29.03.2015 Views

DEUTSCHLAND-INDEX

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

ٍ<br />

اليمن:‏<br />

أمين اليافعي *<br />

في اآلونة األخيرة،‏ حصلت طفرةً‏ كبيرةً‏ في مقاربة<br />

‏"الحالة اليمنية"،‏ وتحليل جذورها،‏ ورسم معالم<br />

ومسالك شتى يُتْوَقّع أن تَسْ‏ لُكه األحداث والتطورات<br />

في قادم األيام.‏<br />

وألن هذه المقاربات تقوم،‏ في الغالب األعم،‏ على<br />

قراءة الحالة اليمنية اعتماداً‏ على مقايسات ومقارنات<br />

تستحضر دوماً‏ حاالتٍ‏ عربيةٍ‏ يُعتقد على نحو واسع<br />

أنها مشابهةٌ‏ أو قريبةٌ‏ من هذه الحالة أو ربما صارت<br />

رائجة وسهلة االستدعاء من كُثر ما أُشبِعت كالماً‏<br />

وتحليالً،‏ كالحالة السورية والعراقية واللبنانية<br />

والليبية والصومالية،‏ فإن نتائج هذا المقاربات كانت<br />

على الدوام ونتيجة لهذه المقايسات السهلة والسريعة<br />

تفتقد للدقة في استخالصاتها النهائية.‏<br />

وعلى سبيل المثال لمثل هذه االستخالصات،‏<br />

االستخالص البارز أو الرئيسي بتوقع ‏"انهيار<br />

الدولة"‏ في اليمن.‏<br />

قد نتفهم هذا االستنتاج على أنه محاولة متوسِ‏ لة<br />

للتخويف والتحذير من سوء العاقبة التي تنتظر<br />

هذا البلد العربي،‏ تخويف غرضه تهدئة اندفاع<br />

بعض القوى المتوثبة لبسط السيطرة وفرض األمر<br />

الواقع على األرض بقوة السالح وحدها،‏ وتحويل<br />

البلد بكامله،‏ فيما بعد،‏ إلى ‏"ابتزاز"‏ مفتوح،‏ على<br />

قرار شيك مفتوح،‏ في بورصة التجاذبات اإلقليميّة<br />

والدوليّة التي انتعشت بقوةٍ‏ في الفترة األخيرة.‏<br />

لكن الحديث عن ‏"انهيار الدولة"‏ هو حديثٌ‏ مراوغٌ‏ ،<br />

فالدولة،‏ بمعناها الشامل،‏ ليست موجودة،‏ ولم تُوجد<br />

قط في صنعاء حتى تنهار.‏ لقد اعتادت صنعاء أن<br />

تُصرِ‏ ف أمورها في قنواتٍ‏ ومسالكٍ‏ تقليديةٍ‏ بحتةٍ‏<br />

وخارج أي صورةٍ‏ أو نمطٍ‏ للدولة ومؤسساتها<br />

ووظائفها،‏ أما المؤسسات الحداثية،‏ فكانت جميعها<br />

أضخم عملية ديكور حدثت في واقع أي سياسي<br />

لدولة على مستوى التاريخ العالمي المُعاصر،‏<br />

وهذه العمليّة ساهمت بصناعتها والترويج لها قوى<br />

خارجية عدّة،‏ وتحت مبرراتٍ‏ كثيرةٍ،‏ يَطُ‏ ول شرحها.‏<br />

قبل بضع سنواتٍ‏ ، وفي ذروة القبضة األمنية لنظام<br />

علي عبدالله صالح،‏ اعتدى رجلٌ‏ من قبيلةٍ‏ كبيرةٍ،‏<br />

وبال أي صفةٍ‏ رسميّةٍ،‏ على شخص رئيس الوزراء،‏<br />

المدني الذي ال قبيلة له.‏ توافدت القبائل حينها،‏<br />

وذُبِحت ‏"البقر"‏ فوراً،‏ كتعبيرٍ‏ عن كل شيءٍ؛ الحُ‏ كم<br />

والعقوبة والقانون والحق،‏ كل شيءٍ‏ صُ‏ رِّف مع دم<br />

البقر المسفوك،‏ وأما اللحم فيقوم الطرفان،‏ الجاني<br />

والمجني عليه،‏ بالتهامه،‏ وربما بشهيةٍ‏ مفارقةٍ،‏ وفي<br />

احتفاليةٍ‏ باذخةٍ!‏<br />

لكن المصيبة،‏ وفي بلدٍ‏ كاليمن تتكرر فيه مثل هذه<br />

المشاهد كل يومٍ‏ تقريباً،‏ ال تكمن هُنا فحسب،‏ بل في<br />

تصورات الناس،‏ وخصوصاً‏ النخب،‏ لطبيعة الواقع<br />

الذي يعيشون فيه،‏ وقراءتهم وتأويلهم له،‏ وهي<br />

تأويالت وتصورات تنعكس بالضرورة على فهمهم<br />

لهذا الواقع وكيفية تعاطيهم معه.‏ فبعد تلك الحادثة<br />

الشهيرة قام أحد الوزراء،‏ الذي أراد أن يُلقي موعظةً‏<br />

مدنيةً‏ مؤثرةً،‏ فنعى ‏"القانون"‏ الذي ذُبِح مع البقر،‏<br />

لكن هذا الوزير ‏)الحداثي جداً(‏ نسي تماماً‏ أن الكالم<br />

النظري الذي يحويه ما يُسمى مجازاً‏ ب"الدستور"‏<br />

والقوانين المنبثقة عنه،‏ وعلى أساسها قَبِل أن يكون<br />

وزيراً،‏ ليس فيه أي قطرةٍ‏ دمٍ‏ منذ أن جاء إلى هذه<br />

