25.11.2015 Views

تاريخ الدولة العثمانية

ottomanEmpire

ottomanEmpire

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

1280( - ‎1924‎م(‏


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

1280( - ‎1924‎م(‏<br />

املؤلف:‏<br />

أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

الناشر:‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس المفتوحة<br />

املاصيون - رام اهلل / فلسطني<br />

‏ص.‏ ب:‏ 51800<br />

هاتف:‏ - 2984491 2 - +970<br />

+970 - 2 - 2952508<br />

فاكس:‏ - 2984492 2 - +970<br />

بريد الكرتوين:‏ sprgs@qou.edu<br />

تصميم وإخراج فين:‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس المفتوحة<br />

حقوق الطبع والتصميم واالقتباس والرتجمة والنرش حمفوظة للنارش ‎1436‎ه / 2015 ©


جامعة القدس المفتوحة<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

1280( - ‎1924‎م(‏<br />

أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

‎1436‎ه / ‎2015‎م


اإلهداء<br />

أقدم هذا الكتاب إىل كل مسلم غيور على مصلحة املسلمني والدفاع<br />

عنهم،‏ وإىل كل من بذل الغالي والنفيس وجاهد يف سبيل وحدة املسلمني أينما<br />

كانوا يف أصقاع الكرة األرضية.‏<br />

وأقدم كتابي هذا أيضاً‏ إىل روح السلطان عبد احلميد الثاني الذي رفض<br />

التنازل عن شرب واحد من فلسطني للصهاينة رغم اإلغراءات املادية،‏ والذي<br />

ضحى بعرشه كسلطان للحفاظ على الأرض املباركة – فلسطني.‏ فقال:‏ ‏»ال<br />

أقدر أن أبيع ولو قدماً‏ واحداً‏ من البالد،‏ ألنها ليست لي بل ألميت،‏ .... ليحتفظ<br />

اليهود مباليينهم،‏ فإذا قسمت اإلمرباطورية فقد حيصل اليهود على فلسطني دون<br />

مقابل،‏ إمنا لن تقسم إال على جثثنا«.‏<br />

كما أهدي كتابي هذا إىل أرواح الفاحتني الذين رفعوا الراية اإلسالمية<br />

يف أصقاع الأرض يف قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا زمن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

أ


شكر وتقدير<br />

أشكر جامعة القدس املفتوحة ممثلةً‏ ب:‏<br />

األستاذ الدكتور/‏ يونس عمرو - رئيس اجلامعة<br />

على توجيهاته الكرمية إلنتاج هذا السفر العلمي التارخيي؛ كما أشكر:‏<br />

األستاذ الدكتور/‏ حسن السلوادي - عميد البحث العلمي والدراسات العليا<br />

على متابعته احلثيثة حتى صدور الكتاب؛ باإلضافة لشكري إىل:‏<br />

الدكتور/‏ سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />

الذي تفضل بكتابة التقديم هلذا الكتاب؛ كما أشكر:‏<br />

األستاذ/‏ كميل غالب زيد<br />

على جهوده يف تصميم الكتاب وغالفه وإخراجهما النهائي.‏<br />

وأشكر زوجيت وأوالدي الذين شجعوني على كتابة هذا السفر ووقفوا إىل جانيب<br />

وسهروا معي الليالي يف ترتيب وفهرسة الكتب واألوراق اخلاصة بهذا الكتاب.‏<br />

وال أنسى السيدة/‏ هنيدة حشاش اليت طبعت هذا الكتاب،‏ وصربت كثرياً‏ يف<br />

إعادة وترتيب صفحاته،‏ ولوال جهدها ملا ظهر هذا الكتاب إىل النور.‏<br />

كما أشكر الدكتورة/‏ بهية اهلواري واألستاذ/‏ علي الشيخ منر على تفضلهما<br />

بتدقيق الكتاب لغوياً‏ حتى أصبح سليماً‏ خالياً‏ من أية أخطاء طباعية أو حنوية،‏ لذا أقدم<br />

