26.04.2015 Views

ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق

ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق

ﻤﻌﻠﻘﺔ ﻋﻤﺭﻭ ﺒﻥ ﻜﻠﺜﻭﻡ " ﺩﺭﺍﺴﺔ ﻭﺘﺤﻠﻴل " - جامعة دمشق

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

معلقة عمرو بن كلثوم<br />

‏"دراسة وتحليل"‏<br />

*<br />

مختار سيدي الغوث<br />

الملخص<br />

تدور معلقة عمرو هذه على معنى واحد،‏ هو قوة تغلب‏،‏ وف َوقها المطلق.‏ وما<br />

يبدو منها خارجا ً عن هذا المعنى هو داخل فيه،‏ عند التأمل:‏ فالغزل لم يكن إلا كناية ً<br />

عن شرف المتغزل،‏ ولم تكن الخمر إلا رمزا ً للفتوة.‏<br />

ولم يفخر الشاعر في المعلقة إلا بالقوة؛ لأن المقام الذي قيلت فيه لا يستدعي<br />

غيرها.‏ وكان فخره جماعيا ً،‏ ولم يفخر بنفسه،‏ ولا ذكرها إلا مرة واحدة؛ وسبب ذلك<br />

أنه كان يفاخر عن قبيلته قبيلة ً تعاديها،‏ ولم يكن يفاخر فردا ً.‏<br />

وقد حفلت القصيدة بصور بيانية متفاوتة في قيمتها الفنية،‏ ولكن جل َّها كان رائعا ً،‏<br />

يعج بالحياة والحركة،‏ وينطق بمشاعر الشاعر،وإن كان الغالب على القصيدة هو<br />

الوصف،والتعبير المباشر،كعادة أكثر الشعر الحماسي القديم.‏<br />

وكانت لغتها أجود لغة المعلقات،‏ لتجنبها حوشي الألفاظ ومستكرهها،‏ مع<br />

الجزالة،‏ وحسن الإيقاع.‏<br />

وقد استهلها الشاعر بالخمر،‏ على غير عادة الجاهليين،‏ ثم عدل عنها إلى الغزل؛<br />

وسبب ذلك ‏–فيما يبدو-‏ أنها كانت قصيدتين،‏ قيلتا في مناسبتين مختلفتين،‏ فكانت<br />

*<br />

<strong>جامعة</strong> الملك سعود – كلية المجتمع بالأفلاج<br />

71


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

الخمر مقدمة لإحداهما،‏ والغزل مقدمة للأخرى،‏ ثم خلطهما الرواة؛ للشبه بين<br />

غرضيهما،‏ ولتوافقهما وزنا ً وقافية.‏<br />

وورد في بعض الكتب المتأخرة أنها ألف بيت،‏ وهو سهو من المؤلف؛ لأن الذي<br />

ورد منها في المصادر القديمة هو دون المائة،‏ أو يزيد عليها قليلا ً.‏ والألف إنما تلائم<br />

الشعر القصصي،‏ والشعر العربي شعر غنائي مبناه على الإيجاز.‏ والإطالة<br />

الجملة-‏ دليل العي عند العرب.‏<br />

– في<br />

ولم تسلم القصيدة من التزيد،‏ شأن كثير من الشعر الجاهلي،‏ فقد اشتملت على<br />

نحو من 36 بيتا ً تلوح عليها علائم الصناعة والنحل.‏<br />

72


بر<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

يعرف قارئ الشعر الجاهلي فخريات كثيرة،‏ ذكر الشعراء فيها قبائلهم بكل جميل<br />

كانت العرب تتمدح به،‏ أو تحب أن ينسب إليها ؛ ولكن معلقة عمرو بن كلثوم ض<br />

(1)<br />

آخر من الفخر : إنها نشوة من الشعور بالعظمة ، خ َيلت إليه أن تغلب لم يخلق مثلها<br />

في البلاد ، وكل ُّ بالغ في المجد شأْوا ً ‏–من ملِك فمن دونه-‏ هو دونها،‏ مهما بلغ.‏<br />

والقصيدة كلها تدور على هذا المعنى<br />

:<br />

القوة والف َوق المطلق ، حتى الذي يبدو<br />

منها خارجا ً عنه-كمقدمتها-‏ ليس بخارج عنه،‏ عند التأمل.‏ فشرب الخمر والغزل<br />

بالمرأة ليسا إلا وسيلتين من وسائل التعبير عن هذا الشعور،‏ عبر بهما غيره من<br />

شعراء الجاهلية،‏ على وجه جعل المرأة والخمر ‏–عندهم-‏<br />

الفتوة،‏ كما يظهر من قول طرفة بن العبد في معلقته:‏<br />

ولولا ثلاث ٌ،‏ هن من عيشة الفتى<br />

نمطا ً من أنماط الكناية عن<br />

(2)<br />

‏-وجدك‏-لم أَحفِلْ‏ متى قام عودي...‏<br />

وفي محاورة بين عمارة بن الوليد ونديمه مسافر بن أبي عمرو – وكانا من<br />

فتيان قريش في الجاهلية - يقول عمارة:‏<br />

خ ُلق البيض الحسان لنا،‏<br />

وجِياد الخيل والحِب ر<br />

ك ابرا ً ك ُن َّ ا أح ق َّ به ا<br />

ح ين صِ يغ َ الش مس والقم ر<br />

وهو يعني قومه بني مخزوم ، فيرد عليه مسافر مفتخرا ً بقومه بني أمية:‏<br />

خلق البيض الحسان لنا وجياد الخيل والحِبره<br />

كابرا ً كنا أحق َّ بها<br />

(3)<br />

كل حي تابع أثره<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

يقول نالينو:‏ ‏"وهي قصيدة غاية في الفخر،‏ لا تكاد تفوق فيه عليها غيرها"،‏ ‏(تاريخ الآداب العربية ،<br />

76)، يعني أن غيرها من القصائد لا يكاد يفوقها في الفخر.‏<br />

شرح المعلقات السبع للزوزني ، 60 وما بعدها.‏<br />

الأغاني،‏ 46/8 وما بعدها ، ونشوة الطرب ،<br />

. 358/1<br />

73


ج<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

ولا يعني طرفة نفسه في قوله<br />

"<br />

من عيشة الفتى"،‏ بل الفتى في نظر أهل<br />

(1)<br />

الجاهلية،‏ والفتى-‏ كما يقول القتيبي-:‏ ‏"إنما هو بمعنى الكامل الجزل من الرجال"‏ .<br />

وهذا المعنى بين في قول طرفة أيضا ً:‏<br />

إذا القوم قالوا:"من فتى"؟خِلت ُ أنني<br />

(2)<br />

عنيت ُ،‏ فلم أَك ْسلْ،‏ ولم أَتبل َّدِ‏<br />

وقد تضمنت معلقة عمرو بن كلثوم الخلال الثلاث التي ذكر طرفة كلها.‏<br />

وعلاقة الخمر بالقوة والفوق واضحة في شعر الجاهليين:‏ فنشوتها ت ُخيل إلى<br />

شاربها فوق ما فيه من القوة والتميز،‏ كما يبدو من قول حسان بن ثابت-رضي االله<br />

عنه-:‏<br />

ونش ربها،‏ فتتركن ا ملوك ا ً<br />

وقول المنخل اليشكري:‏<br />

ف إذا انتش يت ُ ف إنني<br />

وإذا صحوت فإنني<br />

(3)<br />

وأُسدا ً ماينهنهنا اللقا ء<br />

رب الخ َورن َ قِ‏ والس ديرِ‏<br />

(4)<br />

رب الش ُّويهةِ‏ والبعي ‏ِر<br />

ج<br />

وقرن عنترة-‏ وهو يتمدح عند صاحبته عبلة-‏ قوته وإباءه بشربه الخمر:‏<br />

أَث ْني علي بما علمتِ؛ فإنني<br />

وإذا ظ ُلمت ُ فإن ظلمي باسل<br />

ولقد شربت من المدامةِ‏ بعدما<br />

ثم قال عن قوته وفروسيته:‏<br />

وحليلِ‏ غانيةٍ‏ تركت ُ مجدلا<br />

س مح مخ القتي إذا ل م أُظ ْل َ مِ‏<br />

مر مذاقته كطعم العل ْق َمِ‏<br />

رك َد الهواجر بالمش ُوفِ‏ الم<br />

ت َمك ُو فريصت ه<br />

كشدق الأَ‏<br />

مِ...‏ َلع<br />

(5)<br />

َلع مِ...‏<br />

.57<br />

.8<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

(4)<br />

(5)<br />

لسان العرب ، ‏(فتى).‏<br />

شرح المعلقات السبع ، للزوزني ،<br />

ديوان حسان بن ثابت ،<br />

الأصمعيات،‏ 60 وما بعدها.‏<br />

انظر البيت والأبيات التي قبله في شرح المعلقات السبع،‏ للزوزني،‏ ‎145‎وما بعدها.‏<br />

74


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

أما الغزل فقد كان بعضه كناية عن الشرف والتميز؛ لأن الحسان-‏ عادة-‏ أكثر<br />

من يحظى بهن الأشراف؛ فهم الذين يملكون من المال ما يصدقونهن به صداقا ً يليق<br />

بجمالهن.‏ من أجل ذلك كن َّى عنترة في بيته الأخير عن شرف مقتوله وبطولته بأنه<br />

حليل غانية<br />

عن غناهم،‏<br />

(1)<br />

‏(المرأة التي استغنت بجمالها عن الحل ُي ).<br />

وكنى شعراء العرب القدامى كثيرا ً عن شرف أهل النساء بجمالهن وبجمالهن<br />

ووجه ذلك أن الأشراف الذين لا يتزوجون ‏–عادة-‏ إلا الحسان،‏ لا يلدون<br />

إلا الحسان بحكم الوراثة.‏ وحسن المرأة جانب منه موروث ، وجانب مكتسب بالصون<br />

والنعمة،‏ ويتهيأ لبنات الأشراف ‏–لغناهم-‏ من هذين ما لا يتهيأ لغيرهن.‏ يقول أحد<br />

الباحثين:"‏ لقد أضحى من المسل َّم به في زماننا هذا أن بين الجمال ورغد العيش أسباب ًا<br />

متينة...مما يسمح للإنسان بالحديث عن صلة...‏ بين المال والجمال.‏ وإن الناظر في<br />

أقدم الشواهد الباقية من شعرنا القديم يلاحظ في يسر أن الشعراء اعتنوا بهذه العلاقة<br />

(2)<br />

اعتناء واضحا ً،‏ وتكررت في مقاطع النسيب وقصائد الغزل"‏ .<br />

فغنى أهل المرأة في الشعر القديم-إذن-‏ كناية-أبدا ً-‏ عن جمالها وشرفهم.‏ ولم<br />

يخرج غزل عمرو في معلقته عن هذا.‏ فقد كان جمال صاحبته رمزا ً لشرفه هو<br />

وف َوقه،‏ إلا أنه كان غزلا ً فيه صلابة،‏ ويخلو من الرقة التي يصف بها الشعراء<br />

–<br />

عادة-‏ صواحبهم.وليس مأتى الصلابة من كون صوره أعرابية،‏ كلا َّ،‏ فقد كان بعضها<br />

حضريا ً،‏ بيد أن الحضري منها والأعرابي متساويان في ذلك.‏ فقد شبه ذراعي<br />

صاحبته بذراعي ناقةٍ‏ عيطلٍ‏ بكر،‏ تربعت الأجارع والمتون.‏ ويستوجب طولُ‏<br />

الذراعين طولَ‏ القامة،‏ وعظم الجسم كله؛ ولذلك قال إن قامتها طالت ، وثقلت روادفها<br />

حتى ناء بها ظهرها.‏ وليس فيما وصفها به من الألفاظ ما يدل على لين أورقة سوى:‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

انظر القاموس المحيط<br />

الشعر والمال،‏<br />

)<br />

.120<br />

غ ن ي).‏<br />

75


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

رخ ْص،‏ ول َدنة،‏ ولانت.‏ وصف بالأول ثديها،‏ بعد أن شبهه بِحق ِّ العاج في البياض،‏<br />

ووصف باللين قامتها.‏<br />

البيتان(‏‎11‎<br />

وليس في القصيدة من رقة الشوق التي يبديها الشعراء المتغزلون-ولو تكلفا ً-‏ إلا<br />

(12،<br />

من القصيدة الأولى.‏<br />

وكان حديثه عن نساء تغلب وجمالهن،‏ في معرض تحريضهن الرجال على<br />

(1)<br />

القتال في المعركة-‏ أرق َّ كثيرا ً من هذا الغزل . وما ذكرهن به من الحسن دليل آخر<br />

على ما ذ ُكِر من صلة بعض الغزل بالشرف،‏ فمشيهن الهوينى كناية عن ثقل<br />

أجسامهن،‏ وعظمِ‏ عجائزهن،‏ وقد وصف به ظعينته،‏ وحسبهن ودينهن هو الذي جعل<br />

صاحبته ‏"حصانا ً من أَك ُف ِّ اللامسينا"،‏ وحسنهن الذي أجمله هنا هو حسنها هي الذي<br />

فصل هناك،‏ ولا يخفى ‏–بعد-‏ أنه جعل صاحبته ظعينة هنالك،‏ كما فعل بنساء بني<br />

جشم بن بكر هنا<br />

.<br />

وبقي من الثلاث التي هي عيشة ‏"الفتى"الخيل،‏ وذكرها عقب حديثه عن سلاح<br />

تغلب ذكرا ً مقتضبا ً،‏ فلم يزد على أن قال إنها جرد،‏ تِلاد توارثوها عن آبائهم،‏ وهم<br />

يورثونها أبناءهم من بعدهم،وقد انتخبت لهم انتخابا ً،‏ ويقوم على تربيتها نساؤهم<br />

الحسان.‏ وهذه عادة عند العرب،‏ كما قال التبريزي:"‏ وكانت العرب لا تثق في خيولها<br />

(2)<br />

إلا بأهاليها"‏ .<br />

وعلاقة الخيل بالقوة والفوق من الوضوح بحيث لا تحتاج إلى التدليل.‏<br />

وإذا غودر الغزل والخمر لم يبق في القصيدة إلا ما يشير إلى ذلك المعنى الذي<br />

دارت عليه صراحة.‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

انظر الأبيات:‏ ‎62‎و‎63‎ و‎66‎ من القصيدة الأولى المثبتة هنا.‏<br />

شرح اختيارات المفضل،‏‎144/1‎‏.‏<br />

76


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

لقد جعلت تغلب نشوة ُ عمرو الشعورية ُ بها قبيلة ً لا معق ِّب لحكمها،‏ ولا حائل<br />

يحول بينها وبين ما تريد:‏ تتحدى الناس كلهم فلا يطيقون ردها عن شيء رأت أن<br />

(1)<br />

تفعله .<br />

ولما كان ف َوق تغلب وقوت ُها تراثا ً ورثه الأسلاف كان حتما ً أن يوزعه بين بنيها،‏<br />

فجعل للش ِّيب الحكمة والتجربة،‏ اللتين تورثان حسن التدبير؛ لئلا تكون القوة والشجاعة<br />

نزقا ً وتهورا ً،‏ لا يعقبان خيرا ً،‏ وللشبان الإقدام والحرص على الموت واستباق َه ؛لأنه<br />

مجد،‏ وللنساء إصلاح أمر الخيل وغذاءها،‏ والسير في أثر الرجال يحرضنهم على<br />

القتال بالتبرؤ منهم إن جبنوا.‏<br />

لقد تواطأت عزائم تغلب-إذن-‏ على أن تفوق وتستعلي؛ فتول َّى كل امرئ منها ما<br />

يطيق.‏ ويستتبع هذا التواطؤُ‏ والفوق ُ والاستعلاء ألا تشاكل فعالُ‏ تغلب فعالَ‏ سواها من<br />

الناس،‏ حتى الأدنين من بني العم والأكفاء في الحسب والنسب(بني بكر بن وائل).‏ وقد<br />

جمع بين هؤلاء وتغلب في حسن البلاء والإقدام في بعض المعارك،‏ حتى كاد يسوي<br />

بينهم،‏ لكنه جعل تغلب على ميمنة الجيش،‏ وبكرا ً على الميسرة،‏ وجعل بكرا ً تؤوب<br />

بالأسلاب والسبايا،‏ وتؤوب تغلب بالملوك مصفدين؛ ففي الميمنة من القوة ما ليس في<br />

الميسرة،‏ وفي أَسر الملوك وتصفيدهم من القوة والاقتدار على وضع العظماء<br />

والاستعلاء عليهم ما ليس في السلب والسبي.‏<br />

وفي أفعال تغلب-عند عمرو-‏ قوة غير معتادة في الناس،‏ يعرضها تارة عرضا ً<br />

فيه تهويل،ويعرضها تارة أخرى ‏-عرضا ً<br />

فيه سخرية واستخفاف بالفعل نفسه،‏ على<br />

عظمته وصعوبته؛ لاقتدار فاعله وتمكنه منه.‏ فالحرب التي يشنون-مثلا ً-‏ على<br />

ق ُضاعة-‏ على بأسها ووفرتها-‏ تطحنها كما تطحن الرحى القبضة من الحب ، في<br />

اليسر ، وفي السرعة وشدة السحق،‏ ويبادرون إلى سحق من ينزل بساحتهم مبادرة<br />

الكريم إلى قِرى الضيف خيفة أن يهجوه.‏ وإذا لاقوا العدو شققوا رؤوس أبطاله<br />

(1)<br />

انظر الأبيات:‏<br />

56 ، 55 و ، 42<br />

، 43 و‎34‎ من القصيدة الأولى<br />

.<br />

77


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

بالسيوف،‏ وقطعوا الرقاب كما يقط َّع العشب الرطب بالمناجل.‏ وضربهم لرؤوس<br />

الأبطال كضرب الغلمان الأَشِداء للأُك َر يلعبون بها في الأباطح ، فتنتثر في المعترك<br />

انتثار أحمال الإبل في الأمكنة ذات الحجارة الكثيرة.‏<br />

وليس في القصيدة ما يفهم منه تنقص الأعداء ولا ذمهم أو استضعافهم،‏ وإن ذكر<br />

الغ َل َب والانتصار عليهم،‏ وهذا ربما كان يت َوقع خلافه؛ فما بلغه عمرو من التيه<br />

والعجب بقبيلته جدير بأن يريه غيرها بعين الاستصغار،‏ بقدر نظره إلى نفسه بعين<br />

الفوق والكمال.‏ غير أن العرب درجوا على ألا يهونوا من شأن من ينتصرون عليه،‏<br />

بل يعمدون كثيرا ً إلى الثناء عليه:‏ نسبا ً وفعالا ً وأخلاقا ً،‏ وهم إنما يعظمون بتعظيمه<br />

فعالهم هم،‏ إذ العظمة الحق أن ينت َصر على القوي الكامل،‏ لا على الضعيف والرذل،‏<br />

فليس في النصر عليهما نصر ولا فخار.‏ ولذلك روي أن عبد الملك بن مروان قال<br />

لمن تنقص عنده مصعب بن الزبير بعد قتله : ‏"إن توهين المقتول توهين للقاتل".‏<br />

وإذا كان في بعض الفخريات الجاهلية مبالغات وصور نمطية جاهزة يتداولها<br />

الشعراء جميعا ً؛ لأنها هي المثل عندهم ، ويجد المرء فيها-من أجل ذلك-‏ الفتور<br />

الشعوري-‏ فليس فخر عمرو في هذه القصيدة كذلك:‏ فليست صوره نمطية،‏ ولا<br />

شعوره فاترا ً مصطنعا ً.‏ وهو ‏–إلى ذلك-‏ فخر يصدقه تاريخ تغلب،‏ وما عرفت به من<br />

بأس،‏ في جاهليتها وإسلامها،‏ وما كان فيها من أفذاذ الرجال،‏ كالذين عددهم عمرو في<br />

هذه القصيدة،‏ ولا سيما كليب الذي روى بعض المؤرخين أنه واحد من ثلاثة رجال<br />

اجتمعت عليهم معد‏،‏ وكان اجتماعها عليه يوم خ َزازى،"ففض جموع اليمن؛ فاجتمعت<br />

(1)<br />

عليه معد كلها،‏ وجعلوا له ق َسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته"‏ ، وكان يضرب به<br />

المثل في العزة.‏<br />

(1) خزانة الأدب 166/2، .<br />

78


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

ويصور ما بلغته تغلب من القوة والغلب في الجاهلية قولُ‏ أبي عمرو الشيباني:"‏<br />

كانت بنو تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية<br />

(1)<br />

لأكلت بنو تغلب الناس"‏ .<br />

.<br />

وقالوا:‏ لو أبطأ الإسلام قليلا ً<br />

وهذا المجد بسط لعمرو من أسباب القول ما أغناه عن الادعاء الذي يفقد بعض<br />

الفخر حرارته،‏ ويجعله ضربا ً من التكلف البارد،‏ لا يعبر عن شعور حقيقي،‏ وإنما<br />

