ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق
ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق
ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق
- TAGS
- dahsha.com
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
*<br />
الدكتورة فادية المليح حلواني<br />
ملخص<br />
تعد الكاتبة قمر كيلاني في أبرز الروائيات العربياتا للواتي سعين إلى إعطاء<br />
المرأة حقها وتصحيح صورتها في الرواية، لذلك أسندت الكاتبة بطولة رواياتها إلى<br />
نساء من مواقع واتجاهات مختلفة. لكن حماستها لقضية المرأة ورغبتها القوية في<br />
إنصافها جعلاها تضفي على بطلاتها هالة من الكمال مع إهمال الرجال في المجتمع<br />
الروائي.<br />
واختارت الكاتبة بطلاتها من واقع حروب أو من مواقع بعيدة عنها، فافتقدت<br />
الإقناع والصدق الفني، وزاد في ذلك تحميلهن ثقافتها وآراءها من غير مراعاة لطبيعة<br />
الشخصية ومستواها الثقافي.<br />
لقد حاولت الكاتبة في تجربتها الروائية أن تعطي المرأة حقها من الاهتمام<br />
والتقدير، وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية، فكانت رائدة في<br />
محاولتها الروائية هذه ومتميزة في استخدام مقومات العمل الروائي.<br />
41<br />
*<br />
قسم اللغة العربية وآدابها – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong>
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
صورة المرأة العربية في الرواية :<br />
دأبت المثقفات العربيات على انتقاد صورة المرأة العربية في الرواية، واتهمن<br />
الروائيين بالانحياز ضد المرأة وتشويه حقيقتها باختيار الأمثلة السيئة في رواياتهم،<br />
وترديد الآراء التقليدية الشائعة حولها، التي تنتقص قدرها وإنسانيتها. فأغلب بطلات<br />
الروايات العربية في النصف الأول من القرن العشرين<br />
لا يهتممن بالشأن العام، ولا<br />
يحملن قضية يناضلن من أجلها، ولا يمتلكن الوعي الكافي ليك ُن مؤثرات في محيطهن،<br />
ليس لهن هدف ولا رسالة في الحياة، غايتهن إرضاء الرجل وتحقيق رغباتهن<br />
الذاتية، وإذا تمردت إحداهن كان تمردها في الخيانة أو امتهان الأعمال المشينة.<br />
(فالروائيون جعلوا المرأة تابعة للرجل.. وهو الذي يعمل ويفكر ويخطط ويقوم بالنشاط<br />
السياسي<br />
1<br />
. (<br />
وأرجعت الناقدات ذلك إلى الرواسب القديمة المتخلفة في نفس الرجل العربي،<br />
الذي لا يريد أن تساويه المرأة، بل أن تظل تابعة له . وإلى جهل الرجل لنفس المرأة<br />
وعواطفها ونوازعها وطرائق محاكمتها للأمور . لذلك دعت المثقفات العربيات إلى<br />
أن تنهض المرأة بالتعبير عن نفسها، وعرض آلامها وآمالها في أعمال أدبية تبدعها،<br />
تظهر فيها المرأة العربية كائنا ً إنسانيا ً، لها عقل مفكر وأهداف سامية، ولها تطلعاتها<br />
المشروعة لتكون فاعلة في المجتمع، تشارك في بنائه وتقدمه، فيكون الأدب محرضا ً<br />
للرجل والمرأة معا ً على تغيير طبيعة العلاقة بينهما، فتنتقل من التبعية إلى المشاركة<br />
المتساوية، ومن الامتهان والاحتقار إلى الاحترام، ومن الشك والريبة إلى الثقة<br />
والتعاون .<br />
حاولت الروائيات العربيات تقديم أمثلة مشرقة للمرأة العربية، وحرصن على<br />
رسم صورة المرأة القوية صاحبة المبادئ، والمناضلة من أجل ما تؤمن به،والساعية<br />
إلى التحرر من التخلف والنظرة الدونية إليها. المرأة المعتمدة على عقلها أكثر من<br />
1<br />
الفيصل، د. سمر روحي: الاتجاه الواقعي في الرواية السورية ص<br />
.153<br />
42
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
اعتمادها على جسدها، والقادرة على التأثير الإيجابي فيمن حولها، والممسكة<br />
بمصيرها بعد أن كان الرجل هو المتحكم الوحيد فيه.<br />
وقد نجحت أكثر الروائيات في مسعاهن هذا بالرغم من غلبة الحماسة عليهن<br />
في حالات كثيرة وفي إفراطهن في التهوين من أمر الرجل ومن دوره التكاملي حتى<br />
وصل الأمر ببعض بطلاتهن إلى تشكيل صورة بعيدة عن الواقع أو خارجة عنه مما<br />
أضعف من التأثير الإيجابي للرواية وجعلها تبدو وكأنها خارجة عن العقلانية أو عن<br />
حركة التطور الطبيعي.<br />
إلا أن ذلك لا يلغي التأثير الإيجابي لأعمالهن الروائية ولا سيما في التنبيه على<br />
أهمية تغيير صورة المرأة والنظرة إليها، والدعوة إلى مشاركتها في بناء مجتمع جديد<br />
يكون فيه للمرأة مكانة متميزة تؤهلها للتأثير في جوانب الحياة المختلفة.<br />
وبهذا صارت الرواية العربية التي يكتبها الرجل والمرأة ميدانا ً فسيحا ً للكشف عن<br />
نوازع المرأة وأفكارها وقدرتها على الإبداع والعطاء .<br />
قمر كيلاني والمرأة في رواياتها:<br />
قمر كيلاني أديبة قصصية روائية، قدمت فيضا ً من المجموعات القصصية<br />
والروايات، حتى أصبحت إحدى أهم الروائيات العربيات في سورية .<br />
جعلت قمر كيلاني المرأة محور إبداعها الروائي، لأن الرواية تتيح لها بمساحتها<br />
المفتوحة أن تعرض بحرية رؤيتها للمرأة العربية كما هي في الواقع، أو كما تريدها<br />
أن تكون . فاهتمت بالشخصيات النسائية، وأسندت إليها البطولة المطلقة في رواياتها<br />
كلها، وحملتها أفكارها ومشاعرها، ودخلت نفوس بطلاتها لتخرج بمكنوناتها<br />
. فكانت<br />
معظم شخصيات رواياتها نسائية، تحتل مساحة الرواية كلها تقريبا ً، وظل الرجل عاملا ً<br />
مساعدا ً على تطور الشخصية النسائية سلبا ً أو إيجابا ً، وكأنها بهذا الاهتمام الكبير<br />
بالمرأة تعيد إليها مكانتها المهدورة روائي ًا . وهي ليست متفردة في هذا الاتجاه، (فأكثر<br />
43
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
نتاج الأديبات قبل أعوام كان لا يدور إلا حول موضوع المرأة وحريتها وتمردها<br />
2<br />
وقلقها) .<br />
وصرحت قمر كيلاني بذلك فقالت:" يقول النقاد إن أغلب شخصياتي الروائية هن<br />
من النساء . هذا لم أكن أتعمده قط .. ولم أفكر فيه .. لكنه جاء هكذا، وأنا لا أنفي هذه<br />
النظرة أو المقولة، وإنما أعني أن العمل الإبداعي يفرض نفسه<br />
..<br />
وأنا ألست امرأة<br />
وأقدر على تقصي مشاعر المرأة وتوجهاتها والحكم على تصرفاتها في الرواية؟ بل<br />
ألست الأقدر على فهمها ووضعها في مكانها المناسب<br />
3<br />
. "<br />
لذلك قدمت في رواياتها المرأة المناضلة والمنغمسة بالشأن العام<br />
في رأيي هن بطلات رواياتها: بستان الكرز وطائر النار والأشباح .<br />
. وأبرز بطلاتها<br />
تنوعت الشخصيات النسائية في روايات قمر كيلاني، فامتدت على مساحة<br />
مجتمع المدينة، لكنها لم تتطرق إلى المرأة الريفية . ربما لأنها لم تعش في الريف ولم<br />
تخبر حياته، وأمضت عمرها في المدينة، على الرغم من خصب حياة المرأة الريفية<br />
واتساع التناقضات في حياتها . فنجد في رواياتها أمثلة مختلفة في السن والثقافة<br />
والعمل والعقيدة والتكوين النفسي والمنبت الاجتماعي، فهناك المراهقة والشابة،<br />
والكهلة والعجوز، وهناك الطالبة والموظفة والخادمة، وهناك الثائرة المتمردة والخانعة<br />
المستسلمة، والمسلمة والمسيحية والقديسة والمومس، والمستوية الواضحة والملتوية<br />
المضطربة الغامضة .<br />
وسنقف هنا عند ثلاث روايات: الأولى بستان الكرز التي تتناول الحرب الأهلية<br />
اللبنانية، فبطلتها مناضلة مثقفة . والثانية الأشباح التي تتناول الوضع في سورية بعد<br />
نكسة حزيران، وبطلتها تماثل تقريبا ً بطلة الرواية الأولى . والثالثة طائر النار وبطلتها<br />
مناضلة لتغيير حياتها . هؤلاء البطلات يمثلن قمة التمرد على الواقع والسعي لتغييره،<br />
2<br />
3<br />
ضويحي، د. هيام: الرواية النسائية في سورية ص<br />
.25<br />
كيلاني، قمر: تجربتي في الرواية، مجلة دراسات اشتراكية، العدد<br />
183-182 ص 456<br />
44
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
والى جانبهن شخصيات نسائية أخرى، تقترب منهن أو تبتعد عنهن، وفق ظروفهن<br />
وتركيب نفوسهن .<br />
