26.04.2015 Views

ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق

ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق

ﺍﻟﻤﺭﺃﺓ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻴﺔ ﻗﻤﺭ ﻜﻴﻼﻨﻲ - جامعة دمشق

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

*<br />

الدكتورة فادية المليح حلواني<br />

ملخص<br />

تعد الكاتبة قمر كيلاني في أبرز الروائيات العربياتا للواتي سعين إلى إعطاء<br />

المرأة حقها وتصحيح صورتها في الرواية،‏ لذلك أسندت الكاتبة بطولة رواياتها إلى<br />

نساء من مواقع واتجاهات مختلفة.‏ لكن حماستها لقضية المرأة ورغبتها القوية في<br />

إنصافها جعلاها تضفي على بطلاتها هالة من الكمال مع إهمال الرجال في المجتمع<br />

الروائي.‏<br />

واختارت الكاتبة بطلاتها من واقع حروب أو من مواقع بعيدة عنها،‏ فافتقدت<br />

الإقناع والصدق الفني،‏ وزاد في ذلك تحميلهن ثقافتها وآراءها من غير مراعاة لطبيعة<br />

الشخصية ومستواها الثقافي.‏<br />

لقد حاولت الكاتبة في تجربتها الروائية أن تعطي المرأة حقها من الاهتمام<br />

والتقدير،‏ وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية،‏ فكانت رائدة في<br />

محاولتها الروائية هذه ومتميزة في استخدام مقومات العمل الروائي.‏<br />

41<br />

*<br />

قسم اللغة العربية وآدابها – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong>


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

صورة المرأة العربية في الرواية :<br />

دأبت المثقفات العربيات على انتقاد صورة المرأة العربية في الرواية،‏ واتهمن<br />

الروائيين بالانحياز ضد المرأة وتشويه حقيقتها باختيار الأمثلة السيئة في رواياتهم،‏<br />

وترديد الآراء التقليدية الشائعة حولها،‏ التي تنتقص قدرها وإنسانيتها.‏ فأغلب بطلات<br />

الروايات العربية في النصف الأول من القرن العشرين<br />

لا يهتممن بالشأن العام،‏ ولا<br />

يحملن قضية يناضلن من أجلها،‏ ولا يمتلكن الوعي الكافي ليك ُن مؤثرات في محيطهن،‏<br />

ليس لهن هدف ولا رسالة في الحياة،‏ غايتهن إرضاء الرجل وتحقيق رغباتهن<br />

الذاتية،‏ وإذا تمردت إحداهن كان تمردها في الخيانة أو امتهان الأعمال المشينة.‏<br />

‏(فالروائيون جعلوا المرأة تابعة للرجل..‏ وهو الذي يعمل ويفكر ويخطط ويقوم بالنشاط<br />

السياسي<br />

1<br />

. (<br />

وأرجعت الناقدات ذلك إلى الرواسب القديمة المتخلفة في نفس الرجل العربي،‏<br />

الذي لا يريد أن تساويه المرأة،‏ بل أن تظل تابعة له . وإلى جهل الرجل لنفس المرأة<br />

وعواطفها ونوازعها وطرائق محاكمتها للأمور . لذلك دعت المثقفات العربيات إلى<br />

أن تنهض المرأة بالتعبير عن نفسها،‏ وعرض آلامها وآمالها في أعمال أدبية تبدعها،‏<br />

تظهر فيها المرأة العربية كائنا ً إنسانيا ً،‏ لها عقل مفكر وأهداف سامية،‏ ولها تطلعاتها<br />

المشروعة لتكون فاعلة في المجتمع،‏ تشارك في بنائه وتقدمه،‏ فيكون الأدب محرضا ً<br />

للرجل والمرأة معا ً على تغيير طبيعة العلاقة بينهما،‏ فتنتقل من التبعية إلى المشاركة<br />

المتساوية،‏ ومن الامتهان والاحتقار إلى الاحترام،‏ ومن الشك والريبة إلى الثقة<br />

والتعاون .<br />

حاولت الروائيات العربيات تقديم أمثلة مشرقة للمرأة العربية،‏ وحرصن على<br />

رسم صورة المرأة القوية صاحبة المبادئ،‏ والمناضلة من أجل ما تؤمن به،والساعية<br />

إلى التحرر من التخلف والنظرة الدونية إليها.‏ المرأة المعتمدة على عقلها أكثر من<br />

1<br />

الفيصل،‏ د.‏ سمر روحي:‏ الاتجاه الواقعي في الرواية السورية ص<br />

.153<br />

42


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

اعتمادها على جسدها،‏ والقادرة على التأثير الإيجابي فيمن حولها،‏ والممسكة<br />

بمصيرها بعد أن كان الرجل هو المتحكم الوحيد فيه.‏<br />

وقد نجحت أكثر الروائيات في مسعاهن هذا بالرغم من غلبة الحماسة عليهن<br />

في حالات كثيرة وفي إفراطهن في التهوين من أمر الرجل ومن دوره التكاملي حتى<br />

وصل الأمر ببعض بطلاتهن إلى تشكيل صورة بعيدة عن الواقع أو خارجة عنه مما<br />

أضعف من التأثير الإيجابي للرواية وجعلها تبدو وكأنها خارجة عن العقلانية أو عن<br />

حركة التطور الطبيعي.‏<br />

إلا أن ذلك لا يلغي التأثير الإيجابي لأعمالهن الروائية ولا سيما في التنبيه على<br />

أهمية تغيير صورة المرأة والنظرة إليها،‏ والدعوة إلى مشاركتها في بناء مجتمع جديد<br />

يكون فيه للمرأة مكانة متميزة تؤهلها للتأثير في جوانب الحياة المختلفة.‏<br />

وبهذا صارت الرواية العربية التي يكتبها الرجل والمرأة ميدانا ً فسيحا ً للكشف عن<br />

نوازع المرأة وأفكارها وقدرتها على الإبداع والعطاء .<br />

قمر كيلاني والمرأة في رواياتها:‏<br />

قمر كيلاني أديبة قصصية روائية،‏ قدمت فيضا ً من المجموعات القصصية<br />

والروايات،‏ حتى أصبحت إحدى أهم الروائيات العربيات في سورية .<br />

جعلت قمر كيلاني المرأة محور إبداعها الروائي،‏ لأن الرواية تتيح لها بمساحتها<br />

المفتوحة أن تعرض بحرية رؤيتها للمرأة العربية كما هي في الواقع،‏ أو كما تريدها<br />

أن تكون . فاهتمت بالشخصيات النسائية،‏ وأسندت إليها البطولة المطلقة في رواياتها<br />

كلها،‏ وحملتها أفكارها ومشاعرها،‏ ودخلت نفوس بطلاتها لتخرج بمكنوناتها<br />

. فكانت<br />

معظم شخصيات رواياتها نسائية،‏ تحتل مساحة الرواية كلها تقريبا ً،‏ وظل الرجل عاملا ً<br />

مساعدا ً على تطور الشخصية النسائية سلبا ً أو إيجابا ً،‏ وكأنها بهذا الاهتمام الكبير<br />

بالمرأة تعيد إليها مكانتها المهدورة روائي ًا . وهي ليست متفردة في هذا الاتجاه،‏ ‏(فأكثر<br />

43


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

نتاج الأديبات قبل أعوام كان لا يدور إلا حول موضوع المرأة وحريتها وتمردها<br />

2<br />

وقلقها)‏ .<br />

وصرحت قمر كيلاني بذلك فقالت:"‏ يقول النقاد إن أغلب شخصياتي الروائية هن<br />

من النساء . هذا لم أكن أتعمده قط .. ولم أفكر فيه .. لكنه جاء هكذا،‏ وأنا لا أنفي هذه<br />

النظرة أو المقولة،‏ وإنما أعني أن العمل الإبداعي يفرض نفسه<br />

..<br />

وأنا ألست امرأة<br />

وأقدر على تقصي مشاعر المرأة وتوجهاتها والحكم على تصرفاتها في الرواية؟ بل<br />

ألست الأقدر على فهمها ووضعها في مكانها المناسب<br />

3<br />

. "<br />

لذلك قدمت في رواياتها المرأة المناضلة والمنغمسة بالشأن العام<br />

في رأيي هن بطلات رواياتها:‏ بستان الكرز وطائر النار والأشباح .<br />

. وأبرز بطلاتها<br />

تنوعت الشخصيات النسائية في روايات قمر كيلاني،‏ فامتدت على مساحة<br />

مجتمع المدينة،‏ لكنها لم تتطرق إلى المرأة الريفية . ربما لأنها لم تعش في الريف ولم<br />

تخبر حياته،‏ وأمضت عمرها في المدينة،‏ على الرغم من خصب حياة المرأة الريفية<br />

واتساع التناقضات في حياتها . فنجد في رواياتها أمثلة مختلفة في السن والثقافة<br />

والعمل والعقيدة والتكوين النفسي والمنبت الاجتماعي،‏ فهناك المراهقة والشابة،‏<br />

والكهلة والعجوز،‏ وهناك الطالبة والموظفة والخادمة،‏ وهناك الثائرة المتمردة والخانعة<br />

المستسلمة،‏ والمسلمة والمسيحية والقديسة والمومس،‏ والمستوية الواضحة والملتوية<br />

المضطربة الغامضة .<br />

وسنقف هنا عند ثلاث روايات:‏ الأولى بستان الكرز التي تتناول الحرب الأهلية<br />

اللبنانية،‏ فبطلتها مناضلة مثقفة . والثانية الأشباح التي تتناول الوضع في سورية بعد<br />

نكسة حزيران،‏ وبطلتها تماثل تقريبا ً بطلة الرواية الأولى . والثالثة طائر النار وبطلتها<br />

مناضلة لتغيير حياتها . هؤلاء البطلات يمثلن قمة التمرد على الواقع والسعي لتغييره،‏<br />

2<br />

3<br />

ضويحي،‏ د.‏ هيام:‏ الرواية النسائية في سورية ص<br />

.25<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ تجربتي في الرواية،‏ مجلة دراسات اشتراكية،‏ العدد<br />

183-182 ص 456<br />

44


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

والى جانبهن شخصيات نسائية أخرى،‏ تقترب منهن أو تبتعد عنهن،‏ وفق ظروفهن<br />

وتركيب نفوسهن .<br />

‏"سونيا"‏ بطلة رواية بستان الكرز:‏<br />

تعالج الرواية الحرب الأهلية اللبنانية معالجة أدبية،‏ تخلط السياسة بالفكر،‏ والواقع<br />

بالخيال،‏ كما تستخدم الإسقاط والاستبطان تارة والمباشرة والخطابية تارة أخرى.‏<br />