شكري وتقديري هلما ولكل من ساندني حتى ظهر هذا الكتاب كي يضاف إىل<br />

املكتبة العربية.‏<br />

ب


تقديم<br />

بقلم:‏ د.‏ سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />

اأستاذ مشارك يف جامعة القدس املفتوحة<br />

يعد األستاذ الدكتور تيسري يونس جبارة من املؤرخني البارزين يف ال<strong>تاريخ</strong><br />

احلديث واملعاصر ال سيما يف <strong>تاريخ</strong> فلسطني احلديث،‏ وال أبالغ إن قلت إنه وضع<br />

مؤلفات مجة يف <strong>تاريخ</strong> فلسطني منها:‏ ‏»كتاب <strong>تاريخ</strong> فلسطني احلديث«‏ وكتاب<br />

‏»املسلمون الهنود وقضية فلسطني«‏ وكتاب ‏»وثائق فلسطينية يف دور<br />

االأرشيف الربيطانية«‏ وكتاب ‏»وثائق فلسطينية يف دور االأرشيف اليهودية«‏<br />

وكتاب ‏»معجم املوؤرخني الفلسطينيني يف القرن العرشين«‏ باالشرتاك مع<br />

الدكتور سعيد عبد اهلل البيشاوي.‏ كما وضع كتابا عن ابن عمه ‏»اأحمد جبارة<br />

اأبو السكر«‏ الذي كتبه عقب خروج ابن عمه من األسر.‏ وشارك بوضع كتاب<br />

‏»مدينة خليل الرحمن«‏ باالشرتاك مع عدد من املؤرخني الفلسطينيني،‏<br />

وأسهم الدكتور تيسري جبارة يف كتاب ‏»االنتفاضة الفلسطينية من النواحي<br />

السياسية واالإعالمية«،‏ كما وضع كتابا آخر بعنوان ‏»دور احلركات االإسالمية<br />

يف االنتفاضة«،‏ وكتاب ‏»احلاج اأمني احلسيني«‏ باللغتني العربية واإلجنليزية،‏<br />

وكتاب ‏»ثورة عام ‎1936‎م«،‏ هذا إىل جانب جمموعة من األحباث نذكر منها:‏<br />

‏»عبد احلليم اجلوالين واأحداث الرباق الرشيف،‏ وجامعة املسجد االأقصى<br />

االإسالمية،‏ ودعم املسلمني الهنود يف اأحداث الرباق الرشيف«.‏ ويسعدني<br />

ويشرفين أن أقدم له كتاب <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذي تطرق فيه إىل قيام <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> الفتية يف أوائل القرن الرابع عشر امليالدي/أوائل القرن الثامن اهلجري<br />

ومتكنها من فتح مدينة القسطنطينية احملاطة باملياه من ثالث جهات بعد حماوالت عدة<br />

قامت بها <strong>الدولة</strong> األموية آخرها زمن اخلليفة سليمان بن عبد امللك بقيادة أخيه مسلمة<br />

ج


ابن عبد امللك واليت فشلت بسبب عدة عوامل منها:‏ طول خط اإلمدادات من دمشق<br />

إىل القسطنطينية،‏ وبرودة الطقس،‏ وخيانة البحارة العاملني يف األسطول اإلسالمي،‏<br />

وأكل حلوم اخليل املصابة باحلمى،‏ وانتقال األمراض ألفراد اجليش اإلسالمي،‏ وانتقال<br />

اخلالفة من سليمان بن عبد امللك بوفاة األخري إىل عمر بن عبد العزيز.‏<br />

متكن السلطان العثماني حممد الفاتح من فتح القسطنطينية عام ‎1453‎م/‏‎857‎ه،‏<br />

واختذها عاصمة لدولته،‏ وجنح العثمانيون يف التوسع على حساب الدول األوروبية؛ مما<br />

جعلها هدفاً‏ رئيساً‏ ألحالف وتكتالت مستمرة من قبل األوروبيني من أجل هزميتها<br />

