La guerre médiatique à Gaza et la culture coloniale - Université de ...

La guerre médiatique à Gaza et la culture coloniale - Université de ... La guerre médiatique à Gaza et la culture coloniale - Université de ...

21.04.2014 Views

نعيشها اليوم كتابة وتدريسا قادرة على إحداث التغير املنشود؟ إذن فالغاية التي يجب أن يحددها الدرس أوال هي ما مدى فاعلية اللغة التي ميتلكها للتأثير بها في الواقع،‏ تغييرا وتوجيها وقيادة.‏ إذ ال يكفي القرار السياسي والتربوي إذا لم يكن للغة من وجود فعلي قائم في أرض الواقع.‏ إن حتديد الغاية،‏ وتعيني،‏ وتسطير اخلطوات،‏ عمليات نفعية في أساسها األول ال ميكن لها أن تفكر في اجلانب الغائي،‏ ألنها تواجه حتديا وعليها أن تتولى إزالة العقبات من طريقها للوضول إلى غايتها.‏ فما كان في البحوث القدمية أوليا جوهريا يتحول إلى ثانوي عرضي،‏ وذلك إلى حني يستتب األمر وتعود األمور إلى نصابها املثالي.‏ ‏-‏‎2‎اإلعداد:‏ إنه التحضير الذي ينتهي إلى إيجاد برنامج عملي إلحداث التحول املنشود.‏ غير أن عملية اإلعداد تكتسب خطورتها من حيث كونها العملية التي تقوم على املعطيات الدقيقة السليمة التي تستبعد من حسبانها كل ما يشوش حساباتها من آراء وتوجهات سياسية وغيرها.‏ ذلك ألن العمليات التي تقوم على معطيات التحضير سكون سليمة إذا كانت مقدماتها سليمة دقيقة،‏ أما إذاغ كانت املعطيات غير دقيقة،‏ أو كانت عرضة لتشوهات قيمية فإن العمليات كلها ستبوء بالفشل الذريع.‏ إن أمثلة ذلك كثيرة في الواقع العربي،‏ وفي شتى مجاالت املواجهة،‏ سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية أو تربوية.‏ ألنها قامت على تقارير مثالية أملتها نزعات سياسية بعيدة كل البعد عن الواقع املعيش.‏ ‏-‏‎3‎العزم:‏ إنه العنصر األساس في عمليات اإلجناز.‏ وليس العزم إال رديف الغاية،‏ ووجهها العملي الذي يجسده التحضير اجليد للمشروع.‏ إننا حني نستعرض مسألة اللغة في خضم العوملة،‏ ونحد غايتنا من خالل التأثير في الواقع قصد تغييره،‏ فإننا لن نصل إلى شيء ذي بال من دون العزم ألن كل ما سبق إمنا هو مجرد متثل نظري ومادي للمشروع مفتقرا إلى إجناز.‏ والعزم هو احلركة البانية التي تتجه صوب اإلنشاء النهائي للغاية.‏ بعضهم ال يفرق بني العزم والتنفيذ في اخلطة السيبرنطيقية،‏ والبعض اآلخر يريد أن يكون للتنفيذ عنصره اخلاص الذي يلي العزم،‏ ويجعله حركة قائمة على العمل واملبادرة.‏ وليس يضر هذا الفهم أو ذاك إذا قررنا أن التنفيذ هو الضلع الثالث ملثلث املنهج السيبرنيطيقي.‏ ‏-‏‎2‎اللغة والعوملة:‏ إذا جئنا نطبق املنهج الذي عددنا خطواته من قبل،‏ وركزنا على اجلانب النفعي فيه قصد االستفادة من الوضعياات الثقافية والعلمية والتكنولوجية الرائجة في رحاب العالم اليوم،‏ كان علينا أن نتساءل أوال عن بعض املفاهيم التي تؤطر القضية في شموليتها.‏ ذلك أن العوملة اليوم هي الواقع الذي يفرض نفسه على اإلنسان..‏ أي إنسان،‏ في أي بقعة على األرض..‏ حتى اإلنسان الغربي الذي أفرز العوملة فإنه واقع حتت نيرها.‏ غير أن هذا العمالق املهيمن الطاغي ذي األوجه املتعدد،‏ واألذرع املمتدة في كل اجتاه يحول الكرة األرضية إلى دحية صغيرة يستطيع تقليبها بني أنامله كيفما شاء..‏ نسائله هل فيه شيء يتصل باللغة وماذا يقصد بالعوملة اللغوية،‏ أو هل هناك عوملة لغوية؟ فإذا نظرنا إلى مدلول العوملة الذي يعني جعل ما هو محلي عاملياً‏ ، أو االنتقال من احمللية اإلقليمية إلى العاملية:»‏ فهل هناك لغة انتقلت من احمللية إلى العاملية ، فتجاوزت نطاقاً‏ جغرافياً‏ محصورة ببلد أو بلدان ، لتصبح لغة عاملية يتحدث بها العالم كله على اختالف لغاته األصلية ؟ ال شك أن اجلواب الواضح هو اإليجاب،‏ وال شك كذلك أن تلك اللغة الوحيدة التي يصدق عليها ذلك الوصف هي اللغة اإلجنليزية.«‏ ( ) إن اإلقرار بهذه احلقيقة الواقعية التي فرضتها معطيات التاريخ واحلضارة،‏ جتعلنا نعاين الوضع من زاوية ال نخفي فيها عن أنفسنا حجم املسألة التي نود أن نعاجلها حني نطرح على أنفسنا السؤال التالي:‏ بأية لغة ندرس أبناءنا إذا أردنا اللحاق بالركب احلضاري الغربي؟ هل يجوز لنا التخلي عن لغتنا واعتناق لغة التكنولوجيا والتقدم العلمي،‏ حتى ال تفق اللغة حاجزا بيننا وبني منابع املعرفة في منابتها األصلية؟ وعندما نسجل هذا السؤال احملرج حقا،‏ نلتفت إلى األقوام التي تعاني مثلنا ثقل الظاهرة اللغوية،‏ والتي لها حظ من التقدم التقني،‏ كيف تسلك إزاء هذا املوقف..‏ صحيح أن كثيرا من األمم:»‏ تشعر بهذا اخلطر الداهم الذي ميثله تغلغل وانتشار اللغة اإلجنليزية،‏ ال سيما تلك الدول التي تعتز بحضارتها،‏ وتنظر بريبة النتشار الثقافة األمريكية،‏ ولم تستسلم بسهولة للهيمنة األمريكية على معظم جوانب احلياة ، في معظم البلدان ، فهذه فرنسا مثالً‏ وهي صديق لدود ألمريكا،‏ يدعو رئيسها جاك شيراك إلى إقامة « حتالف«‏ بني الدول التي تعتمد لغات من أصل التيني للتصدي بشكل أفضل لهيمنة اللغة اإلجنليزية،‏ وذلك لدى افتتاحه منتدى حول موضوع حتديات العوملة «) (. وليس من قبيل الترف اللغوي أن يتصدى رئيس فرنسا إلى العوملة اللغوية ليقيم في وجهها جدارا لغويا التينيا للحد من انتشار اللغة اإلجنليزية التي تعصف في أشرعتها رياح األسواق التجارية واملنجزات العلمية األكثر رواجا في األسواق.‏ فالتطور الذي تعرفه اإلجنليزية ليس متأتيا من كونها لغة راقية كاملة بل يأتيها من كونها لغة التجارة واألسواق واملال.‏ فاللغة اليوم تقاس بالعملة ذات الثقل امللحوظ،‏ وكل لغة تفقد ثقلها التجاري تتحول إلى عملة زائفة،‏ سريعا ما تنحط قيمتها ويتدهور رواجها.‏ إن الباحثني اليوم يقابلون بني االقتصاد اللغة مقابلة حية قائمة على مبدأ املنفعة الذي حتدثنا عنه من قبل.‏ ف ‏»فلوريان كوماس«‏ في كتابه ‏»اللغة االقتصاد«‏ يطرح التشاكل على النحو التالي ناقال عن ‏»جورج هامان«‏ »G.Hamman« قوله:»‏ النقود واللغة يتسم البحث فيهما بدرجة من العمق والتجريد توازي عمومية استعمالهما،‏ وهما مرتبطان أحدهما باآلخر بشكل أقوى مما يتصور،‏ ونظرية أحدهما تفسر نظرية اآلخر.‏ ويبدو أنهما يقومان على أسس مشتركة.«‏ ( ) وحني يدعو الرئيس الفرنسي إلى قيام حتالف لغوي التيني،‏ ال يقصد فقد اجلانب اللساني وحده وإمنا يقصد حتالفا يحرك عجلته االقتصادية عامال املال واللغة معا.‏ وحيثما دار املار املال دارت اللغة معه تطورا وتقدما.‏ إنها عني النظرة التي وجدناها من قبل عنه ابن خلدون حني ربط بني البالغة والعمران قائال بأن البالغة تتطور في أمم يتأنقون في عمرانهم.‏ وكأن العالقة غير منفصمة بني هذه الثنائيات.‏ فإذا كان همنا هو احلفاظ على لغتنا فإنه يتوجب علينا أن نخلق لها رواجا اقتصاديا يعضدها،‏ ورواجا علميا يدعمها.‏ قال الرئيس الفرنسي لدى افتتاحه منتدى في جامعة السوربون جمع بني الناطقني بالفرنسية واإلسبانية والبرتغالية إنه:‏ « في مواجهة قوة نظام مهيمن يحق لآلخرين حشد لقوى إلرساء املساواة في الفرص وسماع أصواتهم«.‏ ودعا شيراك الناطقني باإليطالية من االحتاد الالتيني إلى االنضمام إلى منظمة الفرنكفونية ومجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية واملنظمتني الناطقتني باإلسبانية للدول ألمريكية األيبيرية والقمة األيبيرية األمريكية.‏ أضاف أنه:‏ « من خالل منظماتنا اخلمس تصبح هناك 79 دولة وحكومة من كل القارات متثل 1.2 مليار رجل وامرأة يريدون اإلبقاء على لغاتهم «. ودعا شيراك إلى القيام بتحرك في األمم املتحدة باالتفاق بني املنظمات اخلمس إلقامة :» مشاريع مشتركة«‏ ودافع شيراك عن مبدأ « تعددية اللغات في اجملتمع الدولي » ودعا شركاءه إلى:»‏ االستثمار بقوة في شبكات املعلوماتية » مقترحاً‏ إنشاء موقع للثقافات الالتينية على اإلنترنت . وأعرب أخيراً‏ عن أمله في أن تعترف منظمة األمم املتحدة للتربية والعلوم والثقافة ‏)يونسكو(‏ سمياً‏ ب « حق التعددية الثقافية » من خالل إصدار « إعالن عاملي يكون مبثابة ميثاق تأسيسي » ( ) . غننا منلك املليار والنصف عربي،‏ إن القاعدة العددية التي يتحدث عنها شيراك قائمة في العالم العربي قبل العالم اإلسالمي،‏ واللسان موحد في لغة واحدة يدعمها الدين والقومية،‏ والثروات كائنة بالكميات جملة اجلامعة واجملتمع نوفمرب 2009 11