بطلة الرواية فتاة جامعية بورجوازية،‏ أبوها رجل أعمال مسلم،‏ وأمها من أسرة<br />

مسيحية مرموقة،‏ جميلة ومثقفة،‏ ترتبط بعلاقة حب مع زميلها الفلسطيني في<br />

ال<strong>جامعة</strong> ‏"سامي".‏<br />

منذ بداية الرواية تجد سونيا نفسها في جو مشحون بالتوتر والقلق،‏ يوحي بأن<br />

كارثة ما على الأبواب،‏ فالاضطراب يعم أوجه الحياة المختلفة،‏ والانقسام يتضح بين<br />

التجمعات اللبنانية،‏ والصراع يشتد فيما بينها،‏ فتقع البطلة في حيرة بين الأفكار<br />

والمواقف المتناقضة التي سادت الساحة اللبنانية.‏<br />

حددت الكاتبة تاريخ وقائع الرواية ومكانها وطبيعة المرحلة التي عاشتها البطلة<br />

في افتتاحية الرواية،‏ فبدأتها بقولها:‏ ‏"الحر يسقط في شوارع بيروت مع القلق،‏ إنه شهر<br />

تموز والعام<br />

1975<br />

4<br />

يلتقيا."‏<br />

. التوتر يخفق مع الهواء<br />

. سونيا وسامي لم يعودا قادرين على أن<br />

بيد أن حيرة سونيا لا تستمر طويلا ً،‏ لأنها تثق بحبيبها وبخياراته،‏ وبعد زيارة<br />

لبيت أستاذ أمريكي من أصل لبناني،‏ يمارس لعبة القنص والقتل،‏ تحدد موقفها بقولها:‏<br />

‏"أنا حددت موقفي أول أمس<br />

5<br />

فأنا مستعدة للتضحية بكل شئ من أجل قضية الإنسان"‏ .<br />

. لقد جلدوا إنسانيتي،‏ وتعرت الحقائق أمام عيني،‏ ولهذا<br />

45<br />

4<br />

5<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ بستان الكرز ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

.7<br />

12


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

..<br />

بل زادت على ذلك،‏ فصارت واعية بوضعها وهدفها،‏ لا يعتور وعيها غموض،‏<br />

ولا يعترض هدفها تردد فقالت لسامي:‏ ‏"أنا،‏ من أنا؟ بورجوازية صغيرة تهرب من<br />

عالمها ومن طبقتها ضجرا ً ذهبت أيام التردد يا سامي،‏ كل شئ واضح أمام<br />

عيني،‏ وأنا شريكتك في النضال"‏<br />

6<br />

.<br />

لم يستغرق هذا التطور السريع في حياة سونيا من الحيرة والقلق إلى الوعي<br />

والعزم وقتا ً طويلا ً،‏ ولم يحتج من البطلة إلى قراءة مستفيضة للواقع،‏ ولا إلى حوار<br />

طويل أو مرشد،‏ فعبثية الحرب ووحشيتها،‏ والوقوف على بعض مشاهدها،‏ إلى جانب<br />

حبها،‏ كل ذلك جعلها تنحاز إلى النضال من أجل عروبة لبنان وحريته،‏ واحترام<br />

إنسانية الإنسان فيه . والغريب أنها أدركت حقيقة لعبة الحرب اللبنانية من غير<br />

شواهد وبراهين،‏ ومن غير قراءة ومحاضرات،‏ ومن غير إرهاصات،‏ فقالت:‏ ‏"وهذه<br />

الخلافات والنزاعات ليست سياسية فقط ولا محلية فقط،‏ وإنما هناك قوى خفية تمسك<br />

7<br />

بخيوطها،‏ وتحركها لتدفعها نحو مصالحها"‏ .<br />

"<br />

..<br />

واتسع انتماء سونيا،‏ فتجاوز لبنان إلى الوطن العربي،‏ وحدثت نفسها بأنها يجب<br />

أن تتخطى حدود لبنانيتها عليها أن تنصهر في هذه البوتقة العجيبة التي تغلي<br />

8<br />

كالبركان،‏ والتي اسمها العروبة .<br />

وهي أيضا ً لا تعرف التعصب من أي نوع،‏ لا الديني ولا العرقي،‏ ولا تفرق بين<br />

مسلم ومسيحي،‏ لأنها ثمرة زواج مختلط<br />

. وكان هذا الوضع متعبا ً في لبنان،‏ وزاد<br />

صعوبته الحرب التي أخذت سمة الطائفية،‏ لذلك أصبح وضعها مأساة بالنسبة لها،‏<br />

وصفته الكاتبة بقولها:‏ ‏"هل تبوح بمأساة عمرها بأنها لم تعرف يوما ً هل هي<br />

6<br />

7<br />

8<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

13<br />

8<br />

24<br />

46


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

مسيحية أم مسلمة؟ لم تعرف يوما ً التعصب لدين من الأديان،‏ بل هي لم تتدين على<br />

الإطلاق،‏ إنها تؤمن بالمحبة ..<br />

9<br />

بالخير،‏ وتركع أمام الإنسانية"‏ .<br />

في هذا الجانب ارتبكت الكاتبة،‏ لأنها أصرت على إبعاد صفة التعصب الديني<br />

عن بطلتها،‏ فأخرجتها من الدين تماما ً،‏ وجعلتها غير متدينة،‏ وكأن الأديان تحمل<br />

وزر التعصب،‏ وتنافي المحبة والخير والإنسانية،‏ وهي المبادئ التي نادت بها الأديان<br />

السماوية كلها . لقد أرادت الكاتبة أن ترسم لبطلتها صورة صافية مثالية في الحس<br />

الإنساني،‏ قلما يتصف بها إنسان في عمرها وفي بيئتها التي تمور بأشكال التعصب<br />

المختلفة،‏ فأوصلت لبنان إلى الحرب الأهلية القذرة المنافية لكل مبدأ إنساني .<br />

ولكن هذا الانتماء الواضح للبطلة،‏ وهذا اليقين في التوجه والرؤية،‏ لا يستمران<br />

في فصول الرواية كلها،‏ فت ُظهر الكاتبة بطلتها ممزقة بين عناصر واقعها،‏ تعاني<br />

صراعا ً داخليا ً عميقا ً،‏ وكأنها لم تحزم أمرها،‏ ولم تحدد موقفها مما يدور حولها<br />

.<br />

وتصف الكاتبة معاناة بطلتها بقولها:‏ ‏"سونيا ليست سونيا،‏ روحها مثقلة بعذابات لا حد<br />

لها ..<br />

حب فاشل .. حياة جامعية مزقت الأستار عن فكرها .. ضجر من حياة<br />

10<br />

بورجوازية سخيفة،‏ بلغ حد القرف"‏ .<br />

هذا الوصف يناقض وقائع الرواية،‏ فالبطلة ات ّبعت حبيبها،‏ وشاركته النضال،‏<br />

وكانت تتمتع بحياتها الجامعية وصداقاتها التي أوصلتها إلى الوعي بحقيقة حياتها،‏<br />

وكانت سعيدة بما توفره لها الحياة البورجوازية من إمكانات مادية وحرية اجتماعية<br />

.<br />

ربما جاءت معاناتها من المشاعر المتناقضة التي انتابتها وهي تهم بترك حياة الدعة<br />

واختيار شكل حياتها المقبلة .<br />

وأفضت أحداث الرواية ومواقف البطلة إلى أنها حزمت أمرها،‏ فتطوعت للعمل<br />

في مشفى،‏ وشاركت في أعمال نضالية،‏ والتحقت بمعسكر للثوار،‏ وكأنها صاحبة<br />

47<br />

9<br />

المصدر نفسه ص<br />

21<br />

10<br />

المصدر نفسه ص<br />

65


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

عقيدة ثورية،‏ حتى ‏"وجد فيها رئيس الأطباء نموذجا ً رائعا ً للفتاة اللبنانية التي أسقطت<br />

11<br />

عنها قشور الحضارة"‏<br />

ومع ذلك تخرج من العمل في المشفى بتجربة مختلفة عن توجهها،‏ فقد ‏"احتقرت<br />

12<br />

كل المبادئ والأفكار والشعارات والمعتقدات التي يحملها إنسان العصر"‏ .<br />

واستمر التناقض في رسم شخصية البطلة ومواقفها،‏ فقدمت لنا الكاتبة وجها ً<br />

"<br />

..<br />

..<br />

جديدا ً لها،‏ فيه شئ من الغرابة،‏ فهي تحس أنها كما هي حزينة هي قوية،‏ وأن قوتها<br />

تنبع من الألم فلتتألم إذن أكثر ولتتقدم في درب آلامها أكثر،‏ فما من مسيح غدا<br />

مسيحا ً إلا بالألم<br />

غالبا ً والحزن<br />

13<br />

. "<br />

يشحن المرء بالمعاناة لا بالقوة،‏ وبالرغبة في تجاوزه والخلاص<br />

منه،‏ لا باستعذابه والبقاء فيه وطلب المزيد منه .<br />

فملامح شخصية سونيا تنسجم مرة وتضطرب أخرى،‏ فيشعر القارئ حينا ً أنها<br />

كائن إنساني واقعي،‏ يمكن أن يواجهه في الحياة هنا وهناك،‏ ويشعر حينا ً آخر أنها<br />

كائن وهمي لم يوجد ولن يوجد في الواقع،‏ استوى في خيال الكاتبة،‏ ولم ت ُعِد النظر<br />

فيه لترفع التناقض في تركيبه،‏ بل جعلته تعبيرا ً عن موقف تتبناه أو فكرة تؤمن بها،‏<br />

فتصل ببطلتها إلى غاية المثالية،‏ وتذهب إلى أنها<br />

"<br />

فتاة تنفض العطف والإنسانية كما<br />

14<br />

تنفض حبات العرق المتصبب منها باستمرار " وأنها ترفض التعصب وتنحاز إلى<br />

قضية الإنسان والحرية . ومع ذلك تركت العمل في المشفى من غير مسوغ واضح،‏<br />

وتركت قاعدة الثوار عندما ضاقت بقسوة حياتهم،‏ وتخل ّت عن نضالها لتقبع وحيدة مع<br />

كلبها وطفل صغير وجدته مع أمه المقتولة .<br />

11<br />

12<br />

13<br />

14<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

73<br />

84<br />

131<br />

73<br />

48


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

ولم تر الكاتبة هذا التناقض،‏ وتساءلت ببساطة:‏ ‏"من هي سونيا في بستان الكرز؟<br />

ألم تكن تلك اللبنانية التي وجدت نفسها فجأة أمام مشكلة الطائفية التي لم تدخل نسيج<br />

15<br />

حياتها رغم أنها مسيحية وأبوها مسلم"‏ .<br />

ربما جعلت الكاتبة تصرفات البطلة المتناقضة وغير المسوغة تعبيرا ً عن مواقف<br />

فكرية،‏ مثل إدانة بعض مظاهر المقاومة،‏ ومثل رعاية الطفل الذي يرمز به للمستقبل<br />