وطرد املسلمني من أوروبا،‏ وقد فشلت جهود األوروبيني؛ بسبب قوة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وقد صمد العثمانيون أمام األحالف والتكتالت واهلجمات األوروبية،‏ وحافظوا على<br />

وحدة اخلالفة فرتة طويلة من الزمن.‏ ولكن وحبسب رأي شبنغلر وأرنولد توينيب<br />

فإن كل كيان سياسي مير بثالث مراحل:‏ مرحلة الطفولة،‏ والشباب،‏ والشيخوخة.‏<br />

وهذا رأي سليم متاماً.‏ وقد تناول املؤرخون الغربيون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالبحث الدقيق<br />

ووصفوها بأوصاف خمتلفة،‏ منها:‏ أنها دولة متأخرة ومستبدة،‏ وقد افرتى عليها الكثري<br />

وخاصة يف نهاية عهدها وضعفها يف مواجهة التحديات اليت أحدقت بها واعرتضت<br />

طريقها،‏ ونعتوها بالرجل املريض،‏ وكتبوا عنها أشياء ال تليق بها.‏<br />

وجعل املؤلف لكتابه خامتة ضمنها أهم النتائج اليت توصل إليها من خالل<br />

مالحظات واعية ودقيقة،‏ واعتقد أنه كتاب جدير بالقراءة ملا حيويه بني دفتيه من<br />

أفكار جديدة.‏<br />

د.‏ ‏سعيد عبد اهلل البيشاوي<br />

د


احملتويات<br />

املحتويات<br />

الإهداء<br />

‏شكر وتقدير<br />

تقدمي<br />

مقدمة<br />

الفصل االأول:‏ اأحوال العامل االإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

اأحوال العامل الإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

الأناضول قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

الهوامش<br />

الفصل الثاين:‏ فرتة الظهور والتاأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا الصغرى والبلقان<br />

قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

حياة املسلمني السالجقة على احلدود<br />

حتول اإمارة عثمان اإىل اإمرباطورية<br />

الغازي عثمان<br />

اأورخان بن عثمان<br />

اجليش النكشاري زمن اأورخان<br />

السلطان الغازي مراد الأول بن اأورخان<br />

السلطان الغازي بايزيد الأول امللقب بالصاعقة ‏)يلدرم(‏ وحربه مع تيمورلنك<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد تيمورلنك عام ‎1402‎م<br />

الرصاع بني اأبناء بايزيد<br />

السلطان مراد الثاين<br />

الهوامش<br />

الصفحة<br />

اأ<br />

ب<br />

ج - د<br />

4- 1<br />

14- 5<br />

7<br />

13<br />

14<br />

58 - 15<br />

17<br />

24<br />

27<br />

29<br />

33<br />

35<br />

38<br />

42<br />

46<br />

47<br />

49<br />

55


املحتويات<br />

الفصل الثالث:‏ بعض مظاهر االإدارة <strong>العثمانية</strong><br />

الصفحة<br />

86 - 59<br />

62<br />

62<br />

65<br />

67<br />

68<br />

69<br />

71<br />

78<br />

83<br />

108 - 87<br />

90<br />

94<br />

98<br />

99<br />

100<br />

101<br />

102<br />

104<br />

104<br />

107<br />

150 - 109<br />

117<br />

132<br />

الأفراد الذين كان على عاتقهم اإدارة اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

1. السلطان العثماين<br />

2. الصدر الأعظم<br />

3. الكزلر اآغا<br />

4. الديوان<br />

5. وزير املالية<br />

6. اجليش العثماين<br />

7. املوظفون الدينيون<br />

الهوامش<br />

الفصل الرابع:‏ حممد الفاحت وفتح القسطنطينية وسالطني اآخرين<br />

لعبوا دوراً‏ مهماً‏ يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين<br />

الإجراءات التي اتخذت لفتح القسطنطينية<br />

ردود الفعل يف العامل املسيحي بعد الفتح الإسالمي للقسطنطينية<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية<br />

