تاريخ الدولة العثمانية
ottomanEmpire
ottomanEmpire
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1280( - 1924م(
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1280( - 1924م(<br />
املؤلف:<br />
أ. د. تيسري جباره<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
الناشر:<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس المفتوحة<br />
املاصيون - رام اهلل / فلسطني<br />
ص. ب: 51800<br />
هاتف: - 2984491 2 - +970<br />
+970 - 2 - 2952508<br />
فاكس: - 2984492 2 - +970<br />
بريد الكرتوين: sprgs@qou.edu<br />
تصميم وإخراج فين:<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس المفتوحة<br />
حقوق الطبع والتصميم واالقتباس والرتجمة والنرش حمفوظة للنارش 1436ه / 2015 ©
جامعة القدس المفتوحة<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1280( - 1924م(<br />
أ. د. تيسري جباره<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
1436ه / 2015م
اإلهداء<br />
أقدم هذا الكتاب إىل كل مسلم غيور على مصلحة املسلمني والدفاع<br />
عنهم، وإىل كل من بذل الغالي والنفيس وجاهد يف سبيل وحدة املسلمني أينما<br />
كانوا يف أصقاع الكرة األرضية.<br />
وأقدم كتابي هذا أيضاً إىل روح السلطان عبد احلميد الثاني الذي رفض<br />
التنازل عن شرب واحد من فلسطني للصهاينة رغم اإلغراءات املادية، والذي<br />
ضحى بعرشه كسلطان للحفاظ على الأرض املباركة – فلسطني. فقال: »ال<br />
أقدر أن أبيع ولو قدماً واحداً من البالد، ألنها ليست لي بل ألميت، .... ليحتفظ<br />
اليهود مباليينهم، فإذا قسمت اإلمرباطورية فقد حيصل اليهود على فلسطني دون<br />
مقابل، إمنا لن تقسم إال على جثثنا«.<br />
كما أهدي كتابي هذا إىل أرواح الفاحتني الذين رفعوا الراية اإلسالمية<br />
يف أصقاع الأرض يف قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا زمن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
أ
شكر وتقدير<br />
أشكر جامعة القدس املفتوحة ممثلةً ب:<br />
األستاذ الدكتور/ يونس عمرو - رئيس اجلامعة<br />
على توجيهاته الكرمية إلنتاج هذا السفر العلمي التارخيي؛ كما أشكر:<br />
األستاذ الدكتور/ حسن السلوادي - عميد البحث العلمي والدراسات العليا<br />
على متابعته احلثيثة حتى صدور الكتاب؛ باإلضافة لشكري إىل:<br />
الدكتور/ سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />
الذي تفضل بكتابة التقديم هلذا الكتاب؛ كما أشكر:<br />
األستاذ/ كميل غالب زيد<br />
على جهوده يف تصميم الكتاب وغالفه وإخراجهما النهائي.<br />
وأشكر زوجيت وأوالدي الذين شجعوني على كتابة هذا السفر ووقفوا إىل جانيب<br />
وسهروا معي الليالي يف ترتيب وفهرسة الكتب واألوراق اخلاصة بهذا الكتاب.<br />
وال أنسى السيدة/ هنيدة حشاش اليت طبعت هذا الكتاب، وصربت كثرياً يف<br />
إعادة وترتيب صفحاته، ولوال جهدها ملا ظهر هذا الكتاب إىل النور.<br />
كما أشكر الدكتورة/ بهية اهلواري واألستاذ/ علي الشيخ منر على تفضلهما<br />
بتدقيق الكتاب لغوياً حتى أصبح سليماً خالياً من أية أخطاء طباعية أو حنوية، لذا أقدم<br />
شكري وتقديري هلما ولكل من ساندني حتى ظهر هذا الكتاب كي يضاف إىل<br />
املكتبة العربية.<br />
ب
تقديم<br />
بقلم: د. سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />
اأستاذ مشارك يف جامعة القدس املفتوحة<br />
يعد األستاذ الدكتور تيسري يونس جبارة من املؤرخني البارزين يف ال<strong>تاريخ</strong><br />
احلديث واملعاصر ال سيما يف <strong>تاريخ</strong> فلسطني احلديث، وال أبالغ إن قلت إنه وضع<br />
مؤلفات مجة يف <strong>تاريخ</strong> فلسطني منها: »كتاب <strong>تاريخ</strong> فلسطني احلديث« وكتاب<br />
»املسلمون الهنود وقضية فلسطني« وكتاب »وثائق فلسطينية يف دور<br />
االأرشيف الربيطانية« وكتاب »وثائق فلسطينية يف دور االأرشيف اليهودية«<br />
وكتاب »معجم املوؤرخني الفلسطينيني يف القرن العرشين« باالشرتاك مع<br />
الدكتور سعيد عبد اهلل البيشاوي. كما وضع كتابا عن ابن عمه »اأحمد جبارة<br />
اأبو السكر« الذي كتبه عقب خروج ابن عمه من األسر. وشارك بوضع كتاب<br />
»مدينة خليل الرحمن« باالشرتاك مع عدد من املؤرخني الفلسطينيني،<br />
وأسهم الدكتور تيسري جبارة يف كتاب »االنتفاضة الفلسطينية من النواحي<br />
السياسية واالإعالمية«، كما وضع كتابا آخر بعنوان »دور احلركات االإسالمية<br />
يف االنتفاضة«، وكتاب »احلاج اأمني احلسيني« باللغتني العربية واإلجنليزية،<br />
وكتاب »ثورة عام 1936م«، هذا إىل جانب جمموعة من األحباث نذكر منها:<br />
»عبد احلليم اجلوالين واأحداث الرباق الرشيف، وجامعة املسجد االأقصى<br />
االإسالمية، ودعم املسلمني الهنود يف اأحداث الرباق الرشيف«. ويسعدني<br />
ويشرفين أن أقدم له كتاب <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذي تطرق فيه إىل قيام <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> الفتية يف أوائل القرن الرابع عشر امليالدي/أوائل القرن الثامن اهلجري<br />
ومتكنها من فتح مدينة القسطنطينية احملاطة باملياه من ثالث جهات بعد حماوالت عدة<br />
قامت بها <strong>الدولة</strong> األموية آخرها زمن اخلليفة سليمان بن عبد امللك بقيادة أخيه مسلمة<br />
ج
ابن عبد امللك واليت فشلت بسبب عدة عوامل منها: طول خط اإلمدادات من دمشق<br />
إىل القسطنطينية، وبرودة الطقس، وخيانة البحارة العاملني يف األسطول اإلسالمي،<br />
وأكل حلوم اخليل املصابة باحلمى، وانتقال األمراض ألفراد اجليش اإلسالمي، وانتقال<br />
اخلالفة من سليمان بن عبد امللك بوفاة األخري إىل عمر بن عبد العزيز.<br />
متكن السلطان العثماني حممد الفاتح من فتح القسطنطينية عام 1453م/857ه،<br />
واختذها عاصمة لدولته، وجنح العثمانيون يف التوسع على حساب الدول األوروبية؛ مما<br />
جعلها هدفاً رئيساً ألحالف وتكتالت مستمرة من قبل األوروبيني من أجل هزميتها<br />
وطرد املسلمني من أوروبا، وقد فشلت جهود األوروبيني؛ بسبب قوة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
وقد صمد العثمانيون أمام األحالف والتكتالت واهلجمات األوروبية، وحافظوا على<br />
وحدة اخلالفة فرتة طويلة من الزمن. ولكن وحبسب رأي شبنغلر وأرنولد توينيب<br />
فإن كل كيان سياسي مير بثالث مراحل: مرحلة الطفولة، والشباب، والشيخوخة.<br />
وهذا رأي سليم متاماً. وقد تناول املؤرخون الغربيون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالبحث الدقيق<br />
ووصفوها بأوصاف خمتلفة، منها: أنها دولة متأخرة ومستبدة، وقد افرتى عليها الكثري<br />
وخاصة يف نهاية عهدها وضعفها يف مواجهة التحديات اليت أحدقت بها واعرتضت<br />
طريقها، ونعتوها بالرجل املريض، وكتبوا عنها أشياء ال تليق بها.<br />
وجعل املؤلف لكتابه خامتة ضمنها أهم النتائج اليت توصل إليها من خالل<br />
مالحظات واعية ودقيقة، واعتقد أنه كتاب جدير بالقراءة ملا حيويه بني دفتيه من<br />
أفكار جديدة.<br />
د. سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />
د
احملتويات<br />
املحتويات<br />
الإهداء<br />
شكر وتقدير<br />
تقدمي<br />
مقدمة<br />
الفصل االأول: اأحوال العامل االإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
اأحوال العامل الإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
الأناضول قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
الهوامش<br />
الفصل الثاين: فرتة الظهور والتاأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا الصغرى والبلقان<br />
قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
حياة املسلمني السالجقة على احلدود<br />
حتول اإمارة عثمان اإىل اإمرباطورية<br />
الغازي عثمان<br />
اأورخان بن عثمان<br />
اجليش النكشاري زمن اأورخان<br />
السلطان الغازي مراد الأول بن اأورخان<br />
السلطان الغازي بايزيد الأول امللقب بالصاعقة )يلدرم( وحربه مع تيمورلنك<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد تيمورلنك عام 1402م<br />
الرصاع بني اأبناء بايزيد<br />
السلطان مراد الثاين<br />
الهوامش<br />
الصفحة<br />
اأ<br />
ب<br />
ج - د<br />
4- 1<br />
14- 5<br />
7<br />
13<br />
14<br />
58 - 15<br />
17<br />
24<br />
27<br />
29<br />
33<br />
35<br />
38<br />
42<br />
46<br />
47<br />
49<br />
55
املحتويات<br />
الفصل الثالث: بعض مظاهر االإدارة <strong>العثمانية</strong><br />
الصفحة<br />
86 - 59<br />
62<br />
62<br />
65<br />
67<br />
68<br />
69<br />
71<br />
78<br />
83<br />
108 - 87<br />
90<br />
94<br />
98<br />
99<br />
100<br />
101<br />
102<br />
104<br />
104<br />
107<br />
150 - 109<br />
117<br />
132<br />
الأفراد الذين كان على عاتقهم اإدارة اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1. السلطان العثماين<br />
2. الصدر الأعظم<br />
3. الكزلر اآغا<br />
4. الديوان<br />
5. وزير املالية<br />
6. اجليش العثماين<br />
7. املوظفون الدينيون<br />
الهوامش<br />
الفصل الرابع: حممد الفاحت وفتح القسطنطينية وسالطني اآخرين<br />
لعبوا دوراً مهماً يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين<br />
الإجراءات التي اتخذت لفتح القسطنطينية<br />
ردود الفعل يف العامل املسيحي بعد الفتح الإسالمي للقسطنطينية<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية<br />
الزحف العثماين اإىل اإيطاليا ورودس<br />
السلطان بايزيد الثاين والأمري جم<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية زمن السلطان بايزيد الثاين<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> الأوروبية<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية<br />
السلطان سليم الأول 1512م – 1520م<br />
الهوامش<br />
السلطان سليمان القانوين<br />
الفصل اخلامس: سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومرص وشمايل اأفريقيا<br />
ومتابعة الفتوحات يف البلقان<br />
الثورات املحلية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>
املحتويات<br />
التنظيم الإداري والإصالحات الداخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> زمن سليمان القانوين<br />
التجارة <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا وفرنسا<br />
الهوامش<br />
الفصل السادس: اأحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد سليمان القانوين – مرحلة الضعف<br />
بداية مرحلة الضعف العثماين<br />
روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأثناء فرتة الضعف العثماين<br />
التنظيمات <strong>العثمانية</strong> قبل السلطان سليم الثالث<br />
اإصالحات السلطان سليم الثالث<br />
السلطان حممود الثاين<br />
الإصالحات <strong>العثمانية</strong> زمن حممود الثاين<br />
الهوامش<br />
الفصل السابع: اأسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
الأسباب السياسية<br />
احلركات النفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
الأسباب القتصادية<br />
الأسباب الجتماعية والعلمية<br />
الأسباب اخلارجية<br />
الهوامش<br />
الفصل الثامن: االأطماع االأوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
احلملة الفرنسية على مرص وبالد الشام عام )1798م – 1801م(<br />
احلركة الوهابية<br />
خط رشيف كوخلانة )1839م(<br />
حرب القرم وخط رشيف همايون<br />
حممد علي باشا<br />
السلطان عبد احلميد الثاين )1876م-1909م(<br />
الهوامش<br />
الصفحة<br />
139<br />
143<br />
146<br />
174 - 151<br />
157<br />
161<br />
164<br />
165<br />
168<br />
169<br />
173<br />
198 - 175<br />
177<br />
179<br />
191<br />
193<br />
194<br />
196<br />
220 - 199<br />
201<br />
203<br />
204<br />
207<br />
209<br />
213<br />
220
املحتويات<br />
الفصل التاسع: السالطني العثمانيون حسب العرص وفرتة احلكم<br />
سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العرص وفرتة احلكم<br />
سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
السلطان حممد الثالث )1595م - 1603م(<br />
السلطان مراد الرابع )1623م - 1640م(<br />
السلطان اأحمد الثالث )1703م - 1730م(<br />
السلطان عبد احلميد الأول )1774م - 1789م(<br />
السلطان عبد املجيد الأول )1839/7/1م - 1861/6/25م(<br />
السلطان حممد رشاد “حممد اخلامس” )1909م - 1918م(<br />
الهوامش<br />
الفصل العارش: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد خلع السلطان عبد احلميد الثاين<br />
جمعية الحتاد والرتقي<br />
احلرب العاملية الأوىل<br />
الرصاع بني السلطان والكماليني<br />
اإلغاء اخلالفة<br />
الهوامش<br />
اخلامتة<br />
املصادر واملراجع<br />
اخلرائط<br />
الصفحة<br />
236 - 221<br />
223<br />
225<br />
226<br />
227<br />
228<br />
230<br />
231<br />
233<br />
235<br />
262 - 237<br />
239<br />
242<br />
253<br />
255<br />
260<br />
264<br />
267<br />
274 - 271
مقدمة
أ. د. تيسري جباره<br />
مقدمة:<br />
تناول هذا الكتاب اأصل ونشاأة العثمانيني، وقيام دولتهم وتوسعها، وتناول<br />
فرتات الظهور والقوة والتوسع والضعف.<br />
قامت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على اأنقاض دولة السالجقة يف بداية القرن الرابع عرش،<br />
ورفعت الراية الإسالمية يف الأناضول )اآسيا الصغرى( ثم البلقان )اأوروبا( وفتح<br />
حممد الفاحت القسطنطينية عام 1453م، واتخذها عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
كانت <strong>الدولة</strong> تنتقل من نرص اإىل نرص باسم الإسالم واملسلمني، وشجعت الغزاة<br />
عرب احلدود وزودتهم مبا يحتاجونه وجنحت يف ضم اأراضٍ اأوروبية، وتعرضت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> لوحدة اجليوش والأحالف الأوروبية ملحاولة كرس وطرد املسلمني من<br />
اأوروبا، ولكن مساعي الصليبيني باءت بالفشل يف بداية الأمر.<br />
كتب املوؤرخون الأجانب كثرياً عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ووصفوها باأوصاف خمتلفة<br />
منها دولة الرجل املريض، ووصفوها بالتاأخر والستبداد وتكاثرت عليها الفرتاءات<br />
والأباطيل.<br />
لكن احلقيقة اأنها كانت حامية لالأراضي املقدسة ولالإسالم وهذا ما جعل<br />
الأجانب يستاوؤون لعدم استطاعتهم املس بكرامة الأماكن املقدسة.<br />
وتعرضت اأيضاً حلروب الربتغاليني والأسبان والإجنليز والفرنسيني والروس<br />
ورغم ذلك جنحت يف احلفاظ على وحدة الأراضي العربية ودافعت عنها.<br />
بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالضعف التدريجي عندما ابتعد السالطني عن قيادة<br />
اجليش واهتموا مبلذاتهم الشخصية ولحظ الأجانب ضعفها فاستعادوا اأراضٍ كانت<br />
حتت السيطرة <strong>العثمانية</strong> سنوات طويلة.<br />
تناول الكتاب <strong>تاريخ</strong> ما قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف عرشة فصول ومقدمة<br />
وخامتة وبعض اخلرائط.<br />
يتحدث الفصل االأول عن: اأحوال العامل الإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،<br />
3<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
4<br />
والفصل الثاين: فرتة الظهور والتاأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا الصغرى<br />
والبلقان. والفصل الثالث: بعض مظاهر الإدارة <strong>العثمانية</strong>. والفصل الرابع: حممد الفاحت<br />
وفتح القسطنطينية وسالطني اآخرين لعبوا دوراً هاماً يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين. والفصل<br />
اخلامس: سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومرص وشمايل اأفريقيا ومتابعة الفتوحات<br />
يف البلقان. والفصل السادس: اأحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد سليمان القانوين – مرحلة<br />
الضعف. والفصل السابع: اأسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واأهم احلركات النفصالية<br />
عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. والفصل الثامن: الأطماع الأوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. والفصل<br />
التاسع: السالطني العثمانيني حسب العرص وفرتة احلكم. والفصل العارش: <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> بعد خلع السلطان عبد احلميد الثاين حتى اإلغاء اخلالفة عام 1924م.<br />
تناول هذا الكتاب ال<strong>تاريخ</strong> العثماين بعد عام 1909م اأي بعد سقوط السلطان<br />
عبد احلميد؛ لأن السالطني الذين جاءوا بعده كانوا عبارة عن رمز فقط، فلم يكن لهم<br />
دور سياسي، بل كانت اأمور <strong>الدولة</strong> سياسياً بيد جماعة الحتاد والرتقي الرتكية التي<br />
كانت حتت مظلة الصهيونية العاملية، وكان القادة العسكريون الذين استلموا زمام<br />
احلكم اأتراكاً يكرهون العرب والقوميات الأخرى، وكان السالطني األعوبة بيد القادة<br />
العسكريني الأتراك، وكان دورهم مهمشاً.<br />
ودخلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> احلرب العاملية الأوىل عام 1914م رغم اأنفها وقد<br />
هزمت مع حليفتها اأملانيا عام 1918م وسقطت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على يد احللفاء<br />
)فرنسا وبريطانيا وروسيا والوليات املتحدة الأمريكية( .<br />
وفقدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب احلرب العاملية الأوىل جميع املناطق التي كانت<br />
حتكمها يف اأوروبا، واستقلّ عدد من املناطق يف البلقان، وشكلت دولً اعرتفت بها<br />
الدول الأوروبية كلها واأصبحت اأقوى حتى من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
اأطلق الأتراك اسماً جديداً على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهو »<strong>الدولة</strong> الرتكية« بعد احلرب<br />
العاملية الأوىل، وخاصة زمن مصطفى كمال اأتاتورك الذي اأصبح رئيساً للدولة<br />
الرتكية، واألغى اخلالفة الإسالمية عام 1924م وقلد الأجانب يف لباسهم وعاداتهم،<br />
ومل تعرتف الدول الأوروبية ب<strong>الدولة</strong> الرتكية اإل بعد التوقيع على معاهدة لوزان واإلغاء<br />
اخلالفة.
الفصل األول<br />
أحوال العامل اإلسالمي قبل نشأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل األول<br />
أحوال العامل اإلسالمي قبل نشأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
لعب املماليك دوراً هاماً يف املرشق العربي ويف شمايل اأفريقيا فرتة من الزمن.<br />
وقد ورث هوؤلء املماليك حكم املرشق العربي بعد اأن ضعفت ساللة السلطان صالح<br />
الدين الأيوبي يف احلكم وبعد حروب اأهلية طاحنة ومشاحنات بني اأبناء صالح الدين،<br />
فتحت املجال اأمام املماليك حلكم بقاع واسعة امتدت شمايل اأفريقيا وغربي اآسيا<br />
وخاصة يف مناطق مرص وفلسطني ولبنان وسوريا وذلك منذ عام – 1250 1517م.<br />
ونشبت حروب طاحنة اأيضاً بني املماليك وبني العثمانيني انتهت عام 1517م<br />
وكانت نتيجتها اإنهاء السلطنة اململوكية على يد السلطان سليم الأول العثماين عام<br />
1517م. حيث اأصبحت املناطق العربية حتت السيادة <strong>العثمانية</strong>.<br />
وال بد لنا من معرفة من هم املماليك؟ ومن اأين جاءوا؟ واأين سكنوا؟<br />
وللتعريف بهم نقول، اأن كلمة مملوك تطلق على الشخص الذي كان يباع ويشرتى من<br />
قبل جتار الرقيق الذين كانوا يذهبون اإىل القبجاق والقفقاس املناطق الواقعة جنوبي<br />
روسيا للحصول على الرجال الأقوياء وكان تاجر املماليك يلقب ب »اخلواجة«، وكان<br />
املماليك يباعون يف مرص.<br />
اأقام املماليك بداية يف ثكنات خاصة يف جزيرة الروضة )1( على نهر النيل،<br />
وقد لقبوا باملماليك البحرية لأنهم اأقاموا يف جزيرة الروضة. وكانت منطقة القبجاق<br />
املمون الرئيس للمماليك البحرية، ول مانع من تسميتهم مبماليك القبجاق نسبة اإىل<br />
املناطق التي جاءوا منها. وقد استمرت جتارة املماليك حتى عام 1382م.<br />
ومنذ عام 1382م وحتى عام 1517م قام التجار برشاء املماليك من منطقة<br />
القفقاس التي حتتوي على كثري من الرشاكسة، الذين وصلوا اإىل مرص واأقاموا يف<br />
منطقة القلعة )قلعة القاهرة( وبقربها، لذلك اأطلق عليهم لقب املماليك الربجية نسبة<br />
7<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
8<br />
اإىل برج القاهرة. وهكذا انقسم املماليك اإىل قسمني هما: املماليك البحرية واملماليك<br />
الربجية.<br />
كان املماليك يباعون يف اأسواق خاصة تسمى اأسواق العبيد، وكثرياً ما كان<br />
يدخل هذا السوق رجال اأغنياء لنتقاء الرجال من املماليك لرشائهم، حتى اأن السلطان<br />
كان يشرتي املماليك ويدخلهم يف مدارس خاصة لتعليمهم الدين الإسالمي وفنون<br />
القتال، وبعد تخرجهم من املدرسة كان يعتقهم اأو يدخلهم يف اجليش، واإذا دخل<br />
اململوك اجليش كان السلطان مينحه اإقطاعاً، اأي قطعة اأرض كي يفلحها ويعيش من<br />
اإنتاجها. وهكذا يرتبط اململوك بالأرض يدافع عنها ويهتم بها. وقد وصل املماليك<br />
اإىل اأرفع مستوى يف اجليش حتى اأن بعضهم استلموا قيادته، واأخذوا يتحكمون يف<br />
اأمور <strong>الدولة</strong> واأصبح منهم سالطني يف القاهرة، نذكر منهم: املظفر قطز، والظاهر<br />
بيربس البندقاري، والسلطان سيف الدين قالوون، وقانصوة الغوري، وطومان باي،<br />
وغريهم. لكن يجب مالحظة اأن ابن اململوك ل يصبح مملوكاً بل مسلماً حراً، ولكن<br />
يبقى اأصله من املماليك. واحلقيقة اأن دخول املماليك اإىل الرشق العربي يرجع اإىل<br />
زمن العباسيني ثم الأيوبيني.<br />
كان السلطان يشرتي املماليك من اأسواق العبيد وقد سُ مّي هوؤلء املماليك<br />
باأسماء خمتلفة مثل اأجالب اأو جلبان اأو مشرتوات وكلهم مماليك السلطان. وقد انتهز<br />
السلطان الفرصة فاختار من بني هوؤلء املشرتوات اأو الأجالب رجالً اأشداء حلراسته<br />
اخلاصة ولذلك سموا باحلرس اخلاص اأو اخلاصاكية. حتى اأنه كان يعني من بني<br />
حرسه اخلاص حكاماً ملناطق خمتلفة يف بالد الشام ومينحهم اإقطاعات كبرية ولكن<br />
ل تورث لالأبناء.<br />
وعندما ميوت السلطان ويخلفه سلطان جديد، كان السلطان اجلديد يقوم باختيار<br />
حرس جديد له ويشرتي مماليك جدداً، لذلك سمي املماليك السابقون الذين يتبعون<br />
السلطان السابق بالقرانصة، وقد حصلت منافسات كثرية وحسد وغرية بني القرانصة،<br />
كان القرانصة القدامى اأكرث خربة لأنهم كانوا اأكرب عمراً من مماليك السلطان اجلديد<br />
احلاكم.<br />
وكان السلطان احلاكم يستعمل اأسلوباً هاماً مثل سياسة فرق تسد بني القرانصة<br />
من جهة وبني الأجالب من جهة اأخرى، لكي يبقى مسيطراً على الفريقني.
أ. د. تيسري جباره<br />
وبالإضافة اإىل نشاط السالطني يف رشاء املماليك فقد قام الأمراء اأيضاً برشاء<br />
املماليك، وقد عرف مماليك الأمراء بالسيفية، ولكن امتيازاتهم كانت اأقل من امتيازات<br />
مماليك السالطني، وقد تعاون القرانصة مع السيفية لرضب مماليك السلطان احلاكم<br />
يف عدة فرتات <strong>تاريخ</strong>ية.<br />
وكان مماليك الأمراء اأقل شاأناً من مماليك السالطني، ولكن اإذا مات الأمري فاإن<br />
مماليكه ينتقلون اإىل خدمة السلطان ويصبحون مماليك له وياأخذون رواتبهم منه،<br />
ورمبا ينتقلون اإىل اأمراء اآخرين ولكنهم ل ميارسون اأي نفوذ سياسي يف <strong>الدولة</strong>.<br />
يقول اأحمد بن زنبل الذي عارص نهاية السلطنة اململوكية: »كانت اجللبان ثالثة<br />
األف مملوك كلهم مشرتوات الغوري... وكان قصده اأن ينشيء له عسكراً من مماليكه<br />
)مشرتوات( ويقطع القرانصة وهم مماليك امللوك الذي قبله، وكان يحسب حسابهم<br />
خوفاً من اأن ميكروا به كما فعلوا مبن قبله« واأضاف بن زنبل عن معركة مرج دابق<br />
قائالً: »اإن جلبان السلطان الذين هم مشرتواته مل يتحركوا من مواضعهم وسبب ذلك...<br />
اأن الغوري اأمر باأن اأول من يخرج للحرب القرانصة لكون اأنهم اأعرف باحلرب من<br />
اجللبان وكان قصده اأن تنقطع القرانصة ليكتفي رشهم خوفاً من مكرهم... فقدمهم<br />
للحرب واأخر جلبانه فعلموا مكره فتغريت نياتهم« )2( .<br />
وكان النشاط اململوكي يف اجلندية بارزاً واحتلوا الصدارة الأوىل يف اجليش،<br />
وقد اشتهروا اأيضاً بفن العمارة ذات القباب املرتفعة والهندسة املعمارية اجلميلة،<br />
وخري شاهد على ذلك اآثارهم يف القاهرة واملدن الأخرى يف بالد الشام ومرص. ولو<br />
اأن اأيامهم كانت بدون حروب لربعوا يف فن العمارة اأكرث مما وصلوا عليه، ولكنهم<br />
تعرضوا للهجوم الصليبي واملغويل وازدادت احلروب التي شغلتهم عن فن العمارة<br />
والتقدم القتصادي وجمالت التقدم الأخرى.<br />
عندما اأخذ اخلطر الصليبي يتالشى تدريجياً عن املناطق العربية، بداأ اخلطر<br />
املغويل يزداد على الرشق العربي وتركيا على يد جنكيز خان الذي تويف عام 1227م<br />
والذي رشّد الآلف من بيوتهم، وخلفه هولكو يف السري نحو الغرب واحتل بغداد<br />
عام 1258م وقضى على اخلالفة العباسية. وعندما كان هولكو يزحف نحو الغرب<br />
تصدى له املماليك اأمامه بزعامة املظفر قطز والظاهر بيربس اللذين هزما املغول يف<br />
9<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
10<br />
معركة عني جالوت يف فلسطني عام 658ه/1260م )3( ، واحلقيقة اأن بيربس يعترب<br />
املوؤسس الفعلي القوي للسلطنة اململوكية التي دامت على حكم املناطق العربية حتى<br />
عام 1517م. وقد اأراد بيربس اأن يسبغ على السلطنة اململوكية الرشعية يف الإدارة<br />
واحلكم، فدعا اخلليفة العباسي لالإقامة يف القاهرة، وقد بقي اخللفاء العباسيون<br />
يعيشون يف القاهرة فرتة طويلة من الزمن، وكان اآخرهم املتوكل على اهلل اأبو عبد<br />
اهلل حممد بن يعقوب الذي تويف عام 1550م. ويجب اأن ل ننسى اأن منصب اخلليفة<br />
يف العهد اململوكي كان اسمياً لأن السلطان كان صاحب الكلمة وكانت كلمته قانوناً،<br />
هذا بالإضافة اإىل اأن الوظائف العسكرية كانت للمماليك اأكرث من اأهل البالد ذوي<br />
الوظائف الدينية.<br />
واجه املماليك خصمني عنيدين هما: العدوان الصليبي والعدوان املغويل، فقد<br />
سيطر الصليبيون على الرشيط الساحلي الرشقي حلوض البحر املتوسط، وسيطر املغول<br />
على مناطق رشقية يف املناطق العربية وحطموا بغداد، ولكن املماليك استطاعوا اأن<br />
يهزموا الصليبيني يف حصون كثرية لهم كان اآخرها عام 1291م، ومن اأبرز هوؤلء<br />
املماليك الذين دوخوا الصليبيني بيربس وسيف الدين قالوون وامللك الأرشف صالح<br />
الدين خليل وغريهم كثريون.<br />
ولو تفحصنا قادة السلطنة اململوكية لوجدنا اأن بيربس هو الرجل الذي رفع<br />
شاأن السلطنة عالياً ونستطيع اأن نعتربه املوؤسس الفعلي للسلطنة اململوكية. واأما<br />
املغول فنستطيع اأن نعترب هولكو هو املوؤسس الفعلي للساللة. وحكمت هذه الساللة<br />
اأراضٍ شاسعة امتدت عدا عن بالد فارس اإىل كل من العراق والأناضول واأرمينيا<br />
واآسيا الصغرى، علماً باأن هذه الساللة كانت ساللة وثنية بوذية.<br />
اشتهر من هذه الساللة اأيضاً الأمري قازان، الذي وصل اإىل العرش عام 1295م،<br />
وقد قام هذا بحملة مغولية رشسة على بالد الشام عام 1299م حيث انترص على<br />
جيش النارص حممد قرب حمص وتابع سريه حتى دخل دمشق وقتل فيها بال رحمة<br />
ما ينوف على مائة األف مسلم )4( ، وقد وصف املوؤرخ ابن كثري موؤرخ القرن الرابع<br />
عرش امليالدي هذه املذبحة يف دمشق بالتفصيل. وذكر الدكتور عبد الكرمي رافِ ق يف<br />
كتابه »العرب والعثمانيون« اأن قازان اعتنق الإسالم على املذهب السني فيما بعد. ثم
أ. د. تيسري جباره<br />
اعتنق بقية اأفراد ساللته من املغول الإسالم وحتالفوا مع العثمانيني الأتراك )5( . ول<br />
يعني هذا اأن جميع املغول دخلوا الإسالم.<br />
وقبل دخول املغول الإيلخانيني الإسالم كانوا قد اأقاموا عالقات طيبة مع<br />
الصليبيني ملجابهة املماليك، وعندما انهارت هذه الساللة اليلخانية املغولية<br />
ظهرت ساللت مغولية متنازعة فيما بينها حتى ظهر رجل قوي من املغول هو اأمري<br />
سمرقند واسمه تيمورلنك الذي اأعلن مترده على حكام مغولستان عام 1369م وهو<br />
ليس مبسلم.<br />
وقد جهز تيمورلنك جيشاً عرمرماً اجته به غرباً حيث احتل بالد فارس والعراق<br />
والقفقاس ورشقاً حتى وصل اإىل خوارزم وشمايل الهند.<br />
احتل تيمورلنك دمشق عام 1400م وهزم العثمانيني عام 1402م، وقد وصف<br />
ابن تغري بردي الأتابكي املذبحة التي ارتكبها تيمورلنك يف دمشق وصفاً مسهباً حيث<br />
خلّف فيها الدمار واآلف القتلى. وبوفاة تيمورلنك عام 1403م انهارت اإمرباطوريته<br />
املرتامية الأطراف. ونستطيع القول اأن املنطقة الغربية من قارة اآسيا ثم مرص قد<br />
تعرضت اإىل حروب طاحنة اشرتك فيها املغول والفرس واملماليك والروم وغريهم.<br />
حكمت الأرسة اململوكية يف مرص من عام 1250- 1517م، واتسعت الرقعة<br />
التي تديرها حتى شملت املرشق العربي، ولكن الظروف مل تساعد املماليك كي<br />
يستمروا يف حكم املناطق العربية وذلك لظروف سياسية واقتصادية اأدت اإىل انحطاط<br />
الأرسة اململوكية، واأهم هذه االأسباب:<br />
1.1العامل السياسي أو العسكري:<br />
اإن العامل العسكري من العوامل الهامة لرفع اأو حتطيم اأي دولة يف العامل<br />
لأن اجليش هو عمود <strong>الدولة</strong>، فاإذا ضعف اجليش تقهقرت <strong>الدولة</strong>، وقد ضعف اجليش<br />
اململوكي عندما دخله مماليك رشاكسة دون تدريب. حتى اأن بعض هوؤلء املماليك<br />
وصلوا اإىل مراتب عسكرية عليا وهامة دون استطاعته حتى استعمال السالح. اأضف<br />
اإىل ذلك اأن اجليش اململوكي مل يقم بحروب هامة فرتة طويلة من الزمن اأي منذ عام<br />
1400م وحتى عام 1516م، فاأصبح اجلندي اململوكي خامالً ل يحسن استعمال<br />
السالح، انرصف بدلً عن ذلك اإىل الهتمام بالتجارة وبناء الدكاكني حول الثكنات<br />
11<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
12<br />
العسكرية لذا انعدمت روح اجلندية، كما اأهمل اجلندي التمارين التقليدية اليومية<br />
وخاصة الفروسية وكرهوا استعمال الأسلحة النارية، واعترب املماليك استعمال<br />
الأسلحة النارية خمالف للرشيعة الإسالمية لأنها اأسلحة الشيطان، وخري دليل على<br />
كرههم استعمال الأسلحة النارية نراه من اللقاء واملحادثة التي جرت بني السلطان<br />
سليم الأول العثماين والأسري اململوكي كرتباي )قرطباي( عندما دخل سليم مرص،<br />
فقال الأسري كرتباي للسلطان سليم »لو بُلي واحد منا بعسكرك لأفناه وحده واإذا مل<br />
تصدق جرّب اأمر عسكرك اأن يرتكوا رضب البندق فقط... » وقال اأيضاً »... اأنت اأتيت<br />
لك عساكر من اأطراف الدنيا من مصاري ومن روم وغريهم وجئت بهذه احليلة التي<br />
حتيلت بها الإفرجن ملا اأن عجزوا عن مالقاة عساكر الإسالم وهي هذه البندقية التي<br />
لو رمت بها امراأة لقتلت بها كذا اإنساناً ونحن لو اخرتنا الرمي بها ما سبقتنا اإليه<br />
ولكن نحن قوم ل نرتك سنة نبينا حممد صلى اهلل عليه وسلم وهو اجلهاد يف سبيل<br />
اهلل بالسيف... » )6( .<br />
ونستنتج من هذا الكالم اأن اجلندي اململوكي كان قد تدرب على الفروسية<br />
واستعمال السيف واأن استخدام الأسلحة النارية يف نظره هو خمالف للرشيعة<br />
ولسنة النبي حممد صلى اهلل عليه وسلم وخاصة لأن الإفرجن الصليبيني استعملوا<br />
الأسلحة الشيطانية وهي الأسلحة النارية. وكالم املماليك هو خمالف لالإسالم الذي<br />
يقول »واأعدوا لهم ما استطعتم من قوة« صدق اهلل العظيم. ول ننسى اأن العثمانيني<br />
املسلمني استعملوا الأسلحة النارية وانترصوا على الفرس يف معركة جالديران عام<br />
1514م وانترصوا على املماليك يف معركة مرج دابق عام 1516م.<br />
2.2العامل االقتصادي:<br />
اإن العامل القتصادي كان اأيضاً من العوامل الهامة التي اأدت اإىل انحطاط دولة<br />
املماليك، ويرجع العامل القتصادي اإىل نقص املوارد واخلريات يف مرص بسبب<br />
النخفاض املتكرر يف منسوب مياه النيل، وانتشار الطاعون، وهجوم تيمورلنك على<br />
بالد الشام وما اأحدثه من دمار يف القتصاد واحلياة البرشية، اأضف اإىل ذلك فرض<br />
مبالغ من املال من قبل جماعات متسلطة على الفالحني بحجة حمايتهم ولذلك<br />
ابتزوا اأموالهم وهذا اأدى اإىل التاأخر القتصادي ونقص يف املوارد احلياتية. اأضف<br />
اإىل كل ما سبق حتول طرق التجارة عن مرص وذلك بعد اكتشاف طريق راأس الرجاء
أ. د. تيسري جباره<br />
الصالح فاأصبحت الطريق التجاري مع اأوروبا ل متر مبرص وهذا اأضعف القتصاد<br />
املرصي، ثم اإن التجارة الربتغالية اأخذت تنافس التجارة املرصية نتيجة حتول<br />
الطريق التجاري عنها.<br />
ذكرنا فيما سبق اأن املماليك قد لعبوا دوراً هاماً يف حياة العثمانيني من حيث<br />
الحتكاك بهم ومن حيث قيام دولة اآل عثمان على اأنقاض دولة املماليك.<br />
األناضول قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
كانت منطقة الأناضول )تركيا( حتتوي على كثري من الغزاة واملتطوعني<br />
املسلمني الذين سكنوا على احلدود الإسالمية – البيزنطية وذلك للدفاع عن حدود<br />
الديار الإسالمية، وكان هوؤلء الغزاة منهم من سكن يف قرى، ومنهم من كان يرغب<br />
السكن يف خيام كالبدو، ومنهم من سكن يف املدن القريبة من احلدود. وقد كرث يف هذه<br />
املناطق الصوفيون والشيوخ الذين كانوا على صلة وثيقة بالغزاة. وعندما كان هوؤلء<br />
الغزاة يهاجمون البيزنطيني ويضمون اأراضٍ لهم، كان بعض البيزنطيني يهرب اأمام<br />
الغزاة والبعض الآخر يبقى حتت احلكم الإسالمي، حتى اأن بعض هوؤلء البيزنطيني<br />
دخل الإسالم عن طوع وعدم اإكراه وذلك لأن معاملة املسلمني للبيزنطيني املسيحيني<br />
كانت جيدة، فلم يهدم الغزاة الكنائس املسيحية ومل يتدخلوا بشوؤون حياتهم اليومية.<br />
وقد تشكلت اإمارات اإسالمية يف الأناضول ترجع اإىل عائالت اإسالمية فضّ لت<br />
الإقامة يف املناطق احلدودية بدلً من اأن تبقى بعيدة، ومن هذه العائالت عائلة اآيدين<br />
قرب اأزمري، واشتهر منها عمر بك الذي اأصبح له اأسطول بحري قوي، وسكن اإىل الشمال<br />
من اأزمري عائلة صاروخان وشكلت اإمارة يف مانيسا، وعائلة قره صي التي سكنت يف<br />
بلقاصري وقد وصلت حدودها حتى بحر مرمرة ومضيق البوسفور، وهناك اأيضاً عائلة<br />
عثمان التي سكنت بني مدينتي اأسكي شهر واأزنك.<br />
13<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
14<br />
هوامش الفصل األول:<br />
1.1جزيرة الروضة: هي حي يف القاهرة، تعرف بجزيرة الروضة اأو جزيرة الفسطاط<br />
لأن موقعها اأمام الفسطاط، وتعرف بجزيرة مرص اأيضاً، وتعرف بجزيرة احلصن<br />
لأن اأحمد بن طولون بنى فيها حصنه. بنى بدر اجلمايل يف العرص الفاطمي<br />
حديقة سماها الروضة. بنى يف اجلزيرة على مر الأيام الأمراء والوزراء واخللفاء<br />
حصونهم وقصورهم وجنائنهم على جزيرة الروضة. وقد بنيت عليها اأيضاً قصور<br />
لأرسة حممد علي باشا ويربط جزيرة الروضة بالقاهرة خمس جسور. اأنظر جزيرة<br />
الروضة org/wiki/ Arz. m. wikipedia.<br />
2.2عبد الكرمي رافق: بالد الشام ومرص من الفتح العثماين اإىل حملة نابليون بونابرت.<br />
ص 17.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire & Modern Turkey. 1280 – 1808. p. 8..3.3<br />
4.4نقول زيادة: دمشق يف عرص املماليك: موؤسسة فرانكلني للطباعة والنرش، بريوت<br />
سنة 1966م، ص 27. انظر اأيضاً البداية والنهاية يف ال<strong>تاريخ</strong> لبن كثري. ج 14،<br />
ص – 6 .25<br />
5.5عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون – 1516 1916م مكتبة ومطبعة الرسوجي،<br />
عكا، 1978م، ص 15.<br />
6.6عبد الكرمي رافق: بالد الشام ومرص يف الفتح العثماين – 1516 1798 حتى<br />
حملة نابليون بونابرت. ط 2، دمشق، 1968م، ص 22.
الفصل الثاني<br />
فرتة الظهور والتأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
يف آسيا الصغرى والبلقان
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل الثاني<br />
فرتة الظهور والتأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
يف آسيا الصغرى والبلقان<br />
قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
انتهت دولة السالجقة يف النصف الثاين من القرن الثالث عرش امليالدي )السابع<br />
الهجري( ، وظهرت جمموعة اإمارات يف اجلهة الغربية من الأناضول )اآسيا الصغرى(<br />
على احلدود البيزنطية، وقد تاأسست هذه الإمارات املسلمة نتيجة الغزوات الإسالمية<br />
يف اآسيا الصغرى ضد البيزنطيني، وعرفت هذه الإمارات باإمارات الغزاة، وكانت<br />
اإمارة عثمان اإحدى هذه الإمارات، وقد استطاعت اإمارة عثمان خالل قرن من الزمن<br />
اأن تسيطر على كافة بالد الأناضول يف اآسيا الصغرى والبلقان يف اجلهة الرشقية من<br />
اأوروبا واأن تنشئ دولة اإسالمية مرتامية الأطراف هي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
كيف تأسست هذه <strong>الدولة</strong>؟ :<br />
هناك روايات كثرية تناولها املوؤرخون عن نشاأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، فقد روى<br />
بعض املوؤرخني عن جذور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورشح مفصالً عن كيفية<br />
تاأسيسها:<br />
1.1فهناك رواية عثمانية وردت يف الكتب الرتكية كانت بدايتها يف القرن<br />
اخلامس عرش امليالدي وتقول الرواية اأن قبيلة تركية هربت اأمام الزحف املغويل من<br />
اأواسط اآسيا اإىل الغرب وسكنت يف الأناضول، وكان قائد هذه القبيلة يدعى سليمان<br />
وهو والد اأرطغرل وجد عثمان الذي سميت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باسمه، وتقول هذه الرواية<br />
اأن اأصل هذه القبيلة ترجع اإىل قوم الغز اأو )الأوغوز( ، والغز نسبة اإىل اأوغوزخان وهو<br />
اأحد اأفراد شجرة عائلة اآل عثمان التي ينتهي اأصلها يف نوح. وتضيف الرواية اأن<br />
17<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
18<br />
سليمان والد اأرطغرل عندما هرب من ضغط املغول متجهاً اإىل بالد الروم غرباً سلك<br />
طريق نهر الفرات فغرق يف النهر ومات قرب قلعة جعرب وهي القلعة الواقعة ضمن<br />
احلدود السورية ويحرسها اليوم جنود اأتراك )1( . وقد خلف سليمان يف حكم القبيلة<br />
ابنه اأرطغرل ثم عثمان، وكان جد سليمان سلطاناً على بالد ماهان يف تركستان،<br />
وهي البلد التي اشتهر منها اأبو مسلم اخلراساين، ورمبا اأرادوا بهذه الرواية رفع شاأنهم<br />
لأنهم ينتسبون اإىل نفس البلد التي جاء منها اأبو مسلم اخلراساين املعروف <strong>تاريخ</strong>ياً.<br />
2.2وهناك رواية عربية عن اأصل العثمانيني وترجع اإىل النصف الثاين من القرن<br />
السابع عرش امليالدي رواها علي بن حسن الشهايل، حيث قال: اإن عثمان بن طغرل بن<br />
سليمان هو اأول سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وكان جد سليمان من القبائل الرتكمانية<br />
الرحالة النزالة اأي البدو.<br />
3.3وهناك رواية رواها القطبي قائالً اأن بني عثمان هم من عرب احلجاز اأو من<br />
املدينة املنورة.<br />
4.4وهناك رواية تقول اأن اأصل العثمانيني يرجع اإىل سليمان شاه وهو من قبيلة<br />
قايي، وكان سليمان يحكم يف ماهان شمايل اإيران يف القرن الثاين عرش امليالدي،<br />
وقد هرب من وجه املغول للغرب مع اآلف الأتراك القادمني من وسط اآسيا وقد غرق<br />
عند نهر الفرات، وبعد زوال اخلطر رجع ولدان له للرشق اإىل خراسان حيث خضعا<br />
للمغول، اأما البن الثالث فتوجه للغرب وهو اأرطغرل الذي سكن يف الأناضول وشكل<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وعمل اأرطغرل على ضم كثري من التباع من السالجقة وتصدى<br />
للمغول واعرتف به سلطان السالجقة يف بغداد واأعطاه اإقطاعات كثرية، وعندما تويف<br />
عام 1280م استلم اأمور القبيلة بعده ابنه عثمان موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )2( ومن<br />
ذاك ال<strong>تاريخ</strong> يبداأ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
5.5وقد تصدى املوؤرخ بول وتيك )3( Wittek .P املتخصص يف <strong>تاريخ</strong> اأصل اآل<br />
عثمان للرواية <strong>العثمانية</strong> ونفاها جملة وتفصيالً وقال: اإن السالجقة حكام بغداد هم<br />
الذين اأرسلوا سليمان بن قتلمش يف القرن احلادي عرش امليالدي اإىل اآسيا الصغرى<br />
وذلك بقصد تنظيم فتوحات الغزاة وحروبهم ضد الروم، ورمبا اأن السالجقة بعثوا<br />
سليمان بن قتلمش للتخلص منه، وقد استقر سليمان يف مدينة )نيقية( ، ولكن عندما
أ. د. تيسري جباره<br />
احتلها الصليبيون عام 1097م رجع سليمان هارباً اإىل بغداد كي ينتقم من اأبناء<br />
عمومته السالجقة فقتل اأثناء عودته يف الطريق وغرق ابنه قيليج اأرسالن يف نهر<br />
اخلابور شمايل العراق، ويقول وتيك Wittek اأن سليمان بن قتلمش ليس هو سليمان<br />
اأبو اأرطغرل حسب الرواية <strong>العثمانية</strong>، وكذلك ليس من ماهان واإمنا من سالجقة بغداد،<br />
والظاهر اأن العثمانيني ذكروا يف روايتهم اأن اأصله من ماهان كي يعطوه شهرة، لأن<br />
ماهان ولد فيها اأبو مسلم اخلراساين، وكان اأفضل للعثمانيني اأن يرجعوا نسبهم اإىل<br />
قريش التي منها الرسول حممد صلى اهلل عليه وسلم، ولكنهم اأرجعوا اأصلهم اإىل قبائل<br />
تركية اآسيوية، ولكن مفتي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لطفي باشا كتب مذكرة يرجع <strong>تاريخ</strong>ها<br />
اإىل عام 1554م اأرجع فيها نسبهم اإىل قريش. وهذا الدعاء غري صحيح لأن الأتراك<br />
اأنفسهم مل يذكروا ذلك )4( .<br />
6.6وهناك رواية عن اأصل العثمانيني ذكرها املوؤرخ جيبونز فنفاها املوؤرخ<br />
الرتكي حممد فوؤاد كوبريللي )5( ، وبنيّ اخلطاأ فيها. فقال جيبونز اأن اأصل العثمانيني<br />
بدو هربوا اأمام زحف املغول بقيادة هولكو اإىل اآسيا الصغرى، واأن عثمان مل يكن<br />
مسلماً بل اأسلم فيما بعد عندما احتك ببعض الشيوخ املسلمني، فتصدى لهذه الرواية<br />
كوبريللي قائالً: »اإن العثمانيني مسلمون، واإنهم ليسوا بدواً، واإنهم مل يهربوا من وجه<br />
املغول«.<br />
7.7وهناك رواية اأخرى تقول: اإن العثمانيني اأتراك دخلوا اآسيا الصغرى يف الثلث<br />
الأول من القرن الثالث عرش امليالدي واإنهم كانوا يشكلون قبيلة تركية متنقلة يف<br />
وهاد الأناضول. شاهدت هذه القبيلة اأثناء تنقلها جيشني يقتتالن، فساعدت اجليش<br />
الضعيف الذي كاد يلقى هزمية حمققة وكان انضمام هذه القبيلة الرتكية اإليه سبباً<br />
يف انتصاره. وبعد املعركة تبني اأن اجليش الضعيف كان من بني جلدتهم الأتراك<br />
السالجقة، اأما اجليش القوي فكان اجليش املغويل بقيادة ابن جنكيز خان. وتقديراً<br />
ومكافاأة لبني عثمان قام سلطان السالجقة عالء الدين الأول فاأهدى القبيلة <strong>العثمانية</strong><br />
اأرضاً واسعة على احلدود البيزنطية، ومل تكتف هذه القبيلة <strong>العثمانية</strong> بهذه الأرض بل<br />
بداأت تتوسع يف الفتوحات يف اأراضي <strong>الدولة</strong> البيزنطية، وكان على راأس هذه القبيلة<br />
الرتكية <strong>العثمانية</strong> اأرطغرل، وحصل على لقب من السالجقة هو )اأوج بكي( اأي حمافظ<br />
احلدود. ضمّ اأرطغرل اأراضٍ واسعة واحتل مدينة اأسكي شهر التي تقع يف اجلزء الغربي<br />
19<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
20<br />
من اإقليم الأناضول الأوسط، على نهر بورصوق، ثم ضم اأراضٍ اأخرى. وتويف اأرطغرل<br />
عن عمر يناهز 93 عاماً ودفن يف مدينة سوكود، التي كانت مقراً له، وخلفه يف قيادة<br />
القبيلة ابنه عثمان عام 1299م الذي سميت <strong>الدولة</strong> فيما بعد باسمه )6( .<br />
وتذكر الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن اأصل العثمانيني مسلمون، واأن الإسالم عندما بداأ<br />
وانترش يف بالد الشام، ظهرت جماعات مسلمة غيورة على الإسالم، ومتطوعون<br />
للدفاع عن احلدود الإسالمية فسكنوا على احلدود الإسالمية البيزنطية وبداأوا يف<br />
غزواتهم املتكررة على الأعداء كل يوم؛ وذلك بقصد الدفاع عن دار الإسالم واحلدود<br />
الإسالمية، ولو نظرنا اإىل انتشار الإسالم بني الأتراك لقلنا اإن الإسالم بداأ ينترش<br />
تدريجياً منذ قام القائد املسلم قتيبة بن مسلم الباهلي- يف اأثناء خالفة سليمان<br />
بن عبد امللك الأموي- بفتح حصون املرشق مثل بخارى وسمرقند ومرو وغريها من<br />
بالد الرتك عام 717م وقد اأسلم كثري من الأتراك زمن العباسيني عندما اأسلم زعيمهم<br />
قره خان عام 954م.<br />
واأدت هجمات الغزاة املتكررة على البيزنطيني واخرتاق احلدود البيزنطية، اأن<br />
قرر الإمرباطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجنيس رضب الغزاة وتاأديبهم واحلد<br />
من هجومهم املتكرر، واأثناء سريه لرضب الغزاة تصدى له السلطان السلجوقي<br />
األب اأرسالن، سلطان بغداد للدفاع عن الغزاة. وقد انترص السلطان السلجوقي على<br />
الإمرباطور البيزنطي يف معركة مالذ كرد اأو منزيكرت عام 1071م حتى اأن الإمرباطور<br />
البيزنطي رومانوس وقع اأسرياً يف اأيدي السلطان السلجوقي األب اأرسالن. ورغم وقوع<br />
الإمرباطور اأسرياً اإل اأن األب اأرسالن مل يسيء اإليه، بل اأطلق رساحه؛ لأن األب اأرسالن<br />
كان مشغولً يف حربه مع اأبناء دينه املسلمني وهم الفاطميون يف القاهرة. ونستطيع<br />
القول اإن هذا النرص الذي حققه السلطان السلجوقي قد شجع الغزاة على الستمرار<br />
يف حتديهم للبيزنطيني، وزيادة هجماتهم خارج احلدود الإسالمية، وبعملهم هذا<br />
اأقلقوا واأخافوا حكام بيزنطية، وقد ازداد عدد الغزاة بسبب دخول عنارص تركية اإىل<br />
الأناضول وبخاصة بعد قيام السلطة السلجوقية يف بغداد.<br />
كانت معركة مالذ كرد قد شجعت الغزاة على زيادة غزواتهم، وقد جتمع الغزاة<br />
يف الأناضول حول اأرسة قوية تدعى الدنشماند، وكانت هذه الأرسة قد شكلت اإمارتني:<br />
الأوىل حكمت يف سيواس منذ )1071– 1174م( والأخرى يف مالطيا )1142-
أ. د. تيسري جباره<br />
1177م( ، وتاأسست هناك اإمارات اأو دول اأخرى مثل اإمارة منكوجك واإمارة بني<br />
سلدق وغريها، وكانت كلها جتاهد ضد البيزنطيني حتت حماية سالجقة بغداد )7( .<br />
وعندما علم سلطان السالجقة يف بغداد بتشكيل عدة اإمارات يف الأناضول، اأرسل<br />
سليمان بن قتلمش كي ينظم تشكيل هذه الإمارات الإسالمية ويرشف عليها )8( .<br />
وذكرنا من قبل اأن سليمان قرر الرجوع اإىل بغداد؛ لأنه اأراد النتقام من السلطان<br />
السلجوقي يف بغداد بسبب هذه احليلة وهي اإرساله اإىل الأناضول للتخلص منه، وقد<br />
قتل سليمان يف الطريق وغرق ابنه يف النهر فبقي بعض اأفراد الأرسة يف الأناضول<br />
حيث استقروا جمربين يف اآسيا الصغرى واتخذوا قونية عاصمة لهم وعرفوا منذ ذاك<br />
الوقت بسالجقة الروم متييزاً لهم عن سالجقة بغداد.<br />
كان سالجقة بغداد قد اتبعوا سياسة جديدة يف عملية التوطني يف الأناضول،<br />
حيث كانوا ينظرون اإىل اأقوى العشائر عدداً ويقسمونها اإىل اأقسام كثرية، وكل قسم<br />
يسكن يف مكان بعيد عن الآخر علماً باأنهم من نفس الأرسة، خوفاً من خطر العصيان<br />
الذي ميكن اأن يعلنه رئيس العشرية، وقد سميت هذه السياسة بسياسة التفتيت ثم<br />
التوطني.<br />
ذكرنا اأنه تاأسست يف اآسيا الصغرى عدة اإمارات، كان اأهمها اإمارة الدنشماند<br />
يف سيواس واإمارة سالجقة الروم يف قونية، وبعد تشكيل اإمارة سالجقة الروم بداأ<br />
الرصاع بني هذه الإمارات وتركوا العدو املشرتك وهو العدو البيزنطي الذي يرتبص<br />
بهم. وكانت اإمارة سالجقة الروم يف قونية اأقوى من اإمارة الدنشماند بسبب انضمام<br />
كثري من علماء املسلمني اإىل قونية. وقد استغل البيزنطيون هذا التفكك فهاجموا<br />
الإمارتني عدة مرات وضعفت نتيجة ذلك اإمارة الدنشماند، فتشجع اأمراء قونية<br />
وضموا اإمارة الدنشماند لهم كما ضموا الإمارات الصغرية الأخرى لهم عام 1180م،<br />
وكان القصد من ضم هذه الإمارات اإىل قونية هو توحيد هذه الإمارات كلها ملواجهة<br />
اخلطر البيزنطي، لذلك اأصبح هنالك توازن يف القوى اإىل حد ما بني اإمارة قونية<br />
والبيزنطيني، ثم حدث تصدع يف اجلبهة البيزنطية عام 1240م، عندما هاجمت<br />
احلملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عام 1240م وحصل صدام بني البيزنطيني<br />
واحلملة الصليبية الرابعة، ل داعٍ للدخول يف تفاصيلها.<br />
21<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
22<br />
وجاء خطر جديد من الرشق هو اخلطر املغويل الذي هدد الإمارات الإسالمية<br />
يف الأناضول، وهدّد البيزنطيني اأيضاً. وكانت نتيجة الزحف املغويل نحو غربي<br />
اآسيا هروب قبائل تركمانية اإىل اآسيا الصغرى. واأخذت هذه القبائل التي التجاأت اإىل<br />
الأناضول متارس حياة الغزو كغريهم من قبائل الغزو التي استقرت على احلدود،<br />
وقد اأدى ترسب هوؤلء الغزاة اإىل اآسيا الصغرى اإىل صدام مسلح بينهم وبني سالجقة<br />
الروم يف قونية بدلً من الرتحيب بهم، ويف عام 1243م هاجم املغول سالجقة الروم<br />
يف قونية واأخضعوها لهم، وهكذا وقعت قونية حتت الحتالل املغويل فرتة قصرية.<br />
ول يعني هذا الحتالل اأن نشاط الغزاة قد توقف بسبب احتالل املغول لقونية، بل<br />
الصحيح اأن الغزو قد ازداد؛ لأن الغزاة قد تاأثروا بنشاط رجال الطرق الصوفية الذين<br />
اأخذوا يحمسون الغزاة املسلمني للتوجه نحو احلدود البيزنطية وتاأدية واجبهم الديني<br />
اليومي وهو الغزو. ول يعني اأيضاً اأن احتالل املغول لقونية هو سيطرة املغول على<br />
كل الأناضول، بل اإن الإدارة العسكرية املغولية مل تستطع السيطرة الكاملة على<br />
كل املناطق يف الأناضول ول حتى على املناطق التي خضعت لهم، فمثالً مل تشعر<br />
املناطق اجلبلية باحلكم املغويل ول حتى املناطق البعيدة عن الطرق الرئيسية.<br />
ذكرنا اأن هناك اإمارات تشكلت يف الأناضول، ومل تكن هذه الإمارات سياسية<br />
جنمت فجاأة يف اأوائل القران الرابع عرش امليالدي على اأنقاض <strong>الدولة</strong> السلجوقية<br />
املنقرضة كما كان يظن، ولكنها قوى حملية استفادت من تفكك الإدارة الإيلخانية<br />
)املغولية( وتساحمها. فظهرت بالتدريج يف النصف الثاين من القرن الثالث عرش<br />
امليالدي وكانت اأدوارها ال<strong>تاريخ</strong>ية تطول اأو تقرص بحسب مواقعها اجلغرافية من<br />
ناحية وبحسب قدرة حكامها من ناحية اأخرى، ومن بني هذه الإمارات اخ ثم توسعت<br />
بفضل ما استولت عليه من بيزنطية <strong>الدولة</strong>، التي قادتها الكوارث الداخلية واخلارجية<br />
اإىل النهيار، اإمارات كرميان ومنتشا وايدين وصاروخان وقره صي وعثمانلي )9( .<br />
وقد استطاعت اإمارة عثمان من بني ست عرشة اإمارة تركية اأو اأكرث اأن تصبح دولة<br />
مرتامية الأطراف خضعت لها شعوب كثرية واتسعت رقعتها وعاشت من عام 1280<br />
– 1922م وجمع سالطني هذه <strong>الدولة</strong> يف اأيديهم السلطتني الزمنية والروحية ودعي<br />
لهم على منابر العامل الإسالمي بطول العمر، وقد ورثت هذه <strong>الدولة</strong> حضارات <strong>الدولة</strong><br />
الرتكية يف الأناضول وحضارة املماليك والفرس وتاأثرت بالبيزنطيني والصقالبة<br />
وغريهم.
أ. د. تيسري جباره<br />
األوضاع االجتماعية يف األناضول يف الوقت الذي ظهر فيه<br />
العثمانيون:<br />
كانت احلياة االجتماعية الأتراك االأناضول يف القرن الثالث عرش<br />
امليالدي تقوم على ثالث جمموعات يتشكل منها جمتمع دولة السالجقة،<br />
وهي:<br />
1.1البدو: كانوا يعيشون حياتهم اليومية معتمدين على تربية احليوانات،<br />
وصناعة السجاد، ويدفعون الرضائب العينية التي تتناسب مع كمية ما متلكه<br />
العشرية من القطعان، وكانت <strong>الدولة</strong> السلجوقية تعفي العشائر التي تقيم على احلدود<br />
من الرضائب لغايات عسكرية؛ لأن هذه العشائر كانت تلتحق باجليش بناءً على رغبة<br />
<strong>الدولة</strong>؛ ومل يكن يتخلف الأطفال ول النساء عن حمل السالح، بل كان اجلميع يقدمون<br />
خدماتهم العسكرية، ولكن اإذا لحظت العشائر البدوية خلالً يف جهاز الإدارة التابع<br />
للدولة فاإنها تنقلب اإىل عنارص فوضوية خمربة تهاجم القرى واملدن الضعيفة غري<br />
املحصنة، وقوافل التجار وتسلبهم وتنهبهم وتعمل القتل فيهم. وكانت <strong>الدولة</strong> تخشى<br />
هوؤلء البدو فكانت تعمد اإىل توظيف اأحد رجالتهم وتلحقه بجهاز الإدارة كرهينة؛<br />
خوفاً من قيامهم بالشغب. ورغم ذلك فقد قام البدو بثورات متتالية على السالجقة<br />
وخاصة ثورة بابا اإسحق اأو بابا رسول اهلل الذي جنح يف ثورته، حيث سار الآلف<br />
نحو القرى واملدن واستولوا عليها، حتى اأن السلطان السلجوقي راأى اأن العاصمة<br />
قونية ليست مباأمن من سطوتهم فلجاأ اإىل اإحدى القالع هرباً من بطشهم. ولكن جيشه<br />
استطاع اأن يقبض على قائد ثورة البدو ومت شنقه اأمام جموع كثرية من الرتكمان<br />
عام 1240م )10( .<br />
2.2أهل القرى: تشكل القرى الغالبية العظمى يف حياة الأناضول، فسكان القرى<br />
هم اأكرث عدداً من البدو ومن اأهل املدن، واإذا تفحصنا سكان القرى يف الأناضول<br />
وجدنا اأن سكان القرية يشكلون اأحياناً وحدة واحدة متماسكة، فقد يكونون عائلة<br />
واحدة اأو اأبناء عمومة يف وحدة سكنية واحدة. وقد مر على الأناضول نقص يف عدد<br />
السكان بسبب احلروب الطاحنة على اأرضها بني املسلمني والبيزنطيني والفرس، لذلك<br />
اضطرت قرى بكاملها اإىل الهجرة من الأناضول حفاظاً على سالمتها من ويالت<br />
23<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
24<br />
احلروب. وحدثت اأيضاً هجرات معاكسة يف وقت السلم فجاءت قبائل من تركستان<br />
كانت تعيش يف بلدها الأصلي حياة قروية فاأكملت حياتها على اأرض الأناضول<br />
حياة ريفية. ورغم تقلب احلكم على بالد الأناضول اإل اأن حياة القرية وسكانها بقوا<br />
يفلحون الأرض لكسب معيشتهم ويدفعون الرضائب املفروضة عليهم.<br />
3.3احلياة يف املدن: متيزت احلياة يف مدن الأناضول بالتجارة والصناعة،<br />
وبسبب موقع الأناضول على الطريق التجاري الربي الوحيد الذي يربط بني اآسيا<br />
واأوروبا، فقد استفادت املدن يف تركيا كثرياً. وقد كانت املدن تشهد حياة جتارية<br />
وصناعية هامة. وتعترب التجارة يف عهد السالجقة اأكرث نشاطاً منها يف عهد املغول.<br />
وكانت مع الطليان اأكرث منها مع غريهم من الشعوب الأخرى.<br />
ورغم التسامح الذي كان زمن السالجقة بني امللل والطوائف الدينية، اإل اأن<br />
كل ملة سكنت وحدها، فمثالً كنت ترى اأحياء خاصة باملسلمني واأحياء خاصة<br />
باملسيحيني واأحياء خاصة باليهود. واأهم املدن التي لعبت دوراً سياسياً وجتارياً يف<br />
تركيا هي: سيواس واأررضوم وطرابزون وقيرصية واأرزجنان واأماسيا ونيقية وقونية<br />
ونيكدة وقريشهر واأسكي شهر واأقرسان واأنقرة. وقد كانت املدن الداخلية مزدهرة اأكرث<br />
من املدن الساحلية بسبب وقوعها على الطريق التجاري.<br />
وكانت املدن تعتمد على الصناعة وعلى اأرباب احلرف الذين كانوا هم عماد<br />
املدينة اأكرث من اعتمادها على الناحية القتصادية وحتى التجارية. وكانت<br />
الصناعات ترتكز يف املدينة. وكان اأصحاب كل حرفة اأو صنعة يتجمعون يف حي<br />
اأو سوق واحد، وجتبى الرضائب من اأصحاب احلرف يف املدينة. ويف عهد املغول<br />
الإيلخانيني كانت الرضائب التي حتصّ ل من املدن تسمى متغة، وكان اأصحاب احلرف<br />
يتجمعون يف طوائف »Corporations« تشبه اإىل حد ما النقابات اليوم. واستمرت<br />
املدن تدفع الرضائب اأيضاً زمن سالجقة الروم.<br />
حياة السالجقة على احلدود:<br />
. أاحلاميات العسكرية: اأقيمت حاميات وقالع عسكرية اإسالمية على احلدود؛<br />
للدفاع عن <strong>الدولة</strong> السلجوقية يف اآسيا الصغرى، وكانت اأكرب هذه احلاميات<br />
والقالع تقع غربي الأناضول على احلدود مع نيقية. وكانت <strong>الدولة</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
السلجوقية تعني بعض القادة للدفاع عن املواقع الساحلية سواء على ساحل<br />
البحر الأسود اأو البحر الأبيض املتوسط. وكانت <strong>الدولة</strong> تعني حتت اإمرة هوؤلء<br />
القادة بعض اأمراء السواحل وكثرياً ما اأمدت ودعمت قادة احلدود باإمدادات<br />
عسكرية واأرسلت عشائر بدوية بقيادة روؤسائها لدعم قادة احلدود واأمراء<br />
السواحل واإذا اأصبح رئيس العشرية على احلدود قوياً وانضمت له عشائر<br />
اأخرى كان يحصل على لقب »اأوج بكي« اأي حاكم احلدود، ولكن <strong>الدولة</strong><br />
السلجوقية كانت تضع مشوؤولً عنه من بني رجالها يلقب ب »اأوج اأمريي«<br />
اأي اأمري احلدود، وكثرياً ما كان حكام احلدود يتحدّون احلكومة املركزية<br />
ويخلقون لها املشاكل اخلطرة، فكانت اأعمال الغزاة على احلدود توؤدي اإىل<br />
صدام مسلح بني <strong>الدولة</strong> السلجوقية والبيزنطيني.<br />
. بالشعب والدفاع عن األرض: كانت الأراضي يف مناطق احلدود مقسمة اإىل<br />
اإقطاعات، وكان كل غاز ياأخذ اإقطاعاً يورثه لأبنائه من بعده، وهذا العمل<br />
اأدى اإىل حتول كثري من البدو اإىل حياة الزراعة وشكلوا قرى يف مناطق<br />
احلدود. اأضف اإىل ذلك اأن بعض الرعايا البيزنطيني قد ترك بيزنطة وسكن<br />
يف املناطق الإسالمية هرباً من الرضائب الباهظة يف بالده اأولً، وانعدام<br />
الأمن ثانياً، ودخلوا يف حماية اأمراء احلدود الأتراك؛ كي ياأمن البيزنطي على<br />
نفسه مقابل دفعه جزية بسيطة للمسلمني. ووصل اأيضاً اإىل مناطق احلدود<br />
جمموعة من الدراويش املسلمني لأن هذه الأرض تابعة اإىل دار الإسالم<br />
فاأخذوا على عاتقهم نرش الإسالم يف املناطق التي وصل اإليها الإسالم، وقد<br />
اعتنقت الإسالم على اأيديهم عائالت مسيحية، ومع اأن نرش الإسالم كان<br />
بطيئاً اإىل حد ما زمن املغول يف الأناضول، اإلّ اأنه اسرتد مركزه املمتاز يف<br />
الأناضول ابتداءً من عهد غازان )11( )اأي الغزاة( .<br />
وليس صحيحاً ما ذكره جيبونز املوؤرخ الأجنبي من اأن القرى املسيحية يف<br />
الأناضول قد اأكرهت على دخول الإسالم فدخلت الإسالم دفعة واحدة، ولكن الصحيح<br />
اأن الإسالم دخل قلوب الناس هناك بالتدريج وبنسبة حمدودة، واأن هذه النسبة<br />
مل ترتفع اإل بعد اأن رسخت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قدمها يف البلقان يف القرن اخلامس<br />
عرش امليالدي، ثم ازداد الدخول يف الإسالم يف القرنني السادس عرش والسابع عرش<br />
امليالديني على يد الأتراك ورجال الدين املسلمني.<br />
25<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
26<br />
. تالفرق العسكرية على احلدود: اإن اأهم دعائم تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
هي فرق:<br />
1.1الغزاة األبطال: كان الأتراك قبل اإسالمهم يطلقون لقب »اآلب« على اجلماعة<br />
الأبطال الذين يقطعون احلدود ويحاربون الأعداء يف عقر دارهم، ولكن بعد اإسالمهم<br />
اأخذوا يستعملون لقب »غازي« وذلك من باب الترشيف للمجاهدين يف سبيل الدين،<br />
وصار هذا اللقب لقباً رسمياً يف اأرسة الدنشمانديني يف الأناضول، ثم صار لقباً<br />
رسمياً على كثري من حكام احلدود، وكانوا يرددون احلديث الرشيف »من مات ومل<br />
يغز، ومل ينو الغزو، مات ميتة جاهلية« )12( . وحديث اآخر »من جهز غازياً فقد غزا«.<br />
وقد ذكر حممد فوؤاد كوبريللي يف كتابه »قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>« اإن كلمة غازي<br />
ظهرت لأول مرة يف <strong>تاريخ</strong> الرتك يف شعر عاشق باشا زاده يف عبارة »غازيان روم«<br />
اأي غزاة الروم. وكان هذا الشاعر قد عاش يف النصف الأول من القرن الرابع عرش<br />
امليالدي، وقد ذكر الصفات التي يجب توافرها يف الشخص كي يصبح غازياً اأو اآلب،<br />
والصفات التسع هي: »قوة القلب اأي الشجاعة، قوة الساعد، احلمية، الزي اخلاص،<br />
الفرس اجلواد، القوس، السيف، الرمح، الرفيق املوافق« )13( . وقد ذكر كوبريللي اأن<br />
عادة الغزو كانت متبعة عند القبائل الرتكية شبه البدوية، بينما ذكر املوؤرخ Wittek<br />
اأن عادة الغزو كانت متبعة منذ بداية الإسالم )14( .<br />
اأما يف اجلبهة الصفوية فاإن الأتراك الذين كانوا يف مواجهة اجليش الصفوي يف<br />
القرن السادس عرش فكان يطلق عليهم الغزاة فقط وهذا يختلف عمّا كان يف اجلبهة<br />
البيزنطية اآلب.<br />
2.2األخيان: والفرقة الثانية التي كانت من دعائم تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
حسب رواية عاشق باشا زاده، هي فرقة اأو طبقة الأخيان، وقد ذكرها ابن بطوطة<br />
عندما ذكر طائفة »الأخية الفتيان« واأنها كانت موجودة يف كل قرية وكل قصبة<br />
)حي( يف الأناضول. ويضيف ابن بطوطة اأن الأخية هم الفتيان وهم شباب عزّاب<br />
واأصحاب حرف ويراأس جماعتهم رئيس منتخب يلقب باآخي، وكان بعضهم قد تبواأ<br />
املناصب الإدارية العليا )15( .
أ. د. تيسري جباره<br />
والظاهر اأن هذه الطائفة قد ارتفع شاأنها اجتماعياً لأنه التحق بها عدد من<br />
رجال <strong>الدولة</strong> يف الأناضول خاصة القضاة والشيوخ والتجار يف القرن الثالث والرابع<br />
عرش امليالديني. ومن الشيوخ الذين اشتهروا يف ذاك العرص الشيخ عبدي بايل الذي<br />
عارص عثمان موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهو والد زوجته، ورمبا كان هذا الشيخ عضواً<br />
يف الأخية، وكان قد قلد عثمان سيفاً حسب عادة الأخية )16( .<br />
وليس صحيحاً ما ذكره املوؤرخ كوك Cook اأن هذا الشيخ شجع عثمان على<br />
الغزو، لأن عثمان كان مسلماً وتابع عمل اأجداده يف الغزو وليس هذا بجديد عليه.<br />
3.3باجيان روم )منظمة النساء( : والطائفة الثالثة التي تناولها عاشق باشا<br />
زاده هي: طائفة باجيان روم اأي منظمة النساء، وقد قيل اإن اإمارة ذي القدر كانت<br />
يف بداية القرن اخلامس عرش لها قوة مسلحة من الرتكمان مكونة من 30,000 رجل<br />
و100,000 امراأة، وكانت هذه النساء من حامالت السالح وهنّ من قبائل تركمانية<br />
كانت تقطن مناطق احلدود )17( . ورمبا كان هذا الكالم غري صحيح بل مدسوساً على<br />
كالم عاشق باشا زاده؛ لأنه ل يعقل اأن يكون جيش يسكن على احلدود مكون من<br />
النساء، خاصة اأن هذه الفئة ل ميكن اأن تقوم بالأعمال العسكرية الشاقة التي يقوم<br />
بها الرجال، وكذلك لأن النساء مل يكنّ يف ذلك العرص )متحررات( كما هنّ يف الوقت<br />
احلارض اإىل حد ما، ولأن عدد النساء مل يكن يف جيش ما اأضعاف عدد الرجال. ولكن<br />
رمبا تكون هذه الطائفة هي طائفة )حاجيان روم( حجاج الأناضول اأو )باخشيان<br />
روم( وهي كلمة مغولية قدمية. ورمبا يكون صحيحاً اأنها منظمة نساء.<br />
4.4الدراويش: وقد اأنشاأ هوؤلء زوايا، كان يلجاأ اإليها الأتراك املسافرون داخل<br />
وخارج املدن وقد منحهم السلطان اأوقافاً يعتاشون منها.<br />
حتول إمارة عثمان إىل إمرباطورية:<br />
اأجمعت املصادر ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن قبيلة عثمان هي من قبائل الغز )نسبة اإىل<br />
اأوغوزخان( كغريها من القبائل الرتكية التي وفدت اإىل تركيا، وهم ل يختلفون عن<br />
اأغلبية الرتك الذين وفدوا مع السالجقة، وهناك مصادر <strong>تاريخ</strong>ية رصحت بانتماء<br />
العثمانيني اإىل قبيلة قايي وهي من قبائل الغز كما ورد ذلك يف كتاب »سلجوقنامه«<br />
الذي كتبه يازجني اأوغلي يف عهد مراد الثاين )18( . وقبيلة قايي هي من قبائل الغز<br />
27<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
28<br />
املعروفة بالأصالة والرشف، وقد وصلت هذه القبيلة اإىل الأناضول مع السالجقة<br />
ولكنها انقسمت اإىل بطون واأفخاذ وسكنت يف مناطق خمتلفة يف الأناضول، لدرجة<br />
اأننا نرى اليوم اأن هناك قرى متباعدة حتمل اسم قايي.<br />
ونستطيع القول اإذاً اأن عثمان كان يراأس عشرية تنتمي اإىل قبيلة قايي وكانت<br />
تخضع لسالطني قونية، وكان موطن هذه العشرية يف منطقة اأسكي شهر الواقعة على<br />
احلدود الرتكية البيزنطية. وكانت بالقرب منهم قبائل وعدد من اأمراء احلدود يغريون<br />
كلما وجدوا الفرصة سانحة على احلدود البيزنطية، ومنهم من كان يدخل املناطق<br />
ويوؤسس فيها قواعد سياسية وعسكرية. والشوؤال هو كيف استطاع عثمان يف تلك<br />
الفرتة وتلك املنطقة اأن يوؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>؟<br />
احلقيقة اأن اإمارة عثمان مبوقعها السرتاتيجي على الطريق الرئيسة التي تصل<br />
بني القسطنطينية واملدن الإسالمية يف بالد الشام، ووقوعها كاإمارة تواجه الأراضي<br />
البيزنطية، جعلها اإمارة اأكرث اأهمية من اإمارات اآسيا الصغرى مثل منتشه وايدين<br />
وصاروخان وقره صي وسينوب وكرمان وغريها. والسبب الرئيس الذي جعل اإمارة<br />
عثمان تعيش اأكرث عمراً من غريها هو اأن الغزو اأصبح قليالً يف تلك الإمارات؛ لذلك<br />
انضم هوؤلء الغزاة اإىل اإمارة عثمان التي مل يتوقف الغزو ومل يضعف عن طريقها،<br />
وهذا اأدى اإىل دوام استمرارها.<br />
كان الغزاة ينطلقون للغزو يف الأناضول اإىل ثالث جبهات ضد البيزنطيني، الأوىل<br />
يف اجلنوب يف اجلهة املواجهة اإىل كيليكيا حول اأنطاكيا وهي موجهة ضد اأرمينيا<br />
الصغرى وضد جزيرتي رودس وقربص، والثانية يف الشمال يف اجلهة املواجهة<br />
للدولة البيزنطية يف طرابزون على البحر الأسود، والثالثة يف اجلهة الغربية اأي يف<br />
مواجهة <strong>الدولة</strong> البيزنطية نفسها، واأهم الإمارات التي كان ينطلق الغزاة منها اإىل<br />
الغرب هي اإمارة صاروخان وجرميان وعثمان، وكان هدفهم الوصول اإىل كوتاهية<br />
وقره حصار ودنزيل.<br />
كان على راأس كل اإمارة شخص يدعى اأمري الغزو، وكانت اأشهر اجلبهات الثالث<br />
هي اجلبهة الغربية املواجهة لالإمرباطورية البيزنطية. وكان قد اأطلق لقب »اأمري الغزو«<br />
عام 1261م على »نرصة الدين حسن وتاج الدين حسني« اأولد الوزير السلجوقي فخر
أ. د. تيسري جباره<br />
الدين علي )19( . وكان اأمراء الغزاة يقومون بغزو اأراضي <strong>الدولة</strong> البيزنطية، كما اأقامت<br />
بعض عائالت الغزاة داخل حدود <strong>الدولة</strong> البيزنطية وضمت الأراضي الإسالمية اإىل<br />
حوزتها كما فعلت قبيلة عثمان.<br />
قلنا يف الصفحات السابقة اإن هناك روايات كثرية حول اأصل العثمانيني، فمن<br />
هذه الروايات اأن قبيلة عثمان هربت من وجه املغول واستقرت يف اآسيا الصغرى<br />
بينما ذكرت روايات اأخرى اأن قبيلة عثمان جاءت مبعوثة من سلطان السالجقة<br />
يف بغداد لتنظيم الغزاة. واملهم يف الأمر اأن قبيلة عثمان وصلت اإىل اآسيا الصغرى<br />
بقيادة سليمان وقد خلفه على اإمارة القبيلة اأرطغرل بن سليمان، وقد عمل اأرطغرل<br />
على ضم كثري من املناطق البيزنطية وانضم له كثري من السالجقة حتى اعرتف به<br />
سلطان السالجقة يف بغداد. وعندما تويف اأرطغرل عام 1280م استلم زمام القبيلة<br />
ابنه عثمان الذي سميت <strong>الدولة</strong> باسمه. ولنبداأ برشح مفصل عن كل سلطان حكم <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>.<br />
الغازي عثمان )1280م – 1324م( :<br />
ولد عثمان بن اأرطغرل عام 1258م ويعترب عثمان املوؤسس الفعلي للدولة<br />
<strong>العثمانية</strong>، حيث بداأ حياته بالغزو على البيزنطيني. وكانت احلدود البيزنطية مرسحاً<br />
لغزوات عثمان ومتتد من نهر سكاريا حتى مدينة كاستاموين وحتى املنطقة املمتدة<br />
جنوبي هذه املدينة. وكانت مدينة كاستاموين قد ضعف الغزو منها لذلك انضم الغزاة<br />
اإىل عثمان قادمني من هذه املدينة عام 1219م ومن الأماكن التي تقع حولها ودعموا<br />
عثمان كي يشاركوا يف الغزو، ويف عام 1301م سار عثمان وكثري من الذين انضموا<br />
حتت لوائه اإىل عاصمة البيزنطيني القدمية وهي مدينة اأزنك اأونيقية، وقد ظهر عثمان<br />
بلباسه الرتكي القريب من لباس البادية وهو على راأس هذا اجليش وقد شجعه ومتنى<br />
له النجاح يف غزوته صهره الشيخ عبدي بايل اأو )اإده بايل( ، وكما يبدو واضحاً اأن<br />
اجلبهة البيزنطية كانت ضعيفة زمن عثمان؛ وهذا ما شجعه على التوغل والتقدم يف<br />
جيشه اإىل العمق وخاصة لأن الأراضي البيزنطية اأصبحت واضحة اأمامه ومكشوفة<br />
اأمام الغزاة )20( . هذا بالإضافة اإىل رغبة عثمان يف نرش الإسالم يف املناطق التي<br />
وصلها. وهكذا حصل اأول صدام بني عثمان والبيزنطيني عام 1301م يف معركة<br />
قوين حصار وحقق عثمان النرص وضم اإليه اأراضٍ كثرية.<br />
29<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
30<br />
لقد جنح عثمان يف كل غزواته وبهذا اأصبحت منطقة نفوذه اأوسع من منطقة<br />
نفوذ اأي اأمري من اأمراء الغزاة. فقد امتدت سلطته على املنطقة املمتدة من اأسكي شهر<br />
حتى سهول اأزنك وبورصة؛ ولأن هذه املدن الهامة مثل اأزنك وبورصة اأصبحت يف<br />
متناول يد عثمان خافت <strong>الدولة</strong> البيزنطية وبداأت حتسب لعثمان األف حساب اأكرث<br />
من غريه من اأمراء الغزاة، لهذا بداأ حكام املناطق املسيحية البيزنطية بقيادة حاكم<br />
بيزنطة الحتشاد وتكوين قوة عسكرية لكرس عثمان، فتوجهت هذه اجلموع البيزنطية<br />
اإىل اأزنك ودارت معركة يف سهولها كانت نتيجتها لصالح عثمان، وهرب اجليش<br />
البيزنطي والتجاأ اإىل مدينة قريبة هي اإزمد، ولكن عثمان بدلً من متابعة ومالحقة<br />
اجليش املهزوم ذهب اإىل حصار مدينة بورصة لأنها املدينة التي توقع اأن تكون<br />
خطراً على اإمارته. وكانت نتيجة انتصار عثمان اأن اأخذت الوفود الرتكمانية تزوره<br />
وتعلن الولء والطاعة له طالبة منه النضمام حتت لوائه كي تستفيد من الغزو. وقد<br />
ملع اسم عثمان يف املرشق الإسالمي نتيجة انتصاراته، لهذا اأطلق عليه سلطان قونية<br />
السلجوقي لقب »بك« )21( .<br />
اأبدى عالء الدين كيقباد الثالث سلطان دولة الأتراك السالجقة تقديره العميق<br />
خلدمات عثمان نتيجة انتصاراته على البيزنطيني فمنحه لقب »عثمان غازي حفر<br />
تلري مرزبان عاليجاه عثمان شاه« اأي حرضة عثمان الغازي حارس احلدود العايل<br />
اجلاه عثمان بك« )22( .<br />
ويف الوقت الذي كان عثمان ينتقل من نرص اإىل نرص، كان اأمري اآيدين حممد بك<br />
يفتح مدناً يف الأناضول ويضمها اإىل اإمارته مثل بريجي التي اتخذها عاصمة له، ثم<br />
تابع زحفه حتى وصل اأزمري، ونتيجة لذلك اأصبح رجالً مرموقاً يف اجلهة الغربية من<br />
الأناضول، ومل يوؤدِ ذلك اإىل تنافس بينهما اأو عداوة اأو حسد، بل اأدى اإىل تشجيع كل<br />
منهما لالآخر يف فتح هذه احلصون البيزنطية.<br />
اإن انتصارات حممد بك اأمري اآيدين وعثمان يف الأناضول ل تعني اأن حياتهما<br />
كانت كلها حروب، فقد اهتم عثمان مثالً ببناء اجلوامع الكثرية وذلك لصبغ املناطق<br />
التي وصلها بالصبغة الإسالمية، هذا بالإضافة اإىل اهتمامه بالناحية القتصادية<br />
والتجارية لرفع مستوى معيشة اأفراد اإمارته، التي كانت مزدهرة اقتصادياً وجتارياً<br />
وعمرانياً والدللة على ذلك جندها يف زيارة ابن بطوطة لتلك املنطقة، حيث وصفها
أ. د. تيسري جباره<br />
عندما زار املنطقة قائالً: اإنه راأى مدناً مزدهرة مثل مدينة دنزيل التي راأى فيها سبع<br />
جوامع وسوقاً جتارياً ناجحاً هذا بالإضافة اإىل املدن الأخرى التي وصفها مثل قره<br />
صي وبورصة وغريها )23( .<br />
ذكرنا قبل قليل اأن اسم عثمان اأصبح عالياً بسبب النتصارات التي حققها كغازٍ<br />
على اجلبهة البيزنطية، وحصوله على لقب بك من قبل السلطان السلجوقي عالء الدين<br />
كيقباد الثالث سلطان قونية، وبالإضافة اإىل هذا اللقب فقد حصل عثمان على اأراضٍ<br />
كثرية كان قد اأقطعها له السلطان السلجوقي، حتى اأنه سمح له برضب العملة باسمه<br />
وذكر اسم عثمان يف خطبة اجلمعة يف املساجد )24( . ومل يبق اإل اأن يطلق على عثمان<br />
لقب ملك ولكنه مل يحصل عليه.<br />
كانت سياسة عثمان قبل الغزو تعتمد على اأسلوب تهديد املناطق التي سوف<br />
يصلها، لذلك كان يخريّ حكام املناطق البيزنطية بني الإسالم اأو اجلزية اأو احلرب<br />
)25( . وقد اأسلم بعض حكام املناطق، ودفع بعضهم اجلزية، اأما الذين قرروا احلرب<br />
فهم كثريون، وقد قام هوؤلء بالتعاون مع التتار لرضب عثمان ولكنهم فشلوا، بل<br />
انترص عثمان على كل اأعدائه حتى اأنه وصل اإىل مشارف بورصة والقسطنطينية.<br />
وكان عثمان يسري من عاصمته دوماً يف اجتاهني: الأول جتاه البحر الأسود شمالً<br />
والثاين جتاه بحر مرمرة غرباً. واستطاع اأن يفرض على بورصة اجلزية مدة خمس<br />
سنوات حتى فتحها ابنه اأورخان.<br />
ولو حللنا شخصية عثمان وفكره لوجدنا اأنه رجل يوؤمن باهلل ويطبق الإسالم<br />
وشعائره ويفي بالوعد اإذا وعد ويقيم احلد على العاصي ولو كان قريباً، ويحرتم اأهل<br />
الذمة اإذا بقوا على عهدهم معه، ولدينا اأكرث من دليل على كل نقطة ذكرناها:<br />
1.1فمثالً بالنسبة لإميانه القوي بالدين الإسالمي نقول: »اإن عثمان بن اأرطغرل<br />
قد اأسس دولة تعتز بالإسالم، ويعز بها الإسالم، ويلوذ اإليها املسلمون، وهذا ما يوؤكده<br />
املوؤرخ الرتكي اأحمد رفيق يف موسوعته املطبوعة باللغة الرتكية باأحرفها العربية<br />
»بيوك <strong>تاريخ</strong> عمومي« اأي ال<strong>تاريخ</strong> العام الكبري، حيث يقول: كان عثمان متديناً للغاية،<br />
وكان يعلم اأن نرش الإسالم وتعميمه واجب مقدس، وكان معتنقاً لفكر سياسي واسع<br />
ومتني، ومل يوؤسس عثمان دولته حبّاً يف السلطنة، واإمنا حباً يف نرش الإسالم )26( .<br />
31<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
32<br />
2.2واأما عن وفائه بالعهد اإذا وعد نقول: »ولقد بلغ من شدة حرص العثمانيني<br />
على التزام اآداب الإسالم يف الوفاء بالعهد، اأنهم ظلوا طوال عدة قرون، كما يروي<br />
املوؤرخ اإسماعيل حامي دنشمند يف كتابه: »موسوعة ال<strong>تاريخ</strong> العثماين«، يدخلون<br />
قلعة اأولوباد بوساطة القوارب على الرغم من وجود جرس يوصل اإليها، وذلك لأن اأمري<br />
القلعة البيزنطي كان قد اشرتط على عثمان بن اأرطغرل حني استسلم للجيش العثماين،<br />
اأن ل مير من فوق اجلرس اأي عثماين مسلم اإىل داخل القلعة« )27( .<br />
3.3واأما بالنسبة لإقامة احلد والعقوبة على من خالف الإسالم ولو كان قريبه<br />
نقول: اإن كتب ال<strong>تاريخ</strong> شوّهت حقيقة العثمانيني، عندما ذكرت اأن اأبناء ساللة عثمان<br />
كانوا يقتلون اأخوتهم اأو اأعمامهم خوفاً من تنافس الأخوة على احلكم، وذكرت الكتب<br />
الأجنبية اأن هناك فتوى من شيخ الإسالم بذلك، ولكن احلقيقة ل توجد فتوى بذلك<br />
اأولً، واأما ادعاء القتل فقد اأعمت الأباطيل والأكاذيب عيون املوؤرخني الأجانب وبدلوا<br />
احلقائق اأباطيل. فمثالً مل يقتل عثمان عمه دوندار حسداً واإمنا قتله لأنه حتالف مع<br />
الأعداء، والدللة على ذلك ما ذكره »خري اهلل اأفندي« الذي عارص عثمان بن اأرطغرل<br />
من اأن دوندار كان طرفاً يف موؤامرة اتفق على تدبريها بالتعاون مع حاكم مدينة بيله<br />
جيك البيزنطي، تستهدف اغتيال عثمان، متهيداً لوثوب دوندار اإىل الزعامة بدلً من<br />
عثمان، فلما كشفت املوؤامرة، اأرصّ عثمان وهو احلريص على تطبيق اأحكام الرشيعة<br />
الإسالمية على تنفيذ حكم اهلل يف عمه جزاء اقرتافه جلرمية موالة اأعداء الإسالم،<br />
والتاآمر معهم ضد جماعة املسلمني )28( .<br />
يُعد عثمان بن اأرطغرل بن سليمان رجالً موؤمناً مسلماً دافع عن دار الإسالم،<br />
ويعترب املوؤسس الأول للدولة <strong>العثمانية</strong>. »لقد وضع عثمان احلجر الأساس يف بناء<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1300م عندما اأغارت جموع التتار على سلطنة قونية السلجوقية<br />
التي كان عثمان يعمل يف خدمة اأمريها عالء الدين كيقباد الثالث. واأسفرت الغارة عن<br />
مقتل الأمري عالء الدين وويل عهده غياث الدين عام 1308م، فاأمست السلطنة بدون<br />
سلطان، فوجد عثمان يف ذلك فرصة ليعلن زعامته على السلطنة حتت اسم »بادي شاه<br />
اآل عثمان« معلناً بذلك ولدة اإمارة بني عثمان، فاأصبحت املتنفس الوحيد للحماس<br />
الديني يف الإسالم يف الأناضول، فجاءها كل راغب يف اجلهاد، واجتذبت اإليها اأعداداً<br />
من املتحمسني لنرصة الدين )29( .