دائما ً .<br />

وجاء مقتل البطلة في بيتها مفاجئا ً،‏ فسير الرواية يفضي إلى أنها ستقتل في<br />

مواجهة مش ّرفة أو أنها ستغتال لمواقفها ونضالها،‏ ولكنها ت ُقتل ببساطة،‏ أو بالمجان كما<br />

وصفت الكاتبة الموت في الحرب الأهلية اللبنانية،‏ أو تكون قد رمزت بمقتلها إلى شئ<br />

ما تريده،‏ أو تدين به هذه الحرب التي تغتال المستقبل وتستهين بالحياة الإنسانية .<br />

وأساء إلى الاقتناع بشخصية البطلة لغتها وحديثها الذي لا تجيده إلا أديبة كبيرة<br />

.<br />

بحيث يشعر القارئ أن الكاتبة هي التي تتحدث لا بطلة الرواية وهذه إشكالية كثيرا ً ما<br />

يقع فيها الروائيون بحيث ينسون أنهم يتعاملون مع أشخاص الرواية وليس مع ذواتهم<br />

فيستنطقون أشخاص الرواية بأفكارهم وبلغتهم الخاصة.‏<br />

ومع ذلك كله ت ُعد هذه الشخصية أكثر الشخصيات الروائية إيجابية لدى قمر<br />

كيلاني،‏ لأنها تغيرت وسعت للتغيير بالقول والفعل،‏ وهي مثال جديد للمرأة العربية<br />

التي تحمل هموما ً وطنية وسياسية،‏ مضحية بحاجاتها العاطفية،‏ ومتحررة من القيود<br />

الاجتماعية التي كبلت الشخصيات النسائية في الرواية العربية .<br />

‏"ليلى"‏ بطلة رواية الأشباح:‏<br />

49<br />

15<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ تجربتي في الرواية،‏ مجلة دراسات اشتراكية،‏ العدد<br />

183-182 ص .456


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

تتناول هذه الرواية الوضع المضطرب في سورية بعد نكسة حزيران<br />

1967 من<br />

خلال أسرة مؤلفة من أم وثلاث بنات وابنين غائبين،‏ الكبير في المهجر،‏ والصغير<br />

هرب من الجندية إلى المقاومة .<br />

ليلى بطلة الرواية الابنة الصغرى في الأسرة،‏ مراهقة متمردة،‏ نالت قسطا ً من<br />

التعليم،‏ جريئة في طرح آرائها،‏ مندفعة مشاكسة،‏ تلتحق بالمقاومة،‏ وتنفذ عملية فدائية<br />

ضد العدو الصهيوني . وهي تتخذ قراراتها ببساطة متناهية،‏ وتتحدث بطريقة لا توافق<br />

سنها،‏ فتجيب أختها الكبرى على شكواها من سوء الأحوال بقولها:‏ ‏"أنا مللت من<br />

متاجرتكم بهذه الحوادث.‏<br />

عام 1948 نحن في حرب.‏<br />

إنها عادية في مجتمع مثل مجتمعنا . نحن في حرب .. منذ<br />

16<br />

أم أنكم تتجاهلون كما يتجاهل الكثيرون"‏ .<br />

ينم هذا الكلام على وعي مبكر عند هذه الفتاة الصغيرة،‏ ومثله لا يند عادة عن<br />

فتاة مراهقة ينصب اهتمامها على نفسها،‏ ويكون انشغالها بالأمور العامة ضعيفا ً باهتا ً<br />

.<br />

..<br />

بل إن الكاتبة لم تراع ثقافة الفتاة الضحلة وتجربتها المحدودة في الحياة،‏ فأنطقتها بكلام<br />

لا يقوله إلا شاعر متفلسف،‏ مثل وصفها لمغادرة أخيها للبيت بقولها:‏ ‏"الطائر القوي<br />

يريد أن يكتشف السماء .. من أجل أن يغني لحنه الخاص به .<br />

سميرة تقول لنفسها،‏ ما أعنفها ما أكثر تمردها . وهذا الكلام كأنما هو لشاعر<br />

17<br />

أو فيلسوف"‏ .<br />

أدركت الكاتبة أن مثل هذا الكلام لا يصدر عن هذه الشخصية،‏ فاستدركت الأمر<br />

بالحديث الداخلي لسميرة . ويبدو أن هذه العبارة أعجبت الكاتبة،‏ ولم ترد أن تخلو منها<br />

الرواية،‏ فأثبتتها واحتجت لها .<br />

بيد أن هذا الوصف لليلى بالعنف والتمرد لم يستمر طويلا ً،‏ فبعد صفحة واحدة<br />

وصفت الكاتبة ليلى على لسان الأم بالقول:‏ ‏"ليلى هي الصغرى،‏ ومع ذلك تأخذ دور<br />

16<br />

17<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ الأشباح ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

14<br />

15<br />

50


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

18<br />

الأم"‏ . وصفات الأمومة قلما<br />

مضطربة في وصفها وحديثها .<br />

تلتقي مع العنف والتمرد لذلك بدت الشخصية<br />

أظهرت الكاتبة بطلتها الصغيرة واعية وعيا ً تاما ً بكل ما يحيط بها ويجري في<br />

بيئتها،‏ بل تفوق في ذلك أمها وأختيها اللتين تكبرانها،‏ فتتحدث عن الحرب حديث من<br />

أحاط بها وبأسبابها وبنتائجها . مثل قولها:"‏ لو أن حرمانها من التعليم هو الكارثة<br />

الوحيدة لهان الأمر . سلسلة من الكوارث،‏ والحرب لم يتعلم الناس منها شيئا ً،‏ لم تبدل<br />

فيهم شيئ ًا . لكن أحمد تعلم،‏ وهي أيضا ً تريد أن تتعلم<br />

19<br />

. "<br />

كيف يمكن لفتاة حرمت من التعليم،‏ ولم تكن لها تجربة واسعة في الحياة أن تكون<br />

على هذا القدر من المعرفة والوعي؟ وكيف تستطيع فتاة مراهقة أن تحمل أحلام<br />

الكاتبة وتمنياتها وخبرتها وثقافتها؟ وكيف يمكن لمراهقة أن تصف أختها الكبرى<br />

20<br />

بقولها:‏ ‏"أختك تعيش أحلام مراهقة سخيفة".‏<br />

وت ُدخل الكاتبة بطلتها في منظمة للمقاومة،‏ فت ُظهر صلابة عجيبة في النضال،‏<br />

وقدرة فائقة في الحفاظ على أسرارها،‏ فتحضر الاجتماعات السرية،‏ وتتدرب على<br />

القتال،‏ وتنفذ عملية فدائية وت ُصاب،‏ وتغامر في الخروج ليلا ً إلى أماكن موحشة،‏<br />

وتخبئ السلاح في البيت المهجور قرب منزلها،‏ وتتصدى للضابط المشبوه الذي يخدع<br />

أختها،‏ وتتحدث حديث المنظرين السياسيين،‏ وليس حديث فتاة صغيرة،‏ مثل قولها في<br />

الرد على أختها التي تريد المحافظة على بيت الأسرة لانتمائها إليه:‏ ‏"أما أنا فأنتمي إلى<br />

الأرض،‏ كل الأرض .. على مساحة الخارطة العربية .. وليس إلى بيت ما .. إلى بقعة<br />

21<br />

ما"‏ .<br />

51<br />

18<br />

19<br />

20<br />

21<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

16<br />

41<br />

47<br />

247


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

وبذلك بدت بطلة الرواية أكبر من واقعها الموضوعي الروائي،‏ وتحولت إلى<br />

22<br />

داعية تبشر بأفكار الروائية .<br />

أرادت الكاتبة أن تكون ليلى المثال المنشود للفتاة العربية التي تعي أحوال بلادها،‏<br />

وتشارك مشاركة فاعلة في قضايا الوطن،‏ لا تعيقها أنوثتها،‏ ولا تثنيها رهافة إحساسها<br />

وتقلب مشاعرها،‏ فجاءت شخصية نمطية،‏ لم تتغير من بداية الرواية حتى نهايتها . إنها<br />

تتصرف وتتحدث بما لا يتفق مع سنها وثقافتها،‏ فحوارها حوار المثقفين الثوريين<br />

والشعراء المجربين،‏ ولذلك بدت من تشكيل خيال الكاتبة،‏ واهية العلاقة مع الواقع،‏<br />

ومفتقرة للصدق الفني . وقد جعلتها الكاتبة ردا ً على واقع المرأة العربية،‏ وأسقطت<br />

عليها أفكارها ومشاعرها،‏ لتكون إيجابية وفاعلة<br />

جدا ً،‏ حتى فقدت الوهج الإنساني<br />

الذي تهتم به الرواية قبل أي شئ آخر . فحملت الشخصية أكثر مما تحتمل،‏ حتى<br />

ضعفت قدرتها على الإقناع،‏ وكأن الكاتبة لم تقابل مناضلة لتعرف كيف تكون حياة<br />

المناضلة،‏ وكيف تفكر وتتكلم،‏ فخبرتها في حياة النضال قليلة،‏ لم تسعفها على<br />

المقاربة بين الواقع والخيال .<br />

ومع ذلك قدمت بطلتها ببساطة على أنها واحدة ممن عشن في سورية،‏ وفي<br />

<strong>دمشق</strong> بالتحديد أثناء سطوع المقاومة بعد نكسة حزيران،‏ والانضمام إلى العمل<br />

23<br />

الفدائي .<br />

صفية،‏ بطلة رواية طائر النار:‏<br />

تتناول هذه الرواية حياة ثائرة من نوع آخر،‏ ومناضلة على جبهة أخرى،‏ ليست<br />

الحرب كما في الروايتين السابقتين،‏ وإنما انعتاق المرأة العربية من قيودها،‏ وتوقها<br />

إلى الانغماس في الحياة،‏ وتأكيد أنها كائن إنساني لا يقل عن الرجل في شئ<br />

. وتتابع<br />

الرواية تحولات حياة فتاة نشأت في جزيرة أرواد على الساحل السوري،‏ قادها<br />

22<br />

23<br />

الفيصل،‏ د.‏ سمر روحي:‏ الاتجاه الواقعي ص<br />

332<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ تجربتي في الرواية،‏ مجلة دراسات اشتراكية،‏ العدد<br />

183-182 ص 456<br />

52


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

طموحها إلى العاصمة <strong>دمشق</strong>،‏ لتعيش حياة أهل الثقافة والفن،‏ لكنها تعود منهزمة إلى<br />

جزيرتها .<br />

صفية بطلة الرواية فتاة حاصلة على الثانوية العامة،‏ توفي والدها وتركتها أمها<br />

في رعاية عمتها،‏ تعاني الفقر والوحدة،‏ وتشعر أنها ‏"غصن مقطوع من شجرة،‏ معلق<br />