"سونيا" بطلة رواية بستان الكرز:<br />
تعالج الرواية الحرب الأهلية اللبنانية معالجة أدبية، تخلط السياسة بالفكر، والواقع<br />
بالخيال، كما تستخدم الإسقاط والاستبطان تارة والمباشرة والخطابية تارة أخرى.<br />
بطلة الرواية فتاة جامعية بورجوازية، أبوها رجل أعمال مسلم، وأمها من أسرة<br />
مسيحية مرموقة، جميلة ومثقفة، ترتبط بعلاقة حب مع زميلها الفلسطيني في<br />
ال<strong>جامعة</strong> "سامي".<br />
منذ بداية الرواية تجد سونيا نفسها في جو مشحون بالتوتر والقلق، يوحي بأن<br />
كارثة ما على الأبواب، فالاضطراب يعم أوجه الحياة المختلفة، والانقسام يتضح بين<br />
التجمعات اللبنانية، والصراع يشتد فيما بينها، فتقع البطلة في حيرة بين الأفكار<br />
والمواقف المتناقضة التي سادت الساحة اللبنانية.<br />
حددت الكاتبة تاريخ وقائع الرواية ومكانها وطبيعة المرحلة التي عاشتها البطلة<br />
في افتتاحية الرواية، فبدأتها بقولها: "الحر يسقط في شوارع بيروت مع القلق، إنه شهر<br />
تموز والعام<br />
1975<br />
4<br />
يلتقيا."<br />
. التوتر يخفق مع الهواء<br />
. سونيا وسامي لم يعودا قادرين على أن<br />
بيد أن حيرة سونيا لا تستمر طويلا ً، لأنها تثق بحبيبها وبخياراته، وبعد زيارة<br />
لبيت أستاذ أمريكي من أصل لبناني، يمارس لعبة القنص والقتل، تحدد موقفها بقولها:<br />
"أنا حددت موقفي أول أمس<br />
5<br />
فأنا مستعدة للتضحية بكل شئ من أجل قضية الإنسان" .<br />
. لقد جلدوا إنسانيتي، وتعرت الحقائق أمام عيني، ولهذا<br />
45<br />
4<br />
5<br />
كيلاني، قمر: بستان الكرز ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
.7<br />
12
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
..<br />
بل زادت على ذلك، فصارت واعية بوضعها وهدفها، لا يعتور وعيها غموض،<br />
ولا يعترض هدفها تردد فقالت لسامي: "أنا، من أنا؟ بورجوازية صغيرة تهرب من<br />
عالمها ومن طبقتها ضجرا ً ذهبت أيام التردد يا سامي، كل شئ واضح أمام<br />
عيني، وأنا شريكتك في النضال"<br />
6<br />
.<br />
لم يستغرق هذا التطور السريع في حياة سونيا من الحيرة والقلق إلى الوعي<br />
والعزم وقتا ً طويلا ً، ولم يحتج من البطلة إلى قراءة مستفيضة للواقع، ولا إلى حوار<br />
طويل أو مرشد، فعبثية الحرب ووحشيتها، والوقوف على بعض مشاهدها، إلى جانب<br />
حبها، كل ذلك جعلها تنحاز إلى النضال من أجل عروبة لبنان وحريته، واحترام<br />
إنسانية الإنسان فيه . والغريب أنها أدركت حقيقة لعبة الحرب اللبنانية من غير<br />
شواهد وبراهين، ومن غير قراءة ومحاضرات، ومن غير إرهاصات، فقالت: "وهذه<br />
الخلافات والنزاعات ليست سياسية فقط ولا محلية فقط، وإنما هناك قوى خفية تمسك<br />
7<br />
بخيوطها، وتحركها لتدفعها نحو مصالحها" .<br />
"<br />
..<br />
واتسع انتماء سونيا، فتجاوز لبنان إلى الوطن العربي، وحدثت نفسها بأنها يجب<br />
أن تتخطى حدود لبنانيتها عليها أن تنصهر في هذه البوتقة العجيبة التي تغلي<br />
8<br />
كالبركان، والتي اسمها العروبة .<br />
وهي أيضا ً لا تعرف التعصب من أي نوع، لا الديني ولا العرقي، ولا تفرق بين<br />
مسلم ومسيحي، لأنها ثمرة زواج مختلط<br />
. وكان هذا الوضع متعبا ً في لبنان، وزاد<br />
صعوبته الحرب التي أخذت سمة الطائفية، لذلك أصبح وضعها مأساة بالنسبة لها،<br />
وصفته الكاتبة بقولها: "هل تبوح بمأساة عمرها بأنها لم تعرف يوما ً هل هي<br />
6<br />
7<br />
8<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
13<br />
8<br />
24<br />
46
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
مسيحية أم مسلمة؟ لم تعرف يوما ً التعصب لدين من الأديان، بل هي لم تتدين على<br />
الإطلاق، إنها تؤمن بالمحبة ..<br />
9<br />
بالخير، وتركع أمام الإنسانية" .<br />
في هذا الجانب ارتبكت الكاتبة، لأنها أصرت على إبعاد صفة التعصب الديني<br />
عن بطلتها، فأخرجتها من الدين تماما ً، وجعلتها غير متدينة، وكأن الأديان تحمل<br />
وزر التعصب، وتنافي المحبة والخير والإنسانية، وهي المبادئ التي نادت بها الأديان<br />
السماوية كلها . لقد أرادت الكاتبة أن ترسم لبطلتها صورة صافية مثالية في الحس<br />
الإنساني، قلما يتصف بها إنسان في عمرها وفي بيئتها التي تمور بأشكال التعصب<br />
المختلفة، فأوصلت لبنان إلى الحرب الأهلية القذرة المنافية لكل مبدأ إنساني .<br />
ولكن هذا الانتماء الواضح للبطلة، وهذا اليقين في التوجه والرؤية، لا يستمران<br />
في فصول الرواية كلها، فت ُظهر الكاتبة بطلتها ممزقة بين عناصر واقعها، تعاني<br />
صراعا ً داخليا ً عميقا ً، وكأنها لم تحزم أمرها، ولم تحدد موقفها مما يدور حولها<br />
.<br />
وتصف الكاتبة معاناة بطلتها بقولها: "سونيا ليست سونيا، روحها مثقلة بعذابات لا حد<br />
لها ..<br />
حب فاشل .. حياة جامعية مزقت الأستار عن فكرها .. ضجر من حياة<br />
10<br />
بورجوازية سخيفة، بلغ حد القرف" .<br />
هذا الوصف يناقض وقائع الرواية، فالبطلة ات ّبعت حبيبها، وشاركته النضال،<br />
وكانت تتمتع بحياتها الجامعية وصداقاتها التي أوصلتها إلى الوعي بحقيقة حياتها،<br />
وكانت سعيدة بما توفره لها الحياة البورجوازية من إمكانات مادية وحرية اجتماعية<br />
.<br />
ربما جاءت معاناتها من المشاعر المتناقضة التي انتابتها وهي تهم بترك حياة الدعة<br />
واختيار شكل حياتها المقبلة .<br />
وأفضت أحداث الرواية ومواقف البطلة إلى أنها حزمت أمرها، فتطوعت للعمل<br />
في مشفى، وشاركت في أعمال نضالية، والتحقت بمعسكر للثوار، وكأنها صاحبة<br />
47<br />
9<br />
المصدر نفسه ص<br />
21<br />
10<br />
المصدر نفسه ص<br />
65
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
عقيدة ثورية، حتى "وجد فيها رئيس الأطباء نموذجا ً رائعا ً للفتاة اللبنانية التي أسقطت<br />
11<br />
عنها قشور الحضارة"<br />
ومع ذلك تخرج من العمل في المشفى بتجربة مختلفة عن توجهها، فقد "احتقرت<br />
12<br />
كل المبادئ والأفكار والشعارات والمعتقدات التي يحملها إنسان العصر" .<br />
واستمر التناقض في رسم شخصية البطلة ومواقفها، فقدمت لنا الكاتبة وجها ً<br />
"<br />
..<br />
..<br />
جديدا ً لها، فيه شئ من الغرابة، فهي تحس أنها كما هي حزينة هي قوية، وأن قوتها<br />
تنبع من الألم فلتتألم إذن أكثر ولتتقدم في درب آلامها أكثر، فما من مسيح غدا<br />
مسيحا ً إلا بالألم<br />
غالبا ً والحزن<br />
13<br />
. "<br />
يشحن المرء بالمعاناة لا بالقوة، وبالرغبة في تجاوزه والخلاص<br />
منه، لا باستعذابه والبقاء فيه وطلب المزيد منه .<br />
فملامح شخصية سونيا تنسجم مرة وتضطرب أخرى، فيشعر القارئ حينا ً أنها<br />
كائن إنساني واقعي، يمكن أن يواجهه في الحياة هنا وهناك، ويشعر حينا ً آخر أنها<br />
كائن وهمي لم يوجد ولن يوجد في الواقع، استوى في خيال الكاتبة، ولم ت ُعِد النظر<br />
فيه لترفع التناقض في تركيبه، بل جعلته تعبيرا ً عن موقف تتبناه أو فكرة تؤمن بها،<br />
فتصل ببطلتها إلى غاية المثالية، وتذهب إلى أنها<br />
"<br />
فتاة تنفض العطف والإنسانية كما<br />
14<br />
تنفض حبات العرق المتصبب منها باستمرار " وأنها ترفض التعصب وتنحاز إلى<br />
قضية الإنسان والحرية . ومع ذلك تركت العمل في المشفى من غير مسوغ واضح،<br />
وتركت قاعدة الثوار عندما ضاقت بقسوة حياتهم، وتخل ّت عن نضالها لتقبع وحيدة مع<br />
كلبها وطفل صغير وجدته مع أمه المقتولة .<br />
11<br />
12<br />
13<br />
14<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
73<br />
84<br />
131<br />
73<br />
48
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
ولم تر الكاتبة هذا التناقض، وتساءلت ببساطة: "من هي سونيا في بستان الكرز؟<br />
ألم تكن تلك اللبنانية التي وجدت نفسها فجأة أمام مشكلة الطائفية التي لم تدخل نسيج<br />
15<br />
حياتها رغم أنها مسيحية وأبوها مسلم" .<br />