أ. د. تيسري جباره<br />
ويف الأيام الأخرية من حياة عثمان اأوصى ابنه اأورخان الذي استلم احلكم بعده<br />
بوصية نستشف منها روح الإسالم والدفاع عنه قال فيها: »اعلم يا بني، اأن نرش<br />
الإسالم، وهداية الناس اإليه، وحماية اأعراض املسلمني واأموالهم، اأمانة يف عنقك،<br />
سيشاألك اهلل عز وجل عنها... يا بني، اإنني اأنتقل اإىل جوار ربي واأنا فخور باأنك ستكون<br />
عادلً يف الرعية، جماهداً يف سبيل اهلل لنرش دين الإسالم. يا بني اأوصيك بعلماء الأمة<br />
اأدم رعايتهم، واأكرث من تبجيلهم، واأنزل على مشورتهم، فاإنهم ل ياأمرون اإل بخري، ...<br />
واأعلم يا بني، اأن طريقنا الوحيد يف هذه الدنيا هو طريق اهلل، واأن مقصدنا الوحيد هو<br />
نرش دين اهلل، واأننا لسنا طالب جاه ول دنيا« )30( .<br />
وتويف عثمان عام 1324م تاركاً لبنه اأورخان اإمارة مرتامية الأطراف وجيشها<br />
الغازي يف كل مكان يف الأناضول مدافعاً عن دار الإسالم وحمارصاً مدناً هامة<br />
مثل بورصة وغريها. وذكر حممد فريد بك املحاميً اأن عثمان تويف عن عمر يناهز<br />
السبعني عاماً ودفن يف مدينة بورصة اأو بروسة وكانت هذه املدينة قد فتحها ابنه<br />
اأروخان بينما كان عثمان اآنذاك على فراش املوت، واأصبحت هذه املدينة عاصمة<br />
جديدة لالأتراك العثمانيني، وقد بنى فيها السالطني فيما بعد ثالثة مساجد هي يشيل<br />
جامع، اأولو جامع، ييلدرم )31( .<br />
أورخان بن عثمان 1324م – 1360م:<br />
استلم اأورخان البن الثاين لعثمان زمام اأمور الإمارة <strong>العثمانية</strong> بعد وفاة والده،<br />
بينما استلم البن الأكرب لعثمان وهو عالء الدين مركز الصدر الأعظم اأي رتبة رئيس<br />
الوزراء، وتفرغ اأورخان للفتوحات الإسالمية.<br />
وعن سياسته فقد قام اأورخان مبتابعة احلروب والغزوات التي كان قد سار عليها<br />
والده عثمان، وقام باأعمال كالتي قام بها والده مثل سك العملة واملناداة باسمه يوم<br />
اجلمعة على املنابر الإسالمية يف منطقته، ومهادنة اإخوانه يف الرشق الإسالمي وهم<br />
السالجقة. وكانت سياسة اأورخان اأيضاً اإيجاد اأراضي وقف لرصف مرتبات اجلنود<br />
من الوقف ومن الغنائم التي كان ياأخذ خمسها للدولة، وكان يعطي الشيوخ املتصوفة<br />
معاشات ومنحاً خاصة؛ وذلك بسبب احرتامه لرجال الدين املسلمني.<br />
استطاع اأورخان اأن يفتح مدينة بروصة عام 1326م بعد حصارها منذ زمن<br />
33<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
34<br />
والده، وقد اتخذها عاصمة له حلسن موقعها، واأرسل اجليوش <strong>العثمانية</strong> اإىل املدن<br />
الأخرى يف اآسيا الصغرى ففتحوا مدناً كثرية، اأما هو فقد اجته نحو اأزمد فدخلها<br />
فاحتاً مظفراً وتبعتها مدينة اإزنك بعد سنتني، وقد عامل سكان املدن املفتوحة باللني<br />
والرفق واملحبة، حتى اأنه مل يعارضهم يف اإقامة شعائر دينهم وسمح ملن يريد<br />
املهاجرة من املناطق املفتوحة اإىل اأوروبا، بينما بقي الكثري منهم يف بيوتهم وكل<br />
فرد كان اآمناً مطمئناً وذلك بسبب الأمن داخل دولته )32( .<br />
واأسس اأورخان مدارس عالية يف بورصة واأزنك واأزمد وقيل اإنه اأسس جامعة<br />
عثمانية يف اإزمد بعد اأن فتحها عام 1327م وكانت اأول جامعة عثمانية يف زمنه<br />
وكانت من اأعظم املعاهد التعليمية عند املسلمني )33( .<br />
وقد سك اأورخان عمله جديدة اسمها اأقجة وهي قطعة بيضاء كان قد كتب على<br />
الوجه الأول من العملة الشهادتني )اأشهد اأن ل اإله اإل اهلل واأن حممداً رسول اهلل( ، واأما<br />
الوجه الآخر من العملة فكان مكتوب عليه اسم اأورخان والدعاء له بكلمات هي »خلّد<br />
اهلل ملكه« )34( .<br />
وبعد الفتوحات التي انترص يف معاركها اأورخان وجيشه، اأصبحت منطقة<br />
الأناضول كلها بيده اإل بعض املناطق التي كان من السهل عليه الوصول اإليها وهي<br />
على الساحل الشمايل لالأناضول مثل طرابزون. هكذا نستطيع القول اإن الرب الآسيوي<br />
كان حتت اإمرة اأورخان ما عدا الساحل من طرابزون على ساحل البحر الأسود وحتى<br />
القسطنطينية وبحر مرمرة.<br />
كانت عالقة اأورخان مع الإمرباطور البيزنطي يوحنا السادس حسنة وعالقة<br />
طيبة، وقد طلب يوحنا املساعدة من العثمانيني ضد منافسه على احلكم يوحنا<br />
اخلامس باليولوغوس، واستعد اأورخان ملساعدة الإمرباطور البيزنطي، فجهز اأورخان<br />
جيشاً قوياً عام 1345م بقيادة ابنه سليمان الذي استطاع اأن يعرب به مضيق الدردنيل<br />
على سفن بيزنطية اإىل اجلبهة الأوروبية، فوصل تراقية. واستمر سليمان يف زحفه<br />
يف البلقان حتى استطاع اسرتجاع مدينة سالونيك من ملك رصبيا واأرجعها اإىل<br />
حاكم القسطنطينية البيزنطي. وازدادت العالقات احلسنة بني اأورخان والإمرباطور
أ. د. تيسري جباره<br />
البيزنطي عندما اأعطى الإمرباطور ابنته ثيودورا هدية اإىل اأورخان كي يتزوجها على<br />
مساعدته له ضد خصمه.<br />
وبعد انتصار اأورخان وسليمان يف البلقان وتراقية استلم العثمانيون مراكز<br />
حساسة اإسرتاتيجية يف اأرخبيل غاليبويل، الأرخبيل الذي يتحكم يف املواصالت<br />
البحرية بني الأناضول وتراقية. ووطد العثمانيون قوتهم يف الهلسبونت بعد توقيعهم<br />
اتفاقية جنوة عام 1354م، واأصبحت اأوروبا والبلقان حتت رحمة اجليوش <strong>العثمانية</strong><br />
بعد دخولهم البلقان )35( .<br />
عندما انتهت مهمة سليمان يف البلقان طلب احلاكم البيزنطي من سليمان<br />
مغادرة البلقان بعد هذه النتصارات التي متت على يديه، حتى اأنه اتخذ غاليبويل<br />
مقراً له وقاعدة لنطالق جيوشه على املدن البيزنطية يف اجلبهة الأوروبية، وقام<br />
اأيضاً بتوطني كثري من الأتراك يف منطقة البلقان الأوروبية معتمداً عليهم يف حروبه<br />
املستقبلية. ويعترب سليمان اأول قائد تركي دخل املناطق البيزنطية يف البلقان<br />
فاحتاً. واستغل سليمان وجوده يف املناطق الأوروبية، فاكتشف مدى ضعف املناطق<br />
البيزنطية يف حالة هجومه على مدنهم يف البلقان.<br />
وحدثت ب<strong>تاريخ</strong> 1354/3/2م زلزل جعلت سليمان يفرس حصول الزلزل<br />
برضورة بقائه يف البلقان ول يغادرها بعد اأن فرس له املفرسون اأن هذا الزلزال دللة<br />
على اأن اهلل منح هذه املناطق للمسلمني وعليهم عدم مغادرتها. وقد اأجاب سليمان<br />
اإىل احلاكم البيزنطي يف القسطنطينية باأن الزلزال يعني اأن تبقى القوات الإسالمية<br />
يف البلقان )36( .<br />
وقد تويف سليمان عام 1358م خملفاً وراءه جبهة اإسالمية عريضة يف البلقان.<br />
وتويف والده بعد سنتني تقريباً.<br />
اجليش االنكشاري زمن أورخان:<br />
كان اجليش العثماين موؤلفاً من املتطوعني واملندفعني للجهاد يف سبيل اهلل،<br />
وكان هوؤلء الغزاة يقيمون على احلدود البيزنطية. وقد ذكرت الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن<br />
اأورخان اأنشاأ جيشاً جديداً هو اجليش النكشاري »يني رشي«، ولكن اختلفت الروايات<br />
ال<strong>تاريخ</strong>ية يف تكوين هذا اجليش اجلديد.<br />
35<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
36<br />
فقد ذكرت اأكرث الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية نقالً عن مصادر اأجنبية اأن هذا اجليش اجلديد<br />
قد تكون بسبب كرثة الغنائم التي جمعها اأورخان، فكان اأورخان ياأخذ 5/1 خمس<br />
الأرسى يف احلرب وتقوم <strong>الدولة</strong> برتبيتهم تربية اإسالمية بحيث ل يعرفون لهم اأباً<br />
اأو اأماً لأنهم يكونون اأثناء جمعهم من املناطق املسيحية ل يتجاوزون العارشة من<br />
العمر، وكان الشيخ بكطاش شيخ الطريقة البكطاشية يف اأماسيا قد بارك هذا اجليش<br />
وسماه باجليش اجلديد )37( . وهذه روايات اأجنبية القصد منها مس سمعة الإسالم<br />
والتنديد بالطريقة الإسالمية يف تاأليف اجليش وكذلك لقلب احلقائق اأي اأن اجليش<br />
بدلً من اأن يكون مسلماً يكون بذلك مسيحياً.<br />
ولكن احلقيقة يف كيفية تكوين اجليش االنكشاري هي كاالآتي:<br />
مل يكن اجليش العثماين جيشاً تشكل من اأطفال النصارى بل كان جيشاً اإسالمياً<br />
تشكل من اأبطال الإسالم )38( . لقد كان افرتاءً واضحاً وكذباً مكشوفاً على العثمانيني<br />
باأنهم كانوا ينتزعون اأطفال النصارى من اأحضان اآبائهم واأمهاتهم ليكرهوهم<br />
على اعتناق الإسالم وتبنى هذا الفرتاء والكذب كل من املوؤرخني الأجانب ومنهم<br />
بروكلمان، وجيبونز، وجب، وسومرفيل وغريهم من املوؤلفني الذين كان قصدهم الطعن<br />
يف الإسالم. حتى اأنهم ذكروا اأن العثمانيني كانوا قد فرضوا رضيبة اسمها رضيبة<br />
الغلمان على جميع الشباب من سن العارشة حتى اخلامسة عرش من اأبناء املسيحيني،<br />
وعرفت هذه الطريقة اأي جمع الشباب املسيحيني »بالدفشريما« واأخذت <strong>الدولة</strong> خمس<br />
هوؤلء الشباب. اأما كلمة دفشريما me“ ”Dos, or فتعني بالرتكية الإسقاط اأو السقوط<br />
)39( . وتطلق عادة على املواليد حديثي الولدة الذين جتهض بهم اأمهاتهم فيخرجون<br />
اإىل الدنيا اأمواتاً، اأو على الذين تلدهم اأمهاتهم رساً، ثم يقذفون يف الطرقات. واأطلقت<br />
هذه الكلمة على كل لقيط اأو مرشد لأي سبب من الأسباب. واأضاف زياد اأبو غنيمة يف<br />
كتابه: اأنه يف بالد العرب يجري اللسان كثرياً بهذه الكلمة، فيقال »رجل دارش«، يراد<br />
به الرجل الذي ل يعرف له ويل اأمر يرجع اإليه يف شوؤونه وكذلك »امراأة دارشة« يراد<br />
بها املراأة التي ل يعرف لها ويل اأمر ترجع اإليه يف شوؤونها« )40( .<br />
واحلقيقة اأن ما قيل حول نظام الدفشريما ليس سوى اأباطيل دسّ ت على <strong>تاريخ</strong><br />
العثمانيني فلم يكن نظام الدفشريما كما يزعم الأجانب احلاقدون لإرغام النصارى<br />
على الإسالم، واإمنا كان نظاماً اإنسانياً اأخذت <strong>الدولة</strong> على عاتقها مبوجبه مشوؤولية
أ. د. تيسري جباره<br />
رعاية اللقطاء واملرشدين من الأطفال النصارى الذين تركتهم احلروب املستمرة<br />
اأيتاماً ومرشدين فدربتهم وعلمتهم الدين الإسالمي واأدخلتهم يف اجليش. فالعثمانيون<br />
املسلمون يحرتمون الرشيعة الإسالمية فلم ينتزعوا الأطفال من اأحضان اأمهاتهم<br />
لإجبارهم على الإسالم اأو لتنفيذ رضيبة يُطلق عليها رضيبة الغلمان، كما ادعى<br />
املوؤرخون الأجانب اأن املعارك يف اأي بلد ما وعرب ال<strong>تاريخ</strong> وخاصة املعارك الطاحنة<br />
واحلاسمة التي وقعت بني املسلمني والبيزنطيني خلفت وراءها عدداً كبرياً من الأطفال<br />
قد فقدوا اآباءهم واأمهاتهم نتيجة املعارك اأو نتيجة هرب الأب والأم، وهو اأمر يحدث<br />
يف كل حرب، فال عجب اأن يتعهد العثمانيون بجمع هوؤلء الأطفال اليتامى املرشدين<br />
الذين هاموا على وجهوهم يف الطرقات يف املدن املفتوحة بعد فقدانهم لأمهاتهم<br />
واآبائهم، ول عجب اأن يتعهد العثمانيون هوؤلء الأطفال بالرعاية وتاأمني مستقبلهم.<br />
لقد قدم العثمانيون احلنان الالزم لهم. ولالأسف الشديد اأن املوؤرخني املسلمني قد نقلوا<br />
عن املوؤرخني الأجانب كيفية نظام الدفشريما اأي جمع اأبناء النصارى من اأحضان<br />
اأمهاتهم وقد انطلت هذه الأباطيل على معظم هوؤلء املوؤرخني املسلمني وعلموها يف<br />
مدارسهم وجامعاتهم.<br />
اإن احلقيقة حول تشكيل اجليش النكشاري هي اأن اأورخان مل يجرب اأحداً من<br />
اأرسى النصارى ل مبوجب نظام الدفشريما )اللقطاء( ول مبوجب رضيبة الغلمان<br />
املزعومة لتشكيل جيش جديد. اإن الإسالم يرفض مبداأ الإكراه يف الدين واأورخان<br />
رجل مسلم متدين كاأبيه، بل اإن اأخاه الأكرب عالء الدين الذي اأشار عليه بتشكيل هذا<br />
اجليش اجلديد كان مسلماً متصوفاً وعاملاً يف الرشيعة الإسالمية. ثم ما حاجة<br />
اأورخان اإىل ضم الآلف من نصارى املسيحيني لتشكيل جيش يكون عمود <strong>الدولة</strong><br />
يف الوقت الذي يتقاطر على احلدود الإسالمية البيزنطية اآلف املسلمني املتطوعني<br />
حباً يف اجلهاد يف سبيل اهلل. اإن املعارك التي خاضها اأورخان توؤكد اأنه كان يعتمد<br />
فيها على املجاهدين الذين كان يطلق عليهم بالرتكية Akincilar اأي املندفعون )اأهل<br />
النفري( الذين كانوا يستجيبون لنداء اجلهاد كما قال تعاىل: “انفروا خفافاً وثقالً<br />
وجاهدوا يف سبيل اهلل باأموالكم واأنفسكم”. صدق اهلل العظيم.<br />
وبسبب كرثة الفتوحات واحلروب والغزو اأدرك اأورخان اأنه بحاجة اإىل جيش<br />
نظامي يكون موجوداً دائماً، فاستشار اأخاه الأكرب عالء الدين وعدداً من القادة<br />
37<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
38<br />
الآخرين، فاأشار عليه عالء الدين وقائده قره خليل بفكرة اإيجاد جيش نظامي يكون<br />
دائم الستعداد للحرب. واقتنع اأورخان بهذه الفكرة، فجمع األفاً من املجاهدين من<br />
فرسان عشريته ومن الروم الذين اأسلموا وحسن اإسالمهم وجماهدي النفري، وذهب<br />
اأورخان بهم اإىل شيخ الطريقة البكطاشية كي يبارك بهم، فباركهم هذا الشيخ ودعا<br />
لهم النرصة يف احلروب يف سبيل الإسالم. وقد سماهم “يني رشي” اأو انكشاري اأي<br />
اجليش اجلديد. وكانت راية اجليش من قماش اأحمر يف وسطها هالل وحتت الهالل<br />
)41(<br />
صورة لسيف اأطلقوا عليه اسم ذي الفقار تيمناً بسيف سيدنا علي كرم اهلل وجهه<br />
. ومل يلبث اجليش اجلديد اأن تزايد عدده بسبب كرثة املتطوعني واأصبح يضم اآلفاً من<br />
املجاهدين يف سبيل اهلل؛ لأن الهدف الرئيس من تشكيل اجليش اجلديد هو اجلهاد يف<br />
سبيل اهلل ونرش الإسالم وفتح املزيد من اأراضي البيزنطيني.<br />
ونقول اأخرياً اأن السلطان اأورخان مل ينتزع غالماً واحداً من حضن اأمه اأو اأبيه،<br />
ومل يكره اأحداً من النصارى على اعتناق الإسالم، واأن كل ما زعمه بروكلمان وغريه<br />
من املسترشقني غري صحيح واإمنا قصد الإساءة اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واإىل الإسالم<br />
عموماً.<br />
تويف اأورخان بن عثمان سنة 1360م وعمره )81( سنة ودام حكمه 35 سنة<br />
قضاها جماهداً يف سبيل اهلل، ودفن يف مدينة بروصه يف مقربة اأمراء وسالطني اآل<br />
عثمان، وخلفه يف احلكم ابنه مراد الأول.<br />
السلطان الغازي مراد األول بن أورخان )1360م – 1389م(:<br />
تابع مراد الأول سياسة والده وجده عثمان يف فتح احلصون البيزنطية ونرش<br />
الإسالم يف البلقان كلها. ونستطيع اأن نطلق عليه موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> رسمياً<br />
يف املناطق الأوروبية؛ لأنه استطاع فتح بالد البلغار والرصب ومقدونيا. كانت اأوىل<br />
فتوحاته يف اأدرنة التي اتخذها عاصمة له عام 1361م وهو من فتح القسطنطينية<br />
عام 1453م وبهذا استطاع اأن يعزل العاصمة البيزنطية؛ لأنه قام بالفتوحات يف<br />
غربها وسيطر عليها، ثم عرب نهر ماريتسا وسيطر على املناطق املجاورة، وفتح<br />
مدينة فيال بوليس )غاليبويل( عام 1363م والوادي املجاور لها، املشهور بزراعة<br />
الأرز والقمح وهو الذي كان ميون العاصمة القسطنطينية باملواد الغذائية، وبسيطرته
أ. د. تيسري جباره<br />
عليه يكون قد قطع الغذاء عن العاصمة. واإىل جانب اأهميته القتصادية، فهو مهم<br />
من الناحية الإسرتاتيجية؛ لأنه يقطع التصال بني اليونان والبلغار. وكان نتيجة<br />
سقوط اأدرنة واملدن الأخرى، اأن قامت وحدة بني املسيحيني يف مناطق البوسنة<br />
وهنغاريا ورصبيا وذلك كي يطردوا الأتراك العثمانيني من البلقان، ولكن السلطان<br />
مراد الأول تصدى لهم وكرسهم، ونتيجة جناحه يف هذه املعركة تقدم غرباً وتوغل<br />
اأكرث يف املناطق املسيحية الواقعة يف البلقان وفتح املدينة تلو الأخرى، وهذا العمل<br />
اأغضب البابا املسيحي، فاأخذ على عاتقه العمل لإيقاف مراد عند حده، حيث نادى<br />
املسيحيني يف كل اأوروبا سنة 1366م برضورة طرد الأتراك وتشكيل وحدة صليبية<br />
اأوروبية قوية تكون اأقوى من الأتراك كي تقذف بهم يف املضيق والبحر وتطردهم<br />
اإىل الأناضول. ولكن مناداة البابا مل جتد اأذناً صاغية اإل عند حاكم منطقة سافوي<br />
)اأماديوس( الذي استطاع اسرتجاع غاليبويل )42( بعد معارك عنيفة جرت بينه وبني<br />
العثمانيني.<br />
كان اأسطول حاكم سافوي قوياً اأقوى من الأسطول العثماين وهذا اأدى اإىل جناحه<br />
يف اسرتجاع غاليبويل من املسلمني. وسلم مراد غاليبويل للبيزنطيني كي يحافظوا<br />
عليها ورجع اإىل بالده. ورغم جناحه يف كرس العثمانيني واسرتجاع غاليبويل اإل<br />
اأنه مل يتابع مالحقة العثمانيني بسبب ظروف داخلية يف بالده. وبعد اأكرث من عرش<br />
سنوات طلب اأحد البيزنطيني حماية العثمانيني له من خصمه مقابل اإعطاء غاليبويل<br />
هدية للمسلمني عام 1379م.<br />
اإن اخلطة احلربية التي اتبعها مراد الأول يف سريه يف بالد البلقان وجناحه يف<br />
معظم احلروب هي اأنه قسّ م اجليش اإىل ثالثة اأقسام اأو جبهات يف اآن واحد، وهذه<br />
اجلبهات هي:<br />
1.1جبهة الوسط وذلك قرب نهر ماريتسا حيث استطاع فتح مدينة صوفيا عام<br />
1385م ومدينة نيش عام 1386م.<br />
2.2اجلبهة اليمنى حيث يقع فيها نهر توجنا.<br />
3.3اجلبهة اليرسى واجلنوبية حيث وصل العثمانيون اإىل سرييز عام 1383م<br />
وحارصوا سالونيك عام 1387م وهي ثاين اأكرب مدينة بيزنطية.<br />
39<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
40<br />
ونتيجة هذه احلروب <strong>العثمانية</strong> الناجحة على البيزنطيني فرض عليهم مراد دفع<br />
اجلزية لذلك خاف زعماء اأوروبا فقام بعضهم واأعلنوا خضوعهم ودفع اجلزية، وصمم<br />
بعضهم الآخر على مقاومة الزحف العثماين.<br />
ويجب اأن ل ننسى مدى تفكك اجلبهة البيزنطية والأوروبية من رصاعات داخلية،<br />
ل ميكن اأن تكون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف مناأى عنها، بل يجب اأن يكون لها دور فعال يف<br />
لعب حوادث <strong>تاريخ</strong>ية نتيجة هذا التفكك الأوروبي. وللدللة على التفكك الأوروبي قام<br />
ملك بلغاريا وهو امللك شيشمان وطلب حماية السلطان العثماين عندما علم اأن وحدة<br />
اأوروبية ستقوم برضبه، وكانت الدول الأوروبية قد حتالفت على رضب شيشمان هي<br />
ولشيا وهنغاريا. فتصدى العثمانيون وملك بلغاريا شيشمان لهذا احللف الأوروبي<br />
وساروا نحو نهر الدانوب، وبسب القوة <strong>العثمانية</strong> خاف حاكم ولشيا وانفصل عن<br />
الوحدة الأوروبية واأدار ظهره لالأوروبيني والهنغاريني )43( . وبذلك انفصمت عرى<br />
الوحدة الأوروبية. واأدى حترك العثمانيني يف البلقان للدفاع عن شيشمان اأن سيطر<br />
العثمانيون على مناطق يف البلقان مل يخرجوا منها، وهكذا بقيت القوى <strong>العثمانية</strong><br />
يف البلقان تتحدى الدول الأوروبية جميعها حتى عام 1389م عندما قامت معركة<br />
قوصوه ب<strong>تاريخ</strong> 15/حزيران سنة 1389م.<br />
وجتدر الإشارة اإىل اأنه قبل قيام معركة قوصوه »ميدان الطيور السود« رجع<br />
ملوك اأوروبا الذين انفصلوا عن الوحدة الأوروبية اإىل الوحدة من جديد فمثالً رجع<br />
حاكم ولشيا للوحدة الأوروبية، حتى اأن شيشمان نفسه انفصل عن السلطان العثماين<br />
علماً باأنه كان يحميه ورجع اإىل الوحدة الأوروبية. وعندما قامت املعركة، كانت<br />
اجلبهة الأوروبية وحدة واحدة متواصلة قوية ولكن السلطان مراد تصدى لهم وانترص<br />
يف املعركة.<br />
وبينما كان السلطان يتجول بني القتلى الأوروبيني اإذ غدر به اأحد اجلرحى<br />
البيزنطيني فرضب السلطان رضبة اأردته قتيالً عام 1389م. ولكن استطاع<br />
العثمانيون من اأرس ملك الرصب لزار ثم قتلوه بناءً على اأوامر اأبناء مراد وهم بايزيد<br />
ويعقوب.
أ. د. تيسري جباره<br />
ولو رجعنا للوراء ونظرنا اإىل <strong>تاريخ</strong> مراد الأول وحروبه يف البلقان لوجدنا اأنه<br />
استطاع كما قلنا سابقاً اأن يفرض اجلزية على ملوك اأوروبا مثل ملك البلغار وملك<br />
الرصب وذلك عام 1379م. وعندما تاأخرا يف دفع اجلزية قام مراد وجهز جيشاً<br />
لإخضاعهما واإجبارهما على دفع اجلزية من جديد. وبعد معركة قوصوه عام 1389م<br />
قضى اجليش العثماين على استقالل الرصب والبلغار نهائياً.<br />
وحرص مراد الأول اأثناء حكمه على اأن يوازن توسعه يف البلقان بتوسعات يف<br />
الرشق اأيضاً اأي يف جبهة الأناضول. فمثالً استطاع اجليش العثماين اأن يدخل اأنقرة<br />
ذات احلضارة السلجوقية، وسيطر على مدينة قره صي التي كانت تفصل العثمانيني<br />
عن مضيق الدردنيل. ونتيجة انتصارات مراد يف اجلبهة الرشقية قام اأمراء الغزاة يف<br />
الرشق والتفوا حول اأمري كرمان لالنتقام منه اإل اأنه هزمهم ومد نفوذه رشقاً. واتبع<br />
اأساليب اأخرى للسيطرة على اأمراء الغزاة عدا عن حماربته لهم واأهم هذه الأساليب هي<br />
الزواج )44( من اأرس اأمراء الغزاة ليصبح صهراً لهم، وكان اأيضاً يقوم برشاء اأراضيهم.<br />
فمثالً تزوج بايزيد بن مراد الأول من بنت اأمري كرمان فما كان من الأخري اإل اأن قدم<br />
مهراً لبنته اإعطاء مدينة كوتاهيه للعثمانيني )45( . واتبع مراد سياسة الرتحيل Sur<br />
gun اجلماعي من البلقان اإىل الأناضول وبالعكس وذلك كي يكرث العنرص الإسالمي<br />
يف البلقان.<br />
ويجدر بنا اأن نذكر شيئاً عن شخصية مراد االأول االإسالمية وجوانب<br />
مضيئة من شخصيته:<br />
1.1كان ملتزماً بالرشيعة الإٍسالمية وتطبيقها. والدليل على ذلك اأنه عندما تاآمر<br />
ابنه ساوجي مع الأمري اأندرونيقوس ابن الإمرباطور البيزنطي يوانيس، وسار الثنان<br />
على راأس جيش من البيزنطيني وبعض املخدوعني من اجلنود العثمانيني ملحاربة<br />
اجليش العثماين الإسالمي، كانت نتيجة املعركة هزمية املتاآمرين، فقرر مراد عرض<br />
هذا الأمر على علماء الرشيعة، فحكموا على ساوجي ابن السلطان مراد باملوت جزاء<br />
خروجه على طاعة ويل الأمر وجزاء موالته للكفار لقتال اجليش العثماين املسلم،<br />
وتدخل البعض لدى السلطان اأن ل يعدم ابنه، ولكن السلطان اأرص على اإقامة وتنفيذ<br />
حكم الرشيعة على ولده فاأعدمه )46( .<br />
41<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
42<br />
2.2لقد اأمضى مراد الأول الليل طوله قبل قيام معركة قوصوه عام 1389م<br />
داعياً اهلل النرص على اأعدائه وكرس ملك الرصب لزار، فكان يقول يف دعائه: »... اإلهي<br />
ومولي تقبل دعائي وترضعي، واأنزل علينا برحمتك غيثاً يطفئ من حولنا غبار<br />
العواصف، واغمرنا بضياء يبدد من حولنا الظلمات، حتى نتمكن من اإبصار مواقع<br />
عدونا فنقاتله يف سبيل اإعزاز دينك العزيز... اإلهي ومولي اإن كان يف استشهادي<br />
جناة جلند املسلمني فال حترمني الشهادة يف سبيلك لأنعم بجوارك ونعم اجلوار<br />
جوارك. اإلهي ومولي، لقد رشفتني باأن هديتني اإىل طريق اجلهاد يف سبيلك فزدين<br />
رشفاً باملوت يف سبيلك« )47( .<br />
3.3وقد استشهد السلطان مراد الأول يف املعركة بطعنة جريح ملقى على الأرض<br />
ظن مراد اأنه ميت.<br />
4.4كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> مع جريانهم السالجقة، مثل اأمري اإمارة كرمان<br />
السلجوقية، عالقة طيبة ولكن عندما اأعلن اأمري الإمارة عالء اأو غياث الدين الثورة<br />
على السلطان مراد زاعماً اأنه الوريث الرشعي لزعامة دولة سالجقة الروم اضطر مراد<br />
اإىل القضاء على هذه الثورة، علماً اأنه مل يكن يرغب اأن يهدر دم مسلم بيد مسلم. ولكن<br />
مبا اأن عالء الدين خرج عن الصف فقد اأدبه مراد.<br />
اأما عالقة السلطان مراد باملماليك فكانت طيبة والدللة على ذلك اأنه عندما<br />
فتح اأدرنة عام – 1361 1362م اأرسل وفداً اإىل سلطان مرص يبرشه برفع الراية<br />
الإسالمية على اأدرنة، وحني استشهد مراد كان السلطان اململوكي برقوق من اأوائل<br />
الذين اأرسلوا وفداً للتعزية بالسلطان )48( الشهيد.<br />
استشهد السلطان مراد الأول يف معركة قوصوه عام 1389م عن عمر يناهز<br />
اخلامسة والستني بعد حكم دام ثالثني عاماً، ثم نقلت جثته اإىل بروصة حيث مقربة<br />
سالطني اآل عثمان، وخلفه يف حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ابنه بايزيد الذي لقب بالصاعقة.<br />
»السلطان الغازي بايزيد األول امللقب بالصاعقة<br />
)يلدرم )Yildirim 1389م – 1402م وحربه مع تيمورلنك«:<br />
استشهد السلطان مراد الأول عام 1389م يف معركة قوصوه، فتوىل زمام الأمور
أ. د. تيسري جباره<br />
بعده ابنه بايزيد الأول الذي لقب بالصاعقة وذلك لرسعة حتركه مع جيوشه من<br />
الأناضول اإىل البلقان وبالعكس برسعة فائقة. وعندما علم اأمراء الغزاة يف الأناضول<br />
باستشهاد مراد الأول قاموا مبحاولة النفصال عن العثمانيني اأو حماولة عدم<br />
اخلضوع للسيادة <strong>العثمانية</strong>، فما كان من بايزيد الأول اإل اأن سار اإىل الأناضول قادماً<br />
من البلقان واأخضع الأمراء الذين اأعلنوا عصيانهم. وكما حصل يف الأناضول حصل<br />
يف البلقان، حيث قام البيزنطيون بعدم دفع اجلزية وعدم اخلضوع للسلطة <strong>العثمانية</strong>،<br />
فقام بايزيد وهاجم عدة مدن كانت قد اأعلنت العصيان، واأهمها مدينة كوسوفو التي<br />
قامت فيها ثورة ضد العثمانيني فسار بايزيد نحوها واأخمد الثورة فيها.<br />
عندما استلم بايزيد الأول احلكم كان اأخوه يعقوب يف الأناضول يجمع الفرسان<br />
لإعدادهم للحرب القادمة مع البيزنطيني، وقد غضب يعقوب من استفراد اأخيه بايزيد<br />
بالسلطة فتجمع حوله اأمري كرمان برهان الدين واأمري جرميان واأمري حميد وغريهم<br />
من الأمراء يف الأناضول. فقرر بايزيد اإخضاع الأمراء يف الرشق وجنح يف ذلك عام<br />
1390م.<br />
لقد ارتكب بايزيد جرمية بشعة عندما اأعدم اأخاه الأصغر يعقوب؛ لأنه تعاون<br />
مع اأمراء الغزاة لقلب نظام احلكم، وليس صحيحاً ما ذكرته الكتب الأجنبية الغربية<br />
اأن بايزيد قتل اأخاه بناءً على وجود فتوى اإسالمية بقتل الأخ لأخيه بحجة املحافظة<br />
على وحدة املسلمني ومنعاً لوقوع الفتنة. لقد كان بينه وبني الشيوخ املسلمني جفاء<br />
واضح، والدللة على ذلك اأن القاضي شمس الدين حممد حمزة الفناري رد شهادة<br />
السلطان يف اإحدى القضايا، فلما راجعه يف ذلك، اأجابه القاضي: اأنه رد شهادته لأنه<br />
تارك لصالة اجلماعة. وزاد اجلفاء بينه وبني العلماء عندما علموا اأن زوجته سيطرت<br />
عليه وكان يرشب معها اخلمر دائماً، فاأصبح مدمناً على رشب اخلمرة ويقيم حفالت<br />
اللهو. وحدثت قصة طريفة تدلنا على عدم احرتام العلماء لبايزيد، وذلك عندما زار<br />
العمال الذين يعملون يف بناء املسجد »اأولو جامع« يف مدينة بورصة وكان بناوؤه<br />
على وشك النتهاء فالتقى خالل جتواله بالعامل املوؤمن شمس الدين الفناري فشاأله<br />
على مسمع من الناس عن راأيه يف بناء املسجد، وهل يرى يف البناء اأي نقص؟ فاأجابه<br />
العامل املوؤمن بجواب ساخر دللة على عدم الرضا عن سرية بايزيد املنافية لالإسالم<br />
43<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
44<br />
فقال له: »بالنسبة لنا نحن املسلمني فاإننا ل جند اأي نقص يف بناء املسجد، اأما<br />
بالنسبة اإليك يا بايزيد، فاإنني اأخشى اأن تكون قد نسيت اأن تضع خزانة حتفظ بها<br />
خمورك بجانب املحراب« )49( .<br />
وكان بايزيد قد تزوج من اأوليفريا اأخت ملك الرصب لزار، وكانت اأم بايزيد<br />
مسيحية من اليونان، لذلك كان يشتاق كثرياً اإىل املسيحيني وتعود الرشب والإدمان<br />
على اخلمرة كاأخواله )50( .<br />
استغل ملك القسطنطينية جون اخلامس انشغال بايزيد يف الرشق فاأعلن<br />
عصيانه واأبعد بقوته املسلمني عن حصار القسطنطينية، لذلك رجع بايزيد من<br />
الرشق كالصاعقة اإىل حصار القسطنطينية ورفض املساومة اإال اإذا نفذت<br />
طلباته وهي:<br />
1.1مضاعفة دفع اجلزية.<br />
2.2وضع 6000 رجل يف الساحل الشمايل للقرن الذهبي.<br />
3.3اإنشاء شارع تركي يف قلب العاصمة البيزنطية القسطنطينية وقد سمي هذا<br />
احلي العثماين ب )سريكيشي )Serceci . واحلقيقة اأن رجوع بايزيد من الأناضول اإىل<br />
البلقان ليس لأن حاكم القسطنطينية اأعلن عصيانه، بل لأن سيجسموند ملك املجر<br />
املسيحي اسرتجع نيقوبوليس من املسلمني، ولبى رغبة نداء البابا برضورة قيام<br />
حرب صليبية جديدة ضد الأتراك.<br />
جتمع املسيحيون يف بودابست وكانت اأعدادهم ضخمة وقد وصلوا من بلدان<br />
خمتلفة مثل بريطانيا وبولندا واسكتلندا وبوهيميا والنمسا واإيطاليا والسويد، وقام<br />
سجسموند ملك املجر بقيادة هذه اجليوش بعد اأن باركها البابا، وزحف امللك اإىل<br />
رصبيا قاطعاً الدانوب واحتل يف طريقه مدن اأورسوفا وفيدين وقتل كل مسلم وجده<br />
يف طريقه حتى وصل اإىل نيقوبوليس. وكانت يف املدينة حامية عثمانية قليلة ل<br />
تستطيع اأن تقف اأمام هذا اجليش املسيحي اجلرار فسقطت نيقوبوليس بيد ملك املجر<br />
واجلموع املسيحية.<br />
عندما علم بايزيد بهذه اجلموع املسيحية رجع فوراً من الأناضول عام 1396م<br />
ووصل اإىل نيقوبوليس حيث التقى باجليوش املسيحية وقامت معركة حاسمة
أ. د. تيسري جباره<br />
وانترص على الصليبيني، وكان هذا النرص قد رفع اسم بايزيد يف العامل الإسالمي<br />
واأخاف الدول الأوروبية التي اأصبحت حتسب حسابه. وقد اأرسل السلطان اإىل الرشق<br />
الإسالمي يخربهم بهذه النتصارات الإسالمية وبعث اأرسى كثريين للقاهرة ودمشق<br />
والقدس. فما كان ممن راأى هذه املناظر اإل اأن تشجع، وذهب كثري من املتطوعني<br />
املسلمني اإىل جبهة القتال يف البلقان وازداد عدد اجليش العثماين، لذلك صمم بايزيد<br />
اأن يستمر يف فتوحاته يف البلقان، ففتح مدناً كثرية يف مناطق ولشيا وهنغاريا<br />
وبوسنيا وفيدين وبلغاريا وتقدم اإىل األبانيا. وبسبب هذه النتصارات الإسالمية يف<br />
البلقان لقب بايزيد بالصاعقة، وسلطان الروم، واألقاب اأخرى مثل ملك املسلمني.<br />
اإن النتصارات التي حققها بايزيد الأول يف اجلبهة الأوروبية يف نيقوبوليس<br />
وزحفه نحو مناطق اأخرى، جعلته يفكر ملياً يف حصار القسطنطينية للمرة الثالثة.<br />
وبينما كان يحارصها سمع خرباً عن زحف جديد قادم من الرشق نحو الأناضول هو<br />
جيش تيمورلنك.<br />
تيمورلنك )15( ولقائه يف معركة أنقرة مع بايزيد:<br />
كان بايزيد مشغولً بحروبه ضد البيزنطيني يف اأوروبا، وكان ينتقل من نرص<br />
اإىل نرص، وعندما متت على يديه فتح حصون بيزنطية جاءته الأخبار اأن عالء الدين<br />
علي بك اأمري كرمان قد زحف يف بالد الأناضول نحو اأنقرة )العاصمة <strong>العثمانية</strong><br />
القدمية( يف الأناضول واحتلها، ثم زحف نحو بورصة حيث مقربة سالطني اآل عثمان<br />
واحتلها، وعندما سمع بايزيد بهذه الأخبار قطع فتوحاته يف البلقان ورجع مرسعاً<br />
كالربق نحو الأناضول واستطاع حتقيق النتصار على اأمري كرمان وقتله بعد اأن<br />
قامت معركة اأنقرة عام 1397م.<br />
ثم سار السلطان بايزيد نحو الشمال حيث اإمارة طرابزون املسيحية على البحر<br />
الأسود، ورجع اإىل اجلنوب حيث وصل اإىل اإمارة البستان، وهي اإمارة تابعة للمماليك،<br />
وبذلك اأصبح يقف على احلدود <strong>العثمانية</strong> اململوكية. وكانت نتيجة حتطيم اأمراء الغزاة<br />
يف الأناضول، واإعدام اأمري كرمان، واإخضاع منطقة الأناضول للدولة <strong>العثمانية</strong>، اأن<br />
)52(<br />
قام اأمراء الغزاة الذين هربوا من بايزيد اإىل الرشق فطلبوا من تيمورلنك حمايتهم<br />
، ثم شجعوه كي يكمل الزحف الذي قام به من الرشق حتى وصل بغداد ليتابع زحفه<br />
45<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
46<br />
لالأناضول.<br />
وهناك رواية <strong>تاريخ</strong>ية تقول اأن ملك القسطنطينية مع بعض ملوك اأوروبا<br />
استنجدوا بتيمورلنك ملقاتلة السلطان بايزيد )53( ، ورواية اأخرى تقول عن تدخل<br />
تيمورلنك يف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>: اأن تيمورلنك بعث برسالة اإىل بايزيد – السلطان<br />
العثماين – طلب فيها تسليم الالجئ السياسي اأحمد جالي )سلطان بغداد( الذي هرب<br />
من بغداد عندما هجم تيمورلنك عليها. لكن بايزيد رفض تسليمه اإىل تيمورلنك. فما<br />
كان من تيمورلنك اإل اأن قرر اإخضاع بايزيد وقتله يف معركة فاصلة )54( . وكان<br />
السلطان العثماين قد اأحتضن ضيفه الالجيء السياسي حاكم بغداد اأحمد جالي<br />
واأمده باملعونة العسكرية واملادية للتصدي لتيمورلنك وذلك لستعادة مركز اخلالفة<br />
العباسية يف بغداد، وكان لهذا املوقف العثماين تاأثري كبري يف توثيق العالقات بني<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبني دولة املماليك التي تعترب نفسها حامية للخليفة العباسي<br />
املتوكل على اهلل. وهناك رواية اأخرى تقول اأن اأحمد جالي هرب من بغداد خوفاً من<br />
تيمورلنك ملتجئاً اإىل السلطان اململوكي برقوق يف القاهرة. واحلقيقة اأن السلطان<br />
بايزيد عرض على السلطان اململوكي برقوق تشكيل جبهة اإسالمية موحدة تالحق<br />
»اأهل الصليب« يف عقر دارهم اأوروبا )55( .<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد تيمورلنك عام 1402م:<br />
بعد معركة اأنقرة عام 1402م وانتصار تيمورلنك على السلطان بايزيد ووقوع<br />
السلطان العثماين يف الأرس، تنفس اأمراء الغزاة الصعداء، ورجع كل اأمري مبتهجاً<br />
اإىل اإمارته وعائلته، وذلك بعد اأن انتهى اخلطر عليهم من السلطان بايزيد الثاين.<br />
وكان قد بقي تيمورلنك يف الأناضول ثمانية اأشهر اأي من متوز عام 1402م حتى<br />
اآذار عام 1403م.<br />
مل يكمل تيمورلنك زحفه للغرب ضد الأماكن <strong>العثمانية</strong> يف الأناضول والبلقان<br />
علماً باأنه كان باستطاعته ذلك. بل اعرتف اأصالً بحكم العثمانيني، واعرتف بسليمان<br />
بن بايزيد حاكماً على البلقان )56( ، وحلسن حظ سليمان اأن الأوروبيني مل يستفيدوا<br />
من حتطيم دولة اآل عثمان لأنهم مل يستغلوا الفرصة ويهجموا عليه يف البلقان. ولو<br />
فعلوا ذلك لأصبحت دولة اآل عثمان حمطمة يف الرشق من قبل تيمورلنك وحمطمة
أ. د. تيسري جباره<br />
يف الغرب من قبل البيزنطيني. ولكن البيزنطيني مل يهجموا على سليمان لأنه اتبع<br />
سياسة مصاحلة مع البيزنطيني )مع مانويل الثاين( ، اأضف اإىل ذلك اأن هنغاريا كانت<br />
مشغولة يف حروب خاصة مع دول وسط اأوروبا.<br />
كان لبايزيد اأبناء اآخرون عدا عن سليمان، فهناك حممد الذي كان مقيماً يف<br />
اأماسيا قرب سينوب، وعيسى الذي كان مقيماً يف بورصة، وقد اعرتفوا جميعاً بسيادة<br />
تيمورلنك عليهم.<br />
تويف تيمورلنك عام 1405م، فبداأ العثمانيون يبنون دولتهم من جديد، ولكن<br />
اأبناء بايزيد وقعوا يف خالفات وحروب اأهلية عائلية واستمر هذا النزاع العائلي من<br />
عام – 1403 1413م.<br />
الصراع بني أبناء بايزيد:<br />
كان موقف سليمان ضعيفاً اأمام اأخوته واأمام اأمراء الغزاة؛ وذلك لأنه اعتمد<br />
على وزير اأبيه وهو علي جندريل الذي كانت سمعته سيئة بسبب كرثة الرضائب التي<br />
فرضها على رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وزواجه من فتاة مسيحية، واعرتاف تيمورلنك<br />
به حاكماً على البلقان من دون اأخوته.<br />
اأما حممد الأول فقد كان اأقوى اأخوته حتى اأنه حارب تيمورلنك يف جبال<br />
الأناضول واتبع اأسلوب الكر والفر، واستطاع اأن يسرتجع من جنود تيمورلنك مدن<br />
توقات واأماسيا )57( . وبداأ يف حماربة اإخوانه بعد انسحاب تيمورلنك من الأناضول،<br />
واستطاع اأن ينترص على كل اأخ من اأخوته يف معارك يف الأناضول والبلقان حتى<br />
قضى عليهم جميعاً وقتلهم وكان اآخرهم موسى الذي قتله عام 1413م.<br />
موجز عن املعارك األهلية بني أبناء بايزيد الصاعقة:<br />
بعد رجوع تيمورلنك للرشق حصلت معارك بني الأخوة، كانت اأول معركة يف قرة<br />
صي بني حممد وموسى، وقد هرب موسى ملتجئاً اإىل اإمارة جرميان، وعندما سمع<br />
سليمان، حاكم اأدرنة، عن هذه احلروب بني الأخوة ذهب كي يقضي على اأخوته يف<br />
الأناضول، فتعاون مع البيزنطيني، الذين اشرتطوا عليه اإذا ساعدوه اأن يحصلوا على<br />
47<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
48<br />
مدينة سالونيك وتراقيا واأراضٍ قرب بحر مرمرة واأن يعفيهم من اجلزية التي كانت<br />
مفروضة عليهم. وقد لبى سليمان طلب البيزنطيني، لذلك ساروا معه بعد حصولهم<br />
على طلباتهم اإىل الأناضول حلرب اأخوته.<br />
جهز سليمان جيشاً اآخر اأرسله مع عيسى لقتال اأخيهم حممد يف الأناضول؛<br />
وذلك لأن حممد اأعلن نفسه سلطاناً وسك عملة باسمه كتب عليها اأنه سلطان <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> الوحيد. قرر سليمان الهجوم على الأناضول حيث اأخوه حممد، ولكن حممداً<br />
استعد للمعركة واستعمل اأسلوباً حربياً ناجحاً حيث احتل مدناً خلف خطوط الدفاع<br />
جليش سليمان وذلك عندما اأرسل اأخاه موسى اإىل اأدرنة عاصمة سليمان واحتلها.<br />
وعندما سمع سليمان بذلك رجع مرسعاً للبلقان فقتله موسى. ثم هاجم حممد البلقان<br />
وقضى على اأخيه موسى قرب صوفيا يف 1413/7/10م، وهكذا اأصبحت الأناضول<br />
والبلقان حتت حكم حممد الذي وحد مناطق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من جديد )58( .<br />
وقد نقل السلطان حممد عاصمة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من بروصة اإىل اأدرنة وهذا<br />
دللة على اهتمامه مبتابعة الغزو. وبعد القضاء على اأخوته بداأ يف اإعادة بناء <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> من جديد. وقد قضى معظم حكمه الذي استمر من – 1413 1421م بالغزو<br />
واحلروب، وذلك بعد اأن اعرتف به جميع رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> سلطاناً عليهم.<br />
وقد جهز السلطان حممد جيشاً ذهب لقتال الشيخ بدر الدين وقد انترص عليه يف<br />
مقدونيا وشنقه عام 1417م )59( ، بناءً على فتوى كان قد اأصدرها مولنا سعيد اأحد<br />
تالميذ الشيخ التفتازاين ونصها: »من اآتاكم واأمركم جميعاً على رجل يريد اأن يشق<br />
عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه« )60( . ولالأسف اأن املسترشقني ورجال ال<strong>تاريخ</strong><br />
الغربيني الذين كتبوا عن <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كتبوا اأن هذه الفتوى التي اأصدرها<br />
مولنا سعيد عام 1417م )61( ، كانت عبارة عن السماح لسالطني اآل عثمان لقتل<br />
اأخوتهم واأنها صدرت لهذا السبب اأي لقتل الأخ لأخيه. وهذه كذبة <strong>تاريخ</strong>ية وكان<br />
القصد منها تشويه سمعة سالطني اآل عثمان املسلمني.<br />
قام السلطان حممد بعدة فتوحات يف البلقان والأناضول حتى استطاع اإرجاع<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل ما كانت عليه زمن والده بايزيد الصاعقة من القوة والتساع.<br />
كما قام بتجنيد كثري من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب كرثة الفتوحات التي رفعت
أ. د. تيسري جباره<br />
اسمه، وكذلك قام بالتجنيد كي يخضعهم حلكمه، وكي ل يقوموا بثورات حملية عليه.<br />
كان السلطان حممد يرسع اإىل البلقان قادماً من الأناضول عندما كان يسمع<br />
بزحف بيزنطي على اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف البلقان. فقد سار لقتال الألبان لأنهم<br />
كانوا قد قتلوا كل عثماين مسلم يف األبانيا، وعندما وصلهم السلطان حممد انترص<br />
عليهم واحتل كرواتيا وفالونا على الساحل وهاجم املوره واأغار على ولشيا عام<br />
1418م، كما هاجم تراتسلفانيا وهنغاريا، وقد اتبع اأسلوباً جديداً حيث جلب كثرياً<br />
من الأتراك العثمانيني من الأناضول، واأسكنهم يف البلقان وذلك لتقوية احلاميات<br />
الرتكية يف البلقان )62( . وتسمى هذه العملية باللغة الرتكية .Surgun<br />
وبعد اأن خضعت له البلقان كلها سار السلطان حممد اإىل الأناضول حيث اأمراء<br />
الغزاة، فاأخضع اأمري كرمان الذي كان قد اعرتف به تيمورلنك ثم اأخضع كالً من<br />
الإمارات يف منتشا واآيدين واأزمري.<br />
تويف السلطان حممد يف اأدرنة عام 1421م ومل يذع نباأ وفاته خوفاً من مترد<br />
اجليش. وقد اأخفى نباأ الوفاة وزيراه اإبراهيم باشا وبايزيد باشا، واأرسال اإىل ابنه مراد<br />
الذي كان يف الأناضول برضورة احلضور اإىل اأدرنة لأن والده مريض. وعندما حرض<br />
مراد اإىل اأدرنة – العاصمة <strong>العثمانية</strong> اجلديدة - كان والده قد دفن قبل 41 يوماً،<br />
فاستلم مراد الثاين السلطة خلفاً لوالده حممد جلبي اأو حممد الأول.<br />
السلطان مراد الثاني:<br />
استلم السلطان مراد الثاين السلطنة ومل يبلغ من العمر سبعة عرش عاماً، وقد<br />
استمر حكمه بني عامي – 1412 1451م، قد تكلمنا سابقاً عن حربه مع مصطفى<br />
املزيف الذي ادعى بنسبه اإىل بايزيد.<br />
لقد قام الإمرباطور مانويل وابنه جون باإرسال مصطفى املزيف اإىل غاليبويل<br />
للقيام باحلروب ضد السلطان مراد الثاين، وقد جنح مصطفى فعالً واحتل غاليبويل<br />
واستغل الفرصة اأمري كرمان الذي وجد السلطان مراد مشغولً بحربه مع مصطفى<br />
وهجم على الأراضي التابعة للسلطان والإمارات الأخرى فاحتل اأراضي حميد، كما<br />
استفادت اإمارات اأخرى من انشغال السلطان مراد فتحركت اإمارات منتشا واآيدين<br />
وصاروخان فطردت العثمانيني الإقطاعيني من هذه الإمارات، وبسبب الأوضاع<br />
49<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
50<br />
املرتدية يف الأناضول اضطر مراد الثاين اإىل الرجوع لالأناضول لتاأديب الأمراء،<br />
ولإعادة بناء جيشه وتنظيمه ملواجهة اأي هجوم حمتمل من اأمراء الغزاة. واستغل<br />
مصطفى الفرصة لنشغال مراد يف الأناضول وهاجم اأدرنة ودخلها. وهكذا اأصبح<br />
مصطفى يف الغرب )البلقان( ، اأما السلطان مراد فقد اأصبح يف الرشق )الأناضول( .<br />
وقد اأيد مصطفى كل من البيزنطيني واأمراء الإمارات الذين اأقلقوا مراداً الثاين.<br />
مل يكتف مصطفى باأدرنة والبلقان بل قرر الهجوم على السلطان مراد الثاين<br />
يف بورصة لأنه كان يطمع يف الستيالء على جميع اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وقد<br />
تصدى له السلطان مراد الثاين يف معركة اأولوباد حيث هرب مصطفى اإىل اأدرنة ثم<br />
اإىل ولشيا وقد تبعه السلطان وقبض عليه وقتله وبذلك انتهت ثورة مصطفى املزيف<br />
. )63(<br />
وقام مراد الثاين بتاأديب الإمرباطور البيزنطي لأنه ساعد مصطفى يف ثورته،<br />
فحارص القسطنطينية 50 يوماً، وهي املرة السادسة التي حتارص فيها القسطنطينية<br />
من قبل سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. فما كان من اإمرباطور القسطنطينية اإل اأن اأرسل عام<br />
1422م رسائل حللفائه اأمراء الغزاة لرضب السلطان مراد الثاين من اخللف وكانت<br />
الرسائل اإىل كل من اأمري كرمان واأمري جرميان وحتى رسالة اإىل مصطفى احلقيقي<br />
اأخي مراد الثاين )64( . وقام هوؤلء جميعاً مبحارصة بورصة عاصمة السلطان مراد<br />
الثاين حيث توجد مقربة سالطني اآل عثمان. وهذا العمل اأي حصار بورصة جعل<br />
السلطان يقرر الرجوع عن حصار القسطنطينية للدفاع عن بورصة وجنح مراد يف فك<br />
احلصار عن بورصة ومتكن من القبض على اأخيه مصطفى وقتله لأنه واىل الأعداء.<br />
اأما بالنسبة لأمراء كرمان وجرميان وغريهم فقد صاهر اأمري كرمان كي يتقي رشه<br />
يف املستقبل، وضم اإمارات اآيدين وصاروخان ومنتشه للدولة <strong>العثمانية</strong> بالقوة.<br />
تفرغ السلطان مراد الثاين بعد جناحه يف الأناضول اإىل التوجه نحو اأدرنة كي<br />
يثبت احلكم العثماين فيها ويقوم منها بالغزو على الأراضي البيزنطية يف البلقان.<br />
ولذلك احتاج اإىل جيش يكون اأكرث عدداً و عدة ويكون متفرغاً للغزو واحلروب<br />
لذلك قام السلطان بتشكيل نظام الدفشريما اأي جمع الشباب للجيش وكان هذا النظام<br />
قد اتبعه من قبل السلطان بايزيد الأول. كما اأسس السلطان جيش القابي قول<br />
وقسمه اإىل قسمني:
أ. د. تيسري جباره<br />
1.1قوافل الفرسان السباهية وقد انضم له الأعيان ورجال الإقطاع.<br />
2.2الإنكشارية وقد انضم له اجليش النظامي التابع للحكومة املركزية وكان<br />
ياأخذ مرتباً شهرياً.<br />
ومتكن بواسطة هذا اجليش الذي اأصبح قوياً من حمارصة القسطنطينية، واأرسل<br />
فريقاً اآخر من اجليش اإىل منطقة ولشيا عام – 1422 1423م، ومتكن من اأن يفرض<br />
اجلزية على كل من هنغاريا وولشيا ورصبيا، وقد وقعت جميع هذه الدول على دفع<br />
اجلزية مقابل رشاء السلم وعدم هجوم مراد الثاين عليها.<br />
بعد هذه النتصارات التي اأحرزها السلطان مراد الثاين وتهديده للقسطنطينية<br />
عدة مرات قام جون باليولوج من الكنيسة الرشقية مبحاولة حرب صليبية ضد<br />
املسلمني، وهي حماولة توحيد كل دول اأوروبا، فقام باليولوج بزيارة روما عام<br />
1437م وهدفه من ذلك توحيد الكنيستني الرشقية )القسطنطينية( والغربية )روما(<br />
، وكان قصده من ذلك تاأييده من قبل جميع حكام دول اأوروبا ونرصته واإرسال<br />
جيوشهم ملساعدته ضد املسلمني والدفاع عن القسطنطينية.<br />
ولقي تاأييداً من بعض حكام اأوروبا ولكن اأغلبية الشعب يف القسطنطينية مل<br />
يوؤيده بل فضلوا اأن يكونوا تابعني للسيادة الإسالمية على اأن يكونوا خاضعني<br />
لسيادة روما )65( . واأخرياً مت التفاق على اللقاء بني الكنيستني من ممثلني ميثلون<br />
الكنيسيتني ب<strong>تاريخ</strong> 1439/7/6م يف مدينة فلورنسا.<br />
ويف عام 1437م تويف ملك هنغاريا امللك سجموند، وحصل نزاع بني اأفراد<br />
العائلة املالكة على حكم هنغاريا، فاستغل السلطان مراد الثاين الفرصة وهاجم<br />
هنغاريا ففتح حصن سيفر Severin وحارص حصن سيبو ،Sibiu وهاجم رصبيا وفتح<br />
حصن سيمندريا عام 1439م بعد انتصاره على ملك الرصب جورج برونكوفيش.<br />
وبانتصاراته هذه جنح مراد يف كرس الوحدة الرصبية الهنغارية.<br />
اأما ملك هنغاريا اجلديد لدي سالس فقد عني على ترانسلفانيا جون هنيدي<br />
الذي اأصبح قائداً عاماً جلميع جيوش املجر، وهاجم العثمانيني وانترص عليهم يف<br />
عام 1444م واسرتجع حصن سيمندريا وطرد العثمانيني من احلصن، واأخذ يالحق<br />
اجليوش <strong>العثمانية</strong> املهزومة، وبهذا النتصار استطاع اأن يبعث الأمل من جديد يف<br />
51<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
52<br />
قلوب الأوروبيني الذين كانت كل حروبهم هزائم على يد املسلمني العثمانيني.<br />
ولو رجعنا قليالً اإىل الوراء لرنى ماذا حصل يف اجتماع فلورنسا عام 1439م<br />
بني الكنيسة الرشقية والكنيسة الغربية، لعلمنا اأن اجتماع فلورنسا متخض عن<br />
رضورة التحضري حلملة صليبية هامة تطرد املسلمني الأتراك من كل اأوروبا، فاأخذ<br />
جاناكي الأمر على عاتقه بالتجول يف دول اأوروبا حاثاً اجلموع املسيحية حلرب<br />
صليبية، وكان يطالب بجيش تعداده )80,000( كي يستطيع طرد العثمانيني من<br />
اأوروبا واحتالل املضائق الهامة مثل البوسفور والدردنيل كما حثهم على اسرتجاع<br />
الأراضي املقدسة من املسلمني يف القدس. وقد لقت دعوته هذه التاأييد من بعض<br />
ملوك اأوروبا، اأما الإمرباطور البيزنطي فلم يوؤيده، بل اأرسل رسالة اإىل السلطان مراد<br />
الثاين يخربه اأنه لن ينضم اإىل هذه احلملة الصليبية، لكنه قام بتشجيع اإبراهيم حاكم<br />
كرمان لإثارة الشغب فقط على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وقام اإبراهيم فعالً بالهجوم من<br />
اخلطوط اخللفية على مراد الثاين، مما اضطر السلطان للرجوع من البلقان لقتاله،<br />
علماً باأن مراد الثاين كان يجهز جيشاً للقاء احلملة الصليبية ولقاء هنيدي، ولكنه<br />
اضطر موؤقتاً وقف حتضرياته واستعداداته كي يتخلص من اإبراهيم حاكم كرمان.<br />
وتخلص منه بالفعل.<br />
ذكرنا قبل قليل اأن جون هنيدي انترص على العثمانيني واسرتجع حصن سيمندريا<br />
سنة 1444م، وفرح الشعب الأوروبي بذلك وبعث فيه الأمل. وقد تشجع هنيدي لقطف<br />
ثمار انتصارات اأخرى على العثمانيني، فاأراد اأن يخلد اسمه بالنتصارات على<br />
املسلمني وقد ارتفع اسمه عالياً يف كل اأوروبا فعالً، ووجد الأوروبيون اأنهم اكتشفوا<br />
الشخص الذي يستطيع حتدي العثمانيني، فطلب منه البابا تشكيل حملة صليبية<br />
بعد اأن اقتنع الشعب الأوروبي بذلك من تشجيع اجتماع فلورنسا، وقد انضم اإىل هذه<br />
احلملة الصليبية لقتال املسلمني معظم حكام اأوروبا، واأهم اجليوش التي اشرتكت<br />
هي اجليوش الرصبية بقيادة جورج برونكوفيش، وقوات هنغاريا بقيادة امللك لدي<br />
سالس، وزحفت هذه القوات الصليبية جميعها نحو املسلمني مستغلة غياب السلطان<br />
مراد الثاين يف الأناضول، ووصلت اجليوش الصليبية اإىل مورانا عام 1443م ثم<br />
ساروا اإىل مدينة نيش واحتلوها وخضعت معظم املدن الرصبية اجلنوبية للحملة،<br />
وتابعت احلملة الصليبية زحفها اإىل بلغاريا واحتلوا صوفيا وشجعوا الألبان بالثورة
أ. د. تيسري جباره<br />
على العثمانيني، وكانت كل هذه النتصارات قد حصلت قبل حلول فصل الشتاء )66( .<br />
كان وضع القوات <strong>العثمانية</strong> صعباً اأمام هذا الجتياح الصليبي، والذي فرض<br />
على القوات <strong>العثمانية</strong> اأن تكون مبعرثة يف البلقان، وثارت األبانيا على العثمانيني<br />
فزاد الوضع سوءاً على القوات <strong>العثمانية</strong>. وقام قسطنطني واحتل اأثينا، واأصبحت<br />
اأدرنة عاصمة العثمانيني يف اأسواأ حال لأن اجلنود فيها مل يستلموا معاشاتهم مدة<br />
سنتني بسبب عدم وجود غنائم. وكانت كل هذه الأعمال قد قهرت مراد الثاين وزاد قلبه<br />
تفتيتاً وغضباً عندما تويف ابنه عالء الدين، فاأصابه الياأس والغم، فاستشار رئيس<br />
وزرائه واستشار زوجته مارا ما العمل؟ فكان جوابهما له بنصيحة وهي رضورة عقد<br />
صلح واتفاقية سلم مع هذه احلملة الصليبية لأن الوضع العثماين اأصبح صعباً. ولهذا<br />
فقد اقتنع السلطان ووقع معاهدة اأدرنة ب<strong>تاريخ</strong> 1444/7/12م اعرتف بها السلطان<br />
مرغماً، وجاء يف بنودها سلخ رصبيا وهنغاريا عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بينما بقيت<br />
بلغاريا حتت السيادة <strong>العثمانية</strong>، وبعد ذلك مت الصلح ولكن السلطان مراد تنازل عن<br />
احلكم لبنه حممد عام 1444م وذهب لالإقامة يف بورصة حزيناً جمروح الفوؤاد.<br />
مل يتقيد الصليبيون طويالً بهذه املعاهدة لأن نشوة النرص اأعمت عيونهم،<br />
فقام امللك لدي سالس – رغم توقيعه على املعاهدة – بالتحضري للهجوم على<br />
املسلمني الأتراك، وقد شجعه البابا على ذلك، فصمم لدي سالس على احتالل<br />
غاليبويل وسالونيك واملضائق )البوسفور والدردنيل( لأنه اإذا جنح يف ذلك فاإن<br />
موقف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> سيكون اأصعب مما هو عليه. جمع لدي سالس اجليوش<br />
الصليبية مرة ثانية يف بوادبست وسار للمعركة ولكن برونكوفينش مل يرس معه بل<br />
اأخرب السلطان العثماين بهذه احلملة سلفاً. اأما جون هنيدي فقد استعد ملساعدة لدي<br />
سالس والنضمام للحملة الصليبية اجلديدة. فقام احلكام الأتراك وطلبوا من السلطان<br />
مراد الثاين العودة للحرب وترك عزلته يف بورصة لأن ابنه حممد صبي ل يستطيع<br />
القيام مبواجهة هذه اجليوش الصليبية اجلديدة. وقد وافق مراد الثاين على ذلك فقرر<br />
لقاء هذه اجلموع الصليبية ب<strong>تاريخ</strong> 1444/10/10م، واستطاع السلطان مراد الثاين<br />
حتقيق النرص واألقى القبض على امللك لدي سالس واأعدمه فتفرق شمل الصليبيني<br />
حيث هرب هنيدي تاركاً الآلف من املسيحيني يالقون حتفهم اأمام اجليش العثماين<br />
املسلم على يد النكشارية. وطالب الأعيان الأتراك برضورة رجوع مراد الثاين اإىل<br />
53<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
54<br />
حكم السلطنة <strong>العثمانية</strong> بدلً من ابنه حممد الصبي، وقبل مراد ذلك بعد هذا النتصار<br />
واأيده النكشارية. اأما ابنه حممد فقد بقي يحتفظ بلقب سلطان وعني كالً من زاغة<br />
نوس باشا وشهاب الدين باشا كمرافقني للصبي حممد.<br />
مل يسكت هنيدي على هذه الهزمية التي حلقت باجلموع الصليبية، فجهز جيشاً<br />
مكوناً من 50,000 جندي وسار به اإىل لقاء السلطان مراد الثاين الذي كان يف األبانيا.<br />
وعندما علم السلطان بهذا الزحف اجلديد استعد للقائه، والتقى اجليش املسلم بقيادة<br />
السلطان مراد باجليش املسيحي بقيادة هنيدي يف كوسوفا عام 1448م انترص فيها<br />
السلطان مراد وقضى على هنيدي وجيشه، وتابع مراد زحفه اإىل كافة املناطق التي<br />
كان قد فتحها يف الأعوام السابقة يف البلقان.<br />
وتويف مراد الثاين يف 1451/2/5م واستلم ابنه حممد الفاحت السلطنة ومبا اأنه<br />
كان صبياً فقد استلم الوصاية على هذا الصبي الوزير جندريل خليل.
أ. د. تيسري جباره<br />
هوامش الفصل الثاني:<br />
10<br />
11<br />
12<br />
13<br />
1.1رافق: بالد الشام ومرص يف الفتح العثماين – 1516 1798 حتى حملة نابليون<br />
بونابرت. ط 2، دمشق، 1968م، ص 25.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 12.2.2<br />
P. Wittek: The Rise of the Ottoman Empire. (London 1938) . P. 17- 19.3.3<br />
M. A. cook: A History of The Ottoman Empire. To 1730. P. 5.4.4<br />
5.5حممد فوؤاد كوبريللي: قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ترجمة اأحمد السعيد سليمان، دار<br />
الكاتب العربي للطباعة والنرش، ص – 9 13.<br />
6.6عبد العزيز الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ج 1. مكتبة<br />
الأجنلو املرصية، القاهرة. ص 34- 35.<br />
7.7حممد فوؤاد كوبريللي: مصدر سابق، ص: ق.<br />
8.8زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك العثمانيني. دار الفرقان، عمان،<br />
1983م.<br />
9.9حممد فوؤاد كوبريللي: املصدر السابق. ص – 66 67.<br />
10املصدر نفسه. ص 82، اأنظر اأيضا رافق: العرب والعثمانيون. ص 30. ثورة بابا<br />
اسحق.<br />
1املصدر نفسه. ص 141.<br />
12زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك. ص 19.<br />
13حممد فوؤاد كوبريللي: املصدر السابق. ص 154.<br />
Wittek: The Rise of The Ottoman Empire. P. 17.1414<br />
15<br />
Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 17.1616<br />
1717حممد فوؤاد كوبريللي: املصدر السابق. ص – 163 165.<br />
15 رافق: العرب والعثمانيون. ص 33. 32<br />
55<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
56<br />
18<br />
19<br />
20<br />
21<br />
22<br />
18حممد كوبريللي: املصدر نفسه، ص 118- 119.<br />
Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 10.19<br />
Ibid. p. 15.20<br />
Ibid. P. 15.21<br />
23<br />
24<br />
25<br />
26<br />
27<br />
28<br />
29<br />
30<br />
31<br />
32<br />
33<br />
34<br />
35<br />
36<br />
37<br />
2عبد العزيز حممد الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. مكتبة<br />
الأجنلو املرصية، القاهرة. ص 39.<br />
Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 15.23<br />
24حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>. ص 40.<br />
25زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك. ص 31.<br />
26زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 33.<br />
27زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص 32.<br />
28زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص 166.<br />
29زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص 19. اأنظر اأيضاً الشناوي: دولة مفرتى. ص 39.<br />
30زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص – 21 22.<br />
31الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ص 43.<br />
32زياد اأبو غنيمة: مصدر سابق. ص 79.<br />
3بروكلمان: <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية، ترجمة نبيه اأمني فارس، عكا 1974م.<br />
34عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيني. ص 34.<br />
35رافق: املصدر نفسه، والصفحة نفسها.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 16.36<br />
37حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص 40. اأنظر اأيضاً بروكلمان: <strong>تاريخ</strong><br />
الشعوب الإسالمية. وذهب بروكلمان اإىل اأبعد من ذلك عندما قال اأن اأورخان<br />
انتزع اأيضاً من الصبيان املسيحية واأدخلهم يف جيشه اجلديد. وقصد بروكلمان<br />
اأن اأورخان اأراد اأن يستبدل جنود املسلمني مبسيحيني.
أ. د. تيسري جباره<br />
38<br />
39<br />
40<br />
41<br />
38زياد اأبو غنيمة: مصدر سابق، ص 122.<br />
39زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 126- 127.<br />
40زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 127.<br />
41زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 146.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 18.4242<br />
Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 23.4343<br />
44<br />
45<br />
46<br />
47<br />
48<br />
49<br />
4رافق: بالد الشام ومرص. ص 37.<br />
45حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ص 46.<br />
46زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك. ص 167. 29،<br />
47زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 40.<br />
48زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 96.<br />
49زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 174.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 34.5050<br />
51<br />
51قام تيمورلنك بعدة معارك جنح فيها كلها يف الرشق، ثم سار نحو الغرب حيث<br />
وصل اإىل جبال طوروس، ثم تقدم نحو شمال اإيران حيث احتل شرياز واأصفهان،<br />
ثم وصل بغداد واحتلها عام 1394م. ويف زحفه هذا هدد املماليك والعثمانيني<br />
على حد سواء. قرر تيمورلنك بعد هذه النتصارات الزحف نحو دمشق لرضب<br />
املماليك، فاحتلها ثم هدد مرص، ثم ذهب اإىل قتال العثمانيني يف الأناضول،<br />
حيث التقى بايزيد الأول يف معركة اأنقرة عام 1402م، السلطان العثماين وبدلً<br />
من اأن يكمل تيمورلنك هذا النتصار ويزحف لإخضاع كل املمتلكات <strong>العثمانية</strong><br />
رجع اإىل الرشق.<br />
Ibid p 3452<br />
52<br />
53<br />
53يوسف اآصاف: <strong>تاريخ</strong> سالطني اآل عثمان. حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي. دار<br />
البصائر، دمشق، الطبعة الثالثة. ص 46.<br />
57<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
58<br />
54<br />
55<br />
54حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص 50.<br />
5زياد اأبو غنيمة: مصدر سابق. ص 97.<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. p. 38.5656<br />
57<br />
57حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص 52.<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. p. 38.5858<br />
59<br />
60<br />
61<br />
59ذكرت بعض الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن اإعدام الشيخ بدر الدين كان سنة 1420م. وكان<br />
الشيخ قد حوكم اأمام هيئة من كبار العلماء والقضاة. وقد وقع الشيخ بدر الدين<br />
بنفسه على الفتوى اعرتافاً بذنبه ومت اإعدامه شنقاً على مالأ من الناس يف السوق<br />
الرئيسي يف مدينة شرياز. اأنظر اأيضاً اأبو غنيمة: مصدر سابق، ص 176.<br />
60زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص 175.<br />
61زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، والصفحة نفسها.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 41.6262<br />
Ibid. p. 44- 45.6363<br />
64<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 50.6565<br />
Ibid. P. 51666<br />
64 اتخذ مصطفى مدينة اإزنك عاصمة له. وهو ليس مصطفى املزيف.
الفصل الثالث<br />
بعض مظاهر اإلدارة <strong>العثمانية</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل الثالث<br />
بعض مظاهر اإلدارة <strong>العثمانية</strong><br />
قبل البدء يف احلديث عن الفتوحات <strong>العثمانية</strong> الأخرى زمن السلطان حممد<br />
الفاحت، يجدر بنا اأن نتعرف على بعض مظاهر الإدارة يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. والقصد<br />
من ذلك هو فهم ما كان من نظام اإداري عثماين يف القرنني الرابع واخلامس عرش،<br />
ومتابعة وصف مظاهر الإدارة <strong>العثمانية</strong> عن القرون الالحقة، ومعرفة من كان يتحكم<br />
يف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وكيف تطورت من عشرية تركمانية اإىل اإمارة ثم سلطنة ثم<br />
اإمرباطورية عثمانية واجهت الدول املسيحية وخاضت معها حروباً طاحنة وقضت<br />
على الإمرباطورية البيزنطية وعلى السلطنة اململوكية.<br />
ولو نظرنا وتفحصنا اأسلوب العثمانيني يف الفتح واأسلوب املعيشة يف بداية<br />
تاأسيس الإمارة <strong>العثمانية</strong> لوجدنا اأن العثمانيني اعتزوا بالإسالم وطبقوا شعائره<br />
يف حياتهم اليومية ويف الفتوحات الكثرية. وكانت بعض املناطق املفتوحة تخضع<br />
للسيطرة املبارشة للعثمانيني وتصبح اأراضٍ عثمانية، والبعض الآخر يخضع للسيادة<br />
<strong>العثمانية</strong> السمية كاأن يذكر اسم السلطان يف خطبة يوم اجلمعة اأو يظهر اسمه على<br />
النقود.<br />
كان العثمانيون يضعون يف املناطق املفتوحة حاميات وقالعاً قوية كي تبقى<br />
هذه املناطق تابعة للدولة <strong>العثمانية</strong>. وكان اجلنود ياأخذون اإقطاعات يستقر فيها<br />
اجلندي ويدافع عن اأرضه التي اأقطعها له السلطان، وكثرياً ما كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
تعفي بعض القرى من الرضائب كي يشرتوا ولء هذه القرى للحكم والإدارة <strong>العثمانية</strong><br />
وذلك خوفاً من الثورات ضد العثمانيني يف هذه القرى واملدن. وكمثال على ذلك ما<br />
تذكره سجالت قونية وقيرصية من اأن سكان هاتني املدينتني قد اأُعفوا من الرضائب<br />
بسبب ولئهم الذي اأظهروه للدولة اأثناء قتال العثمانيني مع اأوزون حسن )1( .<br />
61<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
62<br />
واتبع العثمانيون اأسلوب نقل جماعات تركية من الأناضول اإىل البلقان اأو اإىل<br />
البالد املفتوحة لإسباغ الصفة الرتكية عليها وملحاولة اأن يكون العنرص الرتكي<br />
الإسالمي مساوياً اإىل حد ما مع سكان البالد من غري الأتراك، وعملية نقل السكان<br />
تسمى: Surgun كما ذكرنا سابقاً.<br />
وكمثال على نقل السكان من مكان لآخر ذاك الفرمان )القرار( السلطاين الصادر<br />
ب<strong>تاريخ</strong> 1572/9/24م والذي نص على نقل عائالت من وليات سيواس وكرمان<br />
وذي القدر اإىل جزيرة قربص التي فتحها العثمانيون اآنذاك )2( . ورمبا كان القصد<br />
من نقل هذه القبائل اإىل قربص اأو حتى من اأي مكان لآخر يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هو<br />
لتاأديب هذه القبائل وهذا هو اأسلوب النفي، ورمبا كان اأيضاً لزيادة العنرص الرتكي<br />
املسلم يف املناطق املسيحية.<br />
األفراد الذين كان على عاتقهم إدارة أمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
1. السلطان العثماني:<br />
كانت اإمارة عثمان على راأسها اأمري اأو قائد قبيلة عثماين، وكان يرحل مع<br />
عشريته يف بداية تكون الإمارة، وكانت عاصمته يف اأي مكان يحل فيه مع عشريته،<br />
حتى اأن بعض اأفراد عشريته كان يرحل عنه اإذا توقف الغزو اأو توقفت الغنائم. ويف<br />
زمن الإمارة <strong>العثمانية</strong> كان الأمري عثمان يقوم بالصلح بني القبائل والعشائر اإذا<br />
حصل بينها شجار اأو رصاع، فلم يكن الأمري اإل وسيطاً للصلح ولكنه كان يطبق<br />
الرشيعة الإسالمية يف اأمور الصلح بني القبائل )3( .<br />
وعندما ازدادت الفتوحات <strong>العثمانية</strong> اأصبح الأمري العثماين مشغولً باأمور هامة<br />
اأخرى عدا عن اأمور اأفراد عشريته، وكان الأمراء العثمانيون يف بداية اأمر الإمارة<br />
اأقوياء وظلوا كذلك حتى نهاية حكم السلطان سليمان القانوين. وكان الأمري العثماين<br />
قد حصل على لقب سلطان الروم )لأن املنطقة كانت تابعة للروم( من اخلليفة العباسي<br />
يف مرص عام 1494م، وكان السلطان العثماين يلقب باديشاه اأي احلاكم الأعلى، اأو<br />
لقب خنكار Hunkar اأي السلطان الأعظم.