يعبر عما يطمح إليه الفاخر أو يتمناه،‏ لا ما يتصف به.‏<br />

ويبدو أن أسرة عمرو كلها كانت مثل عمرو في هذه العزة،‏ فأبوه كلثوم كان يقال<br />

(2)<br />

إنه أفرس العرب،‏ وأخوه هو قاتل المنذر بن النعمان ، وأمه ليلى تروي عنها كتب<br />

الأدب ما يدل على أنها كانت مرهفة،‏ عزيزة أبية،‏ ومن عزتها أنفت من أن تناول أم<br />

عمرو بن هند طبقا ً كان بجوارها،‏ وقد سألتها مناولته،‏ فكان جوابها عفويا ً وحازما ً<br />

وموجزا ً:"‏ لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها".‏<br />

ولم يمنعها أنها ضيف على أم عمرو بن هند،‏ وأنها صاحبة فضل عليها،‏ وأم<br />

(3)<br />

ملك ظلوم غشوم مرهوب الجانب ، ولا حملها على أن تغض الطرف عن زلة<br />

صغيرة،‏ لا تستحق كل ما صنعت ليلى.‏ وليس في الطلب في ذاته إهانة حقيقية لو<br />

فعلت،‏ فمن دأب المرء أن يسأل جليسه مناولة ما هو أقرب إليه؛ لكن الأَنِف َ الأبي<br />

يتأثر بما لا يتأثر به غيره،‏ على أن ليلى ربما آنست من أم عمرو بن هند ت َعمد الإهانة<br />

الت َي كانت تبيتها،‏ فكان منها ما كان.‏ وكان نداؤها:"واذلاه!‏ يا ل َتغلب"!‏ ترجمة لذلك<br />

الإباء والعزة،‏ وترجمة لثقتها بما عند تغلب وسيدها عمرو.‏<br />

وليس يخفى النسب القريب بين عزة ليلى وغضب ابنها عمرو وسرعة استجابته<br />

وتفطنه من فوره لما كان يبيت عمرو بن هند،‏ من إذلاله وإذلال أمه،‏ كما فطنت له<br />

هي،‏ فقد عمد إلى سيف عمرو بن هند المعلق في رواقه فقتله به،‏ ولم يتردد في<br />

(1)<br />

.103<br />

(2)<br />

(3) الأغاني ، 171/9 .<br />

السابق،‏‎181/3‎‏،‏ وانظر:‏ شرح القصائد السبع الطوال،‏<br />

الشعر والشعراء ،<br />

، 369 والكامل في التاريخ ، 524/1 .<br />

79


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

(1)<br />

فعله ‏.وكان كليب عم أمه قد فعل مثل هذا : قتل عامل أحد ملوك غسان؛لأنه لطم<br />

(2)<br />

أخت كليب،‏ وكانت تحته .<br />

وقد صرح عمرو بأثر الوراثة والتنشئة فيه،‏ إذ ذهب يعدد أسلافه الذين ورث<br />

عنهم محامدهم،‏ على وجه يختلف نوع اختلاف عما يفعل بعض الفاخرين:‏ فهم<br />

يذكرون مآثر أسلافهم ‏–عادة-‏ يريدون تأصل الخلال المفتخر بها فيهم،‏ أما عمرو<br />

فيريد أن أسلافه سنوا له سنة لا يستطيع إلا اتباعها،‏ فوق ما ت ُحدِث ُه مآثرهم في نفسه<br />

من نخوة تحمله حملا ً تلقائيا ً على أن يكون كما كان:‏<br />

(3)<br />

عزيزا ً أنفا ً قويا ً .<br />

ففعال تغلب-إذن-‏ أنطقت شاعرها عمرا ً،‏ كما أنطقته تربيتها بالصدق؛ فلم يحتج<br />

إلى ثقافته الشعرية في استحضار المعاني والصور التي تعاورها معاصروه وسابقوه<br />

من الشعراء،‏ وتقارضوها أو تناقلوها.‏<br />

ولعل هذا هو الذي يجعل القارئ يتعاطف مع القصيدة،‏ على ما فيها من تيه<br />

وعجب،‏ لا تستسيغهما النفس-عادة-‏ من أحد؛ لكن صدق عمرو الشعوري وصدقه<br />

التاريخي ينسيان القارئ عدم أخلاقية العجب والتيه.‏<br />

ومن آثار الصدق أن عمرا ً لم يفخر في القصيدة-على طولها-‏ إلا بالقوة وحدها،‏<br />

على حين فخر شعراء الجاهلية بها وبغيرها من مكارم الأخلاق وخلال المروءة،‏ ولا<br />

سيما الكرم.‏ وسبب هذا<br />

(4)<br />

‏-فيما يبدو-‏ أن عمرا ً ولد في حرب البسوس التي دامت<br />

أربعين عاما ً،‏ فصنعت منه رجل القوة التي لا ينافسها على مشاعره غيرها من<br />

الخلال،‏ فضلا ً عن أن أكثر ما اشتهرت به تغلب هو القوة والبأس،‏ ومقام القصيدة<br />

الذي قيلت فيه لا يستدعي سوى الحديث عن القوة وحدها.‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

الشعر والشعراء،‏‎102‎‏.‏<br />

شرح المعلقات السبع،‏ للزوزني،‏<br />

انظر الأبيات:‏ 12 من القصيدة الثانية.‏<br />

‏(‏‎4‎‏)ولادته في حرب البسوس يمكن استنتاجها من كونه كان شاهدا ً لتصالح بكر وتغلب لآخر مرة على<br />

يد عمرو بن هند،‏ كما يقول الزيات(‏ تاريخ الأدب العربي/‏ ، وهو قد عاش قبل ذلك بمدة.‏ ويرى<br />

جامع ديوانه علي أبو زيد أنه لم يشهدها؛ لأنه لم يرد له ذكر فيها،‏ ‏(الديوان،‏<br />

.(17<br />

(64<br />

.130<br />

، 9 ، 8<br />

80


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وكان الفخر في القصيدة جماعيا ً كله،‏ ولم يفخر بنفسه مرة واحدة،‏ ولا ذكرها<br />

مفردة إلا في الغزل والخمر،‏<br />

"<br />

وقد يكون من الطريف أن نلاحظ أن ضمير المتكلم<br />

الفرد لم يرد في هذه المعلقة الطويلة إلا في موضع واحد،‏ وهو قوله:‏<br />

ورثت مهلهلا ً والخير منه<br />

(1)<br />

زهيرا ً،‏ نعم ذ ُخ ْر الذاخري َنا "<br />

ومرد هذا ‏-فيما يبدو-‏ إلى أمرين رئيسين غير ما تعارف عليه أهل الجاهلية،‏<br />

وغير ما تقتضيه حياتهم الاجتماعية،‏ أولهما أن عمرا ً كان سيد تغلب،‏ ومثله لا يكون<br />

بعض مآثره من صنع نفسه وحدها،‏ بل يناله بقومه،‏ ولا سيما القوة،‏ والفوق الذي<br />

صنعته القوة.‏ وت َغن ِّي عمرو بهذين ونسبتهما إليه وحده دون من صنعهما معه من بني<br />

عمومته فيه أَث َرة،‏ تنافي ما تستوجبه السيادة من إيثار،‏ وفناءِ‏ ذات في القبيلة.‏ هذا إلى<br />

أن ما ن ُسب إلى القبيلة ‏-في الجملة-‏ يصدق على كل فرد منها،‏ ولاسيما السادة<br />

والرؤوس ، وبخاصة رأسها الأول:‏ عمرو بن كلثوم وأبوه،‏ فهو ‏–وإن شمله الفخر<br />

ضمنا ً-‏ مخصوص منه بالنصيب الأوفى؛ إذ كان معروفا ً عند العرب ألا يسود القبيل َة<br />

إلا أجمعها لخلال الشرف والسؤدد.‏<br />

(2)<br />

وقد صرح هو نوع تصريح بذلك . وقال ‏:"إن<br />

غاراتهم وحروبهم كان النصر فيها يتحقق بقيادة رأسهم من بني جشم بن بكر،‏ وهو<br />

(3)<br />

رأس بني جشم بن بكر،‏ وإن لم يسم نفسه ؛ لأن التجريد هنا أبلغ من التحديد،‏ لكي<br />

يكون كل رأس من بني جشم هذه سيرته كائنا ً من كان.‏<br />

الأمر الثاني أن عمرا ً ولد في حرب البسوس،‏ وأظهر ما يكون الروح الجماعي<br />

وأقواه في أوقات الشدة،‏ ولاسيما إذا عظمت المحنة وطالت ونالت الجماعة،‏ فكان كل<br />

.177<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

دراسات في الشعر الجاهلي،‏<br />

انظر البيتين 37 من القصيدة الأولى.‏<br />

يرى التبريزي أن الرأس هنا:‏ الحي العظيم الذين لا يحتاجون إلى أحد،‏ ‏(شرح القصائد<br />

العشر،‏‎234‎‏)،‏ ويرى الجاحظ أنه:القبيلة إذا عزت وقهرت(البرصان والعرجان،‏‎314‎‏).‏ ولعل الأكثر<br />

اتفاقا ً مع السياق ما ذهب إليه الزوزني من أنه الرئيس،‏ ‏(شرح المعلقات السبع،‏‎272‎‏)،‏ ويرى ياقوت<br />

الحموي(‏ معجم البلدان،‏ أن المراد بالرأس كليب ، وللأبيات عنده ترتيب غير الذي في شروح<br />

المعلقات.‏<br />

(419/2<br />

: 36 و<br />

81


ج<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

فرد منها مطلوبا ً أو مؤاخذا ً بالنسب وحده؛ فإنها تت َّحد صغارا ً وكبارا ً،‏ وقد ينسى ما<br />

كان بين بعضها من خلاف،‏ ويغدو الفرد والجماعة في شعور كل امرئ منها شيئ ًا<br />

واحدا ً،‏ أو كالواحد؛ لأنه مؤاخذ ‏-لا محالة-‏ بجريرتها ومعدو عليه لانتمائه،‏ وإن لم<br />

يعت َدِ،‏ فت ُتناسى الخصوصيات ، وتغدو الجماعة بإزاء الجماعة،‏ ولا يكون للفرد معنى<br />

إلا من حيث كونه من تلك الجماعة،‏ فيتحتم أن يفخر الفاخر بقبيلته لا بنفسه؛لأنه يفاخر<br />

جماعة،‏ لا فردا ً مثله،‏ وفخاره بنفسه-‏ لو فخر-‏ لا يغني عن قبيلته،‏ وقد يكون أثرة<br />

وعجبا ً يستحق صاحبهما الملام.‏ لذلك نسب عمرو كل مأثرة ذكرها إلى قبيلته،‏ حتى ما<br />

تفرد هو بصنعه،‏ أو خصه دونها،‏ كقوله:‏<br />

ت َه ددنا،‏ وأوع دنا،‏ روي دا ً،‏ متى كنا لأمك مقتوينا؟<br />

أما المتع والشهوات التي ليس فيها فخر في ذاتها فلا معنى إلا لأن يخ ْتص بها<br />

صاحبها نفسه دون قبيلته.‏<br />

ومن الحق أن الفخر الجماعي هو الأكثر في مقامات الحروب وتنافس القبائل،‏<br />

وإن كان الشاعر ربما ذكر بلاءه وما أغنى عن قبيلته في طي فخره بمآثرها،‏ وذلك ما<br />

أضرب عنه عمرو هنا بالكلية.‏ ولعل هذا من أسباب تعظيم تغلب لمعلقته؛ إذ كانوا<br />

يروونها صغارهم وكبارهم،‏ حتى هجاهم أحد البكريين،‏ فقال:‏<br />

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثوم<br />

يروونها أبدا ً مذ كان أولهم<br />

يا ل َلرجال لشعر غير مسؤوم<br />

!<br />

(1)<br />

فقد كانت لهم بمنزلة الهوية التي يجد كل تغلبي فيها ماهيته دون سائر العرب،‏<br />

فضلا ً عن كونها ذكرا ً مرفوعا ً،‏ ووسيلة من وسائل التربية على الخلال التي يحبون أن<br />

يرثها بنوهم من بعدهم.ولو لم تكن كذلك لكانت مأثرة من مآثر عمرو،‏ أكثر من يعنى<br />

بها وبروايتها أهلُ‏ بيته،‏ وإن رواها غيرهم من تغلب ف َلِما ت ُروى له الأشعار في<br />

الجاهلية.‏<br />

(1)<br />

الشعر والشعراء،‏<br />

.103<br />

82


ج<br />

ج<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

لقد توسل عمرو إلى ما يريد بالتعبير المباشر،‏ والوصف ، على طريقة أكثر<br />

الشعراء الحماسيين،‏ الذين يشغلهم<br />

‏-عادة-‏ الانفعال،‏ وضيق المقام،‏ ونشوة النصر،‏ أو<br />

ذل الهزيمة عن تحري الصور البيانية،‏ التي قد تحتاج إلى روِية وتفكر،‏ ممن لم يؤْت َ<br />

الخيال التلقائي البارع،‏ والذكاء الفطري المفرط،‏ والتجربة الطويلة في الشعر والحياة.‏<br />

بيد أن صدق<br />

الشعور،‏ وحرارة الدفق العاطفي،‏ وبراعة الوصف المباشر،‏ وتخير اللغة<br />

المثقلة بالمعاني والدلالات،‏ مع الوجازة،‏ وحسن الإيقاع،‏ وجمال القافية-‏ قد تنوب<br />

كثيرا ً عن براعة الصور البيانية.‏ فهذه الأبيات ‏–مثلا ً-:‏<br />

ورِث ْنا المجد‏-‏ قد علمت معد‏-،‏<br />

ن ُطاع ن دونه حتى يبينا<br />

ونحن -<br />

إذا عماد الحي خرت<br />

على الأحف َاضِ‏<br />

-<br />

نمنع من يلينا<br />

بشبانٍ،‏ يرون القتل مجدا ً<br />

حديا الناس كل ِّهم جميعا ً،‏<br />

فأما يوم خشيتنا عليهم<br />

وأما يوم لا نخشى عليهم<br />

برأس من بني جشم بن بكر،‏<br />

إذا ما المل ْك سام الناس خ َسفا ً<br />

ألا لا يجهلن أحد علينا<br />

‏-قد بلغ فيها عمرو ما أراد من البيان<br />

وشِيبٍ‏ في الحروب مجربينا<br />

مقارعة ً بنيهم عن بنينا<br />

فتص بح خيل ُن ا عص با ً ث ُبِين ا<br />

فنمعن غارة ً متلببينا<br />

ن دق ُّ ب ه الس هولة َ والحزون ا<br />

أبين ا أن ن ُقِ ر الخس ف فين ا<br />

فنجه لَ‏ فوق جهل الجاهلينا<br />

عن قوة تغلب وف َوقها،‏ مقرونين بمشاعره<br />

التياهة،‏ وعواطفه الم<br />

َتس عِرة،‏ وذهابِه في الفخر بقبيلته كل مذهب،بما يغني عن التشبيه<br />

والاستعارة.‏ ولعل هذا التدفق التلقائي،‏ والصدق الشعوري ما كانا ليحدثا لو تلهى<br />

باستجلاب تشبيه أو استعارة لم يرِدا على خاطره عفوا ً،‏ فإن ذلك يقطع عليه تدفقه،‏<br />

ويبرد انفعاله،‏ ويستحضر وعيه كاملا ً؛ فيضعف شعره.‏ ولاسيما أن عمرا ً ربما كان<br />

يحفظ كثيرا ً من الأشعار،‏ كعادة النابهين من الجاهليين والإسلاميين،‏ وذلك يشغله<br />

83


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

باستعادة الصور الجاهزة المكرورة التي سبِق إليها،‏ فيغدو شعره تردادا ً واعيا ً باردا ً لما<br />

تختزنه ذاكرته،‏ كما يفعل كثير من شعراء الجاهلية المتأخرين،‏ وشعراء الإسلام؛ فلا<br />

يجد قارئه عمرا ً وتغلب التاريخيين؛ وإنما يجد صورة فرد أو قبيلة من قبائل العرب<br />

مثاليين،‏ يصح أن ينتحلها كل عربي جاهلي وكل قبيلة جاهلية،‏ أي يجد صورة نمطية<br />

صنعتها السن َّة الأدبية،‏ والثقافة الاجتماعية أكثر مما صنعها عمرو بن كلثوم.‏<br />

وقد حفلت القصيدة ‏–مع ذلك-‏ بالصور البيانية،‏ ولكنها متفاوتة في قيمتها الفنية:‏<br />

فبعضها صور مادية،‏ لا تعدو عرض صفة مشتركة بين محسوسين،‏ هي في أحدهما<br />

أبين منها في الآخر،‏ عرضا ً مجردا ً من الشعور،‏ وربما نقصته الطرافة والغرابة اللتان<br />

قد ت ُخ ْرجان هذا النوع من الصور عن برودته،‏ وعدم جدواه الفنية.‏ من ذلك تشبيه<br />

الخمر بالحص،‏ وذراعي المرأة بذراعي الناقة،‏ وثديها بحق العاج،‏ وعروض اليمامة<br />

بارتفاع السيوف في أيدي اللاعبين،‏ ومتون الدروع بمتون الغدران تصفقها الرياح<br />

الجارية،‏ وحمرة ثياب المقاتلين بالأُرجوان.‏<br />

وبعضها ليس بحسي‏،‏ ولكنه قريب عادي،‏ كتشبيه حزنه بحزن ناقة أضلت<br />

سقبها،‏ وحزن امرأة ثكلى مات لها تسعة من البنين.‏<br />

على أن من الإنصاف أن يقال:‏ إن هذه النظرة إلى الصور لا تنظر بالحسبان<br />

إلى تقدم عمرو الزماني،‏ الذي قد يستتبع أن يكون سابقا ً أو من السابقين إلى هذه<br />

الصور وإدخالها في الرصيد الخيالي الأدبي في العصر الجاهلي،‏ وإنما تحكم عليها<br />

بحسب ترددها في الشعر الجاهلي،‏ وكثرة توارد الشعراء عليها.‏ وليس إيراد الشاعر<br />

للصور العادية دليل ضعف أو تقصير،‏ ففي<br />

"<br />

بعض الآداب الراقية المتقدمة،‏ وفي<br />

بعض الحقب بخاصة يقتصر عمل الشاعر على استعمال تقاليد جاهزة.‏ ولنقل إن اللغة<br />

(1)<br />

تقدم له نفسها شعرا ً"‏ . وقد كان العصر الجاهلي وما سبق العصر العباسي من<br />

العصر الإسلامي كذلك،‏ وإنما تعظم مكانة الشاعر ويتميز بقدر إضافته إلى ذلك<br />

(1)<br />

نظرية الأدب،‏<br />

.23<br />

84


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

المشترك من الصور الشعرية والمعاني التي صنعها الخيال في حقبة من حقب التاريخ<br />

الأدبي.‏<br />

ومع هذين الصنفين صور رائعة جدا ً،‏ بث فيها عمرو مشاعره،‏ وأبرز فيها من<br />

المعنويات ما لا يسهل ‏–في العادة-‏ إدراكه إدراكا ً دقيقا ً،‏ إذا اق ْت ُصِر على وصفه<br />

وصفا ً مباشرا ً.‏ ومن أجودها تشبيهه عزة تغلب بقناة صلبة،‏ تتأبى على مثق ِّفها ما يروم<br />

من تغييرها عن خلقتها،‏ فإذا أعضها الثقاف َ انقلبت وأرن َّت واشمأزت،‏ ثم انقلبت عليه<br />

(2)<br />

(1)<br />

فشجت وجهه وقفاه . ولا تقل عنها صور أخرى وردت في القصيدة .<br />

وتشترك هذه الصور كلها في تصوير تغلب في شعور عمرو ، قبيلة ً قوية غالبة<br />

جسورا ً على جسام الأفعال،‏ مستخفة بها على جسامتها؛ لشدة اقتدارها على نيل ما تهم<br />

به.‏ لكن الصورة الأولى هي أروعها؛ لما فيها من الحياة والحركة ، والإيحاء وعزة<br />

النفس،‏ التي كاد ين ْطق بها الجماد،‏ بل جعله يثب،‏ ويشمئز‏،‏ وينتقم أشد انتقام.‏ وقد<br />

كانت صورة القناة صورة حسية حية لنفسية عمرو وقبيلته،‏ ولاسيما أمه ليلى،‏ كما<br />

بدت في قصتهما مع عمرو بن هند؛ فقد كانت صرختها مستغيثة بتغلب بمنزلة رنين<br />

القناة الشديدة واشمئزازها،‏ وخفة ُ عمرو إلى عمرو بن هند ليقتله بمنزلة انقلاب القناة<br />