ربما جعلت الكاتبة تصرفات البطلة المتناقضة وغير المسوغة تعبيرا ً عن مواقف<br />
فكرية، مثل إدانة بعض مظاهر المقاومة، ومثل رعاية الطفل الذي يرمز به للمستقبل<br />
دائما ً .<br />
وجاء مقتل البطلة في بيتها مفاجئا ً، فسير الرواية يفضي إلى أنها ستقتل في<br />
مواجهة مش ّرفة أو أنها ستغتال لمواقفها ونضالها، ولكنها ت ُقتل ببساطة، أو بالمجان كما<br />
وصفت الكاتبة الموت في الحرب الأهلية اللبنانية، أو تكون قد رمزت بمقتلها إلى شئ<br />
ما تريده، أو تدين به هذه الحرب التي تغتال المستقبل وتستهين بالحياة الإنسانية .<br />
وأساء إلى الاقتناع بشخصية البطلة لغتها وحديثها الذي لا تجيده إلا أديبة كبيرة<br />
.<br />
بحيث يشعر القارئ أن الكاتبة هي التي تتحدث لا بطلة الرواية وهذه إشكالية كثيرا ً ما<br />
يقع فيها الروائيون بحيث ينسون أنهم يتعاملون مع أشخاص الرواية وليس مع ذواتهم<br />
فيستنطقون أشخاص الرواية بأفكارهم وبلغتهم الخاصة.<br />
ومع ذلك كله ت ُعد هذه الشخصية أكثر الشخصيات الروائية إيجابية لدى قمر<br />
كيلاني، لأنها تغيرت وسعت للتغيير بالقول والفعل، وهي مثال جديد للمرأة العربية<br />
التي تحمل هموما ً وطنية وسياسية، مضحية بحاجاتها العاطفية، ومتحررة من القيود<br />
الاجتماعية التي كبلت الشخصيات النسائية في الرواية العربية .<br />
"ليلى" بطلة رواية الأشباح:<br />
49<br />
15<br />
كيلاني، قمر: تجربتي في الرواية، مجلة دراسات اشتراكية، العدد<br />
183-182 ص .456
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
تتناول هذه الرواية الوضع المضطرب في سورية بعد نكسة حزيران<br />
1967 من<br />
خلال أسرة مؤلفة من أم وثلاث بنات وابنين غائبين، الكبير في المهجر، والصغير<br />
هرب من الجندية إلى المقاومة .<br />
ليلى بطلة الرواية الابنة الصغرى في الأسرة، مراهقة متمردة، نالت قسطا ً من<br />
التعليم، جريئة في طرح آرائها، مندفعة مشاكسة، تلتحق بالمقاومة، وتنفذ عملية فدائية<br />
ضد العدو الصهيوني . وهي تتخذ قراراتها ببساطة متناهية، وتتحدث بطريقة لا توافق<br />
سنها، فتجيب أختها الكبرى على شكواها من سوء الأحوال بقولها: "أنا مللت من<br />
متاجرتكم بهذه الحوادث.<br />
عام 1948 نحن في حرب.<br />
إنها عادية في مجتمع مثل مجتمعنا . نحن في حرب .. منذ<br />
16<br />
أم أنكم تتجاهلون كما يتجاهل الكثيرون" .<br />
ينم هذا الكلام على وعي مبكر عند هذه الفتاة الصغيرة، ومثله لا يند عادة عن<br />
فتاة مراهقة ينصب اهتمامها على نفسها، ويكون انشغالها بالأمور العامة ضعيفا ً باهتا ً<br />
.<br />
..<br />
بل إن الكاتبة لم تراع ثقافة الفتاة الضحلة وتجربتها المحدودة في الحياة، فأنطقتها بكلام<br />
لا يقوله إلا شاعر متفلسف، مثل وصفها لمغادرة أخيها للبيت بقولها: "الطائر القوي<br />
يريد أن يكتشف السماء .. من أجل أن يغني لحنه الخاص به .<br />
سميرة تقول لنفسها، ما أعنفها ما أكثر تمردها . وهذا الكلام كأنما هو لشاعر<br />
17<br />
أو فيلسوف" .<br />
أدركت الكاتبة أن مثل هذا الكلام لا يصدر عن هذه الشخصية، فاستدركت الأمر<br />
بالحديث الداخلي لسميرة . ويبدو أن هذه العبارة أعجبت الكاتبة، ولم ترد أن تخلو منها<br />
الرواية، فأثبتتها واحتجت لها .<br />
بيد أن هذا الوصف لليلى بالعنف والتمرد لم يستمر طويلا ً، فبعد صفحة واحدة<br />
وصفت الكاتبة ليلى على لسان الأم بالقول: "ليلى هي الصغرى، ومع ذلك تأخذ دور<br />
16<br />
17<br />
كيلاني، قمر: الأشباح ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
14<br />
15<br />
50
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
18<br />
الأم" . وصفات الأمومة قلما<br />
مضطربة في وصفها وحديثها .<br />
تلتقي مع العنف والتمرد لذلك بدت الشخصية<br />
أظهرت الكاتبة بطلتها الصغيرة واعية وعيا ً تاما ً بكل ما يحيط بها ويجري في<br />
بيئتها، بل تفوق في ذلك أمها وأختيها اللتين تكبرانها، فتتحدث عن الحرب حديث من<br />
أحاط بها وبأسبابها وبنتائجها . مثل قولها:" لو أن حرمانها من التعليم هو الكارثة<br />
الوحيدة لهان الأمر . سلسلة من الكوارث، والحرب لم يتعلم الناس منها شيئا ً، لم تبدل<br />
فيهم شيئ ًا . لكن أحمد تعلم، وهي أيضا ً تريد أن تتعلم<br />
19<br />
. "<br />
كيف يمكن لفتاة حرمت من التعليم، ولم تكن لها تجربة واسعة في الحياة أن تكون<br />
على هذا القدر من المعرفة والوعي؟ وكيف تستطيع فتاة مراهقة أن تحمل أحلام<br />
الكاتبة وتمنياتها وخبرتها وثقافتها؟ وكيف يمكن لمراهقة أن تصف أختها الكبرى<br />
20<br />
بقولها: "أختك تعيش أحلام مراهقة سخيفة".<br />
وت ُدخل الكاتبة بطلتها في منظمة للمقاومة، فت ُظهر صلابة عجيبة في النضال،<br />
وقدرة فائقة في الحفاظ على أسرارها، فتحضر الاجتماعات السرية، وتتدرب على<br />
القتال، وتنفذ عملية فدائية وت ُصاب، وتغامر في الخروج ليلا ً إلى أماكن موحشة،<br />
وتخبئ السلاح في البيت المهجور قرب منزلها، وتتصدى للضابط المشبوه الذي يخدع<br />
أختها، وتتحدث حديث المنظرين السياسيين، وليس حديث فتاة صغيرة، مثل قولها في<br />
الرد على أختها التي تريد المحافظة على بيت الأسرة لانتمائها إليه: "أما أنا فأنتمي إلى<br />
الأرض، كل الأرض .. على مساحة الخارطة العربية .. وليس إلى بيت ما .. إلى بقعة<br />
21<br />
ما" .<br />
51<br />
18<br />
19<br />
20<br />
21<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
16<br />
41<br />
47<br />
247
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
وبذلك بدت بطلة الرواية أكبر من واقعها الموضوعي الروائي، وتحولت إلى<br />
22<br />
داعية تبشر بأفكار الروائية .<br />
أرادت الكاتبة أن تكون ليلى المثال المنشود للفتاة العربية التي تعي أحوال بلادها،<br />
وتشارك مشاركة فاعلة في قضايا الوطن، لا تعيقها أنوثتها، ولا تثنيها رهافة إحساسها<br />
وتقلب مشاعرها، فجاءت شخصية نمطية، لم تتغير من بداية الرواية حتى نهايتها . إنها<br />
تتصرف وتتحدث بما لا يتفق مع سنها وثقافتها، فحوارها حوار المثقفين الثوريين<br />
والشعراء المجربين، ولذلك بدت من تشكيل خيال الكاتبة، واهية العلاقة مع الواقع،<br />
ومفتقرة للصدق الفني . وقد جعلتها الكاتبة ردا ً على واقع المرأة العربية، وأسقطت<br />
عليها أفكارها ومشاعرها، لتكون إيجابية وفاعلة<br />
جدا ً، حتى فقدت الوهج الإنساني<br />
الذي تهتم به الرواية قبل أي شئ آخر . فحملت الشخصية أكثر مما تحتمل، حتى<br />
ضعفت قدرتها على الإقناع، وكأن الكاتبة لم تقابل مناضلة لتعرف كيف تكون حياة<br />
المناضلة، وكيف تفكر وتتكلم، فخبرتها في حياة النضال قليلة، لم تسعفها على<br />
المقاربة بين الواقع والخيال .<br />
ومع ذلك قدمت بطلتها ببساطة على أنها واحدة ممن عشن في سورية، وفي<br />
<strong>دمشق</strong> بالتحديد أثناء سطوع المقاومة بعد نكسة حزيران، والانضمام إلى العمل<br />
23<br />
الفدائي .<br />
صفية، بطلة رواية طائر النار:<br />
تتناول هذه الرواية حياة ثائرة من نوع آخر، ومناضلة على جبهة أخرى، ليست<br />
الحرب كما في الروايتين السابقتين، وإنما انعتاق المرأة العربية من قيودها، وتوقها<br />
إلى الانغماس في الحياة، وتأكيد أنها كائن إنساني لا يقل عن الرجل في شئ<br />
. وتتابع<br />
الرواية تحولات حياة فتاة نشأت في جزيرة أرواد على الساحل السوري، قادها<br />
22<br />
23<br />
الفيصل، د. سمر روحي: الاتجاه الواقعي ص<br />
332<br />
كيلاني، قمر: تجربتي في الرواية، مجلة دراسات اشتراكية، العدد<br />
183-182 ص 456<br />
52
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
طموحها إلى العاصمة <strong>دمشق</strong>، لتعيش حياة أهل الثقافة والفن، لكنها تعود منهزمة إلى<br />
جزيرتها .<br />
صفية بطلة الرواية فتاة حاصلة على الثانوية العامة، توفي والدها وتركتها أمها<br />