24<br />

في الهواء"‏ . وعلى الرغم من علاقتها بأهل الجزيرة الصغيرة،‏ وصداقتها مع بعض<br />

فتياتها وشبانها،‏ فقد كتبت في مذكراتها:"وما كنت سوى فتاة ضائعة،‏ ريشة طائر في<br />

25<br />

مهب الريح . لا شك أن جزيرتنا هي كتاب بؤس تاريخي ليس له حدود"‏ .<br />

فالشعور بالضيق والضجر يستولي على نفس صفية،‏ ويزيده حدة تفتح أنوثتها،‏<br />

ويرسخه قراءتها لبعض الكتب والمجلات التي وصلت إلى يديها،‏ فأصبحت تتوق إلى<br />

تغيير وضعها،‏ وتحلم بحياة أخرى تطفح بالسعادة<br />

".<br />

انتظار السعادة .. كان علي أن أركض وراءها .. وحتى اللهاث<br />

لم أكن لأستطيع أن أستمر في<br />

26<br />

. "<br />

وهكذا صارت البطلة تعيش أحلام اليقظة،‏ وتتخيل نفسها في حياة أخرى،‏ خالية<br />

من البؤس والوحدة،‏ تتمتع بمباهجها،‏ وتحقق فيها ذاتها وطموحاتها،"يا آلاف الصور<br />

27<br />

البراقة السريعة التي تغزو دماغي مثل طيور مهاجرة"‏ أحلام المراهقة هذه جعلتها<br />

تندفع في طريق التغيير،‏ وتتصرف تصرفات غريبة غير مبالية بامتعاض أهل<br />

الجزيرة وانتقادهم المستمر لسلوكها،‏ لا يهمها نتائج اندفاعها في مخالفة السائد في<br />

بيئتها . ‏"نعم ..<br />

28<br />

كان بي توق مجنون إلى نداءات المجهول والمغامرة"‏ .<br />

53<br />

24<br />

25<br />

26<br />

27<br />

28<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ طائر النار ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

17<br />

19<br />

20<br />

37<br />

34


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

وأتى الحدث الذي غير حياتها،‏ فقد جاء فريق سينمائي لتصوير بعض المشاهد<br />

في الجزيرة،‏ وعندما رآها المخرج بين جموع المتفرجين،‏ عرض عليها أن تمثل<br />

لقطة في الفيلم،‏ وكان ذلك بداية علاقة بينهما،‏ وحوار طويل مرهق في الثقافة والفن<br />

والحياة والنفس الإنسانية،‏ لا يمكن أن تعيه فتاة مثل صفية،‏ ولا مسوغ له إلا<br />

استعراض الكاتبة لآرائها في هذه المجالات .<br />

وصارت صفية مسلوبة الإرادة أمام المخرج سمير،‏ الذي سحرها بكلامه وآرائه،‏<br />

فلم تتخيل حياتها بعيدا ً عنه،‏ لذلك قررت الرحيل وراءه بعد أن غادر الجزيرة،‏ على<br />

الرغم من مساعي حسين المحب .<br />

عند وصولها إلى المدينة قابلها سمير بفتور،‏ فكادت أن تعود إلى جزيرتها،‏ لولا<br />

حصولها على عمل في وكالة لبيع الأدوية والعطور وأدوات التجميل،‏ وهناك شعرت<br />

بالفارق بين حياة الجزيرة وحياة المدينة،‏ وبدأت مرحلة جديدة،‏ قالت عنها:"بدأت أتلمس<br />

ينابيع السحر في أنوثتي .. لا أشك بأنوثتي التي كانت تتفجر كالنار . والرجال كما<br />

أصبحت أعرف لا يمكن أن يعرفوا الخط الفاصل بين الأنوثة والجمال<br />

تلقيت ..<br />

دعوات،‏ وخرجت إلى لقاءات لغداء أو عشاء .. تجار أغنياء .. ومثقفون يشتغلون بالفن<br />

أو المسرح ..<br />

29<br />

وصحفيون وبسطاء أصحاب محلات تجارية صغيرة .." .<br />

أظهرها هذا الانفلات في علاقتها مع الرجال متهورة ومتعطشة إلى الحياة،‏ تريد<br />

أن تنهل منها بقدر استطاعتها،غير أن<br />

ذلك لا يمر بسلام دائما ً،‏ فهي تريد أن تنسى<br />

سميرا ً،‏ لكنها لا تستطيع،‏ لأنها لم تقابل واحدا ً مثله،‏ وظلت تنتظر وعده لها بإعدادها<br />

للسينما في الوقت المناسب . وقد أدخلها هذا الوضع في متاهة وتناقض بين<br />

طموحها الذي يدفعها نحو الناس والحرية في التعامل معهم،‏ وبين ضميرها<br />

29<br />

المصدر نفسه ص<br />

72<br />

54


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

والرواسب الاجتماعية في نفسها،‏ ‏"فأصبحت آنذاك مثل مصابة بازدواج في<br />

شخصيته ..<br />

30<br />

كنت أعيش في منطقتين متناقضتين:‏ النور والظلام"‏ .<br />

حتى فقدت اليقين،‏ ولم تعد تستطيع أن تثبت على حال واحدة،"كل شئ عندي<br />

31<br />

مترجرج .. متقلب .. قابل للتحول"‏ .<br />

ومع أنها تعرف ّت في هذه المرحلة على حيدر،‏ فلم تستطع نسيان سمير<br />

. وحيدر<br />

..<br />

مشرف النادي السينمائي،‏ جاد ومثقف،‏ شغلها قليلا ً عن سمير،‏ وأدخلها حلقات النقد<br />

السينمائي والعروض الجادة،‏ وعرفها إلى حياة السينما والفن والثقافة،‏ لكنها ظلت<br />

أسيرة المخرج سمير،‏ الغائب الحاضر،‏ تتوق إلى لقائه ‏."كنت مسلوبة الإرادة،‏ ما<br />

يقرره يجب أن ينفذ،‏ وأنا من أنا؟ إنسانة معطلة التفكير منقادة إليه مثل<br />

..<br />

..<br />

32<br />

نعجة"‏ .<br />

وتنتقل للإقامة في بيت سمير،‏ حيث تبدأ عملية التثقيف والاستعداد للعمل في<br />

السينما،‏ وتستسلم لسمير استسلاما ً أعمى . وقد وصفت حالها آنذاك بقولها:"وكنت أحس<br />

أن أجزائي تتفكك مثل دمية أو أنني أغدو عجينة يجب أن تتشكل من جديد،‏ ما الذي<br />

يفككني؟ ما الذي يعجنني هكذا؟ لم أكن ادري . كل ما كنت أعرفه هو أنني أسير في<br />

33<br />

طريق مظلمة،‏ وأنا موعودة في نهايتها بالجنة"‏ .<br />

لكنها لا تصل مع سمير إلى شئ،‏ بل تزداد معاناتها النفسية والجسدية،‏ فتتركه<br />

للعمل في شركة للطيران،‏ وهناك تتعرف على رجل كهل،‏ باحت له بهواجسها<br />

55<br />

30<br />

31<br />

32<br />

33<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

73<br />

75<br />

97<br />

100


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

ومتاعبها،‏ فأخذ بيدها نحو العلاج،‏ وعنه تقول:"وكان يسألني عن التقدم النفسي الذي<br />

34<br />

أحرزه في محو سمير من أعماقي .." .<br />

وانتهى بها الأمر محطمة يائسة،‏ تعتمد على الأدوية المهدئة،‏ ولم تجد مخرجا ً لها<br />

من حالها البائسة هذه إلا بالعودة إلى جزيرتها .<br />

في الجزيرة تنعزل في بيتها لتكتب مذكراتها،‏ وعندما تنتهي ‏"ترمي من يدها<br />

الورق والقلم .. مرهقة كمن تخل ّص من ولادة عسيرة . هل هي مذكرات أم اعترافات<br />

35<br />

أم مجرد سواد فوق بياض"‏ .<br />

..<br />

ثم أخذت تبحث عن حسين الذي تخلت عنه من قبل،‏ ولكن سميرا ً وفريقه<br />

السينمائي يعود إلى الجزيرة مرة أخرى،‏ ويطلب منها المشاركة في أحد مشاهد فلمه،‏<br />

وفي أثناء ذلك تهب على الجزيرة عاصفة هوجاء،‏ تحمل معها أسراب الطيور،‏<br />

فيهاجمها طائر متوحش ويصيبها بالعمى،‏ " صفية تسدل فوق عينيها،‏ كما فوق ماضيها<br />

ستارة سوداء تستكين إلى جانب حسين،‏ مثل حمامة بحرية . حسين يأخذها إلى بيته<br />

ليتوجها ملكة .. لكنها ملكة بلا عرش ..<br />

36<br />

وملكة عمياء .<br />

تشكلت شخصية هذه البطلة من أفعال قامت بها وحوادث لا يد لها فيها،‏ ومن<br />

صراع نفسي لم يهدأ إلا عند النهاية المفجعة التي آلت إليها،‏ وهي تمثل توق المرأة<br />

إلى الانعتاق من قيودها،‏ وإلى عيش الحياة على حقيقتها،‏ لكنها سعت إلى ذلك من غير<br />

سلاح،‏ فهي لا تملك شهادة تمكن ّها من العمل،‏ ولا مهنة ترتزق منها وتحافظ بها على<br />

استقلاليتها وكرامتها،‏ ولا مبادئ أخلاقية أو دينية ترسم لها مسار انعتاقها،‏ ولا تجربة<br />

غنية في الحياة تقيها مخاطر هذا الانعتاق . فصغر سنها،‏ وفقد أبويها في وقت مبكر،‏<br />

جرداها من التجربة والتربية معا ً،‏ لذلك عندما التقت المخرج سمير،‏ سلمته قيادها<br />

34<br />

35<br />

36<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

128<br />

151<br />

176<br />

56


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

ومصيرها،‏ ولم يخرجها من أسره عملها ولا تعرفها إلى رجال كثيرين،‏ فأخفقت<br />

رحلتها في دنيا الثقافة والفن،‏ وعادت إلى جزيرتها محطمة،‏ تنشد الراحة والصفاء،‏<br />

وكأن الثقافة لوثتها،‏ وكأن الحضارة أفقدتها إنسانيتها،‏ فأدانت هذه الحضارة وهذه<br />

الثقافة بقولها:"‏ حسين يحبها الحب الصافي الذي لم تشوهه الحضارة<br />

ولا الثقافة ..<br />

.<br />

كيف تعود إلى هذا الصفاء بعد أن تلوثت؟ كيف تمسح من ذاكرتها كل الكتب التي<br />

37<br />

قرأتها والتجارب التي عاشتها؟<br />

هذه النهاية التراجيدية التي وصلت إليها البطلة،‏ تفسد مقولة الرواية،‏ وكأنها تحذر<br />

الفتيات من الانغماس في الثقافة والفن،‏ لأنهن سيتحطمن ويقعن في الكوارث،‏ إلا إذا<br />