على المثقف وشج وجهه وقفاه.‏<br />

وإخراج هذه المعنويات بهذا البيان المشف المشع بالمعاني وجه من أوجه الحسن<br />

في الصورة.‏<br />

وقد جعل عبد القاهر الجرجاني إبراز التشبيه الحسي للمعنويات علة من علل<br />

بلاغة التمثيل وتأثيره:"‏ فأُن ْس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي،‏<br />

وتأتيها بصريح بعد مكني،...‏ نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس،‏ وعما يعلم<br />

بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع؛لأن العلم المستفاد من ط ُرق الحواس،‏ أو<br />

(1)<br />

انظر الأبيات:‏<br />

‏(‏‎2‎‏)انظر الأبيات:‏<br />

15 و 16 و<br />

38 و 39 و 57 و<br />

17 من القصيدة الثانية.‏<br />

، 33 من القصيدة الأولى.‏<br />

85


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

المركوز فيها من جهة الطبع،‏ وعلى حدِّ‏ الضرورة يف ْضل المستفاد من جهة النظر<br />

والفكر،‏ في القوة والاستحكام،‏ وبلوغ الثقة فيه غاية التمام،‏ كما قالوا:‏ ليس الخبر<br />

(1)<br />

كالمعاينة،‏ ولا الظن كاليقين"‏ ، " وهو يريك للمعاني الممث َّلة بالأوهام شبها ً في<br />

الأشخاص الماثلة،‏ والأشباح القائمة،‏ وينطق لك الأخرس،‏ ويعطيك البيان من الأعجم،‏<br />

(2)<br />

ويريك الحياة في الجماد،‏ ويريك التئام عين الأضداد"‏ . وهذا يصدق كل الصدق على<br />

صور عمرو هذه ولاسيما الأولى منها.‏<br />

يضاف إلى هذا ما في التشبيه ‏-بمعناه الأعم-‏ من إيجاز وإيحاء يغنيان عن<br />

الوصف والتفصيل،‏ وقد فطن يحيى الجبوري إلى ذلك في الشعر الجاهلي،‏ فقال:"‏<br />

ولعل أقرب صور الإيجاز تتمثل في التشبيه،‏ حيث يقرب المعاني البعيدة،‏ ويركزها<br />

في صورة قريبة محسوسة،‏ ولذلك كان التشبيه في الشعر الجاهلي أكثر الأغراض<br />

(3)<br />

البيانية"‏ ، إلا أن جل َّ صور عمرو التي عرضت هنا إنما هي صور استعارية أبان<br />

فيها عن منزع ليس هو الأكثر عند الجاهليين،‏ لأن الاستعارة"عمل مركب فيه تعقيد؛<br />

(4)<br />

فهي قليلة"‏ ؛ فلذلك تقل عند الجاهليين ويكثر التشبيه إلا بعض عبيد الشعر فإن الروية<br />

والتنقيح ربما أعاناهم على أن يقعوا من الاستعارة على ما لم يقع عليه الشعراء<br />

المطبوعون.‏ ولكن استعارات عمرو تتسم بالطبع والتلقائية وعدم التكلف مع ما فيها<br />

من الروعة والإيحاء المبين.ويزداد المرء إعجابا ً بها إذا علم أنه ارتجلها في مقام<br />

ضيق دون ترو أو سابق فكرة أو نظر.‏<br />

أما لغة المعلقة فهي أجود لغة المعلقات السبع؛ إذ غلب عليها الوضوح،‏ مع القوة<br />

والإحكام،‏ وقل فيها الغريب ، وما تضمنت منه غريب نسبي.‏ وربما كان يت َوق َّع أن<br />

تكون لغة عمرو من أغرب لغة الشعر الجاهلي؛لقدمه وبداوته.‏ لكن دارس الشعر<br />

(1)<br />

(2) السابق .111،<br />

:<br />

(3)<br />

.<br />

(4)<br />

أسرار البلاغة ، 102 وما بعدها.‏<br />

الشعر الجاهلي<br />

الموضع السابق<br />

خصائصه وفنونه،‏<br />

.208<br />

86


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

العربي القديم لا تخطئ عينه قوة أثر الغرض في لغة الشعر غرابة وأُنسا ً.‏ والفخر<br />

والحماسة إنما تلائمهما اللغة الجزلة،‏ في غير غرابة ولا حوشية،‏ ودون لين ولا<br />

ابتذال،‏ كما قال ابن رشيق عن لغة المديح:"‏ وأن يجعل معانيه جزلة،‏ وألفاظه نقية،‏<br />

(1)<br />

غير مبتذلة ولا سوقية"‏ ، " والافتخار هو المدح نفسه،‏ إلا أن الشاعر يخص به نفسه<br />

(2)<br />

وقومه،‏ وكل ما حسن في المدح حسن في الافتخار"‏ .<br />

ومعلقة عمرو تنكبت بعض الأغراض التي هي مظنة الإغراب،‏ كوصف الناقة<br />

والرحلة والأظعان والمهامه والقفار،‏ وبقر الوحش وحمره،‏ والخيل والمطر؛ فذهب<br />

عنها من الغريب بقدر ما تنكبت من هذه ، بخلاف المعلقات الأُخ َر،‏ ولا سيما معلقتي<br />

طرفة ولبيد.‏ وقد غاب هذا عن طه حسين؛ فشك في صحتها لرقة لفظها وسهولته<br />

فقال:‏ "<br />

وما هكذا كانت تتحدث العرب في منتصف القرن السادس للمسيح وقبل ظهور<br />

الإسلام بما يقرب من نصف قرن،‏ وما هكذا كانت تتحدث ربيعية خاصة في هذا<br />

العصر الذي لم تسد فيه لغة مضر،‏ ولم تصبح لغة الشعر،‏ بل ما هكذا كان يتحدث<br />

(3)<br />

الأخطل التغلبي الذي عاش في العصر الأموي،‏ أي بعد ابن كلثوم بنحو قرن"‏ .<br />

ولا نريد أن نتوقف عند هذه الدعاوى؛ لأن المقام ليس مقام الحديث عن مذهب<br />

طه حسين،‏ سوى أننا نقول إنها ليست مبنية على دراسة علمية.‏ ولغة مضر لم يتكلم<br />

بها الأخطل ألبتة ولا سادت ديار ربيعة يوما ً.‏<br />

ولا يق ْدر المرء هذه القصيدة قدرها إلا إذا قارنها بمعلقة الحارث بن حلزة،‏ التي<br />

ملأها بالغريب والحوشي من الألفاظ،‏ مع أنه لم يتعرض إلا للموضوع الذي تعرض<br />

له عمرو،‏ سوى وصفه للناقة في مقدمتها.‏ وبسبب هذه الغرابة عدها طه حسين أمتن<br />

العمدة،‏<br />

.128/2 (1)<br />

‏(‏‎2‎‏)السابق ، .143/2<br />

‏(‏‎3‎‏)في الشعر الجاهلي ،<br />

.167<br />

87


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

(1)<br />

وأرصن من قصيدة عمرو ، على طريقة بعض النقاد الذين يجعلون الغرابة معيارا ً<br />

من معايير جودة الشعر.‏<br />

" إنها<br />

ولعل ما ذ ُكر آنفا ً من مزايا القصيدة هو علة ذلك الثناء العريض من الرواة<br />

والنقاد القدامى عليها،‏ كقول عيسى بن عمر:"‏ الله در عمرو بن كلثوم:‏ أي حلس شعر،‏<br />

ووعاء علم،‏ لو أنه رغب فيما رغب فيه أصحابه من الشعراء؟ وإن واحدته لأجود<br />

(2)<br />

سبعهم"‏ ‏.وقال مطرف :" بلغني عن عيسى بن عمر،‏ وأظن أني قد سمعته منه ، أنه<br />

كان يقول:‏ لو وضعت أشعار العرب في كفة،‏ وقصيدة ُ عمرو بن كلثوم في كفة لمالت<br />

(4)<br />

(3)<br />

بأكثرها"‏ . وقال ابن قتيبة:"‏ وهي من جيد شعر العرب القديم"‏ . وقال المرزباني<br />

(5)<br />

إحدى مفاخر العرب"‏ .<br />

غير أن بعض النقاد أخذ عليها السناد في :<br />

تصفقها الرياح إذا جرينا<br />

كما عيبت المبالغة في<br />

:<br />

يكون ثِفال ُها شرقي نجد<br />

ول ُهوت ُها ق ُضاعة َ أجمعينا<br />

وقد تؤخذ على القصيدة عيوب أخر،‏ لا نحب أن نتتبعها الآن؛إذ تبين من تتبع<br />

الروايات أن بعضها قد يكون من صنع الرواة،‏ وضعوا مكان الكلمة غيرها،‏ وتصرفوا<br />

في القصيدة بما أحدث فيها من العيوب ما لم يصنعه الشاعر.‏ وقد نبه ذو الرمة عيسى<br />

ابن عمر على ذلك،‏ فقال له:‏ ‏"اكتب شعري،‏ فالكتاب أحب إلي من الحفظ؛ لأن<br />

‏(‏‎1‎‏)السابق ، .171<br />

.72<br />

(2)<br />

.73<br />

.103<br />

(4)<br />

.202 /<br />

(5)<br />

جمهرة أشعار العرب،‏<br />

‏(‏‎3‎‏)السابق،‏<br />

الشعر والشعراء،‏<br />

معجم الشعراء<br />

88


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

الأعرابي ينسى الكلمة قد تعب في طلبها يوما ً أو ليلة ، فيضع موضعها كلمة في<br />

(1)<br />

وزنها،‏ ثم ينشدها الناس"‏ .<br />

عرِينا"،‏<br />

وهذا البيت الذي عيب عليه سناده،‏ فيه روايتان أخريان لا سناد فيهما،‏ هما ‏:"إذا<br />

(2)<br />

‏"إذا غ َرِينا"‏ . أما بيت المبالغة فمأتى العيب فيه ‏–عند النقاد-‏ من أنهم"كانوا<br />

يقيسون كلام الشاعر على الواقع،‏ أي على الحقيقة،‏ ومن أن هذه المقايسة كانت ت ُظ ْهر<br />

لهم ‏–بالطبع-‏ أن كلام الشاعر لا يطابق الواقع الحقيقي،‏ أو أن ما يقوله لا يمكن أن<br />

يتحقق في الواقع العيني الملموس.‏ وخطأ النقاد هنا هو في مبدأ المقايسة ذاته؛ فهذا<br />

مبدأ منطقي عقلاني تحليلي،‏ وليس للشعر أية علاقة بهذا المبدأ...‏ الشعر مجرد قول،‏<br />

(3)<br />

أي نوع من الاستيهام الخاص"‏ .<br />

وإذا انصرف المرء عن المقايسة إلى مقصد الشاعر ونفسيته-‏ عد هذا البيت من<br />

أجود أبيات القصيدة؛ لبراعته في الإبانة عن تلك النفس التائهة بما عند قبيلتها.‏ على<br />

أن الصورة هنا مجازية،‏ تشبه شيئا ً بشيء لتقريب تصوره إلى الأذهان،‏ ولا تدعي<br />

المطابقة،‏ ولا الحقيقة،‏ وإن أخرجها في أسلوب استعاري،‏ والاستعارة مبناها على<br />

الادعاء.‏<br />

وفي بناء القصيدة بصورتها التي ن ُقلت إلينا شيء يستوقف الدارس:‏ فالشاعر<br />

استهلها بالخمر،‏ ثم عدل عن الخمر إلى الغزل،‏ فاستوقف صاحبته الظاعنة من الدار<br />

التي كانت تجمعهما،‏ وسألها عما ستصنع-إذا افترقا-‏ بما كان بينهما من علاقة قبل<br />

التفرق،‏ ثم استطرد من ذلك إلى جسمها وما فيه من جمال يثير الشوق إليها،‏ والحنين<br />

في أثرها.‏ وليس بين الموضوعين من علاقة،‏ ولا رابط يسوغ التخلص من أحدهما<br />

.250/2<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

العمدة،‏ ولم يكن تغيير الرواة سلبيا ً دائما ً ، بل كانوا يصلحون الشعر كثير ًا.‏ ‏(انظر:‏ لغة<br />

قريش،‏‎324‎‏).‏<br />

انظر:‏ معلقة عمرو بن كلثوم،‏<br />

كلام البدايات،‏ 104 وما بعدها.‏<br />

.106<br />

89


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

إلى الآخر،‏ ولا من دأْب شعراء الجاهلية أن يجمعوا بين هذين الموضوعين في<br />

مقدمات القصائد،‏ على هذا الوجه،‏ فلِم فعل عمرو بن كلثوم؟<br />

يبدو أن القصيدة كانت في الأصل قصيدتين،‏ لكل منهما مطلع ومقدمة ، أحد<br />

المطلعين هو:‏<br />

ألا هبي بصحنك فاصبحينا...‏<br />

والآخر:‏<br />

قفي قبل التفرق يا ظعينا...‏<br />

وكان عمرو قال القصيدتين في مناسبتين:‏ أولاهما ما كان بين بكر وتغلب عند<br />

عمرو بن هند في شأن من هلك من غلمان تغلب،‏ وما أعقبه من خ ُلف بين الحيين.‏<br />

والأخرى في قتل عمرو بن هند لما أراد أن يخ ْدم أم عمرو بن كلثوم أمه.‏ وفي<br />

القصيدة ما يشير إلى المناسبتين إشارة صريحة،‏ كقوله يخاطب عمرو بن هند في<br />

الأولى:‏<br />

أبا هند ، فلا تعجل علينا،‏<br />

وأنظرنا ن ُخ َبرك اليقينا<br />

ج<br />

وقوله يخاطب البكريين:‏<br />

إليكم يا بني بكر،‏ إليكم<br />

ألم ا تعلم وا من ا وم نكم<br />

ألما تعلموا منا اليقينا؟<br />

كتائب يط َّع ن ويرتمين ا<br />

أما المناسبة الأخرى فيشير إليها قوله:‏<br />

تهددنا وأوعدنا،‏ رويدا ً<br />

متى كنا لأمك مقتوينا؟...‏<br />

ولا جامع بين بعض أبيات المناسبتين ؛ فت ُجعلَ‏ في قصيدة واحدة ؛ إذ لا مسوغ<br />

لحديث عمرو عما كان بينهم وبين البكريين وهو يتحدث عن قتل عمرو بن هند،‏ ولا<br />

مسوغ لتهديد بني بكر بن وائل وتحديهم،‏ بأمر لم يكونوا حاضريه،‏ ولا شأن لهم به.‏<br />

ولكن رواة الشعر خلطوا القصيدتين؛ لما بينهما من ش َبه الغرض،‏ واتفاق الوزن<br />

والقافية،‏ ووحدة الشعور،‏ وكون عمرو بن هند هو المعني في القصيدتين،‏ في تينك<br />

90


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

المناسبتين.‏ ثم جعلوا مقدمتيهما متواليتين،‏ كأنهما عنصران من مقدمة واحدة؛ لما كان<br />

وضع إحداهما بعد فراغ الأخرى غير ذي مسوغ ، إذ لا يحسن إقحام الغزل،‏ أو ذكر<br />

الخمر في فخر كفخر عمرو هذا،‏ ثم ضموا فخر القصيدتين أحدهما إلى الآخر،‏ ووالوا<br />

بينهما.‏<br />

(1)<br />

ولهذا نظائر في الشعر الجاهلي ، منها مفضلية سويد بن أبي كاهل ، وهي مئة<br />

وثمانية أبيات،‏ وذات مقدمتين غزليتين،‏ لكن مقدمتيها،‏ قد ف ُصِل بينهما،‏ بأن جعلت<br />

القصيدة الثانية بعد فراغ أختها.‏ والذي سوغ هذا قِصر الفخر الذي أعقب المقدمة<br />

الأولى،‏ فلم يزد على خمسة عشر بيتا ً ، وجاء بعد أبيات في وصف الرحلة،‏ ت ُوهِم<br />

القارئ أنها إلى صاحبته سلمى التي يتغزل بها،‏ وهي إلى أرض قبيلة الشاعر التي<br />

يفخر بها.‏ أما القصيدة الثانية فاست ُهِل َّت بالغزل بسلمى أيضا ً،‏ استهلالا ً يخيل إلى القارئ<br />

أنه عود إلى الغزل،‏ ووصل لِما قطع منه الاستطراد إلى الفخر.‏<br />

وليس في قصيدتي عمرو ما يسوغ ذلك.‏ ولولا ما في قصيدة سويد من المعاني<br />

والألفاظ الإسلامية التي لا يعرفها الجاهليون لعسر على الدارس ألا يحكم بأنها قصيدة<br />

واحدة.‏<br />

ولم يرد فيما اطلعت عليه من المصادر القديمة ما يدل على أن القدامى نبهوا<br />

على أن معلقة عمرو كانت قصيدتين في الأصل،‏ قيلتا في مناسبتين ، إلا أن من<br />

الممكن أن يستنتج من خلافهم في مناسبتها أنها كانت قصيدتين.‏ فقد ذهبت طائفة منهم<br />

إلى أنها قيلت في حضرة عمرو بن هند،‏ بعدما كان بين بكر وتغلب،‏ وبعد أن أنشده<br />

(2)<br />

الحارث بن حلزة معلقته ‏.وذهبت أخرى إلى أنه قالها بعد قتله عمرو بن هند لما<br />

(3)<br />

أراد أن يخ ْدِم أمه أمه . ومأتى هذا الاختلاف من ظن الرواة أن القصيدتين واحدة،‏<br />

.166<br />

(1)<br />

(2) الأغاني ،<br />

انظر:‏ حديث الأربعاء،‏<br />

171/9، والخزانة،‏‎180/3‎‏،‏ وشرح القصائد العشر،‏ 252 وما بعدها.‏ وشرح القصائد<br />

السبع الطوال،‏ 371، والبرصان والعرجان<br />

انظر:‏ الأغاني،‏ 176/9، والشعر والشعراء،‏ 103، ومعجم الشعراء،‏<br />

، 24 وانظر:‏ الديوان ، .27<br />

.202<br />

(3)<br />

91


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

وقيلت في مناسبة واحدة،‏ وخفي عليهم أنهما اثنتان قيلت كل واحدة منهما في واحدة<br />

من تينك المناسبتين،‏ ولا خلاف بين الفريقين في الحقيقة.‏ ويؤيد هذا التوفيق أن بعض<br />

الذين جعلوا القصيدة في الذي كان بين البكريين والتغلبيين قالوا إن مطلعها:‏<br />

قفي قبل التفرق يا ظعينا...‏<br />

والذين يرون أنها قيلت في قتل عمرو بن هند جعلوا مطلعها:‏<br />

ألا هبي بصحنك فاصبحينا...‏<br />

ولم أقف – فيما اطلعت عليه-‏ على ما يؤيد قول علي أبو زيد إن نظم القصيدة<br />

في زمنين مختلفين هو ما ورد في<br />

(1)<br />

التاريخ ورواه العلماء ، وهو قول يناقض قولا ً<br />

آخر له:‏ إن الذي عليه أغلب القدماء أن عمرا ً نظم قصيدته فيما كان من احتكام بكر<br />

وتغلب إلى عمرو بن هند،‏ ولم يجعل قولها في قتل عمرو بن هند إلا بعض المحدثين،‏<br />

(2)<br />

دون أن يقدموا دليلا ً أو توثيقا ً لما ذهبوا إليه .<br />

والبيتان"‏ قفي قبل التفرق..."‏ و"‏ ألا هبي بصحنك..."‏ صالح كل منهما لأن يكون<br />

مطلعا ً لقصيدة.‏ وما بعدهما من الأبيات صالح معهما لأن يكون مقدمة من المقدمات<br />

الجاهلية ، ولاسيما البيت الأول؛ فإن"‏ قف،‏ وقفا،‏ وقفي"‏ مشهورة في مقدمات القصائد<br />

القديمة.‏ وللقطامي-‏ الشاعر التغلبي-‏ مطلع قريب من هذا المطلع،‏ هو قوله في<br />

قصيدته العينية:‏<br />

قفي قبل التفرق يا ضباعا<br />

(3)<br />

ولا يك موقف ٌ منك الوداعا<br />

.33<br />

27 ومابعدها.‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

الديوان،‏<br />

وهذا القول نفسه فيه تناقض،‏ فهو يقول في بدايته إنه قول أغلب القدماء ،<br />

السابق،‏<br />

وهذا يعني أن قلة منهم لا تقول به،‏ ويقول في نهايته إن قولها بعد قتل عمرو بن هند لم يقل به إلا<br />

المحدثون دون دليل.‏ وفي الحق أن من قال به له سنده،‏ بل لقد ذكر الأصفهاني أنه لم يقل إنها قيلت<br />

فيما كان بين بكر وتغلب إلا الأصمعي،‏ وغيره من الرواة يخالفه الأغاني،‏<br />

‏(‏‎3‎‏)المنتخب في محاسن أشعار العرب ،<br />

.(171/9<br />

)<br />

.20/2<br />

92


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

والقرب الجغرافي،‏ واتحاد البيئة الاجتماعية سبب لتقريب المذاهب الفنية وتعاور<br />