في رعاية عمتها، تعاني الفقر والوحدة، وتشعر أنها "غصن مقطوع من شجرة، معلق<br />
24<br />
في الهواء" . وعلى الرغم من علاقتها بأهل الجزيرة الصغيرة، وصداقتها مع بعض<br />
فتياتها وشبانها، فقد كتبت في مذكراتها:"وما كنت سوى فتاة ضائعة، ريشة طائر في<br />
25<br />
مهب الريح . لا شك أن جزيرتنا هي كتاب بؤس تاريخي ليس له حدود" .<br />
فالشعور بالضيق والضجر يستولي على نفس صفية، ويزيده حدة تفتح أنوثتها،<br />
ويرسخه قراءتها لبعض الكتب والمجلات التي وصلت إلى يديها، فأصبحت تتوق إلى<br />
تغيير وضعها، وتحلم بحياة أخرى تطفح بالسعادة<br />
".<br />
انتظار السعادة .. كان علي أن أركض وراءها .. وحتى اللهاث<br />
لم أكن لأستطيع أن أستمر في<br />
26<br />
. "<br />
وهكذا صارت البطلة تعيش أحلام اليقظة، وتتخيل نفسها في حياة أخرى، خالية<br />
من البؤس والوحدة، تتمتع بمباهجها، وتحقق فيها ذاتها وطموحاتها،"يا آلاف الصور<br />
27<br />
البراقة السريعة التي تغزو دماغي مثل طيور مهاجرة" أحلام المراهقة هذه جعلتها<br />
تندفع في طريق التغيير، وتتصرف تصرفات غريبة غير مبالية بامتعاض أهل<br />
الجزيرة وانتقادهم المستمر لسلوكها، لا يهمها نتائج اندفاعها في مخالفة السائد في<br />
بيئتها . "نعم ..<br />
28<br />
كان بي توق مجنون إلى نداءات المجهول والمغامرة" .<br />
53<br />
24<br />
25<br />
26<br />
27<br />
28<br />
كيلاني، قمر: طائر النار ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
17<br />
19<br />
20<br />
37<br />
34
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
وأتى الحدث الذي غير حياتها، فقد جاء فريق سينمائي لتصوير بعض المشاهد<br />
في الجزيرة، وعندما رآها المخرج بين جموع المتفرجين، عرض عليها أن تمثل<br />
لقطة في الفيلم، وكان ذلك بداية علاقة بينهما، وحوار طويل مرهق في الثقافة والفن<br />
والحياة والنفس الإنسانية، لا يمكن أن تعيه فتاة مثل صفية، ولا مسوغ له إلا<br />
استعراض الكاتبة لآرائها في هذه المجالات .<br />
وصارت صفية مسلوبة الإرادة أمام المخرج سمير، الذي سحرها بكلامه وآرائه،<br />
فلم تتخيل حياتها بعيدا ً عنه، لذلك قررت الرحيل وراءه بعد أن غادر الجزيرة، على<br />
الرغم من مساعي حسين المحب .<br />
عند وصولها إلى المدينة قابلها سمير بفتور، فكادت أن تعود إلى جزيرتها، لولا<br />
حصولها على عمل في وكالة لبيع الأدوية والعطور وأدوات التجميل، وهناك شعرت<br />
بالفارق بين حياة الجزيرة وحياة المدينة، وبدأت مرحلة جديدة، قالت عنها:"بدأت أتلمس<br />
ينابيع السحر في أنوثتي .. لا أشك بأنوثتي التي كانت تتفجر كالنار . والرجال كما<br />
أصبحت أعرف لا يمكن أن يعرفوا الخط الفاصل بين الأنوثة والجمال<br />
تلقيت ..<br />
دعوات، وخرجت إلى لقاءات لغداء أو عشاء .. تجار أغنياء .. ومثقفون يشتغلون بالفن<br />
أو المسرح ..<br />
29<br />
وصحفيون وبسطاء أصحاب محلات تجارية صغيرة .." .<br />
أظهرها هذا الانفلات في علاقتها مع الرجال متهورة ومتعطشة إلى الحياة، تريد<br />
أن تنهل منها بقدر استطاعتها،غير أن<br />
ذلك لا يمر بسلام دائما ً، فهي تريد أن تنسى<br />
سميرا ً، لكنها لا تستطيع، لأنها لم تقابل واحدا ً مثله، وظلت تنتظر وعده لها بإعدادها<br />
للسينما في الوقت المناسب . وقد أدخلها هذا الوضع في متاهة وتناقض بين<br />
طموحها الذي يدفعها نحو الناس والحرية في التعامل معهم، وبين ضميرها<br />
29<br />
المصدر نفسه ص<br />
72<br />
54
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
والرواسب الاجتماعية في نفسها، "فأصبحت آنذاك مثل مصابة بازدواج في<br />
شخصيته ..<br />
30<br />
كنت أعيش في منطقتين متناقضتين: النور والظلام" .<br />
حتى فقدت اليقين، ولم تعد تستطيع أن تثبت على حال واحدة،"كل شئ عندي<br />
31<br />
مترجرج .. متقلب .. قابل للتحول" .<br />
ومع أنها تعرف ّت في هذه المرحلة على حيدر، فلم تستطع نسيان سمير<br />
. وحيدر<br />
..<br />
مشرف النادي السينمائي، جاد ومثقف، شغلها قليلا ً عن سمير، وأدخلها حلقات النقد<br />
السينمائي والعروض الجادة، وعرفها إلى حياة السينما والفن والثقافة، لكنها ظلت<br />
أسيرة المخرج سمير، الغائب الحاضر، تتوق إلى لقائه ."كنت مسلوبة الإرادة، ما<br />
يقرره يجب أن ينفذ، وأنا من أنا؟ إنسانة معطلة التفكير منقادة إليه مثل<br />
..<br />
..<br />
32<br />
نعجة" .<br />
وتنتقل للإقامة في بيت سمير، حيث تبدأ عملية التثقيف والاستعداد للعمل في<br />
السينما، وتستسلم لسمير استسلاما ً أعمى . وقد وصفت حالها آنذاك بقولها:"وكنت أحس<br />
أن أجزائي تتفكك مثل دمية أو أنني أغدو عجينة يجب أن تتشكل من جديد، ما الذي<br />
يفككني؟ ما الذي يعجنني هكذا؟ لم أكن ادري . كل ما كنت أعرفه هو أنني أسير في<br />
33<br />
طريق مظلمة، وأنا موعودة في نهايتها بالجنة" .<br />
لكنها لا تصل مع سمير إلى شئ، بل تزداد معاناتها النفسية والجسدية، فتتركه<br />
للعمل في شركة للطيران، وهناك تتعرف على رجل كهل، باحت له بهواجسها<br />
55<br />
30<br />
31<br />
32<br />
33<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
73<br />
75<br />
97<br />
100
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
ومتاعبها، فأخذ بيدها نحو العلاج، وعنه تقول:"وكان يسألني عن التقدم النفسي الذي<br />
34<br />
أحرزه في محو سمير من أعماقي .." .<br />
وانتهى بها الأمر محطمة يائسة، تعتمد على الأدوية المهدئة، ولم تجد مخرجا ً لها<br />
من حالها البائسة هذه إلا بالعودة إلى جزيرتها .<br />
في الجزيرة تنعزل في بيتها لتكتب مذكراتها، وعندما تنتهي "ترمي من يدها<br />
الورق والقلم .. مرهقة كمن تخل ّص من ولادة عسيرة . هل هي مذكرات أم اعترافات<br />
35<br />
أم مجرد سواد فوق بياض" .<br />
..<br />
ثم أخذت تبحث عن حسين الذي تخلت عنه من قبل، ولكن سميرا ً وفريقه<br />
السينمائي يعود إلى الجزيرة مرة أخرى، ويطلب منها المشاركة في أحد مشاهد فلمه،<br />
وفي أثناء ذلك تهب على الجزيرة عاصفة هوجاء، تحمل معها أسراب الطيور،<br />
فيهاجمها طائر متوحش ويصيبها بالعمى، " صفية تسدل فوق عينيها، كما فوق ماضيها<br />
ستارة سوداء تستكين إلى جانب حسين، مثل حمامة بحرية . حسين يأخذها إلى بيته<br />
ليتوجها ملكة .. لكنها ملكة بلا عرش ..<br />
36<br />
وملكة عمياء .<br />
تشكلت شخصية هذه البطلة من أفعال قامت بها وحوادث لا يد لها فيها، ومن<br />
صراع نفسي لم يهدأ إلا عند النهاية المفجعة التي آلت إليها، وهي تمثل توق المرأة<br />
إلى الانعتاق من قيودها، وإلى عيش الحياة على حقيقتها، لكنها سعت إلى ذلك من غير<br />
سلاح، فهي لا تملك شهادة تمكن ّها من العمل، ولا مهنة ترتزق منها وتحافظ بها على<br />
استقلاليتها وكرامتها، ولا مبادئ أخلاقية أو دينية ترسم لها مسار انعتاقها، ولا تجربة<br />
غنية في الحياة تقيها مخاطر هذا الانعتاق . فصغر سنها، وفقد أبويها في وقت مبكر،<br />
جرداها من التجربة والتربية معا ً، لذلك عندما التقت المخرج سمير، سلمته قيادها<br />
34<br />
35<br />
36<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
128<br />
151<br />
176<br />
56
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
ومصيرها، ولم يخرجها من أسره عملها ولا تعرفها إلى رجال كثيرين، فأخفقت<br />
رحلتها في دنيا الثقافة والفن، وعادت إلى جزيرتها محطمة، تنشد الراحة والصفاء،<br />
وكأن الثقافة لوثتها، وكأن الحضارة أفقدتها إنسانيتها، فأدانت هذه الحضارة وهذه<br />
الثقافة بقولها:" حسين يحبها الحب الصافي الذي لم تشوهه الحضارة<br />
ولا الثقافة ..<br />
.<br />
كيف تعود إلى هذا الصفاء بعد أن تلوثت؟ كيف تمسح من ذاكرتها كل الكتب التي<br />
37<br />
قرأتها والتجارب التي عاشتها؟<br />
هذه النهاية التراجيدية التي وصلت إليها البطلة، تفسد مقولة الرواية، وكأنها تحذر<br />