أرادت الكاتبة أن تدين المثقفين المنحرفين الذين ينتهكون الأخلاق باسم الثقافة والفن،‏<br />

ويحاكمون الأمور محاكمة خاطئة،‏ تتيح لهم أن يفعلوا ما يشاؤون.‏<br />

كنا نتوقع أن تعود صفية إلى جزيرتها لتنشر الثقافة والفن فيها،‏ لا أن تنزوي<br />

كفأر مذعور،‏ ولا أن تنتهي عمياء،‏ كأنها عوقبت على جريمة اقترفتها.‏<br />

وعلى الرغم من أن بعض الدارسين للأدب النسائي في سورية يرون أن هذه<br />

النهاية في تحول صفية إلى عمياء فقأ عينيها طائر الفينيقس يمكن أن يعطي تفاؤلا ً في<br />

38<br />

مستقبل تعود فيه إلى الحياة من جديد إلا أن هذه الرؤية بعيدة ويصعب تحميلها<br />

للرواية لأن المؤلفة قد أسدلت الستار في هذه النهاية على الماضي ووظفته في اتجاه<br />

النسيان.‏<br />

ونستطيع القول إن هذه النهاية التراجيدية قد شوهت كل المعاني الجميلة التي<br />

مثلتها شخصية صفية الروائية في تكوينها الثقافي والأخلاقي وتوقها إلى الحرية<br />

والإحساس بإنسانيتها.‏<br />

الشخصيات النسائية الأخرى<br />

57<br />

37<br />

38<br />

المصدر نفسه ص<br />

163<br />

ضويحي،‏ د.‏ هيام:‏ الرواية النسائية في سورية ص<br />

128


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

بستان الكرز:‏<br />

الشخصية النسائية الثانية في الرواية هي ناديا أخت سونيا،‏ وهي طالبة جامعية<br />

أيضا ً،‏ لكنها مستغرقة في حياتها البورجوازية،‏ متمردة على التقاليد الاجتماعية،‏ لا<br />

تهتم بما يجري حولها،‏ ولا تكلف نفسها عناء معرفته والوقوف على أسبابه،‏ فهي ‏"لا<br />

39<br />

تفهم مثل هذه الأمور،‏ ولا تقيم للنضال أي وزن"‏ .<br />

في بداية الرواية ظهرت ناديا نقيضة لسونيا،‏ لكنها تتعرض لعملية خطف،‏ وت ُجبر<br />

على العمل مذيعة في إذاعة محلية فتبدأ بالتحول،‏ ‏"ولم تعد تحتمل بقاءها حيادية وسلبية<br />

40<br />

وفي لا مبالاة"‏ . فتنقلب على الحياة البورجوازية،‏ ‏"وتحس أن كل ذلك كان سخيفا ً،‏<br />

وأنه لم يجر على البلاد إلا الدمار والندم والأسى .. ستكون صميمية أكثر ما تكون ..<br />

41<br />

وواقعية أكثر ما تكون،‏ ومرتبطة بأرضها وبلادها أكثر ما تكون"‏ .<br />

وتكمل ناديا مسيرة سونيا بعد موتها من غير فلسفة وتأمل،‏ ومن غير تحليل<br />

سياسي،‏ وربما كانت شخصيتها مستقيمة أكثر من شخصية سونيا،‏ لأن التجربة هي<br />

التي حولتها،‏ وليس الحوار الفكري أو الارتباط العاطفي كما هو شأن سونيا،‏ وكانت<br />

متسقة مع واقعها،‏ ينسجم تفكيرها وموقفها مع موقعها البورجوازي،‏ وينسجم<br />

تصرفها مع طبيعة الحياة في لبنان .<br />

أما شخصية الأم كميلة،‏ فبدت سلبية تماما ً،‏ لم تغير الحرب سلوكها وانشغالها<br />

بجمالها وزينتها ومجتمعها المخملي،‏ لا تهتم إلا بأسرتها،‏ بل إنها لا تبذل جهدا ً للحفاظ<br />

على أبنائها،‏ وتعبر عن رأيها وموقفها بقولها:"لا تهمنا الأحوال ولا البلد،‏ يهمنا<br />

حالنا فقط،‏ لتخرب الدنيا خارج هذا البيت .. ليس لنا علاقة<br />

42<br />

. "<br />

39<br />

40<br />

41<br />

42<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ بستان الكرز ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

18<br />

207<br />

208<br />

39<br />

58


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

وبسبب أخطاء زوجها،‏ وخوفا ً من الحرب،‏ تترك بيتها لتعود إلى أهلها،‏ فتأخذها<br />

المصائب إلى التدين،‏ ثم إلى الرهبنة والانقطاع في الدير .<br />

والشخصية السلبية الثانية هي ريتا عشيقة الأب،‏ قدمتها الكاتبة في البداية على<br />

أنها ‏"صافية وعفوية،‏ وما في قلبها دائما ً على شفتيها،‏ ولم تظهر له مرة منذ بدء<br />

43<br />

الحرب أنها تحس بالفارق بين مسلم ومسيحي"‏ . هذه العشيقة تفتح بيتها لأناس<br />

مختلفين في توجهاتهم،‏ يلتقون ويعقدون اجتماعاتهم . هذا الأمر أحنق الأب عليها،‏<br />

وجعله يشك في سلوكها وفي إخلاصها له،‏ ورآها<br />

جواسيس ومخابرات ..<br />

"<br />

44<br />

وخنقها"‏ .<br />

خائنة وحقيرة وعميلة<br />

تبدو هذه الشخصية مقحمة على الرواية،‏ لا أثر لها في سير الأحداث،‏ وربما<br />

حشرتها الكاتبة في روايتها لترمز بها إلى سلبيات المجتمع،‏ والجانب القاتم للنساء فيه .<br />

وإلى جانب هذه الشخصيات النسائية،‏ ثمة شخصيات أخرى لم تسلط الكاتبة عليها<br />

الضوء،‏ مثل أم نضال المسيحية الفلسطينية،‏ المناضلة الصلبة التي لا تعرف التعب<br />

أو اليأس<br />

45<br />

. ومثل الفتيات الجامعيات اللواتي يغرقن في اللهو العبثي،‏ ويركضن وراء<br />

المتعة بأي شكل وبأي ثمن .<br />

الأشباح:‏<br />

الشخصية الإيجابية الثانية في الرواية هي الأخت الوسطى هدى،‏ فتاة متعلمة<br />

وموظفة،‏ هادئة ومتزنة،‏ تحمل هم الأسرة وتعيلها،‏ لكنها لا تتعرض للسياسة<br />

. تحب<br />

زميلها في العمل وتتزوجه،‏ وتسافر معه في بعثة تعليمية،‏ ثم تعود لتكون الشخصية<br />

الرئيسية في المنزل،‏ تحل مشاكل أختيها،‏ وتعتني بأمها،‏ ومع ذلك تحمل فكرا ً<br />

اجتماعيا ً،‏ وتعتد بنفسها،‏ ولا تجد فارقا ً بين الرجل والمرأة،‏ فقد عقبت على رغبة أمها<br />

59<br />

43<br />

44<br />

45<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

154<br />

160<br />

46


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

في أن تسكن معها بعد الزواج،‏ ليكون في البيت رجل بقولها:"‏ المسكينة لا تجد حلا ً<br />

سوى أن تزيد عدد أفراد الأسرة،‏ وأن يكون بينهم رجل . أي عقلية ستظل مسيطرة<br />

على الناس في هذه البلاد،‏ الرجل ..<br />

الرجل ..<br />

هو الحامي وهو السيد .. وهو رب<br />

46<br />

الأسرة،‏ ولو كان في العشرين"‏ . فمع وداعتها ترفض أن تكون تابعة للرجل،‏ أو أقل<br />

منه بأي شئ،‏ وترى أن المرأة مؤهلة لتتولى أمورها كالرجل تمام ًا .<br />

وظلت شخصية هدى متوازنة،‏ ولم تتخذ مواقف تخالف طبيعتها،‏ ولم تتكلم بكلام<br />

أعلى من ثقافتها،‏ فلم تظهر تأملا ً وفلسفة وشاعرية،‏ ولم تتناقض آراؤها،‏ فكانت مثال<br />

المرأة العربية المنشودة التي تتعلم وتعمل وتسهم في بناء المجتمع .<br />

أما شخصية سميرة الأخت الكبرى،‏ فهي نموذج المرأة السلبية التي تسير وراء<br />

عواطفها،‏ فيسهل خداعها . فقدت زوجها في الحرب،‏ فوقعت في شباك رجل مخادع<br />

وتزوجته،‏ ومك ّنته من أملاكها وأموالها،‏ ثم نفرت منه بعد اكتشاف خداعه،‏ وعاد<br />

زوجها الهارب من الأسر،‏ فماتت بين يديه .<br />

وصفتها أختها الصغرى ليلى بقولها:"‏ أكره فيك الغرور والميل إلى النواح<br />

47<br />

والضعف،‏ أكره تفكيرك الملتوي . وهي دائمة التوتر والقلق،‏ لا تنام إلا بالحبوب<br />

المهدئة،‏ وعلى عكس أختيها لا تتصور حياتها من غير رجل،‏ لذلك تعد مثالا ً واضحا ً<br />

لبعض النساء اللواتي لا يفكرن إلا في الرجل والزواج،‏ ولا يلتفتن إلى الاستقلال<br />

والاعتماد على أنفسهن،‏ ولا يلقين اهتماما ً لقضايا الوطن السياسية والاجتماعية،‏ ولا<br />

يحاولن أن يك ُن َّ فاعلات ومنتجات في مجتمعهن .<br />

وتبدو شخصية الأم تقليدية تمام ًا . امرأة منهكة من المرض والحزن،‏ تحاول<br />

رعاية أولادها والمحافظة عليهم في مرحلة التحول التي شهدتها الأسرة . مات الأب<br />

وهاجر الابن الأكبر،‏ والتحق الابن الأصغر بالمقاومة،‏ وأُسر صهرها في الحرب<br />

.<br />

46<br />

47<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ الأشباح ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

71<br />

48<br />

60


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

وهي طيبة وحنونة،‏ لكنها ليست فاعلة في حياة أبنائها،‏ بل كانت عبئا ً عليهم،‏ قلما<br />

تظهر تصميما ً في مسألة من المسائل . تندب حظها وما آلت إليه أسرتها،‏ مثل قولها:"‏<br />

كأنما أصبحنا غرباء . أي لعنة تصيب هذا البيت،‏ كل واحد في واد<br />

وبدت ضعيفة تغلبها عواطفها،‏<br />

48<br />

. "<br />

"<br />

49<br />

موجة وتردها موجة .." .<br />

يقهرها ضعفها،‏ تحس أنها في بحر،‏ تأخذها<br />

وظلت الأم مشدودة إلى الماضي،‏ محافظة على التقاليد،‏ مترددة،‏ ومحاورة<br />

للآخرين . وفي حوارها تتكشف الشخصيات الأخرى . فكثير من أوصاف بناتها يأتي<br />

على لسانها،‏ فكانت عاملا ً مساعدا ً على كشف الوقائع وأثرها . ولا جديد في تكوينها،‏<br />