التي تكفل لنا الهيمنة والتأثير.‏ إن الذي ينقصنا في هذه املعادلة – على النحو الذي بيناه في املنهج الذي ارتضينا-‏ هو العزم والتنفيذ.‏ وحني نلتفت إلى مبادرة الرئيس الفرنسي ‏»جاك شيراك«‏ فإننا نلتفت إلى العزم مجسدا في التنفيذ التي تأتي من أعلى درجات الهرم لتحرك دوالب االقتصاد واللغة معا في غالف قومي أو إثني أو لغوي..‏ ‏-‏‎3‎اللغة الثانية:‏ إن من مظاهر العوملة اللغوية اإلجنليزية أنها أصبحت اللغة الثانية في أغلب بالد العالم ال سيما العربية بدرجة أولى،‏ ثم البالد اإلسالمية بدرجة ثانية ، يتلوها بذلك اللغة لفرنسية ( (. وبعيداً‏ كذلك عن اإلحصاءات الدقيقة التي تقف خلف هذه احلقيقة؛ فإن نظرة سريعة مناهج التعليم في العالم العربي ثم اإلسالمي جتد مصداق ذلك؛ حيث ينقسم العالم اإلسالمي إلى معسكرين:‏ أحدهما ‏-وهو األغلب-‏ يدرس اإلجنليزية لغة ثانية ألبنائه،‏ كما هو احلال في دول اخلليج ومصر،‏ والسودان،‏ والباكستان،‏ وبعض دول جنوب شرق آسيا،‏ وأما الثاني فيدرس اللغة الفرنسية،‏ كدول املغرب العربي،‏ وبالد الشام.‏ لقد لوحظ أن اللغة الثانية سريعا ما تكسح اللغة الوطنية إذا كانت مدعومة بالسوق واملنتوج الرائج املوجه إلى االستهالك.‏ ذلك أننا حني نعاين السوق ونعدد املنتوجات الوافدة التي تتقاطر من كل حدب وصوب نأسف لواقع اللغة احمللية،‏ ونشعر باخلوف عليها من الزحف الطاغي الذي ال ميكن أن يقاوم أو يرد.‏ فاملأكول وامللبوس واملركوب كلها أدوات جتمل اللغة الوافدة في ثناياها من خالل التسمية واالستعمال،‏ وال يفلح في درء هذا الزحف التذرع بالترجمة واختالق املصطلحات ألن اآللة اللغوية ال تساير الوتيرة االستهالكية أبد وال جتاريها في سرعتها وحتوالتها.‏ لقد اختارت بعض األقطار العربية مبدأ املزاوجة بني اللغتني،‏ وإدخال اللغة الوافدة مدخل اخليار الواعي،‏ ورأى آخرون أنها غنيمة حرب يجب استغاللها على نحو خاص.‏ بيد أن هذا الطرح وذاك يخلق في صلب املسألة فجوات ال ميكن سدها بهذه االدعاءات السمجة.‏ بل:»‏ وقد يبدو من الوهلة األولى أن االزدواجية اللغوية هي تدعيم للثقافة وإثراء لها؛ وهذا من الناحية الصورية صحيح،‏ ولكن من الوجهة الواقعية نرى أن االختالل احلاصل على نطاق عريض يجعل من هذه االزدواجية املزعومة أداة هدم ال بناء؛ وال سيما في حالة عدم حصول توازن من حيث اإلجادة واالتقان للُّغة األم؛ ففي هذه احلالة حتُ‏ دث االزدواجية صراعاً‏ خطيراً‏ قد يؤدي إلى االنفصام الثقافي أو االنسالخ الثقافي مثلما هو حاصل في بعض األقطار املغاربية كاجلزائر على اخلصوص«)‏ (. يكشف مصطفى حسني أحد املربني العرب)‏ ) ‏-في بحث له عن مدارس اللغات األجنبية وواقعها في العالم العربي،‏ وخصوصا التجربة اخلليجية-‏ عن جملة من املزالق التي أحثها تواجد املدرستني الوطنية واألجنبية جنبا إلى جنب.