الفتيات من الانغماس في الثقافة والفن، لأنهن سيتحطمن ويقعن في الكوارث، إلا إذا<br />
أرادت الكاتبة أن تدين المثقفين المنحرفين الذين ينتهكون الأخلاق باسم الثقافة والفن،<br />
ويحاكمون الأمور محاكمة خاطئة، تتيح لهم أن يفعلوا ما يشاؤون.<br />
كنا نتوقع أن تعود صفية إلى جزيرتها لتنشر الثقافة والفن فيها، لا أن تنزوي<br />
كفأر مذعور، ولا أن تنتهي عمياء، كأنها عوقبت على جريمة اقترفتها.<br />
وعلى الرغم من أن بعض الدارسين للأدب النسائي في سورية يرون أن هذه<br />
النهاية في تحول صفية إلى عمياء فقأ عينيها طائر الفينيقس يمكن أن يعطي تفاؤلا ً في<br />
38<br />
مستقبل تعود فيه إلى الحياة من جديد إلا أن هذه الرؤية بعيدة ويصعب تحميلها<br />
للرواية لأن المؤلفة قد أسدلت الستار في هذه النهاية على الماضي ووظفته في اتجاه<br />
النسيان.<br />
ونستطيع القول إن هذه النهاية التراجيدية قد شوهت كل المعاني الجميلة التي<br />
مثلتها شخصية صفية الروائية في تكوينها الثقافي والأخلاقي وتوقها إلى الحرية<br />
والإحساس بإنسانيتها.<br />
الشخصيات النسائية الأخرى<br />
57<br />
37<br />
38<br />
المصدر نفسه ص<br />
163<br />
ضويحي، د. هيام: الرواية النسائية في سورية ص<br />
128
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
بستان الكرز:<br />
الشخصية النسائية الثانية في الرواية هي ناديا أخت سونيا، وهي طالبة جامعية<br />
أيضا ً، لكنها مستغرقة في حياتها البورجوازية، متمردة على التقاليد الاجتماعية، لا<br />
تهتم بما يجري حولها، ولا تكلف نفسها عناء معرفته والوقوف على أسبابه، فهي "لا<br />
39<br />
تفهم مثل هذه الأمور، ولا تقيم للنضال أي وزن" .<br />
في بداية الرواية ظهرت ناديا نقيضة لسونيا، لكنها تتعرض لعملية خطف، وت ُجبر<br />
على العمل مذيعة في إذاعة محلية فتبدأ بالتحول، "ولم تعد تحتمل بقاءها حيادية وسلبية<br />
40<br />
وفي لا مبالاة" . فتنقلب على الحياة البورجوازية، "وتحس أن كل ذلك كان سخيفا ً،<br />
وأنه لم يجر على البلاد إلا الدمار والندم والأسى .. ستكون صميمية أكثر ما تكون ..<br />
41<br />
وواقعية أكثر ما تكون، ومرتبطة بأرضها وبلادها أكثر ما تكون" .<br />
وتكمل ناديا مسيرة سونيا بعد موتها من غير فلسفة وتأمل، ومن غير تحليل<br />
سياسي، وربما كانت شخصيتها مستقيمة أكثر من شخصية سونيا، لأن التجربة هي<br />
التي حولتها، وليس الحوار الفكري أو الارتباط العاطفي كما هو شأن سونيا، وكانت<br />
متسقة مع واقعها، ينسجم تفكيرها وموقفها مع موقعها البورجوازي، وينسجم<br />
تصرفها مع طبيعة الحياة في لبنان .<br />
أما شخصية الأم كميلة، فبدت سلبية تماما ً، لم تغير الحرب سلوكها وانشغالها<br />
بجمالها وزينتها ومجتمعها المخملي، لا تهتم إلا بأسرتها، بل إنها لا تبذل جهدا ً للحفاظ<br />
على أبنائها، وتعبر عن رأيها وموقفها بقولها:"لا تهمنا الأحوال ولا البلد، يهمنا<br />
حالنا فقط، لتخرب الدنيا خارج هذا البيت .. ليس لنا علاقة<br />
42<br />
. "<br />
39<br />
40<br />
41<br />
42<br />
كيلاني، قمر: بستان الكرز ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
18<br />
207<br />
208<br />
39<br />
58
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
وبسبب أخطاء زوجها، وخوفا ً من الحرب، تترك بيتها لتعود إلى أهلها، فتأخذها<br />
المصائب إلى التدين، ثم إلى الرهبنة والانقطاع في الدير .<br />
والشخصية السلبية الثانية هي ريتا عشيقة الأب، قدمتها الكاتبة في البداية على<br />
أنها "صافية وعفوية، وما في قلبها دائما ً على شفتيها، ولم تظهر له مرة منذ بدء<br />
43<br />
الحرب أنها تحس بالفارق بين مسلم ومسيحي" . هذه العشيقة تفتح بيتها لأناس<br />
مختلفين في توجهاتهم، يلتقون ويعقدون اجتماعاتهم . هذا الأمر أحنق الأب عليها،<br />
وجعله يشك في سلوكها وفي إخلاصها له، ورآها<br />
جواسيس ومخابرات ..<br />
"<br />
44<br />
وخنقها" .<br />
خائنة وحقيرة وعميلة<br />
تبدو هذه الشخصية مقحمة على الرواية، لا أثر لها في سير الأحداث، وربما<br />
حشرتها الكاتبة في روايتها لترمز بها إلى سلبيات المجتمع، والجانب القاتم للنساء فيه .<br />
وإلى جانب هذه الشخصيات النسائية، ثمة شخصيات أخرى لم تسلط الكاتبة عليها<br />
الضوء، مثل أم نضال المسيحية الفلسطينية، المناضلة الصلبة التي لا تعرف التعب<br />
أو اليأس<br />
45<br />
. ومثل الفتيات الجامعيات اللواتي يغرقن في اللهو العبثي، ويركضن وراء<br />
المتعة بأي شكل وبأي ثمن .<br />
الأشباح:<br />
الشخصية الإيجابية الثانية في الرواية هي الأخت الوسطى هدى، فتاة متعلمة<br />
وموظفة، هادئة ومتزنة، تحمل هم الأسرة وتعيلها، لكنها لا تتعرض للسياسة<br />
. تحب<br />
زميلها في العمل وتتزوجه، وتسافر معه في بعثة تعليمية، ثم تعود لتكون الشخصية<br />
الرئيسية في المنزل، تحل مشاكل أختيها، وتعتني بأمها، ومع ذلك تحمل فكرا ً<br />
اجتماعيا ً، وتعتد بنفسها، ولا تجد فارقا ً بين الرجل والمرأة، فقد عقبت على رغبة أمها<br />
59<br />
43<br />
44<br />
45<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
154<br />
160<br />
46
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
في أن تسكن معها بعد الزواج، ليكون في البيت رجل بقولها:" المسكينة لا تجد حلا ً<br />
سوى أن تزيد عدد أفراد الأسرة، وأن يكون بينهم رجل . أي عقلية ستظل مسيطرة<br />
على الناس في هذه البلاد، الرجل ..<br />
الرجل ..<br />
هو الحامي وهو السيد .. وهو رب<br />
46<br />
الأسرة، ولو كان في العشرين" . فمع وداعتها ترفض أن تكون تابعة للرجل، أو أقل<br />
منه بأي شئ، وترى أن المرأة مؤهلة لتتولى أمورها كالرجل تمام ًا .<br />
وظلت شخصية هدى متوازنة، ولم تتخذ مواقف تخالف طبيعتها، ولم تتكلم بكلام<br />
أعلى من ثقافتها، فلم تظهر تأملا ً وفلسفة وشاعرية، ولم تتناقض آراؤها، فكانت مثال<br />
المرأة العربية المنشودة التي تتعلم وتعمل وتسهم في بناء المجتمع .<br />
أما شخصية سميرة الأخت الكبرى، فهي نموذج المرأة السلبية التي تسير وراء<br />
عواطفها، فيسهل خداعها . فقدت زوجها في الحرب، فوقعت في شباك رجل مخادع<br />
وتزوجته، ومك ّنته من أملاكها وأموالها، ثم نفرت منه بعد اكتشاف خداعه، وعاد<br />
زوجها الهارب من الأسر، فماتت بين يديه .<br />
وصفتها أختها الصغرى ليلى بقولها:" أكره فيك الغرور والميل إلى النواح<br />
47<br />
والضعف، أكره تفكيرك الملتوي . وهي دائمة التوتر والقلق، لا تنام إلا بالحبوب<br />
المهدئة، وعلى عكس أختيها لا تتصور حياتها من غير رجل، لذلك تعد مثالا ً واضحا ً<br />
لبعض النساء اللواتي لا يفكرن إلا في الرجل والزواج، ولا يلتفتن إلى الاستقلال<br />
والاعتماد على أنفسهن، ولا يلقين اهتماما ً لقضايا الوطن السياسية والاجتماعية، ولا<br />
يحاولن أن يك ُن َّ فاعلات ومنتجات في مجتمعهن .<br />
وتبدو شخصية الأم تقليدية تمام ًا . امرأة منهكة من المرض والحزن، تحاول<br />
رعاية أولادها والمحافظة عليهم في مرحلة التحول التي شهدتها الأسرة . مات الأب<br />
وهاجر الابن الأكبر، والتحق الابن الأصغر بالمقاومة، وأُسر صهرها في الحرب<br />
.<br />
46<br />
47<br />
كيلاني، قمر: الأشباح ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
71<br />
48<br />
60
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
وهي طيبة وحنونة، لكنها ليست فاعلة في حياة أبنائها، بل كانت عبئا ً عليهم، قلما<br />
تظهر تصميما ً في مسألة من المسائل . تندب حظها وما آلت إليه أسرتها، مثل قولها:"<br />
كأنما أصبحنا غرباء . أي لعنة تصيب هذا البيت، كل واحد في واد<br />
وبدت ضعيفة تغلبها عواطفها،<br />
48<br />
. "<br />
"<br />
49<br />
موجة وتردها موجة .." .<br />
يقهرها ضعفها، تحس أنها في بحر، تأخذها<br />
وظلت الأم مشدودة إلى الماضي، محافظة على التقاليد، مترددة، ومحاورة<br />