الأساليب الشعرية وإشاعتها،‏ ولاسيما إذا أضيفت إليهما الرواية،‏ فهي تهيئ للشاعر من<br />

أساليب غيره وصوره ما يجعله يلاقيه في كثير من العبارات والصور والمعاني.‏<br />

أما الدارسون المحدثون الذين تعرضوا لعمرو ومعلقته فلم أجد من صرح منهم<br />

بأنها كانت قصيدتين،‏ وإنما قال بعضهم إنها ن ُظمت في المناسبتين السابقتين،‏ بدأها في<br />

(1)<br />

الأولى وأتمها في الثانية . ويرى أحدهم أن عمرا ً تذك َّر بعد قتله عمرو بن هند وقفته<br />

يوم التحكيم في المناسبة الأولى ،" فلم يق ْبل منه،وغ ُل ِّب؛ فارتجل أبياتا كان يود لو أنه<br />

استطاع أن يقولها...‏ فجاءت الأبيات مشاكلة لأبيات القصيدة السابقة،‏ ثم اختلطت<br />

الأبيات بالأبيات،‏ والمناسبة بالمناسبة،‏ فجاءت المعلقة مزيجا ً من أبيات لا يمكن أن<br />

تكون ن ُظمت في زمن واحد.‏ ولعل ابن كلثوم نفسه هو الذي دمج الأبيات جميعا ً في<br />

(2)<br />

قصيدة واحدة فيما بعد،‏ فأسقط أبياتا ً وأضاف أخرى"‏ .<br />

وربما لم يكن الأمر بهذه الصورة،‏ وربما لم يكن عمرو هو الذي ضم<br />

القصيدتين،‏ ولا أتم أولاهما بأبيات أضافها إليها.‏ أما أولا ً فلأنه لو كان ما قال في<br />

المناسبة الثانية إتماما ً لما قال في الأولى أو زيادة عليه لما احتاج إلى مطلع آخر<br />

ومقدمة غير الأولى،‏ بل لنظم ما تقتضيه المناسبة،‏ مكتفيا ً بالمقدمة الأولى ومطلعها.‏<br />

وأما ثانيا ً فلأن عمرا ً لم يكن متفرغا ً للشعر،يتدبره فيحذف منه ويضيف إليه ، بل ربما<br />

كانت تفيض قريحته-أحيانا-‏ بشيء من الشعر في مناسبة من المناسبات فيقوله ،<br />

(3)<br />

وليس له من القصائد سوى المعلقة ، وما سواها إنما هو قِط َع قصيرة . على أن هذا<br />

143/1، ومقدمة<br />

.31<br />

،123/1<br />

(1)<br />

انظر:‏ تاريخ آداب اللغة العربية،‏ وتاريخ الأدب العربي ، لعمر فروخ،‏<br />

القصيدة العربية،‏ ولحسين عطوان قول صريح إنها كانت قصيدتين نظمتا في زمنين،‏ لكنه<br />

رجع إلى ما يشبه قول المشار إليهم آنفا ً،‏ حين ذكر أن قسما ً منها نظم قبل قسم.‏<br />

ديوان عمرو بن كلثوم،صنعة علي أبوزيد،‏<br />

يؤيد هذا الرأي ما ورد في(جمهرة أشعار العرب،‏ تحقيق الهاشمي،‏ من أن رجلا ً سأل أبا<br />

عمرو بن العلاء:"‏ هل قال عمرو بن كلثوم غير قصيدته؟ قال أما قصيدة فلا ، غير أن الناس<br />

افتعلوا عليه أشعارا ً نسبوها إليه.‏ وإني لأظن لولا ما افتخر به في قصيدته ، وما ذكر من حربهم ما<br />

قالها".‏<br />

(208/1<br />

:<br />

.172<br />

(2)<br />

(3)<br />

93


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

الضرب من تلفيق الشعر لم يكن معروفا ً عن الجاهليين.‏ أما الذي جمع القصيدتين في<br />

واحدة فقد يكون الرواة الأولين من تغلب،‏ عن غير قصد،‏ وإنما كانوا ينشدونهما<br />

متواليتين حتى طال عليهما الأمد،‏ فظ ُن َّتا واحدة.‏ ولكن هذا ربما كان يستوجب أن تكونا<br />

كقصيدتي سويد،‏ توضع الثانية منهما بعد فراغ الأولى،‏ ولا يدمج المطلعان<br />

والمقدمتان،‏ غير أن هذا الدمج ربما كان من صنيع الرواة الإسلاميين،‏ قدموا وأخروا<br />

في القصيدتين حتى صارتا على الصورة التي انتهت إلينا،‏ كما صنعوا بسائر أبياتها،‏<br />

وقد يكون حادثا ً في القصيدة قبل الإسلام.‏<br />

وقد يعترض هذا الرأي بقول الشاعر البكري الذي انتقد تغلب على إفراطها في<br />

ترداد القصيدة:‏<br />

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة<br />

‏(قصيدة)‏ قالها عمرو بن كلثوم<br />

فهو ذكر قصيدة،‏ ولم يذكر اثنتين،‏ وقد يكون هذا دليلا ً على أنها لم تكن إلا<br />

واحدة قبل الرواة الإسلاميين.‏ كما قد يعترض بما ذهب إليه أحد الباحثين من الشك في<br />

أن يكون ما ورد في أول القصيدة من ذكر الخمر كان أول َها حقا ً ، يوم قالها<br />

عمرو؛لأن ما بقي من شعره ليس فيه ذكر للخمر ألبتة،‏ ولأن البيتين:"صبنت<br />

الكأس..."‏ ورد في بعض الروايات أنهما لغيره،‏ ولأن الشعر الجاهلي لم ت ُف ْت َتح منه<br />

قصيدة واحدة بوصف الخمر،‏ فالراجح ‏–إذن-‏ أن عمرا ً وصف الخمر في أثناء<br />

(1)<br />

قصيدته،‏ لا في مقدمتها ؛ فذاك الغالب على شعر الجاهليين ‏.وعليه يكون للقصيدة<br />

مطلع واحد،‏ هو ذاك الغزلي،‏ ويكون عمرو ربما أتم القصيدة الأولى بعد حين.‏<br />

وليس في الاعتراضين ما يرد ذاك الرأي؛ فلعل الذي أشار إليه البكري إحدى<br />

قصيدتي عمرو،‏ هي الأولى.‏ وقد ثبت أن المعلقة بصورتها هذه قيلت في زمنين،‏<br />

وفي<br />

مناسبتين،‏ وليس حتما ً أن يكون مراد الشاعر المعلقة كما هي اليوم في دواوين الأدب<br />

(1)<br />

مقدمة القصيدة العربية ،<br />

.172<br />

94


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

العربي؛ فلا دليل على ذلك،‏ ولو أراده ما نفى أن تكون في الأصل قصيدتين دمجتا.‏<br />

فهو يتكلم عنها في صورتها الحالية،‏ لا في نشأتها التاريخية.‏<br />

وخلو مقطوعات عمرو الباقية من الخمر هو الأصل؛ فهي مقطوعات حماسية<br />

كلها،‏ وليست المقطوعات من الشعر الجاهلي الذي تتعدد أغراضه ، وإنما تتعدد<br />

(1)<br />

أغراض القصائد .<br />

والبيتان المشار إليهما ليسا لعمرو بن كلثوم ‏–كما سنرى-،‏ وكذلك البيت الذي<br />

بعدهما,‏ وليس ذلك بنافٍ‏ أن يكون سائر المقدمة الخمرية لعمرو بن كلثوم،‏ والباحث لا<br />

ينكر هذا،‏ بل يراه.‏<br />

وبعيد – فيما أرى-‏ أن يكون<br />

"<br />

وفيه من علامات المطالع ما لا يخفى<br />

:<br />

المطالع ، وخطابٍ‏ لم يتقدمه من قد يكون هو المعني به.‏<br />

والشذوذ.‏<br />

ألا هبي بصحنك..."‏ من أبيات القصيدة الداخلية،‏<br />

من تصريع ، واستفتاح أكثر ما يكونان في<br />

وكون الجاهليين درجوا على التقدمة للقصائد بغير الخمر لا ينفي إمكان الندرة<br />

ولم ينتبه الباحث للفرق بين قصيدة عمرو هذه والقصائد التي وصفت فيها الخمر<br />

في الجاهلية:‏ فالشعراء الذين وصفوا الخمر أو ذكروها إنما فعلوا في مقام التمدح<br />

بالفتوة،‏ والفعال الذاتية،‏ أو كانوا يذكرونها استطرادا ً من وصف ريق امرأة يشبهونه<br />

بها،‏ أو من وصف ما يعتادهم من وله يشبه السكر.‏ وهذا كله يقتضي ألا تكون الخمر<br />

إلا في أثناء القصائد،‏ وليس فيه ما يسوغ أن تستهل بها.وفخر عمرو فخر قبلي جمعي<br />

خالص،‏ لا مكان فيه للتمدح بالصبوات وشرب الخمر،‏ ومنادمة الفتيان وتتبع الصيد،‏<br />

وسماع الغناء ، كما يفعل بعض الشعراء.‏ وإذا ذ َك َر الخمر أو النساء فالمكان اللائق<br />

بهما في قصيدة هذا شأنها هو المقدمة،‏ فإن من شأن القصائد أن تستهل ببعض<br />

المثيرات المهيجة للشعر،‏ الباعثة على قوله،‏ فإذا فرغ من ذلك عمد إلى الفخر بقبيلته<br />

(1)<br />

الشعر الجاهلي<br />

:<br />

خصائصه وفنونه،‏<br />

.241<br />

95


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

فلم يخلطه بشيء لا يلائمه،‏ حتى يفرغ منه.‏ وعمرو فوق هذا كله لم يكن له في<br />

حياته-‏ فيما يبدو-‏ ميل إلى اللهو الذي عرف به شعراء الخمر في الجاهلية،‏ فقد كانت<br />

رياسته تغلب في الخامسة عشرة من عمره تصرفه عن ذلك؛ لأنه لا يليق برؤوس<br />

القبائل،‏ ولاسيما القبيلة التي رأينا من قوتها وبأسها ما رأينا.‏ ولا ينافي هذا ما روى<br />

(1)<br />

الكلبي من أن عمرا ً ممن شربوا الخمر صرفا ً حتى ماتوا ، فإن هذا كان في آخر<br />

(2)<br />

حياته بعد أن بلغ مئة وخمسين عاما ً . ويروي بعض المصادر أن شربه الخمر في<br />

آخر حياته كان غضبا ً من مساواة النعمان بن المنذر بينه وبين ابنه الأسود في هدية<br />

(3)<br />

كان يهديها إليه،‏ فترك الطعام والشراب إلا الخمر الصرف طلبا ً للموت.‏ ويؤيد هذا<br />

ما فطن إليه صانع ديوانه من أن"‏ ضمير الجمع كان غالبا ً على معظم شعره،‏ ولا تكاد<br />

(4)<br />

تظهر فرديته إلا في أبيات يسيرة"‏ ، وهو ما ظهر في القصيدة أيضا ً.‏ والخمر وما<br />

شاكلها من صنوف اللذات أمر فردي يباين الجماعة التي كانت تستحوذ على روح<br />

عمرو،‏ كما كانت إدارتها تستحوذ على سائره.‏<br />

بقيت قضية تستحق المناقشة،‏ هي طول المعلقة فقد قال إسماعيل البغدادي<br />

وهو يتحدث عن عمرو-‏ :"<br />

بعض الأدباء<br />

–<br />

(5)<br />

له القصيدة المعلقة،‏ نحو ألف بيت"‏ . ونقل هذا القولَ‏<br />

(6)<br />

غير معترض عليه أو منكر لصحته ، بل قال أحدهم إن ما حل بها من<br />

(7)<br />

ذهاب تسعة أعشارها أصاب غيرها من القصائد الجاهلية . وهذا القول يعسر جدا ً<br />

على دارس الشعر الجاهلي-‏ خاصة-،‏ والشعر القديم قبل العصر العباسي ‏–عامة-‏ أن<br />

يتقبله،‏ كما يعسر تقبله على من له معرفة بحياة العرب الأقدمين ، ومذاهبهم في القول،‏<br />

.66/21<br />

178/9<br />

الأغاني،‏ (1)<br />

‏(‏‎2‎‏)السابق،‏<br />

انظر:‏ ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي،‏‎185‎‏.‏<br />

ديوانه،‏ صنعة علي أبو زيد،‏<br />

هدية العارفين ،<br />

تاريخ الأدب العربي ، لعمر فروخ،‏ 143/1، ومقدمة القصيدة العربية،‏‎172‎‏.‏<br />

تاريخ الشعر العربي ، 50 وما بعدها.‏<br />

.24<br />

801/1<br />

(3)<br />

(4)<br />

(5)<br />

(6)<br />

(7)<br />

96


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

الن َّزاعة إلى الإيجاز،‏ القالية للإطناب.‏ وأكبر الظن أن البغدادي أراد أنها نحو ‏"مئة<br />

بيت"،‏ فسها أو سبقه القلم،‏ فهو توفي سنة<br />

(1)<br />

‎1920‎م ، ولم يطرأ على مصادره تلف أو<br />

ضياع كبيران؛ فتتعذر رؤيتها على غيره.‏ وأطول روايات القصيدة رواية أبي زيد<br />

القرشي،‏ وتبلغ فيها 115 بيت ًا،‏ وتبلغ‎94‎عند الأنباري،‏ و‎93‎ عند النحاس،و‎85‎ عند ابن<br />

كيسان،‏ و‎97‎ عند التبريزي،‏ و‎103‎عند الزوزني.‏ وهذا يسوغ أن يقال:‏ إنها ‏"نحو مئة<br />

بيت".‏ وربما كان بعض أبيات القصيدة قد سقط بسهو من الرواة أو بنسيان،‏ كما حدث<br />

لكثير من شعر العرب القديم،‏ قبل التدوين،‏ ولاسيما الجاهلي منه،‏ وليس ما سقط من<br />

هذه أكثر مما سقط من سائر القصائد الجاهلية.‏ وربما كانت عناية تغلب بها منذ قيلت،‏<br />

حافظت عليها ، وهيأت لها من الصون وأسباب البقاء ما لم يتهيأ لغيرها من القصائد.‏<br />

ومن أقوى المؤيدات لهذا أن معلقة الحارث بن حلزة اليشكري التي قيلت مع إحدى<br />

قصيدتي عمرو بن كلثوم لا يزيد ما بقي منها على<br />

(2)<br />

‎85‎بيت ًا . وهذا يدل على ما كانت<br />

تبلغه القصيدة دلالة تقريبية،‏ على أنني أتوقع أن تكون قصيدة الحارث أطول كثيرا ً من<br />

قصيدة عمرو بن كلثوم؛ للمنحى الذي نحاه كل منهما:‏ الحارث نحا منحى المديح<br />

والإقناع والاستمالة وسرد الأدلة والحوادث،‏ ونحا عمرو منحى الفخر والوعيد<br />

والتهديد،‏ والأول يحتاج من الإطالة والإطناب إلى ما لا يحتاج إليه الآخر.‏ ويبدو أن<br />

الحارث ‏–أيضا ً-‏ كان أكثر محافظة على سنة شعراء الجاهلية في بناء القصيدة من<br />

عمرو،‏ كما يظهر من انتقاله من الغزل إلى وصف الراحلة،‏ وهو ما أعرض عنه<br />

عمرو،‏ وهذا من دواعي الإطالة،‏ وإنما بلغت معلقة عمرو ما بلغت من الطول بإضافة<br />

القصيدة التي قال بعد قتل عمرو بن هند.‏<br />

ودراسة القصيدة من الداخل لا ت ُبين أن هناك فجوات كبيرة بين أبياتها،‏ تحمل<br />

على الظن أنها من سقوط بعضها ولاسيما القسم الأول منها،‏ كما سوف نرى ‏–إن شاء<br />

.289/2<br />

(1)<br />

(2)<br />

معجم المؤلفين،‏<br />

هي 85 في رواية النحاس،‏ و‎84‎في رواية ابن الأنباري ، و 82 عند الزوزني.‏<br />

97


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

االله-.‏ ولست أرى ما يرى البهبيتي من أن القصائد الجاهلية كانت في الأصل ملاحم،‏<br />

ثم عبث بها النسيان فلم يبق إلا بعضها،‏ وبقيت موضوعاتها الرئيسة لا علاقة بينها في<br />

الظاهر،‏ وفقدت ما كان بينها من روابط؛ ‏"فكان هذا التفكك الذي أظهر القصيدة بمظه ‏ِر<br />

غيرِ‏ ذاتِ‏ الغرض الواحد،‏ فما هي إلا خطرات ٌ شعرية يط ْرد إليها الشاعر قصيدته<br />

(1)<br />

طردا ً ويحملها عليها حملا ً"‏ ، ولو ذهب المرء إلى ملاحم اليونان وأزال ما بينها ‏"من<br />

الروابط وأساليب الوصل والتمهيد التي تجمع بين أجزائها،‏ لوقع لها ما وقع للقصيدة<br />

الجاهلية من براءة الجزء من الجزء،‏ وغرابة الخروج من الموضوع إلى الموضوع،‏<br />

ولغدت مث ْل َها تمام ًا:‏<br />

(2)<br />

خطرات شعرية يجمعها الوزن الواحد والقافية الواحدة"‏ . وهذا<br />

إغراق في الوهم والتخيل،‏ يحسن ألا يأْخذ به الباحث نفسه من غير برهان،‏ قد يكون<br />

الداعي إليه شعورا ً قوميا ً يجد النقص في ألا يكون في شعر العرب من المطولات<br />

والملاحم ما كان في شعر اليونان،‏ وأشعار الأمم الأخرى،‏ وليس دافعه أدلة ً علمية<br />

يمكن البناء عليها في استنتاج حكم.‏ والباحث يناقض نفسه في هذه القضية مناقضة<br />

كبيرة،‏ فقد جعل الإيجاز سمة من سمات شعر الجاهلية،‏ وأفاض في التدليل عليه بما<br />

(3)<br />

ينفي إمكان أن تكون القصائد الجاهلية أطول مما كانت كثير ًا ، ويقول هنا ما يقول!‏<br />

وينبغي تمييز شعر العرب العاطفي من الشعر الملحمي القائم على القصص<br />

التاريخية أو الخيالية،‏ والأساطير،‏ وما في ذلك كله من التفصيل،‏ والسرد الطويل.‏<br />

فالشعر العاطفي شعر انفعالي يلائمه الإيجاز والإشارة،‏ والمفردات والعبارات<br />

المشحونة بالدلالات والصور،‏ ولا يلائمه التفصيل والسرد،‏ فهذان لا ينفسان عن النفس<br />

المتوترة المستوفزة،‏ كما تنفس عنها العبارة البليغة الموجزة،‏ فضلا ً عن أن نظم الشعر<br />

الطويل يستغرق وقتا ً طويلا ً،‏ ويحتاج إلى كتابة لم يكن جل الشعراء يعرفها.والشاعر<br />

الأمي لا يبلغ نهاية الفكرة الطويلة حتى ينسى أولها،‏ وقد يقع في التناقض من أجل<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

تاريخ الشعر العربي،‏‎54‎‏.‏<br />

الموضع السابق.‏<br />

السابق،‏ 78 وما بعدها.‏<br />

98


ت)‏<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

ذلك.ولولا خوف الإطالة التي لا يحتملها المقام لضربت الأمثلة لذلك.‏ ولهذا كانوا<br />

يحذ ِّرون من الإطالة ، ويقولون:"كثرة القول ينسي بعضه بعضا ً".‏ ولقد كانوا-مع ذلك-‏<br />

يستهجنون الإطالة،‏ ويرونها من العي.‏ يروى أن ربيعة الرأي-وكان بليغا ً-‏ تكلم يوما ً<br />

فأطال وأحسن،‏ حتى داخله العجب من كلامه،‏ فالتفت إلى أعرابي قريب منه فسأله:‏<br />

ماتعدون العِي فيكم؟ فقال له الأعرابي:‏ ما كنت فيه منذ اليوم!‏<br />

وقد فطن بعض دارسي الأدب العربي إلى هذه الطبيعة،‏ فقال:"والعرب أهل بديهة<br />

وارتجال،‏ وت َط ْل ُب الإلمام بطبائع النفوس،‏ وقد ش ُغلوا بأنفسهم عن النظر فيمن عداهم،‏<br />

وتفتقر إلى التحليل والتطويل،‏ وهم أشد الناس اختصارا ً للقول،‏ وأقلهم تعمقا ً في<br />

(1)<br />

البحث"‏ .<br />

ويعلل أحدهم هذا المنزع بما في حياتهم من ن ُق ْلة وحركة دائمة،‏ ومناخ قاسٍ‏<br />

صيفا ً وشتاء‏،‏ فذلك جعلهم لا يطيلون ولا يتأملون،‏ بل يقفون عند المعنى وقفة سريعة،‏<br />