‏ سواء أكانت من أنشاء العرب أنفسهم أم من إنشاء غيرهم:‏ أوال : وضع اللغة العربية : للغتنا األم،‏ وضعٌ‏ مقلق مزعج إلى أبعد احلدود؛ والدليل واضح ماثل لكل ذي بصرٍ‏ وبصيرة؛ فطالبنا يعانون ضعفاً‏ مزرياً‏ في لغتهم األم،‏ وقد بدت الشكوى متزايدة من هذا الضعف،‏ فخريجو اجلامعات ضعاف في اللغة العربية،‏ ال فرق في ذلك بني خريجي أقسام اللغة العربية ومعاهدها ، وبني غيرهم،‏ واألغالط اللغوية في الكتب والصحف متفشية.‏ وهذا الضعف ليس في أساسيات اللغة العربية ومهاراتها فقط بل ميتد إلى معارفها وثقافاتها املتصلة بها.‏ فكيف نضيف إلى ضعفنا في لغتنا األم ضعفاً‏ في سائر اللغات ؟ ثانيا : نشير هنا إلى رأي فريق من علماء التربية ال يستهان به ؛ فالبعض يؤكد أن ثمة ظاهرةً‏ تسمى ظاهرة:‏ ‏)االعتماد أو التوافق املتبادل Interdep²endence ) بني اللغة األم اللغة األجنبية ، مما يؤثر في إتقانهما معا؛ فالطفل الذي يتلقى دروساً‏ في لغة ثانية ‏)أجنبية(‏ قبل أن يتقن لغته األولى لن يتقدم في هذه أو تلك ( ) . ثالثا:‏ يقسّ‏ م بعض علماء التربية الثنائية اللغوية إلى نوعني:)الثنائية اللغوية الطارحة،‏ والثنائية اللغوية اجلامعة(‏ فاألولى هي تلك التي تسود بني أطفال يتهدد لغتهم األم خطر االندثار،‏ وأما الثانية فهي تلك التي تسود بني أطفال تتمتع لغتهم األم بقدرٍ‏ كبيرٍ‏ من الرسوخ والتفوق.‏ والسؤال : إلى أي النوعني تنتمي الثنائية اللغوية في ظل ما يسمّ‏ ى مبدارس اللغات ؟ نضيف إلى ما تقدّ‏ م حقيقة تربوية ال يختلف عليها التربويون برغم اختالفهم حول قضية ‏)الثنائية اللغوية(،‏ وهي:‏ ‏)أنه كلما ازداد أساس اللغة األم رسوخاً،‏ واستمرت في تطورها ازدادت القدرة على اللغة الثانية(‏ ( ) . رابعا:‏ يتشبث املتحمسون ملدارس اللغات مبنطق مغلوط معكوس؛ فاملعلوم من واقع التاريخ اإلنساني أن اجملتمع ال يحافظ على بقائه في عالم مفتّح متواصل،‏ باحلفاظ على هوية اآلخرين والذوبان املطلق فيهم،‏ ولكن بحفاظه على هويته أوالً،‏ وحتصني ذاته ضدّ‏ عوامل الفناء واالندثار؛ فإن صنع اإلنسان العكس ، فقد غالط طبيعة األشياء،‏ ورضي لنفسه أن يكون التابع الذليل.‏ وإذا راجت بيننا اليوم مقولة أن ‏)ال مكان في عالم اليوم ملن ال يتسلح باللغات(،‏ فإن األصحّ‏ من هذه املقولة أنه ‏)ال مكان ملن يدخل بيوت اآلخرين ، بعد أن نسف بيته،‏ وأتى على بنيانه من القواعد(‏ . خامسا:‏ نؤكد ونحن مضطرون للتكرار أننا ال نرفض مبدأ تعلم اللغات،‏ ولكن شريطة أن يكون هذا املبدأ مؤسساً‏ على أهداف وثيقة الصلة بوجودنا وكياننا وأصالتنا،‏ ومرتبطاً‏ بخطة مدروسة ال تتجاهل واقع مدارس اللغات،‏ وحصاد هذه التجربة بعد اتساعها واستفحالها على أن نخضع ذلك كله لدراسة علمية فاحصة،‏ تسبر الواقع ونتائجه دون جتاهل أو عصبية.