فلم تخرج عن الصورة النمطية للأم في الرواية العربية .<br />

وهناك شخصية مساعدة أخرى،‏ هي الخادمة حسنا التي تظهر فجأة وتختفي<br />

50<br />

فجأة،"تأتي إلى البيت بعد انقطاع،‏ شاحبة ومريضة وتجر رجليها جرا ً"‏ .<br />

وهي مثل شخصية الأم،‏ اتخذتها الكاتبة حلا ً لبعض إشكالات الرواية،‏ مثل اللجوء<br />

إلى بيتها،‏ ومثل إظهار سوء ياسر المخادع،‏ فقد وصفته بقولها:"إنه دنيء،‏ وحقير،‏ ولا<br />

51<br />

يساوي قشرة بصلة،‏ لو طاوعته يوم استفرد بي في البيت القديم لمزقني مثل ذئب"‏ .<br />

ودلالات هذه الشخصية محدودة،‏ رمزت بها الكاتبة إلى فئة من النساء اللواتي<br />

يعانين الفقر،‏ وأشارت إلى أن العائلة كانت ميسورة الحال،‏ لديها خدم،‏ وكشفت مدى<br />

وضاعة ياسر خطيب الأخت الكبرى سميرة .<br />

طائر النار:‏<br />

61<br />

48<br />

49<br />

50<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

17<br />

145<br />

147<br />

51<br />

المصدر نفسه ص‎165‎


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

الشخصية النسائية الثانية في الرواية هي ناجية،‏ بدت باهتة الملامح،‏ كانت تأتي<br />

إلى الجزيرة وتساعد البطلة صفية،‏ وقد سبقتها إلى العاصمة،‏ فنجحت هناك وأصبحت<br />

ممثلة،‏ ولم تدر في فلك المخرج سمير على الرغم من علاقتها به<br />

. وليس لهذه<br />

الشخصية خط واضح مستقيم،‏ وإنما هي شخصية مساعدة،‏ تظهر فجأة،‏ وتغيب عن<br />

خط الرواية طويلا ً،‏ لا تحمل معاني ودلالات،‏ فلا تبدو انتهازية ولا صاحبة موقف .<br />

وإلى جانبها شخصيات نسائية غامضة،‏ مثل العمة التي تحتضن البطلة،‏ تحنو<br />

عليها وتؤنبها،‏ ومثل المرأة العجوز التي سكنت البطلة عندها في المدينة،‏ ساعدتها ثم<br />

ضاقت بتصرفاتها،‏ وكذلك أم المخرج سمير التي استضافت البطلة في بيتها<br />

شخصيات غير مؤثرة،‏ لا تمثل سوى الطيبة التي عرفت بها المرأة العربية .<br />

ملاحظات<br />

بستان الكرز:‏<br />

. وكلها<br />

..<br />

مما يلفت الانتباه في صورة المرأة في هذه الرواية موقف قائد التنظيم الثوري<br />

الذي تلتحق به البطلة،‏ فقد قالت عنه الكاتبة:"وبالنسبة للنساء،‏ فالأمر أصعب،‏ لأن<br />

القائد العام لا يثق كثيرا ً بهن والمرأة نبع العواطف الذي لا ينضب،‏ فكيف تكون<br />

مناضلة حقيقية؟ في رأيه أن نضال المرأة الفعلي إنما هو في البيت ..<br />

52<br />

مع أولادها"‏ .<br />

هذا الرأي لا يمكن أن يصدر عن قائد تنظيم ثوري،‏ يناضل من أجل استرجاع<br />

وطنه،‏ وهو يحتاج إلى كل جهد مهما هان شأنه للوصول إلى هدفه . ولم تكن الأفكار<br />

الأصولية قد شاعت آنذاك،‏ وكانت التنظيمات الثورية تميل نحو اليسار،‏ والمرأة<br />

موجودة في كل التنظيمات وفي مختلف المواقع .<br />

أرادت الكاتبة أن تظهر رأيا ً اجتماعيا ً سائدا ً،‏ فأخطأت تحميله لشخصية القائد،‏<br />

وكان من الطبيعي أن تحمله لشخصية مناسبة من الفئات الاجتماعية التي تردده .<br />

52<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ بستان الكرز ص<br />

62<br />

62


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

وكذلك الرأي في الفئة التي تدينها الكاتبة والمتمثلة في ريتا عشيقة الأب،‏ فقد<br />

عق ّبت على استقبالها لبعض الرجال في بيتها على لسان عشيقها بالقول:"ما أوهى<br />

53<br />

إخلاص هؤلاء النسوة،‏ مثل خيط العنكبوت"‏ .<br />

وكان يمكن أن تخصص الرأي في ريتا فقط ولا تعممه،‏ والعجيب أن يصدر هذا<br />

الرأي من رجل يخون زوجته،‏ ويتخذ عشيقة،‏ ولا يعرف معنى الإخلاص .<br />

أما علاقة المرأة بالرجل في الرواية،‏ فبدت غامضة،‏ تتبعه مرة بدافع الحب<br />

والالتقاء الفكري مثل البطلة سونيا،‏ وتتركه مرة أخرى لخيانته مثل الأم،‏ وتشاركه<br />

حينا ً في مباذله مثل فتيات ال<strong>جامعة</strong>،‏ وترضى أن تكون عشيقة من أجل المال مثل ريتا .<br />

فالرجل في الرواية مؤثر في حياة النساء ومصائرهن،‏ ولم نجد هذا التأثير من<br />

النساء في حياة الرجال ومصائرهم . ومع ذلك فالشخصيات النسائية هي الرئيسية في<br />

الرواية،‏ وشخصيات الرجال ثانوية مساعدة،‏ وهذا أمر طبيعي من روائية تريد رد<br />

الاعتبار للمرأة في الرواية .<br />

وقد أفلتت الكاتبة من تشويه العلاقة بين المرأة والرجل،‏ التي دأبت الكاتبات<br />

على تصويرها نتيجة شعورهن بالاضطهاد،‏<br />

"<br />

ففي جميع الروايات تقريبا ً،‏ تطغى<br />

البطلة على كل شئ،‏ ويقف إلى جانبها الشبح الرجل الذي يفترض أنها تحبه وأنه لم<br />

يكن من المستوى المطلوب<br />

54<br />

. "<br />

ومن آراء الكاتبة التي افتقرت إلى الإقناع،‏ مساواتها بين جميع الفئات المتصارعة<br />

في لبنان،‏ وكأنها كانت كلها على خطأ،‏ وأنها اشتركت في الحرب الأهلية بتخطيط<br />

وتصور مسبقين . وربما فعلت ذلك خشية أن تظهر متحيزة لطرف من الأطراف،‏<br />

ولتنأى بروايتها عن الانحياز لفريق دون فريق،‏ فتظل مقبولة من الأطراف كلها،‏<br />

63<br />

53<br />

54<br />

ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

155<br />

الخطيب،‏ د.‏ حسام:‏ حول الرواية النسائية في سورية،‏ مجلة المعرفة عدد<br />

166 ص 80 وعدد 169<br />

87


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

وجاء ذلك على حساب الحقيقة والمنطق،‏ إذ كل حرب،‏ فيها معتد ومعتدى عليه،‏<br />

ومواقف خاطئة ومواقف صحيحة،‏ ولا يمكن أن تقوم حرب بين أشرار فقط .<br />

وربما عاد هذا الموقف إلى أن الكاتبة لم تخض تجربة الحرب الأهلية اللبنانية،‏<br />

ولم تعش أجواءها،‏ وجمعت معلوماتها وانطباعاتها عن تلك الحرب من حديثها مع<br />

55<br />

الآخرين ومن وسائل الإعلام . أو لأنها كتبت الرواية في بداية الحرب،‏ ولم تكن<br />

ملامحها قد اتضحت بعد،‏ ولم تعلن أهداف المشاركين فيها الأمر الذي قد يسبب خللا<br />

في الرواية عند الأديب ويدخل التناقض على أحكامه ونتائجه قبل انجلاء حقيقة الحرب<br />

وتحول أحداثها ونتائجها إلى مكونات فنية روائية ناجحة .<br />

لقد حاولت الكاتبة استدراك هذا القصور في الرؤية بالتقديم والخاتمة،‏ حتى لا<br />

يساء تأويل مقولاتها،‏ فبدأت الرواية بإضاءة،‏ قالت فيها:"‏ إلى لبنان .. لبنان الحب<br />

والجمال والفرح،‏ ثم .. لبنان الدمع<br />

56<br />

" . تشير بذلك إلى أن الحرب الأهلية أفسدت<br />

لبنان،‏ وحولت المعاني الجميلة التي يمثلها إلى معان مشوهة وصور وحشية وحزن<br />

عميق .<br />

وتركت الخاتمة مفتوحة،‏ تحمل إدانة واضحة للحرب،‏ قالت فيها:"وما تزال<br />

57<br />

صفحات من حرب دامية حمراء،‏ تنتظر ك ُتب الاعمار البيضاء"‏ .<br />

أما حوار الشخصيات،‏ فإنه غالبا ً لا يستقيم كثيرا ً مع طبيعة الشخصية،‏ وإنما هو<br />

حديث الكاتبة المثقل بمعارفها وشاعريتها،‏ كالحديث السياسي الذي أجرته على لسان<br />

البطلة:"‏ سوف يعرف الفلسطينيون أن لبنان أعطاهم الحماية والرعاية مغموسة مع<br />

اللقمة ونسمة الحياة،‏ فعليهم أن يكونوا أشد حرصا ً على وجودهم لبنانيا ً من وجودهم<br />

55<br />

56<br />

57<br />

الفيصل،‏ د.‏ سمر روحي:‏ ملامح في الرواية السورية ص<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ بستان الكرز ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

501<br />

50<br />

286<br />

64


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

58<br />

فلسطينيا ً أو عربي ًا"‏ . فلا يمكن أن يصدر هذا الكلام عن طالبة جامعية،‏ وإنما هو<br />

حديث قائد سياسي أو محلل سياسي . وجزؤه الثاني ليس له معنى،‏ فما المقصود من<br />

الحرص على وجودهم لبنانيا ً أكثر من وجودهم فلسطينيا ً أو عربيا ً؟ أهو الانغماس في<br />