(2)<br />

ثم يتركونه . ويعلله بعضهم بقلة الأسفار البعيدة،‏ وقلة تعرضهم للأخطار الشديدة،‏<br />

وطبيعة الأرض،‏ وبساطة الدين،‏ وضيق الخيال،‏ وقلة الأساطير،‏ واعتقاد وحدانية<br />

(3)<br />

الإله .<br />

ومن عجيب الاتفاق-ونحن ننفي عن قصيدة عمرو ما ن ُسبت إليه من الطول-‏ أن<br />

نجد في وصيته لبنيه-‏ وقد حضره الموت-:"‏ وإذا حدثتم فأوجزوا؛ فإن مع الإكثار<br />

(4)<br />

يكون الإهذار"‏ . وما كان هذا ليكون رأيه ثم يطيل إطالة لا نظير لها فيما أُثِر عن<br />

أهل زمانه من نثر وشعر.‏<br />

وربما كان مذهب عمرو في الإيجاز هو الذي جعل ما أُثر عنه من الشعر-غير<br />

المعلقة-‏ قِط َعا ً لا يجاوز أطولها تسعة أبيات،‏ وليس ما قال صانع الديوان فقط من"أنه<br />

1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

(4)<br />

اريخ الأدب العربي ، للزيات ،31.<br />

الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه،‏ 105 وما بعدها.‏<br />

تاريخ الأدب العربي،‏<br />

الأغاني،‏<br />

.31<br />

.178/9<br />

99


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

لم يكن محترفا ً للشعر،‏ ولم يكن موضعه من قبيلته ليسمح له أن ي<br />

ِثك ْ<br />

ر من الشعر<br />

(1)<br />

المطول،‏ بل كل ما قاله جاء ردة فعل آنية على ما يطرأ من أحداث"‏ ، على أن هذا<br />

كله من أسباب ألا تطول المعلقة.‏<br />

ولست أدري كيف يتأتى أن يحفظ التغلبيون الأميون قصيدة عمرو التي تبلغ ألف<br />

بيت من مرة واحدة،‏ ولا كيف يستطيع هو تذك ُّرها إذا هو ارتجلها،‏ إن غضضنا<br />

الطرف عن إمكان حدوث ذلك،‏ وفرضنا أن عمرا ً أوتي شاعرية لم يؤتها أحد قبله من<br />

العرب ولا بعده.‏<br />

لقد كان أبو عمرو الشيباني يعجب لارتجال الحارث بن حلزة قصيدته في موقف<br />

واحد،‏ ويقول:‏<br />

(2)<br />

‏"لو قالها في حول لم يل َم"‏ ، وهي لا تزيد على خمسة وثمانين بيتا ً ،<br />

ومعلقة عمرو بن كلثوم أجود منها كثيرا ً،‏ فكيف لا يعجب المرء أن يقول عمرو ألف<br />

بيت من الشعر في موقف أو موقفين؟<br />

وثمة أمر من الأهمية بمكان،‏ هو أن معاني الجاهليين كانت محدودة،‏ وهم<br />

متساوون في ثقافتهم وبيئتهم،‏ متشابهون في عواطفهم،"والعواطف تتشابه في أكثر<br />

(3)<br />

القلوب،‏ ويكاد التعبير عنها يتفق في أكثر الألسنة"‏ ؛ فلذلك كان أحدهم لا يكاد يأتي<br />

إلا بما سبق إليه ، بل يردد معاني محدودة بألفاظ مكرورة.ومن كانت هذه حال َه لم يكن<br />

للإطالة مكان في شعره.‏ ولعل هذا سبب من أسباب كون قصائدهم-‏ مع ما فيها من<br />

الاستطراد،‏ وتعدد الأغراض،‏ والإطناب في بعض الموضوعات-‏ لا تكاد تبلغ المئة.‏<br />

وربما كان من الممكن أن تبلغ القصيدة ألف بيت لو أن عمرا ً نحا فيها منحى<br />

تفصيليا ً لأيام تغلب وانتصارها،‏ ولاسيما يوم البسوس،‏ وما فيه من الحوادث الجسام،‏<br />

والملاحم العظام؛ بيد أن الذي درج عليه شعراء الجاهلية أن يشيروا إلى الحوادث<br />

التاريخية إشارة،‏ دون توقف أو سرد،‏ تعويلا ً على معرفة الناس بالتاريخ والأيام-‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

الديوان،‏‎26‎‏.‏<br />

الأغاني،‏‎172/9‎‏.‏<br />

تاريخ الأدب العربي،‏‎31‎‏.‏<br />

100


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وكانت أهم معارفهم-‏ كما ألمح إلى ذلك البهبيتي:"وإنما القصة فيه ‏(أي الشعر<br />

الجاهلي)...‏ لمحات وإشارات مقتضبة وموجزة تفسرها-عادة-‏ حكايات قد تكون<br />

شائعة بين الناس،‏ كان الشاعر يمكنه أن يدرجها في صلب قصيدته-لو أراد ذلك-‏<br />

ولكنه يكتفي عنها بتلك اللمحة القصيرة.‏ ذلك أنه لا ينظر إلى القصة على أنها<br />

(1)<br />

موضوع من موضوعات الشعر،‏ وإنما هي مث َلٌ‏ يضربه أو عبرة يسوقها"‏ ‏.وما كانوا<br />

يتحدثون عن شيء من الأيام بالتفصيل إلا الأيام المنقضية قريبا ً،‏ عقب انقضائها؛<br />

لأنها ما زالت مجهولة،‏ والشعر مصدر من مصادر معرفة ما كان من أمرها،‏<br />

والشاعر المتحدث عنها يكون في مقام الشماتة والفخر؛ فيذهب به ذلك مذهب الإطالة<br />

والتفصيل،‏ تخليدا ً لمآثر قومه،‏ وسبقا ً إلى الأذهان يضع فيها ما يحب أن يعت َق َد فيهم،‏<br />

معولا على أن ‏"من يسمع يخ َلْ".‏ على أن الإطالة هنا إضافية أيضا ً،"‏ فلم يكن وصف<br />

شعرائهم للمعارك وصفا ً مطولا ً يأخذ بالكلام من أوائله حتى ينتهي إلى أواخره كما<br />

تدعو الحوادث،‏ فليس لديهم قصائد تمسك بأوائلها حتى تبلغ نهايتها،‏ فتريك صورة<br />

معركة منذ بداءة الوقعة إلى ختامها،‏ وإنما هي فترات شعر،‏ في لمحات وصف<br />

مقتضبة مجتزأة،‏ يتبين فيها الروح العربي البياني الذي انطوى ‏-منذ كان-‏ على<br />

(2)<br />

الاختصار في سرد الصور أو الزهد في التقصي".‏<br />

وفي معلقة عمرو من الشواهد<br />

على هذا النهج ما يغني عن التمثيل من غيرها.‏ فيوم خ َزازى الذي كان مفخرة تغلب<br />

الكبرى لم يرد له ذكر في شيء من أشعارها،‏ ولا أشعار غيرها من المعديين الذين<br />

انتصروا فيه على القبائل اليمنية،‏ سوى قول عمرو:‏<br />

ونحن غداة أوقد في خزازى<br />

(3)<br />

رفدنا فوق رفد الرافدينا<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

تاريخ الشعر العربي،،‏‎79‎‏.‏<br />

شعر الحرب في أدب العرب،‏‎4‎‏.‏<br />

العقد الفريد،‏‎84/6‎ وما بعدها.‏ وورد بعد هذا البيت عنده ثلاثة أبيات،‏ قال إن أبا عمرو بن العلاء<br />

جعلها في يوم خزازى.‏ وفي ‏(الخزانة،‏‎546/8‎‏)‏ أن الثلاثة في غير يوم خزازى ، وهو الظاهر.‏<br />

101


ج<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

ولما أراد التفصيل في إحدى الحوادث لم يزد على أن قال:‏<br />

وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />

فصالوا صولة<br />

فيمن يليهم<br />

فآبوا بالنهاب وبالسبايا<br />

وكان الأيسرين بنو أبينا<br />

وصلنا صولة فيمن يلينا<br />

وأبنا بالملوك مصفدينا<br />

لم يزد على ثلاثة أمور:‏ موقعِ‏ تغلب في المعركة الدال على قوتها وتميزها،‏<br />

وهجومِها هي وبني عمها من بني بكر،‏ كل ٌّ على من يليه،‏ ونتيجةِ‏ الهجوم.‏ وتنك َّب كل َّ<br />

التنكب ما سوى ذلك؛لأن ما ذكر يحصل به الغرض،‏ وما سواه إطالة لا مسوغ لها،‏<br />

والحادثة يعرف تفصيلها من ت ُل ْق َى إليه.‏ ولما فخر بأسلافه اقتصر على ذكر أسمائهم،‏<br />

(1)<br />

دون تفصيل شيء من مآثرهم أو ذكرها .<br />

الآن.‏<br />

وإذا استبان هذا لم يبق مجال لتصديق أن تزيد القصيدة كثيرا ً على ما هي عليه<br />

وذهب علي أبو زيد إلى أن بعضا ً من القصيدة،‏ أسقطه عمرو،‏ أو تناسته تغلب<br />

حتى نسيه الناس؛لأنه كان في موضوع،‏ لا تود أن يذكر؛لأن فيه منقصة وضعفا ً.‏<br />

ويستدل على ذلك بأن ليس فيما بقي من المعلقة ذكر لقتلى تغلب الذين دارت على<br />

قتلهم معلقة الحارث بن حلزة،‏ وهو كان يتوقع أن يكون لما قال الحارث ما يشاكله في<br />

(2)<br />

قصيدة عمرو .<br />

ومعلقة عمرو فخرية،‏ والفخر لا يذكر فيه إلا القوة والغ َل َب،‏ ويت َنك َّب ذكر<br />

(3)<br />

الضعف والهزيمة،‏ ويندر أن يذكر الشعراء ما فعل بهم أعداؤهم . فليس من المتوقع<br />

إذن أن يرد في شعر عمرو ذكر لحادثة القتلى،‏ والحارث أيضا ً لم يتحدث عن القتلى،‏<br />

وإنما تحدث عن ظلم تغلب لهم ووشايتهم بهم إلى عمرو بن هند،‏ وحذ َّرهم نقض العهد<br />

9 إلى<br />

. 33<br />

(2)<br />

(3)<br />

‏(‏‎1‎‏)انظر الأبيات:‏ من 13 من القصيدة الأولى.‏<br />

الديوان،‏‎31‎و<br />

القصائد التي يذكر فيها ذلك تسمى ‏(المنصفات)،‏ وهي قليلة جدا ً.‏ وسبب ذلك أن الفخر والحماسة<br />

موضوعان عاطفيان يسجلان ما تهوى النفس لا ما رأت العين.‏<br />

102


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

الذي بينهم،‏ وافتخر بأيام بكر ومآثرهم،‏ وذكر مثالب تغلب وهزائمهم.‏ على أن عمرو<br />

بن هند كان ميله-‏ قبل أن ينشده الحارث-‏ مع تغلب،‏ فلما غيره ما سمع،‏ وعرف<br />

عمرو بن كلثوم ذلك منه عمد إلى تهديده وتهديد بكر،‏ ولم يعمد إلى دفع الحجة بالحجة<br />

لاستمالته ورد قالة الحارث؛ فتطولَ‏ قصيدته.‏<br />

مصادر القصيدة<br />

وردت معلقة عمرو كاملة ً في عدة مصادر قديمة،‏ أهم ما اطلعت عليه منها:‏<br />

معلقة عمرو بن كلثوم،‏ بشرح أبي الحسن بن كيسان(ت‎299‎ه).‏ وهو مما بقي من<br />

(1)<br />

شرحه لخمس من المعلقات . ووردت في ) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات)،‏<br />

لأبي بكر الأنباري<br />

‏(ت‎328‎ه).‏ و(شرح القصائد التسع المشهورات)‏ لأبي جعفر<br />

النحاس(ت‎338‎‏).‏ و(شرح القصائد العشر)‏ للخطيب التبريزي(ت‎502‎‏)،‏ ومعلقة عمرو<br />

ابن كلثوم بشرح عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري(ت‎514‎ه)،‏ و(شرح<br />

المعلقات السبع)‏<br />

(2)<br />

للزوزني(ت‎486‎‏)‏ ، و(جمهرة أشعار العرب)‏ لأبي زيد محمد بن<br />

أبي الخطاب القرشي.‏ ووردت منها أبيات متفرقة في مصادر قديمة شتى.‏<br />

والقصيدة عند ابن كيسان خمسة وثمانون بيت ًا.‏ ويبدو من دراسة روايته لها أنها<br />

أضبط الروايات،‏ من حيث ترتيب الأبيات،‏ وتحرير الألفاظ،‏ وأسلمها من الصناعة<br />

والنحل؛ فلم أجد فيها ما يت َردد في قبوله سوى بيت واحد،‏ هو:‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

إذا لم نحمهن فلا بقينا<br />

لشيء بعدهن ولا حيينا<br />

ج<br />

ففي النفس شيء منه؛ لأنه-‏ فيما أرى-‏ من الفضول،‏ والأبيات التي قبله تغني<br />

عنه؛ لأن فحواها أن من دأب التغلبيين حماية النساء،‏ والدعاء عليهم إن لم يحموا<br />

نساءهم لا يزيد على هذا المعنى،‏ وهذا النحو من الفضول يكثر في الشعر المصنوع،‏<br />

كما قال ابن سلام:"‏ وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه،‏ ولا حجة ٌ<br />

انظر:‏ معلقة عمرو بن كلثوم،‏ 118.<br />

هذا هو التاريخ الذي ذكر حاجي خليفة(كشف الظنون،‏‎1741‎‏)وهو الذي ذكر السيوطي في ‏(بغية<br />

الوعاة،‏‎232‎‏)،‏ ولكن القفطي قال إنه كان موجودا ً في المئة السادسة.(‏ إنباه الرواة،‏‎321/1‎‏).‏<br />

103


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

(1)<br />

في عربية،‏ ولا أدب يستفاد،‏ ولا معنى يستخرج،‏ ولا مث َلٌ‏ يضرب..."‏ . مع أن البيت<br />

ورد في جل المصادر المذكورة،‏ بل لم يسقط إلا من اثنين منها:‏ شرح الزوزني،‏<br />

وشرح القشيري.‏<br />

وتوافق رواية الأنباري رواية ابن كيسان،‏ ولم تختلفا إلا في كلمات يسيرة في<br />

(2)<br />

بعض الأبيات،‏ وخمسة أبيات زادها الأنباري . وتوافقا في ترتيب الأبيات،كلها إلا<br />

بيتا ً واحدا ً،‏ وتوافقا في التحرز من خلط الروايات الشاذة بالرواية الصحيحة الموثوق<br />

بها.‏ فأشارا ‏-بعد أن فرغا مما يطمئنان إلى صحته-‏ إلى أبيات يزيدها بعض الرواة<br />

(3)<br />

في القصيدة ‏.وهي<br />

مصنوعة-فيما يبدو-‏ ولا سيما بيتين رواهما ابن كيسان عن<br />

المبرد،‏ فغير خافٍ‏ أن لا علاقة بينهما وبين قصيدة عمرو،‏ إلا أن يكون ناظمهما أراد<br />

تشطيرها،‏ على أن المراد منهما غير واضح ؛ وإن لم يكونا مقطوعين من نص آخر<br />

فلا معنى لهما بهذه الصورة.‏<br />

أما الخمسة التي انفرد بها الأنباري فيبدو أن الأربعة الأخيرة منها غير صحيحة؛<br />

لما فيها من التكرار،.‏ والبيت الآخر ربما كان مما نسيه ابن كيسان أو لم يروه عن<br />

شيخه بندار الذي روى عنه القصيدة.‏<br />

أما اختلاف الرجلين في رواية بعض الألفاظ ‏–على قلته-‏ فمما يسوغ ُ وقوعه بين<br />

الرواة،‏ لاعتماد من يروون عنه من القدامى على الذاكرة.‏<br />

ولعل سبب هذا التوافق ما عرف به الرجلان من العلم والضبط والصدق،‏<br />

ولاسيما الأنباري،‏ فقد قال عنه أبو علي القالي:‏ ‏"وكان ثقة دينا ً صدوقا ً،‏ وكان أحفظ<br />

(4)<br />

من تقدم من الكوفيين"‏ ، فضلا ً عن أنهما ربما رجعا إلى مصدر واحد،‏ نقلا منه،‏<br />

.4/1<br />

، 75 ، 74 ، 45 ، 33<br />

(1)<br />

طبقات فحول الشعراء،‏<br />

، 77 من رواية الأنباري.‏<br />

‏(‏‎2‎‏)هي الأبيات:‏<br />

‏(‏‎3‎‏)معلقة عمرو بن كلثوم ، 117 ، وشرح القصائد السبع الطوال ،<br />

طبقات النحويين واللغويين،‏‎154‎‏.‏<br />

.427<br />

(4)<br />

104


ج<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وكانا يتفقان نوع اتفاق في أنهما كوفيان،‏ إلا أن ابن كيسان كان يميل إلى المذهب<br />

(1)<br />

البصري وهما إلى ذلك متعاصران.‏<br />

وت ُوافِق ُ رواية أبي جعفر النحاس رواية الأنباري،‏ من حيث الزيادة،‏ إلا أنه لم<br />

يورد بيتين من الأبيات الخمسة التي زاد الأنباري ولكنه زاد مكانهما:‏ ‏"صددت الكأس<br />

عنا"،‏ و"إذا بلغ الفطام لنا صبي".‏<br />

وأورد النحاس الأبيات الثلاثة التي قال الأنباري إن بعض الرواة يجعلها من<br />

القصيدة،‏ دون أن ينبه على ذلك،‏ كما نبه سلفه.‏ وأكثر ما اختلف فيه الأنباري وابن<br />

كيسان من الألفاظ اتبع فيه النحاس شيخه بن كيسان.‏ ويبدو أنه اطلع على روايتيهما،‏<br />

فجعلهما أساسه الذي يعتمد عليه،‏ فلم يزد على مجموعهما شيئا ً ذا بال.‏ أما التبريزي<br />

فلم يزد على رواية الأنباري سوى ثلاثة أبيات،‏ اثنان منها هما اللذان زادهما النحاس،‏<br />

والثالث هو:‏ وما شر الثلاثة أم عمرو<br />

...<br />

وصنع بالأبيات الثلاثة التي ت َحرز الأنباري من إدخالها في القصيدة ما صنع<br />

النحاس،‏ وتابع الأنباري في رواية الألفاظ المختلف فيها كلها،‏ إلا نحوا ً من ستة.‏<br />

ويمكن من هذه المقارنة أن يتضح مبلغ التوافق بين الروايات الأربع ، كمايمكن<br />

أن يعد مصدرها واحدا ً،‏ هو ذاك الذي أخذ منه ابن كيسان والأنباري،‏ وما وقع بين<br />

الأربع من التخالف قد يقع-‏ أحيان ًا-‏ بين نسخ الكتاب الواحد.‏<br />

والخلاف الأكبر في روايات القصيدة يقع بين هؤلاء الأربعة والزوزني وصاحب<br />

‏(جمهرة أشعار العرب).‏ فقد زاد صاحب ‏(الجمهرة)‏ خمسة وعشرين بيتا ً،‏ على ما<br />

روى الأنباري،‏ واحد منها لفروة بن مسيك المرادي،‏ واثنان لعمرو ابن عدي،‏ زادهما<br />

التبريزي،‏ وزاد أحدهما النحاس،‏ وواحد يبدو أنه صحيح؛ إذ رواه بعض الثقات<br />

المتقدمين،‏ كالسجستاني،‏ هو:‏<br />

ح زاورة بأبطحه ا الكرين ا<br />

يدهدون الرؤوس كما تدهدي<br />

.153 السابق،‏ (1)<br />

105


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

وسائرها مصنوع.وثمة تقارب بين ترتيب ابن كيسان والأنباري وترتيب<br />

‏(الجمهرة)،‏ وبعض ما بينهما من خلاف قد يحتمله السياق.‏ أما الزوزني فزاد على<br />

الأنباري اثني عشر بيت ًا.‏ واتفقا على رواية عجز بيت،‏ واختلفا في صدره،‏ وهو عند<br />

الأنباري:‏<br />

ندافع عنهم الأعداء قدما ً ونحمل عنهم ما حملونا<br />

وفي ‏(الجمهرة<br />

:(<br />

ن َعم أنا سنا ونعف عنهم ونحمل عنهم ما حملونا<br />

واختلفا في رواية الأبيات المبدوأة ب(بأنا...)‏ اختلافا ً كثيرا ً،‏ وهي عند الزوزني<br />

تزيد بواحد على ما عند الأنباري.‏ وبعض المصادر يختلف في هذه الأبيات من<br />

القصيدة كثيرا ً،‏ لسهولة اختلاطها ، وتشابهها في المفردات والوزن،‏ فكلها مبنية على<br />