‏ سادسا:‏ ليس من الالزم الالزب لكي نحقق مبدأ التواصل مع عاملنا وعصرنا أن نترك احلبل على غاربه ملدارس اللغات،‏ وأن يُرهق أبناؤنا وبيوتنا مادياً‏ ونفسيا؛ إذ يكفي أن ندعِّم مقررات اللغات األجنبية ‏)اللغة الثانية(‏ في املرحلة املتوسطة)اإلعدادية(،‏ وأن نعمل على تطويرها،‏ مع املالحقة واملتابعة ملقررات اللغة العربية،‏ بالتطوير والدعم املستمر وتدريب اخملتصني بها:‏ معلمني وموجهني،‏ وإخضاع الكتب املقررة للدراسة الدائمة في ضوء مرئيات التالميذ واملعلمني وأولياء األمور وسائر من ينبغي االستئناس بآرائهم من اخلبراء وأساتذة التربية.‏ سابعا:‏ إن قضية ‏)ثنائية التعليم(‏ منذ املراحل األولى للتعليم ‏)رياض األطفال واملرحلة االبتدائية(‏ قضية ما تزال مثارة،‏ واخلالف حولها ما يزال قائماً‏ ، فلماذا نتصرف على أنها قضية محسومة؟ وملاذا هذا التدافع احملموم نحو اللغات ومدارس اللغات.‏ ثامنا:‏ إن جناح األمم يقاس مببدأ:‏ ‏)التوازن الثقافي(‏ الذي حتققه لنفسها،‏ وبقدر هذا التوازن بني كيانها وأصالتها من جانب وثقافات اآلخرين من جانب آخر تكون قوتها وقدرتها على العطاء اإلنساني الذي يكسبها االحترام والوجود املتميز.‏ بقيت حقيقة أخرى نختم بها مقالنا وهي تتعلق مبا يسمى دولة ‏)إسرائيل(‏ واللغة العبرية؛ فقد استطاع اليهود أن يجعلوا لغتهم األم،‏ ‏)وهي العبرية(‏ اللغةَ‏ الدارجة السيّارة:‏ في املدرسة واجلامعة،‏ واحلقل واملزرعة،‏ واملتجر واملصنع،‏ والشارع العام؛ وهي لغة العلم والتعليم واإلعالم والسياسة.‏ وقد عاش اليهود على آمادٍ‏ طويلة من األحقاب يعملون بكل سبيل على أن تظل لغتهم حية حتتكّ‏ بكل لغات العالم،‏ لكي تبقى وتعيش ال لتفنى وتندثر.‏ وفي كل بلد عاش فيه اليهود،‏ كانوا يتحدثون بلغتهم،‏ ويشاركون بأقالمهم في اإلبداع األدبي والعلمي بلغة هذا البلد،‏ ولكنهم داخل ‏)اجليتو ) الذي حرصوا على أن يصنعوه ألنفسهم ، كانوا يتحدثون العبرية ويلقنونها أبناءهم.‏ فهل نتنكر نحن للعربية،‏ ونذوب عشقاً‏ هياماً‏ في اآلخرين؟ إن العربية أعرق وآصل من العبرية ومن غير العبرية،‏ وأيادي العربية على العبرية وغيرها من اللغات يؤكدها التاريخ.‏ والناشئةُ‏ من أبنائنا أحوج في هذا العصر،‏ وأكثر من أي عصر مضى،‏ إلى أن يرتبطوا بلغتهم حباً‏ ووالءً.‏ والعربيةُ‏ بعدُ‏ ارتبطت بكتاب سماوي خالد،‏ وارتبط بها ذلك الكتاب السماوي . جملة اجلامعة واجملتمع نوفمرب 2009 12