أ. د. تيسري جباره<br />
ويف عام 1360م استوىل السلطان مراد الأول على مدينة اأدرنة واتخذها<br />
عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong> عام 1369م واأطلق على نفسه لقب “خليفة اهلل”. كما اتخذ<br />
السلطان حممد الفاحت بعد اأن فتح القسطنطينية عام 1453م لقب “حامي احلرمني<br />
الرشيفني”. كان العثمانيون يعلقون اأهمية كبرية على هذا اللقب لأنه يدعم زعامتهم<br />
على العامل الإسالمي. ثم متسك السالطني من بني عثمان بلقب “خليفة” لأسباب<br />
سياسية، واأطلقوا هذا اللقب علناً على اأنفسهم خاصة يف القرنني الثامن عرش والتاسع<br />
عرش امليالديني )4( .<br />
نستطيع تقسيم فرتة سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل قسمني، القسم الأول: وهم<br />
عرشة سالطني حكموا 267 سنة تقريباً )1299 – 1566م( ، وقامت على سواعدهم<br />
عظمة <strong>الدولة</strong> من حيث الفتوحات يف اأوروبا واأسيا واأفريقيا. والقسم الثاين: وهم 26<br />
سلطاناً حكموا 357 سنة تقريباً )1566 – 1922م( . ويف زمنهم توقفت الفتوحات<br />
وبداأ الرتاجع والتقهقر التدريجي حتى سقوط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وكان اآخر السالطني<br />
هو السلطان حممد السادس حيث حكمها بصفته سلطاناً حتى نوفمرب )ترشين ثاين(<br />
عام 1922م، واأخرج من استنبول مبعداً ب<strong>تاريخ</strong> 1922/11/17م اإىل مالطا، واختار<br />
املجلس الوطني العثماين اأمرياً عثمانياً هو عبد املجيد بن عبد العزيز ليكون خليفة<br />
للمسلمني ل سلطاناً. ثم األغيت اخلالفة عام 1924م، وغادر اخلليفة استنبول مع اأفراد<br />
اأرسته يف 1924/3/4م )5( .<br />
كان السلطان يقود اجليوش <strong>العثمانية</strong> يف املعارك ضد الأعداء، فكان يف مقدمة<br />
اجليش منذ بدء الإمارة <strong>العثمانية</strong> حتى بداية فرتة ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ويف فرتة<br />
الضعف مل يكن السلطان يسري اإىل املعارك على راأس جيش بل كان يظل يف القرص،<br />
وكثرياً ما كان السلطان يرتك ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> يف فرتة ضعفها اإىل كبار املوظفني<br />
مثل الصدر الأعظم اأو الكزلر اآغا، وكان ينرصف اإىل حياة القرص اخلاصة )حياة<br />
احلرمي( ، وبسبب ضعف السالطني اأخذ اجليش النكشاري يفرض سلطته اأحياناً على<br />
السلطان الذي اأصبح موقفه ضعيفاً اأمام اجليش.<br />
كان السلطان يعني قبل وفاته وريثاً للعرش اأحد اأبنائه، واستمرت احلالة هذه<br />
طيلة فرتة حكم العثمانيني اإل يف بعض فرتات كان الأخ يتبع اأخاه يف احلكم كما<br />
حصل عندما تويف السلطان اأحمد الأول عام 1617م فخلفه اأخوه مصطفى الأول لأن<br />
63<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
64<br />
اأبناءه كانوا صغاراً. ثم صدر فرمان سلطاين فيما بعد جاء فيه اأن تعطى اأمور السلطنة<br />
اإىل اأكرب الأعضاء سناً يف اأرسة عثمان من الذكور، وهذا الفرمان قلل من نصيب البن<br />
يف تويل السلطنة بعد اأبيه )6( .<br />
واجبات السلطان:<br />
لقد حرص العثمانيون على صدق انتمائهم اإىل الهوية الإسالمية، والدللة على<br />
ذلك ما جنده يف دستور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من واجبات السلطان واأهم هذه الواجبات:<br />
1.1اأن يخضع السلطان لأحكام الرشيعة الإسالمية خضوعاً كامالً.<br />
2.2اأن يجل الرشيعة الإسالمية ويبجل علماءها.<br />
3.3اأن يحمي مقدسات املسلمني وينظم شوؤون احلج بعناية.<br />
4.4اأن يدافع عن تخوم املسلمني ضد اأعدائهم )7( .<br />
وكان العثمانيون يطلقون على اجلندي املسلم اسم Mahmatlick اأي اجلندي<br />
املحمدي، وذلك تيمناً باسم سيد املجاهدين حممد صلى اهلل عليه وسلم.<br />
لقد اأطلق لقب “سلطان” على اأمري الغزو بعد اأن توسعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ووصلت<br />
حدودها اإىل البلقان، وكانت خزينة <strong>الدولة</strong> تختلف عن خزينة السلطان لأنه كثرياً<br />
ما كان يتربع من اأمواله اخلاصة على مشاريع اإسالمية هامة كي تخلد اسمه، فقد<br />
بُنيت مدارس دينية وجوامع وطبق نظام الرشيعة الإسالمية يف جميع دوائر <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> احلكومية من قبل السالطني، كما اأنشئت دوائر اأخرى عدا عن اجلوامع بعد<br />
اأن توسعت <strong>الدولة</strong> مثل دوائر الوزارات )8( .<br />
رغم كل ما ذكرناه من الناحية الإسالمية اإل اأن بعض السالطني قد تزوج من<br />
مسيحيات، وكانت اأمهات بعض السالطني مسيحيات، وكانت هذه النساء تتخذ<br />
مرشدين مسيحيني وتوؤثر هذه الأم املسيحية اأو الزوجة املسيحية على السلطان كما<br />
حصل زمن بايزيد الأول الذي حتول من عمله كغازٍ على الأرض البيزنطية اإىل معتدٍ<br />
على الإمارات الإسالمية الرتكمانية يف الأناضول )9( .<br />
ويف الوقت نفسه يجب مالحظة اأن السلطان كان يقتل اأخاه اأو عمه اأو قريبه لأن<br />
الأخ اأو العم كان يوايل الأعداء ويساعدهم يف هجماتهم على السلطان املسلم.
أ. د. تيسري جباره<br />
مل يتخذ السالطني العثمانيني لقب خليفة اإل يف نهاية القرن التاسع عرش، ولكن<br />
ذلك ل يعني اأن اسم السلطان كان جمرد اسم يرفع على املاآذن يف اجلوامع، بل كان<br />
يدعى له باأمري املوؤمنني وباخلليفة على املنابر، اأما يف الوثائق الرسمية فلم يلقب<br />
السلطان بخليفة اإل يف معاهدة كوجوك كاينارجا املعقودة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
وروسيا عام 1744م )10( . وكذلك لحظنا اسم خليفة على السلطان يف دستور<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1876م، وكان قصد السلطان عبد احلميد من اتباعه لقب خليفة<br />
بالإضافة اإىل كلمة سلطان، هو لإخافة الدول الأجنبية الأوروبية واأهمها بريطانيا،<br />
لأنها كانت حتكم ماليني املسلمني يف الهند وغريها من العامل، فكلمة خليفة عندما<br />
كان يسمعها املسلم يف اأي مكان كان يعترب نفسه اأنه تابع لذاك اخلليفة حتى ولو مل<br />
يكن هذا املسلم من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
ولقب السلطان حممد الفاحت سلطان الربّين والبحرين وذلك بعد اأن فتح عاصمة<br />
<strong>الدولة</strong> البيزنطية »القسطنطينية« )11( . وعندما دخل السلطان سليم الأول القاهرة<br />
بعد انتصاره على املماليك عام 1517م، وكان اخلليفة العباسي مقيماً يف القاهرة،<br />
سلّم اخلليفة العباسي اإىل السلطان سليم اأمور اخلالفة وتنازل عنها طوعاً )12( ، ولكن<br />
السالطني العثمانيني مل يتخذوا لقب خليفة على اأنفسهم اإل يف وقت متاأخر من حكم<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ومل نعرف عن تنازل اخلليفة العباسي عن اخلالفة للسلطان سليم اإل<br />
يف وقت متاأخر اأيضاً.<br />
2. الصدر األعظم:<br />
كان هذا املنصب، الوزير الأعظم، اأو »الصدر الأعظم« مبثابة رئيس الوزراء يف<br />
وقتنا احلايل. وقد بداأ السالطني العثمانيون بتعيني وزراء لهم بعد اأن توسعت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> نتيجة الفتوحات يف الأناضول يف اآسيا الصغرى، والبلقان يف اأوروبا.<br />
ومثال على ذلك عندما عني السلطان اأورخان الوزير عالء الدين كوزير اأول ثم اأصبح<br />
رئيساً للوزراء فيما بعد )13( .<br />
وكان منصب الصدر الأعظم منذ ذاك الوقت وحتى عام 1453م اأي حتى فتح<br />
القسطنطينية يتقلده مسلمون اأحرار من عائلة جندريل مثل قرة خليل، ولكن ل مينع<br />
هذا اأن يكون رئيس الوزراء رجالً اأسلم وحسن اإسالمه بعد اأن كان مسيحياً، وهناك<br />
كثري ممن تقلد منصب الصدارة العظمى من اأصل مسيحي.<br />
65<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
66<br />
كان هذا املنصب يف بداية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عبارة عن تقدمي املشورة للسلطان<br />
من قبل الشخص الذي يحظى بهذا املنصب، ثم اأصبح الصدر الأعظم يتوىل اأموراً هامة<br />
يعينه السلطان لتنفيذها مثل قيادة اجليوش للمعارك وتنظيم اأمور اجليش حتى اأن<br />
السلطان سلمه خامته للتوقيع نيابة عنه )14( . ومل يكن ذلك اإل يف فرتة ضعف <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، ولكن الوزير الأعظم كان يعيد اخلامت السلطاين عندما يعزل من منصبه.<br />
اأصبح مركز الصدر الأعظم مهماً منذ اأن اأصدر السلطان حممد الثاين )الفاحت(<br />
»القانون نامه« والذي حدد مبوجبه وظيفة كل اإداري يف <strong>الدولة</strong> واأعطى الوزير الأعظم<br />
اأهمية بالغة حتى جعله وصياً فعلياً على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )15( .<br />
كما اأن السلطان سليمان القانوين رفع مركز الصدر الأعظم وبني اأهمية<br />
هذا املركز يف القانون الذي اأصدره، وعرف السلطان سليمان بالقانوين لكرثة<br />
القوانني التي اأصدرها لتنظيم <strong>الدولة</strong>. فصدر يف القانون مثالً بصدد منصب<br />
الوزير الأعظم اأن اأي شخص يتقلد هذا املنصب يجب اأن يكون مواظباً على اأداء<br />
الصالة يف اأوقاتها )16( .<br />
كما كان للصدر الأعظم حرس خاص حلمايته وكانت له حاشية مثل السلطان.<br />
وقد اهتم السلطان بالوزير الأعظم ففوضه سلطات واسعة، فمثالً اأوجد السلطان حممد<br />
الرابع مقراً رسمياً يف القرص للوزير الأعظم سمي مقره »بالباب العايل« وكان<br />
ذلك لوزيره الأعظم درويش حممد باشا عام 1654م. وبداأ الوزير الأعظم يقوم بتدبري<br />
اأمور <strong>الدولة</strong> من هذا املكان بدلً من القرص السلطاين. وكان الوزير الأعظم يجمع الوزراء<br />
يف قرصه »الباب العايل« الذي اأصبح املقر الأصلي للحكومة. ومع مرور الزمن اأطلق<br />
لقب الباب العايل على الصدر الأعظم، فمثالً ذكرت الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية »اأصدر الباب<br />
العايل اأمراً« اأي الذي اأصدره هو الصدر الأعظم )17( . ولأن مركز ومنصب الصدر<br />
الأعظم من اأكرث املراكز الهامة يف <strong>الدولة</strong> بعد السلطان لذلك اهتم السلطان باختيار<br />
الشخص املناسب لهذا املنصب.<br />
ويف غياب الوزير الأعظم كان يقوم مقامه يف شوؤون هذا املنصب قائم مقام<br />
ويجب اأن يكون هذا برتبة وزير كي يحل حمل الصدر الأعظم. ويف غياب السلطان<br />
وغياب الصدر الأعظم كان بعض موظفي <strong>الدولة</strong> الكبار اأو حكام الوليات ينوبون
أ. د. تيسري جباره<br />
حمل الصدر العظم ويكونون برتبة وزراء، وكانت املجالس التي يحرضها هوؤلء<br />
الوزراء يف غرفة ذات قبة يف القرص لذلك اأطلق عليهم وزراء القبة.<br />
ويف القرن السابع عرش عندما دخل السالطني العثمانيون يف مرحلة الضعف<br />
كان الصدر الأعظم يقوم مبهام كثرية من اختصاص السلطان يف ترصيف اأمور<br />
<strong>الدولة</strong>، وبازدياد ضعف السالطني ظهر وزراء عظام طغت شهرتهم على اسم السلطان<br />
نفسه مثل عائلة كوبريللي. وقد قام اأفراد من هذه العائلة مبلء هذا املنصب عن جدارة<br />
حتى اأصبح هذا املنصب وراثياً يف هذه العائلة )18( . واستطاعت هذه الأرسة اأن تعيد<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong> هيبتها رغم ضعف السالطني.<br />
ويف مرحلة ضعف السالطني العثمانيني كان هناك تنافس بني الصدر الأعظم<br />
والكزلر اآغا )وهو املوظف الذي كان يرشف على شوؤون احلرمي يف القرص( وكان<br />
تنافسهما على تدبري اأمور <strong>الدولة</strong> واضحاً، حتى اأن الولة يف ولياتهم انعكست عليهم<br />
هذه املنافسة وتقرر مصريهم تبعاً لذلك التنافس والرصاع. فمثالً قام الكزلر اآغا<br />
وعزل اأسعد باشا العظم عن ولية الشام عام 1757م علماً باأن اأسعد باشا كان يعتمد<br />
على الوزير الأعظم الذي هو يف رتبته اأعلى من رتبة الكزلر اآغا )19( .<br />
وكان بعض املوظفني تابعني للوزير الأعظم مبارشة مثل وظيفة الكاخيابيك،<br />
وهو مبثابة وزير الداخلية اليوم لأنه كان مشوؤولً عن ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> فيما يتعلق<br />
بالشوؤون الداخلية.<br />
3. الكزالر آغا:<br />
وهو الرجل الذي كان يرشف على شوؤون احلرمي يف القرص. ويسمى اأيضاً »اآغا<br />
دار السعادة«. كان الشخص الذي يصل اإىل هذا املنصب يساعده عدد من اخلصيان<br />
الطواشية وكان يوؤتى بهم من القفقاس، اأما يف عهد السلطان مراد الثالث – 1574<br />
1595م فقد اأصبح للخصيان الطواشية السود اليد العليا يف شوؤون احلرمي )20( .<br />
وقد مرت على السالطني العثمانيني فرتات ضعف حتكمت والدة السلطان اأو<br />
زوجة السلطان يف احلكم لدرجة اأن وقعت اأم السلطان وزوجته يف نزاع بينهما اأثرت<br />
على جمرى احلوادث يف <strong>الدولة</strong> )21( .<br />
67<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
68<br />
وحدثت يف الفرتة الواقعة بني – 1617 1623 اأن دب نزاع بني احلرمي يف<br />
القرص وهن اأمهات كل من مصطفى الأول، وعثمان الثاين، ومراد الرابع )22( ، واأخذت<br />
كل واحدة تخطط اأن يكون ابنها هو السلطان الفعلي يف <strong>الدولة</strong>.<br />
اأصبح الكزلر اآغا يف منصب ل يحسد عليه يف القرن الثامن عرش بسبب ازدياد<br />
نفوذه على احلرمي وحتى على نفسه. حتى اأن الكزلر اآغا دخل يف رصاع مستمر،<br />
بسبب احلسد، مع الوزير الأعظم، علماً باأن رتبة الكزلر اآغا من ناحية نظرية تاأتي بعد<br />
رتبة الوزير الأعظم ورتبة شيخ الإسالم.<br />
4. الديوان:<br />
هو مبثابة جملس رئاسة الوزراء، وقد تشكل الديوان يف العهد العثماين بعد اأن<br />
امتدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وتوسعت، لذلك كان ل بد للسلطان من تعيني وزراء لإدارة<br />
شوؤون خمتلفة لالعتماد عليهم يف ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong>. ومل يكن هوؤلء الوزراء من<br />
ساللة اآل عثمان، وعني السلطان اأيضاً حكاماً اإداريني )ولة( لإدارة املناطق املفتوحة،<br />
وكانت وظيفة كل منهم برتبة وزير وهم من غري العثمانيني اأيضاً. كما اأنشئت يف<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وزارات اأخرى مثل الدفرت دارية )وزارة املالية( واآغا النكشارية<br />
)قائد اجليش( وغريها من الوزارات.<br />
والديوان هو جملس كان يضم جميع روؤساء الدوائر يف <strong>الدولة</strong> وجميع الوزراء،<br />
وكانت الجتماعات فيه لبحث القضايا الهامة للدولة ولبحث اأمور تتعلق بتقرير<br />
السلم اأو احلرب، وكان السلطان يرتاأس اجتماعات الديوان حتى زمن السلطان حممد<br />
الفاحت الذي اأعطى مهمة اإدارة الديوان للصدر الأعظم. فاأصبح الصدر الأعظم يرتاأس<br />
اجتماعات الديوان. واأهم الوزراء الذين كانوا ملزمني بحضور اجتماعات الديوان-<br />
عدا عن الصدر الأعظم- كل من الدفرت دار، واآغا النكشارية، وشيخ الإسالم، وقاضي<br />
عسكر الأناضول، وقاضي عسكر الروملي )البلقان( ، وقاضي عسكر اأفريقيا، واأمري<br />
البحر )قبودان باشا( ، وصاحب التوقيع املشوؤول عن خامت السلطان، وغريهم من<br />
الوزراء. وكان الديوان يعقد اأربع مرات اأسبوعياً يف اأيام السبت والأحد والثنني<br />
والثالثاء )23( ، واقترصت مهمة السلطان على مقابلة جملس الوزراء )الديوان( يف<br />
نهاية كل اأسبوع، والديوان هو مكان لجتماع روؤساء الوزارات واملوظفني الكبار يف<br />
<strong>الدولة</strong>.
أ. د. تيسري جباره<br />
وكان يطلق على اجتماعات الأشخاص البارزين ديوان. وما زالت هذه الكلمة<br />
شائعة يف وقتنا احلارض وتعني اجتماع اأفراد عائلة اأو حمولة معينة يف مكان<br />
خمصص لجتماعات العائلة.<br />
وقد اختلف نظام الديوان من ولية اإىل اأخرى، ففي ولية مرص مثالً كان الديوان<br />
يعقد اجتماعاته كل اأسبوع 4 مرات، وذلك حسب القانون الذي صدر عام 1525م، اأما<br />
يف ولية الشام فكان الديوان يعقد جلساته عندما تستدعي احلاجة ذلك. كما اختلفت<br />
نوعية الأشخاص الذين كانوا يحرضون الجتماعات حسب الظروف واملواضيع<br />
املطروحة )24( .<br />
ورمبا اأنشاأت الدواوين يف الوليات خوفاً من اأن يعلن الوايل استقالله عن<br />
السلطنة <strong>العثمانية</strong>. لذلك اأُنشئ ديوان اإىل جانب كل والٍ مهمته اإسداء النصح<br />
والإرشاد اإىل الوايل وكذلك مراقبته. وكان الوايل يرجع اإىل مشورة الديوان قبل<br />
تنفيذ اأي عمل هام.<br />
كان الديوان يتاألف من كبار ضباط الفرق العسكرية وعدد من املوظفني والعلماء<br />
والأعيان يف الولية. لذلك اأصبح من الصعب على الوايل القيام اأو حتى التفكري بالقيام<br />
بالنفصال عن السلطان اأو الترصف ضد رغبة <strong>الدولة</strong> )25( . وكان وجود ضباط اجليش<br />
كاأعضاء بارزين يف الديوان قد هدد الوايل واأخذ ضباط يتدخلون يف الأمور السياسية<br />
بالإضافة اإىل وظيفتهم العسكرية.<br />
كان السلطان يعني الوايل اأو الباشا ملدة سنة واحدة قابلة للتجديد يف بعض<br />
احلالت، لذلك ترصف بعض الولة مبحاولة ابتزاز اأموال الشعب يف سنة حكمهم<br />
للولية. ومن املفهوم اأن السلطان كان قد اأعطى الوايل صالحيات واسعة لإدارة<br />
وليته وصلت حتى اإعطائه حق تنفيذ حكم الإعدام. ولكن الوايل خضع يف الوقت<br />
نفسه ملراقبة الديوان.<br />
5. وزير املالية )الدفرت دار(:<br />
كان السلطان العثماين يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يحصل على خُ مس<br />
الغنائم اأثناء احلروب، وله اإقطاعات تدعى الإقطاع اخلاص، وكان يحصل على موارد<br />
من الغنائم ومن الإقطاع اخلاص ويعطيها اإىل اجلنود ورجال الإدارة يف <strong>الدولة</strong>، لذلك<br />
69<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
70<br />
مل يكن بحاجة اإىل وزير مالية يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong>، ولكن عندما اأصبحت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> تتسع تدريجياً نتيجة الفتوحات، بداأت يف تشكيل جيش النكشارية، واأعطت<br />
معاشات لهذا اجليش وللمشوؤولني عن الإدارة. لذا راأى الوزير الأعظم جندريل قرة<br />
خليل باشا )1368 – 1373( رضورة اإيجاد وزارة للمالية اأو خزينة املالية، وعندما<br />
تاأسست، اأصبحت خزينة السلطان منفصلة عنها. وسميت خزينة <strong>الدولة</strong> باخلزنة<br />
الأمريية وكان املشوؤول عنها الدفرت دار اأو وزير املالية.<br />
كان الدفرت دار يرشف على اأربع دوائر مالية كلها تابعة الإدارته وهذه<br />
الدوائر هي:<br />
1.1دائرة التسجيل: وهي املشوؤولة عن شوؤون الإقطاعات وتسمى )الدفرت حانة(<br />
وكان رئيسها يدعى الدفرت اأميني، وهو مشوؤول عن مكاتب تابعة لإدارته وهي:<br />
. أدائرة اإلمجال: Icmal وهي تتضمن ميزانيات الأشخاص يف املقاطعات،<br />
وتعنى بالوثائق التي حتدد فيها حدود الوليات وجميع الإقطاعات.<br />
.بدائرة املفصّ ل: وهي التي حتتوي على سجالت مفصلة عن الداخل واخلارج<br />
من املرصوفات، وتعنى بامللكية اخلاصة اأيضاً.<br />
2.2دائرة احملاسبة: وحتتفظ بالإيصالت )اإيصالت الستالم( .<br />
3.3دائرة املراقبة: وحتتوي على سجالت معاشات اجليوش ومرصوفات القرص.<br />
4.4دائرة املوقوفات: وهي الدائرة التي حتتوي على سجل الأراضي )26( .<br />
وكان يساعد الدفرت اأميني موظفان رئيسيان هما كاخيا الدفرت وكان مشوؤولً<br />
عن الإقطاع املعروف باإقطاع الزعامت، واملوظف الآخر هو دفرت دار التيمار وكان<br />
عمله خمتصاً بالإقطاع املعروف باإقطاع التيمار )27( . وقد وجد مثل هوؤلء املوظفني<br />
اأيضاً يف الوليات.<br />
وعندما اأخذت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف الضعف التدريجي خفّت وظيفة الدفرت اأميني<br />
املشوؤول عن شوؤون الإقطاعات، وزادت مشوؤوليات الدفرت دار يف العاصمة )املشوؤول<br />
عن الشوؤون املالية( لأن اعتماد <strong>الدولة</strong> اأصبح يزداد على املوظفني واجلند الذين<br />
ياأخذون املعاشات النقدية بدلً من الإقطاعات. وتسمى دائرة الشوؤون املالية بالدفرت<br />
داريه التي يراأسها الدفرت دار وكانت مهمته حسابات <strong>الدولة</strong> من واردات وصادرات.
أ. د. تيسري جباره<br />
كما عني السلطان العثماين دفرت دار ملنطقة اآسيا الصغرى )الأناضول( ، ودفرت<br />
دار لروميليا )البلقان( ، كما وجد دفرت دار لكل ولية وكانوا مرتبطني بالعاصمة<br />
استنبول.<br />
وكانت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مقسمه اإىل اإقطاعات؛ كي يسهل جمع الرضيبة<br />
من كل مقاطعة. وكان يُعطى حق جمع الرضيبة لأشخاص يسمون مقاطعجية اأو<br />
ملتزمني. ولكنهم كانوا يعينون ملدة سنة واحدة على الأكرث، فكانوا يستغلون ظروف<br />
قرص مدة حكمهم ويزداد ابتزاز الأموال من الفالحني، حتى اأن البعض منهم استمر يف<br />
عمله اأكرث من سنة اأثناء ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وحتدى امللتزمون الوايل والسلطان<br />
وبقوا على راأس عملهم يجمعون الأموال ول يوصلونها اإىل املحصل الذي عليه اأن<br />
يوصلها اإىل خزانة <strong>الدولة</strong> اأو اإىل الدفرت دار يف استنبول، وكمثال على ذلك ظاهر العمر<br />
يف فلسطني الذي كان يجمع الأموال والرضائب من الفالحني بصفته ملتزم، وعليه<br />
اأن يرسل الأموال اإىل املحصل الذي يجمع الأموال من امللتزمني. وكان املحصلون<br />
يرسلون الأموال اإىل الوايل الذي كان عليه اأن يوصل هذه الأموال اإىل العاصمة.<br />
ويف اأواخر القرن السابع عرش اأصدرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> نظام املالكانة ويعني<br />
منح اللتزام للملتزمني مدى احلياة، وبذلك اأصبح امللتزم )حمصل الرضائب( ل يخاف<br />
على مركزه لذلك قل ابتزاز الأموال من الفالحني؛ لأن امللتزم مل يعد مضطراً لالإرساع<br />
يف ابتزاز الأموال من الفالحني )28( .<br />
6. اجليش العثماني:<br />
كان اجليش العثماين يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مكوناً من فرق من<br />
اجلنود الأتراك املسلمني واخليالة، وكانت كل فرقة تتبع عشرية على راأسها رئيس<br />
العشرية ورجل دين مسلم )29( . وكان هوؤلء الفرسان يحملون اأسلحة مثل القوس<br />
والنشاب والسهام والسيف، وعندما كانوا يغزون الأراضي البيزنطية كانوا يحصلون<br />
على غنائم وفرية. وكان على راأس هذه العشائر كلها السلطان كقائد للجيش.<br />
نشاأ العثمانيون الأوائل يف الأناضول بني الإمارات املسيحية التي ناصبتهم<br />
العداء، لذلك اعتز العثمانيون بالإسالم كدعامة لقوتهم واحتادهم مع الإمارات<br />
71<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
72<br />
الأخرى. ولشعورهم بالأقلية بني املسيحيني؛ واعتمد العثمانيون على الإسالم اأساساً<br />
لنشاأة جيشهم واأساساً لنشاأة دولتهم ثم اإمرباطوريتهم )30( .<br />
كان السلطان العثماين مينح اإقطاعاً للجندي الفارس السباهي الذي قدم خدمة<br />
عسكرية واشرتك يف املعارك، ولو نظرنا اإىل تكوين اجليش العثماين لوجدنا اأنه<br />
مع مرور الزمن واتساع رقعة <strong>الدولة</strong> اأصبح يضم عدا عن اجلنود الإقطاعيني جنوداً<br />
يعتمدون على معاشات وهم النكشارية وجنوداً حلماية السلطان وهم املرتزقة اأو<br />
اجلند اخلاص. ويتكون اجليش من اجلنود التالية:<br />
. أاجلنود اإلقطاعيون:<br />
اإن اجلنود الإقطاعيني الذين يحصلون على اإقطاع هم الفرسان اأو السباهية<br />
)Sipahi( ، وكان اجلندي يقدم خدماته للدولة مقابل اإعطائه اإقطاعاً مبثابة معاش<br />
اأبدي يرتزق منه السباهي، وتختلف مساحة الإقطاعات من رتبة شخص اإىل رتبة<br />
شخص اآخر. فهناك اإقطاع التيمار وهو اإقطاع صغري يرتاوح دخله السنوي بني<br />
3,000 و20,000 اأقجة )31( . وهي عملة عثمانية، وتعادل الأقجة ¼ درهم. وكان<br />
على صاحب التيمار اأن يقدم اإىل اجليش عدداً من الفرسان يرتاوح ما بني اثنني اإىل<br />
اأربعة جنود يقومون اأصالً يف خدمة اأرضه )تيماره( .<br />
وهناك اإقطاع الزعامت، نسبة اإىل الزعيم – ويرتاوح دخل الزعامت من 20,000<br />
اإىل 100,000 اأقجة، وعلى صاحب الزعامت اأن يقدم للجيش العثماين جندياً واحداً<br />
عن كل خمسة اآلف اأقجة.<br />
وهناك الإقطاع اخلاص، وهذا النوع من الإقطاع كان مينح اإىل اأفراد الأرسة<br />
<strong>العثمانية</strong> احلاكمة واملقربني اإليهم والولة يف الوليات <strong>العثمانية</strong>. وكان دخل<br />
الإقطاع اخلاص يزيد على 100,000 اأقجة. وكان هذا الإقطاع يختلف عن سابقيه؛<br />
لأنه ل يخضع ملراقبة الدفرت دار.<br />
كان اإقطاع التيمار مينح اإىل شخص يدعى اآلي )32( ،Alay وكان جمموع هوؤلء<br />
الأشخاص يخضعون اإىل بك يرشف عليهم كلهم. وجمموع اأراضي تيمار تشكل سنجق.<br />
وجمموعة السناجق تخضع اإىل بيلربي بك .Beyler Beyi فكانت رتبهم حسب التسلسل
أ. د. تيسري جباره<br />
العسكري الإقطاعي كما يلي )اآلي، بك، بيلربي( اأما اإقطاعاتهم حسب املساحة يف<br />
الولية فكانت كالتايل )تيمار، زعامت، خاص( .<br />
وكان البيلربي اأو بك البكوات الذي هو اأعلى رتبة يف الناحية العسكرية الإقطاعية<br />
مينح الإقطاع اإىل من يصلح للخدمة العسكرية. ولكن يف عهد سليمان القانوين عام<br />
1530م سحب السلطان هذه الصالحية من حكام الوليات واأصبح منح الإقطاع<br />
من اختصاص احلكومة املركزية، بينما بقي للوايل صالحية منح تيمار صغري اأو<br />
اإعطاء توصية اإىل من يستحق الإقطاع. وياأخذ صاحب التوصية هذه اإىل العاصمة<br />
<strong>العثمانية</strong> كي يحصل من السلطان على براءة لكي مينح الإقطاع له، ولكن التوصية<br />
من حاكم الولية كانت ل تلزم السلطان باإعطاء الرباءة اإىل اأي شخص كان. والرباءة<br />
من السلطان للحصول على تيمار هي اأقوى واأضمن من التيمار املمنوح من حاكم<br />
الولية للفرد الذي مل يحصل على براءة من السلطان )33( . وكان التيمار يقسم اإىل<br />
جمموعة حصص تخضع كلها اإىل صاحب التيمار، ولكن احلصص ل تورث من الأب<br />
اإىل البن بينما التيمار كان يورث من الأب اإىل البن.<br />
ذكرنا سابقاً اأن الإقطاع املمنوح للسباهي كان مبثابة معاش اأبدي له مقابل<br />
تقدمي خدمة عسكرية للدولة، وكان السباهي يجهز جنوداً للحرب اإذا جتاوز دخل<br />
اإقطاعه حداً معيناً، ولكن بانحطاط اجلنود الإقطاعيني تدريجياً اأصبح باإمكانهم دفع<br />
ما عرف مبال البدل مقابل اإعفائهم من اخلدمة )34( .<br />
وذكر بروكلمان يف كتابه »<strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية« اأن السفري الفرنسي يف<br />
استنبول وصف اجلنود السباهية ذاكراً اإعجابه عن جمال اخليول املغطاة بجهاز<br />
يتالألأ بالذهب والفضة واجلواهر، اأما الفرسان اأنفسهم فكانوا يلبسون ثياباً من قماش<br />
مقصب اأو من حرير خمتلف األوانه مثل قرمزي اأو اأصفر اأو زعفراين اأو اأزرق قامت وكان<br />
سالحهم القوس والنشاب والرمح والسيف املرصع باحلجارة الكرمية، وجمناً صغرياً<br />
وصوجلاناً معلقاً بالرسج )35( .<br />
وكان املورد الرئيس للجندي السباهي هي الغنائم من احلرب والرضائب التي<br />
يجمعها من الفالحني املقيمني يف اإقطاع، لذلك كانت دعوة السباهية بشكل جماعي<br />
للقيام باحلروب من شاأنه تعطيل احلياة اليومية يف الريف، لذلك كانت <strong>الدولة</strong> تسمح<br />
73<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
74<br />
لسباهي واحد من كل عرشة سباهية اأن يتخلف عن احلرب، وكانت تعطي <strong>الدولة</strong><br />
اإجازات لهوؤلء للرجوع اإىل الأرض كي يفلحوها وبخاصة اأثناء توقف احلرب. وكان<br />
اأسلوب منح اإقطاع اإىل اجلندي السباهي له مساوئ وحسنات ومن مساوئه اأن اجلندي<br />
الإقطاعي يحاول التهرب من اخلدمة العسكرية، وهذا جعل السالطني يعتمدون على<br />
جنود اآخرين مبرتبات شهرية مثل النكشارية. اأما حسنات الإقطاع فكان اجلندي<br />
يرتبط باأرضه ويدافع عنها ويبذل الغايل والرخيص كي ل تخرج من يده لالأعداء.<br />
.باالنكشارية )36( :<br />
ذكرنا يف الصفحات السابقة بالتفصيل عن اجليش النكشاري الذي تاأسس<br />
زمن اأورخان. ونضيف اأيضاً عن هذا اجليش هنا: اأن السلطان اأورخان قام بتدريبه<br />
عسكرياً يف مناطق خمتلفة من <strong>الدولة</strong> يف بروسة واأدرنة واستنبول. وقد وصل بعضهم<br />
اإىل مراتب عليا يف <strong>الدولة</strong>، كما اأصبح بعض منهم مرافقني للسلطان اأو وزراء عظاماً<br />
كرتبة صدر اأعظم – وقد سمي هوؤلء الذين يدخلون يف خدمة السلطان بعبيد الباب اأو<br />
قابي قولري، Kapi Kulari اأو عبيد السلطان.<br />
كان اجليش النكشاري العمود الفقري للدولة يف اأوقات كثرية، ويدعى قائده اآغا<br />
النكشارية ومركزه يف استنبول، وكان اجليش النكشاري مكوناً من 196 )اأورطة(<br />
فرقة، وعدد كل فرقة يختلف حسب الزمان واملكان فكان يصل اأحياناً من 50 اإىل<br />
500 جندي يف كل اأورطة )37( . وبلغ عدد اجليش النكشاري عام 1660م حوايل<br />
54,222 رجالً )38( .<br />
واأصبح اجليش النكشاري يتحكم يف اأمور السلطان نفسه منذ القرن اخلامس<br />
عرش وكان اأحياناً يفرض على السلطان تنفيذ بعض طلباته كزيادة املعاش اأو<br />
اإصدار قانون يناسبهم، ولكن كان اجلندي يف اجليش مينع من الزواج حتى يحال<br />
على التقاعد، ويف زمن السلطان مراد الرابع )1623– 1640م( زاد تسلطهم وتعرض<br />
السلطان لبطشهم وزادت حتدياتهم للسالطني الذين تبعوه.<br />
واأرسل السلطان بعض الفرق النكشارية اإىل الوليات ورمبا كان ذلك نفياً لهم،<br />
اأو رمبا كان ملراقبة الوايل عن طريق النكشارية، ولكن حصل اندماج وتزاوج بني<br />
اجليش النكشاري والسكان املحليني فاأخذ اجلندي النكشاري يقوم بالأعمال اليومية
أ. د. تيسري جباره<br />
ويشرتك مع اأصحاب احلرف والصناعات كي يكسب رزقاً بالإضافة اإىل معاشه،<br />
ودخل النكشارية بعض من السكان املحليني كي يستفيدوا من المتيازات املمنوحة<br />
للجيش، فغلب الطابع املحلي على النكشارية حتى اأصبحوا يعرفون بالريلية )من<br />
كلمة Yer بالرتكية وتعني املحل( .<br />
واضطر السلطان اإزاء اندماج النكشارية بالسكان املحليني وابتعادهم عن<br />
عملهم الأصلي وهو خدمة <strong>الدولة</strong> كجنود اأن يرسل جيشاً جديداً اآخر ليحل حمل الريلية<br />
كي تكون اأكرث خضوعاً للسلطان وهم القابي قولري.<br />
ومن املالحظ اأن اجليش النكشاري كان فيه كثري من رجال احلركات الصوفية<br />
والدراويش وهذا يدل على ارتباط النكشارية برجال الدين، واأهم هذه احلركات<br />
الصوفية الطريقة البكطاشية فكان يف الأورطة رقم 99 كثري من رجال البكطاشية<br />
الدراويش )39( . فمثالً عندما ثار جان بردي الغزايل على السلطان سليم الأول عام<br />
1520م واحتل قلعة دمشق التي كان فيها اجليش الإنكشاري وجد الغزايل فيها اأكرث<br />
من 150 شخصاً من املتصوفة.<br />
وقد حاول املوؤرخون الأجانب الذين اأرخوا وكتبوا عن <strong>تاريخ</strong> اجليش العثماين اأن<br />
يكتبوا عبارات لذعة ضد السلطان وشيخ الإسالم والإدارة <strong>العثمانية</strong>، فكتب بروكلمان<br />
اأن اجليش النكشاري هو من الغلمان النصارى الذين اأرسوا يف احلرب )40( ، بينما<br />
يذكر املوؤرخ نفسه يف مكان اآخر يف الكتاب معرتفاً اأن هذا اجليش هو مسلم فقال<br />
»واحلق اأن جميع املصادر الأوروبية حافلة باإطراء روح النظام التي تكشف عنها<br />
اجليش العثماين فلم يكن فيه مكان للخمر، اأو القمار، اأو البغاء، وهي اآفات مل تسلم<br />
منها يف يوم من الأيام جيوش اأوروبا، لذلك العهد. وكانت احلرب ضد »الكافرين« ل<br />
تزال تعترب واجباً دينياً. ولقد كان لذلك اأثر كبري يف ضمان الغلبة على النصارى، يوم<br />
كان اجليش العثماين يف اأوج قوته« )41( .<br />
كتب السفري النمساوي يف استنبول عام 1554م تقريراً لبالده يتلخص بعقد<br />
مقارنة بني اجليش العثماين وجيش الإمرباطورية الرومانية فقال: »اإن دهشة<br />
بالغة تعرتيه حني يعقد املقارنات بينهما« وقال: »اإن هاتني الدولتني كانتا تقفان<br />
يف مواجهة عسكرية ويقع الشتباك املسلح بينهما، ففي اجلانب الأول جتد <strong>الدولة</strong><br />
75<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
76<br />
<strong>العثمانية</strong> وهي اإمرباطورية عظيمة قوية على درجة كبرية من الرثاء وحتشد جيوشاً<br />
جرارة تسودها روح عسكرية عالية، واأفراد هذه اجليوش مدربون على احلرب يتحلون<br />
بالصرب والنظام والحتاد والتيقظ، ويف اجلانب الآخر توجد <strong>الدولة</strong> الرومانية املقدسة<br />
يتصف جنودها بالإغراق يف الرتف وامليل اإىل العناد واملشاكسة والستخفاف<br />
بالنظام وحب الشهوات من اخلالعة والدعارة والفجور والإرساف يف الأكل، ويخلص<br />
هذا السفري النمساوي من مقارناته اإىل القول باأن العثمانيني قد اأعدوا للغزو وحتقيق<br />
النتصارات، اأما جنود الإمرباطورية الرومانية املقدسة فقد اأعدوا لتقبل الهزائم.<br />
وهذه شهادة لها قيمتها من عدة نواح، لأنها صادرة عن رجل معارص ول ميكن<br />
اأن يتصف بالتحيز للعثمانيني؛ لأنه رجل عرف بدراساته العميقة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك<br />
العثمانيني وهي دراسة تقوم على املشاهدة والتصالت الشخصية برجالت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> )42( .<br />
وكتب اأستاذ اأمريكي يدعى ليبري Lybyer درس النظم <strong>العثمانية</strong> فقال: “اإن<br />
اجليش العثماين كان يجمع بني اأفراده جميعاً شعور الولء العميق للسلطان، واإذا<br />
صدرت الأوامر باستدعاء اجليش حلملة عسكرية كربى اجتمع اجليش عن بكرة اأبيه<br />
حول السلطان )43( .<br />
.تاجليش اخلاص أو املرتزقة:<br />
اتخذ بعض الولة يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جيشاً خاصاً حلمايتهم وكحاشية لهم<br />
وكانت تدفع رواتبهم من واردات الولية اأو من نتيجة فرض رضائب اإضافية على<br />
الشعب. واتخذ اأيضاً امللتزمون جيشاً خاصاً عندما اأصبح امللتزم اأمرياً حملياً مثل<br />
ظاهر العمر، الذي احتفظ مبثل هذه القوات ملواجهة جيش الوايل. وكان هذا اجليش<br />
اخلاص اأو اجلند املرتزقة يسمى يف بعض مناطق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالسكبان. ثم<br />
اأطلقت على كل من كان بدون عمل.<br />
جلاأ ولة دمشق لتوظيف جنود من املرتزقة اأو اجليش اخلاص عندما انعدم<br />
الأمن وزادت تعديات اللصوص على قوافل احلج يف الطريق املوؤدي اإىل احلجاز،<br />
كما انعدم الأمن اأيضاً عندما اصطدم جيش الريلية )اجليش املحلي( بجيش القابي<br />
قول )اجليش الذي بعثه السلطان ليحل حمل الريليه( ، لذا اضطر الوايل لتخاذ جيش
أ. د. تيسري جباره<br />
خاص حلمايته. وكان اأكرث املرتزقة من الالوند والدالتية واملغاربة والتفنكجية.<br />
وازداد عددهم يف ولية الشام يف القرن الثامن عرش )44( . والالوند هم من الأكراد،<br />
والدالتية من الأناضول، والتفنكجية من اأصل حملي اأي من بغداد واملوصل وعملوا<br />
كرشطة عند الوايل.<br />
.ثاألسطول:<br />
مل يكن للعثمانيني اأسطول بحري يف بداية تاأسيس الإمارة بل كانت حروبهم<br />
كلها يف الرب، ولكن عندما توسعت الإمارة <strong>العثمانية</strong> اأصبح من املفروض عليهم<br />
بناء بعض السفن حلراسة السواحل، وقد جاء اهتمامهم بالبحرية بعدما انهزموا يف<br />
معركة غاليبويل عام 1416م. فقد اهتم السلطان حممد الثاين باإنشاء اأسطول عثماين<br />
استطاع اأن يقف اأمام الأساطيل الأوروبية التي كانت متفوقة يف البحر املتوسط عرب<br />
القرون السابقة، فوصلت عدد السفن <strong>العثمانية</strong> عام 1456م اإىل 180 سفينة حربية،<br />
ويف زمن سليمان القانوين بلغ عدد السفن 300 سفينة، وقد ساعد الأسطول العثماين<br />
الأسطول املغربي بقيادة خري الدين بربروسا الذي وصل يف شهرة اأسطوله اإىل اأن<br />
حتكم يف غربي البحر املتوسط.<br />
وذكر املسترشق بروكلمان مناقضاً نفسه عن الذين كانوا يديرون الأسطول<br />
العثماين فقال: اإن ربابنة السفن <strong>العثمانية</strong> كانوا من اليونانيني والطليان والنصارى<br />
الفارّين من بالدهم اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بقصد احلصول على الغنائم الوفرية، بينما<br />
ذكر اأيضاً اأن الأساطيل اليونانية والطليانية كان فيها ربابنة من الرشق الإسالمي،<br />
ثم يعود فيقول اإن التجنيد لالأسطول كان يرتكز على الرعايا الوطنيني )45( . واحلقيقة<br />
اأن الأسطول العثماين كان اأسطولً اإسالمياً يديره اأتراك مسلمون ومغاربه قدموا<br />
خلدمة السلطان. ويعرتف بروكلمان بذلك يف موضع اآخر من كتابه فيقول « كانت<br />
سفن القرصان العاملة يف شاطئ اأفريقية الشمالية توؤلف – ابتداء من عهد بربروسا<br />
– جزءاً هاماً جداً من الأسطول العثماين. فقد كان هوؤلء القرصان يلتحقون باأسطول<br />
<strong>الدولة</strong> زرافات زرافات، كلما اأزمع السلطان خوض غمار احلرب البحرية لينزلوا يف<br />
حماية هذا الأسطول ويلحقوا اأعظم الأذى بتجارة النصارى« )46( .<br />
77<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
78<br />
كان الأسطول العثماين اأقوى من اأي اأسطول اأي دولة يف اأوروبا، ولكنه كان<br />
ضعيفاً اأمام وحدة الأساطيل الأوروبية، وقد ثبت ذلك عندما هزم الأسطول العثماين<br />
والأسطول املرصي اأمام الأساطيل الأوروبية يف معركة نفارين البحرية يف اليونان<br />
عام 1827م وكذلك هزم الأسطول العثماين اأمام اأسطول البندقية يف معركة ليبانتو<br />
البحرية.<br />
ول يعني هذا اأن الأسطول العثماين كان ضعيفاً اإىل هذا احلد، بل كان يدافع عن<br />
سواحل الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> املتددة ولكن اجليش الربي العثماين كان متفوقاً على<br />
الأسطول البحري.<br />
7. املوظفون الدينيون:<br />
كان رجال الدين الإسالمي قد لعبوا دوراً هاماً يف ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
واأهم هوؤلء هم شيخ الإسالم املفتي، وقاضي العسكر، ونقيب الإرشاف، وهناك رجال<br />
دين اآخرون لعبوا دوراً هاماً مثل الفقهاء والشيوخ واخلطباء يف املساجد والوعاظ<br />
وغريهم من رجال الدين.<br />
وقد تشكلت مدارس دينية لتعليم اأبناء الشعب العلوم الدينية ليصبح املتخرج من<br />
املدرسة عاملاً بالعلوم الإسالمية وهوؤلء املتخرجون سيكونون هم حكماء الشعب<br />
وحكامهم. وقد اأسست اأول مدرسة عثمانية زمن اأورخان يف اإزنك عام 1331م. كما<br />
بنى السلطان حممد الفاحت مدارس عثمانية كثرية كانت حتمل اسمه. اأضف اإىل ذلك اأن<br />
التدريس الديني كان يتم يف املساجد وبخاصة يف املسجد الذي بناه السلطان حممد<br />
الفاحت وسمي باسمه مسجد حممد الفاحت، وكان الطالب يدرس عدا عن العلوم الرشعية<br />
يف املسجد واملدارس الإسالمية العلوم الأخرى مثل الرصف والنحو والبالغة والشعر<br />
وعلم املنطق وعلم الفلسفة وعلم التفسري والعقيدة والأحاديث الرشيفة واأصول الفقه<br />
)47( . وكانت هناك اأيضاً املدارس التي تدعى الكتاتيب.<br />
وقام السلطان سليمان القانوين باإضافة علوم اأخرى اإىل العلوم الدينية مثل<br />
الفيزياء والرياضات والطب، وكانت هذه العلوم تدرس يف مسجد سليمان القانوين<br />
الذي بداأ العمل لإنشائه عام 1550 وانتهى عام 1559م. وكان كل طالب علم يتخرج<br />
من هذه املدارس واملساجد يدخل الوظائف العليا، اأما اإذا مل يكمل تعليمه فيستطيع اأن
أ. د. تيسري جباره<br />
ياأخذ وظيفة اأقل من زميله الذي يحصل على الشهادة العليا، اأي يصبح كاتباً يف دار<br />
القلم اأي الدوائر احلكومية. وميكن للطالب الذي يتخرج من املدرسة السليمانية )نسبة<br />
اإىل سليمان القانوين( بعد اأن درس العلوم الرشعية اأن يصل اإىل رتبة مفتي اأو شيخ<br />
الإسالم وهذه الرتبة يقوم بتعيني صاحبها شيخ الإسالم اأو السلطان.<br />
وملعرفة املزيد عن كل وظيفة من الوظائف الدينية الهامة يجدر بنا اأن<br />
ندرس هذه الرتب الدينية وماذا كان يعمل صاحب الوظيفة الدينية، وكيف<br />
توصل لهذا املنصب.<br />
1.1املفيت أو شيخ اإلسالم:<br />
اإن املفتي اأو شيخ الإسالم هو اأعلى مرتبة دينية يحملها رجل دين، وهذا املنصب<br />
ل يصل اإليه اإل كل من توفرت فيه رشوط العلم الديني الواسع، فيجب اأن يكون عاملاً<br />
باأمور الرشيعة الإسالمية واأن يكون متخرجاً من مدرسة دينية درس فيها جميع<br />
العلوم الإسالمية. وقد لقب املفتي بشيخ الإسالم احرتاماً له وملنصبه الديني الرفيع.<br />
وكان مفتي استنبول هو الذي يقوم بتعيني مفتني للوليات <strong>العثمانية</strong>، كما اأنه كان<br />
يعني القضاة احلنفيني يف الوليات. ويجب اأن نعلم اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كانت تسري<br />
على املذهب احلنفي؛ لذا فاإن شيخ الإسالم كان حنفياً ومركزه استنبول. اأما بقية<br />
الوليات فكان الشعب يختلف من ولية لأخرى، فبعض الوليات كانت شافعية اأو<br />
حنبلية اأو مالكية تتبع مذهباً يختلف عن مذهب اأبي حنيفة الذي هو مذهب <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>. لذا فاإن الولية التي ل تتبع املذهب احلنفي كان الوايل يف الولية يقوم<br />
بتعيني مفتي الولية حسب راأي قضاتها وشعبها فكان املفتي يف ولية ما شافعياً<br />
ويف اأخرى مالكياً اأو حنبلياً وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تعرتف به )48( .<br />
وكانت الفتوى التي يصدرها شيخ الإسالم ملزمة لكل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، حتى اأن<br />
الفتوى يجب اأن يلتزم بها السلطان نفسه، وكان يحق ملفتي استنبول اإصدار فتوى<br />
بعزل السلطان )49( اإذا خالف الرشيعة الإسالمية. ولكن نستطيع القول اأن املفتي<br />
كان يحرتم السلطان وكان السلطان يحرتم املفتي، ويوؤثر اأحياناً على املفتي كي<br />
يصدر فتوى لتطبيقها ولكن برشط اأن ل تخالف الرشيعة الإسالمية. وكان املفتي<br />
زمن سليمان القانوين هو الشيخ اأبو السعود. وقد ذكر املوؤرخ الفرنسي دي ساسون<br />
79<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
80<br />
الذي عاش يف اأواخر القرن الثامن عرش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأن العثمانيني التزموا<br />
التزاماً صارماً بكل ما اأوجبه القراآن، واأن <strong>الدولة</strong> كانت تسرتشد براأي علماء الإسالم،<br />
واأضاف اأن الوزارة <strong>العثمانية</strong> كانت تلجاأ اإىل املفتي وتستشريه يف اأمور السلم واحلرب<br />
ولوضع قانون سياسي اأو نظام عسكري اأو القصاص من وزير اأو قائد عام )50( .<br />
فكان شيخ الإسالم هو مرجع السلطنة يف الأمور الرشعية واملدنية على حد سواء،<br />
وكان يتمتع مبرتبة تسمو على مرتبة الوزراء )51( . وذكر حممد جميل بيهم يف كتابه<br />
»العرب والرتك«: اإن التزام الأتراك العثمانيني بالإسالم كان من الرصامة بحيث اأن<br />
مفتي الإسالم يف زمن السلطان سليم الثالث 1229ه 1807م اأفتى بخلع السلطان<br />
عن عرش السلطنة لأنه »اأدخل على <strong>الدولة</strong> بعض اأنظمة الفرجنة املنافية لالإسالم«،<br />
ومت خلع السلطان سليم الثالث عن عرش السلطنة فعالً مبوجب تلك الفتوى )52( .<br />
2.2القاضي:<br />
كانت رتبة القاضي تاأتي يف املرتبة الثانية بعد شيخ الإسالم. ويف بداية قيام<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عني السالطني العثمانيون القضاة يف املناطق املفتوحة وذلك<br />
لتطبيق الرشيعة الإسالمية. فكان يسري مع اجليش يف الفتوحات قاضي العسكر<br />
ويدعى قاضي عسكر الأناضول، وعندما اتسعت الفتوحات <strong>العثمانية</strong>، مت تعيني قاضٍ<br />
اآخر هو قاضي عسكر الروملي. هذا بالإضافة اإىل قاضي استنبول. وكان مذهب<br />
القاضي هو املذهب احلنفي لأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على املذهب احلنفي.<br />
»وحسب تنظيمات القضاء التي اأجريت يف القرن الثامن عرش اعترب قاضيا<br />
العسكر وقاضي استنبول يف مرتبة واحدة، يليهم قاضيا مكة يف مرتبة واحدة ثم<br />
قاضيا عاصمتي السلطنة السابقتني بروسة واأدرنة، ثم قاضيا مركزي اخلالفة<br />
الإسالمية دمشق والقاهرة« )53( ورمبا اأن القدس كان لها وضع خاص حيث كانت<br />
تتبع استنبول مبارشة.<br />
وكان يتم تعيني القضاة يف الوليات <strong>العثمانية</strong> الهامة من قبل شيخ الإسالم<br />
يف استنبول )54( ثم كان قاضي عسكر الأناضول هو املشوؤول عن تعيني قضاة<br />
يف الوليات الآسيوية وهوؤلء كانوا يسريون على املذهب احلنفي. وكان يتم تعيني<br />
القاضي ملدة سنة واحدة، قابلة للتجديد. والقاضي هو صاحب السلطة القضائية
أ. د. تيسري جباره<br />
العليا يف منطقته، فهو وحده الذي يقوم بالقضاء عند غياب املدعي العام يف القضايا<br />
املدنية واجلنائية وفقاً ملبادئ الرشيعة الإسالمية.<br />
وكان السلطان مراد الأول هو اأول من اأحدث منصب قاضي العسكر وكان على<br />
غرار مرصي مملوكي )55( . وكان هوؤلء القضاة )قاضي عسكر الأناضول وقاضي<br />
عسكر الروملي( يرشفان على الشوؤون العسكرية حتى اأنهما وصال اإىل الإرشاف على<br />
القانون املدين، واألّفا حمكمة الستئناف العليا.<br />
كان القاضي يقوم بالتحقيق لعقاب املذنب يف الولية وكان يساعده يف<br />
التحقيقات الصوباشي )قائد الرشطة( وحاكم الولية. وبالإضافة اإىل واجباتهم<br />
اليومية كان بعض القضاة يف الأناضول يجتمعون كل يوم اأربعاء يف جملس رئيس<br />
الوزراء )الصدر الأعظم( كي يستمعوا اإىل قرارات القضاة والشكاوى املتعلقة التي مل<br />
يتوصلوا فيها اإىل حلول، واأهم هوؤلء القضاة الذين كانوا يلتقون اأسبوعياً هم قضاة<br />
استنبول، واأيوب، وجالتا، واسكودار )56( .<br />
3.3نقيب األشراف:<br />
الأرشاف هم الذين يدعون بنسبهم اإىل احلسن واحلسني اأحفاد النبي حممد صلى<br />
اهلل عليه وسلم. وكان الأرشاف موزعني يف كل مكان من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ورئيسهم<br />
يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> يدعى نقيب الأرشاف. وقد تركزوا يف مكة واملدينة وحلب.<br />
واأول من اأسس هذا املنصب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هو السلطان بايزيد الثاين. والسلطان<br />
هو الذي يقوم بتعيني النقيب من بني كبار القضاة، وكانت ميزتهم اأنهم كانوا يضعون<br />
على روؤوسهم العمامة اخلرضاء )57( . وكان الذي يعني نقباء الأرشاف يف الوليات<br />
هو نقيب الأرشاف يف استنبول.<br />
لقد نظر الناس اإليهم نظرة احرتام وتقدير، وزاد احرتام الناس لهم عندما تصدوا<br />
اإىل اجليش النكشاري الذي اأخذ يتدخل يف اأمور الشعب. وكان تركيز اإقامتهم يف<br />
مدينة حلب.<br />
كان يطلق على الأرشاف لقباً اآخر هو »الأسياد« فيذكر اسم الرشيف مسبوقاً<br />
بكلمة سيد، ويف زمن قوة الأرشاف كانت تسلط الأضواء على رشيفني: اأحدهما يحمل<br />
علم السلطان ويسري به يف املواكب الرسمية والعسكرية وكان يتقدم على جميع ضباط<br />
81<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
82<br />
اجليش ويطلق عليه اأمري العلم، اأما الرشيف الآخر فكان رئيس الأرشاف ويطلق عليه<br />
نقيب الأرشاف وكان يحتل املكانة الثانية يف الهيئة الإٍسالمية للدولة <strong>العثمانية</strong>، اأما<br />
يف الحتفالت التي كانت تقام يف شهر رمضان فكان نقيب الأِرشاف يتقدم على<br />
مفتي الإسالم وكان يعني يف منصبه مدى احلياة. وكان السلطان هو الذي يصدر<br />
فرماناً بتعيني نقيب الأرشاف لهذا املنصب العايل ومقره استنبول )58( .
أ. د. تيسري جباره<br />
هوامش الفصل الثالث:<br />
1.1رافق: بالد الشام ومرص. ص 59.<br />
2.2رافق: املصدر نفسه. والصفحة نفسها.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 22.3.3<br />
4.4عبد العزيز الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ص 344.<br />
5.5الشناوي: املصدر نفسه. ص 345.<br />
6.6رافق: مصدر سابق. ص 43.<br />
7.7زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة. ص 24.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 23.8.8<br />
Ibid. P. 249.9<br />
1010رافق: مصدر سابق. ص 59.<br />
111بروكلمان: <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية. ص 472.<br />
1212حسن عثمان: منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي. ص – 173 178.<br />
P. 24. 13 13 Shaw: History of The Ottoman Empire. اأنظر اأيضاً زياد اأبو غنيمه:<br />
مصدر سابق. ص 145.<br />
1414رافق: مصدر سابق. ص 63.<br />
1515بروكلمان: مصدر سابق. ص 473.<br />
1616زياد اأبو غنيمه: مصدر سابق. ص 26.<br />
1717رافق: مصدر سابق. ص 64.<br />
1818رافق: املصدر نفسه. ص 64.<br />
83<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
84<br />
1919رافق: املصدر نفسه. ص 65.<br />
2020رافق: املصدر نفسه. ص 65.<br />
Cook: A History of The Ottoman Empire p. 136.2121<br />
Ibid. P. 136.222<br />
2323بروكلمان: <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية. ص 476.<br />
2424رافق: بالد الشام ومرص. ص 66.<br />
2525جالل يحيى: العامل العربي احلديث. املدخل. ص 51- 52.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 119.2626<br />
2727رافق: مصدر سابق. ص 67.<br />
2828رافق: املصدر نفسه، ص 69.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 25.2929<br />
3030جالل يحيى: مصدر سابق. املدخل. ص 48.<br />
3131بروكلمان: مصدر سابق. ص 458.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 26.3232<br />
333رافق: مصدر سابق. ص 70. ذكر بروكلمان اأن الرباءة كان يصدرها الصدر الأعظم<br />
بينما ذكر رافق اأن الرباءة يصدرها السلطان.<br />
3434رافق: املصدر نفسه. ص 71.<br />
3535بروكلمان: مصدر سابق. ص 462.<br />
3636اأنظر يف الصفحات السابقة حتت عنوان اجليش النكشاري زمن اأورخان.<br />
3737رافق: مصدر سابق. ص74.<br />
3838بروكلمان: مصدر سابق. ص 466.
أ. د. تيسري جباره<br />
3939رافق: مصدر سابق. ص 76.<br />
4040بروكلمان: مصدر سابق. ص 463.<br />
4141بروكلمان: املصدر نفسه. ص 468.<br />
4242عبد العزيز حممد الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ج 1 ص<br />
.51<br />
4343الشناوي: املصدر نفسه. ص 52.<br />
444رافق: مصدر سابق. ص 79. جيش القابي قول هو اجليش الذي بعثه السلطان<br />
ليحل حمل الريليه.<br />
4545بروكلمان: مصدر سابق. ص 74. ذكر رافق اأن اأسطول البندقية كان فيه بحارة<br />
من اأصل رشقي من سواحل اآسيا الصغرى. اأنظر كتابه بالد الشام ومرص. ص79.<br />
4646بروكلمان: املصدر نفسه. ص 471.<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 133.4747<br />
Ibid. P. 138.4848<br />
4949رافق: بالد الشام ومرص. ص 83.<br />
5050زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة. ص 27.<br />
5151زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص 28.<br />
5252زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه. ص – 28 29.<br />
5353رافق: مصدر سابق. ص 84.<br />
5454كما حصل عندما قام شيخ الإسالم اأبو السعود بتعيني املفتني وقاضي العسكر<br />
وجميع القضاة.<br />
555بروكلمان: مصدر سابق. ص 478.<br />
85<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
86<br />
Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 136.5656<br />
5757رافق: مصدر سابق. ص85.<br />
5858عبد العزيز الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ص 440.
الفصل الرابع<br />
حممد الفاتح وفتح القسطنطينية وسالطني آخرون<br />
لعبوا دوراً مهماً يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماني
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل الرابع<br />
حممد الفاتح وفتح القسطنطينية<br />
وسالطني آخرون لعبوا دوراً مهماً يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماني<br />
ولد السلطان حممد الفاحت ب<strong>تاريخ</strong> 1432/3/30م، وهو سابع سالطني <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، كان والده مراد الثاين قد علمه مقاليد احلكم وهو يف الرابعة عرشة من<br />
عمره، وليس صحيحاً ما ذكرته بعض الكتب التي مل تعتمد على املصادر ال<strong>تاريخ</strong>ية،<br />
من اأن اأم السلطان حممد الفاحت مسيحية، اسمها مارا بنت ملك الرصب، والصحيح اأن<br />
اأمه هي خديجة خاتون، حفيدة الأمري اسفنديار اأمري مناطق سينوب وقسطموين )1( .<br />
اهتم به والده، فعني له معلماً هو الشيخ شمس الدين، كي يعلمه الدين الإسالمي،<br />
كما عني له فرساناً كي يدربوه على الفروسية، وعينه حاكماً على مقاطعة اأماسيا،<br />
ثم مانيسا، وعني بجانبه العلماء والقادة كي يقوموا باأعباء هذه املشوؤولية، وعندما<br />
كان حممد الفاحت يف الرابعة عرشة من عمره، تقلد اأمور السلطة عام 1444م، لأن<br />
والده مراد الثاين تدهورت صحته بسبب املعارك مع البيزنطيني، وبسبب وفاة ابنه<br />
عالء الدين.<br />
تشجع القائد املجري هونياد )هنيدي( على مهاجمة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لأن الشبل<br />
حممد الفاحت، كان قد تسلم اأمور السلطنة، ثم رجع السلطان مراد اإىل اأدرنة بسبب<br />
العتداءات البيزنطية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1445م، وبقي يف احلكم حتى مات<br />
عام 1451م، ثم استلم حممد الفاحت مقاليد احلكم من جديد.<br />
ليس صحيحاً ما ذكرته كتب املسترشقني، من اأن السلطان حممد الفاحت قتل<br />
اأخاه اأحمد خوفاً من منافسته يف احلكم، والصحيح اأن اأحمد كان طفالً تقوم بعض<br />
النساء بحمايته، وعندما كانت تقوم بغسله، غرق يف املاء، ومل تنتبه له من كانت<br />
ترعاه.<br />
89<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
90<br />
اإلجراءات اليت اختذت لفتح القسطنطينية:<br />
القسطنطينية من اأقدم املدن واأعرقها يف اأوروبا، بنيت عام 660 ق. م، بناها<br />
اليونانيون، واأطلقوا عليها بيزنطة، نسبة اإىل القائد اليوناين بيزانس، ويف عام 330م،<br />
اأعلن الإمرباطور الروماين قسطنطني الكبري، نقل عاصمة الإمرباطورية من روما اإىل<br />
بيزنطة واأطلق عليها روما اجلديدة، ثم اأطلق عليها لقب كونستنتينوبل، وهي كلمة<br />
مركبة من مقطعني، الأول هو اسم قسطنطني، والثاين كلمة بول، ومعناها املدينة،<br />
فاأصبح السم اجلديد لبيزنطة )مدينة قسطنطني اأو كونسنتتيبل( ، وقد بنى قسطنطني<br />
كنيسة ضخمة، ولكن دمر جزء منها بسبب حريق عام 537م، فقام جوستنيان<br />
برتميمها وبناء قبتها على اأحسن طراز، وتعترب قبتها من اأغرب قباب عرصها،<br />
وسميت الكنيسة باسم كنيسة القديسة صوفيا اأو اأياصوفيا، وتعرضت الكنيسة اإىل<br />
تصدعات كثرية بسبب الزلزال، فاأعيد ترميمها عدة مرات.<br />
اإن موقع القسطنطينية اسرتاتيجي عسكري، فهي نقطة التقاء قارة اآسيا مع قارة<br />
اأوروبا، وموقعها يتحكم يف البحر الأسود، والبحر الأبيض املتوسط، وحتتضنها بحار<br />
ثالثة هي القرن الذهبي )اخلليج( ، الذي يشبه قرن الوعل، والبوسفور، وهو املضيق<br />
الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض املتوسط عن طريق بحر مرمرة، ومضيق<br />
الدردنيل، ويفصل القرن الذهبي املدينة القدمية عن املدينة اجلديدة، كما يفصل<br />
البوسفور اجلزء الأوروبي عن اجلزء الآسيوي، اأضف اإىل موقعها السرتاتيجي، ووجود<br />
البحار واملضائق، تلك الأسوار املنيعة التي احتضنتها من الأعداء عرب العصور<br />
ال<strong>تاريخ</strong>ية، واأهميتها تكمن يف اأنها عاصمة العامل الأرثوذكسي، وفيها الكنيسة<br />
الرشقية.<br />
كان الشيخ اآق شمس الدين يقضي الساعات الطويلة يناقش السلطان حممد الفاحت<br />
حول رضورة فتح القسطنطينية، وكيفية ذلك )2( ، وقد ذكر له حديث رشيف وهو:<br />
»لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمري اأمريها، ولنعم اجليش ذلك اجليش« )3( ، وكان<br />
السلطان يدرس دوماً خارطة القسطنطينية، كي يعرف نقاط الضعف والقوة يف السور<br />
لالستفادة من وضع خطة للهجوم عليها، وقد درس حماولت قادة اجليوش الإسالمية<br />
عرب العصور عندما حورصت القسطنطينية عدة مرات من قبل هوؤلء القادة املسلمني
أ. د. تيسري جباره<br />
منذ زمن اخلليفة علي بن اأبي طالب، حتى زمن سالطني اآل عثمان، وقد اتبع الفاحت<br />
الرسية املطلقة يف عملية التخطيط لفتح القسطنطينية، ومل يقل لأحد اإل للقادة الذين<br />
يثق بهم، ثم اتبع سياسة املصاحلة مع جريانه املسيحيني، مثل اإمرباطور طرابزون<br />
الكاثوليكي، وملك الرصب وغريهم، وذلك كي ل يساعدوا الإمرباطور البيزنطي عندما<br />
يقرر حممد الفاحت الهجوم على القسطنطينية، وقد فرح هوؤلء اأصالً بالصلح، لأنهم<br />
كانوا يف اأمس احلاجة اإىل عدم هجوم حممد الفاحت عليهم، فتسابقوا لتلبية نداء<br />
السلطان بعقد معاهدات الصلح معه، اأما بالنسبة لالإمرباطور البيزنطي قسطنطني،<br />
فقد استغل فرصة انشغال حممد الفاحت باحلروب ضد اأمراء السالجقة يف الأناضول،<br />
وبعث للسلطان حممد الفاحت يهدده بالالجئ السياسي العثماين اأورخان، كما طلب منه<br />
زيادة دفع املال للقسطنطينية كي يبقى اأورخان ساكتاً عن مطالبته باأمور السلطنة،<br />
وقد رفض السلطان حممد الفاحت طلب الإمرباطور قسطنطني، وكان هذا التهديد سبباً<br />
رئيسياً دفع حممد الفاحت اإىل اتخاذ قرار بالتعجيل يف فتح القسطنطينية.<br />
قام السلطان حممد الفاحت ببناء قلعة على الرب الأوروبي، بالقرب من مضيق<br />
البوسفور اسمها قلعة رومللي حصار، اأي قلعة الروم، وقد شارك بنفسه مع العمال<br />
يف بنائها، القصد من البناء هو رضب القسطنطينية باملدافع الثقيلة من القلعة، وقد<br />
اتخذها مركزاً لقيادته، وكذلك كي ل تستطيع اجليوش املسيحية من الوصول اإىل<br />
القسطنطينية اأثناء احلصار، وهكذا حتكم العثمانيون يف مضيق البوسفور متاماً.<br />
راأى قسطنطني املدافع <strong>العثمانية</strong> مصوبة جتاه القسطنطينية، فحاول جاهداً اأن<br />
يستعمل عدة طرق لفك احلصار. اأرسل رسالة اإىل السلطان حممد الفاحت نفسه اأبدى<br />
فيها اأنه مستعد لدفع اجلزية مقابل فك احلصار، ولكن السلطان رفض ذلك. عندئذ<br />
اتصل قسطنطني بامللوك الأوروبيني للمساعدة، ومنهم من اأراد قسطنطني مصاهرته،<br />
ولكنه فشل اأيضاً، واتبع اآخر سهم له وهو التصال بالبابا كي يساعده، واستعد<br />
قسطنطني للموافقة على توحيد الكنيستني حتت زعامة البابا، مقابل مساعدة البابا<br />
له، ويف الرسالة نبه قسطنطني البابا اإىل اأنه اإذا سقطت القسطنطينية، فستكون روما<br />
اأيضاً الهدف الثاين للسلطان حممد الفاحت )4( ، واحلقيقة اأن الشعب يف القسطنطينية<br />
مل يكن راضياً عن ترصفات اإمرباطورهم قسطنطني، بوحدة الكنيستني الأرثوذكسية<br />
)القسطنطينية( والكاثولوكية )روما(، حتى اأن الدوق الأكرب ناتوراس دوق القسطنطينية<br />
91<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
92<br />
قال: »اإنني اأفضل عمامة املسلم البيضاء، على قبعة الكاردينال الكاثوليكي احلمراء«<br />
)5( ، اأضف اإىل ذلك اأن الشعب مل يرق له اخلضوع للبابا، ويف تلك الفرتة كان اأحد<br />
املجريني وهو اأوربان قد صنع مدفعاً بعيد املدى، تبلغ وزن طلقة املدفع 12 قنطاراً،<br />
وقد عرض هذا الخرتاع على الأوروبيني فرفضوه، وعرضه على حممد الفاحت فرحب<br />
به، وضع اأوربان مدفعاً يف اأدرنة، ونقله اإىل قرب سور القسطنطينية )6( ، ويف اأثناء<br />
احلصار اأعلن اآق شمس الدين اأنه اكتشف قرب اأبو اأيوب الأنصاري، خالد بن زيد، الذي<br />
استشهد حني حصار القسطنطينية عام 49 ه، يف خالفة معاوية بن اأبي سفيان،<br />
وبعد الفتح بنى له جامعاً، مسجداً ضخماً عام 1458م، وجرت العادة بعد ذلك اأن<br />
يتقلد كل سلطان سيف عثمان يف داخل هذا اجلامع يف احتفال وتتويج مهيب )7( .<br />
وصلت جموع املسلمني اإىل اأسوار القسطنطينية بقيادة حممد الفاحت ب<strong>تاريخ</strong><br />
1453/4/5م وكان عدد اجليش العثماين حوايل 150,000 جندي، اأما عدد اجليش<br />
املدافع عن القسطنطينية فبلغ حوايل 50,000 جندي، وقد وصل متطوعون مسيحيون<br />
من خمتلف الدول املسيحية للدفاع عن القسطنطينية، بالإضافة اإىل النجدة البابوية<br />
املكونة من ثالثني سفينة حربية، وبضع املئات من املتحمسني للدفاع عن الكنيسة<br />
الأرثوذكسية.<br />
كان يف مقدمة اجليش الإسالمي مع السلطان حممد الفاحت شيوخ املسلمني، مثل<br />
الشيخ اآق شمس الدين، والشيخ القوراين، والشيخ خرسوي، وكانوا يهللون ويكربون<br />
ويذكرون للناس حيّ على اجلهاد، وقسّ م السلطان جيشه اإىل ميمنة وعلى راأسها اإسحق<br />
باشا، وميرسة وعلى راأسها دابي كراجا باشا، اأما القلب فكان فيه السلطان نفسه،<br />
والوزير الأعظم جندريل خليل باشا، والوزير ساروجه باشا، واأرشف على املرتفعات<br />
اجلبلية القائد زاغنوس باشا.<br />
حارص العثمانيون القسطنطينية 48 يوماً، وكانت املدافع طوال تلك الفرتة<br />
تقصف القسطنطينية، اإىل اأن جاءت السفن البابوية الثالثني، واخرتقت احلصار<br />
الإسالمي، ووصلت القسطنطينية، فبعثت الأمل يف نفوس املحارصين، اإل اأن السفن<br />
الإسالمية استطاعت يف املعركة النتصار على السفن البيزنطية، ثم تقدمت املدافع<br />
الإسالمية نحو السور، وبنى حممد الفاحت اأبراجاً متحركة اأعلى من سور القسطنطينية،<br />
كان يقصف منها الأبراج البيزنطية.