للآخرين . وفي حوارها تتكشف الشخصيات الأخرى . فكثير من أوصاف بناتها يأتي<br />
على لسانها، فكانت عاملا ً مساعدا ً على كشف الوقائع وأثرها . ولا جديد في تكوينها،<br />
فلم تخرج عن الصورة النمطية للأم في الرواية العربية .<br />
وهناك شخصية مساعدة أخرى، هي الخادمة حسنا التي تظهر فجأة وتختفي<br />
50<br />
فجأة،"تأتي إلى البيت بعد انقطاع، شاحبة ومريضة وتجر رجليها جرا ً" .<br />
وهي مثل شخصية الأم، اتخذتها الكاتبة حلا ً لبعض إشكالات الرواية، مثل اللجوء<br />
إلى بيتها، ومثل إظهار سوء ياسر المخادع، فقد وصفته بقولها:"إنه دنيء، وحقير، ولا<br />
51<br />
يساوي قشرة بصلة، لو طاوعته يوم استفرد بي في البيت القديم لمزقني مثل ذئب" .<br />
ودلالات هذه الشخصية محدودة، رمزت بها الكاتبة إلى فئة من النساء اللواتي<br />
يعانين الفقر، وأشارت إلى أن العائلة كانت ميسورة الحال، لديها خدم، وكشفت مدى<br />
وضاعة ياسر خطيب الأخت الكبرى سميرة .<br />
طائر النار:<br />
61<br />
48<br />
49<br />
50<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
17<br />
145<br />
147<br />
51<br />
المصدر نفسه ص165
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
الشخصية النسائية الثانية في الرواية هي ناجية، بدت باهتة الملامح، كانت تأتي<br />
إلى الجزيرة وتساعد البطلة صفية، وقد سبقتها إلى العاصمة، فنجحت هناك وأصبحت<br />
ممثلة، ولم تدر في فلك المخرج سمير على الرغم من علاقتها به<br />
. وليس لهذه<br />
الشخصية خط واضح مستقيم، وإنما هي شخصية مساعدة، تظهر فجأة، وتغيب عن<br />
خط الرواية طويلا ً، لا تحمل معاني ودلالات، فلا تبدو انتهازية ولا صاحبة موقف .<br />
وإلى جانبها شخصيات نسائية غامضة، مثل العمة التي تحتضن البطلة، تحنو<br />
عليها وتؤنبها، ومثل المرأة العجوز التي سكنت البطلة عندها في المدينة، ساعدتها ثم<br />
ضاقت بتصرفاتها، وكذلك أم المخرج سمير التي استضافت البطلة في بيتها<br />
شخصيات غير مؤثرة، لا تمثل سوى الطيبة التي عرفت بها المرأة العربية .<br />
ملاحظات<br />
بستان الكرز:<br />
. وكلها<br />
..<br />
مما يلفت الانتباه في صورة المرأة في هذه الرواية موقف قائد التنظيم الثوري<br />
الذي تلتحق به البطلة، فقد قالت عنه الكاتبة:"وبالنسبة للنساء، فالأمر أصعب، لأن<br />
القائد العام لا يثق كثيرا ً بهن والمرأة نبع العواطف الذي لا ينضب، فكيف تكون<br />
مناضلة حقيقية؟ في رأيه أن نضال المرأة الفعلي إنما هو في البيت ..<br />
52<br />
مع أولادها" .<br />
هذا الرأي لا يمكن أن يصدر عن قائد تنظيم ثوري، يناضل من أجل استرجاع<br />
وطنه، وهو يحتاج إلى كل جهد مهما هان شأنه للوصول إلى هدفه . ولم تكن الأفكار<br />
الأصولية قد شاعت آنذاك، وكانت التنظيمات الثورية تميل نحو اليسار، والمرأة<br />
موجودة في كل التنظيمات وفي مختلف المواقع .<br />
أرادت الكاتبة أن تظهر رأيا ً اجتماعيا ً سائدا ً، فأخطأت تحميله لشخصية القائد،<br />
وكان من الطبيعي أن تحمله لشخصية مناسبة من الفئات الاجتماعية التي تردده .<br />
52<br />
كيلاني، قمر: بستان الكرز ص<br />
62<br />
62
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
وكذلك الرأي في الفئة التي تدينها الكاتبة والمتمثلة في ريتا عشيقة الأب، فقد<br />
عق ّبت على استقبالها لبعض الرجال في بيتها على لسان عشيقها بالقول:"ما أوهى<br />
53<br />
إخلاص هؤلاء النسوة، مثل خيط العنكبوت" .<br />
وكان يمكن أن تخصص الرأي في ريتا فقط ولا تعممه، والعجيب أن يصدر هذا<br />
الرأي من رجل يخون زوجته، ويتخذ عشيقة، ولا يعرف معنى الإخلاص .<br />
أما علاقة المرأة بالرجل في الرواية، فبدت غامضة، تتبعه مرة بدافع الحب<br />
والالتقاء الفكري مثل البطلة سونيا، وتتركه مرة أخرى لخيانته مثل الأم، وتشاركه<br />
حينا ً في مباذله مثل فتيات ال<strong>جامعة</strong>، وترضى أن تكون عشيقة من أجل المال مثل ريتا .<br />
فالرجل في الرواية مؤثر في حياة النساء ومصائرهن، ولم نجد هذا التأثير من<br />
النساء في حياة الرجال ومصائرهم . ومع ذلك فالشخصيات النسائية هي الرئيسية في<br />
الرواية، وشخصيات الرجال ثانوية مساعدة، وهذا أمر طبيعي من روائية تريد رد<br />
الاعتبار للمرأة في الرواية .<br />
وقد أفلتت الكاتبة من تشويه العلاقة بين المرأة والرجل، التي دأبت الكاتبات<br />
على تصويرها نتيجة شعورهن بالاضطهاد،<br />
"<br />
ففي جميع الروايات تقريبا ً، تطغى<br />
البطلة على كل شئ، ويقف إلى جانبها الشبح الرجل الذي يفترض أنها تحبه وأنه لم<br />
يكن من المستوى المطلوب<br />
54<br />
. "<br />
ومن آراء الكاتبة التي افتقرت إلى الإقناع، مساواتها بين جميع الفئات المتصارعة<br />
في لبنان، وكأنها كانت كلها على خطأ، وأنها اشتركت في الحرب الأهلية بتخطيط<br />
وتصور مسبقين . وربما فعلت ذلك خشية أن تظهر متحيزة لطرف من الأطراف،<br />
ولتنأى بروايتها عن الانحياز لفريق دون فريق، فتظل مقبولة من الأطراف كلها،<br />
63<br />
53<br />
54<br />
ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
155<br />
الخطيب، د. حسام: حول الرواية النسائية في سورية، مجلة المعرفة عدد<br />
166 ص 80 وعدد 169<br />
87
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
وجاء ذلك على حساب الحقيقة والمنطق، إذ كل حرب، فيها معتد ومعتدى عليه،<br />
ومواقف خاطئة ومواقف صحيحة، ولا يمكن أن تقوم حرب بين أشرار فقط .<br />
وربما عاد هذا الموقف إلى أن الكاتبة لم تخض تجربة الحرب الأهلية اللبنانية،<br />
ولم تعش أجواءها، وجمعت معلوماتها وانطباعاتها عن تلك الحرب من حديثها مع<br />
55<br />
الآخرين ومن وسائل الإعلام . أو لأنها كتبت الرواية في بداية الحرب، ولم تكن<br />
ملامحها قد اتضحت بعد، ولم تعلن أهداف المشاركين فيها الأمر الذي قد يسبب خللا<br />
في الرواية عند الأديب ويدخل التناقض على أحكامه ونتائجه قبل انجلاء حقيقة الحرب<br />
وتحول أحداثها ونتائجها إلى مكونات فنية روائية ناجحة .<br />
لقد حاولت الكاتبة استدراك هذا القصور في الرؤية بالتقديم والخاتمة، حتى لا<br />
يساء تأويل مقولاتها، فبدأت الرواية بإضاءة، قالت فيها:" إلى لبنان .. لبنان الحب<br />
والجمال والفرح، ثم .. لبنان الدمع<br />
56<br />
" . تشير بذلك إلى أن الحرب الأهلية أفسدت<br />
لبنان، وحولت المعاني الجميلة التي يمثلها إلى معان مشوهة وصور وحشية وحزن<br />
عميق .<br />
وتركت الخاتمة مفتوحة، تحمل إدانة واضحة للحرب، قالت فيها:"وما تزال<br />
57<br />
صفحات من حرب دامية حمراء، تنتظر ك ُتب الاعمار البيضاء" .<br />
أما حوار الشخصيات، فإنه غالبا ً لا يستقيم كثيرا ً مع طبيعة الشخصية، وإنما هو<br />
حديث الكاتبة المثقل بمعارفها وشاعريتها، كالحديث السياسي الذي أجرته على لسان<br />
البطلة:" سوف يعرف الفلسطينيون أن لبنان أعطاهم الحماية والرعاية مغموسة مع<br />
اللقمة ونسمة الحياة، فعليهم أن يكونوا أشد حرصا ً على وجودهم لبنانيا ً من وجودهم<br />
55<br />
56<br />
57<br />
الفيصل، د. سمر روحي: ملامح في الرواية السورية ص<br />
كيلاني، قمر: بستان الكرز ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
501<br />
50<br />
286<br />
64
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
58<br />
فلسطينيا ً أو عربي ًا" . فلا يمكن أن يصدر هذا الكلام عن طالبة جامعية، وإنما هو<br />
حديث قائد سياسي أو محلل سياسي . وجزؤه الثاني ليس له معنى، فما المقصود من<br />
الحرص على وجودهم لبنانيا ً أكثر من وجودهم فلسطينيا ً أو عربيا ً؟ أهو الانغماس في<br />
الصراع اللبناني أم تحاشيه؟<br />
ومثل تلك العبارات الشعرية التي أجرتها على لسان البطلة، كوصفها للأستاذ<br />
الجامعي المشبوه بقولها:"هذه الوحوش الحضارية المعط ّرة الأنيقة" أو ردها<br />
على حبيبها بقولها:"الناس يتساقطون مثل ثمار فجة مرة، وهو يتحدث عن قطاف<br />