نعيشها اليوم كتابة وتدريسا قادرة على إحداث التغير املنشود؟ إذن فالغاية<br />

التي يجب أن يحددها الدرس أوال هي ما مدى فاعلية اللغة التي ميتلكها<br />

للتأثير بها في الواقع،‏ تغييرا وتوجيها وقيادة.‏ إذ ال يكفي القرار السياسي<br />

والتربوي إذا لم يكن للغة من وجود فعلي قائم في أرض الواقع.‏<br />

إن حتديد الغاية،‏ وتعيني،‏ وتسطير اخلطوات،‏ عمليات نفعية في أساسها<br />

األول ال ميكن لها أن تفكر في اجلانب الغائي،‏ ألنها تواجه حتديا وعليها أن<br />

تتولى إزالة العقبات من طريقها للوضول إلى غايتها.‏ فما كان في البحوث<br />

القدمية أوليا جوهريا يتحول إلى ثانوي عرضي،‏ وذلك إلى حني يستتب األمر<br />

وتعود األمور إلى نصابها املثالي.‏<br />

‏-‏‎2‎اإلعداد:‏ إنه التحضير الذي ينتهي إلى إيجاد برنامج عملي إلحداث<br />

التحول املنشود.‏ غير أن عملية اإلعداد تكتسب خطورتها من حيث كونها<br />

العملية التي تقوم على املعطيات الدقيقة السليمة التي تستبعد من<br />

حسبانها كل ما يشوش حساباتها من آراء وتوجهات سياسية وغيرها.‏<br />

ذلك ألن العمليات التي تقوم على معطيات التحضير سكون سليمة إذا<br />

كانت مقدماتها سليمة دقيقة،‏ أما إذاغ كانت املعطيات غير دقيقة،‏ أو<br />

كانت عرضة لتشوهات قيمية فإن العمليات كلها ستبوء بالفشل الذريع.‏<br />

إن أمثلة ذلك كثيرة في الواقع العربي،‏ وفي شتى مجاالت املواجهة،‏ سواء<br />

أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية أو تربوية.‏ ألنها قامت على تقارير<br />