أ. د. تيسري جباره<br />
بداأت الدول الأوروبية تتحرك للدفاع عن القسطنطينية، ومساعدة الإمرباطور<br />
قسطنطني، فاأعلن هونياد قائد املجر احلرب على السلطان حممد الفاحت، رغم وجود<br />
معاهدة صلح بينهما، واأعلن السلطان حممد الفاحت برضورة عقد جملس شورى حربي<br />
اإسالمي، واستشار السلطان هذا املجلس، هل يكمل احلرب؟ اأم يختار النسحاب وفك<br />
احلصار بسبب كرثة النجدات الأوروبية؟ لكن املجلس قرر تكملة احلرب، واستمر<br />
املسلمون يف قصف القسطنطينية، ثم اندفع املسلمون نحو السور باأكرث من األفي سلم<br />
خشبي، كانت توضع قرب السور، وتوضع على راأسها املشابك على السور، ويصعد<br />
اجلنود املسلمون عليها، ولكن البيزنطيني صدوا املسلمني، وحطموا اأكرث السالمل، لذلك<br />
اأمر السلطان حممد الفاحت يف 1453/5/29م، بوقف اإرسال السالمل، وفتح ثغرات يف<br />
السور لالندفاع منها لداخل املدينة، وقد اندفع الرتكي حسن اأولو باديل مع ثالثني<br />
جماهداً، وفتحوا ثغرة يف السور دخلوها اإىل املدينة، ولكن املدافعني عن املدينة رموا<br />
حسن وجماعته بالسهام، والزيت املقلي، فاستشهد حسن وجماعته، ثم دخل القائد<br />
املسلم قراجا بك من ثغر اآخر يف السور، ودخل السلطان حممد الفاحت من ثغر ثالث<br />
يف باب املدفع، وهكذا تدفق املسلمون داخل القسطنطينية، واستطاع اأحد اجلنود<br />
املسلمني قتل الإمرباطور قسطنطني، وبداأ اجلنود بالتهليل والتكبري من فوق الأسوار،<br />
وبداأ املوؤذن يقول اهلل اأكرب، ثم اندفع املسلمون اإىل داخل املدينة، حتى وصلوا كنيسة<br />
اأياصوفيا، التي امتالأت بالناس واجلنود البيزنطيني، طالبني حمايتهم، لأن املسلمني<br />
يحرتمون الأماكن الدينية املسيحية، وليس صحيحاً ما يدعيه الأجانب اأن السلطان<br />
حممد الفاحت اأباح القسطنطينية مدة ثالثة اأيام للجنود املسلمني من نهب وسلب<br />
واعتداء على الرشف وغري ذلك من الأعمال املناقضة لالإسالم، وقصد املوؤرخون<br />
الأجانب من ذلك تشويه سمعة السلطان حممد الفاحت.<br />
دخل السلطان حممد الفاحت كنيسة اأياصوفيا، واأعلن اأنه يحق لكل هارب اأن<br />
يرجع اإىل القسطنطينية خالل 20 يوماً، وسمح بدفن الإمرباطور املقتول، حسب<br />
تقاليد طقوس الديانة النرصانية، ثم قام حممد الفاحت لصالة الظهر، فصلى يف كنيسة<br />
اأياصوفيا )8( ، وحتولت اإىل مسجد اسمه مسجد اأياصوفيا، واحلقيقة اأن السلطان حممد<br />
الفاحت عامل املسيحيني معاملة حسنة مل يكن يتوقعها املسيحيون يف القسطنطينية.<br />
93<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
94<br />
اأما ردود الفعل الإسالمية بعد الفتح، فقد بعث السلطان حممد الفاحت خرباً اإىل<br />
املمالك الإسالمية يزف لهم البرشى بنباأ الفتح، ووصلت البشائر اإىل مرص واحلجاز<br />
وبالد فارس والهند، فاستقبل املسلمون يف هذه الأماكن البشارة بالفرح والرسور،<br />
وبعث الفاحت رسائل اإىل زعماء العامل الإسالمي يخربهم عن هذا الفتح املبني، ففي<br />
رسالة اإىل سلطان الرشاكسة املماليك يف مرص اإينال شاه، قال فيها: »اإن من اأحسن<br />
سنن اأسالفنا اأنهم جماهدون يف سبيل اهلل، ول يخافون فيه لومة لئم، ونحن على<br />
تلك السنة قائمون، وعلى تلك الأمنية دائمون، متمثلني بقوله تعاىل: »قاتلوا الذين<br />
ل يوؤمنون باهلل«، ومستمسكني بقوله عليه السالم »من اغربت قدماه يف سبيل اهلل،<br />
حرمه اهلل على النار«، ولهذا فقد هممنا هذا العام معتصمني بحبل اهلل ذي اجلالل<br />
والإكرام، متمسكني بفضل امللك العالم اإىل اأداء فرض الغزاء )من الغزو( الذي فرضه<br />
علينا الإسالم، موؤمترين باأمره تعاىل »قاتلوا الذين يلونكم من الكفار« وجهزنا عساكر<br />
الغزاة املجاهدين من الرب والبحر لفتح مدينة ملئت فجوراً وكفراً، والتي بقيت وسط<br />
املمالك الإسالمية تباهي بكفرها فخراً« )9( . ثم بعث السلطان حممد الفاحت وفداً<br />
عثمانياً معه بعض الهدايا واأسريان من عظماء الروم اإىل القاهرة، كي يرى املسلمون<br />
يف مرص الوفد املنترص على الأعداء.<br />
ردود الفعل يف العامل املسيحي بعد الفتح اإلسالمي<br />
للقسطنطينية:<br />
كانت ردود الفعل يف العامل املسيحي متضاربة، وذات اأهواء خمتلفة، وتفسريات<br />
متباينة لسقوط القسطنطينية، فقال البعض:<br />
1.1كان سقوط القسطنطينية بسبب كرثة املسلمني.<br />
2.2وقال البعض الآخر، اإن سقوط القسطنطينية كان بسبب نسيان بعض حاميات<br />
القسطنطينية اأحد الأبواب مفتوحاً فدخل منه املسلمون.<br />
3.3وقال البعض الآخر، اإن سقوط القسطنطينية كان بسبب التفكك املسيحي،<br />
وعدم وحدة الكنيسة الرشقية والغربية، علماً باأن الإمرباطور يف القسطنطينية استعد<br />
لقبول الوحدة مع الكنسية الغربية، حتى اأنه ركع اأمام املندوب البابوي اإيزيدور عام
أ. د. تيسري جباره<br />
1452م، ولكنه األغى معارضته من قبل بطريرك القسطنطينية غريغوريوس ماماس<br />
وكذلك لوقاس النوطاري، وبعد سقوط القسطنطينية بداأ العامل املسيحي الكاثوليكي<br />
يشعر باخلوف نتيجة املدّ الإسالمي الذي اأخذ يدق اأبواب العامل الكاثوليكي، وخاصة<br />
بعد هذا النرص الذي اأحرزه حممد الفاحت، ثم اأخذ السلطان الفاحت يعامل العامل<br />
الأرثوذكسي معاملة حسنة، وشعروا بذلك، وهذا زاد من شقة اخلالف بني الكنيستني<br />
الرشقية والغربية.<br />
ثم قام البابا نيقول اخلامس بتشجيع املسيحيني على رضورة اإرسال حملة<br />
صليبية ضد العثمانيني املسلمني، وقد لقى نداء البابا قبولً لدى الأمري فيليب<br />
دوق بورجونديا، وطلب من ملوك الغرب وحثهم على جتهيز حملة صليبية، ولكن<br />
هذا احلماس املسيحي خف بعد وفاة البابا نيقول اخلامس، وتبعه البابا بيوس<br />
الثاين، الذي لحظ اأن حماس العامل املسيحي قد اأصبح يتالشى، ثم بعث البابا بيوس<br />
اخلامس برسالة اإىل السلطان حممد الفاحت يدعوه فيها اإىل اعتناق النرصانية، ويعده<br />
باأنه سيكفر عنه خطاياه اإذا ما استجاب لدعوته، وتعهد مبنحه صك غفران، يضمن له<br />
مكاناً يف اجلنة، فكان جواب حممد الفاحت التهكم على البابا.<br />
لقد لبى ملك املجر لدي سالس نداء البابا لقتال العثمانيني، فقام بتجهيز<br />
جيش جمري، وعني على قيادته القائد )هونياد( ، وانضم اإليهم ملك الرصب جورج<br />
برونكوفينش، الذي اأراد النتقام من العثمانيني بسبب سيطرتهم على اأهم مدينتني<br />
من بالد الرصب، هما سمندريا واأوسرتونيجا.<br />
جنح هذا احللف يف التغلب على احلامية <strong>العثمانية</strong> التي كانت بقيادة فريوز<br />
بك، اإل اأن السلطان حممد الفاحت سار للقاء هذا احللف الصليبي، ومتكن من هزميته،<br />
فهرب هونياد اإىل بالد املجر، واأخضع كذلك ملك الرصب، ودفع هذا جزية للمسلمني،<br />
كدللة على خضوعه للعثمانيني، كما استطاع حممد الفاحت السيطرة على التحالف<br />
الألباين – الإيطايل يف معركة بريات، وبعد هذا النجاح الذي اأحرزه السلطان حممد<br />
الفاحت ضد التحالف املجري الرصبي، والتحالف الألباين الإيطايل، قرر قتال فرسان<br />
القديس يوحنا يف جزيرة رودس، فبعث القائد يونس باشا الذي استطاع السيطرة<br />
على اجلزيرة، وعلى اجلزر املحيطة التي كانت حتوي كثرياً من فرسان اأملانيا وفرنسا<br />
واإيطاليا، وكانوا يعيقون التجارة <strong>العثمانية</strong>.<br />
95<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
96<br />
ذكرنا اأن السلطان حممد الفاحت متكن من النتصار على هونياد، ولكنه مل يقضِ<br />
عليه، لذلك قرر السلطان اأن يسري بنفسه على راأس جيش، من 150,000 جندي<br />
عثماين، و200 باخرة، وسار هذا اجليش حلصار بلغراد، فخاف املسيحيون يف اأوروبا<br />
اأن تسقط بلغراد، كما سقطت القسطنطينية، فنادى البابا املسيحيني طالباً النجدة<br />
والدفاع عن بلغراد، فوصلت املدينة فرقة اأوروبية صليبية مكونة من األف جندي،<br />
قبل وصول السلطان الفاحت اإليها، وحارص بلغراد ب<strong>تاريخ</strong> 1456/6/13م، وهذه هي<br />
املحاولة الثانية <strong>العثمانية</strong> حلصار املدينة، واستطاع السلطان حممد الفاحت دخول<br />
بلغراد ب<strong>تاريخ</strong> 1456/7/20م، ولكن احللف الصليبي اجلديد استطاع اأن يجرب الفاحت<br />
على تركها، ولكن بعد اأن قتل هونياد وجيوفاين، وجرح السلطان حممد الفاحت )10( .<br />
وبعد عامني تويف ملك بالد الرصب الأرثوذوكسي عام 1458م وحصل هناك<br />
نزاع على العرش وطلب اأحد ورثته املساعدة من ملك املجر الكاثوليكي، فغضب الشعب<br />
الأرثوذوكسي وطلبوا من السلطان حممد الفاحت مساعدتهم واستغل الفاحت الفرصة<br />
واأرسل الصدر الأعظم حممود باشا الذي متكن من بسط السيطرة على كل بالد الرصب<br />
وجعلها اإحدى وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، واأما بالد اليونان وعاصمتها اأثينا فحصلت<br />
فيها قصة مشابهة حيث كان يحكم اأثينا كاثوليكي اإيطايل ومل يعجبهم ذلك فطلبوا<br />
من السلطان الفاحت اأن يخلصهم من احلكم الكاثوليكي، فذهب حممد الفاحت بنفسه اإىل<br />
اأثينا ودخلها عام 1458م وهكذا بقيت بالد اليونان حتت احلكم العثماين مدة 371<br />
عاماً اإىل اأن استقلت ب<strong>تاريخ</strong> 1829م.<br />
بعد هذه النتصارات احلاسمة للسلطان الفاحت يف بالد املجر والرصب واألبانيا<br />
واليونان كرس الفاحت اهتمامه لتصفية اجليوب املسيحية يف الأناضول واأهمها دولة<br />
طرابزون على البحر الأسود التي اأصبحت ملجاأ للهاربني من سكان القسطنطينية،<br />
وكانت اأيضاً الأمل الباقي للصليبيني ونقطة انطالق اإىل الرشق الإسالمي. وكان<br />
يساعد ملك دولة طرابزون العميل حسن الطويل اأحد اأحفاد بهاء الدين الذي تعاون<br />
مع تيمورلنك ضد املسلمني العثمانيني. فقد حصل نسب ومصاهرة بني العميل وبني<br />
ملك طرابزون املسيحي واأخذ العميل يف عقد املعاهدات الرسية مع جنوة والبندقية<br />
واملناطق املسيحية ضد العثمانيني حتى اأنه استطاع اأن يحتل قلعة قرة حصار من<br />
اأيدي العثمانيني، عندئذ قرر السلطان حممد الفاحت اأن يهاجم حسن الطويل ويقضي
أ. د. تيسري جباره<br />
عليه وقد جنح السلطان فعالً واأجرب العميل على اخلضوع. وهكذا تفرغ حممد الفاحت<br />
لرضب مملكة طرابزون، وتوجه حممد الفاحت بنفسه ودخل دولة طرابزون )11( عام<br />
1462م وعندما سمع العامل الأوروبي املسيحي بسقوط اآخر معقل لهم من املمالك<br />
املسيحية يف الأناضول اأصابتهم الدهشة والذهول.<br />
بعد انتصاراته يف الأناضول قرر الفاحت اأن يتوجه اإىل بالد الأفالق )رومانيا(<br />
لأن حاكمها دراكول الشيطان استغل فرصة وجود الفاحت مشغولً يف حروبه مع<br />
دولة طرابزون فاأخذ يهاجم بعض املواقع <strong>العثمانية</strong> القريبة من رومانيا. وكان<br />
يساعد الشيطان يف هجومه على املمالك <strong>العثمانية</strong> ملك املجر اجلديد وهو ماثيوس<br />
بن هونياد اأو هنيدي. وملا علم الشيطان اأن السلطان الفاحت متوجه اإىل حربه اأخذ<br />
يتوسل اإىل الفاحت بحمايته من ملك املجر وقد انطلت هذه احليلة على الفاحت فبعث<br />
قوة عثمانية ملساعدة دراكول الشيطان ضد ملك املجر بقيادة حمزة بك. وعندما<br />
وصلت هذه القوة <strong>العثمانية</strong> رومانيا استقبلها الشيطان استقبالً حافالً ولكن اأثناء<br />
الليل اأقام لهم خوازيق ونصبهم عليها كان اأكربها للقائد حمزة. وعلم الفاحت بهذه<br />
احليلة فقرر الهجوم على الشيطان لالنتقام منه وكان الفاحت على راأس جيش عثماين<br />
يقدر تعداده ب 150,000 جندي، وصل الفاحت اإىل معسكر الشيطان وقد راعه ما شاهد<br />
من منظر 20,000 خازوق عليها الأطفال والشيوخ واأجساد اآلف الرجال املسلمني<br />
واملسيحيني.<br />
وقد التقى الفاحت بالشيطان يف معركة حاسمة فهرب الشيطان ملتجاأً اإىل ملك<br />
املجر الذي سجنه 15 عاماً، ولكن هرب الشيطان بعدها ثم قتل، ثم ضم الفاحت بالد<br />
الأفالق )رومانيا( حلظرية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد النتصار على الشيطان.<br />
وتابع الفاحت انتصاراته وفتوحاته، ثم قام مبراسلة ملك بالد البوسنة حيث<br />
دعاه اإىل الستسالم، لكنه رفض، بل ذهب اإىل اأبعد من ذلك حيث قتل الوفد املسلم<br />
الذي بعثه الفاحت لبالد البوسنة، عندئذ قرر حممد الفاحت الهجوم على بالد البوسنة،<br />
وبعد معارك طاحنة التجاأ ملك البوسنة اإىل قلعة حصينة لكن الفاحت متكن من القبض<br />
عليه، ثم اأصدر الشيخ البسطامي فتوى تنص على اإعدام ملك بالد البوسنة لأنه قتل<br />
الوفد املسلم سابقاً. اأما ابن ملك البوسنة فقد اأعلن اإسالمه واأصبح من رجالت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> املخلصني. ومما يجدر ذكره اأن الفاحت كان قد تعرض اأثناء حربه مع ملك<br />
97<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
98<br />
بالد البوسنة اإىل مواجهة حلف صليبي برعاية البابا، وقد ضم هذا احللف جيوش<br />
املجر والبندقية، لكن الفاحت استطاع اأن يقضي على هذا احللف الصليبي.<br />
القسطنطينية ومسجد حممد الفاتح )12( :<br />
بعد هذه النتصارات يف اجلبهة الأوروبية، تفرغ السلطان حممد الفاحت لنقل<br />
املسلمني من الأناضول اإىل القسطنطينية لأنه اتخذها عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong>، وقد<br />
اأمر الفاحت اأهايل قونية الأغنياء والفقراء على حد سواء بالسكن يف العاصمة اجلديدة<br />
– القسطنطينية.<br />
تفرغ السلطان الفاحت لبناء مسجد يحمل اسمه »مسجد الفاحت« يف القسطنطينية<br />
وكان قصده اأن يصبغ املدينة بالصبغة الإسالمية. وقد استغرق بناء جامع حممد<br />
الفاحت سبع سنوات وعرشة اأشهر، اأي من شباط عام 1463م حتى كانون الأول عام<br />
1471م. وقد اأرشف على هندسة املسجد الرتكي املسلم عاتك سنان، وكان العمال<br />
جميعهم من املسلمني. كما بنى السلطان الفاحت ثماين مدارس حول املسجد لتدريس<br />
خمتلف العلوم الرشعية والأدبية، وبنى بالقرب من اجلامع مستشفى يدعى »دار<br />
الشفاء« وكان يحوي 70 رسيراً.<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية:<br />
يف عام 1471م ساءت العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية تدريجياً بسبب حوادث<br />
حصلت، اأهمها العتداء اململوكي على منطقتي مرعش والبستان، وكان العثمانيون<br />
يعتربونهما ممالك عثمانية، وكان عليها احلاكم شهوار بك اأخو زوجة السلطان الفاحت.<br />
وقد اأعدم املماليك هذا الشخص يف باب زويله بالقاهرة وعينوا بدلً منه اأخاه شاه<br />
بوداك. وقد غضب السلطان الفاحت من هذا العمل، فزادت العالقات سوءاً وتوترت<br />
العالقات بينهما. وزاد التوتر عندما رفض السلطان اململوكي امللك الأرشف سيف<br />
الدين قاتيباي السماح للسلطان حممد الفاحت بناء حمطات اسرتاحة للعثمانيني<br />
احلجاج على الطريق املوؤدية اإىل مكة املكرمة واعتربها اإهانة له، وزادت العالقات<br />
سوءاً بعد وفاة السلطان حممد الفاحت عندما التجاأ جم اأخو بايزيد وهما اأبناء السلطان<br />
الفاحت ورحب املماليك بالالجئ السياسي جم، وهكذا تدهورت العالقات بالتدريج
أ. د. تيسري جباره<br />
اإىل اأن جاء السلطان سليم وحسم املوقف عسكرياً ومتكن من دخول دمشق والقاهرة<br />
والقضاء على دولة املماليك. واأصبحت كل بالد الشام ومرص اأجزاء من الديار<br />
<strong>العثمانية</strong> كما سرنى فيما بعد.<br />
استغل الصليبيون انشغال السلطان الفاحت باأمور داخلية وقرروا التحضري حلملة<br />
صليبية جديدة على القسطنطينية. وقد شجعهم على هذا العمل اأن العالقات اململوكية<br />
<strong>العثمانية</strong> ساءت كثرياً. وقد عزم البابا بول الثاين على مراسلة املماليك كي ينضموا<br />
اإىل صفوف الدول الأوروبية يف القضاء على العثمانيني، ولكن املماليك رفضوا خوفاً<br />
من نقمة اأهايل سوريا ومرص على السلطان اململوكي اإذا حتالف مع اأعداء الإسالم.<br />
اأما يف اجلبهة البيزنطية فتشكل حلف صليبي دعا له البابا، فتوجه اأسطول مكون<br />
من عدة سفن نحو القسطنطينية، حيث احتل الأسطول الصليبي مدن اأزمري واأنطاكيا<br />
وبعض املواقع الساحلية يف الأناضول وهي على الطريق املوؤدية اإىل القسطنطينية<br />
فدمر الصليبيون مساجد اأزمري وقتلوا اآلف املسلمني ووضعوهم على خوازيق نصبت<br />
لهم. وعندما سمع حاكم البغدان بهذا النتصار الصليبي قام بثورة على العثمانيني<br />
واأعلن عصيانه عن دفع اجلزية، وشجعه على ذلك حاكم موسكو الذي انضم اإىل احللف<br />
الصليبي.<br />
ذهب السلطان حممد الفاحت اإىل شمال البحر الأسود وجرت معركة بينه وبني<br />
حاكم البغدان انترص فيها الفاحت، وبعد انتصاره رجع اإىل استنبول ملجابهة احللف<br />
الصليبي. ثم تابع السلطان انتصاراته فهاجم األبانيا وحارص مدينة اأشكودار وهزم<br />
جيش البنادقة، وبعد معركة اأشكودار اأصبح السلطان على مرمى حجر من اإيطاليا بعد<br />
اأن انترص على األبانيا، واستمرت السيادة <strong>العثمانية</strong> على بالد الأرناوؤوط )األبانيا( اأكرث<br />
من 433 عاماً اأي منذ عام 1479م حتى اندلع احلرب البلقانية عام 1912م.<br />
الزحف العثماني إىل إيطاليا ورودس:<br />
وجد السلطان حممد الفاحت بعد انتصاره يف معظم املعارك، وبعد فتح<br />
القسطنطينية، اأن الفرصة مناسبة للزحف اإىل روما خاصة واأن الكنيسة الرشقية<br />
قد انتهت، وانتقل املركز الأرثوذكسي من القسطنطينية اإىل موسكو. فبداأ الفاحت يف<br />
التحضري وجتهيز اجليوش الإسالمية لقتال البابا، وقرر الفاحت دخول اإيطاليا عن<br />
99<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
100 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
طريق نابويل، وقد سار اجليش العثماين والأسطول حتى استطاع عام 1480م اأن<br />
يدخل ميناء اأوترانتو قرب نابويل. عندئذ شعر البابا اأن روما يف خطر عندما سقط هذا<br />
امليناء بيد اجليش الإسالمي، حتى اأن البابا فكر بالرحيل عن روما.<br />
وكان العثمانيون يسمون روما بالتفاحة احلمراء )13( . ويف الوقت الذي حقق<br />
العثمانيون نرصاً موؤزراً يف ميناء )اأوترانتو( خرسوا املعركة يف رودس مع فرسان<br />
القديس يوحنا. وقد استشهد من العثمانيني اأكرث من 15 األف جماهد يف رودس؛ وذلك<br />
بسبب خيانة القائد العثماين مسيح باشا الذي هو من اأصل بيزنطي. مل يصرب الفاحت<br />
ومل يتحمل اخلسارة التي حلقت بجيشه يف معركة رودس مع فرسان القديس يوحنا،<br />
لذا جهز جيشاً قوامه 300,000 جندي وسار به نحو جنوب تركيا؛ وذلك كي يصل<br />
اإىل رودس وينتقم من فرسان القديس يوحنا، ولكن اأجله كان قريباً حيث تويف وهو<br />
يف الطريق وذلك ب<strong>تاريخ</strong> 1481/5/3م وترك لولده بايزيد حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
املسلمة، ولكن بعد وفاته حصلت نزاعات بني اأبنائه بايزيد وجم، وقد فرحت اأوروبا<br />
النرصانية وبابا روما بوفاة السلطان الفاحت وخماصمة اأبنائه من بعده.<br />
السلطان بايزيد الثاني واألمري جم:<br />
تويف السلطان حممد الفاحت عام 1481م وترك ولدين هما: بايزيد الذي كان<br />
حاكماً زمن والده على مدينة اأماسيا، وجم الذي كان حاكماً على بالد القرمان وكان<br />
يقيم يف قونية. كان اجليش النكشاري قد اأيد بايزيد الثاين بينما اأيد الوزير الأعظم<br />
والأعيان جماً يف النزاع الذي جرى بينهما للوصول اإىل كرسي السلطنة. وحاول الوزير<br />
الأعظم اإخفاء نباأ وفاة السلطان الفاحت كي يستطيع تنصيب الأمري جم سلطاناً على<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ولكن النكشارية اكتشفوا اخلطة فقتلوا الوزير الأعظم وعينوا بايزيد<br />
سلطاناً )14( . وعينوا اإسحق باشا الصدر الأعظم، ولكن جماً نصّ ب نفسه سلطاناً يف<br />
بروسة – رغم اأنف بايزيد – وحاكماً على بالد الأناضول.<br />
استلم بايزيد مقاليد احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ولكن الأمري جم عارضه يف<br />
ذلك، بل طلب من اأخيه بايزيد اقتسام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بينهما حيث ياأخذ بايزيد<br />
بالد البلقان وياأخذ جم بالد الأناضول )اآسيا <strong>العثمانية</strong>( . ولأن بايزيد رفض هذه<br />
القسمة جرت بينهما معركة يف 1481/6/20م قرب مدينة يني شهر، انترص
أ. د. تيسري جباره<br />
فيها بايزيد وهرب جم اإىل قونية، ثم التجاأ اإىل املماليك يف القاهرة حيث السلطان<br />
قايتباي، وبعد اأن جهز جم جيشاً سار به للقاء اأخيه شمايل حلب قرب كيليكيا ب<strong>تاريخ</strong><br />
1482/5/19م. اإل اأن بايزيد علم بذلك وجهز جيشاً للقاء اأخيه فهرب جم اإىل جزيرة<br />
رودس حيث يوجد فرسان القديس يوحنا، ثم قام رئيس الرهبان يف رودس وسلم<br />
الأمري جم اإىل البابا عام 1468م فاأخذ الأخري يهدد السلطان العثماين بسلطنة جم،<br />
لذلك اضطر بايزيد دفع اأموال سنوياً اإىل البابا كي يبقى حمتفظاً بجم عنده. وبقي جم<br />
12 سنة يهدد حكم اأخيه بايزيد.<br />
قام امللك الفرنسي شارل الثامن بالهجوم على اإيطاليا يف 1495/1/27م<br />
وعندما وصل اإىل نابويل طلب من البابا تسليم جم له. وسلم البابا الأمري جم اإىل ملك<br />
فرنسا.<br />
ولكن البابا وضع السم يف طعام جم. وتويف جم قبل سفره اإىل فرنسا وذلك عام<br />
1495م ودفن يف بلدة جاييت قرب نابويل يف اإيطاليا )15( . وهناك روايات تقول<br />
اإن البابا وضع السم يف طعام جم لأنه رفض التنرص )16( . ورمبا كان هذا الراأي هو<br />
الأرجح، وبعد مدة اأرسل جثمانه اإىل القسطنطينية ثم اإىل مدينة بورصة حيث مقربة<br />
سالطني اآل عثمان ودفن هناك.<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية زمن السلطان بايزيد الثاني:<br />
كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية قد ساءت خاصة بعد جلوء الأمري جم<br />
اإىل السلطان اململوكي قايتباي يف القاهرة. وكادت احلرب تشتعل بني الدولتني<br />
املسلمتني، لكن باي تونس – الأمري عثمان احلفصي – اأرسل وفداً مكوناً من علي<br />
باشا اخلادم واملفتي علي العربي ليتوسطوا بالصلح بني قايتباي – حاكم مرص<br />
– وبايزيد – حاكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وملا كان اخلالف بني الدولتني املسلمتني<br />
على القالع الواقعة شمايل سوريا فقد اقرتح السلطان بايزيد جعل تلك املنطقة وقفاً<br />
اإسالمياً على احلرمني الرشيفني )17( . ويف رواية اأخرى اأن تقسم تلك املناطق خاصة<br />
عندما عقد املماليك اتفاقية الصلح مع العثمانيني عام 1491م )18( واتفقوا على<br />
اأن تكون املمتلكات جنوب كيليكيا تابعة للمماليك، اأما املناطق اجلبلية والشمالية<br />
فتكون تابعة للعثمانيني.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
101
102<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ولزم بايزيد جانب الصلح مع املماليك ومل يصطدم معهم حتى عام 1516م<br />
عندما اصطدم السلطان سليم مع املماليك، يف معركة مرج دابق عام 1516م.<br />
ويف تلك الأثناء جاء وفد من الأندلس يطلب النجدة من الدول الإسالمية يف<br />
املرشق وهما دولة املماليك و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وقد رد قايتباي اململوكي على<br />
الوفد الأندلسي باأنه سوف يهدم كنيسة القيامة يف القدس اإذا استمر الأسبان يف<br />
تعديهم على املسلمني يف الأندلس )19( ، ولكنه مل يرسل جيشاً ملساعدة مسلمي<br />
الأندلس، بينما اأرسل السلطان العثماين اأسطولً بقيادة كمال الدين، ولأن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> وقعت يف حروب مع الأرناوؤوط – األبانيا – وبالد املورة لذا حتول<br />
الأسطول العثماين عن الذهاب لالأندلس فالتقى بالأساطيل الأوروبية التي تفوقت<br />
على الأسطول العثماين واأغرقته )20( .<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> األوروبية:<br />
كانت عالقة السلطان بايزيد مع الدول املسيحية تختلف عما كانت عليه زمن<br />
اأبيه، ففي زمن اأبيه كانت العالقة بينهما حروب مستمرة، بينما يف زمن بايزيد كانت<br />
عالقات صلح وتبادل سفراء مع الدول الأوروبية، فمثالً اأرسلت روسيا سفرياً لها اإىل<br />
البالط العثماين حامالً معه الهدايا رمزاً حلسن اجلوار، واأما العالقة مع بولونيا فكانت<br />
حسنة يف بداية الأمر، ثم ساءت عندما اختلف العثمانيون مع البولونيني على مناطق<br />
البغدان فادعى كل فريق اأن بالد البغدان تابعة له وجرت بينهما حروب نتيجة ذلك.<br />
واأما عالقة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع اإيطاليا فكانت حسنة، اإل اأن اإيطاليا اأوقعت<br />
حرباً بني العثمانيني والبنادقة مما شجع السلطان بايزيد اأن يرسل جيشاً يسيطر به<br />
على مدينة ليبانتو من منطقة اليونان، وكانت هذه املدينة تابعة للبنادقة.<br />
كان السلطان بايزيد – بعد انتهاء احلرب مع الدول الأوروبية – قد اتبع سياسة<br />
املصاحلة بني الدفشريما والأعيان الأتراك، واستطاع اأن يسيطر عليهما، ثم اأعطى<br />
زمام اأمور السلطنة <strong>العثمانية</strong> اإىل الوزير الأعظم، وانرصف هو اإىل الزهد والعلم، حيث<br />
جمع يف بالطه مشاهري العلماء.
أ. د. تيسري جباره<br />
الصراع على السلطنة بني أبناء بايزيد:<br />
لول سوء الأوضاع بني السلطان بايزيد واأبنائه لستطاع السلطان فتح بالد<br />
كثرية يف حوض البحر الأبيض املتوسط خصوصاً قرب البندقية. واأهم اأولده: اأحمد<br />
وكركود وسليم. كان البن الأكرب اأحمد حاكماً على ولية صاروخان، وكان يطمح<br />
اأن يكون سلطاناً بعد والده بايزيد، لكن اجليش النكشاري رفض ذلك لأن اأحمد كان<br />
قد خرس كثرياً من املعارك ول يصلح لقيادة اجليش. اأما البن الثاين كركود فكان<br />
منقطعاً اإىل العلوم واملوسيقى مثل والده ومل يرشحه اجليش النكشاري. اأما البن<br />
الثالث سليم فكان يحب احلرب وكان يسري يف مقدمة اجليوش دوماً، لذا فقد نال تاأييد<br />
اجليش النكشاري له، خاصة عندما انترص سليم على الشاه الصفوي قويل املقيم يف<br />
رشقي الأناضول بني القبائل الرتكمانية. وكان سليم يقود النكشارية من نرص اإىل<br />
نرص، لذا عندما اأصبح سلطاناً زاد عدد النكشارية فاأصبح عددهم 35,000 جندي<br />
وقد منحهم مرتبات اأكرث مما كانوا يحصلون عليه زمن والده.<br />
كان سليم حاكماً على طرابزون، وكان اأصغر اأخوته. وخاف سليم اأن يتوىل<br />
السلطنة بعد وفاة اأبيه، اأخوه اأحمد، اأو ابن اأحمد واسمه عالء الدين الذي احتل بورصة<br />
عام 1512م )21( لذلك زحف سليم اإىل اأدرنة واأعلن نفسه سلطاناً، فجهز والده جيشاً<br />
استطاع به كرس جيش ابنه سليم وكاد اأن يقتله لول تدخل النكشارية الذين طلبوا من<br />
بايزيد العفو عن ابنه، بينما استطاع ابنه اأحمد اأن يحتل بروسة وصاروخان فجهز<br />
والده جيشاً كرس ابنه واأدبه ثم اأعلن البن الطاعة. ولكن سليماً مل يسكت بل زحف<br />
بجيشه اإىل القسطنطينية فاستقبله النكشارية، واأرغموا السلطان بايزيد على التنازل<br />
عن العرش اإىل ابنه سليم )22( وذلك عام 1512م. وقد تويف السلطان العثماين بايزيد<br />
يف العام نفسه 1512م بينما كان اأحمد ذاهباً اإىل بروسة حيث قتل فيها عام 1513م<br />
يف معركة مع اأخيه سليم. اأما كركود فقد هرب اإىل بالد الفرس طالباً حق اللجوء<br />
السياسي مع الصفويني لكن سليماً حلقه وجرت معركة بني العثمانيني والصفويني<br />
عام 1514م هي معركة شالديران )23( ، انترص فيها سليم على الصفويني لكنه مل<br />
يظفر باأخيه كركود. واستطاع سليم اأن يصل اإىل مدينة تربيز )24( و اأخضع الصفويني<br />
ثم رجع اإىل القسطنطينية كما سياأتي ذلك فيما بعد.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
103<br />
جامعة القدس املفتوحة
104 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية:<br />
كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية قد تدهورت عندما قام الشاه اإسماعيل<br />
موؤسس <strong>الدولة</strong> الصفوية بنرش تعاليمه الشيعية بني القبائل الرتكمانية يف الأناضول،<br />
واعترب بايزيد هذا العمل تدخالً سياسياً وليس دينياً فقط. ومل يكتف اإسماعيل الصفوي<br />
بذلك بل جهز جيشاً بقيادة شاه قويل سار به اإىل الأناضول، فطلب بايزيد املساعدة<br />
من املماليك، ولكن السلطان اململوكي اكتفى باأن اأمر احلاميات اململوكية يف حلب<br />
مبساعدة السلطان العثماين اإذا دخل اجليش الصفوي الأراضي اململوكية فقط )25( .<br />
وقد جهز السلطان بايزيد العثماين جيشاً ملالقاة الصفويني عام 1511م، وقد انترص<br />
عليهم ولكنه مل يتابع الزحف نحو اإيران وبقيت اجلبهة الصفوية <strong>العثمانية</strong> ساخنة<br />
حتى عام 1514م عندما حصلت معركة شالديران سابقة الذكر.<br />
السلطان سليم األول 1512م - 1520م:<br />
وصل السلطان سليم الأول اإىل عرش السلطنة خلفاً لأبيه بايزيد عام 1512م بعد<br />
اأن تويف بايزيد. وقد حاول كل واحد من اأبنائه اأن يصل اإىل احلكم، ولكن سليم كان<br />
)26(<br />
اأقوى اأخوته جميعاً لأنه كان عسكرياً، وقد لقب ب »ياووز« بالرتكية اأي الشجاع<br />
. وقد دعمه اجليش النكشاري للوصول اإىل احلكم.<br />
حروبه مع الصفويني:<br />
ظهرت يف بداية حكم السلطان حتديات الشيعة الصفويني )27( ضد سليم حيث<br />
ثار الشيعة يف اآسيا الصغرى بقيادة شاه قويل )28( . وكانت ثورته قد نشبت يف اأواخر<br />
اأيام حكم السلطان بايزيد والد السلطان سليم الأول. اعتمد الثائر شاه قويل على دعم<br />
الشيعة له يف اإيران، لكن السلطان سليم مل يسكت على وجود ثورة يف اأسيا الصغرى<br />
ضد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وخاصة اأن شاه قويل قد احتل كوتاهية وحارص بورصة، لذلك<br />
اأرسل السلطان سليم جيشاً مكوناً من ثمانية اآلف جندي وطارد الشاه قويل حتى<br />
متكن من القضاء على ثورته وقتله. ثم قتل السلطان اآلف الشيعة املوجودين يف<br />
اآسياه الصغرى، وفر ما تبقى من اجلند )القزلباش( )29( اإىل اإيران، عندئذ تاأثر وغضب<br />
الشاه اإسماعيل يف اإيران عندما سمع اأن اآلف الشيعة يقتلون يف اآسيا الصغرى، فاأراد
أ. د. تيسري جباره<br />
النتقام من السلطان سليم. لذلك اأرسل الشاه اإسماعيل رسالة اإىل املماليك يف مرص<br />
طالباً منهم العون يف قتال العثمانيني )30( ، فوعده املماليك باملساعدة رساً اإذا وصل<br />
يف تقدمه اإىل اآسيا الصغرى ومل يعلم سليم بذلك. قام سليم الأول بالزحف من اأدرنة<br />
اإىل اآسيا الصغرى على راأس جيش كبري ثم زحف اإىل تربيز لقتال الصفويني، واستطاع<br />
سليم النتصار على الشاه اإسماعيل الصفوي ودخل عاصمته تربيز عام 1514م يف<br />
معركة شالديران، واأعلنت املساجد يف خطبة اجلمعة باسمه، وبقي هناك مدة ثمانية<br />
اأيام ثم انسحب منها لقلة املوؤن وشدة الربد القارس.<br />
انسحب سليم اإىل القوقاز شمالً وعسكر يف »قره باغ« على اأمل اأن يعود يف<br />
العام القادم لستكمال احتالل اإيران، لكنه مل يعد بسبب ما ذكرنا من قلة املوؤن،<br />
وعدم رغبة النكشارية يف متابعة احلرب ملالحقة الشاه اإسماعيل يف الهضاب<br />
اجلرداء وصعوبة اخرتاقها. كان الشاه قد اتبع سياسة الأرض املحروقة اأثناء حربه<br />
مع العثمانيني، اإذ اأحرق كل ما ميكن اأن يستفيد منه العثمانيون. وهذه السياسة كان<br />
قد اتبعها الصفويون باستمرار يف معظم احلروب. بعد انتصار سليم على الصفويني<br />
يف شالديران حصل على خزائن الشاه من تربيز كما اأخذ كثرياً من العلماء الإيرانيني<br />
معه اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
كانت نتيجة معركة شالديران النتصار الساحق للسلطان سليم الأول العثماين،<br />
وهزمية الشاه اإسماعيل الصفوي. اأما نتائج املعركة فنستطيع حرصها يف<br />
ثالث نقاط مهمة هي:<br />
1.1فعالية املدفعية والبنادق التي استخدمها العثمانيون ضد القوى الصفوية<br />
التي كان اأغلبها من الفرسان ويستعملون السيوف.<br />
2.2ضم منطقة الأناضول الرشقية اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ومن اأهم مدنها ديار<br />
بكر ومرعش وهذه املناطق غنية اقتصادياً. لذلك استطاع العثمانيون السيطرة على<br />
الطرق التجارية الهامة خاصة طرق نقل احلرير الفارسي بني تربيز وحلب، وبني تربيز<br />
وبورصة ماراً بهضبة الأناضول. كما استفاد العثمانيون من ضم هضبة الأناضول<br />
عسكرياً حيث كانت هذه الهضبة عائقاً للغزاة القادمني من الرشق قاصدين رضب<br />
العثمانيني.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
105<br />
جامعة القدس املفتوحة
106 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
3.3اأصبح واضحاً للشاه الصفوي – بعد املعركة – رضورة تنظيم اجليش من<br />
جديد، خاصة واأن القبائل الرتكمانية الشيعية املعروفة بالقزلباش قد ضعفت ومل<br />
تعد تساعده علماً باأن الشاه يعترب مرشدهم الأكرب، والقزلباش )اأي الراأس الأحمر( هم<br />
جماعة وضعوا على روؤوسهم لباساً متميزاً عن غريهم من الشيعة، حيث كان لباس<br />
الراأس عبارة عن لفّة حمراء كبرية مكونة من 12 لفة متجيداً لالأئمة الشيعة الإنثي<br />
عرشية.<br />
وبعد وفاة الشاه اإسماعيل عام 1524م خلفه ابنه طهماسب الأول وقد حدثت<br />
يف زمنه ثورة قبائل القزلباش وقد اأحرجوا موقف طهماسب، لذلك وجد اأنه مضطر<br />
لإيجاد جيش جديد، بدلً من القزلباش، كي يعتمد عليه يف مواجهة العثمانيني، وهذا<br />
اجليش اجلديد، الذي اعتمد عليه، كان مكوناً من عنارص رشكسية وجورجية. لكن<br />
نستطيع القول اأن اجلبهة <strong>العثمانية</strong> الصفوية بقيت مدة ثالثني عاماً هادئة بسبب<br />
معاهدة اأماسيا.
أ. د. تيسري جباره<br />
هوامش الفصل الرابع:<br />
10<br />
11<br />
12<br />
13<br />
14<br />
15<br />
16<br />
1.1زياد اأبو غنيمة: السلطان املجاهد حممد الفاحت، دار الفرقان، عمان، 1983م. ص<br />
.14<br />
2.2اأطلق حممد الفاحت على القسطنطينية بعد فتحها اسم “اإسالم بول” اأي مدينة<br />
السالم، اأو مركز السالم.<br />
3.3علي حسون: العثمانيون والروس، املكتب الإسالمي، بريوت، 1982م.<br />
4.4زياد اأبو غنيمة: مصدر سابق، ص 36.<br />
5.5زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 37.<br />
6.6حممد فريد بك املحامي: <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>. ص 59، وانظر زياد اأبو غنيمة:<br />
السلطان حممد الفاحت. ص 39.<br />
7.7زياد اأبو غنيمة: املصدر السابق، ص 46، ص 122.<br />
8.8زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه، ص 87.<br />
9.9زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 99- 100.<br />
10زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 116.<br />
1زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 130.<br />
12زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 145.<br />
13زياد اأبو غنيمة: املصدر نفسه ص 182.<br />
14بروكلمان: <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية. ص 442.<br />
15حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص70.<br />
16اإحسان النمر: نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، مطبعة النرص التجارية،<br />
نابلس، ص55.<br />
يقول بروكلمان اأن بايزيد هو الذي طلب من البابا وضع السم لأخيه جم، وهذا<br />
كذب وافرتاء على بايزيد، وقصد بروكلمان طعن الإسالم بهذا الكالم.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
107<br />
جامعة القدس املفتوحة
108 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
17<br />
18<br />
19<br />
20<br />
21<br />
22<br />
17اإحسان النمر: مصدر سابق، ص 56.<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 7318<br />
19اإحسان النمر: نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، ص 56.<br />
20اإحسان النمر: املصدر نفسه. ص 57.<br />
Cook: History of the Ottoman Empire. P. 6921<br />
2اإحسان النمر: املصدر السابق، ص 57. انظر اأيضاً:<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 76<br />
23<br />
24<br />
25<br />
23شالديران اأو جالديران: هو سهل رشقي الأناضول بالقرب من احلدود الروسية<br />
الرتكية الإيرانية. يقع بني مدينة Khoy ومدينة .Tabriz<br />
24تربيز هي مدينة غربي اإيران. وهي ثاين مدن اإيران الكربى وعاصمة اإقليم<br />
اأذربيجان.<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 7825<br />
26<br />
27<br />
28<br />
29<br />
30<br />
بينما ذكر فريد بك املحامي يف كتابه <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong> اأن الشاه<br />
اإسماعيل طلب من املماليك املساعدة لرضب <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لإيقاف سريها،<br />
موضحاً للمماليك اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خطر على املماليك والصفويني، واإذا مل يتحدا<br />
فسوف يقوم السلطان العثماين برضب كل منهما على حده. انظر. ص – 73 74.<br />
26اإحسان النمر: مصدر سابق، ص 56.<br />
27الصفويني نسبة اإىل الشيخ صفي الدين )1252 – 1334م( .<br />
28رافق: العرب والعثمانيون، ص 56.<br />
29لباس خاص يوضع على الراأس لونه اأحمر مكون من 12 لفة.<br />
30حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>، ص 72.
الفصل الخامس<br />
سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومصر ومشالي إفريقيا<br />
ومتابعة الفتوحات يف البلقان
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل اخلامس<br />
سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومصر ومشالي إفريقيا<br />
ومتابعة الفتوحات يف البلقان<br />
كانت هناك اأسباب رئيسة شجعت السلطان سليم على مواجهة املماليك واإعالنه<br />
عليهم حرباً شعواء، علماً باأن املماليك والعثمانيني كليهما مسلمان سنيان. وكانت<br />
هذه الأسباب منها <strong>تاريخ</strong>ية حصلت سابقاً قبل قدوم السلطان سليم، ومنها ما حدث<br />
يف زمنه. واأهم هذه االأسباب ما يلي:<br />
النزاع على إمارة البستان:<br />
تقع هذه الإمارة بني مرعش ومالطيا، وهي اإحدى الإمارات الرتكمانية يف<br />
الأناضول. وسميت هذه الإمارة بهذا السم نسبة اإىل عاصمتها البستان، كما سميت<br />
اأيضاً اإمارة ذي القدر نسبة اإىل اأرسة ذي القدر التي حكمت هذه الإمارة. وقد جرى<br />
رصاع بني املماليك والعثمانيني حول السيطرة والتدخل يف اأمور هذه الإمارة، لدرجة<br />
اأن اأفراد الأرسة احلاكمة تنازعوا على حكم الإمارة.<br />
واحلدث الهام الذي حصل مع السلطان العثماين سليم يف هذه الإمارة، اأنه عندما<br />
ذهب لقتال الصفويني عام 1514م، كان قد طلب من عالء <strong>الدولة</strong> حاكم اإمارة البستان<br />
تقدمي بعض الشباب لالنضمام للجيش العثماين لقتال الصفويني، ولكنه رفض، لذا<br />
عندما رجع سليم بعد انتصاره على الصفويني يف معركة شالديران عام 1514م<br />
تفرغ لقتاله. فبعث السلطان سليم جيشاً بقيادة سنان باشا عام 1515م قدر عدده<br />
)حوايل 10,000 جندي( انكشاري، وانترص العثمانيون على عالء <strong>الدولة</strong> وقتلوه<br />
وعينوا بدلً منه شاه سيوار اأو شهوار الذي حكم اإمارة البستان حتت الراية <strong>العثمانية</strong><br />
)1( . وقد غضب املماليك من العمل الذي قام به سليم الأول.<br />
111<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
112<br />
إيواء املماليك جلم ابن السلطان حممد الفاتح )2( :<br />
هرب الأمري جم اإىل القاهرة وطلب اللجوء السياسي، ورحب به السلطان اململوكي<br />
قايتباي حتى اأنه ساعده يف الهجوم على السلطان العثماين بايزيد )اأخو جم( ، وعندما<br />
فشل جم يف املعركة ضد اأخيه هرب اإىل رودس حيث جلاأ اإىل املسيحيني وهم فرسان<br />
القديس يوحنا. وبقي جم يهدد اأخاه بايزيد مدة تزيد على 12 عاماً حتى تويف عام<br />
1495م يف اأوروبا.<br />
قدم العثمانيون مساعدات عسكرية ضخمة اإىل املماليك يف بداية القرن السادس<br />
عرش وذلك للدفاع عن الأراضي اململوكية على سواحل البحر الأحمر ضد الربتغاليني،<br />
ففي عام 1511م جنح العثمانيون يف اإيصال 400 مدفع واأربعني قنطاراً من<br />
البارود اإىل املماليك )3( . وذلك لصد الربتغاليني عن البحر الأحمر، وحلماية الأماكن<br />
الإسالمية املقدسة يف احلجاز، هذا مع العلم اأن مدن املرشق العربي والآستانة قد<br />
ملئت باملهاجرين املسلمني من الأندلس )4( .<br />
لقد كان اندفاع الربتغاليني للرشق لهدفني هامني هما: الدافع الديني، والدافع<br />
القتصادي، ويرجع العامل الديني اإىل احتدام الرصاع بني املسلمني واملسيحيني<br />
يف الأندلس، اأما العامل القتصادي فريجع اإىل رغبة الربتغاليني يف املشاركة يف<br />
اأرباح التجارة الرشقية. وقد عرب امللك عمانويل الأول )1495 – 1521م( الذي<br />
قامت يف عهده اأول حملة بحرية اإىل الرشق يف خطبة طويلة له عن اأغراض احلملة<br />
وذلك عند انطالق احلملة فقال: اإن الغرض من اكتشاف الطريق البحري اإىل الهند هو<br />
نرش املسيحية واحلصول على ثروات الرشق )5( ، وكان قائد احلملة فاسكودي غاما،<br />
وكانت حملته مزودة باملدافع وترفع الصليب، وقد جنح الربتغاليون يف الوصول<br />
اإىل الهند عن طريق راأس الرجاء الصالح واحتكروا جتارة الرشق وضعفت املوانئ<br />
<strong>العثمانية</strong> والعربية جتارياً.<br />
كان ل بد من الصدام اململوكي العثماين نتيجة الأسباب التي ذكرناها سابقاً.<br />
لذلك زحف اجليش اململوكي بقيادة السلطان قانصوه الغوري متوجهاً من القاهرة<br />
اإىل حلب فوصلها وعسكر فيها. وزحف السلطان العثماين سليم الأول للقاء املماليك<br />
قرب حلب. واصطدم اجليشان املسلمان يف معركة مرج دابق )6( قرب حلب ب<strong>تاريخ</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
1516/8/23م. وانترص العثمانيون يف املعركة وهزموا املماليك وقتل السلطان<br />
اململوكي قانصوه الغوري يف املعركة. ثم دخل السلطان سليم حلب وكان يصحبه<br />
اخلليفة العباسي الذي كان مرافقاً للسلطان اململوكي املقتول. وكان انتصار<br />
العثمانيني يف املعركة لعدة اأسباب:<br />
1.1خيانة خري بك وايل حلب اململوكي الذي خان املماليك وانضم اإىل السلطان<br />
العثماين اأثناء املعركة.<br />
2.2استعمال السالح الناري واملدافع <strong>العثمانية</strong> يف املعركة، علماً باأن املماليك<br />
مل يستعملوا هذه الأسلحة بل استعملوا السيف والرمح واحتقروا من يستعمل الأسلحة<br />
النارية التي اأسموها اأسلحة الشيطان لأنها صنعت يف البالد الأوروبية.<br />
دخل السلطان سليم حلب، ودُعي له يف خطبة اجلمعة، ولقب بخادم احلرمني<br />
الرشيفني، ومل يكن قصد السلطان سليم التقدم اأكرث يف الأراضي اململوكية بل اكتفى<br />
بحلب فقط، كما مل يكن قصده الذهاب لكرس املماليك يف مرص، والدليل على ذلك<br />
اأنه عرض على السلطان اململوكي اجلديد طومان باي تقدمي خضوعه للعثمانيني<br />
مقابل اإسناد السلطان سليم حكم مرص اإىل طومان باي، ولكن الأخري رفض واأرص<br />
على احلرب، لذلك سار السلطان سليم فيما بعد بتشجيع من خري بك اململوكي وايل<br />
حلب ملتابعة الزحف نحو دمشق. ووصل اجليش العثماين حماه ثم حمص ثم دمشق.<br />
وقدم زعماء دمشق ولء الطاعة للعثمانيني وكان على راأسهم قضاة املذاهب الأربعة،<br />
وقام السلطان سليم باأعمال هامة يف دمشق كي يحبب الأهايل به فاألغى الرضائب<br />
ووزع الأموال على الأهايل وعزل واإليها اململوكي واحرتم العلماء يف دمشق، كما<br />
زين ثوب املحمل الرشيف الذي يرافق قافلة احلج اإىل احلجاز، وزار قرب العامل املسلم<br />
حميي الدين بن عربي يف الصاحلية بدمشق. ووصف ابن طولون يف كتابه »مفاكهة<br />
اخلالن« هدير املدافع قرب دمشق والتي اأخافت الأهايل وظن الناس يف دمشق »اأن<br />
السماء انطبقت على الأرض« )7( .<br />
اكتفى السلطان سليم بهزمية املماليك ودخوله دمشق، ولكن خري بك شجعه على<br />
الزحف حتى القاهرة، وقد فكر السلطان سليم ملياً يف املوضوع لأن فيه خماطر كثرية<br />
رمبا جتر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل الهاوية، ومن اأهم هذه املخاطر اجتياز اجليش العثماين<br />
113<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
114<br />
صحراء سيناء، وقرب اجليش العثماين من اخلطر الربتغايل املقيم على سواحل البحر<br />
الأحمر، واخلوف من استغالل الصفويني انهماك سليم يف احلرب والزحف نحو<br />
القسطنطينية، كل هذه املخاوف جالت يف خاطر السلطان سليم، واأخرياً قرر جتاهل<br />
هذه املخاطر كلها والزحف نحو القاهرة لقتال املماليك. سار سليم على راأس جيشه<br />
جنوباً فدخل القدس ثم اجته نحو الساحل الفلسطيني فدخل غزة، ومن هناك بعث<br />
القائد سنان باشا لرصد الطريق من غزة اإىل القاهرة والتقى بالغزايل الذي كان قد<br />
هرب من دمشق اإىل القاهرة، وجرت معركة بينهما انترص فيها العثمانيون ثم رجع<br />
سنان باشا اإىل غزة وشجع سليم الزحف نحو القاهرة.<br />
وقد تابع السلطان سليم الزحف حتى وصل الريدانية ودارت هناك معركة بني<br />
اجليش العثماين واجليش اململوكي يف الريدانية ب<strong>تاريخ</strong> 1517/1/23م، وقد دخل<br />
العثمانيون القاهرة بعد انتصارهم يف املعركة.<br />
قام خطباء مساجد القاهرة مبدح سليم من على منابر املساجد رغم اأن احلرب<br />
كانت مستمرة يف شوارع القاهرة بني العثمانيني واملماليك، لكن يف اأحد اأيام اجلمعة<br />
خطب اخلطباء للسلطان طومان باي بدلً من السلطان سليم، وهذا دللة على اأن النرص<br />
مل يكن حمققاً للعثمانيني يف بداية الأمر. ولكن اأثناء معركة الريدانية هرب طومان<br />
باي )السلطان اململوكي( والتجاأ اإىل شيخ بدو البحرية حسن بن مرعي، الذي قام<br />
بتسليم طومان باي اإىل السلطان سليم، فقام السلطان العثماين باإعدامه يف باب زويلة<br />
يف القاهرة ب<strong>تاريخ</strong> )8( 1517/4/13 . وكما فعل سليم يف دمشق من احرتام للعلماء<br />
والأهايل واإعفاء السكان من الرضائب، فعل كذلك مع اأهايل القاهرة، وكان قصده من<br />
ذلك اأن يكسب حمبة سكان القاهرة واأن يقدموا له ولء الطاعة.<br />
كان السلطان سليم اأثناء وجوده يف مرص قد تلقى رسالة من رشيف مكة املكرمة<br />
السيد بركات بن يحيى يعلن ولءه للعثمانيني، لذلك عينه السلطان والياً على احلجاز<br />
وجدة، وهذا التعيني من قبل السلطان العثماين سار على نهجه السالطني فيما بعد.<br />
»وقد اأضفى ضم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لالأماكن الإسالمية املقدسة، اأضفى عليها زعامة<br />
دينية يف العامل الإسالمي، وتاأكيداً لهذه الزعامة يف العامل السني، وهي الزعامة
أ. د. تيسري جباره<br />
التي ترتبت على هزمية الصفويني وتضييق نطاق انتشار املذهب الشيعي بعد موقعة<br />
شالديران« )9( . وقد اأضاف سليم اإىل األقابه على اأثر موقعة مرج دابق لقب خادم<br />
احلرمني الرشيفني، ثم اأوقف كثرياً من الأماكن وربط كثرياً من الأوقاف على املسجد<br />
الأقصى املبارك ثم على الأماكن الإسالمية املقدسة يف احلجاز.<br />
ملع اسم بركات بن يحيى )رشيف مكة( يف احلجاز، فاأخذ يوسع نفوذه، فقام<br />
باإعالن احلرب على الأمري حسني الكردي حاكم جدة اململوكي كي يصبح خاضعاً<br />
للعثمانيني، لكن حاكم جدة هرب اإىل زبيد يف اليمن وحتالف مع الأمري برسباي<br />
اململوكي هناك، وقتال السلطان عامر بن عبد الوهاب يف صنعاء، وبوفاته انقرضت<br />
<strong>الدولة</strong> الطاهرية يف اليمن عام 1517م. وبقيت اليمن تخضع للمماليك اإىل اأن جاء<br />
العثمانيون ودخلوها، وسنذكر ذلك فيما بعد.<br />
اأبقى السلطان سليم املوظفني املماليك يف مرص يف وظائفهم، ولكنه اشرتط<br />
عليهم طاعة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ومكث السلطان سليم يف مرص حتى 1517/9/10م،<br />
وقد عني على مرص خري بك حاكماً ثم قرر الرجوع اإىل بالد الشام. ومل يجرد السلطان<br />
سليم املماليك من اإقطاعاتهم ومل يعتربهم اأرسى حرب، واكتفى بتعيني قاضٍ ليوحد<br />
القضاة، ووالٍ يجلس مع جنده ليحكم بينهم، ولكن الوزير يونس باشا انتقد السلطان<br />
سليم لهذا التهاون مع املماليك حتى اأنه اأنّب السلطان سليم على عمله فقام السلطان<br />
وقتل يونس باشا وسمي املوقع الذي كان فيه يونس باشا اأثناء قتله بخان يونس،<br />
وما زال هذا السم حتى الآن يف قطاع غزة )10( .<br />
رجع السلطان سليم من مرص اإىل دمشق مصطحباً معه العلماء والصناع<br />
واأصحاب احلرف، ثم سار اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong>. ويف دمشق قضى سليم على<br />
»الزعران« الذين قاموا مبحاولة الشغب ضد املماليك وضد العثمانيني، خاصة عندما<br />
سمعوا بعدم انتصار العثمانيني يف مرص كلياً يف معركة الريدانية. وقد عني سليم<br />
على حكم دمشق الغزايل الذي كان قد اشرتك يف احلرب ضد العثمانيني يف معركة<br />
مرج دابق عام 1516م، والغزايل من زعماء املماليك، كان قد خان املماليك يف<br />
معركة الريدانية، ومكافاأة له على ذلك عيّنه السلطان العثماين والياً على دمشق. كما<br />
طرد السلطان سليم التنوخيني من جبل لبنان وعني حملهم املعنيني، زعماء منطقة<br />
الشوف، الذين ساعدوا العثمانيني يف معركة مرج دابق، ورجع السلطان سليم من<br />
دمشق اإىل استنبول )القسطنطينية( العاصمة.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
115
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
116<br />
ذكرنا سابقاً اأن اخلليفة العباسي املتوكل على اهلل كان بصحبة السلطان قانصوة<br />
الغوري اململوكي يف معركة مرج دابق، ولكن عندما هزم املماليك وقتل قانصوة<br />
الغوري وانترص السلطان سليم يف املعركة، اصطحب السلطان سليم اخلليفة معه من<br />
حلب حتى مرص، ويف القاهرة »اأضفى السلطان سليم على اخلليفة املتوكل على اهلل<br />
رضوباً من الثقة والنفوذ، حتى عظم اأمره وهيبت سطوته وقبلت شفاعته واأصبحت<br />
داره ملجاأ لذوي احلاجة سادة وغري سادة. وكانت هذه ل شك سياسة حازمة من<br />
السلطان سليم« )11( . وقد تنازل اخلليفة العباسي يف القاهرة اإىل السلطان سليم عن<br />
حقه باخلالفة وسلّمه الآثار النبوية الرشيفة وهي البريق والسيف والربدة، وسلمه<br />
مفاتيح احلرمني الرشيفني )12( ، من هنا جاء لقب خادم احلرمني الرشيفني.<br />
ويذكر اإحسان النمر يف كتابه »نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين« اأن السلطان<br />
سليم اأشار على اخلليفة عندما قرر الرجوع اإىل استنبول اأن يحمل املخلفات النبوية<br />
ويذهب بها اإىل العاصمة استنبول بحراً. وبعد قليل تويف السلطان فعاد اخلليفة بنفسه<br />
للقاهرة دون املخلفات النبوية اإىل مرص واأقام فيها يتقاضى راتباً اإىل اأن تويف، فلم<br />
ينتخب غريه وبذلك انتهت هذه اخلالفة السمية )13( . وقد وضعت املخلفات النبوية<br />
يف رساية خاصة تعرف برساية »طوب قبو«، وقد خصص لها حرس خاص. ومن<br />
اجلدير بالذكر اأن الدكتور حسن عثمان ذكر يف كتابه منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي )14( اأنه<br />
عرث على خمطوطة يرجع <strong>تاريخ</strong>ها اإىل السلطان سليمان القانوين )1520 – 1566م(<br />
وقد نصت نصاً رصيحاً على لقبي اخلالفة والإمامة معاً. ومكان هذه املخطوطة يف<br />
مكتبة جامعة القاهرة، وهي صورة ملجموعة من جمموعات القوانني التي اأصدرها<br />
السلطان سليمان القانوين يف اأوروبا وحتتوى على بعض األقاب السلطان وهذا هو<br />
نصها: »خليفة رسول رب العاملني، وحايز الإمامة العظمى، ووارث اخلالفة الكربى«<br />
كما عرث الدكتور حسن عثمان على بعض املراسالت السلطانية مع حكومة النمسا يف<br />
اأوائل القرن السابع عرش وهي حمفوظة يف اأرشيف فينا ال<strong>تاريخ</strong>ي وحتتوي على لقب<br />
اخلليفة وتستند اإىل القراآن الكرمي لتربير قيام اخلالفة )15( . لكن سالطني اآل عثمان<br />
مل يهتموا بلقب اخلالفة اهتماماً جدياً اإل بعد اأن اأصاب دولتهم الضعف الواضح<br />
منذ اأوائل القرن الثامن عرش وبخاصة بعد توقيع »معاهدة كوجوك كاينارجا« عام<br />
1774م التي سمحت فيها روسيا للسلطان الإبقاء على بعض الصالحيات الدينية
أ. د. تيسري جباره<br />
يف شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس، باعتباره خليفة للمسلمني وهو ادعاء اأقرّه<br />
الروس ومل يقره الفقهاء املسلمون )16( .<br />
ذكرنا قبل قليل اأن السلطان سليم رجع اإىل استنبول، وقد وصلها يف<br />
1518/7/25م بعد اأن مر على حلب واأقام فيها مدة شهرين. وبعد اإقامته يف<br />
العاصمة <strong>العثمانية</strong> استنبول سافر اإىل اأدرنة مسرتيحاً من عناء السفر واحلروب،<br />
والتقى هناك بابنه سليمان الذي كان حاكماً على اأدرنة طوال غياب سليم يف الوطن<br />
العربي. ومن اأدرنة بداأ السلطان سليم يعد العدة لغزو جزيرة رودس لكن املنية عاجلته<br />
فتوفى ب<strong>تاريخ</strong> 1520/9/22م. سمع الأوروبيون نباأ وفاة السلطان سليم ففرحوا<br />
وكاأن غمامة سوداء انقشعت من اأمام اأعينهم )17( . عاش سليم 54 عاماً، قضى منها<br />
على عرش السلطنة 8 سنوات، وهو اأول سلطان مل يطلق حليته، وكان رجال <strong>الدولة</strong><br />
يعيبونه بذلك )18( . كان شاعراً ونرش ديوانه عام 1904م باأمر من القيرص الأملاين<br />
ولهلم الثاين، وقدم هذا الديوان هدية للسلطان عبد احلميد الثاين )19( .<br />
السلطان سليمان القانوني:<br />
ولد السلطان سليمان القانوين ب<strong>تاريخ</strong> 1494/4/27م وهو عارش السالطني<br />
العثمانيني، اعتلى عرش السلطنة <strong>العثمانية</strong> بعد وفاة اأبيه السلطان سليم. وقام اجليش<br />
النكشاري يف القسطنطينية بتنصيبه سلطاناً خلفاً لأبيه ب<strong>تاريخ</strong> 1520/9/30م.<br />
كان سليمان يتقبل التعازي بوفاة اأبيه ويلبس اللباس الأسود حداداً عليه، ويف<br />
الوقت نفسه كان يقوم الناس بعد تعزيته بتهنئته بالسلطنة واخلالفة. وكان يقوم<br />
بتقدمي النقود والهدايا على النكشارية كعادة السالطني عندما يصلون اإىل منصب<br />
السلطنة. وقد اأرسل جمموعة رسائل اإىل خمتلف الأمصار يخربهم بوصوله اإىل سدة<br />
احلكم ويقدم لهم النصائح الكثرية يف اإدارة ولياتهم، وكان يكتب لهم الآية الكرمية:<br />
»اإنه من سليمان واإنه بسم اهلل الرحمن الرحيم« )20( .<br />
احلروب <strong>العثمانية</strong> األوروبية زمن سليمان القانوني:<br />
1. فتح بلغراد:<br />
كان السلطان سليمان القانوين قد اأرسل وفداً اإىل بالد املجر يطلب من ملكها دفع<br />
اجلزية اأو احلرب، لكن ملك املجر قتل الوفد العثماين لذلك قرر السلطان الزحف لقتاله.<br />
117<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
118<br />
سار السلطان بنفسه على راأس اجليش العثماين، واأرسل اأحمد باشا بيلربي الروملي<br />
على راأس فرقة عسكرية ثانية ملحارصة مدينة شابتس، ثم تبعه السلطان مصحوباً<br />
بالصدر الأعظم بريي باشا ملحارصة بلغراد )وهي مدينة هامة يف بالد املجر( . وقد<br />
بداأت املدافع <strong>العثمانية</strong> دك اأسوار بلغراد من منطقة الدانوب. وقطع العثمانيون املاء<br />
عنها وحارصوها حصاراً شديداً حتى استطاعوا دخول قلعتها، وخضعت اأخرياً بلغراد<br />
بعد معارك حامية مع حاميتها وذلك ب<strong>تاريخ</strong> 1521/8/29م )21( . وهكذا مت فتح<br />
هذه املدينة املجرية لتصبح تابعة للعثمانيني.<br />
2. فتح رودس:<br />
بعد انتصار السلطان العثماين على اأعدائه يف املجر، قرر سليمان الزحف اإىل<br />
جزيرة رودس، حيث فرسان القديس يوحنا. واأراد اأن تكون الطريق البحرية سليمة<br />
بني القسطنطينية ومرص، لأن جزيرة رودس تعرتض الطريق البحري اإىل مرص. كان<br />
السلطان سليم قبل وفاته قد جهز حملة كبرية لفتحها ولكن عاجلته املنية قبل القيام<br />
بالفتح، وكان السلطان حممد الفاحت قد قام عام 1480م بحروب ضد رودس لكن<br />
الفاحت مل يستطع فتحها. ومن املعروف اأن رودس كانت تقوم بعرقلة السفن التجارية<br />
الإسالمية يف رشقي البحر املتوسط وتعرقل سري احلجاج العثمانيني اإىل مكة املكرمة<br />
عرب البحر املتوسط، كل هذه العوامل السابقة شجعت السلطان سليمان على التوجه<br />
نحو رودس لفتحها، فجهز حملة ب<strong>تاريخ</strong> 1522/6/26م وكان هو على راأسها،<br />
وسارت احلملة يف اآسيا الصغرى باجتاه بحر مرمرة، كما اأرسل الأسطول العثماين<br />
ملحارصة اجلزيرة ب<strong>تاريخ</strong> 1522/6/24م. وقد طلب السلطان من رهبان اجلزيرة<br />
مغادرتها قبل قصفها، واستعد اأن توؤمن السالمة لهم عند مغادرتهم اجلزيرة، ولكنهم<br />
رفضوا طلبه، لذلك بداأ يف دك وقصف اجلزيرة باملدافع <strong>العثمانية</strong> الثقيلة والتي ما<br />
زالت بعض قللها )طلقاتها( يف جزيرة رودس حتى الآن. بعد هذا احلصار والقصف<br />
الشديد اأعلن رئيس الرهبان – فيليب دي ليل اآدم- وجميع الرهبان موافقتهم على<br />
مغادرة اجلزيرة، وقد وافق السلطان سليمان على ذلك، لذا ابتعد الأسطول العثماين<br />
ميالً عن اجلزيرة كي يسمح ملن يريد مغادرة اجلزيرة بحرية. وقد غادر اجلزيرة<br />
كل الرهبان وعائالتهم وبعض الأهايل وذلك ب<strong>تاريخ</strong> 1522/12/21م. ومنذ ذاك<br />
ال<strong>تاريخ</strong> سطعت شمس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على جزيرة رودس.
أ. د. تيسري جباره<br />
بعد هذا النتصار يف رودس اأخذ السلطان يتدخل يف حكم املناطق التابعة لغري<br />
املسلمني، فمثالً اأرسل بعض اجليوش <strong>العثمانية</strong> اإىل بالد القرم وذلك ملساعدة حاكم<br />
مسيحي على حاكم مسيحي اآخر لعتالء العرش يف بالد القرم عام 1522م. ويف عام<br />
1524م صمم السلطان سليمان اأن تصبح بالد الأفالق تابعة فعلياً للدولة <strong>العثمانية</strong><br />
بدلً من اأن تكون تابعة اسمياً وتدفع اجلزية فقط. لذلك اأرسل جيشاً عثمانياً استطاع<br />
اأن يدخل عاصمتها وبذلك اأصبحت بالد الأفالق تخضع للشمس <strong>العثمانية</strong>.<br />
3. فتح عاصمة اجملر:<br />
اأرسل امللك الفرنسي فرنسيس الأول عام 1525م رسالة اإىل السلطان العثماين<br />
طلب فيها املساعدة لقتال شارملان ملك بالد )النمسا وهولندا واإسبانيا والبالد<br />
املنخفضة( . وكانت هذه البالد كلها تابعة لشارملان الذي هو اأحد اأفراد ساللة<br />
فريدناند واإيزبيال اللذان طردا املسلمني من الأندلس. وقد كان هناك عداء واضح بني<br />
ملك فرنسا وشارملان. وصل الوفد الفرنسي اإىل القسطنطينية وطلب املساعدة الفعلية<br />
من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لفرنسا. وافق السلطان العثماين على ذلك واأرسل رسالة اإىل ملك<br />
فرنسا يخربه باملوافقة ملساعدته )22( . كما وافق السلطان على مهاجمة ملك املجر،<br />
اأحد حلفاء شارملان، كي ل يقوم بتقدمي املساعدة لشارملان. ويف 1526/4/25م<br />
سافر السلطان العثماين على راأس جيش كبري قدر عدده ب 100,000 جندي من<br />
القسطنطينية اإىل بالد املجر، ووصل السلطان يف زحفه اإىل مدينة موهاكس، ودارت<br />
على اأرضها معركة حامية الوطيس ب<strong>تاريخ</strong> 1526/8/28م، بني السلطان العثماين<br />
وبني لويس ملك املجر. وقد انترص السلطان سليمان بسبب كرثة املدافع التي كانت<br />
ترمي الفرسان املجرية بقذائفها، وقد قتل قائد املجر لويس ومل يعرث على جثته، عندئذ<br />
قام اأهايل عاصمة املجر )بودا( وسلموا مفاتيح العاصمة للسلطان سليمان كي يدخلها<br />
دون حرب. ودخلها بالفعل يف 1526/9/10م بعد اأن طلب من اجليش النكشاري<br />
عدم التعرض لأهاليها. وقد عني السلطان سليمان القانوين على بودا عاصمة املجر<br />
ملكاً هو )جون زابويل( اأمري ترانسلفانيا، ورجع السلطان اإىل القسطنطينية بعد اأن<br />
حمل معه كثرياً من الكتب العلمية النادرة املوجودة يف خزائن مدن املجر.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
119
120<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
وصل السلطان عاصمته يف 1526/11/23م، وبعد سنة واحدة جاءه وفد اأرسله<br />
زابويل يطلب النجدة لأن ملك النمسا فرديناند )اأخ لشارملان( ادعى اأنه اأحق بامللك<br />
من زابويل بسبب قرابته مع ملكها املقتول لويس يف معركة موهاكس. غضب سليمان<br />
القانوين من ملك النمسا لأنه خلع زابويل الذي كان قد عينه سليمان حاكماً على<br />
املجر، وقد استعد سليمان لإرسال جيش ملساعدة زابويل واإعادته اإىل عرش امللك.<br />
ويف عام 1529م سار السلطان سليمان وبصحبته ثالثة وزراء هم: اإبراهيم<br />
باشا واإياس باشا وقاسم باشا، وساروا على راأس جيش قدر عدده ب 25,000 جندياً<br />
وثالثمائة مدفع. وصل السلطان موهاكس التي كان قد هزم فيها لويس. والتقى هناك<br />
بامللك املخلوع زابويل. وساروا جميعاً اإىل بودا عاصمة املجر، ووصلوها ب<strong>تاريخ</strong><br />
1529/9/3م وقد هرب منها فرديناند ملك النمسا الذي خلع زابويل اإىل مدينة فينا<br />
عاصمة النمسا لكن السلطان سليمان مل يكتف بهذا النرص بل صمم على مالحقته<br />
وذلك بعد اأن عني على بودا عاصمة املجر اأحد ضباط النكشارية حلفظ الأمن.<br />
4. احلرب مع النمسا:<br />
قرر السلطان سليمان القانوين مالحقة فرديناند اإىل فينا عاصمة النمسا، لذا<br />
حتركت اجليوش <strong>العثمانية</strong> ب<strong>تاريخ</strong> 1529/5/10م ومر السلطان يف زحفه وطريقه<br />
على عاصمة املجر بودا، وبعد اسرتاحة قليلة فيها سار اإىل فينا التي وصل اإىل اأسوراها<br />
ب<strong>تاريخ</strong> 1529/9/27م. بقي السلطان سليمان حمارصاً فينا حتى 1529/10/14م.<br />
واأطلق مدافعه عليها طيلة فرتة احلصار، لكن فرديناند دافع عن املدينة ومل يستطع<br />
السلطان دخولها، وقرر السلطان الرجوع عن اأسوار فينا لأسباب منها: نفاد الذخرية<br />
للمدافع اأولً، وبسبب قرب حلول موعد سقوط الثلج، لأن اجلو اأصبح شديد الربودة<br />
وبسبب الأمطار الغزيرة التي عطلت اجلنود النكشارية من التقدم ثانياً. وقد ترك<br />
السلطان فينا موؤقتاً مصمماً على الرجوع يف الوقت املناسب.<br />
كانت هذه هي اأول مرة مل يحقق السلطان سليمان فيها نرصاً على اأعدائه، لكن<br />
رغم فشله يف فتح مدينة فينا، اإل اأنه استطاع اأن يعيد )زابويل( اإىل حكم عاصمة املجر<br />
بودا، ويف عام 1531م اعتدى ملك النمسا فرديناند على زابويل لطرده عن حكم بالد<br />
املجر للمرة الثانية، لكن احلامية الإسالمية واملجرية ردت فرديناند على اأعقابه، وقد
أ. د. تيسري جباره<br />
وصل اخلرب اإىل السلطان سليمان القانوين عن هذا العتداء الغادر، فقرر سليمان اأن<br />
يعيد الكرة والهجوم على ملك النمسا وعاصمته فينا، فسار ب<strong>تاريخ</strong> 1532/4/25م<br />
قاصداً فينا وذلك حلصارها مرة ثانية. وفتح سليمان يف طريقه عدة حصون توؤدي<br />
اإىل العاصمة النمساوية فينا، ففتح حصون حول اسرتيا وبلغراد، وعلم سليمان اأن<br />
الإسبان والأملان والنمساويني جاءوا ملساعدة ملك النمسا ومعهم املدافع الكثرية<br />
لالستعداد للمعركة، وانتظر سليمان بعض الوقت لدراسة املوقف وقرر اأخرياً الرجوع<br />
وتاأجيل الهجوم خاصة بسبب حلول فصل الشتاء القارص، وبذلك مل تدخل فينا حتت<br />
الراية <strong>العثمانية</strong>. رجع سليمان اإىل القسطنطينية ب<strong>تاريخ</strong> 1532/11/18م. ويف اأوائل<br />
عام 1533م قرر فرديناند عقد الصلح مع السلطان سليمان خوفاً من هجوم اآخر<br />
متوقع من قبل سليمان، ووقعت املعاهدة بينهما يف 1533/6/22م، وهذه هي اأول<br />
معاهدة بني النمسا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وفيها اعرتف ملك النمسا بامللك زابويل ملكاً<br />
على بودا.<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على العراق:<br />
بعد اأن انترص السلطان سليم الأول على الصفويني يف معركة شالديران عام<br />
1514م اأصبحت حتت سلطته املوصل وديار بكر وماردين ومناطق اأخرى يف شمايل<br />
العراق. وعني على هذه املناطق حكاماً عثمانيني. ويسكن هذه املناطق الأكراد.<br />
وكانت عالقتهم حسنة مع العثمانيني وقدموا ولءهم للسلطان العثماين عام 1514م.<br />
كانت بغداد والبرصة يف ذاك الوقت حتت حكم الشاه الصفوي، لكن الزعيم<br />
الكردي ذو الفقار خان استطاع اأن ينتزع بغداد من الصفويني الإيرانيني وحكمها<br />
باسم السلطان العثماين من عام 1524 حتى 1530م وذكر اسم السلطان العثماين يف<br />
خطبة اجلمعة وحكمها ست سنوات قبل اأن يستعيدها الإيرانيون.<br />
واستطاع الشاه طهما سب اأن يدعم اأشقاء »ذو الفقار« الكردي بالسالح وطلب<br />
منهم اأن يقتلوا اأخاهم حاكم بغداد املوايل للعثمانيني فقتلوه عام 1530م، وانتهت<br />
بذلك وصاية استنبول على حاكم بغداد، واأخذ النفوذ الصفوي يزداد فيها )24( . كما<br />
قام الشاه طهما سب اإثارة القزلباش يف الأناضول ضد العثمانيني فقامت ثورة فيها<br />
بقيادة قلندر حلبي عام 1527م، كما كسب الشاه طهما سب مناطق اأخرى كانت حتت<br />
السيادة <strong>العثمانية</strong>.<br />
121<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
122<br />
اإن التعديات الصفوية بالإضافة اإىل استنجاد السنة يف بغداد بالسلطان<br />
العثماين، شجعت السلطان سليمان القانوين على اإرسال حملة قوية بقيادة الصدر<br />
الأعظم اإبراهيم باشا لحتالل العراق. سار الصدر الأعظم بقيادة اجليش العثماين<br />
عام 1533م من استنبول اإىل حلب ثم ديار بكر ثم تربيز وانضم له الأمراء املحليون<br />
فازداد عدد اجليش العثماين، فدخل تربيز يف 1534/7/13.<br />
وسار السلطان سليمان القانوين على راأس جيش اآخر متجهاً اإىل تربيز لدعم<br />
الصدر الأعظم، وكان قد اأصدر الصدر الأعظم اأوامر مشددة للجيش بعدم التعرض<br />
لالأهايل يف بغداد، فحاز على رضاهم عندما زار الأماكن املقدسة السنية والشيعية<br />
خاصة.<br />
ثم تقدم اإىل بغداد الأعيان وحكام املناطق القريبة من بغداد واأعلنوا ولءهم<br />
للسلطان العثماين، وكان من بينهم اأمري البرصة البدوي راشد بن مغامس )25( . واأعلن<br />
اسم السلطان العثماين يف خطبة اجلمعة يف البرصة واملناطق املحيطة بها. وهكذا<br />
اأصبحت الراية <strong>العثمانية</strong> تهدد الربتغاليني يف منطقة اخلليج القريبة من البرصة.<br />
ونتيجة اصطدام الربتغاليني بالعثمانيني يف السنوات التي تلت ذلك، قرر العثمانيون<br />
اإيجاد قاعدة بحرية لهم يف البرصة عام 1546م، تكون مشوؤولة عن منطقة اخلليج.<br />
واحلقيقة اأن وصول الربتغاليني للخليج العربي والهند كان كارثة على التجارة<br />
العربية حيث منعوا جتارة الرشق الأقصى من الوصول اإىل مرص والشام. كما اأنهم<br />
اأحرقوا السفن العربية يف السواحل الأفريقية والآسيوية.<br />
وقبل مغادرة السلطان سليمان القانوين بغداد عني عليها والياً هو سليمان باشا<br />
واأبقى فيها حامية عثمانية من 2000 جندي، ثم غادرها السلطان اإىل اأذربيجان ماراً<br />
بكركوك وتربيز حيث اأعلن الشاه الصفوي تقدمي ولء الطاعة للسلطان العثماين مقابل<br />
اإبقاء تبزيز حتت اإدارة الشاه.<br />
وصل السلطان اإىل عاصمته استنبول سنة 1535م، ومن املعروف اأن الشاه<br />
استعمل يف احلرب مع العثمانيني سياسة الأرض املحروقة مما منع سليمان من<br />
التوغل يف اإيران وقد اتبع هذه الطريقة احلكام الصفويون السابقون.
أ. د. تيسري جباره<br />
وقد قسمت العراق اإىل اأربع وليات هي بغداد ويتبعها 18 صنجقاً، واملوصل<br />
ويتبعها 6 صناجق، والبرصة بال صناجق، وولية شهر زور ويتبعها عرشون صنجقاً.<br />
وتقع هذه الولية يف مناطق جبال كردستان على احلدود مع الصفويني. وكان الشاه<br />
طهماسب قد اتفق مع السلطان العثماين يف معاهدة اأماسيا يف 1555/5/29م على<br />
تخطيط احلدود بني الدولتني خصوصاً يف مناطق جورجيا واأرمينيا وجبال زاغروس.<br />
وسمح سليمان للشيعة بزيارة مكة واملدينة بحرية تامة.<br />
ودخل العثمانيون بجيشهم منطقة القطيف عام 1550م يف منطقة اخلليج ثم<br />
مدوا نفوذهم اإىل الأحساء يف املنطقة الرشقية من شبه اجلزيرة العربية عام 1552م.<br />
واتخذ العثمانيون الأحساء قاعدة اأمامية للدفاع عن اخلليج ضد الربتغاليني<br />
املتمركزين يف مضيق هرمز، وكذلك قاعدة اأمامية ضد الصفويني. واشرتك وايل<br />
البرصة ووايل الأحساء يف صد غزوات البدو يف مناطق احلدود مع اجلزيرة العربية.<br />
كما قامت حروب بني وايل الأحساء العثماين وحاكم البحرين فطلب الأخري املساعدة<br />
من الربتغاليني يف هرمز )26( .<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على اليمن:<br />
هناك اأسباب شجعت العثمانيني على مد برصهم اإىل اليمن، فبعد اأن استوىل<br />
السلطان سليم الأول على مرص عام 1517م وجد اأن العثمانيني مضطرون للدفاع<br />
عن البحر الأحمر وسواحله من الهجمات الربتغالية املتكررة على احلدود اجلنوبية<br />
من شبه اجلزيرة العربية، كما اأن ضعف املماليك يف اليمن ملواجهة الربتغاليني<br />
شجعت العثمانيني للدفاع عنها، وكذلك ضعف القوة اململوكية يف اليمن زادت من<br />
رغبة العثمانيني مد نفوذهم الفعلي املبارش لليمن. ورغم كل هذه املشجعات اإل اأن<br />
العثمانيني مل يصلوا اليمن اإل يف عام 1538م اأي بعد 21 عاماً من دخولهم مرص.<br />
ويرجع تاأخر وصول العثمانيني لليمن حتى عام 1538م لأسباب منها اأن<br />
السلطان سليمان عند اعتالئه العرش وجه كل اهتمامه للحروب يف اأوروبا ضد<br />
الصليبيني. كما اأن حاكم اليمن اأعلن خضوعه للدولة <strong>العثمانية</strong> زمن السلطان سليم<br />
لذا ل داعٍ ملحاربته. ورغم ذلك بقي نفوذ العثمانيني يف اليمن اسمياً وضعيفاً، وظلت<br />
خطواتهم لتدعيم نفوذهم هناك تتسم بالضعف حتى سنة 1538م.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
123
124<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ويف هذه الفرتة الزمنية من – 1517 1538م طراأت حوادث كثرية على اليمن<br />
والبحر الأحمر، نذكر منها اأن الربتغاليني اأرسلوا حملة قوية بقيادة لوبوسوريز عام<br />
1517م اإىل البحر الأحمر بقصد حتطيم قوة املماليك هناك والعمل على تدمري جدة<br />
واإقامة اتصال مبارش مع احلبشة. وعندما وصل قائد احلملة الربتغايل اإىل عدن قادماً<br />
من جنوب اأفريقيا مل يهاجم عدن بل تقدم اإليها بسالم وطلب من واليها الطاهري<br />
الأمري مرجان اأن ميده باملوؤن الالزمة وبعض املرشدين البحريني لتوصيل احلملة<br />
اإىل جدة، فاأطاعهم الأمري مرجان خوفاً من بطشهم. ولكن احلملة الربتغالية فشلت<br />
يف احتالل جدة بسبب التحصينات حول جدة اأولً ومطاردة سلمان الرومي للحملة<br />
الربتغالية ثانياً فرتاجعوا اإىل جزيرة قمران. وتبعهم سلمان الرومي واأرس بعض<br />
السفن الربتغالية املعتدية وبعض بحارتها واأرسل الأرسى اإىل استنبول. وهكذا وىل<br />
هارباً من سلم يف املعركة من الربتغاليني اإىل عدن ثم هرمز )27( .<br />
لقد كانت عدن حمطة اسرتاحة للربتغاليني رغم اأنهم مل يسيطروا عليها فعلياً.<br />
وقد لم الكتاب الغربيون احلملة الربتغالية لعدم ضم اليمن للربتغاليني خاصة<br />
بعد اأن اكتشفت احلملة الربتغالية ضعف اليمن وعدن اأمام الربتغاليني واأنهم كانوا<br />
يستطيعون ضمها، وبسبب ضعف املماليك هذا يف سواحل البحر الأحمر وخاصة<br />
يف اليمن زاد الطمع الأوروبي يف اإرسال حمالت للسيطرة على السواحل العربية<br />
واملقدسات يف فلسطني، هذا بالإضافة اإىل اأن اأحد الكتبة املوظفني عند قانصوه<br />
الغوري راسل الأوروبيني واأخربهم عن ضعف قوة املماليك يف السواحل العربية )28( .<br />
ذكر بعض املوؤرخني الربتغاليني اأن الأمري مرجان اأمري عدن قدم مفاتيح<br />
عدن اإىل قائد احلملة الربتغالية لوبو سوريز للتعبري عن خضوعه للربتغاليني،<br />
ولكن يف احلقيقة اأنه مل يسلم مفاتيح عدن واإمنا حسب قول املوؤرخني العرب<br />
)ومنهم بو حمزمة( ، اأن الأمري مرجان »قدم لهم الضيافة العظيمة« )29( . ونستدل<br />
اأيضاً على اأن مرجان مل يقدم لهم مفاتيح املدينة بدليل استعداداته بتحصني<br />
عدن بعد ذلك خوفاً من رجوع الربتغاليني اإليها بعد خروجهم منها للرشق،<br />
والتحصني اأيضاً كان خوفاً من مفاجاأة الربتغاليني لعدن مرة ثانية )30( . كما<br />
اأن الأمري مرجان استعد للدفاع عن عدن سنة 1520م عندما علم بوجود حملة<br />
برتغالية كبرية بالقرب من عدن )31( .
أ. د. تيسري جباره<br />
وقد اأرسل الأمري مرجان رسائل للسلطان سليم العثماين شكا فيها اأعمال حسني<br />
الكردي وسلمان الرومي اإمام عدن، ويف الوقت نفسه اعتذر يف رسالته عن موقفه<br />
املسامل من الربتغاليني، واأرسل خطاباً اآخر اإىل رشيف مكة رشح فيه اأحداث عدن<br />
وطلب منه »مساعدة رسوليه يف الوصول اإىل استنبول وقد اأحسن السلطان العثماين<br />
وفادة هذين الرسولني« )32( .<br />
ول ننسى اأن الربتغاليني كانوا يرسلون حمالتهم البحرية اإىل البحر الأحمر<br />
وسواحل اأفريقيا ويالقوا الرتحيب الكامل من النجاشي ملك احلبشة، حتى اأنه طلب<br />
منهم مساعدته للوقوف اأمام القوى الإسالمية؛ لأنه حماط بها من جميع الأطراف،<br />
وكانت املراسالت قد جرت بني النجاشي وامللك الربتغايل حول كيفية تطويق السواحل<br />
الإسالمية، وكتب يف رسائله اأقذع النعوت والعبارات السيئة ضد قادة املسلمني<br />
واملقدسات الإسالمية والشتائم للمسلمني وملوكهم )33( . وطلب يف رسائله من ملك<br />
الربتغال اأن يقوم مع الربتغاليني والإسبان والقوى الأوروبية الأخرى باحتالل جدة<br />
ومكة واملدينة والقاهرة والقدس.<br />
ويف عام 1530م قامت حملة برتغالية بقيادة »دي سلفريا« باحتالل عدن<br />
وفرض قائد احلملة على حاكم عدن توقيع معاهدة اعرتف حاكمها مبوجب هذه<br />
املعاهدة بسيادة الربتغاليني عليها وبدفع اجلزية السنوية للربتغال، واشرتط قائد<br />
احلملة على حاكم عدن عدم توجه السفن العدنية جلدة شمالً. وترك الربتغاليون<br />
حامية برتغالية يف عدن لتطبيق املعاهدة. وما اأن عاد قائد احلملة الربتغالية لبالده<br />
حتى نقض اأمري عدن املعاهدة وقتل الربتغاليني، واأرسل حاكم عدن رسالة يطلب من<br />
السلطان سليمان القانوين حمايته من الربتغاليني، واأخربه فيها بالدخول يف طاعة<br />
العثمانيني )34( .<br />
وقد متيزت الفرتة بني – 1518 1538م )924 – 944ه( باضطرابات كثرية<br />
يف اليمن وذلك نظراً لوجود قوى خمتلفة تتصارع على النفوذ فيها، فهناك القوة<br />
اململوكية التي اعرتفت بالسيادة <strong>العثمانية</strong> عند دخول العثمانيني مرص سنة 1517م،<br />
وهناك القوة الثانية وهم الطاهريون اأفراد اأرسة السلطان عامر بن عبد الوهاب،<br />
والقوة الثالثة وهم الزيديون وهي القوة الرئيسة التي واجهت العثمانيني يف اليمن<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
125
126<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
سنة 1538م، والقوة الرابعة وهم العربان املحليون، والقوة اخلامسة وهم ولة جدة<br />
الذين يطمعون بالوصول اإىل حكم اليمن.<br />
اإزاء هذا الوضع التنافسي يف اليمن كان الربتغاليون قد شددوا قبضتهم على<br />
سواحل البحر الأحمر واخلليج العربي. لذا فكر العثمانيون باأن تكون سيطرتهم فعليه<br />
على اليمن والسواحل القريبة واملوؤدية اإليها، ول ننسى مركز جدة والقاهرة كمحطات<br />
انطالق عثمانية نحو اليمن.<br />
وقد اأرسل العثمانيون اأول حملة بحرية اإىل اليمن عام 1526م سارت من مرص<br />
برئاسة اإبراهيم باشا )الصدر الأعظم( مبرص وكانت احلملة مكونة من عرشين سفينة.<br />
وصلت احلملة جدة عام 1526م ثم سارت لليمن وسار قسم منها للهند ملالحقة<br />
الربتغاليني. لكن هذه احلملة مل حتقق املطلوب للحكم العثماين بسبب رجوع احلملة<br />
اإىل استنبول.<br />
وبداأ السلطان سليمان القانوين يستعد لإرسال حملة ثانية منذ سنة 1531م<br />
بقيادة سليمان باشا اخلادم وايل مرص، لذا قام الوايل ببناء 80 سفينة يف مرص<br />
لتجهيزها للسفر قريباً لليمن حتى اأن خشب هذه السفن كان قد بعثها السلطان القانوين<br />
من تركيا. ومما شجع السلطان سليمان القانوين على اإرسال هذه احلملة وصول رسول<br />
بهادور شاه )حاكم منطقة غربي الهند( حيث طلب هذا الرسول املساعدة <strong>العثمانية</strong><br />
لنرصة احلاكم بهادور املسلم ضد العتداءات الربتغالية، وبعد قليل علم السلطان<br />
سليمان اأن الربتغاليني قتلوا السلطان بهادور. وقد اأثار مقتله حماسة السلطان<br />
سليمان الدينية وجعله يصمم على نرصة الإسالم واملسلمني يف الهند )35( . لذا اأمر<br />
سليمان القانوين وايل مرص سليمان باشا )36( اخلادم بالذهاب على راأس احلملة<br />
<strong>العثمانية</strong> لليمن ب<strong>تاريخ</strong> 15 حمرم سنة 945ه املوافق 1538/6/13.<br />
غادرت احلملة ميناء السويس متجهة يف طريقها نحو جدة ثم جزيرة قمران حتى<br />
وصلت عدن يف 1538/8/3م. وقد استقبلها سلطان عدن عامر بن داود الطاهري<br />
وفتح لها باب املدينة، لكن بعد خمسة اأيام قام سليمان باشا اخلادم قائد احلملة<br />
باإعدام عامر بن داود سلطان عدن وذلك بحجة اأنه مل يرد سابقاً على رسائله التي كان<br />
قد بعثها قائد احلملة سليمان طالباً فيها اخلضوع للعثمانيني بال حرب.