الزحف العثماين اإىل اإيطاليا ورودس<br />

السلطان بايزيد الثاين والأمري جم<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية زمن السلطان بايزيد الثاين<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> الأوروبية<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية<br />

السلطان ‏سليم الأول ‎1512‎م – ‎1520‎م<br />

الهوامش<br />

السلطان ‏سليمان القانوين<br />

الفصل اخلامس:‏ ‏سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومرص وشمايل اأفريقيا<br />

ومتابعة الفتوحات يف البلقان<br />

الثورات املحلية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>


املحتويات<br />

التنظيم الإداري والإصالحات الداخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> زمن ‏سليمان القانوين<br />

التجارة <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا وفرنسا<br />

الهوامش<br />

الفصل السادس:‏ اأحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد ‏سليمان القانوين – مرحلة الضعف<br />

بداية مرحلة الضعف العثماين<br />

روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأثناء فرتة الضعف العثماين<br />

التنظيمات <strong>العثمانية</strong> قبل السلطان ‏سليم الثالث<br />

اإصالحات السلطان ‏سليم الثالث<br />

السلطان حممود الثاين<br />

الإصالحات <strong>العثمانية</strong> زمن حممود الثاين<br />

الهوامش<br />

الفصل السابع:‏ اأسباب ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

الأسباب السياسية<br />

احلركات النفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

الأسباب القتصادية<br />

الأسباب الجتماعية والعلمية<br />

الأسباب اخلارجية<br />

الهوامش<br />

الفصل الثامن:‏ االأطماع االأوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

احلملة الفرنسية على مرص وبالد الشام عام ‏)‏‎1798‎م – ‎1801‎م(‏<br />

احلركة الوهابية<br />

خط ‏رشيف كوخلانة ‏)‏‎1839‎م(‏<br />

حرب القرم وخط ‏رشيف همايون<br />

حممد علي باشا<br />

السلطان عبد احلميد الثاين ‏)‏‎1876‎م-‏‎1909‎م(‏<br />

الهوامش<br />

الصفحة<br />

139<br />

143<br />

146<br />

174 - 151<br />

157<br />

161<br />

164<br />

165<br />

168<br />

169<br />

173<br />

198 - 175<br />

177<br />

179<br />

191<br />

193<br />

194<br />

196<br />

220 - 199<br />

201<br />

203<br />

204<br />

207<br />

209<br />

213<br />

220


املحتويات<br />

الفصل التاسع:‏ السالطني العثمانيون حسب العرص وفرتة احلكم<br />

‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العرص وفرتة احلكم<br />

‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

السلطان حممد الثالث ‏)‏‎1595‎م - ‎1603‎م(‏<br />

السلطان مراد الرابع ‏)‏‎1623‎م - ‎1640‎م(‏<br />

السلطان اأحمد الثالث ‏)‏‎1703‎م - ‎1730‎م(‏<br />

السلطان عبد احلميد الأول ‏)‏‎1774‎م - ‎1789‎م(‏<br />

السلطان عبد املجيد الأول ‏)‏‎1839/7/1‎م - ‎1861/6/25‎م(‏<br />

السلطان حممد رشاد ‏“حممد اخلامس”‏ ‏)‏‎1909‎م - ‎1918‎م(‏<br />

الهوامش<br />

الفصل العارش:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد خلع السلطان عبد احلميد الثاين<br />

جمعية الحتاد والرتقي<br />

احلرب العاملية الأوىل<br />

الرصاع بني السلطان والكماليني<br />

اإلغاء اخلالفة<br />

الهوامش<br />

اخلامتة<br />

املصادر واملراجع<br />

اخلرائط<br />

الصفحة<br />

236 - 221<br />

223<br />

225<br />

226<br />

227<br />

228<br />

230<br />

231<br />

233<br />

235<br />

262 - 237<br />

239<br />

242<br />

253<br />

255<br />

260<br />

264<br />

267<br />

274 - 271


مقدمة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

مقدمة:‏<br />

تناول هذا الكتاب اأصل ونشاأة العثمانيني،‏ وقيام دولتهم وتوسعها،‏ وتناول<br />

فرتات الظهور والقوة والتوسع والضعف.‏<br />

قامت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على اأنقاض دولة السالجقة يف بداية القرن الرابع عرش،‏<br />