جمع اسم فاعل جمعا ً مذكرا ً متبوعا ً ب ‏(لِما)،‏ وهذا يسهل إحلال مفردات على وزنها<br />

بمعانيها محلها.‏<br />

ولم يروِ‏ الزوزني بيتين من الأبيات الثلاثة التي ألحق الأنباري بالقصيدة،‏<br />

هما:"بغاة ظالمينا،‏ لنا الدنيا".‏<br />

واتفقا في ترتيب ثلاثين بيتا ً متوالية،‏ وكثر الاختلاف بينهما فيما عدا ذلك.‏ وتتسم<br />

رواية الزوزني بتعبث بالترتيب،‏ لا نظير له في سواها من الروايات،‏ يمكن أن يتضح<br />

من هذين المثالين:‏<br />

ونحن إذا عماد الحي خرت عن الأحفاض نمنع من يلينا<br />

نجذ رؤوسهم في غير بر فم ا ي درون م اذا يتقون ا<br />

فالضمير في ‏(رؤوسهم)‏ لا يتبادر إلا أنه يعود على(‏ من يلينا)،‏ وهو معنى لا<br />

يصح،‏ وليس مرادا ً.‏ وقد ورد بعد البيت الأول - في مصادر أخرى-‏ بيت غير البيت<br />

الأخير،‏ هكذا:‏<br />

ونحن إذا عماد الحي خرت عن الأحفاض نمنع من يلينا<br />

106


ج<br />

ج<br />

ُق ْتي<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

ندافع عنهم الأعداء ق دما ً<br />

ونحم ل ع نهم م ا حملون ا<br />

وهو ترتيب صحيح تبرز فيه العلاقة الصحيحة بين البيتين،‏ التي أخل بها<br />

الترتيب السابق.‏<br />

وهذان البيتان:‏<br />

أخذن على بعولتهن عهدا ً<br />

ليس تلبن أفراس ا ً وبيض ا ً<br />

جاء بعدهما في رواية الزوزني أيضا ً:‏<br />

ترانا بارزين وكل حي<br />

إذا ما رحن يمشين الهوينى<br />

إذا لاقوا كتائب معلمينا<br />

وأسرى في الحديد مقرنينا<br />

ق د اتخ ذوا مخافتن ا قرين ا<br />

كما اضطربت متون الشاربينا<br />

والترتيب الصحيح-‏ كما في المصادر الأخرى-‏ أن يكون البيت الأخير تاليا ً<br />

للبيتين الأولين؛ لأنه يتحدث عن نسوة تغلب،‏ أما البيت الذي قبله فلا مكان له هنا.‏<br />

فبعض ترتيب الزوزني<br />

‏–إذن-‏ ينتزع البيت من بين إخوته،‏ ويقحمه بين أُخ َر لا<br />

تشاكله.‏<br />

ويظهر من دراسة مصادر القصيدة أن(‏ الجمهرة)‏ و(‏ شرح الزوزني)‏ هما أقل<br />

المصادر تحقيقا ً،‏ وأكثرها نحلا ً وصناعة وخلطا ً،‏ وتفوق(‏ الجمهرة)‏ المصادر كلها في<br />

النحل والصناعة،‏ ويليها شرح الزوزني،‏ ويفوقها في سوء الترتيب.‏ ولا تختلف رواية<br />

القشيري عن الزوزني في شيء-‏ تقريب ًا-‏ إلا أن القشيري لم يروِ‏ البيتين:"‏ ونحن<br />

الحاكمون...‏ ونحن التاركون..."،‏ وقدم البيت"‏ ظعائن من بني جشم"على"‏<br />

ن جيادنا"،‏<br />

وهما بعكس هذا عند الزوزني.‏<br />

وقد ن ُشِر شرح القشيري في ديوان عمرو بن كلثوم الذي أخرجه أيمن ميدان<br />

(1)<br />

عام‎1413‎ه،‏ وقال إنه وجد الشرح في دار الكتب المصرية .<br />

(1)<br />

انظر الديوان،‏‎99‎ و<br />

.307<br />

107


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

و(جمهرة أشعار العرب)‏ دون سائر المصادر كتاب مجهول المؤلف،‏ مجهول<br />

التاريخ،‏ تحوم حوله شكوك كثيرة،‏ فمؤلفه المنسوب إليه"‏ ليس له أدنى ذكر في جميع<br />

كتب الطبقات والرجال،‏ فلم يذكر مع المحدثين ورواة الحديث،‏ ولا مع اللغويين<br />

(1)<br />

والنحويين،‏ ولا مع الشعراء والأدباء،‏ ولا مع مؤلفي الكتب وجامعي الدواوين"‏ .<br />

(2)<br />

وأقدم من ذ َك َره ابن رشيق ‏(ت‎463‎ه)‏ ، ثم ذكره بعد ذلك عبد القادر البغدادي<br />

(3)<br />

(2)<br />

والسيوطي . وأكثر ما نقل من الأخبار أسنده إلى مجهول ، وقد حاول بعض<br />

الباحثين استيضاح شخصيته والزمن الذي عاش فيه وألف كتابه،‏ فقال مصطفى جواد<br />

إنه أُل ِّف في القرن الخامس الهجري،‏ مستدلا ً بما ورد في حواشيه من إشارة<br />

إلى(الصحاح)‏ للجوهري،‏ و(ديوان الأدب)‏ للفارابي،‏ وهو يرى أن هذه الحواشي قد<br />

(4)<br />

تكون غير مزيدة ، كما يرى أنه ألفه في العصر الفاطمي مستدلا ً بما ورد في الكتاب<br />

من التسليم على علي بن أبي طالب<br />

(5)<br />

‏–رضي االله عنه-،‏ كما هي عادة الشيعة .<br />

وذهب محمد علي الهاشمي إلى أنه توفي سنة ‎300‎ه أو في أول القرن الرابع،‏<br />

(6)<br />

واستدل على ذلك بأمور ربما لا تسلم له؛ لعدم دقتها .<br />

وهذه الآراء كلها ظنون لا تغني من الحق شيئا ً،‏ ولا يمكن أن يبن َى عليها حكم<br />

علمي يط ْمأن إلى صحته أو رجحانه.ويزيد أمر الكتاب غموضا ً وتعقيدا ً ما ورد في<br />

إحدى نسخه من نسبته إلى أبي جعفر النحاس،‏ وأن أبا زيد محمد بن أبي الخطاب<br />

(7)<br />

القرشي العمري شرحه شرحا ً بسيطا ً . وورد في أخرى أن مؤلفه محمد بن أيوب<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

(4)<br />

(5) السابق ، .20/1<br />

.24/1 (6)<br />

.71/1 (7)<br />

مصادر الشعر الجاهلي،‏ 584 وما بعدها.‏<br />

السابق،‏‎585‎ وما بعدها.‏<br />

السابق،‏ ‎586‎وما بعدها.‏<br />

جمهرة أشعار العرب ، بتحقيق الهاشمي(المقدمة)،‏<br />

السابق،‏<br />

السابق،‏<br />

.18/1<br />

108


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

(1)<br />

العزيزي ثم العمري ‏.وكتاب هذا حاله لا ينبغي التعويل عليه فيما انفرد به،‏ ولاسيما<br />

إذا خالف الثقاتِ‏ المتقدمين.‏<br />

ومما يستوقف الباحث أن الأبيات المزيدة في القصيدة في المصادر المتقدمة كلها<br />

‏(الأنباري،‏ والنحاس،‏ والتبريزي،‏ والزوزني)‏ قد وردت في(‏ الجمهرة)،‏ وزادت عليها،‏<br />

كأن صاحبها من المتأخرين الذين يجمعون كل شيء يجدونه في الكتب المغمورة،‏<br />

والكتب التي لا يعول عليها.‏<br />

وقد جمع أحمد بن الأمين الشنقيطي المعلقات العشر في العصر الحديث،‏ في<br />

كتاب سماه ‏(المعلقات العشر وأخبار شعرائها).‏ وروايته لمعلقة عمرو نسخة من رواية<br />

الزوزني،‏ سوى أنه قدم"‏ نشق بها رؤوس القوم..."‏ على"‏ كأن جماجم الأبطال..."،‏<br />

وهما بعكس هذا الترتيب عند الزوزني.‏ وزاد عليه ثلاثة أبيات،‏ هي:"‏ إذا لم نحمهن<br />

فلا بقينا"،‏ ‏"لنا الدنيا ومن أمسى عليها..."،‏ ‏"بغاة ظالمين...".‏<br />

بقي مما يتعلق بهذه القضية أن نتحدث عن المصنوع والمنحول في القصيدة،‏<br />

وسيكون معتمدنا هنا على القصيدة كما وردت في الديوان الذي صنعه علي أبو زيد؛<br />

لأنه حاول أن يجمع كل ما نسب إلى عمرو منها،‏ كائنا ً ما كان شأنه.‏<br />

ولم أجد من استقصاها كاستقصائه،‏ فقد بلغت عنده(‏‎124‎‏)‏ بيتا ً،‏ ولم يفته شيء مما<br />

ورد في مصادرها الرئيسة سوى بيت واحد رواه الأنباري،‏ هو:‏<br />

بأنا العاصمون بكل كحل<br />

وأنا الباذلون لمجتدينا<br />

وقد يكون سبب فوته ما وقع في هذه الأبيات ‏-خاصة-‏ من خلط واضطراب في<br />

الرواية،‏ كما تقدم.‏<br />

وأنا أشك فيما لا يقل عن ستة وثلاثين بيتا ً من القصيدة،‏ هي:‏ (3 ،9 ،7 ،6 ،4<br />

92، 88، 82، 77، 76، 72، 58، 57<br />

،56، 35<br />

،24، 23، 21، 17<br />

،11<br />

،10،<br />

(1)<br />

مصادر الشعر الجاهلي،‏<br />

.586<br />

109


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

121، 120، 119، 117،118<br />

، 116، 115، 114<br />

،113<br />

،98<br />

،97، 95، 94،<br />

.(123، 122،<br />

وأهم دواعي الشك:‏<br />

1- كون بعضها مجرد حاشية ضعيفة على بعض أبيات القصيدة،‏ أراد<br />

الصانعون أن يمط ُّوا بها المعنى أو يبالغوا فيه،‏ كالبيتين<br />

مضمون البيتين اللذين قبلهما.‏ وكذلك الأبيات(‏‎91‎‏،‏<br />

نسجها الصانعون المتزيدون على منوال قوله:‏<br />

ونحن التاركون لما سخطنا<br />

، 57)<br />

58)، فمضمونهما هو<br />

،(97 ، 95 ، 94 ، 93 ، 92 فقد<br />

ونحن الآخذون لما رضينا<br />

ويبدو أن الوضاعين الذي يحاكون مذاهب الشعراء الفنية ربما توسلوا إلى التزيد<br />

بالتكرار،‏ فيبالغون حتى ينكشف صنعهم ، كما فعلوا ببيت الحارث بن عباد:‏<br />

بلغت<br />

قربا مربط النعامة مني<br />

فقد كرروه<br />

لقحت حرب وائل عن حيال<br />

(1)<br />

44 مرة،‏ وزادوا في الأبيات التي لم تكن تزيد على ثلاثة حتى<br />

(2)<br />

مئة ، وفعلوا مثل ذلك برائية المهلهل،‏ كرروا :" على أن ليس عدلا ً من كليب"‏<br />

(3)<br />

أكثر من عشرين مرة في بعض الروايات ، وأكبر الظن أن هذا التكرار ت َزيد من<br />

(4)<br />

الرواة،‏ كله أو جله،‏ وقد قال الأصمعي إن أكثر شعر المهلهل محمول عليه . ولم<br />

تزد الأبيات المبدوءة ب ‏(بأنا)‏ عند ابن كيسان على واحد ‏،أما المبدوأة بنحن الفاعلون<br />

(5)<br />

فلم تزد على ثلاثة ، وزادها المتأخرون حتى بلغت الأولى سبعة متوالية.‏ وبلغت<br />

الأبيات التي صدرها ‏"بأي مشيئة"‏ أربعة،‏ وهو واحد عند ابن كيسان ، ليس إلا.‏ ويبدو<br />

.327<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

الأصمعيات،‏ 71، ومصادر الشعر الجاهلي،‏<br />

انظر:‏ ديوان بني بكر في الجاهلية،‏<br />

انظر:الأمالي،‏ لليزيدي ص‎120‎‏(هامش).‏ والقصيدة لم تزد في(الأصمعيات ،154 ومابعدها)‏ على<br />

تسعة أبيات،‏ وليس فيها ‏"على أن ليس عدلا"‏ أصلا ً،‏ ولكنها بلغت في(أمالي اليزيدي،‏‎117‎ ومابعدها)‏<br />

واحدا ً وأربعين بيتا ً،‏ وفي(أمالي القالي،‏‎130/2‎ وما بعدها)‏ تسعة وعشرين.‏<br />

سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي،‏<br />

معلقة عمرو بن كلثوم،‏ 95 وما بعدها،‏ و<br />

.41<br />

.108<br />

.511<br />

(4)<br />

(5)<br />

110


و(‏<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

أن بعض الرواة خلط الأبيات المبدوءة ب(بأنا)،‏ والمبدوءة ب(ونحن)،‏ لكونها تشترك<br />

في ضمير المتكلم،‏ وكون ‏(بأنا)،‏<br />

إخلال بالوزن.‏<br />

نحن)‏ يصلح أن يحل أحدهما محل الآخر دون<br />

ومن هذا القبيل الأبيات التي زيدت في المقدمة الخمرية،‏ وكانت في الأصل<br />

أربعة أبيات،‏ كما في المصادر الموثوق بها،‏ فزيدت فيها سبعة ، خمسة منها مما تفرد<br />

به ‏(جمهرة أشعار العرب)‏ أو شاركه الزوزني في روايته.‏<br />

2- ضعف الأسلوب،‏ كالبيت(‏‎72‎‏):‏<br />

بنا اهتدت القبائل من معد<br />

بنارينا،‏ وكنا الموقدينا<br />

ف"بنا اهتدت"،‏ و"‏ بنارينا"‏ تكرار غايته إقامة الوزن،‏ و"كنا الموقدينا"‏ فضول من<br />

القول غايته بلوغ القافية.‏ وقد عول الصانع في إخفاء صنعته على الإشارة إلى حادثة<br />

(1)<br />

من حوادث يوم خ َزازى . والإشارة إلى الحوادث التاريخية لا تكفي وحدها لإخفاء<br />

أمارات الصناعة.‏<br />

ومثل هذا البيت(‏‎82‎‏):‏<br />

نقود الخيل دامية كلاها<br />

إلى الأعداء،‏ لاحقة ً بطونا<br />

فكونها دامية الكلا كناية عن شدة عطشها وطول تضميرها،‏ وهذا يغني عن<br />

‏"لاحقة بطونا"؛ لأنه بمعناه.‏ وقد يكون تعريف الك ُلا وتنكير البطون أثرا ً من آثار<br />

الصناعة في البيت،‏ غرضه بلوغ القافية.‏<br />

ومن علامات الضعف التكرار في البيتين:‏ )<br />

، 23<br />

24)، فقد ختما بمصدر مؤكد<br />

لعامله:‏ ‏"ج ْننِ‏ ت ُ به جنونا"،‏ ‏"يرن...‏ رنينا"‏ ، جيء به من أجل القافية وحدها.‏ وتوالي<br />

البيتين بهذه الصورة مدعاة للشك فيهما.‏<br />

(1)<br />

معجم البلدان،‏<br />

.418/2<br />

111


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

3- مخالفة الواقع التاريخي والجغرافي،‏ كالبيت(‏‎76‎‏):‏ فمعنى البيت مع ماقبله<br />

(1)<br />

وما بعده أن عكا ً كانت مع بكر وتغلب في وقعة تلمح إليها الأبيات ‏.لم تشهدها عك.‏<br />

وشتان ما عك وهاتان القبيلتان:‏ عك من قبائل تهامةِ‏ اليمنِ،‏ وبكر وتغلب نجديتان،‏ ولم<br />

يكن للمنذر الذي بعث القبيلتين في هذه الوقعة سلطان على قبائل اليمن وتهامة؛فيرس َلها<br />

معهما.‏<br />

وكذلك البيت(‏‎116‎‏)‏ وعده ابن كيسان مما زيد في القصيدة.‏ وقد يفهم المرء أن<br />

تملأ تغلب البر في شعور عمرو،‏ وأن يذكر البحر مقابلة ً له على سبيل المبالغة،‏ والذي<br />

يتعذر فهمه أن تملأ البحر سفنا ً،‏ وهي قبيلة أعرابية لا تعرف التجارة بالسفن ، وربما<br />

كانت تأنف منها،‏ ولا تعرف الغزو بها،‏ فكيف يفخر عمرو بما لا يعرف؟<br />

4- المبالغة المبتذلة التي لم يكن يجرؤ عليها الشعراء قبل المولدين كثير ًا،‏<br />

كالبيت السابق،‏ والبيت(‏‎4‎‏)‏ فهو أشبه بشعر أبي نواس-‏ خاصة-‏ منه بشعر الجاهليين.‏<br />

(2)<br />

والمعنى يرد كثيرا ً في خمرياته ، ومثله البيتان(‏ ‎115‎‏).ولو ، 113 علم طه حسين<br />

أن هذه الأبيات ونحوها مصنوعة ما قال عن القصيدة ‏:"فأنت إذا قرأت هذه القصيدة<br />

رأيت أن مهلهلا ً لم يكن يتكث َّر وحده،‏ وإنما أورث التكثر والكذب سبطه عمرو بن<br />

كلثوم،‏ فلسنا نعرف كلمة تضاف إلى الجاهليين وفيها من الإسراف والغلو ما في كلمة<br />

(3)<br />

عمرو بن كلثوم هذه"‏ ، ولا جعل هذا سببا ً من أسباب شكه في صحة نسبتها إلى<br />

عمرو.‏<br />

5- ورود البيت مقحما ً قلقا ً في موضعه،‏ مع عدم صلاحيته لأن ينقل إلى موضع<br />

آخر،‏ كالأبيات(‏‎17‎‏،‏<br />

.(122 ، 117 ، 88 ، 77 ، 35<br />

6- ورود البيت منسوبا ً إلى غير عمرو،‏ مع خلو مصادر القصيدة الموثوق بها<br />

منه،‏ كالبيت(‏‎123‎‏)‏ فهذا لم ينسبه أحد من الثقات إلى عمرو بن كلثوم،‏ وإنما نسبه إليه<br />

44 و 45 و<br />

(2)<br />

‏(‏‎1‎‏)انظر الأبيات:‏ 46 من القصيدة الأولى.‏<br />

انظر:‏ أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار بين الأعشى والجاهليين،‏<br />

‏(‏‎3‎‏)في الشعر الجاهلي ،<br />

.24<br />

166<br />

112


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

(1)<br />

صاحب الجمهرة ؛ لموافقته بحر القصيدة وقافيتها.‏ وهو لفروة بن مسيك المرادي.‏<br />

والإقرار بالهزيمة في البيت يخالف نفسية عمرو التي رأينا.‏ أما فروة فقد هزِمت ْ قبيلت ُه<br />

(2)<br />

مراد في يوم يقال له الرزم،‏ ولم ت ُهزم قبله،‏ فهو يعترف بالهزيمة ويعتذر منها .<br />

ومثله البيتان:‏ ‏"صبنت الكأس..."،‏ فقد نسبهما بعض الأدباء إلى عمرو بن<br />

(3)<br />

عدي ، وجزم بذلك أبو العلاء المعري،‏ إلا أنه قال:‏ إن عمرو بن كلثوم ربما ‏"حسن<br />

(4)<br />

بهما كلامه ، واستزادهما في أبياته"‏ .<br />

وقول المعري بعيد؛ لأن التضمين من الفنون البديعية التي لم تكن مشهورة عند<br />

الجاهليين.‏ وأكبر الظن أن البيتين مما زيد في القصيدة،‏ وليسا بدعا ً من سائر الأبيات<br />

الخمرية التي زيدت في مقدمتها.‏ ثم إن أوثق مصدرين للقصيدة لم يردا فيهما،‏ وإن<br />

قال ابن الجراح:‏ إن"‏ الرواة جميعا ً يروونهما له،‏ والمفضل يذكر أنهما لعمرو بن<br />

(5)<br />

عدي"‏ ؛ فالعبرة برواية الثقات كالمفضل وابن كيسان والأنباري،‏ وليست بكثرة النقول<br />

عمن لا يحقق.‏<br />

وليست قصيدة عمرو هذه بدعا ً من الشعر الجاهلي كله،‏ فقد دخله من الصناعة<br />

والنحل،‏ مثلُ‏ الذي دخلها،‏ وقد أفاض الباحثون في ذلك قديما ً وحديثا ً،‏ وسأضرب أمثلة<br />

قليلة من قصيدة امرئ القيس المعلقة ليستبين ش َبه ما حل َّ بها بما حل بمعلقة عمرو.‏<br />