أ. د. تيسري جباره<br />
اأرسل سليمان باشا اخلادم رسالة للسلطان العثماين سليمان القانوين قال فيها<br />
اإنه فتح اليمن بعد حرب طاحنة، علماً باأنه استوىل عليها بدون حرب )37( .<br />
ثم اجتهت احلملة <strong>العثمانية</strong> من عدن اإىل الهند )ميناء ديو( وقد حارص امليناء<br />
قائد احلملة وكان النرص له ولكنه انسحب فجاأة قبل وصول جندات برتغالية لفك<br />
احلصار العثماين عن ديو، وهكذا رجعت احلملة <strong>العثمانية</strong> اإىل السواحل العربية. وكانت<br />
حجة سليمان باشا اخلادم بالنسحاب املفاجئ اأنه مل يلق اأي مساعدة من املسلمني<br />
الهنود من )سلطان كجرات( لكن احلقيقة اأنه انسحب لأنه عرث على وثيقة تفيد بوصول<br />
جندات برتغالية لفك احلصار العثماين عن ميناء ديو.<br />
وعند عودة سليمان باشا اخلادم قائد احلملة من الهند اإىل اليمن، قرر اإكمال<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على املدن اليمنية، فوصل ميناء الشحر اأول املوانئ العربية،<br />
واأصدر اأمره بتعيني بدر الطويرق حاكماً على حرضموت، ثم تابع سريه فوصل عدن<br />
ومنها اإىل خما واأنزل جنوده هناك استعداداً لإخضاع املماليك يف زبيد للسيطرة<br />
<strong>العثمانية</strong>. وكعادته دعا قائد احلملة <strong>العثمانية</strong> سليمان اخلادم اإىل خيمته وايل زبيد<br />
اململوكي الناخودة اأحمد كي يعلن ولء الطاعة، وتردد وايل زبيد يف البداية لأنه كان<br />
يعلم غدر القائد العثماين، واأخرياً قرر وايل زبيد الذهاب ملقابلة قائد احلملة، وبعد<br />
التسليم عليه غدر به وقتله. ثم قام سليمان باشا عندئذ بتعيني اأحد اأمراء احلملة وهو<br />
مصطفى بك )نائب غزة السابق( حاكماً لزبيد واملناطق التهامية، وهكذا فقد كان<br />
القضاء على الطاهريني يف عدن وعلى املماليك يف زبيد بداية املواجهة املبارشة<br />
بني العثمانيني والقوة الثالثة يف اليمن وهي قوة الإمامة الزيدية. لكن سليمان باشا<br />
اخلادم مل يستطع السيطرة على الإمام رشف الدين زعيم الزيديني، وقد حاول القائد<br />
العثماين دخول تعز التي كانت حينئذ حتت حكم الإمام رشف الدين الزيدي لكنه فشل.<br />
وعلى كل حال استطاع القائد العثماين السيطرة على مدخل البحر الأحمر حيث وضع<br />
حامية عثمانية يف جزيرة قمران وقام بتحصينها. ثم قفل راجعاً اإىل جيزان ثم جدة<br />
التي وصلها يف 1539/3/13م. ثم رجع اإىل مرص ثم اإىل العاصمة استنبول حيث<br />
اأغدق عليه السلطان سليمان القانوين الهدايا وعينه وزيراً يف الديوان مكافاأة له. ويف<br />
العاصمة <strong>العثمانية</strong> انسحب من احلياة السياسية اإىل اإقطاعه اخلاص حيث بقي فيه<br />
حتى وفاته 1552م/960ه.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
127
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
128<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على املغرب العربي:<br />
كان سقوط غرناطة )يف الأندلس( بيد املسيحيني الإسبان عام 1492م نقطة<br />
حتول خطرية يف <strong>تاريخ</strong> الأندلس و<strong>تاريخ</strong> شمايل اأفريقيا. حيث هاجر عدد كبري من<br />
العرب الأندلسيني من الأندلس والتجاأوا اإىل املوانئ العربية شمايل اأفريقيا ومنهم<br />
من كان يحمل معه مفتاح بيته يف الأندلس ظاناً اأنه سيعود اإليها بعد فرتة قصرية.<br />
وقد قامت السفن العربية يف شمايل اأفريقيا بحماية الالجئني الأندلسيني من<br />
تعديات الإسبان عليهم، ومن املعروف اأن هذه احلروب كانت حروباً دينية اأكرث منها<br />
عرقية. وللدللة على ذلك ما نعلمه من وصية امللكة اإيزابيال التي اأوصت بعد طرد<br />
العرب من الأندلس بالزحف اإىل شمايل اأفريقيا وحتويل اأهلها اإىل املسيحية. ومما<br />
جاء يف وصيتها اإىل ابنتها ما يلي: »اإنني اأرجو من الأمرية ابنتي والأمري زوجها<br />
واآمرهما باإطاعة وصايا الكنيسة املقدسة. فعليهما اأن يقوما بحمايتها واأل يكفا عن<br />
متابعة فتح اأفريقيا وحماربة الكفار« اأي املسلمني. لذا احتلوا املرسى الكبري سنة<br />
1505م ثم هجموا على وهران يف اجلزائر وقتلوا 4 اآلف مسلم واأرسوا 8 اآلف )38( .<br />
واحلقيقة اأن الإسبان واجهوا صعوبات جمة يف استيالئهم على املوانئ العربية<br />
يف شمايل اأفريقيا. والسبب يف ذلك اأن وجودهم يف املدن الساحلية كان يف مواجهة<br />
شعب اإسالمي معادٍ لالإسبان وكذلك لأن الإسبان طردوهم من الأندلس، هذا بالإضافة<br />
اإىل اأن البحرية الإسالمية بداأت يف النمو التدريجي وبداأت يف الهجوم على املوانئ<br />
الأندلسية لطرد املحتل الكاثوليكي، اأضف اإىل ذلك اأن العمليات اجلهادية الربية<br />
ازدادت على املوانئ املحتلة و رغم ذلك كان الإسبان والربتغاليون اأقوى من الدول<br />
الإسالمية املوجودة يف شمايل اأفريقيا.<br />
كان جميء العثمانيني اإىل شمايل اأفريقيا مبثابة جندة اأنقذت شمايل اأفريقيا من<br />
الغزو الأوروبي وعملت على توحيد البالد سياسياً. وقد رحبت معظم طبقات السكان<br />
مبجيء العثمانيني، فلم يعتربوا دخول شمال اأفريقيا يف حظرية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
احتاللً اأجنبياً )39( .<br />
مل متد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> نفوذها اإىل تونس واجلزائر بواسطة غزو عسكري اأو تدخل<br />
مبارش من حكومة الأستانة )استنبول( كما حدث يف مرص، بل جاء تدخل <strong>الدولة</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
نتيجة لشتداد الرصاع بني الإسالم واملسيحية يف احلوض الغربي للبحر الأبيض<br />
املتوسط يف اأوائل القرن السادس عرش، وقد اجتذب هذا الرصاع عدداً من البحارة<br />
املغامرين الذين نشاأوا يف خدمة اأسطول <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ثم كونوا اأساطيل صغرية<br />
وعملوا حلسابهم اخلاص وجاهدوا ضد اأعداء الدين، واعتربهم املسلمون اأبطالً بينما<br />
اأطلق عليهم خصومهم القراصنة، ومن هوؤلء الذين شهد لهم ال<strong>تاريخ</strong> بالبطولت عروج<br />
واأخوه خري الدين بربروسا.<br />
عروج باشا:<br />
بداأ عروج باشا نشاطه يف غرب البحر الأبيض املتوسط عام 1510م، وقد فتح<br />
له الأمري احلفصي موانئ تونس، واستطاع بغاراته الناجحة اأن يسرتد ميناء بجاية<br />
من الإسبان وهو اأول ميناء اسرتده املسلمون. لذا ذاع صيت عروج باشا فدخل حتت<br />
قيادته عدد كبري من املتطوعني اجلزائريني، ومل يقترص جيشه على العنرص الرتكي<br />
بل ضم اإليه عدداً من القبائل يف اجلزائر واملغرب.<br />
وتنقل عروج من نرص اإىل نرص ومن مدينة اإىل اأخرى حتى وصل تلمسان غربي<br />
اجلزائر، فاأقام يف املدن الساحلية والداخلية اجلزائرية حاميات وقالعاً عثمانية،<br />
لكنه اصطدم يف تلمسان مع الإسبان الذين حارصوه، واستطاع اأن يفلت من احلصار<br />
اإل اأن القوات الإسبانية تبعته، واستطاعت قتله وهو يف طريقه اإىل مدينة اجلزائر )40( .<br />
خري الدين بربروسا:<br />
حترج مركزه بعد مقتل اأخيه عروج، لذا اضطر اإىل طلب املعونة من السلطان<br />
العثماين، فاأرسل له السلطان سليم الأول سنة 1518م األفني من الإنكشاريني، ودخلت<br />
اجلزائر منذ ذاك الوقت ضمن الوليات <strong>العثمانية</strong>، واستطاع خري الدين يف الفرتة ما<br />
بني – 1520 1525م، اإخضاع املالحة البحرية يف البحر املتوسط لسيطرة الأساطيل<br />
الإسالمية، كما خافت منه دول اأوروبا واأطلقوا عليه »بربروس« اأي الرجل ذي اللحية<br />
احلمراء )41( .<br />
استطاع خري الدين توسيع دائرة نفوذه باسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> سواء باإلزام<br />
احلفصيني وبني زيان اإعالن تبعيتهم للعثمانيني اأو احتالل قسنطينة عام 1527م<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
129
130<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ورفع عليها العلم العثماين، واستطاع اأيضاً احتالل معظم موانئ اجلزائر من اأيدي<br />
الإسبان وضم له موانئ عنابة وبجاية وقالة وغريها. واأعظم نرص له كان احتالله<br />
حصن البينون سنة 1529م الذي اأقامه الإسبان يف مواجهة ميناء اجلزائر. واإذا كان<br />
عام 1518م هو بداية وصول السلطة <strong>العثمانية</strong> رسمياً اإىل شمال اأفريقيا، فاإن استيالء<br />
خري الدين على حصن البينون هو بداية لتاأسيس ما عرف بنيابة اجلزائر، واأصبحت<br />
اجلزائر عاصمة املغرب الأوسط بل عاصمة شمايل اأفريقيا <strong>العثمانية</strong> )42( . واأصبح<br />
خري الدين احلارس الأمامي للدولة <strong>العثمانية</strong> يف غرب البحر املتوسط )43( .<br />
اتفق خري الدين مع السلطان سليمان القانوين على رضورة ضم تونس اإىل حظرية<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خاصة لأن فيها احلفصيني وهم اأصدقاء للملك شارل اخلامس<br />
الأوروبي عدو العثمانيني، وقد جنح خري الدين يف دخول تونس عام 1534م وقضى<br />
على حكم احلفصيني. لذا قام شارل اخلامس بتجهيز حملة اأوروبية لرضب خري الدين<br />
يف تونس، خرجت احلملة من برشلونة وكانت تضم 400 سفينة و28,000 جندي<br />
واستطاعت اسرتداد تونس واإعادة احلفصيني للحكم، وعاد قائدها شارل اخلامس<br />
لبالده بعد اأن وضع قوة اأوروبية يف ميناء حلق الوادي يف تونس. ويف الوقت نفسه<br />
قام خري الدين بالهجوم املفاجئ على جزر البليار وحمل معه 6000 اأسري وعاد بهم<br />
اإىل ميناء اجلزائر.<br />
استدعى السلطان العثماين سليمان القانوين خري الدين بربروسا وعينه قائداً<br />
عاماً لالأسطول العثماين مكافاأة له على الأعمال اجلليلة التي قام بها خلدمة الإسالم.<br />
واستقدم بربروسا بحارة عثمانيني انضموا لالأسطول اجلزائري وخلفه يف منصب<br />
البيلربكوية حسن اآغا.<br />
ويف عام 1540م خضعت املوانئ التونسية للقائد الإسباين اأندريه دوريا واأهمها<br />
سفاقس وسوسة ومناستري، فثار السكان املحليون ضد حكامهم احلفصيني؛ جلبنهم<br />
اأمام الغزو الأجنبي، ويف تلك الفرتة ظهر بحار عثماين هو درغوث باشا ليمالأ الفراغ<br />
يف تونس كما فعل خري الدين وعروج يف اجلزائر، فاأصبح درغوث منافساً قوياً لأندريه<br />
دوريا يف البحر املتوسط، وبسبب صيته عينته <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حاكماً على طرابلس<br />
كي يكون قريباً من تونس، واستطاع احتالل ميناء قفصة سنة 1556م وتوغل يف<br />
داخل تونس حتى وصل القريوان سنة 1558م، وظل احلفصيون والإسبان مسيطرين
أ. د. تيسري جباره<br />
على الساحل التونسي فقط. ويف عام 1574م استطاع العثمانيون الستيالء على<br />
تونس كاملة. واستقر حكمهم بها وبذلك تاأسست النيابة الثالثة يف شمايل اأفريقيا،<br />
وانتهى حكم احلفصيني الذي دام ثالثة قرون يف تونس. والنيابات <strong>العثمانية</strong> الثالثة<br />
شمايل اأفريقيا حسب <strong>تاريخ</strong> تاأسيسها هي اجلزائر فطرابلس فتونس. اأما املغرب<br />
)مراكش( فلم يصلها العثمانيون بسبب وجود الأرشاف فيها وهم من ساللة الرسول<br />
حممد صلى اهلل عليه وسلم.<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على حوض البحر األبيض املتوسط:<br />
عندما زار خري الدين بربروسا العاصمة <strong>العثمانية</strong> عام 1534م قدم ولء الطاعة<br />
للسلطان سليمان القانوين، واعتمد كل منهما على الآخر يف حماربة اأعداء الإسالم،<br />
وبعد اأن وقع السلطان العثماين معاهدة المتيازات الأجنبية )44( مع ملك فرنسا عام<br />
1553م مل يتعرض خري الدين للسفن الفرنسية وكرس كل اهتمامه للتعرض للسفن<br />
الإسبانية والإيطالية. ونتيجة انتصاراته يف البحر املتوسط لقبه السلطان العثماين<br />
باأمري البحر )قبودان باشا( )45( .<br />
ويف عام 1536م وذلك بعد عام من التوقيع الذي جرى بني فرنسا و<strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> يف معاهدة المتيازات الأجنبية، مت هناك حلف بينهما واتفقا على الهجوم<br />
على اإيطاليا حيث تزحف فرنسا براً من الشمال وتزحف اجليوش <strong>العثمانية</strong> على<br />
اإيطاليا بحراً. وقد جهز خري الدين بربروسا اأسطولً قوياً استعداداً لهذه املهمة.<br />
متكن الفرنسيون من دخول ميالنو وجنوة عام 1536م، بينما اأخذ بربروسا<br />
يف مهاجمة هابسبورغ، اأما السلطان العثماين فقد جهز جيشاً مكوناً من 300,000<br />
جندي اجته به اإىل األبانيا يف طريقه اإىل اإيطاليا )46( . لكن حدث عكس ما كان<br />
قد اتفقا عليه، حيث انسحبت فرنسا من شمال اإيطاليا بسبب نداء وجهه البابا اإىل<br />
الدول الأوروبية لقتال الإسالم. وهكذا مل تكمل فرنسا اخلطة املتبعة مع السلطان<br />
العثماين لحتالل اإيطاليا، وبقي سليمان وحيداً يف امليدان ضد اإيطاليا، وقد اكتفى<br />
سليمان القانوين باحتالل اجلزر الصغرية وبعض القواعد الواقعة على سواحل األبانيا<br />
واأملانيا. لكن النقطة الوحيدة التي استفادها بربروسا من التفاق الفرنسي العثماين<br />
هو احتالله اجلزر الواقعة يف بحر ايجه حيث اأخضعها كلها واأدخلها حتت الراية<br />
131<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
132<br />
<strong>العثمانية</strong> عام 1537م. وقد حاول البابا اسرتجاع هذه اجلزر فشكل حلفاً صليبياً<br />
لستكمال املهمة لكنه فشل، واأخرياً وقعت نيس Venice معاهدة مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
يف 1540/10/20م اعرتفت بسيطرة بربروسا على جميع اجلزر يف بحر ايجه،<br />
ووافقت على اأن تدفع جزية ورضيبة للدولة <strong>العثمانية</strong> مقابل سيطرتها على كريت<br />
وقربص واأن تعرتف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باملقابل مبركز نيس التجاري يف حوض البحر<br />
املتوسط الرشقي.<br />
تاأزمت العالقات بني فرنسا وخري الدين بعد خيانة فرنسا للدولة <strong>العثمانية</strong> يف<br />
حربها مع اإيطاليا. لذا قام بربروسا مبهاجمة فرنسا ب<strong>تاريخ</strong> 1543/8/5م، واستطاع<br />
احتالل ميناء طولون على الساحل اجلنوبي لفرنسا، ويف عام 1544م هاجم بربروسا<br />
السواحل الإيطالية، وكان يقود اأسطولً عثمانياً ضخماً، واستطاع السيطرة على مدن<br />
هامة مثل نيس. وبعد سنتني تويف بربروسا وترك خلفه اأسطولً قوياً انضم اإىل<br />
الأسطول العثماين.<br />
لقد واصل املهاجرون الأندلسيون املسلمون بناء وحدات سكنية عسكرية على<br />
طول سواحل شمايل اأفريقيا، وعقدوا العزم على النتقام من مضطهديهم وذلك<br />
بالإغارة على سواحل اإسبانيا املاألوفة لديهم ومهاجمة السفن املسيحية وخاصة يف<br />
مضيق جبل طارق واملنطقة البحرية املحيطة بجزيرة مالطا، وما لبثوا اأن حصلوا<br />
على مساندة العثمانيني.<br />
الثورات احمللية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
1. ثورة الغزالي يف دمشق:<br />
عني السلطان سليم جان بردي الغزايل والياً على دمشق بعد اأن رجع سليم اإليها.<br />
ويف عام 1518م عاد سليم من دمشق اإىل استنبول بعد عناء السفر واحلرب مع<br />
املماليك.<br />
سار مع سليم اأثناء توديعه كالً من الغزايل وابن الفرفور – قاضي دمشق –<br />
حيث سار الغزايل مع سليم حتى حمص ثم رجع لدمشق، بينما سار ابن الفرفور
أ. د. تيسري جباره<br />
معه حتى حلب معرباً عن زيادة حبه للسلطان اأكرث من الغزايل، ثم رجع القاضي<br />
اإىل دمشق )47( .<br />
األغى الغزايل بعض العادات <strong>العثمانية</strong> التي اأدخلها سليم على دمشق، فغضب منه<br />
ابن الفرفور، وجرت بينهما مشاحنات، فهرب ابن الفرفور اإىل حلب كي يوؤلب السلطان<br />
سليم عليه، ولكن العثمانيني مل يشكوا يف ولء الغزايل لهم.<br />
اأخذ الغزايل يف تثبيت سلطته يف دمشق، فعزل كثرياً من املوظفني العثمانيني<br />
ومل يبق منافساً له اإل اآغا النكشارية الذي يرتبط باآغا النكشارية يف استنبول.<br />
واأما خارج دمشق وُ جد هناك منافسون للغزايل وهم اأمراء حمليون يف كل منطقة،<br />
وقد استطاع اأن يتخلص منهم واحداً فواحداً، فمثالً سار اإىل البقاع اللبناين وحارب<br />
نارص الدين بن احلنش وقضى عليه وعلى عائلته واأرسل راأسه اإىل السلطان العثماين<br />
سليم دللة على ولئه للعثمانيني لأن ابن احلنش كان يعارض احلكم العثماين للبالد<br />
العربية.<br />
ثم جرّد الغزايل حمالت كثرية على اأمراء عرب حوران واأهمهم جغيمان الذي<br />
كان يتعرض كثرياً لقوافل احلجاج، لذلك قرر الغزايل الهجوم عليه يف معان خوفاً<br />
من تعديه على قوافل احلجاج هناك، واستطاع الغزايل اأن يحمي قافلة احلج ويهزم<br />
جغيمان، وهذا العمل اأدى لفرح السلطان سليم وكسب الغزايل رضا السلطان. كما<br />
قام الغزايل باإخضاع جان بولط )جنبالط( نائب حاكم غزة فاأعلن هذا ولءه<br />
للغزايل حتى اأنه عني مرتني على رئاسة قافلة احلج لأن الغزايل اطماأن لإخالص<br />
جان بولط )48( .<br />
وهكذا استطاع الغزايل اأن يوطد نفوذه داخل وخارج دمشق، وعندما كان يف جولة<br />
تفقدية يف بريوت عام 1520م سمع نباأ وفاة السلطان سليم واعتالء ابنه سليمان حكم<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، عندئذ اأعلن الغزايل ثورته على العثمانيني، فقام بتعيني اأحمد بن<br />
نارص الدين احلنش على البقاع ترضية لآل احلنش لأنهم يكرهون العثمانيني. وقام<br />
بتعيني اأحد اأمراء احلرفوش على حمص، واملقوقع يف حماة، واستدعى حكام القدس<br />
وصفد ملساندته يف ثورته، وهجم على القلعة يف دمشق وطرد اجليش النكشاري<br />
العثماين منها. ثم سار اإىل الشمال لقتال العثمانيني يف حلب وطرد واليها منها،<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
133
134<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
وقد طلب الغزايل املساعدة من خري بك حاكم مرص اململوكي وشجعه على الثورة<br />
يف مرص اأيضاً ضد العثمانيني، ولكن خري بك طلب منه اأن يقوم اأولً بالزحف حتى<br />
يصل حلب، ومن ثم يفكر يف مساعدة الغزايل، وكان قصد خري بك اإنزال الغزايل اإىل<br />
الهاوية واحلرب مع العثمانيني، وقد اأرسل خري بك كل الرسائل التي بعثها الغزايل له<br />
اإىل السلطان العثماين سليمان القانوين، ويعني هذا ولء خري بك للعثمانيني.<br />
قرر السلطان العثماين اإرسال حملة عسكرية للقضاء على ثورة الغزايل، وكان<br />
اجليش العثماين بقيادة فرحات باشا، وقد استطاع هذا طرد الغزايل من منطقة حلب<br />
ورجع الغزايل فوراً اإىل دمشق كي يثبت اأقدامه فيها ولكي يحارب العثمانيني يف<br />
دمشق. وقد سار فرحات باشا متعقباً الغزايل حتى قرية برزة قرب دمشق، وجرت<br />
معركة بينهما ب<strong>تاريخ</strong> 1521/2/5م وانترص فيها اجليش العثماين وقُ تل الغزايل يف<br />
املعركة، وقام فرحات باشا بتعيني ابن الفرفور قاضياً على دمشق علماً باأنه كان<br />
قاضياً سابقاً لها لكن الغزايل كان قد طرده يف بداية حكمه لدمشق. وبعد القضاء على<br />
الغزايل خضعت كل املناطق العربية اإىل احلكم العثماين، كما قام فرحات باشا بتعيني<br />
اإياس باشا حاكماً على دمشق.<br />
2. الثورة اململوكية يف بداية احلكم العثماني يف مصر<br />
1517م - 1524م:<br />
استوىل العثمانيون على مرص عام 1517م بعد معركة الريدانية، ومل يحاولوا<br />
فرض الصبغة <strong>العثمانية</strong> على اأهلها ول حتى ربطهم باحلضارة <strong>العثمانية</strong>، بل تركوا<br />
العنارص الأصلية حتكم البلد ولكن برشط بقاء السيادة والسيطرة للعثمانيني.<br />
اإن ما متيز به احلكم العثماين يف بداية عهده يف مرص اأنه كان حكماً غري مبارش<br />
رغم مركزيته، لقد منحت الإدارة <strong>العثمانية</strong> يف مرص حكومات الأقاليم املرصية اأو<br />
ما يطلق عليها اسم السنجقيات والكشوفيات لبكوات من املماليك، وقد ظلت مرص<br />
حتيا احلياة التي كانت حتياها يف عرص سالطني املماليك، فيما عدا اخلزنة السنوية<br />
وخطبة اجلمعة والسكة )النقد( وملكية السلطان نظرياً لالأرض. ومن اأهم البكوات<br />
املماليك الذين تسلموا منصب الكشوفية يف بداية العهد العثماين ملرص، اإينال السيفي<br />
وجامن السيفي )49( .
أ. د. تيسري جباره<br />
عندما قام الغزايل بثورته يف دمشق ضد العثمانيني طلب من خري بك حاكم مرص<br />
اململوكي مساعدته، لكن خري بك بدلً من مساعدة الغزايل قام بتحريض السلطان<br />
سليمان القانوين ضد الغزايل، اإما لأنه كان مطيعاً للدولة <strong>العثمانية</strong> اأو لأنه كان يعلم<br />
عدم مقدرته وعدم مقدرة الغزايل على القيام بثورة ضد العثمانيني، بل كان هناك<br />
بعض املماليك ممن كرهوا السلطة <strong>العثمانية</strong> لأنها سلبت حقهم يف احلكم، وحاول<br />
هوؤلء املماليك الناقمني اللتحاق بالغزايل اإل اأن خري بك بطش بهم.<br />
مل يقم املماليك يف مرص بالثورة ضد العثمانيني بعد وفاة السلطان سليم كما<br />
فعل الغزايل يف دمشق، اإل اأن الثورة التي قاموا بها كانت بعد وفاة حاكم مرص خري<br />
بك عام 1522م، وكان الثائرون اينال السيفي )كاشف »حاكم« املنطقة الغربية(<br />
وجامن السيفي – كاشف البهنسة والفيوم. »واأعلنا اأنهما لن يطيعا السلطان سليمان<br />
القانوين صغري السن، واأنهما لن يرتكا احلكم للعثمانيني الذين ل يعرفون مالقاة<br />
الفرسان« )50( . اإن مترد اثنني من قادة املماليك )اإينال السيفي وجامن السيفي( على<br />
احلكم العثماين كان لثالثة اأسباب هي: الدافع الأول اأن بعضاً من املماليك رغم انهيار<br />
سلطنتهم عام 1516م ظلوا يكنون العداء والضغينة للعثمانيني، الدافع الثاين، اأن<br />
بعض املماليك اأحسوا اأنهم يف ظل العهد اجلديد قد فقدوا امتيازاتهم وجاههم، اأما<br />
الدافع الثالث، اأن متزعمي التمرد كانوا من املخلصني لآخر سالطينهم طومان باي<br />
حتى بعد اإعدامه حيث عمد اأحدهم وهو اإينال السيفي بقتل الشيخ حسن بن مرعي<br />
واأخيه شكر وهما اللذان سلما السلطان طومان باي للسلطات <strong>العثمانية</strong> لتقوم بدورها<br />
باإعدامه.<br />
وقد اأعلن الثائرون عدم طاعتهم للسلطان العثماين وتوجهوا نحو اإقليم<br />
الرشقية من دلتا النيل وهي منطقة اسرتاتيجية حيث يكون يف مقدورهم قطع<br />
املواصالت بني مرص وبالد الشام، كما اأنهم حتكموا بطريق املواصالت واملوؤن<br />
بني الصعيد والقاهرة )51( .<br />
ويف اليوم التايل انضم جامن السيفي اإىل حليفه اإينال السيفي وبقيا معاً يف<br />
الرشقية يف انتظار وصول اأعيان املماليك الذين كانوا على علم مسبق باملوؤامرة<br />
واشتبك قادة املماليك مع العثمانيني وقتل جامن السيفي يف املعركة اأما اإينال فقد<br />
هرب اإىل غزة.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
135
136<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
عني السلطان العثماين والياً جديداً على مرص هو اأحمد باشا علماً باأن الوايل<br />
اأحمد كان يطمع يف منصب اأحسن وهو منصب الصدر الأعظم، وقد خطط مع<br />
املماليك يف مرص اإعالن الثورة على السلطان العثماين وذلك لبعد مرص عن العاصمة<br />
<strong>العثمانية</strong>، وقد متكن اأحمد باشا من قتل قائد النكشارية العثماين لأن النكشارية<br />
كانت موالية للسلطان العثماين، ويبدو اأن اأحمد باشا اأراد حتطيم الروح املعنوية لتلك<br />
الفرق العسكرية عن طريق قتل قائدهم )52( .<br />
سيطر املماليك يف ثورتهم على الطريق الرئيسة التي تربط مرص ببالد الشام<br />
وحتكموا بطرق املواصالت، لكن العثمانيني بطشوا بهم واأخمدوا ثورة اإينال السيفي<br />
وجامن السيفي. ولكن هذا ل يعني القضاء نهائياً على املماليك يف مرص، فقد ثار وايل<br />
مرص اأحمد باشا عام 1523م الذي لقب باخلائن والذي كان قد اشرتك مع العثمانيني<br />
يف الفتوحات يف البلقان، وكافاأه السلطان العثماين بولية مرص اإل اأنه كان يطمع<br />
بوظيفة اأحسن منها وهي وظيفة الصدر الأعظم.<br />
قام اأحمد باشا اخلائن باحتالل القلعة يف مرص وقضى على النكشارية فيها<br />
يف 1524/2/7م واأعلن نفسه سلطاناً على مرص، وقام مبحاولة السيطرة على<br />
طريق الشام كي مينع وصول العثمانيني ملرص، وصادق البدو هناك كي يساعدوه<br />
يف التعرض للعثمانيني. اإل اأن العثمانيني اأشاعوا يف القاهرة اأن اأحمد باشا حتول<br />
عن مذهب السنة اإىل الشيعة واأصبح من اتباع الشاه اإسماعيل الصفوي، وجنحت هذه<br />
الشائعة فثار املماليك ضده واأعلن قضاة املذاهب الأربعة اجلهاد ضده. وقتل اأحمد<br />
باشا اخلائن نتيجة الثورة عليه يف 1524/2/26.<br />
3. ثورة البدو يف الشام والعراق:<br />
كانت ثورة البدو قد اأقلقت سلطات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لأنها مل حتدث يف مكان<br />
واحد ويف وقت واحد، بل كان البدو يثورون عادة على السلطة عندما يحل والٍ حمل<br />
والٍ اأو سلطان حمل سلطان، كما كانوا يثورون اأيضاً ويقومون باعتداءات متكررة<br />
على قوافل احلجاج يف موسم احلج، حيث كانوا يهجمون على قافلة احلج ويسلبونهم<br />
اأمتعتهم ونقودهم وكل شيء ثمني يجدونه مع احلجاج. وكان هذا العمل يحرج موقف<br />
الوايل والسلطان اأيضاً يف العامل الإسالمي، لأن العتداءات على قافلة احلج وسلب
أ. د. تيسري جباره<br />
اأمتعتهم تعني عدم مقدرة الوايل اأو السلطان على حماية قافلة احلج. لذا قام كل والٍ<br />
يف بالد الشام باإرسال جيش يرافق القافلة دوماً، واإذا كان الوايل ضعيفاً كان يدفع<br />
للبدو نقوداً مقابل سكوتهم ذاك املوسم من احلج؛ وذلك لضمان سالمة قافلة احلجيج<br />
وعرف هذا املال املدفوع للبدو »بالرص« )53( . وكان البدو يحصلون على الرص سواء<br />
يف الذهاب اإىل مكة اأو القدوم منها، واإذا امتنع اأمراء احلج عن دفع الرص يف عودة<br />
احلجيج كان البدو يقومون بالعتداء على القافلة حني عودتها من الديار املقدسة.<br />
بنى السلطان سليمان القانوين القالع واحلصون واأقام احلاميات وخاصة على<br />
منابع املياه للمحافظة على الطريق السلطانية – طريق احلجاج- لأن البدو كانوا<br />
يضعون السم يف املياه خاصة اإذا مل يستلموا الرص من اأمري احلج. ول تنسى سيطرة<br />
البدو على مناطق هامة ذات مواقع اإسرتاتيجية تتحكم بشبكات املواصالت الرئيسة.<br />
جلاأ العثمانيون اإىل طريقة اأخرى للقضاء على ثورة البدو عدا عن جتريد اجليش<br />
عليهم اأو اإرسال اجليش مع قافلة احلج، فقد جلاأوا اإىل حتريض زعيم بدوي ضد زعيم<br />
اآخر ضمن القبيلة، اأو حتى اإثارة قبيلة على اأخرى لإضعافهم اأي اتباع سياسة فرق<br />
تَسُ دْ، واأحياناً جلاأ العثمانيون اإىل رشاء ولء قبيلة لستخدامها ضد قبيلة اأخرى )54( .<br />
ويف منطقة البرصة تساهل العثمانيون مع البدو لأنهم قدموا ولء الطاعة<br />
للعثمانيني ومن هذه الأرس البدوية اأرسة راشد بن مغامس التي كانت حتكم البرصة<br />
فاأبقاها العثمانيون يف البرصة عام 1538م، لكن عندما قام العثمانيون بتحريض<br />
اجليوش على البدو يف منطقة البرصة واخلليج العربي بقصد احلفاظ على سالمة<br />
احلجاج، قام راشد بن مغامس بثورة على السلطان سنة 1546م لكن العثمانيني<br />
استطاعوا السيطرة على الثورة البدوية )55( . وقد حاول البدو الثورة مرة ثانية عام<br />
1550م حيث قاموا بتهديد طرق املواصالت فعني السلطان العثماين لقتال البدو وايل<br />
بغداد علي باشا، وبعد معارك شديدة مع البدو استطاع الوايل فرض السلطة <strong>العثمانية</strong><br />
واحلفاظ على طرق املواصالت من اعتداءات البدو. ازدادت جراأة قبائل منطقة البرصة<br />
اإثر وفاة السلطان سليمان القانوين سنة 1566م واستالم سليم الثاين، فاأعلنت الثورة<br />
من جديد بزعامة ابن عليان. فقام السلطان العثماين بتجهيز جيش جرار بقيادة وايل<br />
بغداد اسكندر باشا الذي اصطحب معه وايل شهر زور ووايل البرصة بالإضافة اإىل<br />
عدد من الأكراد والأمراء، واستطاع اجليش العثماين السيطرة على بدو منطقة البرصة.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
137
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
138<br />
وقامت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ببناء احلاميات العسكرية والقالع ووضع فيها حاميات<br />
عثمانية للحفاظ على الأمن يف تلك املناطق، واضطر ابن عليان اإىل طلب الصلح<br />
مقابل دفع رضيبة سنوية كجزية اإىل خزينة البرصة.<br />
4. ثورة األكراد عام 1551م:<br />
تركز الأكراد يف منطقة شهر زور وكانوا قد اأعلنوا ولءهم للعثمانيني اأثناء<br />
السيطرة <strong>العثمانية</strong> على شمايل العراق ضد الصفويني. وقد اأبقى العثمانيون زعيم<br />
الأكراد حاكماً على شهر زور، لكن الأكراد قاموا بثورتهم على العثمانيني بتشجيع من<br />
الصفويني والعنارص الرتكمانية الأخرى. فكلف السلطان العثماين كالً من وايل حلب<br />
عثمان باشا ووايل بغداد علي باشا للسيطرة على الثورة الكردية، ويبدو اأن مناعة<br />
اأسوار شهر زور وقوة الأكراد جعلت وايل بغداد مييل اإىل املصاحلة واإبقاء حكام<br />
الأكراد يف مناطقهم مقابل اخلضوع للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
5. ثورة الزيديني يف اليمن:<br />
تعترب الأرسة الزيدية يف اليمن من اأقوى الأرس اليمنية، كما اأنها تعترب نفسها<br />
الزعيمة الدينية املحلية لكل اليمن وقد لقت الدعم والتاأييد من معظم قبائل اليمن.<br />
وعندما غادر الوايل العثماين ولية اليمن سنة 1555م بقصد رضب مناطق املتمردين<br />
جنوب مرص، ثار الزيديون يف اليمن حتى اأن العثمانيني يف اليمن ساعدوا قائد الثورة<br />
مطهر بن رشف الدين الزيدي بسبب اضطراب اأوضاعهم القتصادية. وازدادت الثورة<br />
حدة اإثر وفاة السلطان سليمان القانوين واإعالن اخلطبة باسم ابنه سليم الثاين يف تعز،<br />
واستوىل قائد الثورة على معظم املدن اليمنية، فاأرسل السلطان العثماين وايل مرص<br />
سنان باشا فتوجه هذا لليمن سنة 1569م وبقي فيها سنتني حتى استطاع القضاء<br />
على الثورة وتوطيد احلكم العثماين يف اليمن، وبعد ذلك غادرها اإىل جدة سنة 1571م<br />
بعد اأن وصل الوايل العثماين اجلديد بهرام باشا لليمن.<br />
))وقد وصف قطب الدين حممد املكي انتصار سنان باشا على الثائرين باأنه<br />
الفتح الثاين العثماين لليمن )كان الفتح الأول عام 945ه سنة 1539م( وكان هذا<br />
النتصار سبباً يف تاأليف كتابه »الربق اليماين يف الفتح العثماين« وقد كتبه بتكليف<br />
من سنان باشا(( )56( .
أ. د. تيسري جباره<br />
خطر الربتغاليني:<br />
اأرسل العثمانيون القبطان بريي بيك من مرص سنة 1552م لسرتداد عدن<br />
من الربتغاليني، فنجح يف اسرتداد عدن، ثم توجه اإىل رشقي اجلزيرة العربية لقطع<br />
خطوط التمويل املحلي وتعطيل نقاط الستناد على الربتغاليني، فاحتل مسقط من<br />
اأيدي الربتغاليني ثم سيطر على مضيق هرمز واجته يف اخلليج حتى وصل البرصة،<br />
ولكن الشائعات عن هجوم برتغايل معاكس جعل بريي بيك يرتاجع اإىل السويس،<br />
فاتهم باخليانة واأعدم، ورمبا كان اإعدامه نتيجة الرصاع الذي دب بينه وبني وايل<br />
البرصة الذي شكاه للسلطان للتخلص منه.<br />
ثورة اجلزائر:<br />
كما نشبت ثورات متعددة يف شمايل اأفريقيا. كان السلطان على اضطالع مبا<br />
يجري، وقد عني حممد بن صالح ريس حاكماً عاماً للجزائر فاأعاد الهدوء لشمال<br />
اأفريقيا، وخلفه يف احلكم قيليج علي قائد الأسطول العثماين، فاأعاد الهدوء من جديد<br />
وبقي يف احلكم عرشين عاماً – 1568 1587م واستطاع توطيد السيطرة <strong>العثمانية</strong><br />
يف كل من اجلزائر وتونس ومراكش.<br />
التنظيم اإلداري واإلصالحات الداخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
زمن سليمان القانوني:<br />
بعد اأن رجع السلطان سليمان القانوين من حملته على مولدافيا يف اأوروبا ب<strong>تاريخ</strong><br />
1539/11/27م وحملته على هنغاريا ب<strong>تاريخ</strong> 1541/6/20م، مكث السلطان<br />
سنتني يف العاصمة يرتب اأمور <strong>الدولة</strong> داخلياً. فقد عني لطفي باشا صدراً اأعظم، وهو<br />
من اأمهر واأقوى رجال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذين اعتمد عليهم السلطان سليمان، فقد<br />
كان جندياً شجاعاً ومثقفاً واعياً وقانونياً شهرياً واإدارياً ماهراً، واستطاع اأن يضع<br />
القانون نامه الذي وضع باسم السلطان سليمان، وسمي السلطان نتيجة ذلك بسليمان<br />
القانوين. ويتضمن هذا القانون عدا عن القوانني التي وضعت زمن السلطان حممد<br />
الفاحت تضمن اإصالحات يف شوؤون <strong>الدولة</strong>.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
139
140 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اأضاف سليمان قوانني اأخرى اهتمت باأمور املالية والعدلية والعقوبات<br />
والإجرام والقتل والرسقة والسكر وارتكاب الفاحشة. واأما عقوبة من اتبع هذه الأمور<br />
السيئة واملشينة فقد حدد القانوين لكل منها عقاباً خاصاً ذات اأحكام خمتلفة مثل<br />
عقوبات مالية وسجن وقطع اليد والإعدام. كما حدد القانون نامه تعديالت خاصة<br />
على التيمار. ومنع سجن اأي شخص بدون حتقيق معه وحماكمته علناً. ووضع قوانني<br />
هامة للدولة من جميع جوانبها. فوضع كتاباً صغرياً حدد فيه مهمة الصدر الأعظم<br />
وحدد مهمة كل موظف يف <strong>الدولة</strong>. واأخرياً استبدل الصدر الأعظم بصدر اأعظم اآخر<br />
هو سليمان باشا اخلادم الذي كان يشغل وظيفة حاكم مرص. ورمبا كان وراء ذلك<br />
دسيسة وذلك عام 1541م، ومنذ ذلك ال<strong>تاريخ</strong> بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف النحطاط<br />
التدريجي )57( خصوصاً بعد عزل لطفي باشا.<br />
اأما بالنسبة لشيخ الإسالم )اأبو السعود( فقد اشرتك يف وضع القانون نامه، ولكن<br />
بالطرق الرشعية التي تختص بالنواحي الإسالمية مثل: املرياث واأراضي املريي<br />
والوقف، كما حدد الرضيبة حسب الرشيعة الإسالمية. وتسمى هذه القوانني بقوانني<br />
اآل عثمان.<br />
وقام السلطان العثماين بتقسيم املناطق املفتوحة اإىل وليات وذلك كي يسهل<br />
اإدارتها وحكمها. ففي بالد الشام اأوجد العثمانيون ثالث وليات هي: الشام وحلب<br />
وطرابلس. وكل ولية قسمت اإىل صناجق، ومل يكن هذا التقسيم نهائياً، فكثرياً ما<br />
يلحق صنجق ولية اإىل ولية اأخرى، كما اأوجدوا من بعض الصناجق ولية رابعة،<br />
وكمثال على ذلك ولية صيدا، وقد تبعت لها صناجق اأيضاً.<br />
وكثرياً ما اأبقى العثمانيون احلكام املحليني يف مناطقهم، خاصة خارج املدن،<br />
فالذين قامت زعامتهم على اأسس دينية اأو اإقطاعية اأو بدوية، بقوا يف اأماكنهم طاملا<br />
يقدمون ولء الطاعة للعثمانيني. كما كان العثمانيون يوؤيدون حاكماً على اآخر بقصد<br />
التوازن بينهم كي ل يسيطر حاكم على اآخر ول يوسع نفوذه على حساب الآخر. فمثالً<br />
ليوازن العثمانيون قوة املعنيني يف جبل لبنان اعرتفوا مبنافسيهم اآل عساف، ولكي<br />
ل يسيطر اآل عساف على مناطق شاسعة اعرتفوا مبنافسيهم اآل سيفا وهكذا.
أ. د. تيسري جباره<br />
واأما يف مرص: فقد اأرسل السلطان سليمان القانوين الوزير الأعظم اإبراهيم باشا<br />
اإليها كي ينظم اأمورها الإدارية والعسكرية، وتبعاً لذلك صدر القانون نامه. فمن<br />
الناحية العسكرية ذكر القانون نامه 7 طوائف عسكرية يف مرص كما يلي:<br />
1.1»اجلنليان« وتعين املتطوعني: اأو اجلمليان )ومفردها صاحب اجلمل( .<br />
واأفراد هذه الفرقة استخدموا اجلمال يف احلرب وكانوا قد اشرتكوا يف فتح مرص.<br />
2.2التفنكجيان: مفردها تفنك اأي بندقية، واأفرادها هم من الفرسان حملة<br />
البنادق.<br />
3.3الشراكسة: واأفرادها من املماليك.<br />
4.4املستحفظان: وهم النكشارية واأقاموا يف القلعة، وهم الذين مثلوا السلطة<br />
<strong>العثمانية</strong> يف مرص وحكموها.<br />
5.5العزبان: مفردها عازب اأو اأعزب، اأقاموا يف القلعة، ونافسوا النكشارية يف<br />
احلكم ومهمتهم حماية القالع يف القاهرة.<br />
6.6اجلاووشان: مفردها شاويش وهم الذين جمعوا الرضائب من الشعب.<br />
7.7املتفرقة: وهم احلرس اخلاص للباشا )58( .<br />
واأما من الناحية االإدارية فقد كان على راأس كل ولية والٍ اأي باشا وهو برتبة<br />
وزير. وقد سكن يف القلعة، ويوازن يف وظيفته هذه قادة الطوائف العسكريني والقاضي<br />
احلنفي والدفرت دار، وكان الشخص الذي ينوب عن الباشا يلقب بالقائم مقام. واألغى<br />
القانون نامه الإقطاعات يف مرص، واأصبح املوظفون يتقاضون مرتبات، ورمبا كان<br />
القصد من ذلك عدم السماح للمماليك باإقامة مناطق نفوذ حتت زعامة زعيم اإقطاعي،<br />
وكانت اأموال املريي جتمع من قبل ملتزمني، وبعد اأن تغطى املرصوفات املحلية<br />
يرسل بقية املبلغ اإىل السلطان عن طريق الشام. وتاألفت يف مرص ولية واحدة فقط،<br />
مركزها القاهرة، لكن قسمت هذه الولية اإىل اأقسام اإدارية عرفت باسم كشوفيات،<br />
مفردها كشوفية، يحكم كل منها كاشف، مهمته جباية الرضائب وصيانة شبكات<br />
الري.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
141
142<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اأما يف العراق: فقد كانت هناك خمس وليات، وهي ولية بغداد مركز الولية<br />
ويتبعها 18 صنجقاً، وولية البرصة، وولية الإحساء، وولية املوصل وتضم ست<br />
صناجق، ثم ولية شهر زور.<br />
وهناك والية اليمن: وقد اهتم بها العثمانيون كثرياً وذلك لأنها كانت تقف<br />
يف وجه الربتغاليني، وكان العثمانيون لفرتة قصرية قد قسموا اليمن اإىل وليتني كي<br />
يسهل حكمها، الأوىل يف السواحل والثانية يف اجلبال، ثم جمعتا يف ولية واحدة بعد<br />
اأن مت القضاء على ثورة الإمام مظهر الزيدي.<br />
ويف شمايل اأفريقيا: كانت هناك وليات اجلزائر وتونس وطرابلس. وقد نظم<br />
العثمانيون الإدارة فيها، واعتمدوا على الإنكشارية وروؤساء القراصنة يف توطيد<br />
احلكم. وكان على راأس اجلزائر )بيلربي( خضع له النكشارية والقراصنة على السواء،<br />
ويتم تعيينه من قبل السلطان مبارشة. وكذلك تونس كان يحكمها )بيلربي( ، وكان<br />
فيها 4 اآلف انكشاري بصفة دائمة، يراأس كل مائة انكشاري قائد يسمى الداي، وكان<br />
يراأس العسكر جميعاً الآغا.<br />
واأوجد العثمانيون وظيفة اأمري لواء وذلك لضبط البالد وجمع اأموال اجلباية منها<br />
ويدعى هذا الأمري »الباي«. ويف طرابلس عني العثمانيون طورغوث )دورغوث( برتبة<br />
بيلربي عليها عام 1534م وذلك لتوطيد احلكم العثماين فيها. ويف عام 1553م،<br />
استطاع طورغوت مع سنان باشا السيطرة على جزر صقلية وكورسيكا ونابويل.<br />
حكم الوليات العربية ولة نشيطون استطاعوا السيطرة على كل الثورات املحلية،<br />
فزاد توطيد احلكم العثماين يف الوليات، ومما زاد يف توطيد احلكم الرهبة التي كان<br />
يعكسها الولة يف ولياتهم عندما كانوا يقومون باحتفالت واإقامة الزينات تخليداً<br />
لنتصار عثماين كبري يف اأوروبا. فكان الولة واجليش النكشاري يربزون عضالتهم<br />
اأمام الأهايل فتزداد الرهبة منهم، لذا حققوا الأمن يف جميع الوليات. وبرهن<br />
الولة على اأنهم على مستوى املشوؤولية الإدارية عندما حققوا الأمن وبنوا اجلوامع<br />
واملدارس والسبل لتخليد ذكراهم، وقد كرث بناء اجلوامع يف خمتلف الوليات زمن<br />
سليمان القانوين.
أ. د. تيسري جباره<br />
لقد اأخلد السكان للهدوء يف الوليات، وهالهم ما راأوا من كرثة اجلنود الأتراك<br />
واملدافع التي اشرتكت يف املعارك واإقامة الرتتيبات والحتفالت بالنتصارات<br />
العسكرية يف اجلبهات الأوروبية. واإظهار روؤوس املتمردين مقطوعة اأمام الناس مما<br />
اأرهب السكان وجعلهم ل يفكرون بالثورة على العثمانيني.<br />
التجارة <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا وفرنسا:<br />
التجارة مع فرنسا:<br />
اأقام الولة اخلانات على الطرق )59( يف وليات كثرية، وهذا يدل على نشاط<br />
التجارة خصوصاً يف بالد الشام، وقد وقع السلطان سليمان القانوين عام 1535م<br />
معاهدة »المتيازات« الأجنبية مع الفرنسيني. وقد شملت هذه المتيازات العالقات<br />
التجارية مع فرنسا. ومبوجبها اأعفي الفرنسيون من اخلضوع لكثري من قوانني البالد،<br />
فزاد نشاط التجار الفرنسيني يف بالد الشام.<br />
تشمل معاهدة المتيازات الأجنبية 16 مادة، وكان الصدر الأعظم هو املخطط<br />
لها زمن السلطان القانوين، وقد جددت هذه املعاهدة بعد ذلك عدة مرات يف سنوات<br />
خمتلفة واأضيفت اإليها اأحكام جديدة. ثم اأصبحت هذه املعاهدة جتدد تلقائياً كلما<br />
ارتقى عرش <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> سلطان جديد )60( .<br />
ومما جاء يف هذه املعاهدة تطبيق القانون الفرنسي على الفرنسيني داخل <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، وتخفيض الرسوم اجلمركية على الرعايا الفرنسيني، ومُ نح الفرنسيون<br />
احلرية التجارية املطلقة وحرية املالحة يف كل املوانئ <strong>العثمانية</strong>، وعدم اإبحار اأي<br />
سفينة اأجنبية يف املياه <strong>العثمانية</strong> اإل وهي حتمل العلم الفرنسي. واأتيحت للرعايا<br />
الفرنسيني حرية ممارسة طقوسهم الدينية. وطبقاً ملعاهدة المتيازات Capitulations<br />
فقد جرى تعيني قناصل فرنسيني يف موانئ بالد الشام.<br />
كانت المتيازات الأجنبية قد منحت فرنسا حق حماية الكاثوليك الأوروبيني<br />
لكنائسهم وكهنتهم يف الأراضي <strong>العثمانية</strong>، ثم وسعت فرنسا تلك احلماية تدريجياً<br />
حتى اأصبحت تشمل الكاثوليك العثمانيني والإرساليات الأوروبية العاملة بينهم.<br />
ومنذ توقيع هذه املعاهدة اأصبحت فرنسا حامية للرعايا الكاثوليك العثمانيني.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
143<br />
جامعة القدس املفتوحة
144 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
وكانت اأكرب طائفة كاثوليكية هي طائفة املوارنة التي كانت تعيش يف لبنان. والتي<br />
كانت قد اعرتفت بالسلطة البابوية اأثناء احلروب الصليبية، واأقامت لها عالقات<br />
مبارشة ومستمرة مع الفاتيكان منذ القرن السادس عرش، وعالقات مبارشة مع ملك<br />
فرنسا عام 1649م بحيث اأصبح النفوذ الفرنسي فيها كبرياً )61( .<br />
التجارة مع بريطانيا:<br />
اإن العالقات الإجنليزية <strong>العثمانية</strong> من ناحية التجارة كانت مستمرة رغم عدم<br />
عقد معاهدة جتارية بينهما، بينما فرنسا كانت قد وقعت معاهدة المتيازات.<br />
وترجع بداية العالقات التجارية الإجنليزية <strong>العثمانية</strong> احلسنة منذ اأن قابل اأنطوين<br />
جنكسني الإجنليزي اجلنسية قابل السلطان العثماين عام 1553م يف حلب، وسمح<br />
السلطان له باملتاجرة بحرية مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. كما استقبلت السلطات <strong>العثمانية</strong><br />
بعثة اإجنليزية عام 1578م واستطاعت اأن تضع احلجر الأساسي للتجارة الإجنليزية<br />
يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عندما اأرسل السلطان مراد الثالث رسالة مللكة بريطانيا عام<br />
1579م قال فيها: اإن البالد <strong>العثمانية</strong> ستبقى دائماً مفتوحة للتجار الإجنليز، واأصدر<br />
السلطان )براءة( اإرادة سلطانية عام 1580م تضمن للتجار الإجنليز امتيازات واسعة<br />
النطاق )62( .<br />
لذا فقد نشط التجار الإجنليز يف حلب وشمال بالد الشام، واأنشاأ الإجنليز<br />
عام 1581م رشكة بالد املرشق Levant Company التي تركز نشاطها يف<br />
بالد الشام )63( .<br />
ومن املعروف اأن الأساطيل الفرنسية والإجنليزية احلربية قد حلت حمل الأسطول<br />
الربتغايل يف القرن السابع عرش يف منطقة البحر الأحمر واملتوسط والأطلسي يف<br />
رصاعها مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ومل يتوقف هذا الرصاع الأوروبي العثماين البحري<br />
حتى نهاية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
نستطيع القول اأخرياً اإن سليمان القانوين كان اأعظم شخصية يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،<br />
فقد بلغت الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> يف عهده اأوج اتساعها وقوتها براً وبحراً. واشتهر<br />
سليمان القانوين بوضع جمموعة قوانني تخص اإصالحات يف <strong>الدولة</strong> ويف احلكومة.<br />
اإل اأنه رغم قوته وشهرته عاملياً مل يستطع فتح فينا، بل وقف على اأسوارها، كما اأنه
أ. د. تيسري جباره<br />
مل يستطع طرد الربتغاليني من املحيط الهندي، ومل يستطع السيطرة على روسيا بل<br />
وقف الروس حاجزاً اأمام زحفه يف الرشق، ثم ما لبثوا اأن اأصبحوا فيما بعد اأخطر عدو<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد سليمان القانوين يف الضعف التدريجي رغم قوتها<br />
واتساعها. اإل اأن بداية الضعف نستطيع اأن نلمسها يف نهاية حكم السلطان القانوين<br />
عندما مل يشارك يف جلسات الديوان الذي كان يصدر القرارات الهامة بسبب كرب سنه<br />
وتدهور صحته، واستغلت احلرمي يف القرص السلطاين اأثناء هرمه بالتاآمر لتعيني<br />
سلطان ليس اأكفاأ من غريه من اأبناء سليمان )64( . واأخرياً تويف سليمان القانوين عام<br />
1566م بعد اأن خلّف وراءه دولة قوية مرتامية الأطراف.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
145<br />
جامعة القدس املفتوحة
146 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
هوامش الفصل اخلامس:<br />
Cook: History of the Ottoman Empire. P. 711.1<br />
2.2انظر الصفحات السابقة.<br />
3.3رافق: العرب والعثمانيون، ص 59.<br />
4.4اأحمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين. ص 82.<br />
5.5السيد مصطفى سامل: الفتح العثماين الأول لليمن – 1538 1635. ط2، 1974م.<br />
ص 46.<br />
6.6مرج دابق اأو مرج رابيك وهي قرية بني اأعزاز وحلب. تبعد عن حلب حوايل 45 كم.<br />
7.7ابن طولون: مفاكهة اخلالن. ج 2. ص30.<br />
8.8ابن اإياس، ج 5، ص 159، وانظر رافق: املصدر السابق: ص 63.<br />
9.9اأحمد عبد الرحيم مصطفى: املصدر السابق. ص 85. وانظر املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong><br />
العلية <strong>العثمانية</strong>. ص 77.<br />
1010اإحسان النمر: نظرات وحتقيقات. ص 64. وانظر املحامي: املصدر السابق. ص<br />
.77<br />
111اإحسان النمر، املصدر السابق، ص 64.<br />
1212حممد فريد بك املحامي: املصدر السابق، ص76.<br />
1313اإحسان النمر: املصدر السابق، ص 64.<br />
1414حسن عثمان: منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي، ص 176.<br />
1515رسالة من السلطان اأحمد الأول اإىل الإمرباطور ماتياس ب<strong>تاريخ</strong> 1617/6/26م.<br />
1616اأحمد عبد الرحيم مصطفى: املصدر السابق، ص 87.<br />
Cook: History of the Ottoman Empire. P. 791717
أ. د. تيسري جباره<br />
1818يوسف اآصاف: <strong>تاريخ</strong> سالطني اآل عثمان، دار البصائر، دمشق، ط 3، عام 1985م،<br />
ص71، رمبا كان هذا اخلرب غري صحيح.<br />
1919علي حسون: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ص 46.<br />
2020حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong> ص79.<br />
Cook: History of the Ottoman Empire. P. 792121<br />
222انظر نص الرسالة يف كتاب حممد فريد بك املحامي: املصدر السابق، ص85.<br />
2323عبد الكرمي حممود غرايبة: <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث. الأهلية للنرش والتوزيع، عام<br />
1984م. ص 55.<br />
2424عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون، ص 66.<br />
2525جالل يحيى: العامل العربي احلديث، ص 24.<br />
2626عبد الكرمي رافق: املصدر السابق، ص 69.<br />
2727السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 103.<br />
2828ابن اإياس: بدائع الزهور يف وقائع الدهور. ج 4. ص 210.<br />
2929السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 104.<br />
M. Logworth Dames: The Portuguse and Turks in The Indian Ocean in3030<br />
.The Sixteenth Century. J. R. A. S. 1921, part1, January. P. 13<br />
3131بو خمرمه: قالدة النحر يف وفيات اأعيان الدهر. ج. 3، م2. ص 209اأ.<br />
3232السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 105.<br />
333السيد مصطفى سامل: املصدر نفسه، ص 107.<br />
Sergeant, R. B.: The Portuguese of the South Arabian Coast. P p. 55- 593434<br />
انظر اأيضاً: السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 112.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
147<br />
جامعة القدس املفتوحة
148 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
3535قطب الدين: الربق اليماين يف الفتح العثماين. خمطوطة. ص 15 ب، انظر اأيضاً<br />
السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 104.<br />
3636كان سليمان باشا اخلادم والياً على دمشق، واشرتك يف فتح العراق ثم اأصبح<br />
والياً ملرص.<br />
3737السيد مصطفى سامل: املصدر السابق، ص 146.<br />
3838جالل يحيى: مصدر سابق، ص 32.<br />
3939توفيق املدين: اجلزائر. ص 33، اأنظر اأيضاً: صالح العقاد، املغرب العربي، ص 18.<br />
4040صالح الدين العقاد: املغرب العربي. ص 21، انظر اأيضاً: جالل يحيى: املصدر<br />
السابق، ص 33.<br />
4141جالل يحيى، املصدر نفسه، والصفحة نفسها.<br />
4242صالح الدين العقاد: املغرب العربي. ص 22.<br />
4343جالل يحيى: العامل العربي احلديث، ص 35.<br />
444سنرشح عنها فيما بعد. المتيازات .Capitulations:<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 974545<br />
4646املصدر نفسه، ص 98.<br />
4747عبد الكرمي رافق: بالد الشام ومرص. ص 116.<br />
4848عبد الكرمي رافق: املصدر نفسه. ص 118.<br />
4949عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون – 1516 1916م. ط1، دمشق، 1974م.<br />
ص 64.
أ. د. تيسري جباره<br />
5050رافق: املصدر السابق، ص 85. ملزيد من التفصيل عن الثورة اململوكية يف مرص،<br />
انظر: اأسامة اأبو نحل “حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين 1517<br />
– 1524 والنتائج املرتتبة عليها”. جملة كلية الإنسانيات والعلوم الجتماعية<br />
بجامعة قطر، عدد 26 عام 2003م.<br />
5151رافق: مصدر سابق، ص 85.<br />
5252اأسامة حممد اأبو نحل: حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين – 1517<br />
1524 والنتائج املرتتبة عليها عام 2003م. انظر<br />
www. alajman. ws/vb/showthread.<br />
Rafiq: The Province of Damascus. Pp. 52- 765353<br />
5454رافق: مصدر سابق، ص 88.<br />
555رافق: املصدر نفسه، ص 89.<br />
5656رافق: املصدر نفسه، الصفحة نفسها.<br />
Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 1015757<br />
5858رافق: مصدر سابق، ص 98.<br />
5959اأقيمت عدة )خانات( اأي اأماكن اسرتاحة للتجار واملسافرين على مفارق الطرق<br />
الهامة زمن العثمانيني وقد اعتربت هذه اخلانات اأيضاً اأماكن حراسة للمنطقة<br />
التي يقع فيها اخلان.<br />
6060وقع السلطان هذه المتيازات التي اأعطت للفرنسيني حقوقاً كثرية يف <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، لكنه مل يكرتث لأنه يستطيع اأن يلغيها متى شاء اإن خالفت فرنسا<br />
قوانني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لكن السالطني الضعاف فيما بعد مل يستطيعوا اإلغاء هذه<br />
املعاهدة.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
149<br />
جامعة القدس املفتوحة
150 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
6161األربت حوراين: الفكر العربي يف عرص النهضة، ص 58.<br />
6262عبد العزيز الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة مفرتى عليها، ج2، ص 716.<br />
6363رافق: العرب والعثمانيون، ص 109، اأنظر اأيضاً:<br />
Alfred C. Wood: A History of the Levant Company, London. 1935. P. 11.<br />
6464اأحمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، ص 102.
الفصل السادس<br />
أحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
بعد سليمان القانوني ومرحلة الضعف
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل السادس<br />
أحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
بعد سليمان القانوني ومرحلة الضعف<br />
وصل اإىل عرش <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد سليمان القانوين ابنه سليم الثاين امللقب<br />
بالسكري، وهو ابن روكسالنا زوجة السلطان سليمان وقد سعت جاهدة لوصول<br />
ابنها اإىل عرش السلطنة. ويف زمن سليم الثاين بداأ ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،<br />
حيث مل يقم بنفسه بقيادة اجليش العثماين يف احلروب. ورغم اأن السالطني<br />
الذين حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد سليمان كانوا ضعافاً، اإل اأن الصدور العظام<br />
)روؤساء الوزارات( ظهر منهم رجال اأكفياء اأقوياء، منهم مثالً حممد صوقللي<br />
الذي استطاع اإيقاف الفوضى زمن سليم الثاين، كما اأنه استطاع اسرتجاع اليمن<br />
من الربتغاليني، ووقف يف وجه التوسع الروسي، كما استوىل على جزيرة قربص.<br />
ومن اأهم املعارك يف زمنه ما يلي:<br />
محلة اسرتاخان:<br />
كان حاكم خوارزم قد شكا لسليم الثاين ترصفات شاه فارس الذي منع احلجاج<br />
القادمني من تركستان من الوصول اإىل الديار املقدسة يف احلجاز. كما اأن الروس<br />
احتلوا اسرتاخان من الشاه ومنعوا الأهايل من تاأدية فريضة احلج كما منعوا التجار<br />
من الوصول اإىل اأهدافهم خارج اسرتاخان. لذا طلب حاكم خوارزم من السلطان سليم<br />
الثاين اأن يحتل اسرتاخان بهدف اإعادة فتح طريق احلج. كما اأن شكاوى مماثلة وصلت<br />
السلطان سليم الثاين من حكام بخارى وسمرقند، لذا جهز الصدر الأعظم صوقللي<br />
حملة كبرية بهدف الستيالء على اسرتاخان وحتويلها اإىل قاعدة دفاعية عن املنطقة<br />
كلها. ورغم عدم حتقيق صوقللي هدفه من الستيالء على اسرتاخان، بسبب تراجع<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
153
154 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اجليش النكشاري، ولأن نزول الثلج الكثيف اأعاق تقدم اجليش، اإل اأن صوقللي منع<br />
التقدم الروسي نحو اجلنوب وفتح طريق احلج.<br />
ومن اجلدير بالذكر اأن فرنسا قامت يف زمن سليم الثاين باإرسال البعثات<br />
النرصانية اإىل كافة اأرجاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وخاصة بالد الشام لتزرع يف اأدمغتهم<br />
حمبة فرنسا مما كان له اأثر كبري يف ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
معركة ليبيانتو البحرية:<br />
اأراد الصدر الأعظم صوقللي اأن يجعل البحر الأبيض املتوسط والبحر الأحمر<br />
بحاراً عثمانية، لذا قرر التعرض للربتغاليني وذلك بالستيالء على اجلزر الواقعة يف<br />
هذه البحار، ففتح قربص عام 1571م، ونقل اإليها عدداًَ كبرياً من اأتراك الأناضول<br />
املسلمني. وباحتالل العثمانيني لهذه اجلزيرة غضبت دول اأوروبا، واأعدت حملة<br />
صليبية كان الهدف منها ليس فقط اسرتجاع قربص بل استعادة كل الأراضي التي<br />
كان قد استوىل عليها العثمانيون. لذا تزعم البابا حلفاً كاثوليكياً استطاع بواسطته<br />
اأن يوقع بالعثمانيني هزمية كربى يف معركة ليبيانتو عام 1571م.<br />
واحلقيقة حول هذه املعركة اأن نداء البابا لقى استجابة قوية من الدول<br />
الأوروبية، حتى اأن فرنسا التي كانت قد وقعت معاهدة سالم مع العثمانيني قد<br />
نقضت املعاهدة معهم وبعثت جيشاً ملساندة البابا. وقد اختري دون جوان النمساوي<br />
قائداً للحملة لرضب املسلمني. كما مت عقد حتالف بني الدول الأوروبية ملحاربة<br />
العثمانيني، ومما جاء يف هذا التحالف من نصوص: “اأن البابا بيوس اخلامس<br />
وفيليب ملك اإسبانيا، وجمهورية البندقية يعلنون احلرب الهجومية والدفاعية على<br />
الأتراك لأجل اأن يسرتدوا جميع املواقع التي اغتصبوها من املسيحيني ومن جملتها<br />
تونس واجلزائر وطرابلس” )1( .<br />
بعد انتصار الأوروبيني على العثمانيني يف معركة ليبيانتو، اأرسل البابا رسالة<br />
اإىل الشاه طهماسب- شاه اإيران- حثه فيها على الهجوم معاً على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
قائالً: »لن جتدوا اأبداً فرصة اأحسن من هذه الفرصة لأجل الهجوم على العثمانيني، اإذ<br />
هم عرضة للهجوم من جميع اجلهات« )2( .
أ. د. تيسري جباره<br />
كما اأرسل البابا رسائل اإىل كل من ملك احلبشة واإمام اليمن حثهم فيها على<br />
الهجوم على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لكن البابا تويف فجاأة فتوقفت خمططاته اجلهنمية<br />
هذه. وللحقيقة نقول اأن هذه اجلبهات التي راسلها البابا كانت ساخنة مع العثمانيني<br />
رغم معاهدات الصلح املوقعة مع اجلميع.<br />
فقد العثمانيون يف معركة ليبيانتو 94 سفينة من الأسطول العثماين، كما مت<br />
اأرس 130 سفينة عثمانية اأخرى، وفقدوا 30,000 مقاتل، واحتفلت اأوروبا كلها بهذا<br />
النرص لأن العثمانيني هزموا لأول مرة، واأصبح رشقي البحر املتوسط حتت السيطرة<br />
املسيحية، وعندما انسحب البنادقة من حلف البابا رجع العثمانيون فاأغاروا على<br />
صقلية وجنوبي اإيطاليا، وانتزعوا تونس التي كان يسيطر عليها احلفصيون عمالء<br />
الإسبان، وبذلك استعاد العثمانيون بقيادة سنان باشا سيطرتهم على البحر املتوسط.<br />
سلطنة احلريم أو احلريم السلطاني:<br />
لقد قضى السلطان سليم الثاين اأواخر حكمه يف القرص مع احلرمي تاركاً شوؤون<br />
<strong>الدولة</strong> بيد الصدر الأعظم صوقللي، وكانت هذه فرصة لبدء عهد جديد اإذ كان الأمراء<br />
اأبناء السالطني ميضون حياتهم مع احلرمي بدلً من اأن يكتسبوا خربة قد تفيدهم حني<br />
يتولون احلكم. وظل صوقللي يتوىل منصب الصدر الأعظم فرتة طويلة اإىل اأن قتل عام<br />
1579م نتيجة لإحدى موؤامرات القرص بعد اأن جنح يف املحافظة على هيبة <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>.<br />
وحلسن حظ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأنه رغم تويل احلكم سالطني ضعاف الشخصية<br />
بعد سليمان القانوين، اإل اأن منصب الصدر الأعظم توله رجال اأقوياء مثل صوقللي<br />
وسنان باشا وفرحات باشا ولل مصطفى وعثمان اأوغلو وحممد كوبريللي.<br />
كان يف القرص السلطاين منطقة خاصة باحلرمي، وكانت هذه املنطقة حماطة<br />
باأسوار عالية وعليها حراسة مشددة، وتعترب اأجنحة احلرمي منطقة مغلقة ل يسمح<br />
بدخولها اأو القرتاب منها اأو النظر اإىل ساكناتها )3( . ويالحظ اأن عزلة النساء كانت من<br />
التقاليد القدمية يف العامل الإسالمي، لذلك احرتم العثمانيون هذه التقاليد الإسالمية<br />
املوروثة. وكان للسلطان مقصورة خاصة وسط اأجنحة احلرمي، وعند زيارته لالأجنحة<br />
كانت تصحبه كربى موظفات احلرمي السلطاين.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
155<br />
جامعة القدس املفتوحة
156 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اإن الغالبية العظمى من السالطني العثمانيني تزوجوا من كتابيات )مسيحيات(<br />
وقد اأصبحت هذه الزيجات تقليداً درج عليه سالطني الفرتة الأوىل وسالطني الفرتة<br />
الثانية. وتشمل الفرتة الأوىل السالطني السبعة الأوائل منذ عثمان حتى حممد الفاحت.<br />
كان سالطني الفرتة الأوىل لهم من قوة الشخصية ما جعل زوجة كل منهم تاأخذ<br />
حجمها الطبيعي فقط كزوجة للسلطان، فال تتدخل يف شوؤون <strong>الدولة</strong> ول متارس نفوذاً<br />
على الصدر الأعظم والوزراء وعلى غريهم من كبار رجال <strong>الدولة</strong>. اأما سالطني الفرتة<br />
الثانية فاإن غالبيتهم قد خضعوا خضوعاً يكاد يكون تاماً لتلك الزوجات، حتى<br />
اأصبحن مركز قوة خطرة. وكانت بعض الزوجات يتدخلن يف السياسة العليا للدولة<br />
ويوجهنها الوجهة التي يردنها. وهكذا استفحل وكرث خطر اأولئك الزوجات وتركن<br />
بصمات بارزة قوية يف <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )4( .<br />
اإن بعض الزوجات الكتابيات كن يتظاهرن باعتناق الإسالم، ويتظاهرن بحب<br />
اأزواجهن السالطني، ويتظاهرن بولئهن للدولة <strong>العثمانية</strong> ولكن كانت كل منهن تخفي<br />
بني ضلوعها حباً وولءً لوطنها الأول وتعمل على تنفيذ برنامج من وحي حكومة<br />
بالدها لتحقيق مصالح وطنها الأول حتى ولو كان هذا الربنامج ينطوي على الإرضار<br />
مبصالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )5( .<br />
أسرة كوبريللي )6( :<br />
كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تسري ببطء نحو الضمحالل وخاصة زمن السلطان حممد<br />
الرابع، لول جهود الصدر الأعظم. وقد توىل هذا املنصب حممد كوبريللي واأرسته من<br />
بعده ودام حكمهم من 1656- 1683م، وحممد كوبريللي هو األباين الأصل وعندما<br />
عرض السلطان عليه منصب الصدر الأعظم، اشرتط كوبريللي اأن تنفذ قراراته دون<br />
مناقشة اأو مراجعة، وقد وافق السلطان على طلبه. وعندما استلم املنصب نفى من<br />
العاصمة بعض الدراويش املتعصبني واأعدم كثرياً منهم يف العاصمة خالل خمس<br />
سنوات كانوا يتلقون الرشوة، وبث عيونه يف كل الوليات، وقمع كل مترد وفوضى يف<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، واأعاد تنظيم مالية <strong>الدولة</strong> باإبطال النفقات غري الرضورية وحتويل<br />
الأموال املصادرة اإىل خزينة <strong>الدولة</strong>.
أ. د. تيسري جباره<br />
اأصبح الصدر الأعظم اأو الباب العايل يف عهد اآل كوبريللي املركز الفعلي لإدارة<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ورغم الإصالحات التي متت يف هذه الفرتة مثل اإنقاص عدد<br />
النكشارية وتخفيف اأعباء <strong>الدولة</strong> املالية وحماية الفالحني بتاأمني الأمن اإل اأن ذلك<br />
مل ينجح متاماً يف اإيقاف تدهور الإدارة )7( .<br />
وبعد اأن اطماأن كوبريللي للوضع الداخلي تصدى للتهديدات اخلارجية، فقوى<br />
الأسطول العثماين، واأمكنه فك حصار البنادقة عن الدردنيل، وطلب يف اأواخر عمره<br />
من السلطان اأن يتوىل منصب الصدر الأعظم ابنه فاضل اأحمد فوافق السلطان على<br />
ذلك، فقام هذا بقيادة اجليوش بنفسه، ففتح جزيرة كريت عام 1669م، وحارب<br />
النمسا واملناطق الواقعة غربي البحر الأسود، واأعاد هيبة السلطان يف نظر اأوروبا.<br />
بعد وفاة فاضل عام 1676م خلفه اأخوه بالتبني قره مصطفى باشا يف منصب<br />
الصدر الأعظم فحارص فينا عام 1683م واصطدم بالروس يف اأوكرانيا، وبرغم<br />
انتصاراته قيل للسلطان اأنه يقود <strong>الدولة</strong> خلسائر كثرية بسبب فشله يف فتح فينا<br />
فاأعدمه السلطان عام 1683م.<br />
وبعد ذلك بداأت النكسات تدب يف جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واخلسائر تتواىل،<br />
فاأصبح البحر الأسود بحرية روسية، واعرتفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بذلك. واضطر السلطان<br />
العثماين اإىل التوقيع مع النمسا صلح كارلوفيتز عام 1699م تنازل السلطان مبوجبه<br />
عن اأوكرانيا واملجر وترانسلفانيا واملورة. وهذا الصلح هو اأول تفكيك لأوصال <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> وبداية النسحاب العثماين من اأوروبا. كما وقع السلطان العثماين على<br />
صلح بساروفتز عام 1718م حيث تنازل مبوجبه عن بلغراد وسمندريا واأراضٍ اأخرى<br />
للرصب. وهكذا بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ترتاجع عن الأراضي التي فتحتها ومكثت فيها<br />
طويالً.<br />
بداية مرحلة الضعف العثماني:<br />
اأخذت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف التقلص التدريجي منذ زمن السلطان سليم الثاين<br />
)1566م- 1574م( وعندما بداأ العثمانيون يخرسون اأراضٍ يف اأوروبا يف املعارك<br />
مع اجليوش الأوروبية ظهرت عالئم الضعف العثماين عالنية. وخري دليل على ذلك<br />
عندما وقع العثمانيون يف 1699/1/26م معاهدة كارلوفيتز ،Carlowitz وكانت<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
157
158<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
هذه اأول خسارة كربى للعثمانيني منذ ثالثمائة عام اأي عندما هزمهم تيمورلنك عام<br />
1402م. كما كانت هذه اأول مرة وقع فيها العثمانيون الصلح كمنهزمني وتخلوا<br />
مبوجبها عن مناطق سيطروا عليها منذ فرتة طويلة.<br />
لقد كان الضعف العثماين واضحاً عندما توقفت الفتوحات <strong>العثمانية</strong> عند نقاط<br />
اأخرية على احلدود وصلها العثمانيون يف خمتلف اجلبهات ومل يتقدموا بعدها شرباً<br />
واحداً، اأضف اإىل ذلك اأن ضعف <strong>الدولة</strong> انعكس على ضعف شخصيات السالطني اأنفسهم<br />
وخاصة عندما انسحبوا بالتدريج من املساهمة الفعلية يف قيادة اجليش ويف الإدارة<br />
وانقطعوا اإىل حياة القرص اخلاصة وموؤامراته من احلرمي.<br />
اإن التخلي عن حرص السلطنة وراثياً اأي من الأب اإىل البن ونقلها اإىل اأكرب اأفراد<br />
الأرسة <strong>العثمانية</strong> بتويل السلطنة قد شجع على ازدياد املكائد ضد السالطني وضعف<br />
نوعية املرشحني للحكم. اأضف اإىل ذلك اأنه منذ وفاة السلطان سليمان القانوين عام<br />
1566م حتى حكم السلطان سليم الثالث عام 1789- 1807م مل يظهر اأي سلطان<br />
قوي.<br />
كما اأن نشاط الكزلر اآغا الذي اأخذ ينافس الصدر الأعظم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>؛<br />
بسبب انقطاع السالطني اإىل حياة القرص، قد اأثر هذا التنافس على مصري كثري من<br />
حكام الوليات الذين اأصبح مصريهم معلقاً بيد الكزلر اآغا اأو الصدر الأعظم اأحياناً.<br />
ومن مظاهر ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأيضاً انحطاط اجليش بسبب توقف<br />
الفتوحات <strong>العثمانية</strong>، ومترد النكشارية مراراً بسبب انتساب السكان املحليني<br />
لصفوف النكشارية وعرفوا )بالريليه( ، حتى اأن مترد النكشارية اأدى اأحياناً اإىل<br />
عزل السلطان اأو قتله على يد النكشارية كما حصل مع السلطان عثمان الثاين وسليم<br />
الثالث الذي عزل ثم قتل على يد النكشارية. ويعترب اإهمال اجلند الإقطاعي والسباهية<br />
من الفرسان، وعدم استعمالهم اأساليب القتال احلديثة من ناحية العتاد والتنظيم من<br />
عوامل ضعف اجليش. واأصبحت وظيفة اجلندي بدلً من اأن يكون حمارباً اأصبح يعمل<br />
يف وظيفته يف اجليش كشق الطرق واإقامة التحصينات فقط. كما اشتهر يف فرتة<br />
الضعف العثماين ظهور اجلنود املرتزقة الذين كانوا يبيعون خدماتهم اإىل ثائرين<br />
على السلطة اأو اإىل اأمراء حمليني مثل فخر الدين املعني وجنبالط وغريهم.