ورفعت الراية الإسالمية يف الأناضول ‏)اآسيا الصغرى(‏ ثم البلقان ‏)اأوروبا(‏ وفتح<br />

حممد الفاحت القسطنطينية عام ‎1453‎م،‏ واتخذها عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

كانت <strong>الدولة</strong> تنتقل من نرص اإىل نرص باسم الإسالم واملسلمني،‏ وشجعت الغزاة<br />

عرب احلدود وزودتهم مبا يحتاجونه وجنحت يف ‏ضم اأراضٍ‏ اأوروبية،‏ وتعرضت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> لوحدة اجليوش والأحالف الأوروبية ملحاولة كرس وطرد املسلمني من<br />

اأوروبا،‏ ولكن مساعي الصليبيني باءت بالفشل يف بداية الأمر.‏<br />

كتب املوؤرخون الأجانب كثرياً‏ عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ووصفوها باأوصاف خمتلفة<br />

منها دولة الرجل املريض،‏ ووصفوها بالتاأخر والستبداد وتكاثرت عليها الفرتاءات<br />

والأباطيل.‏<br />

لكن احلقيقة اأنها كانت حامية لالأراضي املقدسة ولالإسالم وهذا ما جعل<br />

الأجانب يستاوؤون لعدم استطاعتهم املس بكرامة الأماكن املقدسة.‏<br />

وتعرضت اأيضاً‏ حلروب الربتغاليني والأسبان والإجنليز والفرنسيني والروس<br />

ورغم ذلك جنحت يف احلفاظ على وحدة الأراضي العربية ودافعت عنها.‏<br />

بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالضعف التدريجي عندما ابتعد السالطني عن قيادة<br />

اجليش واهتموا مبلذاتهم الشخصية ولحظ الأجانب ‏ضعفها فاستعادوا اأراضٍ‏ كانت<br />

حتت السيطرة <strong>العثمانية</strong> ‏سنوات طويلة.‏<br />

تناول الكتاب <strong>تاريخ</strong> ما قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف عرشة فصول ومقدمة<br />

وخامتة وبعض اخلرائط.‏<br />

يتحدث الفصل االأول عن:‏ اأحوال العامل الإسالمي قبل نشاط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏<br />

3<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

4<br />

والفصل الثاين:‏ فرتة الظهور والتاأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا الصغرى<br />

والبلقان.‏ والفصل الثالث:‏ بعض مظاهر الإدارة <strong>العثمانية</strong>.‏ والفصل الرابع:‏ حممد الفاحت<br />

وفتح القسطنطينية وسالطني اآخرين لعبوا دوراً‏ هاماً‏ يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين.‏ والفصل<br />

اخلامس:‏ ‏سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومرص وشمايل اأفريقيا ومتابعة الفتوحات<br />

يف البلقان.‏ والفصل السادس:‏ اأحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد ‏سليمان القانوين – مرحلة<br />

الضعف.‏ والفصل السابع:‏ اأسباب ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واأهم احلركات النفصالية<br />

عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ والفصل الثامن:‏ الأطماع الأوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ والفصل<br />

التاسع:‏ السالطني العثمانيني حسب العرص وفرتة احلكم.‏ والفصل العارش:‏ <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> بعد خلع السلطان عبد احلميد الثاين حتى اإلغاء اخلالفة عام ‎1924‎م.‏<br />

تناول هذا الكتاب ال<strong>تاريخ</strong> العثماين بعد عام ‎1909‎م اأي بعد ‏سقوط السلطان<br />

عبد احلميد؛ لأن السالطني الذين جاءوا بعده كانوا عبارة عن رمز فقط،‏ فلم يكن لهم<br />