59<br />
الحب" . وهذا كلام لا تقوله إلا أديبة متمرسة، لها فيض شاعري ولغة منمقة، وليت<br />
الكاتبة جعلت البطلة أديبة أو شاعرة، حتى يستقيم كلامها مع شخصيتها، وتجد مخرج ًا<br />
لهذا الميل إلى الوصف والشاعرية في حوارها وسردها، لأن الكاتبة ت ُداخل بين<br />
حديثها عن الشخصيات وحديث الشخصيات عن نفسها، فلا يتميز السرد من الحوار<br />
الداخلي، ولا يتميز ما هو تقديم للشخصية ومناجاتها لنفسها من التعقيب على الحدث<br />
والموقف، كقولها:" كل عيار ناري يغتال بسمة<br />
أفاعٍ باضت وفق ّست ..<br />
..<br />
وكل انفجار يفترس فرحا ً، وللفزع<br />
60<br />
وملأت كل بساتين التفاح والكرز، وكل الجبال والكروم" .<br />
وكذلك وصفها تحول ناديا من فتاة طائشة إلى فتاة واعية بقولها:" الثالث من<br />
آذار عيد ميلاد ناديا . كانت خيوط الشرنقة قد تمزقت، ولم يبق إلا خيط وتنطلق<br />
الفراشة إلى النور، وتفرد جناحيها لتطير إلى العالم الرحب<br />
61<br />
اللهب، ربما يفترسها طائر الوحش .." .<br />
. ربما تحرق جناحيها من<br />
65<br />
58<br />
59<br />
60<br />
61<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
8<br />
14<br />
24<br />
206
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
إن المفارقة بين الشخصية وكلامها نابعة من طبيعة السرد الذي اتبعته الكاتبة في<br />
روايتها، فإنها تتحدث عن الشخصية وبلسانها، فلم تستطع الانسحاب من الشخصية<br />
في الوقت المناسب، وظل اندماجها مع الشخصية مستمرا ً، فلم تتنبه على خصوصية<br />
الشخصية ومستواها الفكري . وقد أدى هذا كله إلى اضطراب في رسم بعض<br />
الشخصيات النسائية وفي بعض مواقفها، مما أفقدها شيئا ً من الصدق الفني، وخاصة<br />
في ظل بناء روائي أضرت به الإطالة والإفراط في التحليل والتعقيب وتخيل أماكن<br />
وأحداث لم تخدم الرواية فنيا ً أو فكريا ً، فلم تصبح الرواية معادلا ً موضوعيا ً للمقولات<br />
الفكرية التي أرادت الكاتبة توصيلها إلى المتلقي .<br />
وقالت الكاتبة عن شخصياتها:"شخصيات رواياتي ليست مبهرة .. ولا ساطعة، ولا<br />
نماذج، بل هي صور في الحياة من حولنا<br />
..<br />
نساء واقعيات<br />
وإن كن .. بسيطات ..<br />
بمعنى ما بطلات وطنيات أو قوميات أو حتى اجتماعيات أو منتصرات بطريقة أو<br />
بأخرى على ذواتهن .."وأضافت قائلة:" المهم في الشخصيات عندي أيضا ً ليس في<br />
تشابهها أو توافقها أو تطابقها مع الحياة، بل أن تكون هي نفسها نابضة بالحياة ليس<br />
المهم أن تكون قد عاشت فعلا ً بل يمكن أن تعيش أو أن نراها بيننا، وهي تحمل<br />
..<br />
..<br />
سماتها وملامحها . ويبقى السؤال: أين أنا من هذه الشخصيات؟ هل أشبه هذه أو تلك؟<br />
الحقيقة أنهن لسن أنا، إنما في كل واحدة منهن بعض مني من ملمح من ملامح<br />
62<br />
شخصيتي، فكرة من أفكاري .<br />
..<br />
لقد حاولت الكاتبة أن تقدم الأمثلة المختلفة للمرأة العربية في هذه الرواية، وأن<br />
تعرض الآراء السائدة حولها، والمواقف المتناقضة التي تتنازعها، فقدمت الفتاة المثقفة<br />
المناضلة، والفتاة التي لا تهتم إلا بقشور الحضارة، والمرأة المناضلة والمرأة التي<br />
تدور حول ذاتها، والمرأة الطاهرة التقية والمرأة المومس، فحالفها النجاح مرة،<br />
وخالفها أخرى .<br />
62<br />
كيلاني، قمر: تجربتي في الرواية، مجلة دراسات اشتراكية، عدد<br />
183-182 ص 456<br />
66
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
الأشباح:<br />
إذا استثنينا ليلى بطلة الرواية، نجد جميع الشخصيات النسائية أقرب إلى الواقع<br />
في محاسنها ومساوئها . سميرة الجميلة غير المثقفة التي لا ترى حياتها بعيدا ً عن<br />
الرجل، وهدى المثقفة العاملة التي لا تتنطع ولا تتدخل في السياسة، والأم الضعيفة<br />
المترددة، والخادمة حسنا التي لا تمتلك من أمر نفسها شيئ ًا .<br />
والواضح أن الكاتبة لم تصرف جهدها نحو رسم متقن للشخصيات، وإنما لاحقت<br />
أحداثا ً كثيرة متشابهة ومتخيلة عن حركة الأشباح في البيت القديم<br />
. ويبدو أنها شعرت<br />
بتفكك الرواية قبل طبعها، فاعتذرت لذلك بكتابة همسة صغيرة بلغة شاعرية مبهمة،<br />
حاولت فيها أن تظهر ملابسات كتابة الرواية، وتسويغ ضبابيتها وفجوات بنائها الفني<br />
وغموض مقولتها، قالت فيها:"المهم أنني حاولت أن أُلملم كل الأجزاء التي كانت<br />
مبعثرة أمامي حتى صنعت منها عملا ً فنيا ً، له خصائصه المعينة ..<br />
لقد حاولت الكاتبة تبسيط الأمور،<br />
في تناول الأحداث<br />
63<br />
وأهدافه المعينة" .<br />
"<br />
64<br />
. "<br />
فنتج عن التبسيط نوع من السطحية الانفعالية<br />
ومما أضر بمصداقية الشخصيات إنطاقها بكلام لا يعقل أن يصدر عنها، أو أنه<br />
يحمل مباشرة في طرح الآراء السياسية، مثل الحوار بين أحمد وأخته ليلى:<br />
" وأنا تعلمت أن الدوافع الفردية السلبية ليست حافزا ً للنضال، بل هي من عيوبه<br />
ألم تقل لي مرة: إن علينا أن ننسى من نحن؟<br />
ننسى من نحن .. صحيح ..<br />
65<br />
دون أن ننسى ما الذي يكون هذه النحن" .<br />
.<br />
فهذا كلام غامض، لا يصح عند التدقيق، فكيف يمكن الفصل في المقاومة بين<br />
الدوافع الفردية والدوافع الجماعية، وماذا يمكن أن تكون الدوافع الفردية؟ أهي الالتحاق<br />
67<br />
63<br />
64<br />
65<br />
كيلاني، قمر: الأشباح ص<br />
10<br />
ماضي، شكري: انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية ص<br />
كيلاني، قمر: الأشباح ص<br />
42<br />
184
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
بالمقاومة لأن الأخ أو الحبيب التحق بها؟ أم لأن المرء قد يكون فقد في العدوان<br />
حبيبا ً أو بيتا ً، يريد الثأر للضحية واسترجاع المغتصب؟ ثم كيف ننسى شخصيتنا، ولا<br />
ننسى مقومات هذه الشخصية؟<br />
ويستغرب في هذه الرواية بعض الوقائع والمواقف التي ذكرتها الكاتبة، أو جاءت<br />
في الحوار، مثل وقوف الحكومة ضد المقاومة للعدوان الصهيوني، ومثل تقريبها بين<br />
مكان الرواية، وهو ضاحية ل<strong>دمشق</strong> وبين الجولان وفلسطين، حتى يذهب الفدائيون إلى<br />
عملياتهم ضد العدو، ويعودون بسرعة وبساطة، أو أن يتسلل إلى المكان عملاء العدو<br />
الصهيوني . وكذلك وجود جماعات مشبوهة، مثل جماعة ياسر الفرحان، وهو ضابط<br />
سابق في الجيش، قالت عنها على لسان إحدى الشخصيات:" ياسر ليس موثوقا ً هو<br />
66<br />
وزمرته، إنهم يدعون للصلح مع العدو، وينظمون الحملات ضد الحرب والمقاومة" .<br />
وجاء في حوار بين أحمد ويوسف الهارب من الأسر:<br />
" ومن كان عضو الارتباط بينكم وبين العدو حتى هربتم؟<br />
ياسر الفرحان وجماعته، ظلوا ثلاثة أشهر يوهمونني أن الحكومة لا توافق على<br />
67<br />
هربي" .<br />
ربما أرادت عضو الارتباط مع الحكومة وليس مع العدو، ولم تتنبه على ذلك،<br />
فهذا كلام لا معنى له، وهذه وقائع من العجائب والغرائب التي نسجها خيال الكاتبة،<br />
فهي لا تستقيم مع الواقع الحقيقي أو المفترض، ولا مع منطق الرواية نفسها . فكأن<br />
الكاتبة انطلقت من الأفكار المسبقة إلى الرواية، ولم تحاول تحليل المجتمع الروائي<br />
لتخلصه من التناقض ومن انحرافه عن الواقع . وهذا يثبت أن الروائية شاركت<br />
الروائيين الآخرين الذين تعاملوا مع الواقع<br />
"<br />
تعاملا ً ذهنيا ً، فلم يتعرفوه، ولم يحاولوا<br />
66<br />
67<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
112<br />
222<br />
68
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
تحليله لمعرفة جوهره<br />
..<br />
68<br />
إلى الواقع" .<br />
لم ينطلقوا من الواقع إلى أذهانهم، وإنما انطلقوا من أذهانهم<br />
وحاولت الكاتبة تخفيف وقع الأحداث القاسية والكلام السياسي المباشر على<br />
المتلقي بالوصف والعبارات الشعرية البديعة عند تقديم الشخصيات أو إنطاقها، مثل<br />