أ. د. تيسري جباره<br />
ومن عوامل الضعف العثماين اأيضاً ظهور قوة حملية ثائرة استمدت سلطتها<br />
من التزام جمع الرضائب، وهذا النظام اأضعف الريف مما اأدى اإىل هجرة سكانه<br />
للمدن اأحياناً فاندثرت قرى هرباً من الرضائب، والتحق بعض الناس اإىل القوات غري<br />
النظامية واأصبح قسمٌ منهم قطاع طرق، كما اأن بعض امللتزمني اأصبحوا يجمعون<br />
النقود من الريف ملصاحلهم الشخصية وقليالً ما كانوا يرسلونها للوايل، واأصبح<br />
نفوذهم يهدد سلطة الوايل والسلطان اأحياناً، وخري مثال على ذلك ظاهر العمر.<br />
ومن عوامل الضعف العثماين اأيضاً تاأثر القتصاد نتيجة نقص واردات الرضائب<br />
التي كانت تفرض على بضائع الرشق الأقصى املارة يف الأراضي <strong>العثمانية</strong>، واأصبحت<br />
بعض هذه البضائع بعد اكتشاف راأس الرجاء الصالح تصدر مبارشة اإىل اأوروبا عرب<br />
هذه الطريق وخرست <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من جراء ذلك موارد مالية كثرية.<br />
ومن عوامل الضعف العثماين ضعف النقد حيث مرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باأزمة<br />
نقدية بسبب تدفق الفضة الرخيصة اإىل بالد حوض البحر املتوسط من الدنيا اجلديدة<br />
اأمريكا بواسطة الإسبان، فارتبك النقد العثماين تبعاً لذلك وانهارت قيمة الوحدة<br />
الفضية وهي الأقجة، فاأصدرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وحدة نقدية جديدة عام 1620م هي<br />
البارة ومل جتُ دِ هذه العملة اجلديدة يف القضاء على التضخم النقدي وغالء الأسعار،<br />
ويف الربع الأخري من القرن السابع عرش ظهرت عمله جديدة هي القرش. وقد حاولت<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإحياء القتصاد العثماين بشتى الطرق بال فائدة مثل فرض رضائب<br />
جديدة على السكان لدفع رواتب اجلنود اأحياناً.<br />
ومن عوامل الضعف العثماين وجود ثورات ومتردات مثل:<br />
1.1ثورة العساكر:<br />
بداأ التمرد على العثمانيني يف صفوف العساكر يف النصف الثاين من القرن<br />
السادس عرش، وكان التمرد واضحاً يف مناطق اأطراف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كاليمن<br />
وشمال اأفريقيا. اأما مرص والعراق فكان مترد العساكر عنيفاً.<br />
أ. ثورة العساكر يف اليمن:<br />
كانت ولية اليمن من نوع ساليانلي ))اأي اأن موظفيها مبا يف ذلك العساكر<br />
يتقاضون املرتبات الشهرية وليس اقطاعات(( . وحدث اأن انخفضت القيمة الرشائية<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
159<br />
جامعة القدس املفتوحة
160 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
للعملة الفضية يف اليمن بسبب خلطها بالنحاس وذلك مقارنة بالدينار الذهبي<br />
السلطاين الذي تدفع الرواتب على اأساسه. ومل يكن انخفاض العملة مقترصاً على<br />
اليمن بل على كافة وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهذا اأثر كثرياً على اأصحاب الرواتب<br />
الشهرية ومنهم العساكر. وبسبب انخفاض العملة قام وايل اليمن حممود باشا باتهام<br />
املشوؤول عن رضب السكة عبد امللك اليمني اأنه سبّب يف تدهور العملة يف اليمن فقتله<br />
عام 1560م.<br />
وهناك بعض املوؤرخني اأرجعوا سبب نقص العملة هو ترصف الولة العثمانيني<br />
السابقني، وقال اآخرون اأن السبب هو »الظروف <strong>العثمانية</strong> والعاملية اأي الكتشافات<br />
اجلغرافية«، ويقول قطب الدين املكي املعارص لالأحداث اأن الدينار الذهبي السلطاين<br />
يُساوى يف بالد الروم ب 60 عثمانياً ويف مرص ب 80 عثمانياً ويف اليمن ب 300<br />
عثمانياً، وكان هذا سبباً يف فقر العسكر ذوي املرتبات، واأن العسكري ل يكفي راتبه<br />
اليومي لرشب القهوة التي يرشبها )8( لذا قام العساكر بظلم الرعية لقلة معاشهم<br />
وصار احلكام يتعامون عن اإنصاف الرعايا من ظلم العساكر. لكن ابتزاز العساكر<br />
العثمانيني للمال من سكان اليمن مل ينقذ وضعهم املادي فلجاأوا اإىل بيع متاعهم<br />
وحتى اأسلحتهم. والتحق العساكر بالثائر اليمني مظهر الزيدي الذي قام بثورته على<br />
العثمانيني، فقام السلطان العثماين واأرسل سنان باشا اإىل اليمن لإخماد الثورة وجنح<br />
يف ذلك لكنه قام بتحسني حال العساكر بعد دراسة اأحوالهم وشجعهم على البقاء<br />
موالني للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
ب. ثورة العساكر مشال أفريقيا:<br />
اجلزائر: دعم النكشارية خري الدين بربروسا ففرض هذا سيطرته على اجلزائر،<br />
لكن قام القراصنة مبنافسة النكشارية يف اجلزائر، وكانت لالنكشارية السيطرة<br />
الفعلية وقاموا مبقاسمة القراصنة السالب، وكانوا يقدمون ولء الطاعة للوايل يف<br />
اجلزائر، وحني ملس النكشارية الضعف يف اأحد الولة ثاروا عليه، حتى اأنهم قتلوا<br />
بعض الولة، واأرسوا البعض الأخر. حيث اأرسوا حسن باشا بن خري الدين بربروسا<br />
سنة 1562م واأرسلوه مقيداً بالسالسل اإىل استنبول. ومنذ مطلع القرن السابع عرش،
أ. د. تيسري جباره<br />
وجد يف اجلزائر ديوان النكشارية الذي اأصبح له القوة الفعلية فيها، واأصبح الديوان<br />
منذ عام 1626م ومبوافقة السلطان العثماين ميارس كافة السلطات مبا يف ذلك<br />
تعيني املوظفني وترقيتهم.<br />
تونس: واجه الوايل العثماين يف تونس سلطة النكشارية املمثلني بالديوان،<br />
وقد ثاروا سنة 1591م وقتلوا عدداً من اأعضاء الديوان يف تونس واستلم صغار<br />
الضباط من النكشارية السلطة يف البالد وشكلوا ديواناً جديداً وضعوا على راأسه<br />
شخصاً اختاروه من بينهم لقب بالداي واأصبح احلاكم الفعلي يف تونس.<br />
روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> أثناء فرتة الضعف العثماني:<br />
كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> الروسية تتحسن وتسوء يف فرتات <strong>تاريخ</strong>ية خمتلفة،<br />
وازداد الرصاع بينهما على البحر الأسود الذي يعترب بحرية عثمانية طاملا بقيت<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قوية. وكانت تسمح لسفن بعض الدول بعبوره باتفاقيات خاصة.<br />
واستطاع العثمانيون فرض سياستهم على البحر الأسود واملضائق التي تربط البحر<br />
الأسود بالبحر الأبيض املتوسط. واإذا اأراد الروس ممارسة التجارة بني موانئ البحر<br />
الأسود كان عليهم اأن ينقلوا بضائعهم على سفن عثمانية حتمل العلم العثماين.<br />
ومنذ عهد بطرس الأكرب بداأ التوسع الروسي نحو اجلنوب حيث جريانهم<br />
العثمانيني. وقد نشبت معارك كثرية يف فرتة الضعف العثماين بني العثمانيني من<br />
جهة وبني الروس والنمسا من جهة ثانية اأدت يف نهايتها اإىل عقد معاهدة صلح<br />
بينهما عام 1699م هي معاهدة كارلوفيتز، تخلى العثمانيون للروس عن مدينة<br />
اآزوف. ثم اسرتجعها العثمانيون عام 1711م وتعهد الروس بعدم التدخل يف شوؤون<br />
القازاق، ووقعت روسيا عام 1713م معاهدة اأدرنة تنازلت مبوجبها عن اأراضيها<br />
على البحر الأسود مقابل اإلغاء ما تدفعه روسيا من جزية لأمراء القرم املسلمني.<br />
واستمرت حالة احلرب بني الدولتني بني فرتة واأخرى ووقعت الدولتان<br />
معاهدات هامة اأهمها:<br />
1.1معاهدة بلغراد:<br />
حاولت روسيا بسط سيطرتها العسكرية على املضائق <strong>العثمانية</strong> ومتكني سفنها<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
161
162<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
احلربية والتجارية عبور البوسفور والدردنيل، لذا اشتعلت احلرب بينهما عام 1735م<br />
واستمرت اأربع سنوات، وقد فشلت روسيا يف نهاية احلرب، وعقدت معاهدة بلغراد بني<br />
الدولتني تقرر فيها هدم قلعة اآزوف واأن تعترب هذه القلعة حاجزاً بني الدولتني. ومما<br />
جاء يف معاهدة بلغراد من بنود هامة: »عدم السماح لروسيا بناء اأو بقاء اأساطيل لها<br />
يف البحر الأسود. كما قررت املعاهدة اأن ميارس رعايا الروس نشاطهم التجاري يف<br />
البحر الأسود على سفن تركية« )9( .<br />
2.2معاهدة كوجوك كاينارجا عام 1774م:<br />
واستمر السلم بسبب معاهدة بلغراد ملدة ربع قرن تقريباً، ثم نشبت احلرب<br />
بينهما منذ عام 1768م حتى عام 1774م، وكانت روسيا قد قامت بتقوية جيشها<br />
يف فرتة السلم زمن كاترين الثانية )10( ، وعندما نشبت احلرب بينهما اأنزلت البواخر<br />
الروسية جيوشاً يف اليونان وبريوت، بينما توغلت اجليوش الروسية الأخرى يف<br />
البلقان والقوقاز، ويف نهاية احلرب فرض الروس على السلطان التخلي عن القرم،<br />
فكانت اأول مقاطعة اإسالمية تنسلخ عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )11( وقد وقع السلطان هذه<br />
املعاهدة التي عرفت مبعاهدة كوجوك كاينارجا عام 1774م بعد اأن هزمت اجليوش<br />
<strong>العثمانية</strong>.<br />
ومبقتضى هذه املعاهدة حتول البحر الأسود من بحرية عثمانية بحتة اإىل بحرية<br />
عثمانية روسية. وتقرر لروسيا احلق يف اإنشاء قواعد عسكرية برية وبحرية على<br />
سواحل الأسود، كما سمح لها اأن تستخدم سفنها التجارية املضائقَ الرتكية للخروج<br />
من البحر الأسود اإىل البحر الأبيض بحرية تامة. وسمح للروس ممارسة التجارة يف<br />
جميع وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وعلى السلطان اأن يطبق على الرعايا الروس نظام<br />
المتيازات الأجنبية املطبق على فرنسا وبريطانيا، كما سمح للروس تفريغ شحنات<br />
سفنهم التجارية يف كل ثغور وموانئ البحر الأسود والبحار الأخرى.<br />
وقررت املعاهدة اأن تكون حتت سيطرة روسيا وبصورة دائمة مواقع هامة منها<br />
قلعة كينبورن وقلعة جينكال وقلعة كريتش يف شبه جزيرة القرم ومدينة اآزوف. كما<br />
اأن الرشوط املهينة التي فرضت على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف تلك املعاهدة اأثارت مزيداً
أ. د. تيسري جباره<br />
من الأطماع الروسية القيرصية )12( ونستنتج من معاهدة كوجوك كاينارجا ما<br />
يلي:<br />
1.1اإنهاء السيطرة <strong>العثمانية</strong> على البحر الأسود.<br />
2.2توسيع ومتديد احلدود الروسية على حساب <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، فخرس السلطان<br />
مدينة اآزوف وشبه جزيرة القرم.<br />
3.3اأصبحت بالد القرم مستقلة ول يلتحق رعاياها ب<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإل دينياً<br />
فقط.<br />
4.4اأصبح للروس حق بناء قنصليات يف اأي مكان يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، واملالحة<br />
احلرة يف مياهها.<br />
5.5سمحت املعاهدة للروس احلصول على امتيازات ضمن اأراضي <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> تشمل الأرثوذكس.<br />
وجتدد القتال بني العثمانيني والروس يف الفرتة ما بني 1789 و 1892م،<br />
وانتهت بصلح اأو معاهدة ياسي Jassy عام 1792م. ومبوجب الصلح هذا مدت روسيا<br />
حدودها حتى نهر الدنستري، واأصبح هذا النهر منطقة احلدود بني الدولتني )13( .<br />
3.3حلف عام 1798م:<br />
جاءت احلملة الفرنسية اإىل مرص بقيادة نابليون بونابورت عام 1798م،<br />
وعقدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع روسيا معاهدة حتالف عام 1798م ومدة هذا التحالف<br />
ثماين سنوات وذلك لردع اخلطر الفرنسي، تعهدت فيها روسيا مبد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> 12<br />
قطعة حربية، وذكرت اأنه اإذا تاأزم املوقف الفرنسي العثماين اأن ترسل روسيا للدولة<br />
<strong>العثمانية</strong> خمسة وسبعني األفاً اإىل ثمانني األف جندي روسي ملساعدة السلطان، ويف<br />
املعاهدة سمح السلطان لروسيا اأن متر سفنها احلربية يف املضائق الرتكية بحرية،<br />
وكان ذلك يف عهد السلطان سليم الثالث.<br />
ويف عام 1805م جتددت املعاهدة الروسية <strong>العثمانية</strong> )التحالف( املوقعة عام<br />
1798م ملدة 9 سنوات اأخرى ويف هذه املعاهدة اجلديدة جنحت روسيا باأن انتزعت<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
163<br />
جامعة القدس املفتوحة
164 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
من السلطان حقوقاً اأخرى حيث اعرتفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1805م باأن الدفاع عن<br />
املضائق الرتكية اإمنا هو مشوؤولية مشرتكة تقع على عاتق روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
ويف عام 1806م فسخت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املعاهدة املوقعة مع روسيا عام<br />
1805م، ويبدو اأن فسخها جاء من تشجيع فرنسا للسلطان، الذي كان قد وقع مع<br />
بريطانيا اأيضاً معاهدة حتالف عام 1799م وفسخها هذه املرة كما فسخها مع<br />
روسيا، وكان تشجيع فرنسا واضحاً حيث قال الفرنسيون للسلطان اإن املعاهدات<br />
املوقعة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وكلٍ من روسيا وبريطانيا هو انتقاص من سيادة<br />
السلطان على املضائق الرتكية، وقد كان فسخ املعاهدات مقدمة لقطع العالقات<br />
بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبني كل من روسيا وبريطانيا ثم قيام احلرب. وقد جنحت<br />
دبلوماسية نابليون يف اأن جتر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل احلرب ضد روسيا عام 1806م<br />
وضد بريطانيا عام 1807م )14( .<br />
كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املعارض الأساسي للتوسع الستعماري الروسي، لأن<br />
الرغبة الروسية يف حلمها القدمي هو الستيالء على القسطنطينية )15( كما كان الروس<br />
يساندون املتمردين على العثمانيني يف البلقان <strong>العثمانية</strong> اأثناء السلم كي تبقى <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> يف مشاكل مستمرة.<br />
كانت الهزائم <strong>العثمانية</strong> املتكررة يف القرن الثامن عرش قد شجعت السالطني<br />
على حماولت الإصالح يف املجال العسكري كي تتمكن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من<br />
مقاومة اجليوش الأوروبية املتفوقة. وقد اطلع العثمانيون على تفوق الغرب بواسطة<br />
احتكاكهم بهم عن طريق احلرب والتجارة والبعثات الدبلوماسية الأوروبية املقيمة<br />
يف استنبول والوفود <strong>العثمانية</strong> التي كانت ترسل بني فرتة واأخرى اإىل اأوروبا. وقد<br />
اأدخل العثمانيون منذ الربع الأول للقرن الثامن عرش اإصالحات يف جمال الطباعة<br />
والبحرية والهندسة واملدفعية، ولكن اخلطوط الأساسية التي كان على املشوؤولني<br />
العثمانيني اتخاذها هي اإصالح اجليش العثماين، لأن النكشارية الذين كانوا عماد<br />
اجليش وصلوا اإىل درجة كبرية من الفوضى واإرهاب السالطني.<br />
التنظيمات <strong>العثمانية</strong> قبل السلطان سليم الثالث:<br />
نعني بالتنظيمات الإصالحات <strong>العثمانية</strong> يف اجليش والإدارة، وهي بعبارة اأصح
أ. د. تيسري جباره<br />
استعمال اأساليب وطرق الغرب وتطبيقها يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. كانت اأول ما بداأت هذه<br />
الإصالحات زمن السلطان اأحمد الثالث 1703- 1730م الذي سمح بفتح النافذة<br />
<strong>العثمانية</strong> باجتاه اأوروبا وذلك بعد اأن شعر اأن الإدارة <strong>العثمانية</strong> ضعيفة خاصة يف<br />
اجليش، ولحظ السلطان تفوق الأوروبيني على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف هذا املجال.<br />
قام السلطان ببناء القصور وتاأسيس اأول مطبعة على النمط الأوروبي، واأنشاأ اأول<br />
مدرسة عسكرية للمدفعية، ونفّذ بعض الإصالحات البسيطة، كانت هذه الأعمال- اأي<br />
تقليد الغرب الأوروبي- قد اأدت اإىل عزله عن العرش وقتل الوزير الأعظم من قبل<br />
النكشارية الذين رفضوا الإصالح.<br />
بعد عزل السلطان اأحمد قام السالطني الذين تبعوه بالتصال بفرنسا، واأخذوا<br />
بالتدريج اإدخال الإصالحات على الإدارة واجليش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على النمط<br />
الفرنسي. فمثالً وصل اإىل استنبول عام 1784م وفد فرنسي مكون من خرباء عسكريني<br />
وعلميني وفنيني وذلك لإجراء اإصالحات يف اجليش والإدارة ومعاهد التعليم.<br />
وهكذا نستطيع القول اأنه نشاأ يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تياران، الأول يريد الإصالح<br />
واتباع الأوروبيني يف منط حياتهم، واأهم من قام بذلك السلطان وحاشيته، والتيار<br />
الثاين ل يريد الإصالح ول يريد اتباع الغرب بل اأن يبقى القدمي على قدمه وهم<br />
النكشارية والشيوخ.<br />
إصالحات السلطان سليم الثالث:<br />
عندما اعتلى السلطان سليم الثالث عرش السلطنة، اأخذ على عاتقه التصال<br />
بالأوروبيني، فمثالً عنيّ سفراء عثمانيني يف معظم الدول الأوروبية، وكانت مهمة<br />
هوؤلء السفراء )وكانوا قد عينوا لأول مرة( كتابة التقارير الرسية عن التقدم الصناعي<br />
واحلربي يف تلك الدول الأوروبية، فمثالً كتب راتب اأفندي تقريراً مكوناً من 500<br />
صفحة، ذكر فيه الشوؤون العسكرية والإدارية يف الإمرباطورية النمساوية- الهنغارية.<br />
ثم شكل سليم الثالث جملساً للنظر يف تقارير السفراء ودراستها واتباع اأفضلها. وقد<br />
بحث هذا املجلس املسائل املتعلقة بالفساد الإداري ورضورة اإقامة اإصالحات يف<br />
موؤسسات <strong>الدولة</strong>، وكانت اأهم التقارير التي ناقشها املجلس تقرير )تاتار جيق زادة(<br />
وهو من العلماء، وكان قد كتب عن رضورة اإصالح اجليش والإدارة واجلهاز التعليمي،<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
165<br />
جامعة القدس املفتوحة
166 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
وانتقد نظام املحسوبية والرشوة، وانتقد اإسناد املناصب اإىل الذين يدفعون مالً اأكرث،<br />
واأرهقوا بذلك الرعايا بالرضائب. وقد توصل املجلس يف مناقشاته للتقارير املقدمة<br />
اإليه اإىل وضع »النظام اجلديد« وهو النظام الذي اأصدره السلطان سليم الثالث والذي<br />
يتضمن الإصالحات يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وتناول ثالث جمالت هي: 1. الناحية<br />
املالية. 2. الناحية العسكرية. 3. الناحية التعليمية.<br />
وقد تناولت الناحية املالية رضورة اإيجاد مورد مايل جديد للدولة <strong>العثمانية</strong><br />
عن طريق امللكيات العقارية بعد وفاة اأصحابها دون وريث حيث تصبح ملكاً للدولة،<br />
ومورد مايل اآخر هو تقليص نفوذ امللتزمني. وتناولت الناحية التعليمية اإدخال<br />
مدارس هندسية لتطوير القوات العسكرية. اأما الناحية العسكرية فتناولت اإدخال<br />
تطوير جديد على سالح املدفعية والألغام والبحرية وغريها. واأدت اإصالحاته هذه<br />
اإىل غضب النكشارية مما اأدى اإىل عزله ثم قتله، كما قتل رئيف باشا الذي اأدخل<br />
الإصالحات على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وبعد وفاة السلطان سليم الثالث تبعه السلطان<br />
حممود الثاين الذي قرر اتباع سياسة سلفه يف الإصالحات ولكن بحذر، وقد استطاع<br />
عام 1826م القضاء على النكشارية الذين وقفوا يف طريق الإصالح.<br />
لذا حني صعد سليم الثالث اإىل العرش بداأ باإيفاد سفراء ومبعوثني اإىل اغلب<br />
العواصم الغربية الأوروبية، ولأول مرة اأصبح للدولة <strong>العثمانية</strong> سفراء دائمون يف<br />
عواصم خارجية، وكان الهدف من اإرسالهم هو توطيد الصالت مع هذه الدول والتعرف<br />
على تنظيماتهم الإدارية والعسكرية.<br />
وقد شكل السلطان سليم الثالث جملس شورى، وهو نوع من احلكومة، كانت<br />
تدرس فيه التقارير والقرتاحات. كان جملس الشورى يناقش هذا النوع من التقارير<br />
ويتداول اأعضاوؤه اإمكانيات الإصالح، والشيء اجلديد هو اقرتاح احللول وعرض الآراء<br />
بنوع من اجلراأة واجلدة، وقد متخضت املناقشات واملداولت عن اإعالن “النظام<br />
اجلديد” وهو عبارة عن جمموعة من التنظيمات الهادفة اإىل اإجراء اإصالحات يف<br />
املجالني العسكري واملايل.<br />
وهكذا تبلور اجتاهان، الأول: اجتاه حمافظ وهم النكشارية اأراد اأن يُبقي<br />
املوؤسسات القدمية ويحفظ استمرارها، بينما تبنى الجتاه الآخر وعلى راأسه السلطان
أ. د. تيسري جباره<br />
اإنشاء موؤسسات جديدة حديثة تابعة له مبارشة ومستقلة عن الأجهزة التي تقاسمه<br />
النفوذ.<br />
ونستطيع اأن نقسم هذه االإصالحات اإىل جماالت ثالثة هي:<br />
1.1اإلصالحات املالية: وتهدف اإىل اإيجاد موارد جديدة للخزينة يف سبيل سد<br />
الحتياجات واملتطلبات الناجتة عن مقتضيات التسلح واإيجاد فرق عسكرية جديدة.<br />
2.2اإلصالحات التعليمية: وتهدف اإىل اإدخال علوم جديدة وافتتاح مدارس<br />
للهندسة والرياضيات وكل ما يتعلق بتطوير القوات املسلحة.<br />
3.3اإلصالحات العسكرية: وهي الهدف الرئيس يف اإصالحات سليم الثالث لأن<br />
التنظيمات املالية والإصالحات التعليمية كانت تهدف اإىل الإسهام يف تدعيم القوات<br />
اجلديدة. وعرفت هذه القوات اجلديدة التي اأنشاأها سليم الثالث باسم النظام اجلديد<br />
وتضم عدة اآلف من اجلنود املدربني واملنظمني على الطريقة الأوروبية. وقد اأوجدت<br />
لهم اأمكنة جديدة للتدريب والإقامة بعيداً عن رقابة قادة النكشارية.<br />
اأبدى السلطان سليم الثالث منذ ارتقائه العرش عام 1798م اهتماماً عميقاً<br />
باإدخال النظام اجلديد يف اجليش؛ وذلك باإعادة تنظيم الفرق العسكرية وتطوير اأسلحتها<br />
على غرار اجليوش الأوروبية احلديثة، واتخذ الزي الأوروبي للجيش، واستقدم خرباء<br />
عسكريني من اأوروبا لتدريبه، وقد اعرتض النكشارية على هذه السياسة الإصالحية<br />
يف اجليش. كان السلطان سليم يتجنب الحتكاك بالنكشارية اأحياناً ويدخل يف<br />
مواجهات عسكرية معهم مراراً، وقد رضخ لطلباتهم مرات عديدة. واأذعن السلطان<br />
سليم الثالث لطلبات النكشارية عام 1806م حيث اأمروه بعزل الصدر الأعظم وتعيني<br />
قائد النكشارية صدراً اأعظم، وعني بعض ضباط النكشارية يف مناصب قيادية<br />
يف اأجهزة احلكومة، لقد كان رضوخ السلطان سليم الثالث لالنكشارية مشجعاً لهم<br />
على مواصلة سياستهم العدائية للسلطان فاأخذوا يرددون احلديث النبوي الرشيف:<br />
“كل حمدثة بدعة، وكل بدعة ضاللة، وكل ضاللة يف النار”. وذهبوا يف معارضتهم<br />
للسلطان اإىل قولهم اأن من تشبه بقوم فهو منهم. وهكذا عارض السلطان ونظامه<br />
اجلديد كل من النكشارية ورجال الدين ورجال الطرق الصوفية وعدة قطاعات من<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
167<br />
جامعة القدس املفتوحة
168 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اجلماهري. لذا وضع النكشارية خطة لعزل السلطان سليم الثالث وجنحوا يف ذلك<br />
حيث اأرغموه على اإصدار فرمان باإلغاء النظام اجلديد وترسيح اجلنود الذين التحقوا<br />
باجليش وفقاً لهذا النظام. لكن النكشارية خافوا اإذا بقي سليم سلطاناً اأن يبطش بهم<br />
فقرروا عزله بعد اأن استصدروا فتوى من شيخ الإسالم بعزله، وقد مت عزل السلطان<br />
سليم الثالث يف 1807/5/29م وتنصيب السلطان مصطفى الرابع وهو ابن السلطان<br />
عبد احلميد الأول. وقد قتل السلطان سليم الثالث يف العام 1808م )16( . وقيل اأن<br />
الذي قتله السلطان مصطفى الرابع، وقد قتل مصطفى فيما بعد من قبل اأنصار سليم<br />
الثالث.<br />
هذه هي بشكل عام الإصالحات الرئيسة التي قام بها سليم الثالث، ومع ذلك<br />
فاإن التناقضات السياسية والدولية مل تسمح له باأن يذهب بعيداً يف تنفيذ مشاريعه<br />
وعلى سبيل املثال: فاإن سليم الثالث الذي كان يعتمد اعتماداً شبه كلي على اخلرباء<br />
الأوروبيني، اضطر اإىل اإعالن احلرب على فرنسا عام 1798م بعد حملة نابليون<br />
على مرص، وقد استمر قطع العالقات فرتة من الزمن. وهناك ضغوط اجنليزية عليه<br />
وضغوط حملية وصلت اإىل حد اأدى اإىل سقوطه عام 1807م وتدمري املوؤسسات التي<br />
بناها وقتل عدد من معاونيه مبا يف ذلك حممود رئيف صاحب كتاب التنظيمات<br />
اجلديدة، اأما حماولة اإعادة السلطان سليم الثالث اإىل العرش بعد عزله فقد اأدت اإىل<br />
مقتله عام 1808م، فاستلم السلطان حممود الثاين العرش 1808- 1839م.<br />
السلطان حممود الثاني )1808م – 1839م(:<br />
عندما وصل حممود الثاين اإىل العرش، عزم على تطوير القوات املسلحة جميعها<br />
مبا فيها النكشارية، وحاول اإقناعهم باحلسنى بقبول اإدخال النظم احلديثة ولكنهم<br />
رفضوا. وكان السلطان قد عني مصطفى البريقدار صدراً اأعظم، وقد اجتمع هذا<br />
بالنكشارية واأفهمهم اأن الإصالح رضوري للجيش، وكذلك اإدخال اأحدث الأسلحة مبا<br />
فيها فيالق النكشارية، كما استصدر الصدر الأعظم فتوى من شيخ الإسالم بتاأييد<br />
اآراء مصطفى البريقدار.
أ. د. تيسري جباره<br />
مل ياأبه ومل يكرتث النكشارية برغبة السلطان ول باأوامر الصدر الأعظم، وطبقاً<br />
لتقاليدهم وضعوا قدور الطعام مقلوبة دللة على قيامهم بحركة عصيان. وقد حاول<br />
الصدر الأعظم مواجهة النكشارية اإل اأنه فشل ومات حرقاً عام 1808م، واأخذت<br />
النكشارية بتدمري كل من يقف يف طريقها وعارضوا اإدخال النظم احلربية احلديثة<br />
يف الفيالق النكشارية.<br />
ويف ذاك الوقت تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حلرب مع روسيا انتهت بعقد معاهدة<br />
بخارست عام 1812م. وبعد ذلك مل متض سنوات قليلة حتى اندلعت الثورة اليونانية<br />
عام 1821م، وقد انترصت الثورة على القوات <strong>العثمانية</strong> التي تضم عدداً من الفيالق<br />
النكشارية واأوقعت القوات اليونانية والثورة بالقوات <strong>العثمانية</strong> والسكان املسلمني<br />
مذابح رهيبة. وقد استعان حممود الثاين بوايل مرص حممد علي باشا، فاأرسل الوايل<br />
ابنه اإبراهيم باشا على راأس جيش مرصي عام 1824م ملساعدة السلطان، ونتيجة<br />
النتصارات املرصية مع <strong>العثمانية</strong> حتى عام 1827م على اليونانيني، اأعلنت روسيا<br />
اأنه ل بد من التدخل لإنقاذ اليونانيني من الفناء، ويف تلك الفرتة استغل حممود الثاين<br />
وجود اجليش املرصي وقضى على النكشارية عام )17( 1826 ، كما سياأتي لحقاً.<br />
اإلصالحات <strong>العثمانية</strong> زمن حممود الثاني:<br />
اإن الإقامة اجلربية على سليم الثالث يف القرص قد اأفادت السلطان اجلديد حممود<br />
الثاين لأنه اطلع على خطط الإصالح. وقد اأرغم السلطان اجلديد يف البداية اإىل النحناء<br />
اأمام رغبات النكشارية فاأمر باإلغاء كل الإصالحات املستوحاة من الفرجنة، وكان<br />
حممود مشغول باحلروب التي واجهها يف بداية حكمه سواء احلروب الداخلية اأم<br />
اخلارجية. وقد واجه احلركة الوهابية وحممد علي يف مرص واحلرب ضد اليونان،<br />
وحربه مع فرنسا عام 1830م عندما احتلت فرنسا اجلزائر، ولكن يف عام 1826م<br />
اأعاد حممود الثاين تشكيل قوات النظام اجلديد اإىل جانب النكشارية على اأن يقوم<br />
بتدريب القوات اجلديدة مسلمون ل مسيحيون اأو اأجانب، ووافق املفتي ورجال الدين<br />
على هذا الإجراء، اإل اأن النكشارية قاموا باآخر مترد لهم واأثاروا اجلماهري ضد هذا<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
169<br />
جامعة القدس املفتوحة
170<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الإجراء اجلديد، وخاصة فيما يتعلق بارتداء القوات اجلديدة للمالبس الأوروبية، لكن<br />
الشعب وقف ضدهم يف الوقت الذي اأعد فيه حممود العدة ملواجهتهم مما مكنه من<br />
القضاء عليهم عام 1826م بنفس الصورة التي قضى بها حممد علي على املماليك<br />
يف مذبحة القلعة عام 1811م.<br />
ولأول مرة جرى الإصالح بتدمري موؤسسة قدمية »النكشارية« مما جعل<br />
بالإمكان تنشيط املوؤسسات اجلديدة دون عراقيل. وقد اأطلق على القوات اجلديدة<br />
اسم »العساكر املحمدية املنصورة« ومت ذلك بعد موافقة شيخ الإسالم ورجال الدين.<br />
ثم األغى حممود الثاين وحدات السباهية الإقطاعيني، ومنذ ذلك الوقت اأصبح خيالة<br />
اجليش يتقاضون اأجوراً. كما وضع دخل الأوقاف حتت اإرشاف <strong>الدولة</strong> وضم الزعامات<br />
والتيمارات لالأمالك العامة وبذلك عزز مصادر دخل <strong>الدولة</strong> واأرسل بعثات عسكرية اإىل<br />
اأوروبا، وبداأ بتحديث املصانع واإنشاء وحدات عسكرية منوذجية يف سالحي املشاة<br />
والفرسان وتدريب الضباط واجلنود العثمانيني على استعمال اأحدث الأسلحة، كما<br />
اأعيد تنظيم الأسطول.<br />
مل يبداأ حممود الثاين يف الإصالحات العسكرية اإل بعد القضاء على النكشارية<br />
عام 1826م. حينئذ اأنشاأ حممود جيشاً جديداً مكوناً من 12,000 جندي، وقام<br />
بتدريب اجليش العثماين الضابط فون مولتكه وهو من بروسيا وقد اأصبح فيما بعد<br />
عام 1870م قائداً عاماً للجيش الربوسي، عمل مولتكه على تدريب الضباط واجلنود<br />
العثمانيني على استعمال اأحدث الأسلحة، واأنشاأ وحدات عسكرية منوذجية يف سالحي<br />
املشاة الفرسان، وبعث حممود الثاين الطالب اإىل الكليات العسكرية الأملانية. واهتم<br />
بتعليم اللغات الأوروبية لالأتراك، ويف عام 1833م اأنشاأ مكتباً للرتجمة )18( .<br />
ويف عام 1834م اأعاد حممود الثاين افتتاح سفاراته يف العواصم الأوروبية<br />
وكانت قد اأغلقت على اأثر خلع سليم الثالث، وجرى اأول اإحصاء ومسح لالأراضي<br />
يف العرص احلديث بهدف تنظيم التجنيد وتقدير الرضائب، واأجرى حتسينات على<br />
املواصالت فاأنشاأ كثرياً من الطرق اجلديدة واأنشاأ السكة احلديدية، وصدرت جريدة
أ. د. تيسري جباره<br />
)تقومي وقائع( وهي اجلريدة الرسمية، وجند لأول مرة تعيني وزيراً للخارجية واآخر<br />
للداخلية وثالثاً للخزانة، وقضى على الرشوة واملرتشني، واأدخل نظاماً جديداً للجيش<br />
واألبسة جديدة للدولة <strong>العثمانية</strong>، فقد سمح بارتداء الرساويل الأوروبية – البنطلونات-<br />
والأحذية السوداء واملعاطف الطويلة والطربوش الذي حل حمل العمامة، وقد جرى<br />
اإدخال الطربوش اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1827م على يد القبطان خرسو حممد<br />
باشا. واتبع حممود يف لباسه فرقة موسيقية لستقبال الضيوف الأوروبيني.<br />
إلغاء االنكشارية:<br />
كان السلطان حممود الثاين قد قرر تشكيل جيش جديد وفقاً للنظم الأوروبية<br />
احلديثة يف التنظيم والتسليح والتدريب، ولكنه يف قراره هذا الذي يشتمل على 46<br />
مادة مل يعمد اإىل اإلغاء النكشارية بل قرر اأن تقدم كل كتيبة 150 جندياً لإحلاقهم<br />
بالفرق اجلديدة، وقرر اأن ل يكون املدربون من املسيحيني بل من املسلمني. واأقيم<br />
حفل رسمي يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> يوؤيد قرار السلطان بتكوين الفرق اجلديدة يف<br />
اجليش العثماين، لكن النكشارية تعرضت للجنود اأثناء التدريب واأوسعتهم رضباً،<br />
وقامت بحركة مترد احتجاجاً على مرشوع تطوير اجليش. واجتمعت خمسة فرق من<br />
النكشارية يف ميدان يدعى ميدان اخليل ووضعوا القدور املقلوبة اأمامهم تعبرياً<br />
عن متردهم وعصيانهم. ثم انطلقوا يف شوارع استنبول يشعلون النار يف مبانيها<br />
ويحطمون املحالت التجارية. كان السلطان حممود الثاين اأثناء ذلك يف القرص على<br />
بعد ميلني ونصف امليل، فاأمر بقتل كل انكشاري يتعرض للجنود الذين يتم تدريبهم،<br />
ثم استدعى شيخ الإسالم واملفتني ورشح لهم موقف النكشارية فاستصدر من شيخ<br />
الإسالم فتوى بوجوب اإبادة هذه الفئة الطاغية.<br />
ويف 1826/6/16م خرج السلطان للقاء النكشارية يف ميدان اخليل، يصحبه<br />
عدد من الفرق العسكرية والشعب ورجال املدفعية الذين اأحاطوا بامليدان واحتلوا<br />
جميع اجلهات املطلة عليه وسلطوا مدافعهم على النكشارية، وحصدتهم املدفعية،<br />
واأيقنوا اأن ل طاقة على املدفعية فالتجاأوا اإىل ثكناتهم طلباً للنجاة وبداأ اجلنود<br />
171<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
172<br />
النظاميون اإلقاء جثث النكشارية يف البحر، ويقدر عدد قتلى النكشارية 6 اآلف<br />
انكشاري. واأصدر السلطان حممود الثاين يف اليوم التايل فرماناً باإلغاء النكشارية<br />
وشارتها واأعالمها. ويف اليوم نفسه اأصدر السلطان فرماناً باإنشاء جيش جديد اأطلق<br />
عليه العساكر املحمدية املنصورة )19( .
أ. د. تيسري جباره<br />
هوامش الفصل السادس:<br />
1.1علي حسون: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ص 96.<br />
2.2علي حسون، املصدر نفسه، الصفحة نفسها.<br />
3.3عبد العزيز حممد الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ص 96.<br />
4.4عبد العزيز الشناوي: املصدر نفسه، ص 575.<br />
5.5عبد العزيز الشناوي: املصدر نفسه، ص 576.<br />
6.6علي حسون: املصدر السابق، ص 108.<br />
7.7عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون، ص 192.<br />
8.8عبد الكرمي رافق: املصدر نفسه، ص 125.<br />
9.9عبد العزيز حممد الشناوي: املصدر السابق، ج1، ص 195. انظر اأيضاً: Hurewitz,<br />
J. C. vol. 1. pp. 47- 51<br />
1010رافق: املصدر السابق، ، ص 228.<br />
111الربت حوراين: الفكر العربي يف عرص النهضة، ص 57.<br />
1212الشناوي: املصدر السابق، ج 1، ص 197.<br />
1313رافق: املصدر السابق، ص 228.<br />
1414عبد العزيز حممد الشناوي: املصدر السابق، ج1، ص 207.<br />
1515علي حسون: العثمانيون والروس، ط 1، املكتب الإسالمي، بريوت 1982، ص 96.<br />
1616عبد العزيز حممد الشناوي: املصدر السابق، ج1، ص 530.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
173
174<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
1717عبد العزيز حممد الشناوي: املصدر نفسه، ج1، ص 542.<br />
1818احمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، ص 187.<br />
1919الشناوي: املصدر السابق، ص 551.
الفصل السابع<br />
أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل السابع<br />
أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
هناك اأسباب كثرية اأدت اإىل اإضعاف ثم سقوط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ومن<br />
هذه االأسباب: االأسباب السياسية واالقتصادية واالجتماعية واخلارجية.<br />
أ. األسباب السياسية:<br />
1. ضعف السالطني:<br />
كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قوية يف بداية عهدها وحتى نهاية عهد السلطان سليمان<br />
القانوين. فبعد وفاة هذا السلطان بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالضعف التدريجي واهتم<br />
السالطني الذين جاءوا بعده بشوؤونهم اخلاصة الفردية ومل يهتموا كثرياً ب<strong>الدولة</strong>، بل<br />
اأمضوا حياتهم باللهو يف القرص، حتى اأن كثرياً منهم مل يقم بقيادة اجليوش اأثناء<br />
احلروب، ونتيجة لهذا الضعف استلم الصدر الأعظم زمام الأمور، فاأصبحت بيده<br />
السلطة الفعلية حيث قام بقيادة اجليوش بدلً من السلطان. فمنذ عام 1566م اأي منذ<br />
وفاة السلطان سليمان القانوين وحتى عام 1718م حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ثالثة عرش<br />
سلطاناً )1( . ظهرت مالمح الضعف عليهم.<br />
كما لعب الكزلر اآغا – املشوؤول عن احلرمي يف القرص – دوراً هاماً يف تسيري<br />
دفة احلكم يف الوليات، وكذلك لعبت زوجة واأم السلطان دوراً فعالً يف شوؤون <strong>الدولة</strong><br />
السياسية الداخلية واخلارجية )2( . وقد وصل الأمر اإىل اأن قام اجليش بعزل السلطان<br />
اأو خلعه اأو قتله، كما حصل مع السلطان سليم الثالث. ول ننسى دور شيخ الإسالم<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
177
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
178<br />
اأيضاً يف التدخل يف الشوؤون السياسية، لأنه كان حسب وظيفته الدينية يستطيع عزل<br />
السلطان.<br />
2. ضعف اجليش العثماني:<br />
ومن الأسباب السياسية الأخرى لضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ضعف اجليش. لقد كان<br />
اجليش عمود <strong>الدولة</strong> ولكنه وصل اإىل مرحلة متقدمة يف السياسة فقام بقتل السلطان<br />
اأو عزله عندما مل يكن راضياً عن ترصفاته.<br />
ومن املعروف اأن اجليش اأو القوى العسكرية التي كانت تعتمد عليها <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> هي ثالثة قوى هي: اجلنود الإقطاعيون »السباهية« واجليش الإنكشاري،<br />
واجلند اخلاص اأو املرتزقة )3( . وعندما بداأ السباهي الرتباط بالأرض وحصوله<br />
على اإقطاع من <strong>الدولة</strong> خفت عنده الروح العسكرية. فطول الفرتة الزمنية يف ارتباطه<br />
باأرضه اأو اإقطاعه جعلته غري كفوؤ ملواجهة اجليوش الأوروبية املدربة على الأسلحة<br />
احلديثة والفتاكة.<br />
كما فقد اجليش النكشاري قدرته العسكرية القتالية عندما دخل صفوف<br />
النكشارية اأفراد حمليون وهم )الريليه( غري مدربني على القتال. ومترد اجليش<br />
النكشاري مراراً على الولة حتى اأنهم تدخلوا يف عزلهم واشرتكوا يف املنازعات<br />
املحلية يف الوليات وتخلى اجليش عن واجباته العسكرية وعجز عن احلفاظ على<br />
الأمن، والتصدي للغزوات اخلارجية فتحول النكشاري اإىل قوة هدم بعد اأن كان قوة<br />
بناء )4( .<br />
اعتمد الولة على اجليش اخلاص )املرتزقة( بعد اأن ضعف اجليش النكشاري.<br />
وقد لعب اجليش اخلاص دوراً هاماً يف الوليات <strong>العثمانية</strong> وخاصة الوليات العربية<br />
يف مرص وسوريا والعراق، واعتمد الولة على اجليش اخلاص ملحاربة النكشارية،<br />
ولكن ل يعني هذا اأن اجليش اخلاص كان قادراً على صد الأخطار اخلارجية.<br />
حاول بعض السالطني اإصالح اجليش واإدخال الأسلحة احلديثة للدولة لكن<br />
اجليش النكشاري رفض، مما جعل السلطان حممود الثاين يقوم بالقضاء على
أ. د. تيسري جباره<br />
الإنكشارية عام 1826م، ثم اعتمدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على جيش نظامي مدرب على<br />
الأسلحة احلديثة.<br />
ول ننسى تهديد اجليوش الأوروبية املستمر للجيش العثماين، واشتباكه مع<br />
اجليوش الأوربية املدربة واملسلحة باأحدث الأسلحة مما اأدى اإىل هزمية اجليش<br />
العثماين.<br />
3. اتساع مساحة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وعجزها الدفاع عن حدودها:<br />
وصلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اأقصى اتساع لها زمن السلطان سليمان القانوين،<br />
وامتدت رقعتها على اأراضٍ يف ثالث قارات هي اآسيا واأوروبا واأفريقيا، فوصلت<br />
حدودها اإىل اأسوار فينا يف اأوروبا وبحر قزوين شمالً، وشمايل اأفريقيا عدا مراكش،<br />
وجميع املناطق العربية يف اآسيا، ورومانيا واملجر وبلغاريا واليونان، واأصبح البحر<br />
املتوسط بحراً عثمانياً.<br />
مل تستطع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حماية هذه البقعة الواسعة ومل تستطع حماية حدودها<br />
من الأخطار اخلارجية مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا وغريها من الدول الأوروبية.<br />
كما اأن عدم ربط الوليات باملواصالت الرسيعة شجع املناطق البعيدة على<br />
الثورة، واأدى اإىل عجز <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف فرض سيطرتها على ولياتها ومقاطعاتها<br />
البعيدة.<br />
4. احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قد شهدت حركات انفصالية خاصة يف القرنني السابع<br />
عرش والثامن عرش، حيث حاول الولة الستقالل بولياتهم وحكموا كاأنهم هم<br />
السالطني. ومن اأهم هوؤالء:<br />
أ. فخر الدين املعين الثاني يف لبنان 1585م – 1635م:<br />
هو اأحد اأمراء لبنان من اآل معن الدروز الذين حكموا اإمارة الشوف من عام<br />
– 1120 1623م. يعترب فخر الدين اأشهر اأمراء بالد الشام عموماً ولبنان خصوصاً،<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
179
180 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اإذ اأنه حكم املناطق املمتدة بني يافا وطرابلس باعرتاف ورضا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،<br />
سيطر على جميع الأراضي التي تضم مناطق لبنان املعارص بحدوده احلالية ويعترب<br />
موؤسس لبنان احلديث.<br />
كان فخر الدين سياسياً بارعاً استطاع اأن ميد اإمارته لتشمل معظم سوريا الكربى<br />
ويحصل على اعرتاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسيادته على كل هذه الأراضي، على الرغم من<br />
اأن <strong>الدولة</strong> يف ذلك الوقت كانت ل تزال يف ذروة جمدها وقوتها ومل تكن لرتضى باأي<br />
وال اأو اأمري ليظهر اأي حماولة توسع اأو استقالل اأو ما شابه ذلك.<br />
حتالف فخر الدين مع دوقية نوسكانا يف اإيطاليا ومع اإسبانيا، وازدهرت البالد<br />
طيلة اأيام حكمه وكرثت التجارة مع اأوروبا.<br />
حتالف اأيضاً مع اآل شهاب اأمراء وادي التيم واآل حرفوش اأمراء بعلبك ضد احللف<br />
املكون من يوسف سيفا يف طرابلس ومنصور بن فريخ يف بعلبك. راأى فخر الدين اأن<br />
يزيح بن فريخ اأولً فصادق مراد باشا وايل الشام واأوعز اإليه بطرد ابن فريخ لأنه<br />
يشكل خطراً عليه، فاستدرجه الوايل اإىل دمشق فقبض الوايل على منصور بن فريخ<br />
وقتله، لذلك انتقلت اأراضي بني فريخ يف بعلبك اإىل بني حرفوش حلفاء فخر الدين<br />
املعني.<br />
وجرت معركة بني فخر الدين ويوسف سيفا يف جونية عام 1635م انترص فيها<br />
فخر الدين وضم اأراضي كرسوان والفتوح وبريوت، ولكي يحافظ فخر الدين على<br />
مكاسبه اجلديدة اأخذ يغمر وايل دمشق بالهدايا، فاعرتف الوايل باإمارة فخر الدين<br />
على املناطق التي استوىل عليها )5( .<br />
اأرسل دوق توسكانا األف بندقية اإىل صديقه فخر الدين املعني يف صيدا ملحاربة<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، واستصدر دوق توسكانا براءة من البابا بولس اخلامس دعا فيها<br />
موارنة لبنان اإىل املحاربة حتت لواء فخر الدين، ولكي ل تثري عالقات فخر الدين<br />
بتوسكانا قلق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، اأخذ يواصل دفع الرضائب املطلوبة منه يف مواعيدها<br />
بل قبل مواعيدها اأحياناً )6( .<br />
مكث فخر الدين بعيداً عن وطنه خمس سنوات يف اأوروبا منفياً، قضى منها<br />
سنتني يف توسكانا وثالث سنوات يف اأراضٍ تابعة لإسبانيا، وكان قصده من هذه
أ. د. تيسري جباره<br />
الإقامة يف اأوروبا تشجيع الدول الأوروبية على حماربة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جمتمعني،<br />
ولكنه فشل يف ذلك، ثم رجع اإىل لبنان.<br />
اأدرك فخر الدين تقلب السياسية <strong>العثمانية</strong> واضطرابها، فحرص على اأن تبقى<br />
عالقاته مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> متصلة، وقوى مركزه يف استنبول معتمداً على بعض<br />
الوزراء يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> من ذوي النفوذ، فاأغدق عليهم الهدايا والأموال، وهكذا<br />
ضمن فخر الدين عواطف رجال احلكم يف العاصمة <strong>العثمانية</strong>. وكان وايل دمشق قد<br />
جدد له حكم سنجقيات صفد واجلليل ونابلس وزاد عليها غزة وعكا والنارصة وطربيا<br />
وعجلون، وهذه املناطق اأمدت جيشه بالرجال واملال.<br />
وكذلك وسع اإمارته شمالً فاستوىل على سلمية وحمص وحماة وحلب واأنطاكيا<br />
وتدمر. وهكذا شملت اإمارة فخر الدين لبنان كله وسوريا وفلسطني ورشقي الأردن.<br />
واأطلق السلطان العثماين على فخر الدين لقب »سلطان الرب« عام 1624م واأطلق عليه<br />
لقباً اأخر هو »اأمري عربستان« اأي اأمري بالد العرب )7( .<br />
نظم فخر الدين اإمارته تنظيماً اإدارياً يكفل له الإرشاف على اأمورها العامة،<br />
فجعل فيها موظفني مشوؤولني يعينهم بنفسه، وحدد لهم مرتبات يتقاضونها من<br />
خزينة الإمارة.<br />
كان فخر الدين حمباً للبناء والعمران كما كانت ظروف حياته العسكرية تفرض<br />
عليه الهتمام باإقامة احلصون والقالع والأبراج وحتسينها وتطوير هندستها.<br />
وبنى الأمري فخر الدين قرصاً له يف دير القمر ما تزال اآثاره باقية حتى اليوم<br />
وشيّد لالأمراء املعنيني قصوراً يف صيدا واأنشاأ اخلانات يف املدن وعلى الطرق الطويلة،<br />
لكي ينزل فيها التجار الأجانب واملسافرون. وكانت احلياة القتصادية مزدهرة خالل<br />
عهده وساعده هذا على حتقيق اأهدافه السياسية، فقد استطاع اأن يستغل ثروة بالده<br />
الزراعية والصناعية لتسديد الرضائب املفروضة عليه للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
راأى السلطان مراد الرابع اأن الوقت قد حان للقضاء على الأمري فخر الدين الذي<br />
ذاعت شهرته يف كل مكان، فجهز حملتني كبريتني الأوىل برية يقودها اأحمد الكوجك<br />
181<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
182<br />
من 80,000 جندي واأخرى بحرية يقودها اأمري البحر جعفر باشا مكونة من عرشين<br />
مركباً حربياً.<br />
توجهت احلملتان اإىل لبنان عام 1633م، شعر فخر الدين عندئذٍ بضعفه اأمام<br />
عدوه القوي، عندئذٍ اأقدم اأحد خدمه بخيانته فاأرشد الكوجوك على جمرى املاء الذي<br />
يوصل اإىل فخر الدين. ووقع الأمري اأسرياً باأيدي العثمانيني عام 1635م، وقام<br />
السلطان مراد الرابع بقتل زوجات الأمري يف دمشق، وقتل فخر الدين ثم اأولده يف<br />
1635/4/13م )8( .<br />
ب. حركة ظاهر العمر يف فلسطني 1750م – 1775م:<br />
◄◄ظاهر العمر )9( :<br />
ينتمي الشيخ ظاهر العمر اإىل الزيادنة، جد زيدان، الذي نُسب اإىل اأرشاف بني زيد<br />
بن احلسني بن علي بن اأبي طالب، ارحتل مع اأرسته اإىل بالد الشام يف اأواخر القرن<br />
السابع عرش، واستقربهم املقام يف منطقة صفد، وحول بحرية طربيا، وكانت تتبع<br />
ولية صيدا، وملا تويف زيدان متكن ابن عمر اأن يصبح شيخاً على صفد عام 1698م<br />
بكفالة الأمري بشري الشهابي اأمري الدروز وصديق وايل صيدا، وملا تويف عمر، اجتهت<br />
اأنظار اأهايل طربيا وصفد اإىل ابنه ظاهر فاختاروه حاكماً عليهم، واضطر حممد باشا<br />
وايل صيدا اإىل تثبيته عام 1733م.<br />
كان ظاهر العمر تابعاً لوايل صيدا، وقام بعدة حروب من اأجل جمع الأموال<br />
)كملتزم( واإرسالها للوايل، وحارب مشايخ الفالحني بالقرب من طربيا مقر اإقامته،<br />
ومن هوؤلء عرب الصقر الذين استطاعوا الدفاع عن اأنفسهم ومسكوا صالح العمر )اأخ<br />
لظاهر( واأرسلوه اأسرياً اإىل سليمان باشا العظم وايل دمشق فاأعدمه. غضب ظاهر<br />
وهاجم مشايخ عرب الصقر وقتل كثرياً منهم، وحارب الدروز وتوسع يف مناطقهم<br />
وحارب جبل نابلس وتوسع حتى سهل مرج ابن عامر.<br />
اأراد سليمان باشا العظم الشتباك مع ظاهر فاأرسل حملة اإىل طربيا بقيادة<br />
اإبراهيم باشا والتقيا يف معركة يف عكا فانترص ظاهر العمر ورجع اإبراهيم لدمشق
أ. د. تيسري جباره<br />
مهزوماً، عندئذٍ قرر سليمان باشا العظم القدوم بنفسه مع جيش جرار لإخضاع<br />
ظاهر واحتالل طربيا، ولكنه فشل وانسحب بسبب قرب موسم احلج كي يرشف على<br />
احلجيج )10( .<br />
وعندما رجع سليمان باشا العظم من احلج اأمره السلطان حممود الأول العودة<br />
مرة ثانية ملحاربة ظاهر العمر واإخضاعه، فجهز سليمان باشا جيشاً وسار به اإىل<br />
طربيا عام 1738م وبداأ يحارص ظاهر، لكن رسعان ما اضطر لفك احلصار لأن الباب<br />
العايل نقله اإىل وظيفة اأخرى، واستمر ظاهر يوسع نفوذه على النارصة واأجزاء من<br />
مرج ابن عامر وصفد، ويف عام 1742م عاد سليمان العظم مرة اأخرى وحارص طربيا<br />
اإل اأنه اأرغم مرة ثانية على فك احلصار، وبعد سنة جمع جيشاً كبرياً بهدف اأن ينتقم<br />
من ظاهر )11( ، وهذه هي احلملة اخلامسة ضد ظاهر العمر، وعندما وصل اإىل لوبية<br />
مرض ومل يتابع الزحف نحو طربيا بل مات يف الطريق وهرب جيشه راجعاً لدمشق<br />
فاستوىل ظاهر على ما بحوزة اجليش املهزوم من اآل العظم.<br />
بعد انتصار ظاهر العمر قام بتهديد اأهايل عكا كي يخرجوا منها، فخرجوا ولذلك<br />
اأرسل لوايل صيدا يطلب التزام عكا لأنها كانت تابعة لوايل صيدا وحقق ما اأراد ظاهر.<br />
ثم حصل على التزام حيفا رغماً عن وايل الشام الذي غضب منه لأنه مل يرسل الأموال<br />
التي كان قد جمعها من حيفا اإىل وايل الشام.<br />
توىل اأسعد باشا العظم حكم ولية الشام بعد سليمان باشا العظم، واتخذ اأسعد<br />
موقفاً مساملاً من ظاهر ملدة 14 عاماً وهي مدة حكمه على الشام. استغلّ ظاهر العمر<br />
هذه الفرتة الزمنية فاأخذ يقوي جيشه، ثم توىل حكم الشام عثمان باشا الكرجي وهو<br />
اأحد مماليك اأسعد باشا العظم الذي صمم على جمابهة ظاهر العمر، لكن عالقة ظاهر<br />
العمر كانت جيدة مع القزلر اآغا واآخرين يف القرص السلطاين، فعقدت يف العاصمة<br />
<strong>العثمانية</strong> حمكمة كي تقضي بالأمر اإما مع وايل الشام اأو مع ظاهر، وقد جنح ظاهر<br />
من قرار املحكمة التي قررت اأن عثمان باشا الكرجي رجل اعتدى على ظاهر، واأن<br />
ظاهر ضم حيفا واجليزة واحلمرتني غصباً عنه؛ حماية لدمه وصيانة حلياته حسب<br />
قرار املحكمة )12( .<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
183
184 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
كما جرت مراسالت بني ظاهر العمر وعلي بك يف مرص لالشرتاك يف مهاجمة<br />
وايل الشام عثمان باشا، فاأرسل علي بك جيشاً بقيادة حممد بك اأبو الذهب عام<br />
1771م وجرت معركة بني الفريقني على اأبواب الشام انترص فيها ظاهر العمر وحممد<br />
بك اأبو الذهب، وهزم عثمان يف املعركة. وبعد مكوث اأبو الذهب ثمانية اأيام يف دمشق<br />
رجع اإىل مرص دون علم علي بك، وكانت خطة مرسومة من اأبو الذهب واإسماعيل بك<br />
لالنقالب على علي بك واستالم اأبو الذهب حكم مرص، وقد فشلت هذه اخلطة لكن علي<br />
بك مل يعاقب اأبو الذهب على فعلته هذه )13( .<br />
بعد رجوع اأبو الذهب ملرص رجع عثمان باشا من حمص لأنه كان مقيماً فيها<br />
بعد هزميته السابقة يف الشام، وبداأ يف التحضري ملهاجمة ظاهر يف عكا، واستعان<br />
بالدروز، بينما استعان اجلزار باملتاولة والتقيا بالقرب من بحرية احلولة شمايل<br />
فلسطني، وانترص ظاهر العمر وهرب عثمان للشام مرة ثانية، وسمع باخلرب وايل<br />
صيدا )درويش باشا( ابن عثمان باشا وايل الشام فرتك صيدا وهرب لوالده يف الشام<br />
فاستلم ظاهر حكم صيدا.<br />
بعد هذه النتصارات التي قام بها ظاهر العمر عزلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عثمان<br />
باشا الكرجي وعينت بدلً منه عثمان باشا الوكيل )14( .<br />
هرب علي بك من مرص عام 1772م اإثر نزاعه مع حممد بك اأبو الذهب، وجلاأ اإىل<br />
ظاهر العمر، لقد كان هدف علي بك اإعادة سلطته يف مرص وروؤية ظاهر موطد السلطة<br />
ليحميه من القوات <strong>العثمانية</strong> الربية. وكان املتاولة بحكم كراهيتهم لأمراء جبل لبنان<br />
اإىل جانب ظاهر العمر وعلي بك.<br />
ظهر الأسطول الروسي على املرسح العسكري، حيث اقرتبت مراكبه من حيفا عام<br />
1772م لدعم علي بك وظاهر العمر تنفيذاً لتفاق سابق مع علي بك.<br />
وكان للطرفني مصلحة يف ذلك. فالروس اأرادوا خلق املشاكل مع <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> العدوة اللدود للروس، واأراد علي بك وظاهر العمر اإنقاذ نفوذهما وبناءً على<br />
طلبهما توجه الأسطول الروسي اإىل بريوت لتحطيم املراكب <strong>العثمانية</strong> فيها ولأشغال<br />
الأمري يوسف بالدفاع عنها وكان يحكم بريوت.
أ. د. تيسري جباره<br />
طلب يوسف باشا حاكم بريوت املساعدة من عثمان باشا الوكيل حاكم دمشق<br />
حلماية بريوت فاأرسل الوكيل طائفة من اجلند على راأسهم اأحمد بك اجلزار. ٍ<br />
قرر ظاهر العمر الستيالء على بريوت وفيها عدد من الدروز الذين كانوا يف عداء<br />
مع ظاهر، فطلب الدروز مساعدة من وايل الشام عثمان باشا الوكيل، فاأرسل لهم اأحمد<br />
باشا اجلزار كي يحافظ على بريوت من اأي اعتداء من ظاهر العمر، كما استطاع ظاهر<br />
ضم مدينة يافا مبساعدة جيش علي بك من مرص.<br />
خطط حممد بك اأبو الذهب يف مرص اأن يقتل علي بك املوجود مع ظاهر، فطلب<br />
من السناجق اأن يرسلوا رسائل اإىل علي بك للحضور ملرص لأنهم يوؤيدونه ول يوؤيدون<br />
اأبو الذهب، وكانت هذه حيلة من اأبو الذهب للتخلص من علي بك، وقد نصح ظاهر<br />
العمر صديقه علي بك اأن يصرب ول يذهب ملرص لقتال اأبو الذهب حتى يتاأكد من<br />
اخلرب، لكن علي بك صمم اأن يعود ملرص ويستلم احلكم بعد اأن يطرد اأبو الذهب، ولكن<br />
احليلة التي رسمها اأبو الذهب جنحت ومت قتل علي بك وقتل صليبا بن ظاهر العمر.<br />
جرى صلح وحتالف بني ظاهر العمر والدروز وعندما سمع عثمان باشا الوكيل<br />
بذلك جهز جيشاً وسار به ملحاربة الدروز ووصل اإىل البقاع، عندئذٍ اجتمع جيش ظاهر<br />
العمر مع جيش الدروز قاصدين البقاع لقتال عثمان باشا الوكيل، وفعالً هرب الوكيل<br />
واستلم الدروز كل خملفات اجليش املوجودة مع الوكيل، وسمح لهم ظاهر العمر بذلك.<br />
وطلب الدروز من حليفهم ظاهر طرد اجلزار من بريوت، وبعد حمارصة اجلزار يف<br />
بريوت وافق على تسليم بريوت للدروز رشيطة اأن يخرج باأمان وحتت حماية ظاهر<br />
العمر الذي كان يف عكا، وبالفعل حصل اجلزار على الأمان ومل يصبه الدروز باأذى<br />
وخرج حتت حماية جيش ظاهر العمر الذين اصطحبوه اإىل عكا.<br />
خرج اأولد ظاهر عن طاعته وحالفوا حممد بك اأبو الذهب وخرج ظاهر من عكا<br />
واستلمها حممد بك اأبو الذهب، وكانت اأواخر حياته اأن قطع املغاربة راأس ظاهر العمر<br />
واأرسلوه اإىل الدنكزيل )15( ، الذي قدم الراأس اإىل حسن باشا )16( واأبقى جسده على<br />
شاطئ البحر. كان عمر ظاهر العمر اأثناء وفاته 85 عاماً قضى منها: 32 عاماً يف<br />
عكا وبقية عمره قضاها يف طربيا.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
185<br />
جامعة القدس املفتوحة
186 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
كان ظاهر العمر منذ بداية حكمه رجالً طموحا، انهمك يف توسيع ممتلكاته<br />
التي منحها له اأمري لبنان لوالده، فبداأ يوسع منطقة نفوذه على حساب دمشق وصيدا<br />
حتى نصب مترصفاً يف صيدا عام 1733م ثم على يافا وحيفا والرملة ونابلس عام<br />
1735م وصفد عام 1739م.<br />
كان ظاهر العمر ملتزماً )حمصالً( للرضائب يف شمايل فلسطني، عينته <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> على منطقة صفد، واستطاع توطيد حكمه يف صفد وطربيا وقام باحتالل<br />
عكا وحيفا والنارصة. واأعلن انفصاله عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وحتالف مع علي بك يف<br />
)17(<br />
مرص واتفقا على حماربة العثمانيني كما اتصال مع الأسطول الروسي للمساعدة<br />
. وعندما ازدادت سلطة ظاهر العمر قرر السلطان اإرسال حملة عسكرية لإخضاعه<br />
وقتله.<br />
ج. حركة علي بك الكبري يف مصر 1754م – 1772م:<br />
كان يطمح علي بك عدا عن حكم مرص بالشام واحلجاز، فجهز حملة اأرسلها<br />
للحجاز وسيطر عليها وذلك بعد قضائه على خصومه يف مرص، ثم اأرسل حملة اأخرى<br />
اإىل بالد الشام وضع على راأسها حممد بك اأبو الذهب، وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مشغولة<br />
يف حروبها مع روسيا. لكن نزاعاً نشب بني علي بك وقائده حممد بك اأبو الذهب<br />
فانترص الأخري وهرب علي ملتجئاً اإىل ظاهر العمر يف فلسطني، ولكن علي بك تويف<br />
يف معركة مع اأبو الذهب وتخلصت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من حاكم كان يطمح بالستقالل<br />
عن العاصمة <strong>العثمانية</strong>.<br />
د. حركة أمحد باشا اجلزار 1773م – 1804م:<br />
◄◄أمحد باشا اجلزار )18( :<br />
ولد اجلزار يف عام 1720م، يعود اأصل اجلزار اإىل البوسنة يف البلقان فهو من<br />
البشناق. هرب اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong> الأستانة )اسطنبول( وهو يف سن السادسة<br />
عرشة من عمره، ثم بيع اإىل اأحد جتار الرقيق ورحل اإىل مرص واستقر فيها، سمي<br />
باجلزار لأنه برع يف فنون البطش وسفك الدماء، واختلف املوؤرخون يف سبب تلقيبه<br />
باجلزار فمنهم من قال بسبب قسوته وغدره سمي بهذا اللقب.
أ. د. تيسري جباره<br />
نال اجلزار حظوة عند علي بك يف مرص، ولكن حدث ما عكر صفو العالقة احلسنة<br />
بينهما، وخاف على نفسه من القتل ففر اإىل الأستانة ومنها اإىل حلب فبريوت باحثاً<br />
عن عمل ومن بريوت اإىل دير القمر، وعمل باجلمارك ثم يف سلك اجلندية )19( .<br />
كان قد كلف من سلطات دمشق بحماية بريوت، ولكنه مترد على حاكمها الأمري<br />
يوسف الشهابي، وقد عينه السلطان بعد القضاء على ظاهر العمر حمافظاً لعكا، وحني<br />
عزل وايل صيدا العثماين عام 1775م اأرسل اجلزار متسلماً اإىل صيدا ليحكمها باسمه،<br />
ويف عام 1776م دخل اأحمد اجلزار صيدا والياً عليها من قبل السلطان العثماين،<br />
واأعطي رتبة وزير )20( .<br />
وبتعيني اأحمد باشا اجلزار على ولية صيدا، انتقل زمام املبادرة السياسية يف<br />
بالد الشام اجلنوبية من ولة دمشق اإليه، واأصبحت دمشق تدور يف فلك قوته.<br />
كانت سياسيته الداخلية اإثر حصوله على باشوية صيدا مبارشة تشكيل جيش<br />
من الألبانيني، وجيش اآخر من املغاربة، واأنشاأ اأسطولً صغرياً يف ميناء عكا، واتبع<br />
سياسة تعسفية يف جمع الرضائب من الأهايل. وكرر هذا كثرياً، فعندما توىل وليتي<br />
طرابلس ودمشق عام 1785م فرض على سكانهما رضائب باهظة، غضب الشعب<br />
وقام بعدة ثورات ضده، منها مثالُ ثورة الفالحني يف دمشق، ولكنها اأخمدت بقسوة<br />
من قبل قوات اجلزار، ثم ثورة عام 1789م والتي استوىل الثوار خاللها على بريوت<br />
وصيدا وصور واقرتبوا من عكا مقر اإقامة اجلزار، لكن اخليانة التي وقعت بني صفوف<br />
الثوار من الإقطاعيني ساعدت اجلزار يف اإخماد الثورة عند وصولها اإىل اأسوار عكا.<br />
اأما سياسة اجلزار اخلارجية فكانت متوترة مع الشهابيني خاصة عندما بداأ<br />
يتوسع يف الأقاليم الساحلية ويف جبل لبنان، كانت املنطقة حتت حكم يوسف<br />
الشهابي، واصطدم الثنان )اجلزار والشهابي( واشتعلت احلرب بينهما وانترص اجلزار<br />
وطلب من الشهابيني انتخاب بشري الشهابي بدلً من يوسف الشهابي حاكماً على<br />
لبنان، منذراً اجلزار كالً من الدروز واأهايل الشوف واملنت وكرسوان يف لبنان اأن<br />
يطيعوا بشري الشهابي واأن يكون حاكماً عليهم )21( .<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
187
188<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
استطاع اجلزار القضاء على الزيادنة مبقتل علي بن ظاهر العمر وفرض رضائب<br />
كثرية على املناطق التي وقعت حتت سيطرته.<br />
كما عمل اجلزار للحد من نفوذ اأرسة اآل العظم يف دمشق واأرسة اآل شهاب يف<br />
لبنان، ويف عام 1785م عينت احلكومة <strong>العثمانية</strong> اأحمد باشا اجلزار والياً على دمشق،<br />
فقام بتعيني اثنني من مماليكه على صيدا وطرابلس وسيطر على دمشق ملدة عامني،<br />
ومل تعد دمشق باشوية لآل العظم وعني ثالث مرات والياً على دمشق.<br />
ووقعت ثورة ثالثة ضد اجلزار كانت عام 1798م وتعد من اأشد الثورات لكن<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تدخلت يف تسوية النزاع الدائر بني اأهايل دمشق واجلزار، فنجم عن<br />
هذه التسوية تولية والٍ جديد على دمشق، وعندما عزل اجلزار عن دمشق عرب الناس<br />
عن فرحتهم ورسورهم بتزيني البلد واإشعال الشموع حتى يف النهار )22( ، احتفالً<br />
حياً من خالل النرص النفس الكبري الذي انتابهم.<br />
اتبع اجلزار سياسة فرق تسد بني يوسف الشهابي وبشري الشهابي كي يبقى<br />
مسيطراً على جبل لبنان، فعرض يوسف اأموالً للجزار حلكم جبل لبنان وقدم بشري<br />
اأموالً اأكرث وكانت هذه الأموال من ازدياد الرضائب على الأهايل. وقد وضع اجلزار<br />
نهاية لالأمري يوسف حيث اأمر اجلزار بشنقه يف عكا.<br />
ويف عام 1799م دخلت احلملة الفرنسية فلسطني قاصدة عكا فحارصها<br />
نابليون بونابورت، ومتكن اجلزار مبساعدة الأسطول الإجنليزي بقيادة سدين سميث<br />
الدفاع عن املدينة دفاعاً مستميتاً، وما اإن فشلت احلملة الفرنسية على مرص وبالد<br />
الشام، حتى بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تناور بني قوتني سياسيتني قوة اجلزار الإقليمية<br />
وقوة بشري الشهابي املتنامية.<br />
رشع اجلزار يف تقوية دفاعه، واتخذ عكا مركزاً له، وكان يقيم فيها عرشة اأشهر<br />
ويقيم املدة الباقية من السنة يف صيدا التي كانت مركز الولية الرسمي.<br />
استخدم اجلزار جيشاً من املماليك واملرتزقة ضم البشانقة والأرناوؤوط والأكراد<br />
واملغاربة.
أ. د. تيسري جباره<br />
لقد عانى الأهايل من الرضائب الباهظة التي فرضها اجلزار على الفالحني<br />
لتقوية جيشه، وجلاأ اجلزار اإىل اأعمال السخرة يف حتصني عكا، وطلب من الفالحني<br />
تقدمي خدماتهم جماناً مما اأرض بالزراعة.<br />
جلاأ اجلزار بسبب حاجته اإىل املال اإىل الضغط على امللتزمني يف منطقته، وحاول<br />
السلطان عزل اجلزار بسبب ازدياد نفوذه، ولكن اجلزار حتدى اأوامر السلطان بعزله،<br />
وطرد الباشا الذي عني مكانه، واضطر السلطان اإىل التغاضي عنه ل سيما واأن اجلزار<br />
كان يوطد الأمن يف منطقته، وقد اأصبح قوياً اإىل درجة يصعب معها عزله بسهولة.<br />
مل يقم اجلزار بحركة انفصالية زمن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ولكن مت تعيني اجلزار والياً<br />
على عكا عام 1775م، وقد اأمضى وقته يف حروب طاحنة مع اأبناء ظاهر العمر،<br />
وقد خضعت له مناطق يف سوريا وفلسطني ولبنان مثل صفد وطربيا وصور ونابلس<br />
وجنني، وبسبب شهرته واأدائه الرضائب للسلطان عينه والياً على دمشق اأيضاً عام<br />
1780م، وبذلك خضعت له جميع سوريا وبداأ يجمع الأموال الكثرية من الفالحني<br />
بحجة الرضائب، ولكنه مل يعلن عن رغبته يف النفصال عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> رغم اأنه<br />
كان يترصف وكاأنه احلاكم الفعلي يف بالد الشام.<br />
5. الثورات الداخلية:<br />
نشبت ثورات داخلية عديدة داخل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأدت اإىل الفوضى والضطراب،<br />
وكلفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> العناء والأموال الباهظة حتى اأعادت الأمور اإىل نصابها.<br />
ومن هذه الثورات والتمردات:<br />
. أمترد الوالة العثمانيني وميلهم اإىل الستقالل بولياتهم لأسباب منها<br />
ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وبعد هذه الوليات عن العاصمة استنبول، مثل اآل العظم<br />
يف سوريا، والأٍرسة القرمانلية يف ليبيا، واحلسينية يف تونس، وحممد علي يف<br />
مرص الذي حاول تشكيل دولة عربية تضم كالً من مرص وبالد الشام والسودان<br />
وشبه اجلزيرة العربية )24( .<br />
.بمترد االنكشارية: وذلك لتحقيق مكاسب لهم، ولكن السلطان حممود الثاين<br />
استطاع القضاء على النكشارية عام 1826م.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
189<br />
جامعة القدس املفتوحة
190 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
.تالثورات الدينية: ومن اأشهرها الثورة الزيدية يف اليمن، واحلركة الإصالحية<br />
التي قام بها حممد بن عبد الوهاب يف جند، وانترشت حركته وتعاليمه خارج اجلزيرة<br />
العربية. وغضب السلطان نتيجة هذه احلركة فاأرسل الوايل املرصي حممد علي باشا<br />
للقضاء على الوهابيني.<br />
.ثخطر البدو: كان البدو يقومون بالتعدي على قوافل احلجاج جنوب الأردن<br />
وحوران واأماكن اأخرى ويقومون بالسلب والنهب من احلجاج، وهناك يف مرص حركة<br />
للسلب والنهب من البدو يف الدلتا. وقد كلفت هذه احلركات والتعديات البدوية اأموالً<br />
باهظة رصفتها خزينة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> للقضاء على البدو.<br />
6. »احلروب <strong>العثمانية</strong> مع الدول الكربى«:<br />
خاضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حروباً متواصلة مع الدول الأوروبية اأدت اإىل اإنهاك<br />
<strong>الدولة</strong> واإفقار خزينتها وفقدان اأراضٍ لها يف اأوروبا حتى اأطلق عليها الروس »الرجل<br />
املريض«. لقد كان الصدام العثماين الروسي قوياً وطويالً، وكذلك الصدام مع النمسا،<br />
كل ذلك اأدى اإىل اإضعاف القوة العسكرية <strong>العثمانية</strong>، وتوقيع معاهدات اعرتفت فيها<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بهزميتها وسلخ اأراضٍ عنها، مثل معاهدة كارولفيتز عام 1699م<br />
مع النمسا وقد تنازلت مبوجب هذه املعاهدة عن اأراضٍ واسعة يف ترانسلفانيا واملجر<br />
واأجزاء من اأوكرانيا وغريها. كما وقعت <strong>الدولة</strong> معاهدة كوجوك كينارجا عام 1774م<br />
مع روسيا، اعرتف السلطان العثماين مبوجبها باستقالل شبه جزيرة القرم، وسمح<br />
لروسيا باإنشاء قنصليات يف مناطق خمتلفة من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وكنائس يف القدس<br />
والقسطنطينية )25( . وتوسعات اإقليمية على حساب السلطان. وقد كان لهذه احلروب<br />
التي خرستها <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عامالً مهماً من عوامل ضعفها.<br />
يتضح مما سبق اأن الأٍسباب السياسية والعسكرية كان لهما الدور الفعلي يف<br />
اإضعاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ول ننسى فساد الإدارة وانحالل اجليش الذي مل يستطع اأن<br />
يحمي دولة »الرجل املريض« مرتامية الأطراف.
أ. د. تيسري جباره<br />
ب. األسباب االقتصادية:<br />
تستطيع كل دولة اأن تبني نفسها اإذا كان اقتصادها قوياً، لذا فاإن جميع النواحي<br />
الإدارية والسياسية والعسكرية تعتمد على الناحية القتصادية فاإذا ضعف اقتصاد<br />
<strong>الدولة</strong> ل تستطيع بناء نفسها اإدارياً ول سياسياً ول حتى عسكرياً.<br />
اإن ضعف التجارة والصناعة واإهمال الزراعة وكرثة املشاكل املالية وتبديل<br />
العملة النقدية دللة على ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. اأضف اإىل ذلك ازدياد مصاريف<br />
القرص والرتف والبذخ الذي كان يتمتع بها السلطان وحاشيته وقلة الدخل للدولة،<br />
كل هذه الأسباب جمتمعة اأدت اإىل اإضعاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. اإن الناحية املالية<br />
والقتصادية ترتكز عليها جميع مرافق احلياة يف <strong>الدولة</strong>، واأهم دعائم الناحية<br />
االقتصادية هي:<br />
1. التجارة:<br />
كانت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> همزة الوصل بني الهند واأوروبا عرب البالد<br />
العربية، لذا كانت التجارة قوية. ولكن عندما مت اكتشاف راأس الرجاء الصالح حتولت<br />
الطرق التجارية حول اأفريقيا اإىل اأوروبا، لذا اأصبحت سواحل البحر املتوسط الرشقية<br />
منطقة ليست مهمة جتارياً، وهذا اأدى اإل اضطراب التجارة )26( .<br />
اأما بالنسبة للتجارة الداخلية فكانت ضعيفة وذلك لأنها تعتمد على الأسواق<br />
اخلارجية اإىل حد ما، اأما الإنتاج املحلي فكانت جتارته قوية يف الأسواق. اأما نظام<br />
المتيازات الأجنبية فقد استفاد منه التجار الأجانب بسبب اإعفائهم من الرضائب.<br />
2. الزراعة:<br />
كان الفالح العصب املهم يف جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ولكن عندما ازدادت طلبات<br />
امللتزمني )حمصلي الرضائب( من الفالحني، اضطر الفالح اأن يهجر اأرضه، لأن<br />
الرضائب كانت اأحياناً اأكرث من نصف حمصوله، هجر الفالح قريته اإىل املدينة هرباً<br />
من الرضائب وهذا اأدى اإىل خراب الأراضي الزراعية.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
191
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
192<br />
اأضف اإىل ذلك عدم التقدم التكنولوجي يف النواحي الزراعية، فكان الفالح يعتمد<br />
على حمراثه الذي يعود استعماله اإىل عدة قرون فليس هناك من تقدم.<br />
3. الصناعة:<br />
كانت الصناعات احلرفية اليدوية تصدر اإىل اأوروبا، ولكن عندما تقدمت اأوروبا<br />
صناعياً نتيجة النقالب الصناعي تدفقت الصناعات الأوروبية على اأسواق <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، وهذا اأدى اإىل تدهور الإنتاج املحلي يف الأسواق <strong>العثمانية</strong>.<br />
اأضف اإىل ذلك التقدم العلمي يف اأوروبا صناعياً بينما بقي يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
جامداً. ومل يطراأ شيء جديد على الصناعات <strong>العثمانية</strong> اأو املنسوجات، بينما كانت<br />
اأوروبا تاأتي باملواد اخلام من خارج القارة الأوروبية وتصنع ما تريد ثم تصدر<br />
املصنوعات اإىل الأسواق العاملية.<br />
4. املسائل النقدية واملالية:<br />
كانت العملة النقدية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي الأقجة الفضية، وبسبب نقص<br />
معدن الفضة واجهت <strong>الدولة</strong> اأزمة نقدية، ولكن عندما بداأت الكشوفات اجلغرافية جلب<br />
الأوروبيون الفضة من الدنيا اجلديدة )اأمريكا( لذا تدفقت الفضة اإىل الأسواق <strong>العثمانية</strong><br />
بسعر رخيص وهذا اأدى اإىل ازدياد الأزمة نتيجة التضخم الفضي. لذا فرضت السلطات<br />
<strong>العثمانية</strong> الرضائب الباهظة للتخلص من الأزمة املالية، وكان ذلك على حساب الشعب<br />
والفالح بصورة خاصة، وهذا العمل اأدى اإىل فقر الفالح.<br />
5. البذخ واإلسراف وإرهاق خزينة <strong>الدولة</strong>:<br />
عاش بعض سالطني اآل عثمان حياة مرتفة كلها بذخ، فلم يهتم السلطان باحلياة<br />
العامة يف <strong>الدولة</strong> ولكنه اهتم بشوؤونه اخلاصة وشوؤون القرص واحلرمي وتزوج نساء<br />
كثريات، وهذا اأدى اإىل مصاريف كثرية على حساب خزينة <strong>الدولة</strong>.<br />
اأضف اإىل ذلك اأن الأزمة املالية التي مرت بها السلطة <strong>العثمانية</strong> ازدادت نتيجة هذا<br />
الإرساف يف الأموال، وكذلك نتيجة زيادة عدد املوظفني الذين ل رضورة لوظائفهم،
أ. د. تيسري جباره<br />
كل ذلك اأرهق خزينة <strong>الدولة</strong>. لذا فاإن اإرساف السالطني يف الكماليات والبذخ، وكذلك<br />
فاإن تعدد الزوجات كان له الأثر الكبري يف ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ووقوع <strong>الدولة</strong> يف<br />
مطبات مالية صعبة ومعقدة.<br />
ج. األسباب االجتماعية والعلمية:<br />
اإن الأسباب الجتماعية والعلمية كانت من الأسباب الهامة يف اإضعاف <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، فمثالً انترشت الرشوة يف الآونة الأخرية، لذا وصل عدمي اخلربة اإىل<br />
املناصب العليا يف <strong>الدولة</strong>. كما اأن القتل اأدى اإىل تفكك املجتمع وتاأخره، خاصة اإذا<br />
كان القتل بال سبب. ومن اأهم العوامل االجتماعية والعلمية التي اأدت اإىل<br />
ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي:<br />
1. التخلف العلمي:<br />
كان التعليم يف بداية الأمر يف الكتاتيب واملساجد، ثم افتتحت جامعة السلطان<br />
حممد الفاحت يف استنبول، وكان التعليم باللغة الرتكية. وقد نظر العثمانيون اإىل التعليم<br />
اأنه من مشوؤولية الأرسة وليس من مشوؤولية <strong>الدولة</strong> لذلك اأهملت السلطة <strong>العثمانية</strong> يف<br />
بداية الأمر فتح املدارس يف الوليات. اأضف اإىل ذلك اأن السلطة <strong>العثمانية</strong> مل تهتم<br />
باإدخال الأفكار اجلديدة للدولة مما دل على اجلمود الفكري والعلمي )27( .<br />
اإن احلروب املتواصلة على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من قبل جريانها اأدى ذلك اإىل عدم<br />
التقدم العلمي واأدى اإىل انشغال الأفكار باحلروب وليس بالعلم.<br />
ل يعني ذلك اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كانت ل تشجع العلم، بالعكس، فقد شجعت العلم<br />
والعلماء واأرسلت البعثات العلمية لأوروبا للدراسة، لكن الذي كان يشغل السالطني<br />
فكرياً ليست النواحي العلمية بل النواحي العسكرية واحلربية.<br />
2. النزاع على العرش ونظام والية العهد:<br />
اإن النزاع على العرش سببه النساء. فقد كانت زوجات السلطان ترغب كل واحدة<br />
اأن يكون ابنها الوريث يف احلكم بدلً من اأبيه. وهذا اأدى اإىل موؤامرات يف القرص<br />
مستمرة شغلت بال السلطان فاأصبح ل يهتم بشوؤون <strong>الدولة</strong> بل بشوؤون الوراثة.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
193
194 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
كان البن الأكرب هو السلطان املنتظر بعد وفاة اأبيه، لكن فيما بعد اأخذ السالطني<br />
يختارون من اأبنائهم من يحكم بعد وفاة السلطان. ثم األغيت هذه العادة، فدرجت على<br />
اختيار اأكرب الأعضاء سناً يف العائلة <strong>العثمانية</strong>، وهذا اأوجد جمالً واسعاً للتنافس<br />
والتفاخر على العرش واأدى اإىل قتل السلطان، وفرض الإقامة اجلربية على السلطان<br />
الآخر.<br />
3. انعدام التجانس بني واليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
كانت نتيجة اتساع رقعة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ثالث قارات، اأن ضمت يف ثناياها<br />
اأمماً وشعوباً غري متجانسة يف اللغة والدين والعادات والتقاليد، لذا فاإن احتواء جميع<br />
هذه العنارص وصهرها يف دولة واحدة تكاد تكون مستحيلة. واأدى هذا اإىل بروز<br />
القوميات، مثل القومية اليونانية والقومية العربية وغريها. كل هذه القوميات نادت<br />
بالنفصال والستقالل عن <strong>الدولة</strong>.<br />
4. احلصول على الرتقية والوظيفة بوساطة الرشوة واحملسوبية:<br />
انترشت عادة الرشوة واملحسوبية يف اأواخر عهد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، فكان<br />
الشخص يدفع املال الالزم للوصول اإىل الوظيفة املطلوبة، وعندما يصل اإىل الوظيفة<br />
كان يبتز الأموال من الشعب اأضعاف ما دفع من رشوة. حتى اأن البعض وصل اإىل<br />
وظائف حساسة يف <strong>الدولة</strong> ويجهل العمل بهذا املنصب سواء كان عسكرياً اأو سياسياً<br />
اأو اقتصادياً، لذا مل يكن الرجل املناسب يف املكان املناسب. ونتج عن ذلك انهيار<br />
سياسي وتفسخ اجتماعي واضطراب اقتصادي داخل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. لذا فاإن انتشار<br />
الرشوة بني الطبقة احلاكمة نتج عنه فساد يف الإدارة <strong>العثمانية</strong>.<br />
د. األسباب اخلارجية:<br />
هناك عوامل كثرية خارجية اأثرت على سري احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
فعطلت مسريتها وتقدمها واأدت اإىل اإضعافها ثم اإنهائها وسقوطها. ومن اأهم
أ. د. تيسري جباره<br />
هذه العوامل اخلارجية:<br />
1. التآمر على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
فقد حصلت ثورات داخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لكن جاء الدعم لهذه الثورات<br />
من اخلارج، فثورة الرصب مثالً كانت مدعومة من النمسا عام 1804م، وقد قضى<br />
السلطان على هذه الثورة عام 1813م. لكن قام الرصب مرة اأخرى بثورة عام 1815م<br />
ودعمتها هذه املرة روسيا، مما اأجرب السلطان العثماين هذه املرة اأن يعرتف باستقالل<br />
الرصب عام 1815م وقس على ذلك تدخالت اأخرى يف مناطق خمتلفة يف <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>.<br />
وهناك ثورة اليونان ضد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، مما اأجرب السلطان طلب العون من<br />
الوايل حممد علي باشا عام 1827م وحصلت معركة نفارين، لكن الدول الأوروبية<br />
ساعدت اليونان وقضت على الأسطول املرصي والأسطول العثماين. وحصلت اليونان<br />
على الستقالل عام 1829م. وكذلك استقلت رومانيا سنة 1878م نتيجة الثورة التي<br />
قامت بها. واستقلت بلغاريا عام 1812م. كما دعمت روسيا ظاهر العمر الذي سبب<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong> مشاكل داخلية وخارجية.<br />
2. زحف االستعمار على أراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
كان التبشري )الذي هو مقدمة لالستعمار( قد ازداد يف بداية القرن التاسع عرش.<br />
فبداأ التدخل الأوروبي تدريجياً يف شوؤون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهذا اأدى يف النهاية اإىل<br />
احتالل فرنسا للجزائر عام 1830م واحتالل فرنسا ملراكش عام 1911م، وسقوط<br />
تونس بيد الفرنسيني عام 1881م ومرص بيد الإجنليز عام 1882م وعدن بيد الإجنليز<br />
عام 1839م وفلسطني بيد الإجنليز عام 1917م وسوريا ولبنان بيد الفرنسيني عام<br />
1920م.<br />
وهكذا سلخت اأراضٍ كثرية من اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمة ومل يبق لها<br />
سوى تركيا.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
195<br />
جامعة القدس املفتوحة
196 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اهلوامش:<br />
الفصل السابع: أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1.1عمر عبد العزيز عمر: حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية، بريوت، 1977م،<br />
ص 115.<br />
2.2عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون، ص 120.<br />
3.3عبد الكرمي رافق: املصدر نفسه، ص 120.<br />
4.4عمر عبد العزيز: املصدر السابق، ص 117.<br />
5.5انظر اأسامة اأبو نحل فخر الدين املعني الثاين org/wiki/ ar. .m wikipedia.<br />
6.6املصدر نفسه، وانظر: املصور يف ال<strong>تاريخ</strong>:، ج 7، حمالفة فخر الدين مع توسكانا.<br />
ص – 34 .36<br />
7.7املصدر نفسه، والصفحة نفسها.<br />
8.8املصدر نفسه، الصفحة نفسها<br />
9.9سيار اجلميل: تكوين العرب احلديث، دار الرشوق. 1997م، ص 267- 268.<br />
1010توفيق معمر املحامي: ظاهر العمر ط3، مطبعة فينوس، النارص، 1996م. ص 43.<br />
وانظر، الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong> ظاهر، لعبود الصباغ، حتقيق حممد عبد الكرمي<br />
حمافظة، وعصام مصطفى هزامية. ط1، موؤسسة حمادة للخدمات والدراسات<br />
اجلامعية، اإربد، الأردن. 1999م، ص 33.<br />
111الكس كرمل: <strong>تاريخ</strong> حيفا يف عهد الأتراك العثمانيني، معهد دراسات الرشق<br />
الأوسط، حيفا 1979م. ص 77.<br />
1212الكس كرمل: املصدر نفسه. ص 50.
أ. د. تيسري جباره<br />
1313الكس كرمل: املصدر نفسه. ص 65.<br />
1414الكس كرمل: املصدر نفسه، ص 75.<br />
1515الدنكزيل: هو اأحمد اآغا الدنكزيل، مغربي الأصل من تاهرت، حارب ضد ظاهر<br />
العمر اإىل جانب اأحمد احلسني عند دخوله قلعة جدين. ونظراً لبسالته دعاه ظاهر<br />
واستخدمه كما فوضه باختيار من يراه مناسباً من املغاربة للعمل معه، وشكل<br />
فرقة مستقلة ذات نظام خاص بها بقيادة اأحمد الدنكزيل، وبقي الدنكزيل يف<br />
خدمة ظاهر العمر زهاء اأربعني سنة لعب خاللها دوراً هاماً يف حياته. انظر<br />
الصباغ: <strong>تاريخ</strong> الشيخ ظاهر العمر ص 65. 37، 11،<br />
1616حسن باشا: هو حسن باشا اجلزائري، اأمري البحر الرتكي قائد الأسطول العثماين،<br />
وهو املسمى بالرتكية القبودان باشي. اأنظر: الشدياق، الأعيان. ج 2. ص 336.<br />
1717عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون، ص 291.<br />
1818اأسامة اأبو نحل: اأحمد باشا اجلزار، اإدارته وعالقاته السياسية والقتصادية<br />
بالقوى الإقليمية والدولية. رسالة دكتوراه غري منشورة. جامعة النيلني، 2000م.<br />
1919حممد عبد الكرمي حمافظة وعصام مصطفى هزامية: الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong><br />
ظاهر، تصنيف عبود الصباغ، موؤسسة حمادة، اإربد 1999م. ص 73، انظر اأيضاً:<br />
مشاق’: مشهد العيان. ص 60.<br />
2020عبد الكرمي رافق: بالد الشام ومرص. دمشق 1968م. ص 387.<br />
2121عبد العزيز نوار: وثائق اأساسية يف <strong>تاريخ</strong> لبنان احلديث. بريوت، 1974م، ص<br />
.150<br />
222زاهية قدورة: <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث. بريوت، 1975م. ص 189.<br />
2323عمر عبد العزيز عمر: <strong>تاريخ</strong> املرشق العربي – 1516 1952م، الإسكندرية. د. ت.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
197
198<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ص183 – .185<br />
2424عمر عبد العزيز: حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية، ص 131.<br />
2525لوتسكي: <strong>تاريخ</strong> الأقطار العربية احلديث، ص 32.<br />
2626عبد احلميد البطريق: ال<strong>تاريخ</strong> الأوروبي احلديث، دار الفكر العربي، 1982م، ص<br />
.52<br />
2727علي حسون: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ص 82.