دور ‏سياسي،‏ بل كانت اأمور <strong>الدولة</strong> ‏سياسياً‏ بيد جماعة الحتاد والرتقي الرتكية التي<br />

كانت حتت مظلة الصهيونية العاملية،‏ وكان القادة العسكريون الذين استلموا زمام<br />

احلكم اأتراكاً‏ يكرهون العرب والقوميات الأخرى،‏ وكان السالطني األعوبة بيد القادة<br />

العسكريني الأتراك،‏ وكان دورهم مهمشاً.‏<br />

ودخلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> احلرب العاملية الأوىل عام ‎1914‎م رغم اأنفها وقد<br />

هزمت مع حليفتها اأملانيا عام ‎1918‎م وسقطت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على يد احللفاء<br />

‏)فرنسا وبريطانيا وروسيا والوليات املتحدة الأمريكية(‏ .<br />

وفقدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب احلرب العاملية الأوىل جميع املناطق التي كانت<br />

حتكمها يف اأوروبا،‏ واستقلّ‏ عدد من املناطق يف البلقان،‏ وشكلت دولً‏ اعرتفت بها<br />

الدول الأوروبية كلها واأصبحت اأقوى حتى من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

اأطلق الأتراك اسماً‏ جديداً‏ على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهو ‏»<strong>الدولة</strong> الرتكية«‏ بعد احلرب<br />

العاملية الأوىل،‏ وخاصة زمن مصطفى كمال اأتاتورك الذي اأصبح رئيساً‏ للدولة<br />

الرتكية،‏ واألغى اخلالفة الإسالمية عام ‎1924‎م وقلد الأجانب يف لباسهم وعاداتهم،‏<br />

ومل تعرتف الدول الأوروبية ب<strong>الدولة</strong> الرتكية اإل بعد التوقيع على معاهدة لوزان واإلغاء<br />

اخلالفة.‏


الفصل األول<br />

أحوال العامل اإلسالمي قبل نشأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل األول<br />

أحوال العامل اإلسالمي قبل نشأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

لعب املماليك دوراً‏ هاماً‏ يف املرشق العربي ويف ‏شمايل اأفريقيا فرتة من الزمن.‏<br />

وقد ورث هوؤلء املماليك حكم املرشق العربي بعد اأن ‏ضعفت ‏ساللة السلطان ‏صالح<br />

الدين الأيوبي يف احلكم وبعد حروب اأهلية طاحنة ومشاحنات بني اأبناء ‏صالح الدين،‏<br />

فتحت املجال اأمام املماليك حلكم بقاع واسعة امتدت ‏شمايل اأفريقيا وغربي اآسيا<br />

وخاصة يف مناطق مرص وفلسطني ولبنان وسوريا وذلك منذ عام – 1250 ‎1517‎م.‏<br />

ونشبت حروب طاحنة اأيضاً‏ بني املماليك وبني العثمانيني انتهت عام ‎1517‎م<br />

وكانت نتيجتها اإنهاء السلطنة اململوكية على يد السلطان ‏سليم الأول العثماين عام<br />

‎1517‎م.‏ حيث اأصبحت املناطق العربية حتت السيادة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وال بد لنا من معرفة من هم املماليك؟ ومن اأين جاءوا؟ واأين ‏سكنوا؟<br />

وللتعريف بهم نقول،‏ اأن كلمة مملوك تطلق على الشخص الذي كان يباع ويشرتى من<br />

قبل جتار الرقيق الذين كانوا يذهبون اإىل القبجاق والقفقاس املناطق الواقعة جنوبي<br />

روسيا للحصول على الرجال الأقوياء وكان تاجر املماليك يلقب ب ‏»اخلواجة«،‏ وكان<br />

املماليك يباعون يف مرص.‏<br />

اأقام املماليك بداية يف ثكنات خاصة يف جزيرة الروضة )1( على نهر النيل،‏<br />

وقد لقبوا باملماليك البحرية لأنهم اأقاموا يف جزيرة الروضة.‏ وكانت منطقة القبجاق<br />