وصفها لمرض الأم بقولها:" ينسحب لون الأم حتى يغدو شمعيا ً، تضطرب أنفاسها،<br />
ويرتمي رأسها مثل ثمرة ذابلة<br />
بقولها:"<br />
69<br />
" . ووصفها لجلوس الفتاتين إلى جانب سرير الأم<br />
70<br />
مثل قطتين لبثتا تحت أقدام السرير" . ووصفها لحال الأسرة بقولها:"القلق<br />
71<br />
يحوم حول أفراد الأسرة مثل طائر حبيس" ووصفها لهدى بعد الخطوبة:"سعادتها<br />
72<br />
هادئة ناعمة، تشربها كما لو أنها ماء عذب ضروري للحياة" . ووصفها لهدى<br />
73<br />
وخطيبها بقولها:"تتفتح مشاعرهما مثل زهور برية" .<br />
هذه عبارات جميلة تفيض بالدلالات والأحاسيس المرهفة، وتؤدي مهمة حيوية<br />
في الرواية، فهي تنتقل بالأحداث وتبرز المشاعر وتمتع المتلقي .<br />
إن رفع شأن المرأة العربية لا يعني تخيل نساء ليس لهن ظل في الواقع،<br />
شخصياتهن مفككة، وحوارهن مثقل بالمباشرة أو مفتقر إلى الانسجام معهن، وهذا ما<br />
توحي به شخصية البطلة الصغيرة التي حازت الجزء الأكبر من الرواية<br />
. أما<br />
الشخصيات النسائية الأخرى، فهي الشائعة في الرواية العربية، وإن بدت ملامحها<br />
69<br />
68<br />
69<br />
70<br />
71<br />
72<br />
73<br />
الفيصل، د. سمر روحي: الاتجاه الواقعي ص<br />
كيلاني، قمر: الأشباح ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
316<br />
19<br />
21<br />
45<br />
81<br />
85
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
باهتة، ليس لها خصوصية أو تميز، وكأن كل شخصية تجسيد لفكرة قبل أن تكون<br />
كائنا ً حيا ً يتحرك على الورق .<br />
لقد ظل الرجل مؤثرا ً في حياة النساء على الرغم من إظهار بعضهن الرغبة في<br />
الابتعاد عن هذا التأثير والانطلاق في مواقفهن من قناعتهن الخاصة، وامتلاك قرارهن<br />
ومصائرهن .<br />
طائر النار:<br />
حملت الكاتبة بطلة الرواية ثقافتها ومعرفتها في الأدب والفلسفة وعلم النفس، ولا<br />
ندري كيف استطاعت فتاة لا يتعدى تعليمها الثانوية أن تصل بسرعة إلى ثقافة عالية<br />
من قراءتها ومن حوارها مع المثقفين حتى تقول:" وعدت أحمل صخرة عذابي،<br />
74<br />
وأصعد بها جبل سيزيف" .<br />
بل ناقشت الكاتبة عبر شخصياتها مسائل ثقافية دقيقة وعميقة، وبعض هذه<br />
المسائل مستهجن، مثل الحديث الذي أجرته على لسان المخرج السينمائي سمير،<br />
وتوجه به إلى البطلة البسيطة عن الشعر العربي، وجاء فيه:"أضعنا ف ُرص ارتقاء<br />
75<br />
الفلسفة وتطور العلم من أجل أن نحافظ على الشعر" .<br />
"نحن لا نملك سوى هذا الشعر يعيدنا إلى عالمنا الماضي، لا نملك آثارا ً<br />
..<br />
فنون ًا ..<br />
ولا لوحات ..<br />
76<br />
افتقارنا إلى الأوابد لا يعوضه إلا هذا الشعر" .<br />
هذا الرأي يثير العجب والاستغراب<br />
ولا<br />
. هل أوقف الشعر العربي تقدم الفلسفة<br />
العربية الإسلامية؟ وأين ذهب الفلاسفة العرب والمسلمون الكبار الذين يعدون في<br />
أعلام الفلسفة في العالم؟ ألم يأخذوا فلسفات الأمم السابقة ويضيفوا عليها؟<br />
74<br />
75<br />
76<br />
كيلاني، قمر: طائر النار ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
المصدر نفسه ص<br />
122<br />
46<br />
99<br />
70
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
يبدو أن الكاتبة تقف بالشعر عند العصر الجاهلي الذي لم يترك لنا آثارا ً ملموسة،<br />
وتجاهلت العصور اللاحقة التي ترك العرب فيها آثارا ً عظيمة وأوابد هائلة في العمارة<br />
والزخرفة، وكذلك في فن الموسيقا وسواه، إلى جانب الشعر وفنون النثر التي<br />
تجاوزت الشعر الجاهلي في مضمونها وأساليبها .<br />
وعلى الرغم من تمرد البطلة وسعيها إلى حياة أفضل، وجرأتها في ارتياد عوالم<br />
بعيدة عنها، فإنها لم تحقق استقلالها عن الرجل في أي مرحلة من مراحل حياتها،<br />
وكذلك بقية الشخصيات النسائية في الرواية، بل إن مصائرهن ظلت مرتهنة بأمر<br />
الرجل، وهو ما يخالف التوجه الذي أرادته الكاتبة، حين دعت إلى الانعتاق من أسر<br />
التقاليد، وممارسة المرأة لحريتها في اختيار مصيرها . وتأكد ذلك في النهاية التي<br />
صارت إليها البطلة .<br />
خاتمة<br />
من الطبيعي أن تجعل الكاتبة أبطال رواياتها من النساء، لأنها تحمل قضية المرأة<br />
العربية، التي ت ُنتقض حقوقها، وت ُهدر إمكاناتها، لكن ذلك لا يعني إهمال الرجال،<br />
وإظهارهم في كثير من الأحيان شخصيات ثانوية ، مهمتها كشف توجه المرأة<br />
وأرائها.<br />
وعناية الروائية بالشخصيات النسائية أمر إيجابي بذاته، ولاسيما حين قدمت<br />
معظم توجهات النساء ومواقعهن، ولكن حماستها جعلتها تضفي على بطلاتها هالة من<br />
الكمال، وظنت أن المثال القادر على التغيير هو الفتاة الشابة التي لم تكمل دراستها<br />
بعد، بسبب حيوية الشباب واندفاعه، وهذا ليس صحيحا ً، فالنساء القادرات على التغيير<br />
هن صاحبات الثقافة العالية والتجربة الغنية في الحياة.<br />
واختارت الكاتبة بطلاتها من واقع حروب أو من مواقع بعيدة عنها، فزجت نفسها في<br />
عوالم لا خبرة لها فيها، لذلك افتقد تشكيل الشخصيات الإقناع، وزاد في ذلك تحميل<br />
البطلات ثقافتها وآراءها من غير مراعاة لطبيعة الشخصية وثقافتها.<br />
71
المرأة في رواية قمر كيلاني<br />
وقد وضعت الشخصيات النسائية في بحر من الأحداث المتماثلة، وأغرقتها في سيل<br />
من التحاليل والتعقيب والتأمل، كان يمكن أن يختصر ذلك كله ويكث ّف، ويكتفى منه<br />
بالحدث ذي الدلالة، ولذلك كث ُرت عندها المصادفة والمفاجأة ولعبة المذكرات التي<br />
اتخذتها حلا ً لمشكلات الحبكة الروائية .<br />
ومع ذلك حاولت الروائية في تجربتها الروائية أن تعطي المرأة حقها من الاهتمام<br />
والتقدير، وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية، فنجحت في معظم<br />
مقولاتها وفي التعبير الروائي الفني عنها، وأخفقت في قليل منها، لهذا تعد الكاتبة من<br />
الروائيات العربيات الرائدات اللواتي سعين إلى إعطاء المرأة حقها، وتصحيح<br />
صورتها في الرواية العربية.<br />
72
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
فادية المليح حلواني<br />
المصادر والمراجع<br />
•<br />
عدد<br />
أبو هيف، عبد االله: مصادر دراسة المرأة والأدب في سورية، الموقف الأدبي<br />
180 نيسان 1986 ص . 45<br />
•<br />
الخطيب، د. حسام: حول الرواية النسائية في سورية، مجلة<br />
المعرفة عدد 166 كانون الأول 1975 م والعدد<br />
169 آذار 1976 م .<br />
•<br />
شعبان، د. بثينة: مئة عام من الرواية النسائية العربية . دار الآداب<br />
– بيروت –<br />
2000 م<br />
•<br />
– 1992 م .<br />
ضويحي، د. هيام: الرواية النسائية في سورية، <strong>دمشق</strong> مطبعة العجلوني، ط<br />
1<br />
•<br />
فراج، عفيف: الحرية في أدب المرأة، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، ط2<br />
–<br />
1980 م .<br />
•<br />
الفيصل، د. سمر روحي: الاتجاه الواقعي في الرواية السورية، اتحاد الكتاب<br />
العرب <strong>دمشق</strong><br />
كيلاني، قمر:<br />
الأشباح، رواية .المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع- طرابلس-<br />
- بستان الكرز، رواية .اتحاد الكتاب العرب<br />
تجربتي في الرواية، مجلة دراسات اشتراكية، العدد<br />
آذار ونيسان وأيار وحزيران<br />
طائر النار، رواية . اتحاد الكتاب العرب<br />
ملامح في الرواية السورية، اتحاد الكتاب العرب، <strong>دمشق</strong><br />
ماضي، شكري: انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية، المؤسسة<br />
العربية للدراسات والنشر، بيروت<br />
1980<br />
1977<br />
– 183-182<br />
– <strong>دمشق</strong><br />
– <strong>دمشق</strong> - 1981<br />
1979 م .<br />
.<br />
2000 م .<br />
1978 م .<br />
1986 م .<br />
•<br />
-<br />
-<br />
-<br />
•<br />
تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />
.2003/5/7<br />
73