أبي جعفر النحاس. تحقيق أحمد خطاب.<br />
بغداد:وزارة الإعلام، 1392ه-1973م.<br />
33- شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات. أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري.<br />
تحقيق عبد السلام هارون.دار المعارف. ط2.<br />
34- شرح القصائد العشر. الخطيب التبريزي. تحقيق عبد السلام الحوفي. بيروت:دار<br />
الكتب العلمية.ط2؛1407ه-1987م.<br />
35- شرح معلقة امرئ القيس، صنعة أبي الحسن بن كيسان.تحقيق نصرت عبد<br />
الرحمن. بيروت:مؤسسة الرسالة، وعمان:دار البشير<br />
:<br />
ط1؛1420ه-1999م.<br />
36- شرح المعلقات السبع. الحسين بن أحمد الزوزني. بيروت دار صادر.<br />
37- الشعر الجاهلي: خصائصه وفنونه يحيى الجبوري.بيروت. مؤسسة<br />
الرسالة.ط2؛1399ه-1979م.<br />
38- شعر الحرب في أدب العرب. في العصرين الأموي والعباسي إلى عهد سيف<br />
الدولة. زكي المحاسني. دار المعارف .ط2.<br />
39- الشعر والشعراء. ابن قتيبة. تحقيق مفيد قميحة. بيروت: دار الكتب العلمية.<br />
ط1؛1401ه-1981م.<br />
40- الشعر والمال. مبروك المناعي. بيروت: دار الغرب الإسلامي ط1؛1419ه.<br />
127
معلقة عمرو بن كلثوم "دراسة وتحليل"<br />
41- طبقات فحول الشعراء. محمد بن سلام الجمحي. تحقيق محمود شاكر. القاهرة:<br />
مطبعة المدني.<br />
42- طبقات النحويين واللغويين. أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي. تحقيق محمد أبو<br />
الفضل إبراهيم.دار المعارف .ط2.<br />
43- العقد الفريد. ابن عبد ربه. تحقيق محمد سعيد العريان. بيروت: دار الفكر.<br />
44- العمدة في محاسن الشعر ونقده. ابن رشيق القيرواني. تحقيق محمد محي الدين<br />
عبد الحميد،1353ه.<br />
45- فرحة الأديب. أبو محمد الأعرابي. تحقيق محمد علي سلطاني. دار قتيبة(من<br />
دون تاريخ).<br />
46- في الشعر الجاهلي. طه حسين. القاهرة<br />
ط1؛1344ه-1926م.<br />
:مطبعة دار الكتب المصرية.<br />
47- القاموس المحيط. الفيروز آبادي. بيروت: مؤسسة الرسالة.ط2؛1407ه-<br />
1987م.<br />
48- الكامل في التاريخ. ابن الأثير. بيروت: دار صادر ودار بيروت.1385ه-<br />
1965م.<br />
49- كتاب الصناعتين:الكتابة والشعر. أبو هلال العسكري.تحقيق مفيد قميجة.<br />
بيروت:دار الكتب العربية. ط1؛1401ه-1981م.<br />
50- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. حاجي خليفة. بغداد: مكتبة المثنى.<br />
51- كلام البدايات. أدونيس. بيروت: دار الآداب .ط1؛1989م.<br />
52- لسان العرب. ابن منظور. بيروت: دار صادر.<br />
53- لغة قريش. مختار الغوث. الرياض: دار المعراج الدولية.ط1؛1418ه-<br />
1997م.<br />
128
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />
مختار سيدي الغوث<br />
54- مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية. ناصر الدين الأسد. دار<br />
المعارف.ط6؛1982.<br />
55- معجم البلدان. ياقوت الحموي. تحقيق فريد عبد العزيز الجندي. بيروت: دار<br />
الكتب العليمة.ط1؛1410ه-1990م.<br />
56- معجم الشعراء.محمد بن عمران المرزباني.تصحيح.ف.كرنكو. بيروت: دار<br />
الكتب العلمية؛ ط2؛1402ه-1982ه.<br />
57- معجم المؤلفين. عمر رضا كحالة. <strong>دمشق</strong>: المكتبة العربية،1376ه-1957م.<br />
58- المعلقات العشر وأخبار شعرائها. أحمد بن الأمين الشنقيطي.بيروت:دار الكتب<br />
العلمية.<br />
59- معلقة عمرو بن كلثوم بشرح أبي الحسن بن كيسان. تحقيق محمد إبراهيم البنا.<br />
القاهرة: دار الاعتصام .ط1؛1400ه-1980م.<br />
60- مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي. حسين عطوان. دار المعارف.<br />
61- من اسمه عمرو من الشعراء. أبو عبد االله محمد بن داود بن الجراح. تحقيق عبد<br />
العزيز المانع. القاهرة: مكتبة الخانجي.ط1؛1412ه-1991م.<br />
62- المنتخب في محاسن أشعار العرب. منسوب إلى الثعالبي. تحقيق عادل سليمان<br />
جمال. القاهرة:مكتبة الخانجي. ط1؛ 1414ه<br />
.1994-<br />
63- نشوة الطرب في أخبار جاهلية العرب. ابن سعيد الأندلسي. تحقيق نصرت عبد<br />
الرحمن. مكتبة الأقصى،1982م.<br />
64- نظرية الأدب. رينيه ويليك وأوستن وارين. ترجمة محيي الدين صبحي<br />
بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1987م.<br />
.<br />
65- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين.إسماعيل باشا البغدادي. طهران:<br />
مكتبة الإسلامية والجعفري تبريزي.ط3؛1387ه.<br />
.<br />
.<br />
تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />
.2004/8/16<br />
129