الفصل الثامن<br />
األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل الثامن<br />
األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
احلملة الفرنسية على مصر وبالد الشام عام )1798م – 1081م(:<br />
جاءت احلملة الفرنسية من ميناء طولون يف فرنسا بزعامة نابليون بونابرت اإىل<br />
مرص بعد اأن اأبحرت عدة اأيام يف البحر الأبيض املتوسط. لقد نزلت احلملة الفرنسية<br />
يف ميناء الإسكندرية مبرص يف 1798/7/1م. وكان هدف نابليون من حملته قطع<br />
طرق املواصالت بني بريطانيا ومستعمراتها يف الرشق الأقصى وخاصة الهند، واإقامة<br />
مستعمرات فرنسية يف الرشق الأدنى، واإمرباطورية فرنسية مركزها مرص )1( ، وفتح<br />
اأسواق للتجار الفرنسيني خارج فرنسا، ومنافسة رشكة الهند الرشقية الربيطانية،<br />
ولكن الغاية الرئيسة للفرنسيني هي احتالل مرص والتمتع مبصادر خرياتها )2( .<br />
استطاع الفرنسيون كرس املماليك يف معركة الأهرامات قرب القاهرة يف اآب<br />
1798م واحتلوا القاهرة واأعلنوا للمرصيني اأنهم جاءوا لإنقاذهم من ظلم املماليك.<br />
واأنهم اأصدقاء املسلمني والسلطان العثماين. وبداأوا يتقربون من العلماء واملشايخ.<br />
ووزع نابليون بياناً للمرصيني ركز فيه على استثارة الناحية الوطنية ضد املماليك<br />
وكذلك الشعور الديني للسكان )3( ، ورغم اأساليب نابليون هذه جلذب الشعب املرصي<br />
اإليه اإل اأنه واجه صعوبات ومشاكل وثورات مرصية ضده سواء من املماليك اأو من<br />
عامة الشعب؛ وذلك نتيجة فرضه الرضائب عليهم وهدم البوابات وحتصني القلعة<br />
وغري ذلك من اأعمال مل يقبل بها الشعب املرصي، كما اأعلن السلطان العثماين احلرب<br />
على فرنسا يف الشهر التايل لحتالل نابليون مرص.<br />
اأرسلت بريطانيا اأسطولً بحرياً كي يتعقب احلملة الفرنسية وكان الأسطول<br />
الإجنليزي بقيادة نيلسون. وقد استطاع هذا اإغراق الأسطول الفرنسي يف معركة اأبي<br />
قري البحرية وقطع بذلك خطوط مواصالت احلملة الفرنسية مع فرنسا، كان يحدق<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
201<br />
جامعة القدس املفتوحة
202 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
بالفرنسيني اأربعة اأخطار هي: اخلطر الإجنليزي يف البحر، واخلطر اململوكي،<br />
واخلطر املحلي كقيام ثورات شعبية، واخلطر العثماين وذلك عندما اأرسل السلطان<br />
العثماين جيشاً برياً بقيادة حممد علي فيما بعد، ورغم هذه الأخطار اإل اأن نابليون<br />
مل يكرتث بل قضى على الثورة املحلية يف القاهرة وهرب املماليك للصعيد، وصمم<br />
نابليون اأن يزحف اإىل بالد الشام كي يقطع الطريق على العثمانيني اإذا جاءوا<br />
ملساعدة مرص. وكان نابليون يفكر يف اإقامة حكومة حملية يف بالد الشام موالية له<br />
من الشهابيني اأو اأبناء ظاهر العمر. ويف زحفه لبالد الشام احتل نابليون العريش يف<br />
1789/2/22م وسقطت يافا يف 1789/3/7م، وقد ارتكب نابليون اأعمالً شنيعة<br />
ل اإنسانية حيث قتل األفني من حامية يافا التي استسلمت له، لقد قتلهم لأنه كما<br />
قيل عنه لو احتفظ بهم لأوجدوا له مشكلة من ناحية اإطعامهم وحراستهم، ولو اأطلق<br />
رساحهم فرمبا انضموا اإىل صفوف خصومه )4( .<br />
لقد فشلت حملة نابليون اإىل فلسطني بسبب مناعة اأسوار عكا من جهة، وبسبب<br />
مساعدة الإجنليز لأحمد باشا اجلزار حاكم عكا، وانتشار مرض الطاعون يف صفوف<br />
اجليش الفرنسي، والأهم من ذلك الوحدة اجلزئية التي حققها سكان جبل النار<br />
الذين كانوا يهاجمون معسكرات نابليون ويحرقون اخليام ويقتلون اجلند الفرنسي<br />
ويستولون على السالح والذخرية والتموين، واضطر نابليون للعودة اإىل مرص يف<br />
1799/5/20م. ثم اضطر للعودة اإىل فرنسا تاركاً على رئاسة احلملة يف مرص نائبه<br />
كليرب الذي قُ تل على يد مسلم يف مرص هو سليمان احللبي. ثم استلم قيادة احلملة<br />
فرنسياً اآخر هو )مينو( الذي اأعلن اإسالمه وتسمى ب عبد اهلل مينو، ثم بداأ الإجنليز<br />
والعثمانيون يف حمارصة القوات الفرنسية يف مرص من الرب والبحرين املتوسط<br />
والأحمر مما اضطر الفرنسيون بقبول الأمر الواقع اأي جالء القوات الفرنسية عن مرص<br />
عام 1801م زمن السلطان سليم الثالث.<br />
لقد فشلت احلملة الفرنسية على مرص وبالد الشام ولكنها اأيقظت الشعور<br />
املرصي برضورة الدفاع عن الوطن، ونبهت السلطان العثماين اإىل الأطماع الأوروبية<br />
يف اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وقد تركزت حركة الكفاح املرصي ضد الستعمار خاصة<br />
عند املشايخ والطلبة يف جامعة الأزهر، واأصبحت هذه اجلامعة مركزاً لقيادة الثورة
أ. د. تيسري جباره<br />
املرصية، كما اأن السلطان كان قد بعث جيشاً بقيادة الضابط الألباين حممد علي اإىل<br />
مرص لطرد الفرنسيني والإجنليز.<br />
وصل مع احلملة الفرنسية عدد كبري من العلماء والفرنسيني )5( ، الذين<br />
قاموا بدراسة الآثار املرصية والتنقيب عنها يف مرص واكتشف العلماء احلروف<br />
الهريوغليفية املكتوبة على حجر رشيد وقراأها العلماء وفرسوها. واأنشاأ بونابرت<br />
املجمع العلمي املرصي واأنشاأ نظاماً استشارياً ومصانع للبارود، واأعلن بونابرت<br />
مراراً اأنه جاء اإىل مرص لرضب املماليك لأنهم ل يطيعون السلطان العثماين، وكان<br />
يرتدي اللباس املرصي كي يعطي انطباعاً اأنه يحب املرصيني والسلطان العثماين.<br />
احلركة الوهابية:<br />
ظهرت هذه احلركة يف اإقليم جند باجلزيرة العربية، ورئيسها هو حممد بن عبد<br />
الوهاب، الذي عاش يف جو انترشت فيه اأعمال منافية لالإسالم مثل انتشار البدع<br />
واخلرافات وتعظيم الناس للقبور والأرضحة والأحجار والأشخاص وابتعادهم عن<br />
روح الإسالم الصحيحة، خاصة عندما كان الناس يستغيثون بالأولياء ويقدمون لهم<br />
النذور ويتشفعون بهم جللب منفعة اأو لدفع رضر، فقرر ابن عبد الوهاب تغيري هذه<br />
احلالة السائدة والرجوع بالإسالم اإىل حالته الأوىل.<br />
لقد درس ابن عبد الوهاب مذهب اأحمد بن حنبل وتاأثر بتعاليم ابن تيمية وابن<br />
قيم اجلوزية، وزار عدة مدن هامة مثل مكة املكرمة واملدينة املنورة والبرصة وبغداد<br />
وغريها. وقد اأعطى حلركته الدينية صفة الثورة وتبنى هذه احلركة عبد العزيز بن<br />
سعود الذي دافع بالسيف عن هذه احلركة فسيطر على جند. وزاد جناح الوهابيني<br />
)املوحدين( عندما بداأوا يف نرش تعاليمهم خارج اجلزيرة العربية، وبداأوا يف اقتطاع<br />
بعض املناطق العربية عن جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> متهيداً لضمها لدولتهم العربية<br />
الإسالمية فهاجموا العراق ثم سوريا، وكربالء واخلليج العربي. فاتصل السلطان<br />
العثماين بوايل بغداد وطلب منه الهجوم على الدرعية مقر ابن عبد الوهاب، وظن وايل<br />
بغداد اأن هذا الأمر سهل، ولكنه فشل ورجع اإىل بغداد، فازداد الوهابيون قوةً وتقدموا<br />
حتى اقرتبوا من بغداد حتى احتلوها ثم قرروا الزحف نحو سوريا. عندئذٍ فكر السلطان<br />
بالستعانة بوايل مرص حممد علي يف تنفيذ هذه املهمة واإنقاذ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
203<br />
جامعة القدس املفتوحة
204 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
خطر هذه الثورة )6( التي بداأت تسحب بساط احلكم من حتت عرش السلطان يف<br />
املناطق العربية، خاصة عندما سيطروا على مكة املكرمة واملدينة املنورة.<br />
جهز حممد علي حملة برية بقيادة ابنه طوسون عام 1811م واأرسلها للحجاز<br />
لإخضاع الوهابيني واستوىل طوسون على املدن الإسالمية املقدسة يف احلجاز، ثم<br />
ذهب حممد علي نفسه اإىل قتال الوهابيني فجهز حملة برية وبحرية وصلت قواته<br />
املدينة املنورة ثم زحف نحو جند، ومن الطائف نحو تربه واأرسل السفن لالستيالء<br />
على القنفذة والسيطرة على عسري ثم رجع ملرص، وذهبت حملة ثالثة من مرص بقيادة<br />
اإبراهيم باشا بن حممد علي اإىل قتال الوهابيني واستطاع اإبراهيم باشا الستيالء<br />
على عنيزة ثم الدرعية عاصمة الوهابيني ثم رجع ملرص.<br />
مل تكن هذه احلرب رصاعاً بني قوتني تسعيان اإىل هدف واحد واإن اختلفت<br />
مظاهر كل منهما، اإذ اأن الوهابيني كانوا يسعون اإىل اإعادة جمد <strong>الدولة</strong> الإسالمية<br />
من الناحية الدينية، اأما حممد علي فكان يسعى اإىل اإعادة جمد <strong>الدولة</strong> الإسالمية<br />
من الناحية السياسية، كان كل منهما يسعى اإىل اإحياء <strong>الدولة</strong> الإسالمية لكنهما مل<br />
يتعاونا فيما بينهما بل اإن الذي جنى ثمار نرص هذه احلروب هو السلطان العثماين<br />
وحممد علي يف مرص )7( .<br />
خط شريف كوخلانة )1839م(:<br />
يعترب خط رشيف كوخلانة مرحلة هامة من مراحل التحديث التي شهدتها <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> منذ القرن الثامن عرش. ويف هذا اخلط تبدو املالمح الرئيسة للدساتري التي<br />
شهدتها اأوروبا خالل الثالثينات من القرن التاسع عرش. لقد ملع اسم رشيد باشا يف<br />
هذا اخلط لأنه واأنصاره كانوا مشوؤولني عن الإصالح خاصة بعد وفاة حممود الثاين.<br />
كان رشيد باشا يرى اأن بقاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يستلزم اإعادة الوحدة التي كانت مصدر<br />
قوة الإمرباطورية يف اأيامها الأوىل، واأن ذلك لن يتم اإل بتطوير املبادئ التي تهتدي<br />
بها احلكومة وجعلها شبيهة بالنمط الأوروبي الدستوري على اأن تكون نقطة البداية<br />
هي مصلحة الرعايا املسيحيني وحتسني اأحوالهم، وقد اأجرى رشيد باشا مفاوضات<br />
مع الإجنليز حلسم الأزمة الرشقية لصالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وللحصول على املساندة<br />
والدعم لالإصالحات وهكذا حلت سيطرة الدول العظمى حمل السيطرة الروسية وسعت
أ. د. تيسري جباره<br />
هذه الدول اإىل اإنقاذ الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> من خطر حممد علي نظري التدخل يف<br />
شوؤونها الداخلية طيلة ما تبقى من القرن التاسع عرش.<br />
ويف 1839/11/3م نصبت خيام يف حدائق قرص الزهور واجتمع حشد من<br />
كبار موظفي <strong>الدولة</strong>، وقدم الصدر الأعظم لرشيد باشا هذا اخلط الرشيف، فقراأه بصوت<br />
مسموع وقدمه باعتباره صادراً عن السلطان عبد املجيد ومتضمناً اأسس تنظيم<br />
<strong>الدولة</strong>، ثم سلم رشيد اخلط الرشيف اإىل الصدر الأعظم ومما جاء يف وثيقة خط رشيف<br />
كوخلانة ما يلي: »اإن <strong>الدولة</strong> كانت تراعي الأحكام الرشعية فبلغت قمة املجد، ومنذ<br />
)8(<br />
مائة وخمسني سنة اأهملت الإدارة الرشعية بسبب الغوائل وما عرض من حوادث«<br />
. وهذا يدل على الطابع الديني الإسالمي الأصيل يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
وقد نص هذا الأمر السلطاين على مساواة جميع رعايا <strong>الدولة</strong> اأمام القانون مع<br />
املحافظة على الرشيعة يف الوقت نفسه، ورغم ما نص عليه هذا اخلط من اأن مرجع<br />
ضعف <strong>الدولة</strong> هو عدم تطبيق مبادئ القراآن الكرمي وقوانني الإمرباطورية اإل اأنه اأشار<br />
اإىل اأن العالج ل يكمن يف الرجوع اإىل القوانني الإمرباطورية القدمية بل يف اإيجاد نظم<br />
جديدة »بعون اهلل تعاىل ورسوله« وقد جرى التاأكيد على نقاط رئيسة ثالث هي:<br />
1.1رضورة اإيجاد نظام ثابت للرضائب يحل حمل اللتزام.<br />
2.2رضورة اإيجاد ضمانات لأمن جميع رعايا <strong>الدولة</strong> على حياتهم واأمالكهم.<br />
3.3رضورة توفري نظام ثابت للجندية بحيث ل تستمر مدى احلياة بل حتدد<br />
مدتها بفرتة ترتاوح بني – 4 5 سنوات.<br />
وقد اعترب بعض الأوروبيني خط رشيف كوخلانة مبثابة العهد الأعظم بالنسبة<br />
اإىل العثمانيني. فقد حقق للمرة الأوىل وبصفة رسمية املساواة بني جميع رعايا<br />
السلطان اأمام القانون. واحلقيقة اأن عرص التنظيمات استمر حتى اإعالن الدستور عام<br />
1876م.<br />
اأعلن بعض املوؤرخني اأن الهدف من التنظيمات هو حرمان الدول الأوروبية<br />
من ذرائع فرض حمايتها على املسيحيني من رعايا السلطان. واحلقيقة اأن<br />
الإرضابات نشبت يف الأناضول بعد صدور خط الرشيف. وكان هناك معارضون لهذه<br />
الإصالحات. وانضم اإىل املعارضة املستفيدون من الأوضاع القدمية مبا يف ذلك<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
205<br />
جامعة القدس املفتوحة
206 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
حكام الوليات وامللتزمون الذين كانوا يخشون اأن تقضي تقوية السلطة املركزية على<br />
امتيازاتهم. وهكذا اأدى صدور خط رشيف كوخلانة اإىل ردود فعل قوية يف شتى اأنحاء<br />
الإمرباطورية خاصة واأن كل فئة قد فرسته حسب فهمها له، فاملسلمون بوجه عام<br />
مل يرحبوا بالتنازلت التي حصل عليها غري املسلمني، وقد احتج اأيضاً املسيحيون<br />
الذين كانوا يدفعون رضائب قليلة اأو حتى ل يدفعون رضائب على الإطالق حتى ذلك<br />
الوقت على مبداأ املساواة يف دفع الرضائب، واأيضاً احتجوا على فرض رضائب على<br />
الأوقاف الدينية املسيحية.<br />
اشتدت املعارضة لالإصالح ولرشيد باشا مما اأدى اإىل تنحيته عن السلطة عام<br />
1841م خاصة واأنه مل يكن لديه جهاز اإداري يستطيع اأن ينفذ الإصالحات نصاً<br />
وروحاً، ولهذا فما اأن عاد رشيد اإىل السلطة عام 1845م حتى اأعطى الأولوية لتدريب<br />
املوؤيدين لالإصالحات وتنفيذها جيداً، ويف الوقت نفسه واصل تنفيذ الربنامج الذي<br />
ارتاآه لتطوير اأجهزة <strong>الدولة</strong>، فاأنشاأ حماكم خمتلطة، واأنشاأ عدداً من املدارس العليا<br />
لتخريج املوظفني وضباط اجليش، وقسم اجليش اإىل قسمني اأحدهما القوات التي تقوم<br />
باخلدمة اأي النظاميني، والقسم الآخر هو الحتياطي. وجعلت مدة اخلدمة العسكرية<br />
الفعلية خمس سنوات. ويف عام 1850م اأصدر رشيد باشا قانوناً جتارياً على منط<br />
القانون التجاري الفرنسي.<br />
وتغري طابع احلياة داخل الإمرباطورية بعض الشيء فقد ازداد الأمن على<br />
احلياة والأمالك وفق ما نص عليه اخلط الرشيف. ويف خالل العقدين الأوليني<br />
اللذين تليا صدور اخلط الرشيف تزعم رشيد احلركة الإصالحية حني توىل الصدارة<br />
العظمى ست مرات، ووزارة اخلارجية ثالث مرات. لقد ساند السلطان عبد املجيد<br />
احلركة الإصالحية خاصة واأنه اعتمد على رشيد باشا ورجاله ووجد يف عمر<br />
باشا قائداً ممتازاً اأمكنه اأن يقمع كل حركات التمرد ضد الإصالحات. واحلقيقة اأن<br />
هذه الإصالحات كانت تتمشى مع سياسة بارملرستون )الوزير الربيطاين( بتقوية<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حتى ميكنها اأن تقف يف وجه التوسع الروسي يف اآسيا الذي من<br />
شاأنه اأن يشكل تهديداً للسيطرة الربيطانية على الهند. وواصل تالمذة رشيد باشا<br />
الإصالحات بعد وفاته ومن اأشهرهم يف القرن التاسع عرش عايل باشا واملوؤرخ<br />
جودت باشا ومدحت باشا.
أ. د. تيسري جباره<br />
حرب القرم وخط شريف همايون:<br />
كما متخضت اأزمة 1839م – 1841م عن صدور خط رشيف كوخلانه فكذلك<br />
متخضت حرب القرم 1853م – 1856م عن صدور اإصالحي جديد هو اخلط الهمايوين<br />
يف 1856/2/18م.<br />
حاول قيرص روسيا نقول يف عام 1853م اأن يتفق مع بريطانيا على اقتسام<br />
اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> التي وصفها “بالرجل املريض” اأي الذي ل يرجى شفاوؤه،<br />
فاقرتح استيالء روسيا على الستانة مقابل استيالء بريطانيا على مرص وكريت. اإل<br />
اأن بريطانيا رفضت هذا العرض، خاصة واأنها كانت ل تزال متمسكة باملحافظة على<br />
متامية اأمالك السلطان من اأجل حماية طريق الهند وتوفري حاجز يف مواجهة التوسع<br />
الروسي.<br />
عندما فشلت روسيا يف خطتها باقتسام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا، حاولت<br />
التحرش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عن طريق الكنائس املسيحية يف فلسطني، والتدخل<br />
للسيطرة عليها. وهنا تدخلت فرنسا اأيضاً حلماية املسيحيني يف القدس ولبنان. ويف<br />
عام 1854م اأعلنت فرنسا وبريطانيا احلرب على روسيا يف شبه جزيرة القرم. وخالل<br />
احلرب كانت جتري مفاوضات لإجراء الصلح. يف تلك الأثناء اأصدر السلطان العثماين<br />
برناجماً اإصالحياً جديداً عرف بخط همايون عام 1856م زمن السلطان عبد املجيد.<br />
جاء هذا اخلط الذي اأصدره السلطان نتيجة للضغط اخلارجي، على عكس خط<br />
رشيف كوخلانه الذي صدر عن رغبة حملية داخلية لالإصالح. كان خط همايون اأكرث<br />
دقة من خط كوخلانه يف حتديد التغريات الواجب اإجراوؤها، كما اأن صيغته كانت<br />
اأكرث اقتباساً عن الغرب، فهو مل يستشهد باآية قراآنية واحدة، ونص اخلط على تطبيق<br />
اخلدمة العسكرية على املسلمني وغري املسلمني. ونص على عدم عقوبة الإعدام على<br />
املرتدين عن الإسالم. وسمح لالأجانب بامتالك الأراضي يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ونص<br />
اخلط على املحافظة على احلقوق والواجبات والمتيازات التي متتع بها روؤساء امللل<br />
غري الإسالمية.<br />
وكما كان من اأهداف خط رشيف كوخلانه استثارة عطف الدول العظمى على<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد هزميتها اأمام روسيا، فكذلك استهدف خط همايون مساندة<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
207<br />
جامعة القدس املفتوحة
208 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اأوروبا للدولة <strong>العثمانية</strong> ضد روسيا. وعندما عقدت الدول الأوروبية املتحاربة موؤمتراً<br />
للصلح قدم السلطان العثماين مرسومه الإصالحي )خط همايون( فاأعلنت الدول<br />
الأوروبية مساندتها التامة له دون اأن تشرتط التدخل يف شوؤون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
لتنفيذ هذه الإصالحات. كان وراء اإصدار خط همايون كالً من عايل باشا وفوؤاد باشا<br />
وكانا يهدفان من اإصدار هذا اخلط الرشيف تخفيف حدة التدخل الأجنبي يف شوؤون<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وقد وافق السلطان العثماين على نصيحتهما يف اإصدار اخلط الرشيف<br />
الهمايوين. عارض شيخ الإسالم هذا اخلط لأنه تنازل كثرياً لالأجانب عن حقوق<br />
اإسالمية واضحة مثل عدم التدخل يف شوؤون املرتدين عن الإسالم وعدم اإعدامه، كما<br />
اأصبحت للمسيحيني حقوق رغم اأنف السلطان يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وكانت قد صدرت<br />
وثيقة “خط رشيف همايون “ عام 1856م، وقد اأصدرها السلطان عبد املجيد الأول<br />
الذي حكم ما بني – 1839 1861م، ومما جاء يف الوثيقة اأن البتعاد عن الإسالم<br />
دللة على سبب تاأخر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، فجاء يف الوثيقة ما يلي:<br />
“ل يخفى اأنه منذ ابتداء ظهور دولتنا العلية كانت الأحكام القراآنية اجلليلة<br />
والقوانني السنية وثبوتها مع راحة جميع الرعايا ورفاهيتهم وعمار البالد يف غاية<br />
ما يكون من الكمال. ولكن منذ مائة وخمسني سنة مل يعد انقياد ول امتثال للرشع<br />
الرشيف ول للقوانني احلنيفة بسبب ما طراأ عليها من احلوادث الكثرية، ولهذا حتولت<br />
تلك القوة اإىل ضعف، والراحة اإىل التعب، والعمار اإىل الدمار، واي مملكة ل تقوم بحفظ<br />
القوانني الرشعية توؤول اإىل الضمحالل )9( .<br />
لقد اأكد خط رشيف همايون ما ورد يف خط رشيف كوخلانه، بل ذهب اإىل اأبعد<br />
منه باأن اأكد لغري املسلمني احلرية الدينية واملساواة اأمام القانون ويف الرضائب<br />
والوظائف العامة واخلدمة العسكرية، وما دامت هذه الإصالحات قد متت على الورق<br />
لإرضاء الدول الأوروبية، يف اأوقات احلاجة اإليها، فلم تكن لتدل على سياسة حتررية<br />
مرسومة لدى احلكام العثمانيني، اإذ رسعان ما تخلى هوؤلء عن هذه الإصالحات<br />
املعلنة، بزوال الظروف التي اأدت اإليها. ومما يذكر اأن خط رشيف كوخلانه قد صدر<br />
عام 1839م لستجداء الدول الأوروبية ضد حممد علي باشا لإخراجه من بالد الشام،<br />
وكذلك صدر خط رشيف همايون عام 1856م للحصول على دعم الدول الأوروبية<br />
ضد العدوان الروسي، وقد عقد موؤمتر باريس الذي اأنهى حرب القرم بني العثمانيني
أ. د. تيسري جباره<br />
والروس. اأما دستور عام 1876م فقد صدر قبل انعقاد موؤمتر برلني عام 1878م<br />
لتسوية اأمر البلقان والذي تقرر فيه مصري <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اأوروبا )10( .<br />
حممد علي باشا:<br />
جاء حممد علي باشا مع الفرقة الألبانية ضمن اجليش العثماين املكلف باإخراج<br />
الفرنسيني من مرص اإثر احتاللهم لها عام 1798م من قبل نابليون. وقد دام الحتالل<br />
الفرنسي ملرص حتى عام 1801م، وقد حدث يف الفرتة ما بني 1803 و1805م<br />
اضطراب يف وضع القوى يف مرص. ومل يعرف يف يد من كانت السلطة الفعلية،<br />
وكانت توجد يف مرص اآنذاك ثالث فئات هي: الباشا العثماين وحممد علي واملماليك.<br />
لكن اأصبحت السلطة والسيطرة يف مرص لالألبانيني واملماليك يجمع بينهم عداوؤهم<br />
للسلطة <strong>العثمانية</strong>.<br />
لقد حتالف حممد علي مع احلاكم العثماين اجلديد خورشيد باشا ليستفيد من<br />
دعمه. ونتج من حماولة املماليك جمع املال بالقوة اأن اأثارت الشعب املرصي الذي<br />
جلاأ اإىل حممد علي كزعيم منقذ. واأقنعه العلماء عام 1805م اأن يستلم احلكم بنفسه.<br />
وكان من مقاومة خورشيد باشا لهذا الختيار اأن زادت من التفاف الشعب حول حممد<br />
علي واعرتف السلطان يف حزيران عام 1805م مبحمد علي حاكماً على مرص )11( .<br />
عمل حممد علي باشا يف الفرتة ما بني – 1805 1811م على توطيد سلطته<br />
ضد الإجنليز من ناحية واملماليك من ناحية اأخرى، لذا احتل الإجنليز الإسكندرية عام<br />
1807م لكن متكن حممد علي من اإخراج الإجنليز من مرص مبوجب ميثاق 14 اأيلول<br />
عام 1807م وقد زاد هذا النرص يف تدعيم سلطته. جنح حممد علي باشا يف القضاء<br />
على معظم زعماء املماليك يف مذبحة القلعة عام 1811م.<br />
قام حممد علي بعملية مسح الأراضي يف مرص عام 1812م ومبوجب ذلك<br />
سجلت الأراضي باسم سكان القرى واأصبحوا مشوؤولني عن دفع الرضائب مبارشة<br />
للدولة دون وساطة امللتزمني. وحاول من ناحية اأخرى اإيجاد طوائف خملصة له<br />
فاأعطى اأفراد اأرسته وبعض الأعيان وكبار املوظفني مساحات كبرية من الأراضي<br />
الزراعية واإعفائهم من دفع الرضائب تشجيعاً لهم على استثمارها، وهكذا اأنشاأ حممد<br />
علي يف اأواخر عهده نظام العهدة اأي اأن يعهد اإىل كبار املوظفني بجمع الرضائب من<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
209<br />
جامعة القدس املفتوحة
210<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
القرى، وكان بذلك قد اأوجد حوله طبقة مستثمرة حلت حمل الطبقة القدمية. ونتيجة<br />
ذلك استخدم هذه الواردات لبناء جيش قوي حديث مدرب. ثم اهتم باأمور اأخرى ليزيد<br />
من الواردات فطَ وَّر الري وقام بحفر اأقنية جديدة وتنظيف القدمي منها، واهتم بزراعة<br />
القطن فشجع الفالحني على زراعة مساحات كبرية من الأراضي بهذا املحصول. كما<br />
اأدخل صناعات حملية اإىل مرص وهدفه تقليد اأوروبا وتقوية القتصاد املرصي<br />
فاهتم بصناعة النسيج وغري ذلك.<br />
اعتمد حممد علي يف البدء على مزيج من اجلنود الألبانيني والأتراك واملرتزقة<br />
والبدو فاأوجد جيشاً من الفالحني املرصيني منظماً على الطريقة الأوروبية عرف<br />
باجلهادية، كما بداأ باإنشاء اأسطول على الطراز الأوروبي اأصبح اأقوى من اأسطول<br />
السلطان العثماين نفسه، وخلدمة سياسته العسكرية افتتح حممد علي عدداً من املدارس<br />
املهنية يف مرص وافتتح مدرسة طبية عام 1827م لتقدمي اخلدمات الطبية للجيش.<br />
اأسس حممد علي باشا عام 1836م مدرسة للغات هدفها ترجمة املوؤلفات<br />
الغربية اإىل اللغة العربية وقد تراأسها رفاعة الطهطاوي. واأقيمت اأول مطبعة حكومية<br />
يف بولق عام 1822م. نظر حممد علي باشا اإىل التوسع واملغامرات يف اخلارج<br />
لتشكيل اإمرباطورية عربية. فاصطدم بالوهابيني بعد احتاللهم احلجاز، وشعر<br />
السلطان العثماين بخطر الوهابيني فطلب من حممد علي باشا عام 1811م توجيه<br />
حملة ضد الوهابيني. فاأرسل ابنه طوسون عام 1811م بعد اأن قام بدعوة زعماء<br />
املماليك لتوديع ابنه وقام بذبحهم يف الحتفال التوديعي يف القلعة. متكن طوسون<br />
من صد الوهابيني يف احلجاز، ثم ذهب حممد علي بنفسه فيما بعد اإىل احلجاز وهزم<br />
الوهابيني عام 1814م لكنه مل يتابع زحفه اإىل عاصمتهم الدرعية.<br />
توجه اإبراهيم باشا بن حممد علي اإىل احلجاز وجنَ ْ د يف عام 1818م واستطاع<br />
احتالل الدرعية والقضاء على نفوذ الوهابيني اإىل حني. وكافاأ السلطان اإبراهيم باشا<br />
بتعيينه والياً على احلجاز واحلبشة ودام نفوذ حممد علي باشا يف احلجاز واليمن<br />
حتى عام 1840م. وقرر حممد علي يف عام 1820م اإرسال حملة على السودان وكان<br />
هدفه من ذلك القضاء على بقايا املماليك الذين هربوا بعد املذبحة عام 1811م<br />
وخاصة عندما اأسس املماليك الذين هربوا اإمارة خاصة بهم يف دنقله يف السودان.<br />
واعترب السودانيون هذا العتداء بالعتداء الرتكي املرصي واأسموهم بالرتك. اأما
أ. د. تيسري جباره<br />
العتداء املرصي الإجنليزي على السودان 1899م فقد سماه السودانيون »الرتكية<br />
الثانية اأو احلكم الثنائي املرصي الإجنليزي«. ومن الرضوري معرفة اأن قائد احلملة<br />
على السودان كان اإسماعيل بن حممد علي باشا وقد جنح يف احتالل السودان واستغل<br />
خرياته وخاصة الذهب والعبيد وبداأ يفرض الرضائب على السكان.<br />
اشرتك حممد علي باشا اإىل جانب قوات السلطان العثماين يف اإخضاع كريت<br />
عام 1822م وشبه جزيرة املورة عام 1824م بعد اأن وعده السلطان بتسليمه حكمها.<br />
وكان اآخر توسع ملحمد علي باشا يف بالد الشام عام 1831م، واحلقيقة اأن هدفه<br />
كان من احتالله بالد الشام احلصول على اخلشب لأسطوله وعلى منتجاتها التي تدر<br />
املال مثل احلرير والقطن والتبغ، وهدفه الآخر حلماية حدوده يف الشمال فاأمكنه<br />
بذلك التحكم يف بدو سيناء الذين هددوا طرق التجارة املرصية والسورية.<br />
لقد طلب حممد علي مقابل اشرتاكه بحرب اليونان اإعطائه حكم بالد الشام لكن<br />
السلطان حممود الثاين عرض عليه حكم كريت بدلً من اليونان واأدرك حممد علي اأنه<br />
ل يستطيع تقوية نفسه اإل على حساب السلطان وتقوية نفسه تكمن يف احتالله بالد<br />
الشام.<br />
كانت الظروف مواتية لتوسع حممد علي فقد اأدى قضاء السلطان على النكشارية<br />
عام 1826م اإىل ازدياد معارضة املصالح التي ارتبطت بهم للدولة ومل يكن اجليش<br />
العثماين اجلديد قد قوي اأمره بعد.<br />
وحاول الفرنسيون استخدام حممد علي باشا لحتالل شمايل اأفريقيا ويبدو اأن<br />
هدف الفرنسيني من ذلك اإقامة دولة قوية شمايل اأفريقيا تخضع لنفوذهم ويعارضون<br />
بها بريطانيا. لكن السلطان وبريطانيا عارضا املرشوع الفرنسي بشدة وتراجع حممد<br />
علي عن ذلك.<br />
محلة بالد الشام:<br />
بداأ اإبراهيم باشا غزو بالد الشام براً وبحراً عام 1831م واقتحمت قوة من 11.<br />
000 رجل سيناء يف طريقها اإىل غزة، وتركز الرصاع حول عكا التي كانت قد حتدت<br />
نابليون سابقاً. مل يعطل اإبراهيم باشا نشاطه يف حصار عكا بل احتل وهو يحارصها<br />
املناطق املجاورة، فوصل صيدا واأرسل قوة اإىل القدس لإعالن سلطته عليها ورفع عن<br />
211<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
212<br />
املسيحيني الرضائب التي كانوا يدفعونها مما اأكسبه تاأييد املسيحيني. وشجع على<br />
وجود اإرساليات تبشريية يف بالد الشام.<br />
واأثناء ذلك بعث اإبراهيم رسالة اإىل الأمري بشري الشهابي يف لبنان يدعوه<br />
لالنضمام اإىل حصار عكا. سقطت عكا سنة 1832م ثم توجه اإبراهيم باشا متعقباً<br />
الفلول <strong>العثمانية</strong> حتى حمص بعد اأن استسلمت له دمشق دون قتال. ثم تابع سريه<br />
حتى وصل حلب وبذا اأصبح الطريق مفتوحاً اإىل استنبول العاصمة. عندئذ بداأ التدخل<br />
الروسي لدعم العثمانيني مما اأخاف بريطانيا وفرنسا فضغطتا على السلطان وحممد<br />
علي، ووقعت بينهما معاهدة كوتاهية 1833م ومبوجب هذه املعاهدة انسحبت قوات<br />
اإبراهيم باشا اإىل طوروس واأعطي بالد الشام مقابل رضيبة سنوية.<br />
اإن نظام الرضائب الذي فرضه اإبراهيم باشا على السكان قد اأثار نقمتهم، وقد<br />
غضبوا من متطلبات اجليش املرصي خاصة مصادرة املوؤن اأو رشائها بسعر متدنٍ اأو<br />
مصادرة حيوانات النقل اأو استخدام اليد العاملة يف اإقامة التحصينات الكثرية. كما<br />
طبق اإبراهيم باشا نظام التجنيد الإجباري على بالد الشام عام 1834 واأمر بنزع<br />
السالح من الأهايل وهذه اأشياء جديدة مل يتعودوا عليها. وكانت اخلدمة العسكرية<br />
مدى احلياة وهذا يعني اأن على الفالح املجند اأن يستاأجر غريه لزراعة الأرض اأو اأن<br />
يبيعها. ومن هنا انترشت عادة الحتماء بالقنصليات الأجنبية، اأو الهجرة اإىل خارج<br />
البالد اأو تشويه اأحد اأعضاء اجلسم لتحاشي اخلدمة العسكرية، وانتهى الأمر بالثورة<br />
على اإبراهيم باشا.<br />
تاأججت الثورة ضد املرصيني من جديد على يد الفالحني الدروز وذلك عام<br />
1835م ويجب مالحظة اأن نزع السالح قد وحد الدروز واملسيحيني يف معارضتهم<br />
احلكم املرصي.<br />
اإن ازدياد النفوذ الروسي يف استنبول وتوقيع العثمانيني معاهدة هنكار اسكي<br />
لسي 1833م مع روسيا التي تعهد العثمانيون مبوجبها اإغالق املضائق يف وجه<br />
الدول املعادية لروسيا يف حالة احلرب، جعل بريطانيا تخشى اخلطر الروسي،<br />
وبالنسبة لالإجنليز فاإن بقاء الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> ضعيفة خري من سيطرة حممد<br />
علي القوي، ويف عام 1838م وقعت بريطانيا معاهدة جتارية مع السلطان، ولكن
أ. د. تيسري جباره<br />
حممد علي رفض تطبيقها يف املناطق التي يسيطر عليها مما زاد يف عداء الإجنليز له.<br />
لذا اأخذ الإجنليز بتشجيع الثورة الداخلية ضد اإبراهيم باشا.<br />
لقد وجد السلطان العثماين حممود الثاين يف الثورة الداخلية فرصة للتدخل ضد<br />
اإبراهيم باشا، وقرر الإجنليز اأيضاً التدخل ووصل اأسطولهم سواحل لبنان وقصفت<br />
بريوت وهذا شجع الثائرين. وكان يساند بريطانيا ضد حممد علي كل من روسيا<br />
والنمسا وبروسيا الذين فرضوا على حممد علي النسحاب، وظهر الأسطول الإجنليزي<br />
اأيضاً قرب الإسكندرية، واإزاء هذا الوضع قرر حممد علي النسحاب، ومت التفاق<br />
النهائي على اأن يعطي السلطان العثماين حكومة مرص وراثية اإىل حممد علي مبوجب<br />
فرمان صدر عام 1841م.<br />
اأما بالد الشام فقد مكث فيها احلكم املرصي تسع سنوات، طبق فيها اإبراهيم<br />
باشا سياسة التسامح واملساواة بني الطوائف، وشجع الإرساليات التبشريية لكنه<br />
باملقابل بسبب استخدامه اجلنود املسيحيني ضد الدروز استفحل النزاع الطائفي<br />
واأدى ذلك فيما بعد اإىل احلرب بني الدروز واملسيحيني املوارنة عام 1860م.<br />
اإن الإمرباطورية التي حاول حممد علي اإنشاءها كان هدفها خدمة طموحه<br />
وطموح اأرسته بالدرجة الأوىل وليس خدمة الشعب )12( .<br />
السلطان عبد احلميد الثاني:<br />
السلطان عبد احلميد هو ابن السلطان عبد املجيد، تسلم السلطة وعمره 34 عاماً،<br />
وقد واجه مصاعب كثرية من الدول الأوروبية، وبلغت الديون على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
252 مليون لرية عثمانية، وحاول جتنيب <strong>الدولة</strong> ويالت احلروب اإل اأنها فرضت<br />
عليه وخاصة احلرب مع الروس. حاول تثبيت سلطته حني اعتالئه العرش فاأصدر<br />
الدستور العثماين عام 1876م وكان وراء اإصداره مدحت باشا الصدر الأعظم، وقد<br />
اأعطى الأجانب حقوقاً يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كما اأعطى املسيحيني امتيازات مبساواتهم<br />
باملسلمني، وقد فرح الأوروبيون باإصدار هذا الدستور اإل اأن السلطان عبد احلميد<br />
عندما تاأكد من تثبيت سلطته األغى الدستور العثماين يف العام التايل لإصداره.<br />
تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف زمنه حلروب كثرية اأهمها مع روسيا. وبعد<br />
مقاومة صلبة من جانب اجليوش <strong>العثمانية</strong> للقوات الروسية التي كانت تفوقها عدداً<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
213
214<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
وعدة، طلبت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الصلح الذي مت التوصل اإليه يف سان استيفانو اإحدى<br />
ضواحي الستانة، وكانت القوات الروسية قد وصلتها منهكة يف الوقت الذي كانت<br />
فيه الأساطيل الربيطانية راسية قبالة العاصمة <strong>العثمانية</strong> للحيلولة دون احتالل<br />
الروس لها. وقد قضت معاهدة استيفانو عام 1878م باستقالل اإمارة اجلبل الأسود<br />
وتوسيعها بضم بعض اأراضي البوسنة كما اأكدت استقالل الرصب. وتنازلت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> عن اأراضٍ كثرية يف البلقان واأرمينيا واأراضٍ يف اآسيا، وحصلت بلغاريا<br />
على الستقالل الذاتي.<br />
جرى تفتيت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، واستاءت بريطانيا لزدياد النفوذ الروسي<br />
يف البلقان واستعدت ملحاربة روسيا، وحصلت بريطانيا من السلطان على حق احتالل<br />
جزيرة قربص واإدارتها على اأن تبقى تابعة للدولة <strong>العثمانية</strong> مقابل الدفاع عن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> من التهديدات الروسية )13( . وكان الدافع وراء تصدي بريطانيا لروسيا هو<br />
عدم تقسيم اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كي تبقى طريق الهند سالكة اأمام الإجنليز.<br />
لقد دعا املستشار الأملاين بسمارك الدول العظمى اإىل موؤمتر يعقد يف برلني<br />
ملراجعة صلح سان ستيفانو وتسوية نتائج احلرب الرتكية الروسية، واشرتكت الدول<br />
العظمى يف املوؤمتر، عرض بسمارك تقسيم الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> يف املوؤمتر، فعرض<br />
على بريطانيا مرص وعلى فرنسا تونس والشام وعلى النمسا البوسنة والهرسك وعلى<br />
روسيا املضائق، اأما اأملانيا فال شيء. وهكذا قرر املوؤمتر منح رومانيا واجلبل الأسود<br />
الستقالل التام ومنح بلغاريا استقاللً ذاتياً على اأن تدفع جزية سنوية للسلطان،<br />
وتقرر احتالل النمسا )البوسنة والهرسك( دون فصل هذه املناطق رسمياً عن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>.<br />
كان موؤمتر برلني من املعامل البارزة لتدهور الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> التي اأرغمت<br />
على التنازل عن مساحات واسعة من اأمالكها. ومل ميض وقت طويل حتى احتلت<br />
فرنسا تونس عام 1881م، واحتلت بريطانيا مرص عام 1882م وحصلت اليونان<br />
عام 1881م على منطقة تساليا، ويف عام 1885م ضمت بلغاريا املتمتعة باحلكم<br />
الذاتي منطقة الرومللي. وقد اأدرك السلطان عبد احلميد اأنه ل يستطيع الوقوف اأمام<br />
الدول الأوروبية مبفرده.
أ. د. تيسري جباره<br />
حركة اجلامعة اإلسالمية )41( :<br />
كان قد رصح مشوؤول غربي قائالً »كان على السلطان العجوز اأن يواجه مشكلة<br />
صعبة يف اأوائل حكمه، وكان هناك شعور بالياأس يف مستقبل البالد، واأن نهاية<br />
<strong>الدولة</strong> وشيكة الوقوع، وكان على عبد احلميد اأن يوجد شعوراً بالأمل لدى رعاياه<br />
املسلمني«، واحلقيقة اأن السلطان عبد احلميد كان يتصف باأوصاف اإسالمية، منها<br />
اأنه ل مييل اإىل التبذير ول يحتسي اخلمر، وكان سليم العقل ومتدين، وقضى على<br />
الفساد وعلى العادات السيئة التي كانت منترشة من اأسالفه يف القرص، وقد اأحاط<br />
نفسه برجال الدين.<br />
وكان يرى اأن اإنقاذ الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> هو الهتمام بلقب اخلالفة الإسالمية،<br />
لذا استعمل لقب اخلالفة يف اأوائل حكمه كسالح ضد الأجانب. وقد بداأت حركة اجلامعة<br />
الإسالمية تنترش يف الدوائر احلكومية <strong>العثمانية</strong>، وكان يرى عبد احلميد اأن احلروب<br />
الصليبية ضد الإسالم مل تنتهِ. واعتقد اعتقاداً جازماً اأن ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
مرجعه ضعف الشعور الديني عند املسلمني.<br />
واحلقيقة اأن مركز اجلامعة الإسالمية قد تشكل خارج <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وقد<br />
تطلع الأتراك املسلمون اإىل احلركة الإسالمية كي تنقذهم من التهديد الروسي، ونظروا<br />
اإىل السلطان كي يعلن اجلهاد.<br />
اإن السلطان عبد احلميد تبنى فكرة اجلامعة الإسالمية لأنها وجدت قبولً لدى<br />
شعبه بكل طبقاته، ووافق معها ملقاومة اأعدائه يف الداخل واخلارج وشجع هذا الجتاه<br />
ودعا اإىل وحدة املسلمني املرتكزة على شخص اخلليفة العثماين.<br />
لقد كانت احلكومة <strong>العثمانية</strong> حتتج باستمرار كلما علمت عن اضطهاد املسلمني<br />
اأو تعرضهم لالضطهاد. وقد رحب عبد احلميد بشخصيات اإسالمية من اأنحاء العامل<br />
بقصد اإيجاد عالقات اأخوية. كما شجع احلج اإىل مكة املكرمة، ولهذا بنى سكة حديد<br />
احلجاز املمتدة بني دمشق واملدينة املنورة بني عامي )1901 – 1908م( ، وقد<br />
اأرشف على هذا اخلط احلديدي يف الدرجة الأوىل سكرتري السلطان اخلاص عزة باشا<br />
العابد وهو عربي من سوريا.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
215
216<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ويف عهده كرثت حركات اإسالمية وتكايا الدراويش، وكانت اأعماله قد اأوجدت<br />
كثرياً من املوؤيدين والأنصار له، كما قام عبد احلميد باإصالح وزخرفة املساجد يف<br />
مكة املكرمة واملدينة املنورة والقدس الرشيف، واأعطى الإرشاف عليها اإىل العرب.<br />
وشكل فرقة عربية من اجلند ضمها اإىل حرسه اخلاص واستقدم عدداً من العرب للقرص<br />
السلطاين كي يستشريهم يف الأمور السياسية، ونال بعضهم درجات عالية.<br />
وجنح السلطان يف ربط اأجزاء <strong>الدولة</strong> ببعضها البعض، ورغم كل التهامات<br />
للسلطان عبد احلميد، فاإن السلطنة واخلالفة كانت حتظى بقدر كبري من الحرتام لدى<br />
رعاياه، وكانت اأوروبا تخشى حركة اجلامعة الإسالمية.<br />
عودة إصدار الدستور:<br />
اأسس عدد قليل من تالمذة مدارس الطب العسكري عام 1899م اجلمعية الرسية<br />
التي حتولت فيما بعد اإىل اسم »جلنة الحتاد والرتقي«.<br />
ويف عام 1906 اأخذت تنترش اخلاليا الثورية يف اجليش، وخاصة بني ضباط<br />
اجليش الثالث يف سالونيك، ومن املحتمل اأن تكون هذه املدينة اأكرث مدن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> انفتاحاً بحكم اأن سكانها كانوا اأوروبيني اأكرث منهم اأتراكاً، وكان حوايل<br />
نصفهم من اليهود الذين حتول عدد منهم اإىل الإسالم يف القرن السابع عرش وعرفوا<br />
باسم يهود الدومنة.<br />
اإن سهولة اتصال سالونيك ومقدونيا بالعامل اخلارجي كانت ذات اأهمية خاصة،<br />
لهذا انتقل مصطفى كمال اأتاتورك اإىل سالونيك مسقط راأسه، ويبدو اأن احلركة الثورية<br />
يف سالونيك قد عقدت اجتماعاتها يف اأماكن املحافل املاسونية، وتلقت مساعدة<br />
مالية من يهود الدومنة حتى اأصبح عدد كبري من ضباط مقدونيا ماسونيني، لذا اتفق<br />
اجلميع على خلع السلطان عبد احلميد واإعادة النظام الدستوري الذي كان قد األغي منذ<br />
عام 1877م.<br />
استغلت جمعية الحتاد والرتقي سخط اجليش والشعب على حد سواء، خاصة<br />
واأن السلطان عبد احلميد سبق له اأن قام بنفي الكثريين اإىل الأناضول لأنهم لعبوا<br />
دوراً كبرياً يف اإثارة الناس ضد احلكومة، ويبدو اأن السخط املتفشي يف اجليش هو
أ. د. تيسري جباره<br />
الذي عجل بنشوب الثورة، وكان اجليش الثالث يف مقدونيا بقيادة اأنور ونيازي، قد<br />
قرّرا القيام بثورة ضد السلطان وهدفهما اإعادة الدستور الذي كان قد صدر منذ عام<br />
1876م.<br />
خلع السلطان عبد احلميد:<br />
اجتمع الزعيم الصهيوين هرتزل عام 1901م مع السلطان عبد احلميد وطلب<br />
هرتزل من السلطان فتح باب الهجرة اليهودية اإىل فلسطني بدلً من اأوروبا، والعمل<br />
على اإنشاء حكومة يهودية تابعة للسلطان العثماين يف فلسطني، ولكن السلطان<br />
العثماين رفض هذا الطلب بشدة واأصدر قانوناً يقضي مبنع اليهود املهاجرين من<br />
الإقامة يف فلسطني اأكرث من ثالثة اأشهر )15( . وقد منحت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املهاجرين<br />
اليهود بطاقات حمراء ليسهل عليها مراقبتهم وطردهم من البالد فيما لو مكثوا فيها<br />
اأكرث من ثالثة اأشهر.<br />
حاول هرتزل اإغراء السلطان بالأموال، وقد عرض على السلطان مبلغاً كبرياً من<br />
املال، ولكن السلطان رفض هذا العرض املادي الضخم )16( قائالً له: »اإنه ل ميكن اأن<br />
يتنازل عن اأرض فلسطني التي روتها دماء الشهداء املسلمني عرب العصور ال<strong>تاريخ</strong>ية<br />
وطلب من هرتزل اأن يحتفظ مباليينه« )17( .<br />
علم هرتزل اأنه من املستحيل اإقناع السلطان عبد احلميد اأو رشاوؤه باملال، لذلك<br />
دبّر الصهاينة موؤامرة خللعه اأو زج تركيا يف حرب عاملية. ومبا اأن تركيا ضعيفة<br />
فهي ل بد اأن تخرس احلرب وهذا ما حصل فعالً فيما بعد. ومن الغرابة اأنه اأثناء خلع<br />
السلطان بسبب الثورة التي قامت ضده عام 1908م جاء مع الأتراك موظف عثماين<br />
يهودي كان يعرفه السلطان عبد احلميد، وقد سلّمه رسالة اخللع عن العرش، وكان<br />
اليهودي مندوباً عن حركة الحتاد والرتقي، فاستغرب السلطان عبد احلميد من هذه<br />
املكيدة املدبرة )18( .<br />
واأما عن الأسباب التي اأدت اإىل خلع السلطان عبد احلميد عن اخلالفة والطريقة<br />
التي متت بها فقد اأوضحها السلطان نفسه بعد خلعه يف رسالة وجهها اإىل صديقه<br />
يف دمشق الشيخ حممود اأبو الشامات شيخ الطريقة الشاذلية، وقد نرش هذه الرسالة<br />
الأستاذ سعيد الأفغاين يف جملة العربي الكويتية يف عددها الصادر يف شهر شوال<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
217
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
218<br />
عام 1392ه املوافق كانون اأول عام 1972م ضمن مقاله بعنوان »سبب خلع<br />
السلطان عبد احلميد« وقد ترجمت رسالة السلطان عبد احلميد من الرتكية اإىل<br />
العربية )19( .<br />
رغم اأن اأنور ونيازي زعيمي النقالب اأصبحا بطلني فلم يظهر ضباط مقدونيا<br />
للعيان بل ظلت القيادة املركزية للجنة الرسية وذلك استعداداً لالنتخابات العامة<br />
القادمة.<br />
مل تعلن جلنة الحتاد والرتقي عن برناجمها بالتفصيل باستثناء اإعالنها<br />
املطالبة بعودة الدستور، وبعثت سبعة اأشخاص اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong> كي يقوموا<br />
بتمثيلها وذلك لتاأسيس حكومة جديدة واإجراء انتخابات عامة. وجرى التمهيد لهذه<br />
النتخابات باإلغاء البوليس الرسي، وصدرت قوانني االنتخابات وظهر فريقان<br />
يتصارعان على السلطة يف االنتخابات وهما:<br />
1.1جلنة الحتاد والرتقي وعرفت باسم الحتاديني وعلى راأسهم اأنور وطلعت.<br />
2.2جلنة املعارضة وهي تشكل حزب احتاد الأحرار العثماين، قام بتاأليفه الأمري<br />
صباح الدين بعد عودته من باريس.<br />
جرت النتخابات للمجلس النيابي عام 1908م وفاز الحتاديون باملقاعد، بعد<br />
ذلك حترك اأعضاء واأنصار اجلامعة الإسالمية، واأبدى هوؤلء امتعاضهم من ترصفات<br />
الحتاد والرتقي وخاصة من خروج النساء سافرات يف الشوارع ومساواة املسلمني<br />
بغري املسلمني ولقيت هذه املعارضة استجابة واسعة النطاق من اجلماهري وموظفي<br />
<strong>الدولة</strong>، ورصحوا اأن الرشيعة الإسالمية يف خطر واأن املسيحيني على وشك السيطرة<br />
على البالد، عندئذٍ قرر الحتاديون عزل السلطان عبد احلميد، فحصلت ثورة مضادة<br />
تزعمتها اجلامعة الإسالمية. مترد اجلنود لسيطرة جمموعة من الضباط تلقوا تعليمهم<br />
يف املدارس العسكرية ذات الربامج الغربية.<br />
ويف عام 1909م حتول السخط اإىل مترد قام به اجلنود العاديون ومل يشرتك<br />
فيه سوى عدد قليل من الضباط. وهاجم اجلنود “جملس املبعوثان” والباب العايل<br />
وطالبوا باإسقاط احلكومة التي اأقامتها جلنة الحتاد والرتقي ورضورة اإعالن سيادة<br />
الرشيعة الإسالمية.
أ. د. تيسري جباره<br />
لذا اتهم السلطان عبد احلميد بتدبري الثورة املضادة هذه، فبادرت القوات<br />
املوالية للحكم اجلديد بالقضاء على التمرد، وزحف اجليش بقيادة حممود شوكت،<br />
وهو من اأصل عربي، من سالونيك اإىل الأستانة العاصمة. واجتمع “جملس<br />
املبعوثان” واأعلن موافقته بعد ضغط شديد على خلع السلطان عبد احلميد مبقتضى<br />
فتوى من شيخ الإسالم، ونفي السلطان اإىل سالونيك وعني بدلً منه السلطان حممد<br />
رشاد الذي اأصبح األعوبة يف يد جلنة الحتاد والرتقي واأصبحوا هم اأصحاب الكلمة<br />
العليا يف <strong>الدولة</strong>.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
219
220 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اهلوامش:<br />
10<br />
11<br />
12<br />
13<br />
14<br />
15<br />
16<br />
17<br />
18<br />
19<br />
الفصل الثامن: األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
1.1جالل يحيى: العامل العربي احلديث، ص 72.<br />
2.2رافق: العرب والعثمانيون، ص 416.<br />
3.3رافق: املصدر نفسه، وكذلك ص 366. نص البيان يف اجلربتي ص 4- 5.<br />
4.4رافق: املصدر نفسه، ص 417.<br />
5.5جالل يحيى: املصدر السابق، ص 73.<br />
6.6جالل يحيى: املصدر نفسه، ص 81.<br />
7.7جالل يحيى: املصدر نفسه، ص 81.<br />
8.8عبد العزيز حممد الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها، ج1، ص 69.<br />
9.9الشناوي: املصدر نفسه، ص 69.<br />
10رافق: املصدر السابق، ص 380.<br />
1رافق: املصدر نفسه، ص 391.<br />
12رافق: املصدر نفسه، ص 412.<br />
13اأحمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، ص 244.<br />
14اأحمد عبد الرحيم مصطفى: املصدر نفسه، ص 247.<br />
15ناجي علوش: املقاومة العربية يف فلسطني )1917 – 1948م( .<br />
16مذكرات الدكتور حسني فخري اخلالدي رئيس بلدية القدس عام 1934م.<br />
17اأنيس صايغ: يوميات هرتزل، سلسلة كتب فلسطينية ص – 43 44.<br />
18مذكرات السلطان عبد احلميد السياسية، موؤسسة الرسالة، بريوت، ط 2، عام<br />
1979م، ص 34.<br />
19تيسري جبارة: <strong>تاريخ</strong> فلسطني، دار الرشوق، عمان، ط 1، عام 1998م، ص 69،<br />
انظر نص رسالة السلطان اإىل الشيخ اأبو الشامات ص 69.
الفصل التاسع<br />
السالطني العثمانيون حسب العصر وفرتة احلكم
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل التاسع<br />
السالطني العثمانيون<br />
سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العصر وفرتة احلكم:<br />
فرتة النهوض - 1299م – 1453م:<br />
عثمان الأول – 1299 1324م<br />
اأورخان غازي 1324م – 1360م.<br />
ممراد الأول 1360م – 1389<br />
بايزيد الأول )الصاعقة( 1389م–1402م.<br />
حممد الأول 1413م – 1421م<br />
مراد الثاين 1421م – 1444 م<br />
حممد الثاين )الفاحت( 1444م – 1446م<br />
مراد الثاين 1446م – 1451م<br />
حممد الثاين 1451/2/3م – 1481/5/3م<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
فرتة النمو - 1453م – 1683م:<br />
بايزيد الثاين 1481/5/19م– 1512/4/25 م<br />
سليم الأول 1512/4/25م– 1520/9/21م<br />
سليمان الأول 1520/9/30م – 1566/9/7 م<br />
سليم الثاين1566/9/29م- 1574/12/21م<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
223<br />
جامعة القدس املفتوحة
224 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
مراد الثالث 1574/12/22م- 1595/1/16 م<br />
حممد الثالث 1595/1/27م- 1603/12/21م<br />
اأحمد الأول 1603/12/21م – 1617/11/22 م<br />
مصطفى الأول 1617/11/22م- 1618/12/26م<br />
عثمان الثاين 1618/2/26م- 1622/5/19 م<br />
مصطفى الأول 1622/5/20م- 1623/9/10م<br />
مراد الرابع 1623/9/10م- 1640/2/9م<br />
اإبراهيم الأول 1640/2/29م- 1648/8/8م<br />
حممد الرابع 1648/8/8م- 1687/11/8م<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
فرتة الركود - 1683م – 1827م:<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
<br />
سليمان الثاين 1687/11/8م- 1691/6/22 م<br />
اأحمد الثاين 1691/6/22م- 1695/2/6م<br />
مصطفى الثاين 1695/2/6م- 1703/8/22م<br />
اأحمد الثالث 1703/8/22م- 1730/10/2م<br />
حممود الأول 1730/10/2م- 1754/12/13 م<br />
عثمان الثالث1754/12/13م- 1757/10/30م<br />
مصطفى الثالث 1757/12/30م- 1774/1/21 م<br />
عبد احلميد الأول1774/1/21م- 1789/4/7م<br />
سليم الثالث 1789/4/7م - 1807/5/29م.<br />
مصطفى الرابع 1807/5/29م- 1808/7/28 م<br />
حممود الثاين 1808/7/28م- 1839/7/1 م<br />
فرتة الرتاجع - 1828م – 1908م:<br />
عبد املجيد الأول 1839/7/1م- 1861/6/25 م
أ. د. تيسري جباره<br />
عبد العزيز الأول 1861/6/25م- 1876/5/30م<br />
مراد اخلامس 1876/5/30م- 1876/8/31 م<br />
عبد احلميد الثاين1876/8/31م- 1909/4/27م<br />
<br />
<br />
<br />
فرتة التفكك - 1908م – 1923م:<br />
حممد اخلامس 1909/4/27م- 1918/7/3م<br />
حممد السادس1918/7/4م- 1922/11/1م<br />
عبد املجيد الثاين )1( .<br />
<br />
<br />
<br />
سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:<br />
قسمت يف الصفحات السابقة سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العرص وفرتة<br />
احلكم لكل سلطان، وكان التقسيم اإىل خمسة اأقسام وقد تناولت الرشح عن بعض<br />
السالطني الذين لعبوا دوراً هاماً يف <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، علماً باأنني تناولت يف<br />
الصفحات السابقة سالطني عثمانيني لعبوا دوراً مهماً سواء يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> اأو منوها وتوسعها يف اآسيا واإفريقيا وحوض البحر املتوسط واأوروبا،<br />
واستطاع العثمانيون الوصول اإىل اأسوار فينا اأثناء فرتة قوة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
اأما االأقسام اخلمسة التي قسمت فيها سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فهي<br />
ما يلي مع الرشح عن بعض السالطني:<br />
1.1فرتة النهوض )1299م – 1453م( : وقد حكم يف هذه الفرتة تسعة سالطني.<br />
رشحنا يف بداية الكتاب عن ستة من هوؤلء السالطني وهم عثمان الأول، اأورخان،<br />
مراد الأول، بايزيد الأول، مراد الثاين، حممد الفاحت. وقد لعب هوؤلء السالطني فرتة<br />
هامة يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين لأنها وصفت بفرتة النهوض، وتوسعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
يف اأماكن خمتلفة، ونكتفي بالرشح عن املذكورين اأعاله يف فرتة النهوض.<br />
2.2فرتة النمو )1453م – 1683م( : وقد حكم يف هذه الفرتة 12 سلطاناً رشحنا<br />
عن اثنني من السالطني يف الصفحات السابقة يف الكتاب وهما سليم الأول وسليمان<br />
القانوين، وشاأرشح عن اثنني اآخرين هما حممد الثالث )1595م – 1603م( ومراد<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
225<br />
جامعة القدس املفتوحة
226 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الرابع )1623م – 1640م( وقد تناولت باختصار اثنني من هوؤلء السالطني بسبب<br />
طول فرتة حكم كل منهما اأولً، وعدم الرشح عن بقية السالطني يف هذه الفرتة لأن<br />
ذلك يحتاج اإىل صفحات كثرية فيصبح الكتاب جملداً ضخماً ول داعٍ لذلك.<br />
السلطان حممد الثالث )1595م – 1603م( )2 ) :<br />
هو ابن السلطان مراد الثالث، ولد عام 1566م وتوىل اأمور السلطنة بعد وفاة<br />
والده باثني عرش يوماً، وحال تناوله اأمور السلطنة عزل بعض رجال <strong>الدولة</strong> ونصب<br />
مكانهم من وجد بهم الإخالص. جرت املعركة الأوىل يف زمنه بني اجليوش <strong>العثمانية</strong><br />
وجيوش الأفالق والبغدان الذين انترصوا على العثمانيني، وجرت معركة ثانية يف<br />
العام التايل تقهقر فيها اأيضاً الإنكشارية، وبعد سنتني، توىل هو بنفسه قيادة اجليوش<br />
<strong>العثمانية</strong> وسار بها اإىل بالد املجر، انترص يف املعركة وفتح قلعة اأرلو. ثم رجعت<br />
اجليوش <strong>العثمانية</strong> منترصة اإىل القسطنطينية، علماً باأن هذه القلعة عجز السلطان<br />
سليمان عن فتحها عام 1556م.<br />
من وزرائه الذين وقع على عاتقهم مقارعة الأعداء، سنان باشا، وجفالة زادة،<br />
وحسن باشا، وقد هزموا يف املعارك التي ذكرناها يف قتالهم مع الأفالق والبغدان.<br />
بعد انتصار السلطان عام 1596م استمرت احلرب سجالً بني جيوش املجر<br />
والنمسا مقابل اجليش العثماين دون اأن تقع بني الطرفني وقائع حاسمة.<br />
ويف بداية القرن السابع عرش للميالد حصلت يف بالد الأناضول ثورة داخلية<br />
كادت اأن تكون وخيمة العاقبة على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، اإل اأن اجليش العثماين اأخمدها.<br />
واأعقبت هذه الثورة ثورة اأخرى يف الأستانة كاد رشها يصل اإىل اخلليفة نفسه لأن<br />
جنود السباهية )اأي اخليالة( طلبوا من السلطان اأن يعوض عليهم ما فقدوه من ريع<br />
الإقطاعات املعطاة لهم يف اآسيا، وكانوا يسمونها )متارا( وملا مل يكن يف وسع<br />
السلطان تلبية طلبهم لنقص دخل <strong>الدولة</strong>، متردوا وثاروا ونهبوا ما يف املساجد من<br />
التحف الذهبية والفضية، فاستعان السلطان بجنود الإنكشارية واأخضعتهم بعد سفك<br />
الدماء، ويف تلك السنة تويف السلطان عام 1603م عن عمر يناهز 37 عاماً وخلفه<br />
ابنه اأحمد الأول )3( . ودفن السلطان حممد الثالث يف جامع اأيا صوفيا بجوار رضيح<br />
السلطان سليم الثاين.
أ. د. تيسري جباره<br />
السلطان مراد الرابع )1623م – 1640م(:<br />
هو ابن السلطان اأحمد الأول ابن السلطان حممد الثالث، ولد عام 1609م، ووله<br />
النكشارية بعد عزل عمه السلطان مصطفى الأول، توىل عرش السلطنة وعمره 14<br />
سنة، ويف اليوم الثاين من جلوسه على العرش توجه اإىل جامع اأيوب املبني بالقرب<br />
من قرب اأبي اأيوب الأنصاري الصحابي )4( . وتقلد السيف حسب العادة، وحدث اأثناء<br />
جلوسه اأن وقعت بغداد يف اأيدي العجم، واأقام الشاه مدة يسريه يف بغداد، وخرج منها<br />
اإىل املوصل ملحاربة حافظ باشا فحارصها ومل يستطع فتحها، حاول حافظ باشا<br />
اسرتداد بغداد لكنه فشل.<br />
ويف زمن السلطان مراد شق عصا الطاعة الأمري فخر الدين املعني حاكم جبل<br />
لبنان ومترد على <strong>الدولة</strong>، وبعد قتال عنيف بني الأمري واأحمد باشا وايل دمشق اضطر<br />
الأمري اإىل الهرب، وبعد مالحقته اضطر الأمري اإىل التسليم فاأخذه اأحمد باشا اإىل<br />
القسطنطينية، لكن السلطان عفا عنه، اأما اأولد الأمري فقد جاهروا بعصيان <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> ونهبوا مدن بريوت وصيدا وصور وعكا، فغضب السلطان من دسائس الأمري<br />
فخر الدين بسبب ترصفات اأبنائه، فاأمر السلطان بقطع راأس الأمري فخر الدين وعلق<br />
راأسه على باب الرساي ثم اأمر بقتل ولديه.<br />
سار السلطان مراد اإىل فتح بغداد وتخليصها من اأيدي العجم فوصلها بعد 30<br />
يوماً، ويف اليوم الثاين من وصوله اأمر جنوده بالهجوم على بغداد، ففتحوها ثم رجع<br />
السلطان للقسطنطينية بعد اأن ترك يف بغداد عرشة اآلف جندي )5( .<br />
ويف تلك الأثناء كانت ثورات اجلنود متتابعة بالأستانة، ويف كل مرة كانوا<br />
يطلبون قتل من يشاوؤون من روؤوس احلكومة املخالفني لهم يف الراأي، ويضطر<br />
السلطان لتلبية طلباتهم اإسكاتاً لهم وخوفاً من اأن يصل اإليه اأذاهم.<br />
ويف غضون ذلك اأصدر السلطان اأمره بعزل خرسو باشا عن الصدارة واأعاد<br />
حافظ باشا صدراً اأعظم ملنصبه يف الصدارة، فسعى املعزول )خرسو باشا( لدى<br />
اجلند واأفهمهم اأنه عزل بسبب مساعدته للجيش، لذا ثار اجليش واأرسلوا اإىل الأستانة<br />
يطلبون اإرجاعه، وملا مل يجب السلطان طلبهم ساروا اإىل القسطنطينية وقاموا بثورة<br />
عظيمة دخلوا القرص السلطاين وقتلوا حافظ باشا رغماً عن تدخل السلطان عام<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
227<br />
جامعة القدس املفتوحة
228 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
1632م، اغتاظ السلطان واأمر بقتل خرسو باشا حمرك الفتنة وعني بدلً منه بريام<br />
حممد باشا صدراً اأعظم. ومن ذاك الوقت اأظهر السلطان عزماً شديداً يف جمازاة روؤوس<br />
النكشارية وغريهم ممن يهيج اخلواطر ويقلق الراحة العمومية، وصار ياأمر بقتل كل<br />
من ثبت عليه اأقل اشرتاك يف احلركات الأخرية. لذا وقعت مهابته يف قلوبهم وخشيه<br />
الصغري والكبري، واأمن الناس على اأموالهم واأعراضهم من التعدي وسادت السكينة يف<br />
القسطنطينية وجميع اأنحاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
كانت اأخر ثورة لالنكشارية يف زمنه عام 1632م حركها رجب باشا، فاأمر<br />
السلطان بقتله واإلقاء جثته من شبابيك الرساي حتى يراها املتجمهرون، فسكنت<br />
اخلواطر ومل يحصل ما يعبث بالأمن بعد ذلك يف زمنه )6( .<br />
قرر السلطان طرد العجم من بغداد فجهز جيشاً سار هو بنفسه على راأس اجليش<br />
وحارصها عام 1638م وسلط على اأسوارها املدافع الضخمة، واستمرت احلرب 48<br />
ساعة متوالية ختمت بانتصار اجلنود <strong>العثمانية</strong> ودخلوا بغداد. ثم جرى صلح بني<br />
العثمانيني والعجم وانقطعت اأسباب العدوان بينهما )7( .<br />
3.3فرتة الركود )1683م – 1827م( : كان عدد السالطني العثمانيني الذين حكموا<br />
يف هذه الفرتة )11( سلطاناً رشحنا عن اثنني منهما يف هذا الكتاب وهما السلطان<br />
سليم الثالث والسلطان حممود الثاين وشاأرشح عن اثنني اآخرين فقط هما: السلطان<br />
اأحمد الثالث )1703م – 1730م( والسلطان عبد احلميد الأول )1774 – 1789م(<br />
ول بد من التنويه اأن فرتة حكمهما كانت اأطول من غريهم لذا اأفضل الرشح عنهما. ول<br />
داعٍ للرشح الواسع عنهما بل موجز املوجز.<br />
السلطان أمحد الثالث )1703م – 1730م(:<br />
هو ابن السلطان حممد الرابع، ولد عام 1673م، جلس على عرش السلطنة وكان<br />
عمره 41 عاماً، وعند تعيينه وزع اأموالً طائلة على النكشارية، وهوؤلء قتلوا شيخ<br />
الإسالم فيض اهلل اأفندي ملقاومته لهم يف اأعمالهم ونفوا اأولده، وخضع السلطان<br />
لطلب الإنكشارية ومل يحرك ساكناً.<br />
وقام النكشارية بعزل اأعظم رجال <strong>الدولة</strong> واستبدلوهم مبن اأرادوا، وعندما<br />
هداأت الأحوال وعادت السكينة اقتص من روؤوس النكشارية فقتل منهم عدداً
أ. د. تيسري جباره<br />
ليس بقليل، وعزل الصدر الأعظم نشاجني اأحمد باشا الذي انتخبه النكشارية<br />
وقت ثورتهم )8( .<br />
شن السلطان حرباً على روسيا حتت قيادة بلطجي حممد باشا وكان اجليش<br />
العثماين يقدر ب 200,000 جندي فحارص اجليش الروسي بقيادة قيرص روسيا<br />
وخليلته، ولو استمر احلصار قليالً لأخذ اأسرياً هو ومن معه وامنحت <strong>الدولة</strong> الروسية<br />
من العامل، لكن كاترينا سلمت بلطجي باشا كافة ما كان معها من اجلواهر الكرمية<br />
واملصوغات الثمينة فخان <strong>الدولة</strong> ورفع احلصار عن القيرص وجيشه مكتفياً باإمضاء<br />
القيرص معاهدة فلكزن عام 1711م واأخلى مبوجبها مدينة اأزاق )9( .<br />
ويف عهد الصدر الأعظم يوسف باشا الذي كان حمباً للسلم وقع مع الروس<br />
معاهدة جديدة تقضي بعدم احلرب بني روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مدة 25 سنة، ولكن<br />
مل متضِ بضعة اأشهر حتى وقعت احلرب بني اجليشني الروسي والعثماين، فتدخل<br />
الإجنليز للصلح بينهما حماية للتجارة واملصلحة النكليزية، فوقع الطرفان معاهدة<br />
اأدرنة عام 1713م تنازلت روسيا مبقتضاها عن اأراضيها على البحر الأسود.<br />
اأما الصدر الأعظم الذي تاله وهو علي باشا فقد كان ميالً للحرب غيوراً على<br />
صالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ميالً لسرتجاع ما ضاع من اأمالكها خصوصاً يف بالد<br />
املورة ولذلك اأعلن احلرب على البندقية، فاأرسع اإمرباطور النمسا ميد يد املساعدة<br />
للبنادقة، وقد قتل الصدر الأعظم علي باشا يف املعركة ودخلوا مدينة بلغراد، ثم<br />
جرت مفاوضات للصلح ومت توقيع معاهدة بساروفتس عام 1718م خرست <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> مبوجبها اأراضٍ يف بالد العرب.<br />
ويف عهد السلطان اأحمد الثالث طلب اأهل السنة يف بالد العجم املساعدة من<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب كرثة تعديات الشيعة عليهم )10( . لذا سار اجليش العثماين<br />
لإغاثة السنة، ففتح اجليش العثماين وهو يف طريقه عدة حصون منيعة عام 1725م<br />
حتى وصل اإىل تربيز وغريها واأعانت املتظلمني وقهرت الأعجام، ثم صاحلهم بناء<br />
على طلب الشاه اأرشف عام 1727م. ولعدم ميل السلطان للحرب ورغبته يف الصلح<br />
ثار النكشارية واأهاجوا الأهايل فاأطاعوهم طلباً للسلب والنهب عام 1730م، وطلب<br />
ثوار النكشارية من السلطان قتل الصدر الأعظم واملفتي وقبودان باشا اأي اأمريال<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
229<br />
جامعة القدس املفتوحة
230 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الأساطيل البحرية بحجة اأنهم مييلون ملساملة العجم، فامتنع عن اإجابة طلبهم، وملا<br />
راأى منهم التصميم على قتلهم طوعاً اأو كرهاً، تخوفاً من اأن يتعدى اأذاهم اإىل شخصه،<br />
سلم لهم بقتل الوزير والأمريال دون املفتي فقبلوا واألقوا جثثهم يف البحر، وقاموا<br />
بالعصيان على السلطان جهاراً فاأعلنوا اإسقاطه ونادوا بابن اأخيه حممود الأول<br />
خليفة للمسلمني واأمرياً للموؤمنني، فاأذعن السلطان اأحمد الثالث وتنازل عن امللك<br />
بدون معارضة. وكانت مدة حكمه 27 سنة و11 شهراً )11( . وتوفى عام 1730م.<br />
السلطان عبد احلميد األول )1774م – 1789م(:<br />
هو ابن السلطان اأحمد الثالث، ولد عام 1724م، ويف اليوم الثالث من توليه<br />
احلكم توجه يف موكب حافل اإىل جامع اأبي اأيوب لتقلد سيف السلطان عثمان موؤسس<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. ومل يوزع على اجلنود الإنعامات املعتادة خللو خزائن <strong>الدولة</strong> التي<br />
استنزفتها احلرب الأخرية.<br />
زحف اجليش الروسي ملواجهة العثمانيني، فطلب الصدر الأعظم من )رومانزوف(<br />
املهادنة وتوقيف القتال، واأرسل اإليه مندوبني لالتفاق على عقد الصلح وقبول الرشوط<br />
التي رفضتها <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عند اجتماع موؤمتر بوخارست فاجتمع املندوبان<br />
العثمانيان مع سفري روسيا يف مدينة قينارجه، وبعد مناقشات طويلة قبل الصدر<br />
الأعظم املعاهدة التي مت التفاق عليها عام 1774م وهي مكونة من 28 بنداً اأهمها<br />
استقالل تتار القرم وبساربيا وقوبان مع حفظ سيادة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فيما يتعلق<br />
بالأمور الدينية وتسليم كافة البالد والأقاليم التي احتلتها روسيا اإىل خان القرم.<br />
واأن يكون للمراكب الروسية حرية املالحة يف البحر الأسود والبحر املتوسط واأن<br />
تبني روسيا كنيسة بقسم بريا بالأستانة ويكون لها حق حماية جميع املسيحيني<br />
التابعني للمذهب الأرثوذكسي من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
واأضيف اإىل هذه املعاهدة بندان رسيان، يف اأحدهما )اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
تدفع اإىل روسيا مبلغ خمسة عرش األف كيبسة بصفة غرامة حربية على ثالثة اأقساط<br />
متساوية يف اأول يناير 1775م وسنة 1776م وسنة 1777م( )12( . ويف الثاين اأنها<br />
تقدم لروسيا املساعدات املقتضية للجالء عما احتلته من جزائر الروم وسحب دونا<br />
منتها منها وهذا نص معاهدة قينارجة.<br />
عاش السلطان 66 عاماً قضى منها 16 عاماً على رسير السلطنة )13( .
أ. د. تيسري جباره<br />
4.4فرتة الرتاجع )1828م – 1908م( : كان عدد السالطني يف هذه الفرتة الذين<br />
حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأربع سالطني، حتدثت يف هذا الكتاب عن السلطان عبد احلميد<br />
الثاين )1876- 1909م( وشاأتناول يف هذه الفرتة احلديث عن عبد املجيد الأول<br />
وذلك لطول فرتة حكمه وبسبب احلوادث السياسية الهامة التي حصلت اأثناء حكمه<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong>.<br />
السلطان عبد اجمليد األول )1839/7/1م – 1861/6/25م(:<br />
جلس السلطان عبد املجيد على سدة احلكم ومل يبلغ من العمر اإل 18 عاماً حيث<br />
ولد عام 1821م )1237ه( وكان تنصيبه للعرش عام 1839م )1255ه( واستلم<br />
منصب الصدر الأعظم يف بداية حكمه خرسو باشا، الذي مل يستطع اأن يستميل اإليه<br />
كبار رجال <strong>الدولة</strong>، لذا اأقال السلطان الصدر الأعظم وعني بدلً منه رشيد باشا. ابتداأ<br />
رشيد يف اإجراء التنظيمات <strong>العثمانية</strong> بقصد رفع املظامل عن الشعب، واألقى منشوراً<br />
يف حديقة الورد يف القرص السلطاين ويُدعى )كوخلانة( وقد استمع للمنشور السلطان<br />
وشيخ الإسالم والوزراء وسائر العلماء.<br />
تدخلت روسيا يف الأمور الداخلية للدولة <strong>العثمانية</strong> مثل حمايتها لالأرثوذكس،<br />
وملا مل يوافق السلطان على ذلك شنت روسيا احلرب ضد السلطان. فزحف اجليش<br />
الروسي وكان تعداده 900.000 جندي نحو سهل الطونة لذا وقفت بريطانيا وفرنسا<br />
ورسدينيا مع السلطان العثماين ضد الروس واأوقفوا الروس عند حدودهم. ثم عقدت<br />
معاهدة باريس مت مبوجبها الصلح عام 1856م وتفرغ السلطان لسن التنظيمات<br />
املتعلقة بالتجارة والزراعة، واأسس املكاتب الرشيدية واعتنى يف نرش املعارف<br />
والعلوم وتعميم العدالة والأمن )14( .<br />
لقد وقعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معاهدة عام 1840م يف لندن بخصوص مضيق<br />
البوسفور واملشاألة املرصية واإيقاف حممد علي عن تعدياته على <strong>الدولة</strong> كان قد<br />
وقعها الإجنليز وبروسيا والنمسا والروس. والقصد منها مساعدة الدول الكربى<br />
للسلطان ضد حممد علي، وذلك لإبقاء دولة الرجل املريض )<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>( ضعيفة<br />
يف اأوروبا واأن ل يحل حملها رجل قوي مثل حممد علي يهدد الأوروبيني فيما بعد.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
231
232<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
▪<br />
▪<br />
▪<br />
▪<br />
▪<br />
وضع الأوروبيون رشوطاً على حممد علي والسلطان للتوقيع على معاهدة لندن، ومما<br />
جاء يف بنودها ما ياأتي:<br />
▪»اأولً: اأن يلتزم حممد علي باشا باإرجاع ما فتحه للدولة العلية ويحتفظ لنفسه<br />
باجلزء اجلنوبي من الشام مع عدم دخول مدينة عكا يف هذا القسم.<br />
▪ثانياً: اأن يكون لإنكلرتا احلق بالتفاق مع النمسا يف حمارصة اأرض الشام<br />
ومساعدة كل من اأراد من سكان بالد الشام خلع طاعة املرصيني، والرجوع اإىل <strong>الدولة</strong><br />
العلية وبعبارة اأخرى حتريضهم على العصيان؛ لأشغال اجليوش املرصية يف الداخل<br />
كي ل تقوى على مقاومة املراكب النمساوية والإنكليزية.<br />
▪ثالثاً: اأن يكون ملراكب روسيا والنمسا وانكلرتا معاً حق الدخول يف البوسفور<br />
حلماية القسطنطينية لو تقدمت اجليوش املرصية نحوها.<br />
▪رابعاً: اأن ل يكون لأحد احلق يف الدخول اإىل مياه البوسفور ما دامت<br />
القسطنطينية غري مهددة.<br />
▪خامساً: يجب على الدول التي وقع مندوبوها على هذا التفاق اأن<br />
تصادق عليه يف مدة ل تزيد عن شهرين بحيث يكون التصديق يف مدينة<br />
لوندرة )لندن( )15( «.<br />
اتبع السلطان عبد املجيد خطة والده السلطان حممود يف الإصالحات الداخلية،<br />
حتى جتاري <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باقي الدول يف التمدن والعمران، فاأصدر عقب توليه<br />
منصب اخلالفة بقليل اأمراً قرئ علناً يف جمهور الوزراء والأعيان يف 1839/11/13م،<br />
تويف السلطان عبد املجيد وعمره اأربعون سنة عام 1861م ودفن يف قرب اأُعد له يف<br />
حياته بجوار جامع السلطان سليم، وكانت مدة حكمه 22 سنة ونصف، وهو الذي<br />
اأنشاأ النيشان املجيدي )16( .<br />
5.5فرتة التفكك )1908م – 1923م( : بلغ عدد السالطني يف هذه الفرتة ثالثة<br />
سالطني فقط حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ول بد من الرشح عن السلطان الذي حدثت يف<br />
زمنه احلرب العاملية الأوىل واأدت اإىل انهيار <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.
أ. د. تيسري جباره<br />
السلطان حممد رشاد “حممد اخلامس” )1909م – 1918م(:<br />
ولد السلطان حممد رشاد عام 1844م وكان وصوله للحكم بعد السلطان عبد<br />
احلميد الثاين، حيث اجتمع املجلس العمومي )الأعيان واملبعوثني( اجتماعاً رسياً<br />
وخلع عبد احلميد مبوجب فتوى من شيخ الإسالم. حيث قرئت الفتوى الرشعية املوقع<br />
عليها بتوقيع شيخ الإسالم حممد ضياء الدين، فاأسقط السلطان عبد احلميد من<br />
اخلالفة الإسالمية والسلطنة <strong>العثمانية</strong>، ومت خلع عبد احلميد الثاين عام 1909م.<br />
عندما اعتلى السلطان حممد اخلامس العرش كان عمره اآنذاك 65 عاماً، وقد قُ لد<br />
السلطان سيف عثمان يف جامع اأيوب الأنصاري يف القرن الذهبي.<br />
كان حممد اخلامس السلطان الرتكي الأول الذي احتفل بالربملان، فدعا النواب<br />
اإىل حفلة شيقة يف بهو العرش، وافتتحت احلفلة بعرش من القراآن الكرمي ثم مشى<br />
العلماء وعلى راأسهم شيخ الإسالم، وتبعهم وزير الأوقاف بلباسه الأخرض )17( وخلفه<br />
موظفو الأوقاف باألبسة تتفاوت األوانها حسب درجات الأشخاص بلباسهم.<br />
وجاء بطاركة الطوائف املسيحية فاستقبلهم السلطان ببشاشة وترحاب، واألقى<br />
بطريرك الأرثوذكس بصفته رئيس جميع الأوقاف املسيحية كلمة موجزة، وفتح<br />
السلطان اأبواب جامع اأيوب الأنصاري لأول مرة يف وجه املسيحيني الذين كان<br />
حمرماً عليهم دخول املسجد املقدس.<br />
ومنذ ارتقاء السلطان حممد اخلامس سدة احلكم تسلم حزب الحتاد والرتقي<br />
اإدارة احلكومة <strong>العثمانية</strong> )18( . واأصبح اأنور باشا قائد الأمة بصفته القائد الأعلى<br />
للجيوش الرتكية وكان رجالً ذا كفاءة ونزعة اأملانية نظراً للدراسة العسكرية التي<br />
تلقاها يف برلني فاأثرت عليه، واأخذ النفوذ الأملاين ميتد ويقوى يف العاصمة الرتكية<br />
اإىل اأن اأصبحت السفارة الأملانية اأقوى سفارة اأوروبية يف تركيا. وطلب اأنور باشا من<br />
السلطان اأن يستدعي اأحد املفتشني العسكريني من اأملانيا ليدرب اجليش الرتكي واأسند<br />
بعد ذلك قيادة اجليش الأول يف العاصمة اإىل اجلرنال )فون سندرس الأملاين( ومل يرق<br />
هذا العمل لروسيا فاحتجت ولكن احتجاجها مل يثمر الثمرة املرجوة.<br />
كان اأنور باشا قد وزع خالل ستة اأشهر بقيمة مليون ونصف املليون جنيه هدايا<br />
على كبار الضباط واملوظفني تعزيزاً لنفوذه.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
233<br />
جامعة القدس املفتوحة
234 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
اأصبح دخول تركيا يف احلرب اأمراً مفروغاً منه لعالقتها القوية مع الأملان،<br />
ويف الشهر الأول من احلرب التجاأت املدرعة )غوين( والنسافة املدمرة )برسلو(<br />
الأملانيتان اإىل مضيق الدردنيل هرباً من الأسطول الإجنليزي املسيطر على البحر<br />
املتوسط، وكانتا قد رفعتا الأعالم الرتكية.<br />
ومما ساعد على تقوية اخلالف الإجنليزي الرتكي وضع الأمريالية البحرية<br />
الإجنليزية يدها على املدرعتني العثمانيتني. وقد ضمت البحرية الإجنليزية الباخرتني<br />
احلربيتني )السلطان عثمان الأول والرشادية( اإىل الأسطول الإجنليزي حتت اسمي<br />
اأجنكورب وايرن )19( .<br />
كانت كل من انكلرتا وفرنسا وروسيا تفاوض تركيا للبقاء على احلياد على<br />
اأن ل متس حدودها يف نهاية احلرب، على اأن تطرد تركيا الطرادين الأملانيني اأو<br />
تضع يدها عليهما، فلم تطرد تركيا الطرادين الأملانيني من مياهها لأنها ابتاعتهما<br />
من اأملانيا، وهكذا بقيا يف الدردنيل حتى دخال البحر الأسود باإيعاز من اأنور باشا<br />
وهاجما البواخر الروسية.<br />
اأعلنت روسيا احلرب على تركيا يف 3 ترشين الثاين عام 1914م، وبعد احلرب<br />
بيومني جاء دور فرنسا واإجنلرتا فاأعلنتا احلرب رسمياً، واأعلنت تركيا احلرب على<br />
احللفاء يف 23 ترشين الثاين عام 1914م. وضمت اإنكلرتا نهائياً مرص وقربص اإىل<br />
اأمالكها وكان احللفاء قد وقعوا اتفاقية رسية عام 1915م باإعطاء العاصمة الرتكية<br />
اإىل روسيا بعد اإحراز النرص الأخري. ويف الوقت الذي كانت روسيا تفكر باحلصول على<br />
العاصمة الرتكية كانت فرنسا تفكر بالألزاس واللورين بينما اجنلرتا كانت تفكر بقتل<br />
التجارة الأملانية.