الحياة،‏ ولم يملك يوماً‏ ألحدٍ‏ حياةً‏ أو نشورا.‏ لكن ومع<br />

أنه يعرف ذلك جيدا،‏ وربما منذ زمنٍ‏ بعيدٍ،‏ إال أنه<br />

رضي،‏ في واقع الحال،‏ أن يدخل في صلب هذه<br />

العالقة البخسة،‏ بمنصبٍ‏ رفيعٍ!‏<br />

ما نُريد قوله هُنا،‏ وباختصار،‏ أن مفهوم ‏"االنهيار"‏<br />

الذي بات يُلوّح به هذه األيام،‏ وألسبابٍ‏ ذكرناها،‏<br />

ال يمكن الرهان عليه في المساعي الشغوفة<br />

بمحاصرة وإنهاك القوى المندفعة كجلمود صخرٍ‏<br />

من الهضبات الشمالية تخوفاً‏ من صب مزيداً‏<br />

من النار على الزيت في هذا المنطقة المشتعلة<br />

صِ‏ راعاً‏ وحروباً.‏ فالقوى التقليديّة في صنعاء،‏ وكما<br />

هو معروف،‏ لديها مرونة فائقة في التأقلم مع كل<br />

الوضيعات والحاالت،‏ وال مانع لديها أن تعيش في<br />

دوامة أي انهيار،‏ وهو حالٍ‏ اعتادت أن تعيشه بالفعل<br />

منذ سنواتٍ‏ بعيدةٍ،‏ وال أدري كيف يكون لالنهيار<br />

معنى أو قيمة ولطالما تفنتت باستمرار في أداء<br />

رقصتها األثيرة على رؤوس كل األزمات والثعابين<br />

واالنهيارات.‏<br />

في أسوأ أسوأ األحوال،‏ ستقوم هذه القوى بتجييش<br />

عشرات وربما مئات آالف من شباب قبائلها<br />

المستعدة للحرب في أي لحظة،‏ شبابٌ‏ طالما كانت<br />

أرزاقهم على رؤوس طلقات كالشنكوفاتهم.‏ ثم لن<br />

يستعصي عليها الحصول على ممولٍ‏ خارجيٍّ‏ ،<br />

سخيٍّ‏ بالضرورة،‏ وقد بات ينتظر بشغفٍ‏ ولوعةٍ،‏<br />

عند طرف الردهة،‏ إلشارة بسيطةٍ‏ حتى ينهال<br />

بعروضه وتقديم خدماته،‏ وليُساهم بالضرورة في<br />

دفع عجلة التوتر والتجاذبات الدوليّة في هذه المنطقة<br />

االستراتيجيّة أكثر فاكثر.‏<br />

لقد لعبت الدولة في الجنوب التي جاءت بفعل تراكم<br />

خبرات تاريخية عن طريق انفتاح هذا الجزء من<br />

العالم على الخارج،‏ واالحتكاك المتواصل مع تجارب<br />

شعوب عديدة شرقاً‏ وغرباً،‏ دوراً‏ هاماً‏ في ضبط كثير<br />

من االيقاعات،‏ والحيلولة دوماً‏ دون انزالق األمور<br />

إلى هاويّةٍ‏ سحيقةٍ.‏ وحتى في أوج انحيازها للمعسكر<br />

االشتراكي،‏ احتفظت الدولة بمسئولياتها والتزاماتها<br />

إلى حدٍ‏ كبيرٍ‏ ، واألهم احتفاظها بسماتها ووظائفها<br />

كاملةً،‏ فمهما بلغت األمور واألوضاع سوءاً‏ وتردياً،‏<br />

كان يوجد هنالك ما يجعلها تبقى على الدوام ككيان<br />

دولة،‏ ويمنعها من أن تتحول إلى مجرد ‏"عِ‏ صابةٍ"‏<br />

للسطو،‏ تقوم على تأجير خدماتها لكل من هب<br />

ودب.‏ ومنذ الوحدة أضفت طابعاً‏ مدنياً‏ ومؤسساتياً‏<br />

على النظام التقليدي في صنعاء.‏ لكن هذه الطابع<br />

كان يُصيب صالح وامتدادات نظامه العصبوي<br />

والعِصاباتي بالقلق والهيستيريا،‏ فعمل على مسح<br />

ومحو كل أثاره ومكتسباته بعنايةٍ‏ فائقةٍ،‏ وقد وفرّت<br />

له كثيرٌ‏ من الظروف واألوضاع اإلقليمية والدولية<br />

كماً‏ هائالً‏ من األعذار والحجج لتبرير عملية المحو<br />

هذه لشركائه ‏)الخارجيين(.‏<br />

اليوم،‏ وبِما أن المنطقة تقف على صفيحٍ‏ ساخنٍ‏ ، فإن<br />

الرهان على االنهيار الكلي في صنعاء إلنهاك القوى<br />

المغتصبة للسلطة،‏ هو رهان لن نقول عنه خاسراً،‏<br />

ولكنه قد يكون غير ذا جدوى.‏ فبدون قيام دولة<br />

حقيقية قوية في هذه المنطقة االستراتيجيّة تحول<br />

دون انتشار هذه المليشيات وتوقف زحفها وتهديدها<br />

ألمن واستقرار المنطقة،‏ فإن األمور ستبقى بدون<br />

ضابطٍ‏ أو رادعٍ‏ حقيقي على األرض،‏ هي حالةً‏<br />

وخطيرةً‏ في كل أوجهها وأبعادها!‏<br />

* كاتب يمني مقيم في ألمانيا<br />

19

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!