املمون الرئيس للمماليك البحرية،‏ ول مانع من تسميتهم مبماليك القبجاق نسبة اإىل<br />

املناطق التي جاءوا منها.‏ وقد استمرت جتارة املماليك حتى عام ‎1382‎م.‏<br />

ومنذ عام ‎1382‎م وحتى عام ‎1517‎م قام التجار برشاء املماليك من منطقة<br />

القفقاس التي حتتوي على كثري من الرشاكسة،‏ الذين وصلوا اإىل مرص واأقاموا يف<br />

منطقة القلعة ‏)قلعة القاهرة(‏ وبقربها،‏ لذلك اأطلق عليهم لقب املماليك الربجية نسبة<br />

7<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

8<br />

اإىل برج القاهرة.‏ وهكذا انقسم املماليك اإىل قسمني هما:‏ املماليك البحرية واملماليك<br />

الربجية.‏<br />

كان املماليك يباعون يف اأسواق خاصة تسمى اأسواق العبيد،‏ وكثرياً‏ ما كان<br />

يدخل هذا السوق رجال اأغنياء لنتقاء الرجال من املماليك لرشائهم،‏ حتى اأن السلطان<br />

كان يشرتي املماليك ويدخلهم يف مدارس خاصة لتعليمهم الدين الإسالمي وفنون<br />

القتال،‏ وبعد تخرجهم من املدرسة كان يعتقهم اأو يدخلهم يف اجليش،‏ واإذا دخل<br />

اململوك اجليش كان السلطان مينحه اإقطاعاً،‏ اأي قطعة اأرض كي يفلحها ويعيش من<br />

اإنتاجها.‏ وهكذا يرتبط اململوك بالأرض يدافع عنها ويهتم بها.‏ وقد وصل املماليك<br />

اإىل اأرفع مستوى يف اجليش حتى اأن بعضهم استلموا قيادته،‏ واأخذوا يتحكمون يف<br />

اأمور <strong>الدولة</strong> واأصبح منهم ‏سالطني يف القاهرة،‏ نذكر منهم:‏ املظفر قطز،‏ والظاهر<br />

بيربس البندقاري،‏ والسلطان ‏سيف الدين قالوون،‏ وقانصوة الغوري،‏ وطومان باي،‏<br />

وغريهم.‏ لكن يجب مالحظة اأن ابن اململوك ل يصبح مملوكاً‏ بل مسلماً‏ حراً،‏ ولكن<br />

يبقى اأصله من املماليك.‏ واحلقيقة اأن دخول املماليك اإىل الرشق العربي يرجع اإىل<br />

زمن العباسيني ثم الأيوبيني.‏<br />

كان السلطان يشرتي املماليك من اأسواق العبيد وقد ‏سُ‏ مّي هوؤلء املماليك<br />

باأسماء خمتلفة مثل اأجالب اأو جلبان اأو مشرتوات وكلهم مماليك السلطان.‏ وقد انتهز<br />

السلطان الفرصة فاختار من بني هوؤلء املشرتوات اأو الأجالب رجالً‏ اأشداء حلراسته<br />

اخلاصة ولذلك ‏سموا باحلرس اخلاص اأو اخلاصاكية.‏ حتى اأنه كان يعني من بني<br />

حرسه اخلاص حكاماً‏ ملناطق خمتلفة يف بالد الشام ومينحهم اإقطاعات كبرية ولكن<br />

ل تورث لالأبناء.‏<br />

وعندما ميوت السلطان ويخلفه ‏سلطان جديد،‏ كان السلطان اجلديد يقوم باختيار<br />

حرس جديد له ويشرتي مماليك جدداً،‏ لذلك ‏سمي املماليك السابقون الذين يتبعون<br />

السلطان السابق بالقرانصة،‏ وقد حصلت منافسات كثرية وحسد وغرية بني القرانصة،‏<br />

كان القرانصة القدامى اأكرث خربة لأنهم كانوا اأكرب عمراً‏ من مماليك السلطان اجلديد<br />