الصراع اللبناني أم تحاشيه؟<br />

ومثل تلك العبارات الشعرية التي أجرتها على لسان البطلة،‏ كوصفها للأستاذ<br />

الجامعي المشبوه بقولها:"هذه الوحوش الحضارية المعط ّرة الأنيقة"‏ أو ردها<br />

على حبيبها بقولها:"الناس يتساقطون مثل ثمار فجة مرة،‏ وهو يتحدث عن قطاف<br />

59<br />

الحب"‏ . وهذا كلام لا تقوله إلا أديبة متمرسة،‏ لها فيض شاعري ولغة منمقة،‏ وليت<br />

الكاتبة جعلت البطلة أديبة أو شاعرة،‏ حتى يستقيم كلامها مع شخصيتها،‏ وتجد مخرج ًا<br />

لهذا الميل إلى الوصف والشاعرية في حوارها وسردها،‏ لأن الكاتبة ت ُداخل بين<br />

حديثها عن الشخصيات وحديث الشخصيات عن نفسها،‏ فلا يتميز السرد من الحوار<br />

الداخلي،‏ ولا يتميز ما هو تقديم للشخصية ومناجاتها لنفسها من التعقيب على الحدث<br />

والموقف،‏ كقولها:"‏ كل عيار ناري يغتال بسمة<br />

أفاعٍ‏ باضت وفق ّست ..<br />

..<br />

وكل انفجار يفترس فرحا ً،‏ وللفزع<br />

60<br />

وملأت كل بساتين التفاح والكرز،‏ وكل الجبال والكروم"‏ .<br />

وكذلك وصفها تحول ناديا من فتاة طائشة إلى فتاة واعية بقولها:"‏ الثالث من<br />

آذار عيد ميلاد ناديا . كانت خيوط الشرنقة قد تمزقت،‏ ولم يبق إلا خيط وتنطلق<br />

الفراشة إلى النور،‏ وتفرد جناحيها لتطير إلى العالم الرحب<br />

61<br />

اللهب،‏ ربما يفترسها طائر الوحش .." .<br />

. ربما تحرق جناحيها من<br />

65<br />

58<br />

59<br />

60<br />

61<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

8<br />

14<br />

24<br />

206


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

إن المفارقة بين الشخصية وكلامها نابعة من طبيعة السرد الذي اتبعته الكاتبة في<br />

روايتها،‏ فإنها تتحدث عن الشخصية وبلسانها،‏ فلم تستطع الانسحاب من الشخصية<br />

في الوقت المناسب،‏ وظل اندماجها مع الشخصية مستمرا ً،‏ فلم تتنبه على خصوصية<br />

الشخصية ومستواها الفكري . وقد أدى هذا كله إلى اضطراب في رسم بعض<br />

الشخصيات النسائية وفي بعض مواقفها،‏ مما أفقدها شيئا ً من الصدق الفني،‏ وخاصة<br />

في ظل بناء روائي أضرت به الإطالة والإفراط في التحليل والتعقيب وتخيل أماكن<br />

وأحداث لم تخدم الرواية فنيا ً أو فكريا ً،‏ فلم تصبح الرواية معادلا ً موضوعيا ً للمقولات<br />

الفكرية التي أرادت الكاتبة توصيلها إلى المتلقي .<br />

وقالت الكاتبة عن شخصياتها:"شخصيات رواياتي ليست مبهرة .. ولا ساطعة،‏ ولا<br />

نماذج،‏ بل هي صور في الحياة من حولنا<br />

..<br />

نساء واقعيات<br />

وإن كن .. بسيطات ..<br />

بمعنى ما بطلات وطنيات أو قوميات أو حتى اجتماعيات أو منتصرات بطريقة أو<br />

بأخرى على ذواتهن ‏.."وأضافت قائلة:"‏ المهم في الشخصيات عندي أيضا ً ليس في<br />

تشابهها أو توافقها أو تطابقها مع الحياة،‏ بل أن تكون هي نفسها نابضة بالحياة ليس<br />

المهم أن تكون قد عاشت فعلا ً بل يمكن أن تعيش أو أن نراها بيننا،‏ وهي تحمل<br />

..<br />

..<br />

سماتها وملامحها . ويبقى السؤال:‏ أين أنا من هذه الشخصيات؟ هل أشبه هذه أو تلك؟<br />

الحقيقة أنهن لسن أنا،‏ إنما في كل واحدة منهن بعض مني من ملمح من ملامح<br />

62<br />

شخصيتي،‏ فكرة من أفكاري .<br />

..<br />

لقد حاولت الكاتبة أن تقدم الأمثلة المختلفة للمرأة العربية في هذه الرواية،‏ وأن<br />

تعرض الآراء السائدة حولها،‏ والمواقف المتناقضة التي تتنازعها،‏ فقدمت الفتاة المثقفة<br />

المناضلة،‏ والفتاة التي لا تهتم إلا بقشور الحضارة،‏ والمرأة المناضلة والمرأة التي<br />

تدور حول ذاتها،‏ والمرأة الطاهرة التقية والمرأة المومس،‏ فحالفها النجاح مرة،‏<br />

وخالفها أخرى .<br />

62<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ تجربتي في الرواية،‏ مجلة دراسات اشتراكية،‏ عدد<br />

183-182 ص 456<br />

66


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

الأشباح:‏<br />

إذا استثنينا ليلى بطلة الرواية،‏ نجد جميع الشخصيات النسائية أقرب إلى الواقع<br />

في محاسنها ومساوئها . سميرة الجميلة غير المثقفة التي لا ترى حياتها بعيدا ً عن<br />

الرجل،‏ وهدى المثقفة العاملة التي لا تتنطع ولا تتدخل في السياسة،‏ والأم الضعيفة<br />

المترددة،‏ والخادمة حسنا التي لا تمتلك من أمر نفسها شيئ ًا .<br />

والواضح أن الكاتبة لم تصرف جهدها نحو رسم متقن للشخصيات،‏ وإنما لاحقت<br />

أحداثا ً كثيرة متشابهة ومتخيلة عن حركة الأشباح في البيت القديم<br />

. ويبدو أنها شعرت<br />

بتفكك الرواية قبل طبعها،‏ فاعتذرت لذلك بكتابة همسة صغيرة بلغة شاعرية مبهمة،‏<br />

حاولت فيها أن تظهر ملابسات كتابة الرواية،‏ وتسويغ ضبابيتها وفجوات بنائها الفني<br />

وغموض مقولتها،‏ قالت فيها:"المهم أنني حاولت أن أُلملم كل الأجزاء التي كانت<br />

مبعثرة أمامي حتى صنعت منها عملا ً فنيا ً،‏ له خصائصه المعينة ..<br />

لقد حاولت الكاتبة تبسيط الأمور،‏<br />

في تناول الأحداث<br />

63<br />

وأهدافه المعينة"‏ .<br />

"<br />

64<br />

. "<br />

فنتج عن التبسيط نوع من السطحية الانفعالية<br />

ومما أضر بمصداقية الشخصيات إنطاقها بكلام لا يعقل أن يصدر عنها،‏ أو أنه<br />

يحمل مباشرة في طرح الآراء السياسية،‏ مثل الحوار بين أحمد وأخته ليلى:‏<br />

" وأنا تعلمت أن الدوافع الفردية السلبية ليست حافزا ً للنضال،‏ بل هي من عيوبه<br />

ألم تقل لي مرة:‏ إن علينا أن ننسى من نحن؟<br />

ننسى من نحن .. صحيح ..<br />

65<br />

دون أن ننسى ما الذي يكون هذه النحن"‏ .<br />

.<br />

فهذا كلام غامض،‏ لا يصح عند التدقيق،‏ فكيف يمكن الفصل في المقاومة بين<br />

الدوافع الفردية والدوافع الجماعية،‏ وماذا يمكن أن تكون الدوافع الفردية؟ أهي الالتحاق<br />

67<br />

63<br />

64<br />

65<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ الأشباح ص<br />

10<br />

ماضي،‏ شكري:‏ انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية ص<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ الأشباح ص<br />

42<br />

184


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

بالمقاومة لأن الأخ أو الحبيب التحق بها؟ أم لأن المرء قد يكون فقد في العدوان<br />

حبيبا ً أو بيتا ً،‏ يريد الثأر للضحية واسترجاع المغتصب؟ ثم كيف ننسى شخصيتنا،‏ ولا<br />

ننسى مقومات هذه الشخصية؟<br />

ويستغرب في هذه الرواية بعض الوقائع والمواقف التي ذكرتها الكاتبة،‏ أو جاءت<br />

في الحوار،‏ مثل وقوف الحكومة ضد المقاومة للعدوان الصهيوني،‏ ومثل تقريبها بين<br />

مكان الرواية،‏ وهو ضاحية ل<strong>دمشق</strong> وبين الجولان وفلسطين،‏ حتى يذهب الفدائيون إلى<br />

عملياتهم ضد العدو،‏ ويعودون بسرعة وبساطة،‏ أو أن يتسلل إلى المكان عملاء العدو<br />

الصهيوني . وكذلك وجود جماعات مشبوهة،‏ مثل جماعة ياسر الفرحان،‏ وهو ضابط<br />

سابق في الجيش،‏ قالت عنها على لسان إحدى الشخصيات:"‏ ياسر ليس موثوقا ً هو<br />

66<br />

وزمرته،‏ إنهم يدعون للصلح مع العدو،‏ وينظمون الحملات ضد الحرب والمقاومة"‏ .<br />

وجاء في حوار بين أحمد ويوسف الهارب من الأسر:‏<br />

" ومن كان عضو الارتباط بينكم وبين العدو حتى هربتم؟<br />

ياسر الفرحان وجماعته،‏ ظلوا ثلاثة أشهر يوهمونني أن الحكومة لا توافق على<br />

67<br />

هربي"‏ .<br />

ربما أرادت عضو الارتباط مع الحكومة وليس مع العدو،‏ ولم تتنبه على ذلك،‏<br />

فهذا كلام لا معنى له،‏ وهذه وقائع من العجائب والغرائب التي نسجها خيال الكاتبة،‏<br />

فهي لا تستقيم مع الواقع الحقيقي أو المفترض،‏ ولا مع منطق الرواية نفسها . فكأن<br />

الكاتبة انطلقت من الأفكار المسبقة إلى الرواية،‏ ولم تحاول تحليل المجتمع الروائي<br />

لتخلصه من التناقض ومن انحرافه عن الواقع . وهذا يثبت أن الروائية شاركت<br />

الروائيين الآخرين الذين تعاملوا مع الواقع<br />

"<br />

تعاملا ً ذهنيا ً،‏ فلم يتعرفوه،‏ ولم يحاولوا<br />

66<br />

67<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

112<br />

222<br />

68


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

تحليله لمعرفة جوهره<br />

..<br />

68<br />

إلى الواقع"‏ .<br />

لم ينطلقوا من الواقع إلى أذهانهم،‏ وإنما انطلقوا من أذهانهم<br />

وحاولت الكاتبة تخفيف وقع الأحداث القاسية والكلام السياسي المباشر على<br />

المتلقي بالوصف والعبارات الشعرية البديعة عند تقديم الشخصيات أو إنطاقها،‏ مثل<br />