فإن الأبيات الخمسة الأولى منها تنسب إلى رجل من كلب اسمه امرؤ القيس بن<br />

الحمام.‏ قال هشام بن السائب:"‏ فأعراب كلب إذا سئلوا:‏ بما ذا بكى ابن حمام الديار؟<br />

أنشدوا خمسة أبيات متصلة من أول:"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"،‏ ويقولون إن<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

(4)<br />

(5)<br />

انظر:‏ تخريجه في الديوان،‏‎154‎‏.‏<br />

انظر:‏ السيرة النبوية،‏ 582/4، وفرحة الأديب،‏<br />

انظر تخريجهما في الديوان ، 130 وما بعدها.‏<br />

رسالة الغفران/‏‎278‎‏.‏<br />

من اسمه عمرو من الشعراء،‏<br />

،202 والخزانة،‏ .115/4<br />

.49<br />

113


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

(1)<br />

بقيتها لامرئ القيس"‏ ‏.وقال التبريزي إن بعض الرواة روى أربعة أبيات ذكر أنها<br />

من معلقة امرئ القيس،‏ وخالفه فيها سائر الرواة وزعموا أنها لتأبط شرا ً،‏ هي:‏<br />

وقِربةِ‏ أقوام جعلت عصامها<br />

(2)<br />

على كاهل مني ذلول مرحل...‏<br />

وكان الأصمعي قد أشار إلى هذا الوضع في شعر امرئ القيس،‏ فقال:"‏ ويقال إن<br />

(3)<br />

كثيرا ً من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه"‏ ‏.أما المعلقة فيكفي أن يعلم أنها في<br />

رواية ابن كيسان<br />

(4)<br />

‎76‎بيت ًا وهي في ‏(الجمهرة)‏ 93.<br />

ويخلص من هذا إلى أن ما ينبغي الوثوق به والاعتماد عليه من مصادر معلقة<br />

عمرو هو رواية ابن كيسان أولا ً،‏ ثم رواية الأنباري،‏ وما عداهما فإنما كان ناقلا ً<br />

عنهما،‏ زائدا ً عليهما ما لا تصح نسبته إلى عمرو،‏ غالبا ً.‏ ويستنتج من دراسة المصادر<br />

السابقة أن الأدباء كانوا يتساهلون في الرواية كلما تقدمت الأيام،‏ وتقل عنايتهم بالضبط<br />

والتحقيق،‏ وينزعون إلى الجمع دون تمييز،‏ فما أفرده الأنباري ونبه على مخالفته لما<br />

عليه أكثر الرواة أدخله النحاس والتبريزي دون تنبيه ولا تمييز.‏<br />

وكان التزيد في القصيدة مطردا ً مع الزمن،‏ فالأنباري زاد على ابن كيسان خمسة<br />

أبيات،‏ وزاد النحاس ستة،‏ وزاد التبريزي سبعة ‏(فضلا ً عن الثلاثة التي أفرد<br />

الأنباري)،‏ وزاد الزوزني ثلاثة عشر،‏ وزاد صاحب الجمهرة خمسة وعشرين.‏ وثمة<br />

أمر آخر يتبينه القارئ في صنيع ابن كيسان والأنباري والتبريزي والنحاس،‏ هو<br />

ضعف الروح النقدي في عملهم،‏ ووقوف الثقات منهم عند حد ما صحت عندهم روايته<br />

بالنقل دون النظر في المروي نفسه.‏ ولو كان لهم نظر نقدي لنفوا من القصيدة بعض<br />

ما أدخلوا فيها،‏ ولم يترددوا.‏ وقد يكون عذرهم أنهم نحاة لغويون أكثر منهم نقادا ً مهرة<br />

بأساليب العرب ، ومذاهب الشعراء الفنية،‏ لا يجوز عليهم ما يصنع بعض المتزيدين.‏<br />

(1)<br />

(2)<br />

(3)<br />

جمهرة أنساب العرب،‏‎456‎‏.‏<br />

شرح القصائد العشر،‏<br />

سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي،‏<br />

‏(‏‎4‎‏)انظر:‏ شرح معلقة امرئ القيس ،<br />

.33<br />

.109<br />

.53<br />

114


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وما ينبغي أن يقبل من الشعر إلا ما ورد من طريق الرواة الثقات،‏ وسلم من<br />

الصناعة،‏ أما ما عدا ذلك فينظر إليه بعين الارتياب،‏ حتى تستبين حقيقته.‏<br />

فصل وترتيب<br />

قد يكون لزاما ً ‏–بعد أن ق ُرر أن معلقة عمرو كانت قصيدتين-‏ أن نجتهد في<br />

الفصل بينهما،‏ ولو فصلا ً تقريبيا ً،‏ على حسب ما يظهر لنا من الأمارات المعينة على<br />

ذلك،‏ وأن نحاول إعادة ترتيب أبيات كل قصيدة على حسب ما يبدو لنا من أوجه<br />

العلاقة بينها؛ لنزيل ‏–ما استطعنا-‏ ذلك التنافر الذي يرى بين بعضها،‏ ون َسد ما يمكن<br />

سده من الفجوات الحادثة بسبب الإخلال بالترتيب في القصيدتين.‏<br />

وثمة صعوبة في الفصل بين القصيدتين فصلا ً دقيقا ً تطمئن النفس إلى صحته كل<br />

الاطمئنان،‏ وإن كان من الممكن الجزم بأن بعضا ً من كلتيهما لم تجمعه مناسبة،‏ وبعيد<br />

أن تضمه قصيدة.‏<br />

ومرد الصعوبة إلى وحدة الغرض،‏ وأنهما قيلتا في مقامين أثارا مشاعر<br />

متشابهة؛ فتشابه التعبير،‏ وأن بعضا ً منهما يصلح لكلا المناسبتين.‏ ثم إن أبياتا ً من<br />

كلتيهما ربما سقطت،‏ ولو بقيت لكانت من المعينات على التمييز؛ لما قد تتضمن من<br />

الإشارة إلى إحدى المناسبتين،‏ أو لسدت فجوات قد تشكك في صحة الفصل.‏<br />

ووجه آخر من أوجه الصعوبة هو أن مذاهب الشعراء الفنية تختلف،‏ ففيهم من<br />

تنقصه البراعة في سل ْسلة الأفكار والربط بينها،‏ كما قال رؤبة بن العجاج عن ولده<br />

عقبة:"‏ ليس لشعره قِران"،"‏<br />

(1)<br />

يريد أنه ليس يشبه بعضه بعضا ً"‏ .<br />

فإذا توهم المرء أن فقد القران من سقوط بعض القصيدة،‏ فذهب يقدره كان عمله<br />

أشبه بتقدير ما كان ينبغي،‏ منه بتقدير ما تقوم الأدلة على أنه قد كان،‏ فأزالته الرواية<br />

عن وجهه.‏ وربما عاق ذلك عن تقبل القصيدة بصورتها التي ربما قيلت بها،‏ ف َظ ُن ما<br />

بها خللا ً حادثا ً،‏ وهو خلل أنشئت عليه.‏<br />

(1)<br />

الشعر والشعراء،‏<br />

.300<br />

115


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

غير أن الذي سقط من القصيدة ربما كان قليلا ً ، ودليل ذلك أن بعض ما يظهر<br />

من الفجوات بين الأبيات قد يسده بيت واحد،‏ أو إعادة ترتيب الأبيات،‏ إذا اهتدى المرء<br />

إلى العلاقة بينها،‏ كهذه الأبيات:‏<br />

ونحن التاركون لما سخطنا،‏<br />

وكنا الأيمنين إذا التقينا،‏<br />

فصالوا صولة فيمن يليهم<br />

ونحن الآخذون لما رضينا<br />

وكان الأيسرين بنو أبينا<br />

وصلنا صولة فيمن يلينا...‏<br />

فالبيت الأول مقطوع الصلة بالذي بعده،‏ ولا يخامر القارئَ‏ شك في أن بينهما<br />

سقطا ً،‏ هو الذي قطع العلاقة وأحدث الفجوة.‏<br />

ونحن الحابسون بذي أُر طاٍ‏<br />

وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />

(1)<br />

لكن أحد المصادر رتبها هكذا:‏<br />

تسف ُّ الجِل َّة ‏ُالخور الدرينا<br />

وكان الأيسرين بنو أبينا<br />

ج<br />

وإذا كان يوم ذي أُراطٍ‏ هو يوم الحادثة التي تشير إليها الأبيات فلا سقط إذن،‏<br />

فكأن الشاعر يقول إنهم في هذا اليوم حبسوا إبلهم صبرا ً للعدو،‏ وكانوا في الميمنة<br />

وكان بنو عمهم في الميسرة،‏ ثم كانت عاقبة اليوم ما ذكرت الأبيات التالية من السلب<br />

والنهب وأسر الملوك.‏<br />

وإذا كان هذا الترتيب غير صحيح فإن بيتا ً واحدا ً من قبيل"‏ ونحن الحابسون"،‏<br />

يذ ْك ُر اسم اليوم الذي كانت فيه هذه الوقعة-‏ يسد الفجوة في الترتيب الأول.‏ وذلك يدل<br />

على مقدار ما أسقطته ذواكر الرواة من القصيدة.‏<br />

ولا يخفى على الناظر في القصيدتين-‏ كما تبدوان في محاولة الفصل هذه-‏ أن<br />

أولاهما جل ُّ أبياتها متلائم،‏ ويمكن أن يكون عمرو قالها على هذه الصورة.‏ وما قد<br />

يظ َن فجواتٍ‏ بين بعض أبياتها ليس بفجوات حادثة؛ فالقصيدة فخرية ، ومثيلاتها تتغيا-‏<br />

في العادة-‏ حشد المآثر،‏ ولا يتوخى أصحابها تصنيفها تصنيفا ً موضوعيا ً بحيث<br />

(1)<br />

جمهرة أشعار العرب،‏‎145‎‏.‏<br />

116


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

يتشاكل ما يتوالى منها نوع تشاكل.‏ والشعر الغنائي-‏ لكونه عاطفيا ً انفعاليا ً-‏ ربما يقبل<br />

هذا الضرب من عدم الوحدة العضوية،‏ ولاسيما إذا كان الشاعر مطبوعا ً لا يتدبر<br />

شعره،‏ ولا ي َنع ى بإصلاحه،‏ فكيف إذا ارتجله؟!‏<br />

على أن جل أبيات القصيدة تظهر بينها علائق واضحة،‏ وترتيب أكثرها-هنا-‏<br />

هو ما اتفقت عليه المصادر القديمة الموثوق بها،‏ ولاسيما شرح ابن كيسان.والأصل<br />

في المصادر الموثوق بها أن تحافظ على جل الترتيب؛لأن إخلال الذاكرة أمر يعرض،‏<br />

والأصل أن ت ُبقِي على المحفوظ كما تلقته.‏<br />

وربما كانت نهاية القصيدة هنا غير نهايتها في الحقيقة؛ لأن الانفعال فيها ما زال<br />

على أش ُده.‏ غير أنه لا يستطاع الجزم بهذا؛ إذ نهايات القصائد ليس لها ضابط،‏ أو<br />

معيار ين ْتهى إليه،‏ بعكس بداياتها التي كانت تتبع سنة غالبة.‏<br />

أما القصيدة الثانية فهي أقل تلاؤما ً في أولها وآخرها من الأولى،‏ بخلاف<br />

وسطها.‏ والاقتصار من المقدمة على أربعة أبيات خمرية ربما لا يكون هو الأصل،‏<br />

ولاسيما أن مقدمة القصيدة الأولى الغزلية بلغت اثني عشر بيت ًا.‏ وهناك انتقال فجائي<br />

من الخمر إلى الوعيد والتهديد،‏ ربما لم يصدر من عمرو بهذه الصورة.‏ ولا يستبين<br />

الأساس الذي جعلت فيه مقدمة ُ هذه خمرية ً،‏ ومقدمة ُ تلك غزلية ً،‏ ف َلِم لا يكون الأمر<br />

بعكس هذا؟<br />

هذه اعتراضات قد ت َرِد على هذا الفصل والترتيب،‏ إلا أن دفعها يبدو قريب ًا:‏ فعدم<br />

التلاؤم في المبتدأ والمنتهى قد يكون سببه سقوط بعض الأبيات،‏ أو عدم الاهتداء إلى<br />

تخليص القصيدة من أختها،‏ أو الانتقال الفجائي في المقدمة،‏ أو شدة الانفعال.‏<br />

وقصر المقدمة هو الأصل؛ لأنه يلائم قِصر القصيدة.‏ فقصيدة من نحو عشرين<br />

بيتا ً ما ينبغي أن تزيد مقدمتها على ما يعادل الربع.‏<br />

(1)<br />

(1)<br />

ولهذا نظائر في الشعر القديم .<br />

كقصيدة الحطيئة"‏ ألا آل ليلى أزمعوا بقفول"،‏ وهي ‎22‎بيتا ً،‏ مقدمتها الغزلية أربعة أبيات.‏<br />

‏(الديوان،‏‎33‎‏)،‏ وقصيدته"‏ ألا طرقتنا بعدما هجدوا هند"‏ غزلها بيتان،‏ وهي خمسة عشر بيت ًا.‏ )<br />

الديوان،‏‎95‎‏)‏ ولامية طفيل الغنوي"‏ هل حبل خرقاء بعد الصرم موصول"‏ خمسة وعشرون بيتا ً،‏<br />

وغزلها ستة أبيات.(المنتخب في محاسن أشعار العرب،‏‎239/2‎‏)‏<br />

، إلخ.‏<br />

117


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

وأما الانتقال الفجائي من الخمر إلى الفخر والتهديد فمعهود في الشعر الجاهلي<br />

والشعر القديم عامة،‏ كما قال أبو هلال العسكري:"‏ فأما الخروج المتصل بما قبله فقليل<br />

(1)<br />

في أشعارهم"‏ .<br />

وقد انتقل عمرو في قصيدتيه هاتين من المقدمة دون تمهيد.‏ ولو ق ُدر أن المعلقة<br />

كلها قصيدة واحدة،‏ مقدمتها"‏ قفي قبل التفرق..."‏ ما زال الإشكال؛ لأن الخروج منها لم<br />

يكن متصلا ً بما قبله.‏<br />

وثمة علاقة نفسية بين مقدمتي القصيدتين وموضوعيهما،‏ ت ُرجح أن يكون مطلع<br />

الأولى غزليا ً،‏ ومطلع الأخرى خمريا ً.‏ فالغزل وما اشتمل عليه من الحزن في الأبيات<br />

الأخيرة من المقدمة قد يكون أكثر المقدمتين ملاءمة لمضمون القصيدة الأولى<br />

ومناسبتها التاريخية.‏ فعمرو ساءه تحول عمرو بن هند،‏ وانتقاله من تقديم تغلب<br />

وإيثارها إلى تأخيرها والإيثار عليها.‏ وحزنه موت من مات من بني تغلب.‏<br />

وتعبيره عن الغضب والحزن-‏ وإن ظهر بصورة قوية عنيفة؛ لرد الاعتبار إلى<br />

قبيلته التي تجرأ عليها الحارث بن حلزة فحطم صورتها،‏ فجعلها قبيلة ذليلة مغ َل َّبة،‏<br />

يسومها الملوك سوء العذاب-‏ لا ينفي وجود انكسار نفسي،‏ وحرج بالغ،‏ يزيدهما أن<br />

تغلب ط ُل َّت دماء أبنائها،‏ ولا سبيل إلى الثأر لهم وقد صار ابن هند خصما ً لها.‏<br />

أما المقدمة الخمرية فتلائم نشوة النصر والشعور بالقوة بعد قتل الملك.‏ وقد تقدم<br />

ما بين الخمر والقوة من علاقة في نفوس الشعراء.والبيت الأخير من هذه المقدمة:‏<br />

وإنا سوف تدركنا المنايا<br />

مق درة لن ا ومق درينا<br />

ج<br />

يلائم حالة الشاعر وإقدامه على قتل عمرو بن هند دون وجل.‏ وهو يبِين عن<br />

علة هذا الإقدام،‏ وعدم الصبر على الذلة،‏ فالآجال مقدرة،‏ لا يدنيها إقدام،‏ ولا يؤخرها<br />

إحجام؛ فما ينبغي - إذن-‏ أن يتأخر عما فيه عزه،‏ أو دفع المذلة عنه،‏ كما قال<br />

المتنبي:‏<br />

(1)<br />

كتاب الصناعتين،‏‎514‎ .<br />

118


ج<br />

ج<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وإذا لم يكن من الموت بد<br />

فمن العجز أن تكون<br />

(1)<br />

جبانا<br />

هذا إلى ما تقدم من قول بعض الرواة<br />

‏-الذين يرونها قيلت فيما كان بين بكر<br />

وتغلب-:‏ إن مطلعها"قفي قبل التفرق يا ظعينا"،‏ وقول آخرين إن مطلعها<br />

‏"ألا هبي<br />

بصحنك"،‏ وإنها قيلت في قتل عمرو بن هند.‏<br />

ومن علم مقتضيات المقامين اللذين قيلت فيهما القصيدتان لم يفاجئه أن تكونا بهذا<br />

التفاوت في الطول،‏ فأولاهما كانت ردا ً لقصيدة الحارث،‏ فهي في حاجة إلى هذا<br />

الطول،‏ والأخرى كانت شماتة وتقريعا ً لامرئ قد قضى؛ فلا تحتاج إلى أن تكون<br />

أطول كثيرا ً مما هي،‏ إلا بمقدار ما يسد ما يظهر من فجوات بين أبياتها إن لم تكن من<br />

طبيعة مذهب الشاعر،‏ أو مقتضيات المقام أو الغرض.‏<br />

وربما يتبين للناظر المتوسم في القصيدتين أن لكل منهما روحا ً غير روح<br />

الأخرى،‏ على ما بينهما من توافق في الغرض العام،‏ وبعض الجوانب النفسية.‏<br />

فالأولى روحها القوة والبطش والتميز،‏ وما ذكرت من أيام تغلب الغابرة إنما كان<br />

تدليلا ً على ذلك،‏ وروح الثانية إباء الضيم وقهر من رام النيل من عزة تغلب كائنا ً من<br />

كان.‏ صحيح أن بين الإباء والقوة سببا ً،‏ إلا أن كلا ً منهما استأثر بقصيدة أكثر من<br />

الآخر.‏<br />

‏(‏‎1‎‏)ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري ،241/4.<br />

119


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

قفي قبل التفرق يا ظعينا<br />

قفي نسألك:‏ هل أحدثت صرما ً<br />

بيوم كريهة ضربا ً وطعنا ً<br />

وإن غ دا ً وإن الي وم ره ن<br />

تريك إذا دخلت على خلاء<br />

ذراعي عيطل أدماء بكر<br />

وثديا ً مثل حق ِّ العاج رخصا ً<br />

ومتني لدنةٍ‏ طالت ولانت،‏<br />

تذكرت ُ الصبا واشتقت لما<br />

وأعرضت اليمامة واشمخرت<br />

فما وجدت ْ كوجدي أم سق ْب<br />

ولا شمطاء لم يترك شقاها<br />

أبا هند،‏ فلا تعجل علينا،‏<br />

بأنا نورد الرايات بيض ا ً<br />

وأيامٍ‏ لنا غ ُر طوال<br />

إذا ما المل ْك سام الناس خ َسفا<br />

وس يد معش ر ق د توج وه<br />

تركنا الخيل عاكفة ً عليه<br />

(1)<br />

القصيدة الأولى<br />

نخب رك اليق ين وتخبرين ا<br />

لو شك البين؟ أم خنت الأمينا<br />

أقر به مواليك العيونا<br />

وبعد غدٍ‏ بما لا تعلمينا<br />

‏-وقد أمنت عيون الكاشحينا-‏<br />

تربعت الأجارع والمتونا<br />

حص انا ً م ن أك ف اللامس ينا<br />

روادفها تنوء بما ولينا<br />

رأي ت حموله ا أُص لا ً ح دينا<br />

كأس ياف بأي دي مص لتينا<br />

أضل َّته فرجعت الحنينا<br />

لها من تسعة إلا جنينا<br />

وأنظرنا نخبرك اليقينا<br />

ونصدرهن حم را ً قدر روينا<br />

عص ينا المل ك فيه ا أن ن دينا<br />

أبينا أن ن ُقِر الخسف فينا<br />

بتاج الملك يحمي المحجرينا<br />

مقل َّدة ً أعن َّتها صف ُونا<br />

(1)<br />

اعتمدنا هنا على رواية ابن كيسان؛لما نرى فيها من الضبط والجودة،‏ وزدنا عليها ما نراه صحيح ًا<br />