مثالية أملتها نزعات سياسية بعيدة كل البعد عن الواقع املعيش.‏<br />

‏-‏‎3‎العزم:‏ إنه العنصر األساس في عمليات اإلجناز.‏ وليس العزم إال رديف<br />

الغاية،‏ ووجهها العملي الذي يجسده التحضير اجليد للمشروع.‏ إننا حني<br />

نستعرض مسألة اللغة في خضم العوملة،‏ ونحد غايتنا من خالل التأثير في<br />

الواقع قصد تغييره،‏ فإننا لن نصل إلى شيء ذي بال من دون العزم ألن كل ما<br />

سبق إمنا هو مجرد متثل نظري ومادي للمشروع مفتقرا إلى إجناز.‏ والعزم هو<br />

احلركة البانية التي تتجه صوب اإلنشاء النهائي للغاية.‏<br />

بعضهم ال يفرق بني العزم والتنفيذ في اخلطة السيبرنطيقية،‏ والبعض<br />

اآلخر يريد أن يكون للتنفيذ عنصره اخلاص الذي يلي العزم،‏ ويجعله حركة<br />

قائمة على العمل واملبادرة.‏ وليس يضر هذا الفهم أو ذاك إذا قررنا أن التنفيذ<br />

هو الضلع الثالث ملثلث املنهج السيبرنيطيقي.‏<br />

‏-‏‎2‎اللغة والعوملة:‏<br />

إذا جئنا نطبق املنهج الذي عددنا خطواته من قبل،‏ وركزنا على<br />

اجلانب النفعي فيه قصد االستفادة من الوضعياات الثقافية والعلمية<br />

والتكنولوجية الرائجة في رحاب العالم اليوم،‏ كان علينا أن نتساءل أوال<br />

عن بعض املفاهيم التي تؤطر القضية في شموليتها.‏ ذلك أن العوملة اليوم<br />

هي الواقع الذي يفرض نفسه على اإلنسان..‏ أي إنسان،‏ في أي بقعة على<br />

األرض..‏ حتى اإلنسان الغربي الذي أفرز العوملة فإنه واقع حتت نيرها.‏ غير أن<br />

هذا العمالق املهيمن الطاغي ذي األوجه املتعدد،‏ واألذرع املمتدة في كل اجتاه<br />

يحول الكرة األرضية إلى دحية صغيرة يستطيع تقليبها بني أنامله كيفما<br />

شاء..‏ نسائله هل فيه شيء يتصل باللغة وماذا يقصد بالعوملة اللغوية،‏ أو<br />

هل هناك عوملة لغوية؟ فإذا نظرنا إلى مدلول العوملة الذي يعني جعل ما<br />

هو محلي عاملياً‏ ، أو االنتقال من احمللية اإلقليمية إلى العاملية:»‏ فهل هناك<br />