أ. د. تيسري جباره<br />
هوامش الفصل التاسع:<br />
1.1املعرفة- سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> www. marefa. org/index. php<br />
2.2يوسف اآصاف: <strong>تاريخ</strong> سالطني اآل عثمان، حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي. دار<br />
البصائر، ط 3 دمشق، 1985م. ص 86.<br />
3.3حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>. دار اجليل، بريوت،<br />
1977م، ص 117.<br />
4.4يوسف اأصاف: مصدر سابق. ص 98.<br />
5.5يوسف اآصاف: املصدر نفسه. ص 104.<br />
6.6حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص 124.<br />
7.7حممد فريد بك املحامي: املصدر نفسه. ص 127.<br />
8.8حممد فريد بك املحامي: املصدر نفسه. ص 142.<br />
9.9حممد فريد بك املحامي: املصدر نفسه. ص 143- 144.<br />
1010يوسف اآصاف: مصدر سابق. ص 123.<br />
111حممد فريد بك املحامي. مصدر سابق. ص 147.<br />
1212حممد فريد بك املحامي: املصدر نفسه، ص 160.<br />
1313يوسف اآصاف: مصدر سابق، ص 138.<br />
1414يوسف اآصاف: املصدر نفسه، ص 149.<br />
1515حممد فريد بك، مصدر سابق، ص 241.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
235<br />
جامعة القدس املفتوحة
236 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
1616حممد فريد بك املحامي: املصدر نفسه، ص 287.<br />
1717ماري ملز باتريك: سالطني بني عثمان. موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش، بريوت،<br />
1986م، ص 146.<br />
1818حممد فريد بك املحامي: مصدر سابق. ص 414.<br />
1919ماري ملز باتريك: مصدر سابق. ص 162.
الفصل العاشر<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد السلطان عبد احلميد الثاني
أ. د. تيسري جباره<br />
الفصل العاشر<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد السلطان عبد احلميد الثاني<br />
1. االحتاد والرتقي.<br />
2. احلرب العاملية األوىل.<br />
3. نهاية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وإلغاء اخلالفة.<br />
مجعية االحتاد والرتقي:<br />
ظهرت يف اأواخر حكم السلطان عبد احلميد جمعية تركيا الفتاة التي انتظم<br />
اأفرادها بعد ذلك يف جمعية الحتاد والرتقي، وكانت تسعى لالإطاحة بحكم السلطان<br />
عبد احلميد، لقد اضطر السلطان حتت ضغط ثورة عسكرية نظمتها جمعية الحتاد<br />
والرتقي اإىل اإعالن دستور مدحت باشا من جديد يف 1908/7/24م. وحصل اأول<br />
انقسام بني العرب والعثمانيني يف النتخابات التي جرت للربملان اجلديد بعد اإعالن<br />
الدستور العثماين، اإذ حتيز اأعضاء جمعية الحتاد والرتقي ضد العرب )1( . وازداد<br />
هذا التحيز بعد زحف حممود شوكت باشا على العاصمة <strong>العثمانية</strong> من سالونيك يف<br />
1909/4/24م وخلع عبد احلميد.<br />
لقد تاأسست حركة الحتاد والرتقي عام 1895م وكان لها شاأن كبري يف حركة<br />
تركيا الفتاة املعارضة حلكم السلطان عبد احلميد الثاين، وكان من اأهداف تركيا<br />
الفتاة منح احلرية جلميع سكان <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورعاياها على اختالف جنسياتهم<br />
وكان شعارها »احلرية والعدالة واملساواة«.<br />
لقد انترشت فروع جلمعية الحتاد والرتقي يف اأنحاء <strong>الدولة</strong>، وكان هدفها<br />
اأيضاً اإبقاء اللغة الرتكية لغة رسمية يف جميع اأرجاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لقد بداأ<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
239<br />
جامعة القدس املفتوحة
240 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
تنظيم وتشكيل جمعية الحتاد والرتقي رساً منذ عام 1887م اأطلق عليه موؤسسوه<br />
اخلمسة اسم جمعية الحتاد والرتقي، وكان من بني اخلمسة األباين ورشكسي<br />
وكرديان. واستهدف التنظيم التخلص من السلطان عبد احلميد وتنصيب اأحد اأخويه<br />
مراد اأو حممد رشاد، ولكن رئيس املخابرات فهيم باشا كان لهم باملرصاد وفشلت<br />
املحاولة النقالبية عام )2( 1895 .<br />
مشكالت واجهها االحتاديون:<br />
لقد واجه الحتاديون مشكالت ضخمة يف بداية حكمهم قبيل احلرب العاملية<br />
الأوىل، ومن اأهم هذه املشكالت احلرب الطرابلسية الإيطالية، وحرب البلقان. اأما<br />
بالنسبة للحرب الطرابلسية الإيطالية، فقد كانت اإيطاليا تطمح بالسيطرة على<br />
طرابلس يف ليبيا خاصة بعد اأن احتلت فرنسا تونس عام 1881م، عملت اإيطاليا<br />
على تهيئة الوضع داخل ليبيا فعملت على رشاء الأراضي واإنشاء املشاريع الزراعية<br />
وفتح املدارس الإيطالية يف ليبيا وغري ذلك. ويف عام 1910م قدمت اإيطاليا اإنذاراً<br />
اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اتهمتها بعرقلة املساعي لتمدين سكان ليبيا، واأعلنت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> رفض ذلك الإنذار، فما كان من اإيطاليا اإل اأن حارصت سواحل طرابلس<br />
وبرقة ملنع وصول املساعدات اإىل ليبيا. وبداأ الأسطول الإيطايل بقصف السواحل<br />
واإنزال القوات الإيطالية التي احتلت طرابلس وبنغازي وغريها، واأعلنت اإيطاليا<br />
ضم هذا اجلزء من شمايل اإفريقيا اإليها، وتقدم العثمانيون بقيادة عزيز املرصي،<br />
واملتطوعون بقيادة اأنور باشا، وانترصوا على الإيطاليني يف بنغازي.<br />
هددت اإيطاليا باحتالل استنبول واحتلت بعض اجلزر يف البحر الأبيض املتوسط<br />
ورضبت ميناء بريوت فاضطرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عقد معاهدة اأوشي مع اإيطاليا عام<br />
1911م )3( ، وانسحبت من ليبيا وتركت املجاهدين وحدهم يف امليدان، ومل تعرتف<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالحتالل الإيطايل، واإمنا تعهدت بسحب موظفيها وجنودها، وصدر<br />
قرار سلطاين مبنح ليبيا الستقالل الذاتي، اإل اأن املعاهدة مل تطبق لأن تركيا كانت مع<br />
الأملان، بينما كانت اإيطاليا مع احللفاء يف احلرب العاملية الأوىل، فكانتا نقيضني<br />
متخاصمني.
أ. د. تيسري جباره<br />
اأما املشكلة الثانية التي واجهت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فكانت حرب البلقان:<br />
كانت البوسنة والهرسك تتبع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، لكن النمسا ضمت هذين الإقليمني<br />
اإليها، وهذا العمل اأدى اإىل اإغضاب الرصب وروسيا، ثم عملت روسيا على تنظيم احتاد<br />
بني دول البلقان انتقاماً من النمسا، ونتيجة لتوتر املوقف يف البلقان اأعلنت اإمارة<br />
اجلبل الأسود احلرب على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1912م وتلتها بلغاريا والرصب<br />
واليونان، واأنزلت الدول املتحالفة اإىل ميدان القتال 715 األف مقاتل مقابل 320 األف<br />
جندي تركي ومل ميض شهر على بدء القتال حتى اأرشفت القوات البلغارية على مداخل<br />
استنبول، كما احتل اليونانيون ميناء سالنيك، وتقدم الرصبيون يف جميع اجلهات،<br />
واستعملوا الطائرات لأول مرة يف هذه احلرب، وقصفوا مدينة اأدرنة وفقدت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> معظم اأراضيها يف اأوروبا، وبعد وقف القتال جرى التفاق على استقالل<br />
األبانيا وقسمت الأراضي الباقية بني اأعضاء التحالف البلقاين، وقد وقع اتفاق الصلح<br />
يف لندن يف اأيار عام 1913م.<br />
وجرى نزاع بني دول البلقان على غنيمة الأراضي التي انتزعوها من <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>. وهذا التفكك اأدى اإىل انضمام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اليونان والرصب واجلبل<br />
الأسود ضد بلغاريا، واستطاع اأنور باشا اأن يحرر اأدرنة من الحتالل البلغاري وبذلك<br />
سيطر على احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع طلعت باشا وجمال باشا، واأخرياً وقعت<br />
معاهدة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبلغاريا عام 1913م، واستعاد الأتراك اإقليم تراقيا مبا<br />
يف ذلك اأدرنة، وعرفت هذه احلرب باسم حرب البلقان الثانية )4( .<br />
ظهرت جمعيات رسية عربية تدعو اإىل استقالل البالد العربية عن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong>، ومن هذه اجلمعيات اجلمعية القحطانية، وجمعية العربية الفتاة، وحزب<br />
الالمركزية الإدارية العثماين، وجمعية العهد، وجمعية الإصالح يف بريوت.<br />
اإن الديوان احلربي العثماين الذي اأقامه جمال باشا يف عاليه يف لبنان استطاع<br />
كشف اجلمعيات الرسية العربية كلها واأسماء املشرتكني فيها.<br />
لقد عقد الطالب العرب موؤمتراً لهم يف باريس عام 1913م للنظر يف اأوضاع<br />
العرب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. وراأى اأعضاء املوؤمتر اأنه اإذا مل تنفذ القرارات التي صادق<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
241<br />
جامعة القدس املفتوحة
242 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
عليها، فالأعضاء املنتخبون يف جلان الإصالح العربية ميتنعون عن قبول اأي منصب<br />
كان يف احلكومة <strong>العثمانية</strong>.<br />
لقد اتخذ املوؤمتر يف باريس قرارات هامة منها رضورة العرتاف بحقوق العرب<br />
السياسية الكاملة، واأكد املوؤمتر على وحدة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورشاكة العرب الأول يف<br />
باريس، وفتحت باب املفاوضات بعد اإرسالها سكرتري جمعية الحتاد والرتقي مدحت<br />
شكري بك اإىل باريس، ووقع اتفاقاً مع عبد احلميد الزهراوي )نائب حماه يف جملس<br />
املبعوثان( ثم صادق السلطان حممد رشاد على التفاق. وصدر مرسوم سلطاين<br />
بذلك لكن الحتاديني مل يكونوا خملصني يف النوايا والأفعال لأنهم عينوا ضباطاً<br />
اأتراك يف الوليات العربية وساروا يف سياسة الترتيك، وترسيخ نفوذ الحتاديني يف<br />
الأراضي العربية بعد تشتيت الضباط العرب وتوزيعهم على احلاميات البعيدة. كما<br />
اأصدر السلطان فرماناً يف 1913/8/8م نقض فيه الرشوط التي وعدت بها <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> الأعضاء العرب يف موؤمتر باريس )5( .<br />
احلرب العاملية األوىل:<br />
لقد اأدت مشاكل البلقان اإىل تفجري احلرب العاملية الأوىل، فقد قتل اأحد اأعضاء<br />
املنظمات الرسية الرصبية ويل عهد النمسا يف بلدة رساييفو، وقدمت النمسا اإنذاراً<br />
اإىل الرصب والتي قبلت معظم بنود الإنذار، لكن النمسا تود القضاء على الرصب،<br />
ولهذا اأعلنت عليها احلرب، وهذا احلادث اأجرب الدول العظمى على الشرتاك يف احلرب،<br />
فقامت روسيا وفرنسا مبساعدة الرصب، بينما ساعدت اأملانيا حليفتها النمسا، كما<br />
اأن بريطانيا دخلت احلرب اإىل جانب روسيا وفرنسا، بينما اأعلنت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
واليونان ورومانيا وبلغاريا حيادها يف احلرب. اإن حتالف فرنسا وبريطانيا مع<br />
روسيا يف احلرب العاملية الأوىل وقيام احلركة الطورانية اأدى ذلك اإىل اإثارة حماس<br />
الأتراك ضد روسيا وفرصة لنضمام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اأملانيا والنمسا، ومت ذلك<br />
بالفعل.<br />
اأعلن اأنور باشا اإلغاء المتيازات الأجنبية يف 1914/9/7م، لذا اأعلنت دول<br />
الوفاق احلرب على السلطان العثماين، وكان اأن قررت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الستيالء على
أ. د. تيسري جباره<br />
دور الربيد الأجنبية وخضوع الأجانب للقوانني <strong>العثمانية</strong> وحماكمتهم اأمام املحاكم<br />
<strong>العثمانية</strong>، كما قدمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معونة مادية وعسكرية للعراق.<br />
ويف 1914/10/29م قصف الأسطول الرتكي املوانئ الروسية املطلة على<br />
البحر الأسود مما اأدى اإىل اإعالن روسيا احلرب على تركيا، ويف 1914/11/5م اأعلنت<br />
فرنسا وبريطانيا احلرب على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، وما لبث احللفاء الثالثة اأن وضعوا<br />
اخلطط لقتسام اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف املرشق العربي )بالد الشام والعراق( ويف<br />
اأوروبا. وقد استطاعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف بداية احلرب وقف الزحف الروسي على<br />
اأراضيها، وبداأت اجليوش <strong>العثمانية</strong> تتحول اإىل الهجوم.<br />
لقد قادت جمعية الحتاد والرتقي – كما ذكرنا – حركة عام 1909م ضد<br />
السلطان عبد احلميد الثاين، كما قامت بانقالب عام 1913م، اإل اأن اأعضاء اجلمعية<br />
بقوا مرتددين يف تكوين دولة جديدة، بسبب قلة الندفاع اجلماهريي وسيطرة النفوذ<br />
الديني عليهم، وعلى هذا الأساس بذلوا جهودهم لتعميق الشعور بالوطنية واملحافظة<br />
على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> والدفاع عنها من التهديدات والأخطار اخلارجية.<br />
عانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كثرياً يف هذه احلقبة الزمنية، وتعرضت قبل هذه احلقبة<br />
للغزو الإيطايل وذلك عام 1911م، وظهرت عصبة الدول البلقانية ومعارضتها للدولة<br />
<strong>العثمانية</strong> ونشطت الأحالف الغربية ضدها وعلى راأسها روسيا القيرصية )6( .<br />
لقد تشكلت يف تركيا جمعية احلرية والئتالف يف 1911/11/8م وكانت<br />
هذه اجلمعية تختلف اأيديولوجياً عن جمعية الحتاد والرتقي حيث كانت توؤمن<br />
بالالمركزية. واشتد الرصاع بني الحتاديني والئتالفيني يف جملس املبعوثان<br />
العثماين، ثم تاألفت وزارة ائتالفية اأعلنت اأنها ستطبق مبداأ الالمركزية يف احلكم، تلك<br />
الوزارة التي جاء بها ضباط الإنقاذ والتي اأطاح بها الحتاديون اإثر انقالب عسكري<br />
ثانِ يف 1913/1/23م بقيادة اأنور باشا، وبقي الحتاديون يحكمون حتى نهاية<br />
احلرب العاملية الأوىل ضمن مبادئهم الثالثة )املركزية والطورانية والترتيك( )7( .<br />
لقد حاولت جمعية الحتاد والرتقي اجتذاب الأشخاص الذين لهم ماضِ جميد<br />
يف القضايا الوطنية على الرغم من املراقبة الشديدة املفروضة على هذه اجلمعية،<br />
وانضم اإليها بعض املستخدمني يف احلكومة، ويف احلقيقة ركزت اجلمعية جهودها<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
243<br />
جامعة القدس املفتوحة
244 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
على استقطاب اجليش بجانبها، وكانت النتيجة اأن انضم اإليها عدد كبري من الضباط،<br />
واأرسل السلطان العثماين برقية اإىل املفتش العام )يف سالونيك( حلمي باشا يشاأله<br />
فيها عن قوة الحتاد والرتقي وعن الوضع، فكان اجلواب »مولي جاللة السلطان، اأود<br />
اأن اأعلمكم اأن كل فرد هناك سواي عضو يف جمعية الحتاد والرتقي« )8( .<br />
لقد اأبعدت جمعية الحتاد الضباط العرب، وعينت بدلً منهم الولة الأتراك<br />
العسكريني يف قيادة الوليات العربية، وكان منهم جمال باشا السفاح الذي اأعدم<br />
عدداً من العرب يف دمشق وبريوت.<br />
لقد كانت سياسة االحتاديني ترتكز على ما ياأتي:<br />
1.1ترتيك جميع القوميات وصهرها يف بوتقة الطورانية.<br />
2.2فرض اللغة الرتكية يف املعامالت الرسمية واملدارس.<br />
3.3احتكار الوظائف لصالح الأتراك.<br />
4.4مراقبة الصحافة وتشجيعها على متجيد النعرة الطورانية.<br />
لقد اأدى تسلط الحتاديني وحماولة ترتيك القوميات املختلفة اإىل ضعف الوحدة<br />
<strong>العثمانية</strong>، فاستغلت النمسا تذمر غري الرتكية فضمت اإليها البوسنة والهرسك، كما<br />
احتلت اإيطاليا، وليبيا، وكريت، وانقضت دول البلقان وهاجمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
وانتزعت منها الأراضي الواسعة.<br />
لقد توثقت العالقات <strong>العثمانية</strong> الأملانية ما بني 1899م – 1902م بعد اأن<br />
حصلت اأملانيا على حق متديد خط حديدي يربط الأناضول ببغداد وقد وضع احلجر<br />
الأساسي للخط عام 1912م لكن احلرب العاملية الأوىل حالت دون اإمتامه )9( وكان<br />
من املتوخى اأن ينتهي عند اخلليج العربي، وعندما اأدركت بريطانيا نوايا اأملانيا<br />
بادرت اإىل عقد معاهدة حماية مع الكويت نصت على األ يتنازل حاكم الكويت الشيخ<br />
مبارك يف ذلك الوقت عن اأي جزء من اأراضيه اأو يوؤجره اأو يرهنه واأل يدخل يف عالقات<br />
خارجية مع اأي دولة اإل مبوافقة بريطانيا.<br />
كما اأن تدريب اجليش العثماين قد عهد به اإىل ضباط من الأملان الذين توىل<br />
بعضهم مناصب هامة يف اجليش العثماين.
أ. د. تيسري جباره<br />
وراأى رجال الحتاد والرتقي، اأن من مصلحة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأن توثق عالقاتها<br />
مع اأملانيا ملواجهة الأطماع الروسية والفرنسية والربيطانية، فيما تبقى من اأمالك<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ولهذا عقدوا مع الأملان معاهدة يف اآب عام 1914م تعهدوا<br />
مبقتضاها مبساعدة اأملانيا ضد روسيا.<br />
كان كتشرن املعتمد الربيطاين يف القاهرة يرقب بحذر النفوذ الأملاين املتزايد<br />
يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، والذي متثل يف خط حديد الأناضول – بغداد، مما يهدد مركز<br />
بريطانيا يف اخلليج العربي والهند. كما اأن وقوف تركيا يف حرب مقبلة ضد بريطانيا<br />
من شاأنه تهديد مواصالتها يف قناة السويس ومضيق باب املندب وعدن نظراً لوجود<br />
حامية تركية يف اليمن. كما خشيت بريطانيا من اإعالن السلطان العثماين اجلهاد<br />
ضدها لأن هذا سيثري اإضافة اإىل العرب الشعوب الإسالمية مبا يف ذلك الهند. ولهذا<br />
فكرت بريطانيا بالستيالء على املنطقة املمتدة بني حيفا وخليج العقبة حلماية<br />
خطوط مواصالتها وبتشجيع العرب على النفصال عن العثمانيني )10( .<br />
لقد ازداد التنافس الستعماري يف احلصول على اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد<br />
اأن ضعفت، وسماها الروس دولة الرجل املريض، وهذا التنافس اأدى اإىل اتفاق الدول<br />
الأوروبية يف موؤمتر اجلزيرة اخلرضاء عام 1906م باإطالق يد فرنسا يف املغرب، ويف<br />
عام 1904م كان التفاق الودي بني فرنسا وبريطانيا باأن تعرتف فرنسا مبصالح<br />
بريطانيا يف مرص. كما شجعت الدول الستعمارية رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على التمرد<br />
عليها. ففي عام 1908م اأعلنت بلغاريا استقاللها عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بدعم من<br />
روسيا واحتلت اإيطاليا ليبيا مبوافقة دول احللفاء عام 1911م.<br />
اأدركت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأهداف الدول الأوروبية يف تفكيك اأراضيها واقتالعها<br />
فاجتهت اإىل اأملانيا لدعمها وتدريب قواتها املسلحة واإقامة املشاريع القتصادية،<br />
لعتقادها اأن اأطماع الأملان اأقل رضراً من روسيا وفرنسا وبريطانيا واإيطاليا.<br />
لقد كانت الأطماع الأوروبية يف اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي النقطة الرئيسة<br />
التي شجعت تركيا على الدخول يف احلرب العاملية الأوىل مبساندة الأملان، كي<br />
تساعد على حتطيم روسيا التي كان هدفها الرئيسي الدخول عرب املضائق الرتكية<br />
اإىل البحر الأبيض املتوسط.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
245<br />
جامعة القدس املفتوحة
246 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
لقد جنحت السياسة الأملانية يف ضم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل جانب اأملانيا<br />
وحلفائها. وكانت رغبة اأملانيا استغالل العراق والتغلغل يف اإيران جتارياً وسياسياً،<br />
وتوجيه رضبة قاتلة اإىل الوجود الربيطاين يف مرص وتهديد السيطرة الربيطانية<br />
على الهند )11( .<br />
استعمل السلطان لقب خليفة كي يعلن اجلهاد ضد دول الوفاق، وطالب املسلمني<br />
يف العامل وخاصة مسلمي روسيا وبريطانيا بالشرتاك يف احلرب ضد »الكفار«. لقد<br />
اأرغمت احلرب الأتراك على القتال يف ست جبهات. وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تركز<br />
على الدفاع عن مناطق الدردنيل والقوقاز وعدن وقناة السويس، وهذه كلها مضائق<br />
تتحكم يف البحار. واأحرزت اجليوش <strong>العثمانية</strong> انتصارات عديدة بفعل نظام التحديث<br />
الذي نفذه حكام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )12( . وكان اأكرب نرص اأحرزه الأتراك العثمانيون هو<br />
صدهم حلملة الدردنيل، مما اضطر احللفاء اإىل النسحاب بعد اأن كلفتهم احلملة حوايل<br />
120 األف قتيل وجريح.<br />
كان اأحمد جمال باشا قائد اجليش الرتكي الرابع يف دمشق، وقد اختري ليقود<br />
احلملة على مرص لتحريرها من الإجنليز، وكان يخالف الداعني اإىل الوحدة الطورانية،<br />
ويجاهر مبزايا القومية <strong>العثمانية</strong>.<br />
اأعلنت بريطانيا اأن مرص حتت رعايتها، واأعلن اجلرنال ماكسويل انتهاء سيادة<br />
تركيا على مرص، وخلع اخلديوي عباس الثاين. وبداأ جمال باشا هجومه على قناة<br />
السويس ليالً يف 1915/2/2م، ولكن هجومه فشل ورجع عائداً اإىل دمشق، وكان قد<br />
وزع بياناً على جيشه اأثناء الهجوم على مرص جاء فيه:<br />
»اأيها اجلنود، اإن الصحاري القاحلة لتمتد من ورائكم، والعدو اجلبان يقف<br />
اأمامكم، ومرص اخلصبة خلف هذا العدو، وهي مشتاقة اإىل الرتحيب بكم فاإن ترددمت<br />
فلن يكون نصيبكم اإل املوت، فاإىل الأمام فاإن اجلنة اأمامكم« )13( .<br />
كانت دول احللفاء قد قامت بعقد اتفاقيات رسية خالل احلرب العاملية الأوىل،<br />
بهدف النتصار على دول تركيا واأملانيا وغريها، وبهدف تقسيم اأمالك <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> بعد الهزمية، ومن هذه االتفاقيات الرسية:<br />
1.1االتفاق مع الشريف حسني بإعالنه الثورة ضد األتراك من احلجاز: لقد<br />
خططت بريطانيا اأن ترضب تركيا من الداخل وذلك باستمالة اأحد زعماء العرب،
أ. د. تيسري جباره<br />
ووقع اختيارهم على الرشيف حسني رشيف مكة املكرمة، وقد تبادل الرشيف حسني<br />
مع املعتمد الربيطاين يف القاهرة رسائل رسية عن رضورة دخول العرب احلرب اإىل<br />
جانب الإجنليز وطرد الأتراك من البالد العربية، وعرفت هذه مبراسالت »احلسني<br />
مكماهون«. ووعدت بريطانيا الرشيف حسني بدولة عربية اإذا ما اأعلن الثورة ضد<br />
الأتراك.<br />
استمرت هذه املراسالت سنة كاملة ثم اأعلن الرشيف حسني الثورة على الأتراك<br />
يف العارش من حزيران عام 1916م، وكان يقود اجليش العربي فيصل بن احلسني<br />
يساعده اجلرنال الجنليزي لورانس )14( ، وجنحا يف طرد الأتراك من الأردن وفلسطني<br />
وسوريا حتى وصال حلب، اأما اجلهة الغربية فقد شن اجلرنال اللنبي هجوماً اأدى اإىل<br />
احتالل القدس يف 1917/12/9م وكانت قد سقطت قبل ذلك مدن غزة واخلليل ويافا<br />
وبيت حلم، ويف نهاية سنة 1917م كانت القوات الربيطانية قد احتلت كل ذلك اجلزء<br />
من سوريا الذي ميثل ما يسمى »سنجق القدس« )15( .<br />
وكبدت ثورة العرب الأتراك خسائر ل طاقة لهم بها، فقد فقدوا حتى نهاية اآذار<br />
سنة 1918م 4800 قتيالً و1600 جريحاً و 8000 اأسرياً يف املعارك التي دارت<br />
بينهم وبني العرب فحسب، وهذه الأرقام ل تشمل اأعداء العرب الذين فروا من صفوف<br />
الأتراك، واأضف اإىل ذلك حامية لهم يف املدينة املنورة عددها 12,000 واأخرى يف<br />
معان عددها 7000 ونحو 3000 يف مراكز خمتلفة على اخلط احلجازي. وكلها قد<br />
عطلها العرب وشلوا حركتها اأي اأن عدد القتلى والأرسى واملعطلني من الأتراك يبلغ<br />
يف جمموعه 35,000 رجالً )16( .<br />
2.2اتفاقية األستانة 1915/3/18م: وقد وقعت هذه التفاقية الرسية بني روسيا<br />
وفرنسا وبريطانيا، حصلت روسيا مبوجب التفاقية على الأستانة والشاطئ الغربي<br />
للبوسفور وبحر مرمرة والدردنيل وكل ما تبقى للدولة <strong>العثمانية</strong> من اأرض يف اأوروبا،<br />
واتفق على اأن تكون الأستانة ميناءً حراً لدول الوفاق بحيث تسمح روسيا بحرية<br />
املالحة يف املضائق، ووافقت روسيا بدورها على مناطق النفوذ الربيطاين والفرنسي<br />
يف الأناضول، كما مت التفاق على فصل الأراضي الإسالمية املقدسة يف احلجاز<br />
وباقي شبه اجلزيرة العربية ووضعها حتت حكم عربي مستقل )17( . وذلك بعد هزمية<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
247<br />
جامعة القدس املفتوحة
248 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
3.3معاهدة لندن 1915/4/26م: وقد مت عقد هذه املعاهدة الرسية بني دول الوفاق<br />
واإيطاليا التي وعدت بكامل السيادة على جزر الدوديكانيز وليبيا واحلصول على جزء<br />
من ساحل الأناضول الواقع على البحر املتوسط )اأضاليا( ؛ وذلك يف حالة تقسيم<br />
اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا بعد احلرب )18( .<br />
4.4اتفاقية سايكس بيكو يف 1916/5/16م: عقدت هذه التفاقية بني فرنسا<br />
وبريطانيا، وكانت اتفاقية رسية، ووقعها عن اجلانب الفرنسي جورج بيكو، وعن<br />
اجلانب الإنكليزي سري مارك سايكس؛ وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل من بريطانيا<br />
وفرنسا يف وليات الشام <strong>العثمانية</strong>.<br />
وتتضمن التفاقية اثني عرش بنداً مع امللحقات واخلرائط، وقد مت االتفاق بني<br />
احلكومتني الربيطانية والفرنسية على ما ياأتي:<br />
“فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان اأن تعرتفا وحتميا دولة عربية مستقلة<br />
اأو حلفاً احتادياً لدول عربية حتت رئاسة رئيس عربي يف املنطقتني )اأ( )داخلية<br />
سوريا( و )ب( )داخلية العراق( املبينتني يف اخلريطة امللحقة بهذا ويكون لفرنسا يف<br />
منطقة )اأ( وبريطانيا العظمى يف منقطة )ب( حق الأولوية يف املرشوعات والقروض<br />
املحلية، وتنفرد فرنسا يف منطقة )اأ( وبريطانيا العظمى يف منطقة )ب( بتقدمي<br />
املستشارين واملوظفني الأجانب بناءً على طلب احلكومة العربية اأو احللف الحتادي<br />
لدول احلكومات العربية” )19( .<br />
وهناك بنود اأخرى يف االتفاقية ميكن تلخيصها مبا ياأتي:<br />
»تنشاأ اإدارة دولة يف املنقطة السمراء )فلسطني( يعني شكلها بعد استشارة روسيا<br />
وبالتفاق مع بقية احللفاء وممثلي رشيف مكة« )20( .<br />
وتنال بريطانيا ميناء حيفا وميناء عكا، وتكون السكندرون ميناء حراً لتجارة<br />
المرباطورية الربيطانية، وتكون حيفا ميناءً حراً لتجارة فرنسا ومستعمراتها.<br />
وتبقى تعريفة اجلمارك الرتكية نافذة عرشين سنة يف املنطقتني الزرقاء<br />
واحلمراء واملنطقتني )اأ( و )ب( )21( .<br />
5.5اتفاقية سان جان دي موريني يف 1917/4/17م: عقدت هذه التفاقية بني فرنسا
أ. د. تيسري جباره<br />
وبريطانيا واإيطاليا، واستهدفت تصفية اخلالفات الفرنسية الإيطالية، ولهذا قررت منح<br />
فرنسا منطقة اأضنة على اأن تضع اإيطاليا يدها على ما تبقى من جنوبي الأناضول<br />
مبا يف ذلك ولية اأزمري اإىل ولية قونيا ومترصفيات اأضاليا وغربي الأناضول )22( .<br />
6.6وعد بلفور يف 1917/11/2م: هناك عدة اأسباب دعت احلكومة الربيطانية اإىل<br />
اإصدار وعد بلفور، اأهمها رغبة بريطانيا يف اأن يكون لها قاعدة ثابتة يف الرشق<br />
الأوسط للحفاظ على مصاحلها يف املنطقة، وتاأمني خطوط مواصالتها اإىل الرشق<br />
الأقصى وخاصة اإىل الهند، بالإضافة اإىل تاأمني تدفق النفط من منطقة اخلليج<br />
العربي، كما اأن الإنكليز كانت رغبتهم جتنيد اليهود الأمريكيني لدعم جهود بريطانيا<br />
لإقناع الوليات املتحدة بالدخول يف احلرب اإىل جانبها، وقد اأصدرت احلكومة<br />
الربيطانية وعد بلفور وهذا نصه:<br />
»اإن حكومة جاللة امللك تنظر بعني العطف اإىل تاأسيس وطن قومي للشعب<br />
اليهودي يف فلسطني، وستبذل جهدها لتسهيل حتقيق هذه الغاية على اأن يفهم جلياً<br />
اأنه لن يوؤتى بعمل من شاأنه اأن يغري احلقوق املدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف<br />
غري اليهودية املقيمة الآن يف فلسطني، ول احلقوق اأو الوضع السياسي الذي يتمتع به<br />
اليهود يف البلدان الأخرى« )23( .<br />
مل تكن فلسطني تابعة لربيطانيا اأثناء اإصدار وعد بلفور، ولكن كانت من مناطق<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، كما اأن الوعد مل يذكر كلمة عرب بل ذكر الطوائف غري اليهودية علماً<br />
باأن نسبة العرب يف فلسطني %93 بينما نسبة اليهود %7 فقط.<br />
وهذا يدل على بطالن وعد بلفور.<br />
7.7التصريح اإلجنليزي الفرنسي يف 1918/11/7م: لقد صدر هذا الترصيح قبل<br />
الهدنة ببضعة اأيام، وذلك لأن العرب وصلت اأسماعهم عن نوايا فرنسا وبريطانيا<br />
بتقسيم املناطق العربية التي ستنسلخ عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. لذا اجتاحت البالد العربية<br />
موجة من الشك والتوجس مما تضمره احلكومتان املتحالفتان من دوافع ونوايا،<br />
فاحتج الأمري فيصل بن الرشيف حسني اإىل اللنبي واأعلن اأنه لن يستطيع كبح جماح<br />
القوات العربية اإل اإذا صدر على الفور حتديد رسمي واضح لنوايا احللفاء، وبدا اأن<br />
الشعور املكبوت قد يوؤدي اإىل انفجار، لذا سارعت الدولتان اإىل اإصدار الترصيح<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
249<br />
جامعة القدس املفتوحة
250 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
االإجنليزي الفرنسي وهذا نصه:<br />
»اإن السبب الذي من اأجله حاربت فرنسا واإجنلرتا يف الرشق تلك احلرب التي<br />
اأهاجتها مطامع الأملان، اإمنا هو لتحرير الشعوب التي رزحت اأجيالً طوالً حتت<br />
مظامل الرتك حتريراً تاماً نهائياً واإقامة حكومات واإدارات وطنية تستمد سلطتها من<br />
اختيار الأهايل الوطنيني لها اختياراً حراً.. » )24( .<br />
انتهت احلرب العاملية الأوىل عام 1918م بانتصار احللفاء، وفقدت <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> جميع مناطقها يف اأوروبا اأثناء حكم الحتاديني القصري، حيث استقلت<br />
بلغاريا واحتلت النمسا البوسنة والهرسك وضمت اليونان كريت، واحتلت اإيطاليا<br />
ليبيا وبعض جزر البحر الأبيض املتوسط، وفقد الأتراك الوليات العربية التي كانت<br />
خاضعة للدولة <strong>العثمانية</strong> يف الرشق العربي والآسيوي.<br />
وبدخول الوليات املتحدة احلرب حقق احللفاء النرص على الأملان وحلفائهم،<br />
ويف عام 1918م تويف السلطان حممد رشاد )حممد اخلامس( وتوىل العرش بعده<br />
اأخوه حممد وحيد الدين )حممد السادس( وكان املوقف احلربي عصيباً للغاية بالنسبة<br />
لأملانيا والنمسا واملجر وتركيا وبلغاريا.<br />
كان قد توىل احلكم حممد رشاد )حممد اخلامس( عام 1909م وكان عمره 65<br />
عاماً، خرست <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف زمنه اأكرث ممتلكاتها الأوروبية ثم انهارت القوات<br />
<strong>العثمانية</strong> على جميع اجلبهات خالل احلرب العاملية الأوىل، ومات حممد اخلامس<br />
قبل انتهاء احلرب على اجلبهات <strong>العثمانية</strong> ببضعة اأشهر، وسيطر على <strong>الدولة</strong> يف عهده<br />
جماعة الحتاد والرتقي واأبرزهم طلعت واأنور وجمال وجاويد )25( .<br />
لقد سارت الشوؤون املالية يف تركيا اأثناء احلرب سرياً هادئاً بسبب مساعدة<br />
الأملان، فعندما تشعر احلكومة الرتكية باحلاجة اإىل املال، كانت تطلب من اأملانيا اأن<br />
تعقد لها قرضاً اإىل اأمد معلوم.<br />
وقد زار الإمرباطور الأملاين غليوم الأستانة للمرة الثالثة يف خريف سنة 1917م<br />
عندما كان حممد اخلامس حياً، اأما القصد من زيارته فكان الإرشاف على مد خط<br />
برلني بغداد فقط )26( .<br />
اأما السلطان حممد وحيد الدين )حممد السادس( فكان قد توىل العرش يف
أ. د. تيسري جباره<br />
1918/7/4م وكان اآخر سالطني بني عثمان حيث مت اإلغاء السلطنة عام 1922م.<br />
ويف كانون الثاين عام 1918م عرض الرئيس الأمريكي ويلسون نقاطه الأربع<br />
عرشة كاأساس لصلح عادل. وقد ناشدت اأملانيا الرئيس الأمريكي بالتفاوض على<br />
اأساس النقاط الأربع عرشة.<br />
راأى السلطان اجلديد حممد السادس رضورة اإنقاذ ما ميكن اإنقاذه بعد اأن استقال<br />
جميع وزراء جماعة الحتاد والرتقي وفروا اإىل اأملانيا، فاختار السلطان اجلديد<br />
اجلرنال اأحمد عزت باشا صدراً اأعظم فطلب التصال بربيطانيا لعقد هدنة.<br />
هدنة مودرس عام 1918م:<br />
لقد مت عقد معاهدة مودرس يف اأكتوبر عام 1918م، ونصت على قيام بريطانيا<br />
وحليفاتها باحتالل القالع والستحكامات يف الدردنيل والبوسفور، وفتح املضائق<br />
هذه للمالحة الدولية، وبعد التوقيع على الهدنة استقال الصدر الأعظم اأحمد عزت<br />
باشا وخلفه اأحمد توفيق صديق الإجنليز، ورضخت تركيا جلميع الرشوط الإجنليزية<br />
والفرنسية والإيطالية )27( .<br />
لقد اشرتك يف احلرب العاملية الأوىل حوايل 65 مليون مقاتل، وسقط فيها ما<br />
يقرب من 10 ماليني قتيل واأكرث من 20 مليون جريح وحوايل 13 مليون من املدنيني<br />
بسبب اجلوع واملرض والإصابات، وقدرت اخلسائر املادية باأكرث من 350 بليون<br />
دولر.<br />
كان قد تقرر عقد موؤمتر للصلح يف باريس عام 1919م لإقرار السلم ووضع<br />
التسوية النهائية بني الأطراف املتنازعة.<br />
وفرضت على تركيا معاهدة سيفر يف العارش من اآب عام 1920م بعد اأن احتلت<br />
اجليوش الربيطانية العراق حتى املوصل، والشام حتى حلب، وسيطرت قوات احللفاء<br />
على املضائق. ومت وضع نظام خاص باملالحة التجارية واحلربية والطريان املدين<br />
والعسكري خالل اأوقات السلم اأو احلرب. وتنازلت تركيا لليونان عن كل ما لديها<br />
يف اأوروبا فيما عدا القسطنطينية ومنطقة صغرية على طول املضائق وبحر مرمرة<br />
بعمق يحول دون اإطالة يونانية على املضائق، واستقلت اأرمينيا، وتولت اليونان اأمر<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
251
252 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الإرشاف على منطقة اأزمري واملناطق املحيطة بها ملدة خمس سنوات يحق للسكان<br />
بعدها اأن يطالبوا بالنضمام اإىل اليونان، واأن تبقى استنبول حتت السيطرة السمية<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong> باعتبارها دولة اأوروبية.<br />
لقد األهب الحتالل اليوناين لأزمري مشاعر الأتراك واعتربوه اإذللً لهم، كان منظر<br />
الراية اليونانية وهي تخفق فوق اأصقاع من الأناضول، يُعد من جانب كل تركي وطني<br />
اإهانة ل تغتفر، وكان مما اأثار سخط الأتراك الترصيحات املتكررة التي كان يعلنها<br />
اليونانيون من وقت لأخر، وهي اأن احتاللهم لأزمري ومنطقتها ليس احتاللً موؤقتاً،<br />
اإمنا هو عملية ضم نهائي وسيتسع مداه ليشمل كل الأناضول لتكوين اإمرباطورية<br />
هيلينية كربى، برية وبحرية، ومتتد يف اآسيا واأوروبا وتشمل السواحل الرشقية<br />
والغربية لبحر اإيجة فضالً عن منطقة املضائق، وكان اليونانيون يعتمدون يف حتقيق<br />
هذه املرشوعات على تاأييد بريطانيا. وكان لويد جورج رئيس الوزارة الربيطانية<br />
ضالعاً معهم ويشعر بكراهية شديدة نحو الأتراك، ويتمنى لو استطاع اليونانيون<br />
سحقهم نهائياً واأن يتموا العمل الذي قام به اجلرنال مود يف العراق واجلرنال اللنبي<br />
يف فلسطني عندما جنحا يف طرد الأتراك واإنهاء احلكم الرتكي يف هذين الإقليمني،<br />
ولذلك كانت اليونان <strong>الدولة</strong> البلقانية املدللة لدى بريطانيا وقفت اإىل جانبها توؤيد<br />
الوجود العسكري اليوناين يف منطقة اأزمري )28( .<br />
كما تخلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عن حقوقها يف ولياتها العربية، ووُ ضعت سوريا<br />
ولبنان حتت النتداب الفرنسي، والعراق وفلسطني ورشقي الأردن حتت النتداب<br />
الإجنليزي.<br />
وكان من رشوط املعاهدة اأن قُ لصت سيادة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فقد حدد عدد<br />
اجليش العثماين بحوايل 50,000 جندي يخضعون لإرشاف الضباط الأجانب، وحدد<br />
سالح اجليش والأسطول، واأعيدت المتيازات الأجنبية، وتقرر تشكيل جلنة مُ شكلة من<br />
احللفاء مهمتها الإرشاف على الديون <strong>العثمانية</strong>، وعلى ميزانية <strong>الدولة</strong> وعلى الرضائب<br />
والرسوم اجلمركية والعملة والقروض العامة.<br />
وقد اأجرب السلطان العثماين على توقيع املعاهدة حتت تهديد الأسطول
أ. د. تيسري جباره<br />
الربيطاين وقوات احللفاء. اإل اأن الشعب الرتكي رفض الستسالم واأبى اأن تتمزق<br />
بالده على هذا النحو املزري حتتلها القوات الربيطانية والفرنسية والإيطالية<br />
واليونانية، فثار على الأوضاع التي جاءت بها معاهدة سيفر، وقاد مصطفى<br />
كمال حركة املقاومة ضد احللفاء )29( .<br />
انفجرت الروح الوطنية الكامنة لدى الأتراك، وحتمسوا ملقاومة املحتلني وتشكلت<br />
جمموعات املقاتلني يف استنبول، كما انضم اإليها اجليش الرتكي واختارت مصطفى<br />
كمال اأتاتورك رئيساً لها اإثر عقد موؤمتر يف اأررضوم ب<strong>تاريخ</strong> 1919/7/23م ومت عقد<br />
املوؤمتر الوطني. كما عقد موؤمتر سيواس وانتخب مصطفى كمال رئيساً له واأيد املوؤمتر<br />
القرارات السابقة التي تقضي باملحافظة على سالمة اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
اجتمع املجلس النيابي يف 1920/4/23م يف اأنقرة التي اتخذها مصطفى<br />
كمال عاصمة للدولة وسمى املجلس الوطني الكبري، وكان موؤلفاً من 270 عضواً<br />
وحاول اأعضاء املجلس الإبقاء على عالقات ودية مع السلطان واأل يتخذوا رغبتهم<br />
يف اإنقاذه من اأيدي الأعداء لكن الأمور تطورت اإىل رصاع بني السلطان ومصطفى<br />
كمال.<br />
الصراع بني السلطان والكماليني:<br />
خاض السلطان حممد وحيد الدين رصاعاً ضد الكماليني، حيث عني فريد باشا<br />
صدراً اأعظم واستصدر فتوى من شيخ الإسالم تبيح قتل العصاة، واأصدر الصدر الأعظم<br />
اإعالناً ببطالن النتخابات التي دعا اإليها مصطفى كمال وصدرت اأحكام غيابية<br />
باإعدام مصطفى كمال ورفاقه يف حماكم عسكرية يف استنبول، علماً باأن كمال<br />
كان قد شكل سابقاً جمعية تدعى »جمعية الدفاع عن حقوق الأناضول والرومللي«<br />
برئاسته. واأصبحت هذه اجلمعية هي رائدة الكفاح الوطني واأداته )30( .<br />
لقد ردّ الكماليون على السلطان بتشكيل جملس وزراء يف اأنقرة ب<strong>تاريخ</strong><br />
1920/5/4م وعني مصطفى كمال مفتياً جديداً ونقض فتوى السلطان. وقد ارتفعت<br />
مكانة اأنصار مصطفى كمال بعد جناحه يف حماربة اليونانيني.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
253<br />
جامعة القدس املفتوحة
254 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
لقد جنم عن ثورة مصطفى كمال اأن وجدت يف تركيا حكومتان يف وقت<br />
واحد، حكومة يف استنبول ضعيفة يراأسها السلطان حممد السادس وهو حاكم<br />
رشعي jure( )de يستمد رشعيته من حق توارث العرش العثماين، وحكومة يف اأنقرة<br />
ذات سلطات واسعة يراأسها مصطفى كمال وهو احلاكم الفعلي facto( )de )31( .<br />
لقد مترد الكماليون على حكومة استنبول وجعلوا من املجلس الوطني الكبري<br />
حكومة فعلية عام 1921م، واأقر املجلس الدستور اجلديد الذي خوله الضطالع<br />
بالسلطتني التنفيذية والترشيعية، وقرر رفض كل املعاهدات التي اأبرمتها حكومة<br />
استنبول، ويف الوقت نفسه عقد مصطفى كمال اتفاقاً مع روسيا، اعرتفت روسيا<br />
مبوجبه بامليثاق الوطني الرتكي )32( .<br />
كان من نتائج املعاهدة الرتكية الروسية والتفاق الرتكي الفرنسي، وانسحاب<br />
القوات الإيطالية والفرنسية من الأناضول اأن تدعم مركز الكماليني سواء يف الداخل<br />
جتاه حكومة السلطان اأو يف اخلارج جتاه اليونان وبريطانيا، وحصل الكماليون<br />
على كميات وفرية اإضافية من الأسلحة، وكان على اليونانيني اأن يواجهوا مبفردهم<br />
املوقف احلربي اأمام الكماليني دون العتماد على مساعدات اأجنبية.<br />
دعت اإجنلرتا لعقد موؤمتر يف لندن لإعادة النظر يف معاهدة سيفر، ودعت لذلك<br />
حكومة استنبول وحكومة اأنقرة حلضور املوؤمتر، لكن مصطفى كمال اعرتض على<br />
ذلك، واستنكر دعوة رئيس الوزراء فريد باشا. واإزاء ذلك عزل السلطان فريد باشا<br />
وكلف توفيق باشا بتشكيل الوزارة اجلديدة وهم من اأنصار مصطفى كمال، وبقيت<br />
هذه الوزارة يف احلكم مدة سنتني خدمت خاللها مصطفى كمال حتى قوي اأمره يف<br />
البالد.<br />
مصطفى كمال يطرد اليونانيني من األناضول:<br />
خاض الكماليون حرب التحرير ضد اليونانيني يف الأناضول، فقد اأحرزوا<br />
انتصاراً على اليونانيني يف دملبينار، وساقوا اليونانيني اأمامهم حتى دخلوا اأزمري<br />
يف 1922/9/9م واأشعلوا النار يف جميع الأحياء التابعة لليونانيني يف اأزمري<br />
وذبحوا جميع من صادفوهم من اجليش اليوناين. واأنقذت سفن بريطانيا وحليفاتها<br />
جموعاً كثرية من املسيحيني هاموا على وجهوهم فراراً من الكماليني، ومل يضع هذا
أ. د. تيسري جباره<br />
النتصار الساحق نهاية للحكم اليوناين يف الأناضول فحسب، بل كان من نتائجه اأنه<br />
وضع نهاية ملقام اليونانيني يف هذا الإقليم، لأن مصطفى كمال مل يقنع بطرد اأو ذبح<br />
جميع اجلنود اليونانيني فقط، بل طرد كل يوناين كان يقطن الأناضول، وانتهت اأحالم<br />
اليونانيني يف اإنشاء دولة لهم يف الأناضول، واشتد سخط اليونانيني على مليكهم<br />
قسطنطني واعتربوه املشوؤول الأول عن هذه الكارثة التي اأرجعوها اإىل سوء تدبريه<br />
واندفاعه يف توغله يف هضاب الأناضول )33( .<br />
إلغاء اخلالفة اإلسالمية:<br />
لقد استهدف اليهود والدول الستعمارية تفتيت شمل الأمة الإسالمية وهو<br />
نظام اخلالفة، ويكفي دليالً على ذلك، ما قاله الدكتور عبد الرشيد يف كتابه »دولة<br />
اخلالفة« »اإن حاخام سالونيك اليهودي كان على راأس الوفد الذي اأعلن خلع السلطان<br />
عبد احلميد الثاين، واأن كمال اأتاتورك الذي قضى على اخلالفة عام 1924م كان ابن<br />
يهودية« )34( ، ويقول الدكتور مصطفى حلمي اأن اأتاتورك من طائفة الدومنة ذات<br />
الأصل اليهودي )35( . لقد قامت الدول الستعمارية مبحاولت عديدة لإزالة اخلالفة<br />
الإسالمية من الوجود وذلك عن طريق سفاراتها يف تركيا.<br />
يف عام 1915م شارك الروس الإجنليز الراأي بنزع اخلالفة من الأتراك<br />
كما وافقت اإيطاليا اأيضاً على ذلك، وبعث السفري الروسي يف اإيطاليا اإىل وزير<br />
اخلارجية الروسية مذكرة عن مطالب اإيطاليا قال فيها: »اإن احلكومة الإيطالية<br />
توؤيد راأي احلكومة الروسية برضورة فصل احلكومة الإسالمية عن اخلالفة التي<br />
ستوؤسس يف احلجاز على اأنقاض السلطنة <strong>العثمانية</strong>، واأن تكون حتت مطلق<br />
نفوذ بريطانيا، اإن احلكومة الإيطالية توؤيد بكل قواها نزع اخلالفة من الأتراك<br />
واإلغاءها متاماً اإذا اقتضى الأمر« )36( .<br />
اأخذ اأتاتورك يزاحم اخلليفة يف احلكم، لذا قرر اأتاتورك فصل الدين عن السياسة<br />
واأن تكون وظيفة اخلليفة متعلقة بالشوؤون الدينية فقط، واأن يكون اأتاتورك احلاكم<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
255<br />
جامعة القدس املفتوحة
256 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الفعلي لرتكيا، وشعر املسلمون يف تركيا وخارجها ما يقصده اأتاتورك من تقلص<br />
سلطة اخلليفة.<br />
عقد اأتاتورك موؤمتراً ب<strong>تاريخ</strong> 1920/4/23م يف اأنقرة اأعلن فيه عن رغبته يف<br />
حكم البالد بدلً من اخلليفة لأن موقف اخلليفة اأصبح ضعيفاً، وعندما بداأت تظهر<br />
نوايا اأتاتورك جتاه اخلالفة، اأخذ الوعاظ ورجال الدين يتهجمون على اأتاتورك يف<br />
املساجد والأسواق، كما التف املسلمون حول اخلليفة عبد املجيد، وقد اأدرك اأتاتورك<br />
خطر احلركة الإسالمية عليه يف القسطنطينية، لذا قرر استخدام العنف ضد احلركة<br />
الإسالمية واخلالفة.<br />
ذهب وفد مرصي واآخر هندي اإىل تركيا لإقناع مصطفى كمال اأتاتورك بالعدول<br />
عن راأيه يف اإلغاء اخلالفة ورضورة احرتام منصب اخلليفة، واقرتح الوفدان املرصي<br />
والهندي على اأتاتورك تنصيبه خليفة بدلً من اإلغاء هذا املنصب، ولكن اأتاتورك رفض<br />
هذا القرتاح )37( .<br />
كان السلطان السادس والثالثون حممد وحيد الدين )حممد السادس( قد توىل<br />
احلكم من عام – 1918 1922م وهو اآخر سالطني بني عثمان، وقد مت اإلغاء السلطنة<br />
يف 1 ترشين الثاين عام 1922م، وقرر املجلس الوطني الكبري اإعالن اجلمهورية.<br />
كانت قد دعت اأنقرة واستنبول )السلطان العثماين ومصطفى كمال اأتاتورك( اإىل<br />
موؤمتر لوزان عام 1922م من اأجل عقد معاهدة صلح، وراأى مصطفى كمال اأن الوقت<br />
مناسب فاأعلن فصل السلطة عن اخلالفة، وملا مل يوافقه املجلس، اأذاع املوافقة على<br />
ذلك بالإجماع من نفسه، وهدد بقتل من يعلن رفضه، وبعد خمسة اأيام جرى انقالب<br />
يف استنبول وعزل السلطان حممد وحيد الدين ونفي اإىل جزيرة مالطة على ظهر طراد<br />
اإجنليزي، لأنه رفض اأن يكون ملكاً رمزياً ل عالقة له باحلكم.<br />
وعلى هذا النحو املزري كانت نهاية اآخر سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذين حكموا<br />
اإمرباطورية كانت من اأعظم الإمرباطوريات يف العامل. وباختفاء حممد السادس
أ. د. تيسري جباره<br />
من احلياة السياسية، كان الطريق ممهداً اأمام املجلس الوطني الكبري، فانتخب يف<br />
1922/11/19م اأمرياً عثمانياً هو عبد املجيد ابن السلطان عبد العزيز خليفة<br />
للمسلمني ل سلطاناً. وبقي يف منصب اخلالفة عاماً وبضعة اأيام ثم اأُخرج اإخراجاً<br />
غري كرمي مع اأفراد اأرسته من الأراضي الرتكية يف 1924/3/4م. فجاءت نهاية اأخر<br />
خليفة عثماين على غرار نهاية اأخر سلطان عثماين )38( .<br />
كان قد اأصدر جملس النواب الرتكي قراراً يف 1923/8/23م باملوافقة على<br />
معاهدة لوزان، وكان املجلس قد اأصدر قبل ذلك بعدة اأيام قراراً بانتخاب مصطفى<br />
كمال رئيساً للجمهورية وعصمت اإبنونو رئيساً للوزراء. ويف 1923/11/2م مت جالءٌ<br />
اأخر لقوات الحتالل من استنبول، وقد دخلت يف اليوم السادس من الشهر نفسه القوات<br />
الرتكية حتت قيادة شكري نايلي.<br />
ويف <strong>تاريخ</strong> 1923/10/29م عقدت اجلمعية الوطنية جلسة هامة، وصعد<br />
مصطفى كمال املنصة، واألقى خطبة اأعلن فيها اأن تركيا جمهورية. واجتمع جملس<br />
النواب ومل يحرض سوى %40 فقط من الأعضاء وانتخب مصطفى كمال اأول رئيس<br />
للجمهورية الرتكية، واأخذ يعمل لإلغاء اخلالفة واإعالن علمانية <strong>الدولة</strong> )39( .<br />
بداأ الراأي العام يف تركيا يهاجم مصطفى كمال، وقالوا اإن حكام اأنقرة اجلدد<br />
كفرة ثم غادر كثري من النواب ورجالت البالد اأنقرة وذهبوا اإىل استنبول واأخذوا<br />
يلتفون حول اخلليفة عبد املجيد. ويف هذا الوضع اأمده الإجنليز بسالح يستعمله ضد<br />
من يتمسكون باخلالفة. وصارت الأجواء يف جميع اأنحاء تركيا ضده.<br />
واإبان اشتداد احلملة عليه اأرسل الزعيمان الهنديان املسلمان اآغا خان واأمري<br />
علي خطاب احتجاج باسم مسلمي الهند، يطالبانه فيه باحرتام مقام اخلليفة<br />
العثماين خليفة املسلمني. لكن مصطفى كمال األقى خطاباً قال فيه »اآن الأوان اأن<br />
تنظر تركيا اإىل مصاحلها، وتتجاهل الهنود والعرب وتنقذ نفسها من تزعم الدول<br />
الإسالمية« )40( .<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
257<br />
جامعة القدس املفتوحة
258 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ويف 1923/3/3م اأعلن اأن املجلس الوطني الكبري قد وافق على اإلغاء اخلالفة<br />
وفصل الدين عن <strong>الدولة</strong>.<br />
لقد اأصدر املجلس الوطني الكبري بقيادة مصطفى كمال اأتاتورك قراراً ب<strong>تاريخ</strong><br />
1924/3/3م بعزل اخلليفة عبد املجيد واإلغاء نظام اخلالفة. ونفي جميع اأعضاء<br />
البيت العثماين من الأراضي الرتكية، واتخذت احلكومة الرتكية اإجراءات اأمن مشددة<br />
خشية اأن تقوم مظاهرات احتجاجاً على طرد اخلليفة، ومت نقله يف فجر اليوم التايل<br />
لصدور القرار يف عربة اأقلته اإىل حمطة سكة حديد صغري تقوم خارج استنبول، ومت<br />
وضعه يف قطار الرشق الرسيع، ويالحظ اأنه مل يستقل القطار من املحطة احلديدية<br />
الرئيسة وهي حمطة رشكس.<br />
عندما األغى اأتاتورك اخلالفة جاء الحتجاج من خمتلف املناطق الإسالمية<br />
يف العامل، فمثالً اأصدر علماء الأزهر يف مرص بياناً موقعاً من ستة عرش عاملاً من<br />
علمائه، قرروا فيه بطالن ما اتخذه اأتاتورك من عزل اخلليفة عبد املجيد؛ لأن البيعة<br />
كانت للخليفة عبد املجيد من جميع املسلمني يف العامل.<br />
لقد ذم الشعراء اأتاتورك على اإلغائه اخلالفة الإسالمية، وبكوا على اخلالفة، فقال<br />
اأحمد شوقي اأمري الشعراء يبكي اخلالفة )41( .<br />
ضحت عليك ماآذن ومنابر<br />
الهند والهةٌ ومرش حزينةٌ<br />
والصام تصاأل والعراق وفارص<br />
وبكت عليك ممالك ونواح<br />
تبكي عليك مبدمع سفاح<br />
اأحماصن االأرص اخلالفة ماح<br />
وبعد اإلغاء اخلالفة الإسالمية على يد اأتاتورك تفكك املسلمون واأصبحوا بال راع،<br />
ولكن حاول قادة املسلمني اأن يعقدوا موؤمتراً لبحث موضوع اخلالفة، فعقدوا موؤمتراً<br />
يف القاهرة عام 1926م ولكن املوؤمترين مل يتوصلوا اإىل شيء يف تعيني خليفة<br />
للمسلمني، وهكذا ما زال املسلمون بال خليفة حتى الآن.
أ. د. تيسري جباره<br />
وملا استيقظ الشعب يف الصباح وجد اأن جميع اإجراءات ترحيل اخلليفة واأرسته<br />
قد متت دون اأن تُتاح له الفرصة لإلقاء نظرة اأخرية على خليفة املسلمني )42( . ثم<br />
اعرتفت الدول باستقالل تركيا بعد توقيع معاهدة لوزان عام 1923م.<br />
وانسحب الإجنليز من استنبول واملضائق. وغادر هارجنتون تركيا، وعلى اإثر<br />
ذلك قام اأحد النواب الإجنليز واحتج على كرزون يف جملس العموم لعرتافه باستقالل<br />
تركيا، فاأجابه كرزون قائالً: »القضية اأن تركيا قد قُ ضي عليها، ولن تقوم لها قائمة،<br />
لأننا قد قضينا على القوة املعنوية فيها: »اخلالفة والإسالم« )43( .<br />
انفرد مصطفى كمال بحكم البالد بعد اإلغاء اخلالفة الإسالمية، فاألغى القانون<br />
الإسالمي واحلروف العربية واستبدلها باحلروف الالتينية وتبنى التقومي امليالدي.<br />
وترجم القراآن للرتكية ومنع احلجاب وفرض السفور واللباس الأجنبي، واألغيت وزارة<br />
الأوقاف ووظيفة شيخ الإسالم، واألغيت املحاكم الرشعية، وقضى على اأتباع الطرق<br />
الصوفية، فاأغلق تكاياها وحل منظماتها، وحدد عدد املساجد واأغلق جامعي اأيا<br />
صوفيا وحممد الفاحت، فحول الأول اإىل متحف والثاين اإىل مستودع.<br />
ويف عام 1928م األغى نص الدستور الذي يجعل من الإسالم ديناً رسمياً للدولة،<br />
وسمح للمسلمني بتعاطي املرشوبات الروحية، واألغى تعدد الزوجات، وفرض نظام<br />
احلزب الواحد، ومضى قدماً يف الطابع العلماين والعرصي على تركيا احلديثة يف<br />
الوقت الذي اأضعف فيه النظام الإسالمي.<br />
وسمى نفسه اأتاتورك مبعنى اأبو الرتك. وفرض على الأتراك القبعة واملالبس<br />
الأوروبية، ويف عام 1938م تويف اأتاتورك وخلفه عصمت اإينونو رئيساً للجمهورية.<br />
وهكذا استطاع مصطفى كمال اأن يطوي صفحة دولة اخلالفة <strong>العثمانية</strong> واإحالل دولة<br />
تركيا العلمانية حملها )44( .<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
259<br />
جامعة القدس املفتوحة
260 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
هوامش الفصل العاشر:<br />
10<br />
11<br />
12<br />
13<br />
14<br />
1.1كان العرب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأكرث من الأتراك اأنفسهم، اإذ بلغ عدد العرب عرشة<br />
ماليني ونصف مقابل سبعة ماليني ونصف لالأتراك واأربعة ماليني لقوميات<br />
اأخرى، لكن حصل العرب على 60 مقعداً يف الربملان مقابل 150 مقعداً لالأتراك<br />
من اأصل 245 مقعداً، وكان لهم يف جملس الشيوخ الذي يعينه السلطان ثالثة<br />
مقاعد من جمموع اأربعني مقعداً. انظر رافق: العرب والعثمانيون. ص 535.<br />
2.2عبد الكرمي غرايبة: <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث. الأهلية للنرش والتوزيع، بريوت 1984م.<br />
ص 268.<br />
3.3اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث، مكتبة العبيكان<br />
الرياض، ط 1 عام 1996م، ص 216.<br />
4.4اأحمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين. ط2، 1993م، ص 279.<br />
5.5من اأبرز الكتب يف موضوع تنظيمات احلركة القومية العربية هي التي كتبها<br />
جورج اأنطونيوس، وحممد عزة دروزة، واأحمد عزت الأعظمي، وتوفيق علي برو،<br />
وعبد العزيز الدوري. انظر سيار اجلميل: تكوين العرب احلديث. ص – 521 522.<br />
6.6اأحمد نوري النعيمي: احلياة السياسية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>. جامعة بغداد، 1990م.<br />
ص 91.<br />
7.7سيار اجلميل: مصدر سابق، دار الرشوق، عمان، 1997م. ص 518.<br />
8.8اأحمد نوري النعيمي: مصدر سابق، ص 86.<br />
9.9عبد الكرمي غرايبة: مصدر سابق، ص 277.<br />
10رافق: مصدر سابق، ص 545.<br />
Bernard Lewis: The Emergence of Modern Turkey. P. 2441<br />
12املصدر نفسه. ص 331.<br />
13 جورج انطونيوس: يقظة العرب. ط 1، دار العلم للماليني، بريوت، 1962م. ص 236.<br />
14 جورج انطونيوس: املصدر نفسه ص 316 وملزيد من املعلومات عن حياة هذا<br />
الضابط الإجنليزي لورانس وعن الثورة العربية راجع مذكرات لورانس بعنوان:
أ. د. تيسري جباره<br />
15<br />
16<br />
17<br />
18<br />
19<br />
اأعمدة احلكمة السبعة. منشورات دار الآفاق اجلديدة، بريوت. ط 4، عام 1980م<br />
وهو مرتجم عن كتابه بالإجنليزية بعنوان: Seven Pillars of Wisdom<br />
15 املصدر نفسه. ص 331.<br />
16 جورج اأنطونيوس: مصدر سابق، ص 333.<br />
17 اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث. ص 222.<br />
18 اإسماعيل ياغي: املصدر نفسه والصفحة نفسها.<br />
19 مكي الطيب شبيكة: العرب والسياسة الربيطانية يف احلرب العاملية الأوىل.<br />
املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم، معهد البحوث والدراسات العربية،<br />
جامعة الدول العربية، 1975م. ص 72.<br />
20 املصدر نفسه والصفحة نفسها.<br />
20<br />
21 21 املصدر نفسه. .73<br />
22<br />
23<br />
24<br />
25<br />
26<br />
27<br />
28<br />
29<br />
2 اإسماعيل ياغي: مصدر سابق. ص 223.<br />
23 جورج اأنطونيوس: مصدر سابق. ص 374.<br />
24 جورج اأنطونيوس: املصدر نفسه. ص 590.<br />
25 عبد الكرمي غرايبه. <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث. ص 251.<br />
26 ماري ملز باتريك: سالطني بني عثمان. صفحات من <strong>تاريخ</strong> تركيا الجتماعي<br />
والسياسي والإسالمي. موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش 1986م. ص 181.<br />
27 اإسماعيل ياغي: مصدر سابق. ص 225.<br />
28عبد العزيز الشناوي. <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها. ج 1. مكتبة<br />
الأجنلو املرصية 1978 ص 256.<br />
29ولد مصطفى كمال اأتاتورك يف سالونيك عام 1880م، وبداأ حياته العسكرية<br />
يف فرقة الفرسان الرتكية وعمره )23( عاماً، وكان معتاداً على اخلطابة اأمام<br />
اجلماهري من صغره، وكان رئيساً لأركان حرب حممود شفيق باشا عند دخوله<br />
الأستانة ظافراً سنة 1909م اإثر اإخماد الثورة التي قام بها اأنصار السلطان عبد<br />
احلميد الثاين.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
261<br />
جامعة القدس املفتوحة
262 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
30<br />
31<br />
32<br />
33<br />
34<br />
35<br />
36<br />
37<br />
38<br />
39<br />
40<br />
41<br />
42<br />
43<br />
44<br />
وكان اأول من بداأ حياته السياسية بطالً يف نظر الأتراك، وبعد انتهاء احلرب<br />
العاملية الأوىل عني ناظراً عاماً يف رشقي الأناضول، فاأخذ يعمل على تنظيم<br />
اجليش الرتكي. ويف متوز عام 1919م اأصدرت احلكومة <strong>العثمانية</strong> يف الأستانة اأمراً<br />
مبالحقته لأنه كان من الوطنيني، واعتباره خارجاً عن قوانني <strong>الدولة</strong>، فالتجاأ اإىل<br />
السفارة الإيطالية يف الأستانة ثم فر منها اإىل الأناضول. اأنظر: ماري ملز باتريك:<br />
سالطني بني عثمان، صفحات من <strong>تاريخ</strong> تركيا الجتماعي والسياسي والإسالمي. موؤسسة<br />
عز الدين للطباعة والنرش، بريوت،1986م. ص 200.<br />
30عبد العزيز الشناوي: مصدر سابق، ص 258.<br />
31الشناوي، مصدر سابق. ص 264.<br />
32اأحمد عبد الرحيم مصطفى. مصدر سابق. ص – 305 306.<br />
3الشناوي. مصدر سابق. ص 275.<br />
34د. عبد الرشيد عبد العزيز سامل: دولة اخلالفة. وكالة املطبوعات، الكويت، ط1،<br />
1983م، ص 25.<br />
35مصطفى حلمي: الأرسار اخلفية وراء اإلغاء اخلالفة <strong>العثمانية</strong>. ص 49.<br />
36عبد القادر زلوم: كيف هدمت اخلالفة. ص 72.<br />
37عبد الرشيد عبد العزيز سامل: دولة اخلالفة. ص 190.<br />
38عبد الرشيد عبد العزيز سامل: املصدر نفسه. ص 279.<br />
39عبد القادر زلوم: كيف هدمت اخلالفة. 1962. ص 186.<br />
40املصدر نفسه، ص 188.<br />
41مصطفى حلمي. مصدر سابق. ص 165.<br />
42الشناوي. مصدر سابق. ص 279.<br />
43عبد القادر زلوم: مصدر سابق. ص 190.<br />
4اإسماعيل ياغي. مصدر سابق. ص – 232 233.
الخاتمة
264 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الخاتمة<br />
لقد قدمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خدمات جليلة للمسلمني والعرب يف قارات اآسيا<br />
واأفريقيا واأوروبا. وقامت بحماية البالد العربية والإسالمية من الغزو الستعماري<br />
الربتغايل اأولً يف بداية تاأسيسها، فقد جنحت يف منع الربتغاليني من التغلغل اإىل<br />
احلجاز حيث الأماكن الإسالمية املقدسة يف مكة املكرمة واملدينة املنورة، كما<br />
حافظت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على اإسالم وعروبة سكان شمايل اأفريقيا من الأخطار<br />
الربتغالية والإسبانية والبيزنطية وفرسان القديس يوحنا التي اتخذت جزيرة مالطا<br />
مستقراً ومقاماً لها، وكان هدف هذه القوى الستعمارية اإنشاء ممالك مسيحية تتناثر<br />
على الشمال الإفريقي ليصبح البحر املتوسط بحراً مسيحياً اأوروبياً، وطلب السكان<br />
العرب يف اأقاليم الشمال الإفريقي حمايتهم من التغلغل الستعماري الصليبي، لذا لبت<br />
<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الدعوة وقامت بحمايتهم ودعمت خري الدين بربروسيا وعروج باشا<br />
وغريهما مبدهم بالسالح والرجال.<br />
مل تلجاأ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اإقامة حدود مغلقة اأو مصطنعة بني الوليات العربية<br />
ول حواجز عسكرية بينها. فكانت حرية النتقال والسفر بني الوليات مكفولة وسهلة<br />
حيث كان العربي ينتقل من اأي مدينة اإىل اأي مدينة يف الرشق والغرب العربي دون<br />
عائق.<br />
لقد ربط الدين الإسالمي بني اجلماهري العربية و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمة<br />
فاأخلصوا لها واشرتكوا يف حروبها ضد الصليبيني، وخري دليل على ذلك عندما هاجم<br />
نابليون بونابرت القائد الفرنسي يف حملته على مرص عام 1798م، اأعلن السلطان<br />
سليم الثالث اجلهاد الديني ضد الفرنسيني فاستجاب لدعوته عرب احلجاز والشام<br />
وشمايل اأفريقيا، وصمموا على الظفر باإحدى احلسنيني اإما الستشهاد اأو النتصار.<br />
لقد نظر السكان العرب اإىل السلطان العثماين باأنه خليفة املسلمني، ومل ينظروا<br />
للدولة <strong>العثمانية</strong> على اأنها دولة اأجنبية بل دولة اإسالمية يستظلون بظلها، ومل ينظروا<br />
اإليها باأنها دولة استعمارية بل دولة اخلالفة.
أ. د. تيسري جباره<br />
لقد تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل حمالت تشهري واأباطيل وافرتاءات بقصد<br />
الإساءة للحكم العثماين الإسالمي، وكان القصد من هذه الأباطيل الإطاحة ب<strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> لأنها دولة اإسالمية حربية من الطراز الأول وهدفها حتويل دار احلرب<br />
)الكفر( اإىل دار الإسالم.<br />
كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأول دولة اإسالمية تصل بقواتها اإىل قلب اأوروبا، وقامت<br />
بنرش الإسالم يف هذه الأصقاع الأوروبية التي وصلتها، والتي ما زال املسلمون<br />
فيها يحافظون على دينهم الإسالمي. وكانت روح اجلهاد الديني راسخة يف اإسالم<br />
العثمانيني لأنهم ربطوا الغزو، وحركة الفتوح الإسالمية يف كل الأناضول والبلقان<br />
يف اأوروبا بنرش الإسالم.<br />
نظر الأوروبيون للدولة <strong>العثمانية</strong> على اأنها الرمز احلي لالإسالم وهذا اأدى<br />
اإىل تصاعد موجات احلقد والعداء بني احلكومات والشعوب الأوروبية وبني <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> بصفتها، دولة اإسالمية حتكم شعوباً مسيحية اأوروبية.<br />
وكانت حكومات بعض الدول الأوروبية حترض رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
املسيحيني على الثورة، ومتدهم بالأسلحة والذخائر والأموال لإجراء مذابح عامة بني<br />
رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمني ورعاياها الذين اعتنقوا الإسالم لنرش اخلوف والذعر<br />
كي يعودوا اإىل املسيحية.<br />
بعد اأن وقعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معاهدة كوجوك كاينارجا عام 1774م<br />
مع الروس بداأ الضعف التدريجي للدولة. وشعرت الدول الأوروبية اأن <strong>الدولة</strong><br />
<strong>العثمانية</strong> عاجزة عن التصدي للدول الستعمارية، فاحتلت فرنسا اجلزائر عام<br />
1830م خاصة عندما هزمت اأساطيل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام 1827م يف معركة<br />
نفارين، ثم اأخذت الدول الستعمارية تنهش جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جزءاً جزءاً.<br />
حيث بسطت فرنسا حمايتها على تونس عام 1881م، واحتلت بريطانيا مرص<br />
عام 1882م وغريها.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
265<br />
جامعة القدس املفتوحة
المصادر والمراجع
أ. د. تيسري جباره<br />
املصادر واملراجع:<br />
أوالً - املراجع العربية:<br />
1.1ابن اإياس: بدائع الزهور يف وقائع الدهور، ج 4، ج 5.<br />
2.2ابن طولون: مفاكهة اخلالن، ج 2.<br />
3.3اإحسان النمر: نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، مطبعة النرص التجارية،<br />
نابلس.<br />
4.4اأحمد عبد الرحيم مصطفى: يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين، دار الرشوق، 1986م.<br />
5.5اأحمد نوري النعيمي: احلياة السياسية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، جامعة بغداد، 1990م.<br />
6.6األربت حوراين: الفكر العربي يف عرص النهضة، – 1798 1939م.<br />
7.7اأسامة اأبو نحل: اأحمد باشا اجلزار. اإدارته وعالقاته السياسية والقتصادية<br />
بالقوى القليمية والدولية. رسالة دكتوراه غري منشورة. جامعة النيلني، مرص<br />
2003م.<br />
8.8اأسامة اأبو نحل: حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين. – 1517<br />
1524م والنتائج املرتتبة عليها عام 2003م. انظر<br />
www. alajman. ws/vb/showthread<br />
10<br />
11<br />
12<br />
13<br />
14<br />
15<br />
9.9اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث. مكتبة العبيكان،<br />
الرياض، ط1 1996م.<br />
10املصور يف ال<strong>تاريخ</strong>: ج 7، خمالفة فخر الدين مع توسكانا.<br />
1املعرفة، سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> www. almarefa/index. php<br />
12اأنيس صايغ: يوميات هرتزل بسلسلة كتب فلسطينية، مركز الأبحاث الفلسطينية،<br />
بريوت، 1968م.<br />
13بروكلمان: <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية، ترجمة نبيه اأمني فارس، ط 6، عكا، 1974.<br />
14بو خمرمة: قالدة النحريف وفيات اأعيان الدهر، خمطوطة، ج 3، م 2.<br />
15تيسري جبارة: <strong>تاريخ</strong> فلسطني، دار الرشوق، ط 1، عمان، 1998م.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
267<br />
جامعة القدس املفتوحة
268 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
16<br />
17<br />
18<br />
19<br />
20<br />
21<br />
22<br />
23<br />
24<br />
25<br />
26<br />
27<br />
28<br />
29<br />
30<br />
31<br />
32<br />
16جالل يحيى: العامل العربي احلديث، املدخل، الإسكندرية، 1998.<br />
17جورج اأنطونيوس: يقظة العرب، ط 1، دار العلم للماليني، بريوت، 1962م.<br />
18حسن عثمان: منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي، دار املعارف، 1986م.<br />
19زياد اأبو غنيمة: جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك العثمانيني، دار الفرقان، عمان،<br />
1983م.<br />
20زياد اأبو غنيمة: السلطان املجاهد حممد الفاحت، دار الفرقان، عمان، 1983م.<br />
21زاهية قدوة: <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث، بريوت، 1975م.<br />
2سيار اجلميل: تكوين العرب احلديث. دار الرشوق، عمان، 1997م.<br />
23السيد مصطفى سامل: الفتح العثماين الأول لليمن – 1538 1635م، ط2، 1974م.<br />
24صالح الدين العقاد: املغرب العربي، اجلزائر، تونس، املغرب الأقصى، القاهرة،<br />
مكتبة الأجنلو املرصية 1985م.<br />
25عبد احلميد البطريق: ال<strong>تاريخ</strong> الأوروبي احلديث. دار الفكر العربي، 1982م.<br />
26عبد العزيز حممد الشناوي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها، ج 2، 1،<br />
مكتبة الأجنلو املرصية، القاهرة.<br />
27عبد العزيز نوار: وثائق اأساسية يف <strong>تاريخ</strong> لبنان احلديث، بريوت، 1974.<br />
28عبد القادر زلوم: كيف هدمت اخلالفة، 1962م.<br />
29عبد الكرمي رافق: بالد الشام ومرص من الفتح العثماين 1516م – 1798م اإىل<br />
حملة نابليون بونابرت، ط 2، دمشق 1968.<br />
30عبد الكرمي رافق: العرب والعثمانيون 1516 –1916م، مكتبة ومطبعة الرسوجي،<br />
عكا، 1978م.<br />
31عبد الكرمي حممود غرايبة: <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث، الأهلية للنرش والتوزيع، بريوت،<br />
1984م.<br />
32عبود الصباغ: الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong> ظاهر. حتقيق حممد عبد الكرمي حمافظة،<br />
وعصام مصطفى هزامية. ط 1، موؤسسة حمادة للخدمات والدراسات اجلامعة،<br />
اإربد، الأردن، 1999م.
أ. د. تيسري جباره<br />
33<br />
34<br />
35<br />
36<br />
37<br />
38<br />
39<br />
40<br />
41<br />
42<br />
43<br />
44<br />
45<br />
46<br />
47<br />
3علي حسون: العثمانيون والروس، مطبوعات املكتب الإسالمي، بريوت، 1982م.<br />
34عمر عبد العزيز عمر: حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية، بريوت، 1977م.<br />
35عمر عبد العزيز عمر: <strong>تاريخ</strong> املرشق العربي 1516- 1952م، د. ت.<br />
36قطب الدين: الربق اليماين يف الفتح العثماين، خمطوطة.<br />
37لوتسكي: <strong>تاريخ</strong> الأقطار العربية احلديث، دار التقدم، موسكو – 1917 1970م،<br />
الرتجمة من الروسية، دار التقدم، 1975م.<br />
38لورانس: اأعمدة احلكمة السبعة. منشورات الآفاق اجلديدة، بريوت، ط 1980م. 4،<br />
39ماري ملز باتريك: سالطني بني عثمان، موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش، بريوت،<br />
1986م.<br />
40مذكرات الدكتور حسني فخري اخلالدي، حمفوظة لدى ابنته يف بريوت.<br />
41مذكرات السلطان عبد احلميد الثاين – 1891 1908م، موؤسسة الرسالة، بريوت،<br />
1977م.<br />
42مذكرات الأمرية عائشة عثمان اأوغلي: والدي السلطان عبد احلميد الثاين، نقلها اإىل<br />
العربية: د. صالح سعداوي صالح، دار البشري، ط 1، عمان، 1991م.<br />
43حممد فريد بك املحامي: <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>، حتقيق اإحسان حقي، دار<br />
النفائس، بريوت، 1981م.<br />
4حممد فوؤاد كوبريللي: قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>، ترجمة اأحمد السعيد سليمان، دار<br />
الكاتب العربي للطباعة والنرش.<br />
45حممد عبد الكرمي حمافظة وعصام مصطفى هزامية: الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong><br />
ظاهر، تصنيف عبود الصباغ. دار الكندي للنرش والتوزيع، اإربد، الأردن، 1999م.<br />
46مصطفى حلمي: الأرسار اخلفية وراء اإلغاء اخلالفة <strong>العثمانية</strong>.<br />
47مكي الطيب شبيكة: العرب والسياسة الربيطانية يف احلرب العاملية الأوىل،<br />
سابقة الدول العربية، املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم، معهد البحوث<br />
والدراسات العربية، 1975م.<br />
4848ميخائيل الدمشقي: <strong>تاريخ</strong> حوادث الشام ولبنان، 1782م – 1841م، حتقيق<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
269<br />
جامعة القدس املفتوحة
- 1280 1924م<br />
270 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
لويس خملوف، املطبعة الكاثوليكية، بريوت، 1912م.<br />
49ميخائيل الصباغ: <strong>تاريخ</strong> الشيخ ظاهر العمر الزيداين. نرش وتعليق قسطنطني<br />
الباشا املخلصي، حريصاً، 1955م.<br />
50ناجي علوش: املقاومة العربية يف فلسطني )1917 – 1948م( ، دار الطليعة<br />
للطباعة والنرش، 1970م.<br />
51نقول زيادة: دمشق يف عرص املماليك، موؤسسة فرانكلني للطباعة والنرش، بريوت،<br />
49<br />
50<br />
51<br />
.1966<br />
52<br />
52يوسف اآصاف: <strong>تاريخ</strong> سالطني اآل عثمان. حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي، دار<br />
البصائر، دمشق، ط3. 1985.<br />
ثانياً - املراجع األجنبية:<br />
1. Alfrend C. Wood: A History of the Levant Company, London. 1935.<br />
2. Barenard Lewis: The Emergence of Modern Turkey.<br />
3. M. A. Cook: A History of the Ottoman Empire to 1730.<br />
4. M. Longworth Dames: The Portuguese and Turks in the Indian Ocean in<br />
The 16th Century J. R. A. S. 1921. Part 1, January.<br />
5. P. Wittek: The Rise of the Ottoman Empire, London, 1938.<br />
6. Rafiq: The Province of Damascus, 1723 – 1783, Beirut, 1966.<br />
7. Serjeant: R. B. , The Portuguese of the South Arabian coast.<br />
8. Stamford Shaw: History of the Ottoman Empire, London, 1938.<br />
ثالثاً - اخلرائط:<br />
1.1الإمارات السلجوقية قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.<br />
2.2الفتوحات <strong>العثمانية</strong>.<br />
3.3توسع الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> اإىل سنة 1648م.<br />
4.4ضعف الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong>.
أ. د. تيسري جباره<br />
اإلمارات السلجوقية قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
عن: د. اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.<br />
مكتبة العبيكان، ط 1، الرياض، 1996م، ص 301.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
جامعة القدس املفتوحة<br />
271
272<br />
<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
الفتوحات <strong>العثمانية</strong><br />
عن: د. اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.<br />
مكتبة العبيكان، ط 1، الرياض، 1996م، ص 309.
أ. د. تيسري جباره<br />
توسع اإلمبراطورية <strong>العثمانية</strong> إلى سنة 1648م.<br />
عن: د. اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.<br />
مكتبة العبيكان، ط 1، الرياض، 1996م، ص 299.<br />
عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />
273<br />
جامعة القدس املفتوحة
274 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />
- 1280 1924م<br />
ضعف اإلمبراطورية <strong>العثمانية</strong><br />
عن: د. اإسماعيل ياغي: <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.<br />
مكتبة العبيكان، ط 1، الرياض، 1996م، ص 297.