من الأبيات المنسوبة إلى عمرو.‏<br />

120


ج<br />

ج<br />

ج<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

وقد هرت كلاب الجن من َّا<br />

ورِث ْنا المجد،‏ قد علمت معد‏،‏<br />

ونحن إذا عماد الحي ِّخرت<br />

ندافع عنهم الأعداء قدما ً<br />

نطاعن ما تراخى الناس عنا<br />

بسمر من قنا الخطي ل ُدنٍ‏<br />

وشذ َّ بنا قتادة َ من يلينا<br />

نطاعن دونه حتى يبينا<br />

على الأحفاض نمنع من يلينا<br />

ونحمل عنهم ما حملونا<br />

ونض رب بالس يوف إذا غ ُش ينا<br />

ذوابلَ،‏ أو بِبِيضٍ‏ يعتلينا<br />

نشق بها رؤوس القوم<br />

شقًّا<br />

ون ُخليها الرقاب فيختلينا<br />

ن َجد رؤوسهم في غير بر<br />

تخال جماجم الأبطال منهم<br />

ك أن س يوفنا فين ا وف يهم<br />

كأن ثيابنا من َّا ومنهم<br />

إذا ما عي بالإسناف قوم<br />

نصبنا مث ْلَ‏ رهوة َ ذات حد<br />

بفتيان يرون القتل مجدا،ً‏<br />

يدهدون الرؤوس كما ت ُدهدي<br />

حديا الناس كلهم جميع ا ً<br />

فأم ا ي وم خش يتنا عل يهم<br />

وأما يوم لا نخشى عليهم<br />

برأسٍ‏ من بني جش َم بن بكر<br />

متى ننقل إلى قوم رحانا<br />

يكون ثِفال ُها ش رقي نجد<br />

فما يدرون ماذا يتقونا<br />

وس وقا ً بالأماعز يرتمينا<br />

مخ اريق ٌ بأيدي لاعبينا<br />

خ ُضِبن بأُرجوانٍ‏ أو ط ُلينا<br />

م ن اله ول المش به أن يكون ا<br />

محافظ ة ً،‏ وكن ا الس ابقينا<br />

وشِ يبٍ‏ في الحروب مجربينا<br />

حزاورة ٌ بأبطحها الك ُرينا<br />

مقارعة ً بنيهم عن بنينا<br />

فتصبح خيلنا عصبا ً ث ُبِينا<br />

فنصبح غارة ً متلببينا<br />

ندق ُّ به السهولة والحزونا<br />

يكونوا في اللقاء لها طحينا<br />

ول ُهوتها قض اعة َ أجمعينا<br />

121


ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

ونحن غداة أوقد في خ َزازى<br />

ونحن الحابسون بذي أُراطى<br />

ونحن الحاكمون إذا أُطعنا<br />

ونحن التاركون لما سخطنا<br />

وكنا الأيمنين إذا التقينا<br />

فصالوا صولة فيمن يليهم<br />

فآبو بالن ِّهاب وبالسبايا<br />

إليكم يا بني بكر،‏ إليكم!‏<br />

ألما تعلموا منا ومنكم<br />

علينا البيض واليل َب اليماني<br />

علينا كل سابغة دلاص<br />

إذا وضعت عن الأبطال يوما ً<br />

كأن غ ُضونهن متون غ ُدرٍ‏<br />

وتحملنا غداة الروع جرد<br />

ورثناهن عن آباء صدق<br />

رفدنا فوق رفد الرافدينا<br />

تسف ُّ الجِل َّة الخ ُور الدرِينا<br />

ونحن العازمون إذا عصينا<br />

ونح ن الآخ ذون لم ا رض ينا<br />

وكان الأيسرين بنو أبينا<br />

وصلنا صولة فيمن يلينا<br />

وأُبن ا ب الملوك مص ف َّدينا<br />

أَلما تعلموا منا اليقينا؟<br />

كتائ ب يط َّع ن ويرتمين ا؟<br />

وأس ياف يقم ن وينحنين ا<br />

ترى فوق الن ِّجاد لها غ ُضونا<br />

رأيت َ لها جلود القوم جونا<br />

تصف ِّقها الرياح إذا جرينا<br />

عرِف ْن لنا نقائذ وافتلينا<br />

ونورثها إذا متنا بنينا<br />

وقد علم القبائل<br />

‏-غير فخر<br />

إذا ق ُب ب بأبطحه ا بنين ا-‏<br />

بأنا المنعمون إذا قدرنا<br />

مت ى نعق د قرينتن ا بحب ل<br />

ونوجد نحن أمنعهم ذِمارا ً<br />

ألا أبلغ بني الطماح عنا<br />

نزلتم منزل الأضياف منا<br />

قريناكم فعجلنا قِراكم،‏<br />

وأن المهلكون إذا أُتينا<br />

تج ذ َّ الحب ل أو ت َق ْ صِ‏ القرين ا<br />

وأوف اهم إذا عق دوا يمين ا<br />

ودعميا،‏ فكيف وجدتمونا؟<br />

فعجل ْنا القِرى أن تشت ُمونا<br />

قبي ل الص بح مِ رادة ً طحون ا<br />

122


ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

على آثارنا بيض كرام<br />

ظعائن من بني جش َم بنِ‏ بك ْرٍ‏<br />

أخذن على بعولتهن عهدا ً<br />

ليستلبن أبدانا ً وبيض ًا<br />

إذا ما رحن يمشين الهوين َى<br />

يقتن جيادنا ويقلن:‏ لستم<br />

وما منع الظعائن مثلُ‏ ضربٍ‏<br />

تحاذر أن تفارق أو تهونا<br />

خ َل َط ْن بميسم حسبا ً ودينا<br />

إذا لاق َوا فوارس معلمينا<br />

وأس رى ف ي الحدي د مق َن َّعين ا<br />

كما اضطربت متون الشاربينا<br />

بعولتنا إن لم تمنعونا<br />

ترى منه السواعد كالق ُلِينا<br />

123


ج<br />

ج<br />

ج<br />

ج<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

القصيدة الثانية<br />

ألا هبي بصحنك فاصبحينا<br />

مشعشعة ً كان الحص فيها<br />

تجور بذي الل ُّبانة عن هواه<br />

ترى الل َّحِز الشحيح إذا أُمِرت<br />

وإن َّا سوف تدركنا المنايا<br />

ولا تبق ي خم ور الأن درينا<br />

إذا ما الماء خالطها سخينا<br />

إذا ماذاقها حتى يلينا<br />

عليه لماله فيها مهِينا<br />

مق درة ً لن ا ومق درينا<br />

وإن الضغن بعد الضغن يبدو<br />

عليك،‏ ويخرج<br />

الداء الدفينا<br />

بأي مشيئة عمرو بن هند<br />

فهل حدثت َ في جشم بن بكر<br />

ورثنا مجد علقمة بن سيف<br />

نكون لخ َل ْفِكم فيها قطينا؟<br />

بنقص في خطوب الأولينا؟<br />

أباح لنا حصون المجد دينا<br />

ورثت ُ م<br />

ْله هِلا ً والخي ر منه<br />

زهيرا ً،‏ نعم ذخر<br />

الذاخرينا<br />

وعت َّابا ً وكلثوما ً جميعا ً<br />

وذا البرة الذي حدثت َ عنه،‏<br />

ومن َّا قبله الساعي كليب<br />

ته ددنا وأوع دنا،‏ روي دا ً!‏<br />

فإن قناتنا ‏-يا عمرو-‏ أعيت<br />

إذا عض الث َّقاف بها اشمأزت<br />

عشوزنة إذا انقلبت أرن َّت<br />

بهم نلنا تراث الأكرمينا<br />

به ن ُحمى ون َحمي المحجرينا<br />

ف أي المجد إلا قد ولينا؟<br />

متى كنا لأمك مق ْت َوينا؟<br />

على الأعداء قبلك أن تلينا<br />

وول َّته عش َوزنة ً زبونا<br />

ت دق ُّ قفا المثق ِّف والجبينا<br />

ألا لا يجهل ن أح د علين ا<br />

فنجهلَ‏<br />

فوق جهل الجاهلينا<br />

124


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

-1<br />

مراجع البحث<br />

أساليب الصناعة في شعر الخمر والأسفار بين الأعشى والجاهليين.‏ محمد محمد<br />

حسين.‏ بيروت:دار النهضة العربية،‏<br />

.1972<br />

-2<br />

-3<br />

-4<br />

-5<br />

أسرار البلاغة.‏ عبد القاهر الجرجاني.‏ بيروت:‏ دار المعرفة،‏ ‎1398‎ه.‏<br />

الأصمعيات.‏ أبو سعيد عبد الملك بن قريب الأصمعي.‏ تحقيق أحمد محمد<br />

شاكر وعبد السلام هارون.‏ دار المعارف.‏<br />

الأغاني.‏ أبو الفرج الأصفهاني.‏ ط الساسي.‏<br />

. عالم الفكر : بيروت . اليزيدي . الأمالي<br />

ط‎2‎ ؛ ‎1404‎ه<br />

-<br />

-6<br />

-7<br />

-8<br />

-9<br />

الأمالي.‏ أبو علي القالي.‏ القاهرة:‏ المطبعة الأميرية،‏‎1324‎ه.‏<br />

‎1984‎م.‏<br />

إنباه الرواه على أنباه النحاه.‏ جمال الدين علي بن يوسف القفطي.‏ تحقيق محمد<br />

أبو الفضل إبراهيم.‏ القاهرة:‏ دار الكتب،‏ ‎1973‎م.‏<br />

البرصان والعرجان والعميان والحولان.‏ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.‏<br />

تحقيق محمد مرسي الخولي.‏ بيروت:‏ مؤسسة الرسالة.‏ ط‎1‎؛‎1392‎ه-‏‎1972‎م.‏<br />

بغية الوعاه في طبقات اللغويين والنحاه.‏ جلال الدين السيوطي.‏ بيروت:دار<br />

المعرفة.‏<br />

10- تاريخ آداب اللغة العربية.‏ جرجي زيدان.‏ دار الهلال،‏ ‎1957‎م.‏<br />

11- تاريخ الآداب العربية.‏ كارلونالينو.‏ دار المعارف،ط‎2‎‏.‏<br />

12- تاريخ الأدب العربي.‏ أحمد حسن الزيات.‏ ط الرابعة والعشرون.(من دون<br />

تاريخ).‏<br />

13- تاريخ الأدب العربي.‏ عمر فروخ.‏ بيروت:‏ دار العلم للملايين.‏<br />

14- تاريخ الشعر العربي.‏ حتى آخر القرن الثالث الهجري.‏ نجيب محمد البهبيتي.‏<br />

بيروت:دارالفكر.ط‎4‎؛‎1970‎م.‏<br />

125


ط.‏<br />

معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

15- جمهرة أشعار العرب.‏ أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي.‏<br />

بيروت:داربيروت،‏‎1398‎ه.‏<br />

16- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام.أبو زيد محمد بن أبي الخطاب<br />

القرشي.‏ تحقيق محمد علي الهاشمي.‏ الرياض:‏ <strong>جامعة</strong> الإمام محمد بن سعود<br />

‎1‎؛‎1399‎ه-‏‎1979‎م.‏<br />

17- جمهرة أنساب العرب.‏ ابن حزم الأندلسي.‏ تحقيق عبد السلام هارون.‏ دار<br />

المعارف.ط‎5‎‏.‏<br />

18- حديث الأربعاء.طه حسين.‏ بيروت:دار الكتاب اللبناني.‏ ط‎2‎؛‎1974‎‏.‏<br />

19- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب.‏ عبد القادر البغدادي.‏ تحقيق عبد السلام<br />

هارون.‏ القاهرة:‏ مكتبة الخانجي.‏<br />

20- دراسات في الشعر الجاهلي.‏ يوسف خليف.‏ القاهرة:‏ دار غريب،‏ ‎1981‎م.‏<br />

21- ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح العكبري.تحقيق مصطفى السقاء<br />

وآخرين.بيروت:دار المعرفة.‏<br />

22- ديوان بني بكر في الجاهلية.‏ جمع عبد العزيز نبوي.‏ القاهرة:‏ دار<br />

الزهراء.ط‎1‎؛‎1410‎ه-‏‎1989‎م.‏<br />

23- ديوان حسان بن ثابت الأنصاري.‏ بيروت:‏ دار بيروت.‏‎1398‎ه-‏‎1978‎م.‏<br />

24- دي وان الحطيئ ة.تحقي ق نعم ان محم د أم ين ط ه.‏ الق اهرة:مكتب ة<br />

الخانجي.ط‎1‎؛‎1987-1407‎م.‏<br />

25- ديوان عمرو بن كلثوم.‏ صنعة علي أبو زيد.‏ <strong>دمشق</strong>:‏ دار سعد الدين.‏<br />

ط‎1‎؛‎1412‎ه-‏‎1991‎م.‏<br />

26- ديوان عمرو بن كلثوم التغلبي.‏ تحقيق أيمن ميدان.‏ جدة:النادي الأدبي الثقافي.‏<br />

ط؛‎1413‎ه-‏‎1992‎م.‏<br />

27- ديوان المعاني.‏ أبو هلال العسكري.‏ بيروت:‏ عالم الكتب.‏<br />

126


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

28- رسالة الغفران.‏ أبو العلاء المعري.‏ تحقيق عائشة بنت عبد الرحمن.‏ دار<br />

المعارف.ط‎8‎‏.‏<br />

29- السيرة النبوية.‏ ابن هشام.‏ تحقيق مصطفى السقا وآخرين.‏ بيروت:‏ دار المعرفة.‏<br />

30- سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي ورده عليه فحولة الشعر.‏ تحقيق محمد<br />

عودة سلامة أبو جري.‏ القاهرة:‏ مكتبة الثقافة الدينية.‏ ‎1994‎م-‏‎1414‎ه.‏<br />

31- شرح اختيارات المفضل.‏ الخطيب التبريزي.‏ تحقيق فخر الدين قباوة.(من دون<br />

تاريخ)‏<br />

32- شرح القصائد التسع المشهورات.‏ صنعة أبي جعفر النحاس.‏ تحقيق أحمد خطاب.‏<br />

بغداد:وزارة الإعلام،‏ ‎1392‎ه-‏‎1973‎م.‏<br />

33- شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات.‏ أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري.‏<br />

تحقيق عبد السلام هارون.دار المعارف.‏ ط‎2‎‏.‏<br />

34- شرح القصائد العشر.‏ الخطيب التبريزي.‏ تحقيق عبد السلام الحوفي.‏ بيروت:دار<br />

الكتب العلمية.ط‎2‎؛‎1407‎ه-‏‎1987‎م.‏<br />

35- شرح معلقة امرئ القيس،‏ صنعة أبي الحسن بن كيسان.تحقيق نصرت عبد<br />

الرحمن.‏ بيروت:مؤسسة الرسالة،‏ وعمان:دار البشير<br />

:<br />

ط‎1‎؛‎1420‎ه-‏‎1999‎م.‏<br />

36- شرح المعلقات السبع.‏ الحسين بن أحمد الزوزني.‏ بيروت دار صادر.‏<br />

37- الشعر الجاهلي:‏ خصائصه وفنونه يحيى الجبوري.بيروت.‏ مؤسسة<br />

الرسالة.ط‎2‎؛‎1399‎ه-‏‎1979‎م.‏<br />

38- شعر الحرب في أدب العرب.‏ في العصرين الأموي والعباسي إلى عهد سيف<br />

الدولة.‏ زكي المحاسني.‏ دار المعارف ‏.ط‎2‎‏.‏<br />

39- الشعر والشعراء.‏ ابن قتيبة.‏ تحقيق مفيد قميحة.‏ بيروت:‏ دار الكتب العلمية.‏<br />

ط‎1‎؛‎1401‎ه-‏‎1981‎م.‏<br />

40- الشعر والمال.‏ مبروك المناعي.‏ بيروت:‏ دار الغرب الإسلامي ط‎1‎؛‎1419‎ه.‏<br />

127


معلقة عمرو بن كلثوم ‏"دراسة وتحليل"‏<br />

41- طبقات فحول الشعراء.‏ محمد بن سلام الجمحي.‏ تحقيق محمود شاكر.‏ القاهرة:‏<br />

مطبعة المدني.‏<br />

42- طبقات النحويين واللغويين.‏ أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي.‏ تحقيق محمد أبو<br />

الفضل إبراهيم.دار المعارف ‏.ط‎2‎‏.‏<br />

43- العقد الفريد.‏ ابن عبد ربه.‏ تحقيق محمد سعيد العريان.‏ بيروت:‏ دار الفكر.‏<br />

44- العمدة في محاسن الشعر ونقده.‏ ابن رشيق القيرواني.‏ تحقيق محمد محي الدين<br />

عبد الحميد،‏‎1353‎ه.‏<br />

45- فرحة الأديب.‏ أبو محمد الأعرابي.‏ تحقيق محمد علي سلطاني.‏ دار قتيبة(من<br />

دون تاريخ).‏<br />

46- في الشعر الجاهلي.‏ طه حسين.‏ القاهرة<br />

ط‎1‎؛‎1344‎ه-‏‎1926‎م.‏<br />

‏:مطبعة دار الكتب المصرية.‏<br />

47- القاموس المحيط.‏ الفيروز آبادي.‏ بيروت:‏ مؤسسة الرسالة.ط‎2‎؛‎1407‎ه-‏<br />

‎1987‎م.‏<br />

48- الكامل في التاريخ.‏ ابن الأثير.‏ بيروت:‏ دار صادر ودار بيروت.‏‎1385‎ه-‏<br />

‎1965‎م.‏<br />

49- كتاب الصناعتين:الكتابة والشعر.‏ أبو هلال العسكري.تحقيق مفيد قميجة.‏<br />

بيروت:دار الكتب العربية.‏ ط‎1‎؛‎1401‎ه-‏‎1981‎م.‏<br />

50- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.‏ حاجي خليفة.‏ بغداد:‏ مكتبة المثنى.‏<br />

51- كلام البدايات.‏ أدونيس.‏ بيروت:‏ دار الآداب ‏.ط‎1‎؛‎1989‎م.‏<br />

52- لسان العرب.‏ ابن منظور.‏ بيروت:‏ دار صادر.‏<br />

53- لغة قريش.‏ مختار الغوث.‏ الرياض:‏ دار المعراج الدولية.ط‎1‎؛‎1418‎ه-‏<br />

‎1997‎م.‏<br />

128


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 22- العدد (2+1) 2006<br />

مختار سيدي الغوث<br />

54- مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية.‏ ناصر الدين الأسد.‏ دار<br />

المعارف.ط‎6‎؛‎1982‎‏.‏<br />

55- معجم البلدان.‏ ياقوت الحموي.‏ تحقيق فريد عبد العزيز الجندي.‏ بيروت:‏ دار<br />

الكتب العليمة.ط‎1‎؛‎1410‎ه-‏‎1990‎م.‏<br />

56- معجم الشعراء.محمد بن عمران المرزباني.تصحيح.ف.كرنكو.‏ بيروت:‏ دار<br />

الكتب العلمية؛ ط‎2‎؛‎1402‎ه-‏‎1982‎ه.‏<br />

57- معجم المؤلفين.‏ عمر رضا كحالة.‏ <strong>دمشق</strong>:‏ المكتبة العربية،‏‎1376‎ه-‏‎1957‎م.‏<br />

58- المعلقات العشر وأخبار شعرائها.‏ أحمد بن الأمين الشنقيطي.بيروت:دار الكتب<br />

العلمية.‏<br />

59- معلقة عمرو بن كلثوم بشرح أبي الحسن بن كيسان.‏ تحقيق محمد إبراهيم البنا.‏<br />

القاهرة:‏ دار الاعتصام ‏.ط‎1‎؛‎1400‎ه-‏‎1980‎م.‏<br />

60- مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي.‏ حسين عطوان.‏ دار المعارف.‏<br />

61- من اسمه عمرو من الشعراء.‏ أبو عبد االله محمد بن داود بن الجراح.‏ تحقيق عبد<br />

العزيز المانع.‏ القاهرة:‏ مكتبة الخانجي.ط‎1‎؛‎1412‎ه-‏‎1991‎م.‏<br />

62- المنتخب في محاسن أشعار العرب.‏ منسوب إلى الثعالبي.‏ تحقيق عادل سليمان<br />

جمال.‏ القاهرة:مكتبة الخانجي.‏ ط‎1‎؛ ‎1414‎ه<br />

.1994-<br />

63- نشوة الطرب في أخبار جاهلية العرب.‏ ابن سعيد الأندلسي.‏ تحقيق نصرت عبد<br />

الرحمن.‏ مكتبة الأقصى،‏‎1982‎م.‏<br />

64- نظرية الأدب.‏ رينيه ويليك وأوستن وارين.‏ ترجمة محيي الدين صبحي<br />

بيروت:‏ المؤسسة العربية للدراسات والنشر،‏‎1987‎م.‏<br />

.<br />

65- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين.إسماعيل باشا البغدادي.‏ طهران:‏<br />

مكتبة الإسلامية والجعفري تبريزي.ط‎3‎؛‎1387‎ه.‏<br />

.<br />

.<br />

تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />

.2004/8/16<br />

129

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!