وصفها لمرض الأم بقولها:"‏ ينسحب لون الأم حتى يغدو شمعيا ً،‏ تضطرب أنفاسها،‏<br />

ويرتمي رأسها مثل ثمرة ذابلة<br />

بقولها:"‏<br />

69<br />

" . ووصفها لجلوس الفتاتين إلى جانب سرير الأم<br />

70<br />

مثل قطتين لبثتا تحت أقدام السرير"‏ . ووصفها لحال الأسرة بقولها:"القلق<br />

71<br />

يحوم حول أفراد الأسرة مثل طائر حبيس"‏ ووصفها لهدى بعد الخطوبة:"سعادتها<br />

72<br />

هادئة ناعمة،‏ تشربها كما لو أنها ماء عذب ضروري للحياة"‏ . ووصفها لهدى<br />

73<br />

وخطيبها بقولها:"تتفتح مشاعرهما مثل زهور برية"‏ .<br />

هذه عبارات جميلة تفيض بالدلالات والأحاسيس المرهفة،‏ وتؤدي مهمة حيوية<br />

في الرواية،‏ فهي تنتقل بالأحداث وتبرز المشاعر وتمتع المتلقي .<br />

إن رفع شأن المرأة العربية لا يعني تخيل نساء ليس لهن ظل في الواقع،‏<br />

شخصياتهن مفككة،‏ وحوارهن مثقل بالمباشرة أو مفتقر إلى الانسجام معهن،‏ وهذا ما<br />

توحي به شخصية البطلة الصغيرة التي حازت الجزء الأكبر من الرواية<br />

. أما<br />

الشخصيات النسائية الأخرى،‏ فهي الشائعة في الرواية العربية،‏ وإن بدت ملامحها<br />

69<br />

68<br />

69<br />

70<br />

71<br />

72<br />

73<br />

الفيصل،‏ د.‏ سمر روحي:‏ الاتجاه الواقعي ص<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ الأشباح ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

316<br />

19<br />

21<br />

45<br />

81<br />

85


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

باهتة،‏ ليس لها خصوصية أو تميز،‏ وكأن كل شخصية تجسيد لفكرة قبل أن تكون<br />

كائنا ً حيا ً يتحرك على الورق .<br />

لقد ظل الرجل مؤثرا ً في حياة النساء على الرغم من إظهار بعضهن الرغبة في<br />

الابتعاد عن هذا التأثير والانطلاق في مواقفهن من قناعتهن الخاصة،‏ وامتلاك قرارهن<br />

ومصائرهن .<br />

طائر النار:‏<br />

حملت الكاتبة بطلة الرواية ثقافتها ومعرفتها في الأدب والفلسفة وعلم النفس،‏ ولا<br />

ندري كيف استطاعت فتاة لا يتعدى تعليمها الثانوية أن تصل بسرعة إلى ثقافة عالية<br />

من قراءتها ومن حوارها مع المثقفين حتى تقول:"‏ وعدت أحمل صخرة عذابي،‏<br />

74<br />

وأصعد بها جبل سيزيف"‏ .<br />

بل ناقشت الكاتبة عبر شخصياتها مسائل ثقافية دقيقة وعميقة،‏ وبعض هذه<br />

المسائل مستهجن،‏ مثل الحديث الذي أجرته على لسان المخرج السينمائي سمير،‏<br />

وتوجه به إلى البطلة البسيطة عن الشعر العربي،‏ وجاء فيه:"أضعنا ف ُرص ارتقاء<br />

75<br />

الفلسفة وتطور العلم من أجل أن نحافظ على الشعر"‏ .<br />

‏"نحن لا نملك سوى هذا الشعر يعيدنا إلى عالمنا الماضي،‏ لا نملك آثارا ً<br />

..<br />

فنون ًا ..<br />

ولا لوحات ..<br />

76<br />

افتقارنا إلى الأوابد لا يعوضه إلا هذا الشعر"‏ .<br />

هذا الرأي يثير العجب والاستغراب<br />

ولا<br />

. هل أوقف الشعر العربي تقدم الفلسفة<br />

العربية الإسلامية؟ وأين ذهب الفلاسفة العرب والمسلمون الكبار الذين يعدون في<br />

أعلام الفلسفة في العالم؟ ألم يأخذوا فلسفات الأمم السابقة ويضيفوا عليها؟<br />

74<br />

75<br />

76<br />

كيلاني،‏ قمر:‏ طائر النار ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

المصدر نفسه ص<br />

122<br />

46<br />

99<br />

70


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

يبدو أن الكاتبة تقف بالشعر عند العصر الجاهلي الذي لم يترك لنا آثارا ً ملموسة،‏<br />

وتجاهلت العصور اللاحقة التي ترك العرب فيها آثارا ً عظيمة وأوابد هائلة في العمارة<br />

والزخرفة،‏ وكذلك في فن الموسيقا وسواه،‏ إلى جانب الشعر وفنون النثر التي<br />

تجاوزت الشعر الجاهلي في مضمونها وأساليبها .<br />

وعلى الرغم من تمرد البطلة وسعيها إلى حياة أفضل،‏ وجرأتها في ارتياد عوالم<br />

بعيدة عنها،‏ فإنها لم تحقق استقلالها عن الرجل في أي مرحلة من مراحل حياتها،‏<br />

وكذلك بقية الشخصيات النسائية في الرواية،‏ بل إن مصائرهن ظلت مرتهنة بأمر<br />

الرجل،‏ وهو ما يخالف التوجه الذي أرادته الكاتبة،‏ حين دعت إلى الانعتاق من أسر<br />

التقاليد،‏ وممارسة المرأة لحريتها في اختيار مصيرها . وتأكد ذلك في النهاية التي<br />

صارت إليها البطلة .<br />

خاتمة<br />

من الطبيعي أن تجعل الكاتبة أبطال رواياتها من النساء،‏ لأنها تحمل قضية المرأة<br />

العربية،‏ التي ت ُنتقض حقوقها،‏ وت ُهدر إمكاناتها،‏ لكن ذلك لا يعني إهمال الرجال،‏<br />

وإظهارهم في كثير من الأحيان شخصيات ثانوية ، مهمتها كشف توجه المرأة<br />

وأرائها.‏<br />

وعناية الروائية بالشخصيات النسائية أمر إيجابي بذاته،‏ ولاسيما حين قدمت<br />

معظم توجهات النساء ومواقعهن،‏ ولكن حماستها جعلتها تضفي على بطلاتها هالة من<br />

الكمال،‏ وظنت أن المثال القادر على التغيير هو الفتاة الشابة التي لم تكمل دراستها<br />

بعد،‏ بسبب حيوية الشباب واندفاعه،‏ وهذا ليس صحيحا ً،‏ فالنساء القادرات على التغيير<br />

هن صاحبات الثقافة العالية والتجربة الغنية في الحياة.‏<br />

واختارت الكاتبة بطلاتها من واقع حروب أو من مواقع بعيدة عنها،‏ فزجت نفسها في<br />

عوالم لا خبرة لها فيها،‏ لذلك افتقد تشكيل الشخصيات الإقناع،‏ وزاد في ذلك تحميل<br />

البطلات ثقافتها وآراءها من غير مراعاة لطبيعة الشخصية وثقافتها.‏<br />

71


المرأة في رواية قمر كيلاني<br />

وقد وضعت الشخصيات النسائية في بحر من الأحداث المتماثلة،‏ وأغرقتها في سيل<br />

من التحاليل والتعقيب والتأمل،‏ كان يمكن أن يختصر ذلك كله ويكث ّف،‏ ويكتفى منه<br />

بالحدث ذي الدلالة،‏ ولذلك كث ُرت عندها المصادفة والمفاجأة ولعبة المذكرات التي<br />

اتخذتها حلا ً لمشكلات الحبكة الروائية .<br />

ومع ذلك حاولت الروائية في تجربتها الروائية أن تعطي المرأة حقها من الاهتمام<br />

والتقدير،‏ وأن تظهر أثرها في الحياة العامة والقضايا المصيرية،‏ فنجحت في معظم<br />

مقولاتها وفي التعبير الروائي الفني عنها،‏ وأخفقت في قليل منها،‏ لهذا تعد الكاتبة من<br />

الروائيات العربيات الرائدات اللواتي سعين إلى إعطاء المرأة حقها،‏ وتصحيح<br />

صورتها في الرواية العربية.‏<br />

72


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />

فادية المليح حلواني<br />

المصادر والمراجع<br />

•<br />

عدد<br />

أبو هيف،‏ عبد االله:‏ مصادر دراسة المرأة والأدب في سورية،‏ الموقف الأدبي<br />

180 نيسان 1986 ص . 45<br />

•<br />

الخطيب،‏ د.‏ حسام:‏ حول الرواية النسائية في سورية،‏ مجلة<br />

المعرفة عدد 166 كانون الأول 1975 م والعدد<br />

169 آذار 1976 م .<br />

•<br />

شعبان،‏ د.‏ بثينة:‏ مئة عام من الرواية النسائية العربية . دار الآداب<br />

– بيروت –<br />

2000 م<br />

•<br />

– 1992 م .<br />

ضويحي،‏ د.‏ هيام:‏ الرواية النسائية في سورية،‏ <strong>دمشق</strong> مطبعة العجلوني،‏ ط<br />

1<br />

•<br />

فراج،‏ عفيف:‏ الحرية في أدب المرأة،‏ مؤسسة الأبحاث العربية،‏ بيروت،‏ ط‎2‎<br />

–<br />

1980 م .<br />

•<br />

الفيصل،‏ د.‏ سمر روحي:‏ الاتجاه الواقعي في الرواية السورية،‏ اتحاد الكتاب<br />

العرب <strong>دمشق</strong><br />

كيلاني،‏ قمر:‏<br />

الأشباح،‏ رواية ‏.المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع-‏ طرابلس-‏<br />

- بستان الكرز،‏ رواية ‏.اتحاد الكتاب العرب<br />

تجربتي في الرواية،‏ مجلة دراسات اشتراكية،‏ العدد<br />

آذار ونيسان وأيار وحزيران<br />

طائر النار،‏ رواية . اتحاد الكتاب العرب<br />

ملامح في الرواية السورية،‏ اتحاد الكتاب العرب،‏ <strong>دمشق</strong><br />

ماضي،‏ شكري:‏ انعكاس هزيمة حزيران على الرواية العربية،‏ المؤسسة<br />

العربية للدراسات والنشر،‏ بيروت<br />

1980<br />

1977<br />

– 183-182<br />

– <strong>دمشق</strong><br />

– <strong>دمشق</strong> - 1981<br />

1979 م .<br />

.<br />

2000 م .<br />

1978 م .<br />

1986 م .<br />

•<br />

-<br />

-<br />

-<br />

•<br />

تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />

.2003/5/7<br />

73

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!