لغة انتقلت من احمللية إلى العاملية ، فتجاوزت نطاقاً‏ جغرافياً‏ محصورة ببلد<br />

أو بلدان ، لتصبح لغة عاملية يتحدث بها العالم كله على اختالف لغاته<br />

األصلية ؟ ال شك أن اجلواب الواضح هو اإليجاب،‏ وال شك كذلك أن تلك اللغة<br />

الوحيدة التي يصدق عليها ذلك الوصف هي اللغة اإلجنليزية.«‏ ( )<br />

إن اإلقرار بهذه احلقيقة الواقعية التي فرضتها معطيات التاريخ<br />

واحلضارة،‏ جتعلنا نعاين الوضع من زاوية ال نخفي فيها عن أنفسنا حجم<br />

املسألة التي نود أن نعاجلها حني نطرح على أنفسنا السؤال التالي:‏ بأية لغة<br />

ندرس أبناءنا إذا أردنا اللحاق بالركب احلضاري الغربي؟ هل يجوز لنا التخلي<br />

عن لغتنا واعتناق لغة التكنولوجيا والتقدم العلمي،‏ حتى ال تفق اللغة<br />

حاجزا بيننا وبني منابع املعرفة في منابتها األصلية؟<br />

وعندما نسجل هذا السؤال احملرج حقا،‏<br />

نلتفت إلى األقوام التي تعاني مثلنا ثقل الظاهرة<br />

اللغوية،‏ والتي لها حظ من التقدم التقني،‏ كيف تسلك<br />

إزاء هذا املوقف..‏ صحيح أن كثيرا من األمم:»‏ تشعر بهذا<br />

اخلطر الداهم الذي ميثله تغلغل وانتشار اللغة اإلجنليزية،‏ ال سيما تلك<br />

الدول التي تعتز بحضارتها،‏ وتنظر بريبة النتشار الثقافة األمريكية،‏ ولم<br />

تستسلم بسهولة للهيمنة األمريكية على معظم جوانب احلياة ، في<br />

معظم البلدان ، فهذه فرنسا مثالً‏ وهي صديق لدود ألمريكا،‏ يدعو رئيسها<br />

جاك شيراك إلى إقامة « حتالف«‏ بني الدول التي تعتمد لغات من أصل التيني<br />

للتصدي بشكل أفضل لهيمنة اللغة اإلجنليزية،‏ وذلك لدى افتتاحه منتدى<br />

حول موضوع حتديات العوملة «) (.<br />

وليس من قبيل الترف اللغوي أن يتصدى رئيس فرنسا إلى العوملة<br />

اللغوية ليقيم في وجهها جدارا لغويا التينيا للحد من انتشار اللغة اإلجنليزية<br />

التي تعصف في أشرعتها رياح األسواق التجارية واملنجزات العلمية األكثر<br />

رواجا في األسواق.‏ فالتطور الذي تعرفه اإلجنليزية ليس متأتيا من كونها لغة<br />

راقية كاملة بل يأتيها من كونها لغة التجارة واألسواق واملال.‏ فاللغة اليوم<br />

تقاس بالعملة ذات الثقل امللحوظ،‏ وكل لغة تفقد ثقلها التجاري تتحول<br />

إلى عملة زائفة،‏ سريعا ما تنحط قيمتها ويتدهور رواجها.‏<br />

إن الباحثني اليوم يقابلون بني االقتصاد اللغة مقابلة حية قائمة<br />

على مبدأ املنفعة الذي حتدثنا عنه من قبل.‏ ف ‏»فلوريان كوماس«‏ في كتابه<br />

‏»اللغة االقتصاد«‏ يطرح التشاكل على النحو التالي ناقال عن ‏»جورج<br />

هامان«‏ »G.Hamman« قوله:»‏ النقود واللغة يتسم البحث فيهما بدرجة<br />

من العمق والتجريد توازي عمومية استعمالهما،‏ وهما مرتبطان أحدهما<br />

باآلخر بشكل أقوى مما يتصور،‏ ونظرية أحدهما تفسر نظرية اآلخر.‏ ويبدو<br />

أنهما يقومان على أسس مشتركة.«‏ ( ) وحني يدعو الرئيس الفرنسي إلى<br />

قيام حتالف لغوي التيني،‏ ال يقصد فقد اجلانب اللساني وحده وإمنا يقصد<br />

حتالفا يحرك عجلته االقتصادية عامال املال واللغة معا.‏ وحيثما دار املار<br />

املال دارت اللغة معه تطورا وتقدما.‏ إنها عني النظرة التي وجدناها من قبل<br />

عنه ابن خلدون حني ربط بني البالغة والعمران قائال بأن البالغة تتطور في<br />

أمم يتأنقون في عمرانهم.‏ وكأن العالقة غير منفصمة بني هذه الثنائيات.‏<br />

فإذا كان همنا هو احلفاظ على لغتنا فإنه يتوجب علينا أن نخلق لها رواجا<br />

اقتصاديا يعضدها،‏ ورواجا علميا يدعمها.‏<br />

قال الرئيس الفرنسي لدى افتتاحه منتدى في جامعة السوربون جمع<br />

بني الناطقني بالفرنسية واإلسبانية والبرتغالية إنه:‏ « في مواجهة قوة<br />

نظام مهيمن يحق لآلخرين حشد لقوى إلرساء املساواة في الفرص وسماع<br />

أصواتهم«.‏ ودعا شيراك الناطقني باإليطالية من االحتاد الالتيني إلى االنضمام<br />

إلى منظمة الفرنكفونية ومجموعة الدول الناطقة بالبرتغالية واملنظمتني<br />

الناطقتني باإلسبانية للدول ألمريكية األيبيرية والقمة األيبيرية األمريكية.‏<br />

أضاف أنه:‏ « من خالل منظماتنا اخلمس تصبح هناك 79 دولة وحكومة من<br />

كل القارات متثل 1.2 مليار رجل وامرأة يريدون اإلبقاء على لغاتهم «. ودعا<br />

شيراك إلى القيام بتحرك في األمم املتحدة باالتفاق بني املنظمات اخلمس<br />

إلقامة :» مشاريع مشتركة«‏<br />

ودافع شيراك عن مبدأ « تعددية اللغات في اجملتمع الدولي » ودعا<br />

شركاءه إلى:»‏ االستثمار بقوة في شبكات املعلوماتية » مقترحاً‏ إنشاء<br />

موقع للثقافات الالتينية على اإلنترنت . وأعرب أخيراً‏ عن أمله في أن تعترف<br />

منظمة األمم املتحدة للتربية والعلوم والثقافة ‏)يونسكو(‏ سمياً‏ ب « حق<br />

التعددية الثقافية » من خالل إصدار « إعالن عاملي يكون مبثابة ميثاق<br />

تأسيسي » ( ) .<br />

غننا منلك املليار والنصف عربي،‏ إن القاعدة العددية التي يتحدث<br />

عنها شيراك قائمة في العالم العربي قبل العالم اإلسالمي،‏ واللسان<br />

موحد في لغة واحدة يدعمها الدين والقومية،‏ والثروات كائنة بالكميات<br />

جملة اجلامعة واجملتمع نوفمرب 2009<br />

11

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!