احلاكم.‏<br />

وكان السلطان احلاكم يستعمل اأسلوباً‏ هاماً‏ مثل ‏سياسة فرق تسد بني القرانصة<br />

من جهة وبني الأجالب من جهة اأخرى،‏ لكي يبقى مسيطراً‏ على الفريقني.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وبالإضافة اإىل نشاط السالطني يف ‏رشاء املماليك فقد قام الأمراء اأيضاً‏ برشاء<br />

املماليك،‏ وقد عرف مماليك الأمراء بالسيفية،‏ ولكن امتيازاتهم كانت اأقل من امتيازات<br />

مماليك السالطني،‏ وقد تعاون القرانصة مع السيفية لرضب مماليك السلطان احلاكم<br />

يف عدة فرتات <strong>تاريخ</strong>ية.‏<br />

وكان مماليك الأمراء اأقل ‏شاأناً‏ من مماليك السالطني،‏ ولكن اإذا مات الأمري فاإن<br />

مماليكه ينتقلون اإىل خدمة السلطان ويصبحون مماليك له وياأخذون رواتبهم منه،‏<br />

ورمبا ينتقلون اإىل اأمراء اآخرين ولكنهم ل ميارسون اأي نفوذ ‏سياسي يف <strong>الدولة</strong>.‏<br />

يقول اأحمد بن زنبل الذي عارص نهاية السلطنة اململوكية:‏ ‏»كانت اجللبان ثالثة<br />

األف مملوك كلهم مشرتوات الغوري...‏ وكان قصده اأن ينشيء له عسكراً‏ من مماليكه<br />

‏)مشرتوات(‏ ويقطع القرانصة وهم مماليك امللوك الذي قبله،‏ وكان يحسب حسابهم<br />

خوفاً‏ من اأن ميكروا به كما فعلوا مبن قبله«‏ واأضاف بن زنبل عن معركة مرج دابق<br />

قائالً:‏ ‏»اإن جلبان السلطان الذين هم مشرتواته مل يتحركوا من مواضعهم وسبب ذلك...‏<br />

اأن الغوري اأمر باأن اأول من يخرج للحرب القرانصة لكون اأنهم اأعرف باحلرب من<br />

اجللبان وكان قصده اأن تنقطع القرانصة ليكتفي ‏رشهم خوفاً‏ من مكرهم...‏ فقدمهم<br />

للحرب واأخر جلبانه فعلموا مكره فتغريت نياتهم«‏ )2( .<br />

وكان النشاط اململوكي يف اجلندية بارزاً‏ واحتلوا الصدارة الأوىل يف اجليش،‏<br />

وقد اشتهروا اأيضاً‏ بفن العمارة ذات القباب املرتفعة والهندسة املعمارية اجلميلة،‏<br />

وخري ‏شاهد على ذلك اآثارهم يف القاهرة واملدن الأخرى يف بالد الشام ومرص.‏ ولو<br />

اأن اأيامهم كانت بدون حروب لربعوا يف فن العمارة اأكرث مما وصلوا عليه،‏ ولكنهم<br />

تعرضوا للهجوم الصليبي واملغويل وازدادت احلروب التي ‏شغلتهم عن فن العمارة<br />

والتقدم القتصادي وجمالت التقدم الأخرى.‏<br />

عندما اأخذ اخلطر الصليبي يتالشى تدريجياً‏ عن املناطق العربية،‏ بداأ اخلطر<br />

املغويل يزداد على الرشق العربي وتركيا على يد جنكيز خان الذي تويف عام ‎1227‎م<br />

والذي ‏رشّد الآلف من بيوتهم،‏ وخلفه هولكو يف السري نحو الغرب واحتل بغداد<br />

عام ‎1258‎م وقضى على اخلالفة العباسية.‏ وعندما كان هولكو يزحف نحو الغرب<br />

تصدى له املماليك اأمامه بزعامة املظفر قطز والظاهر بيربس اللذين هزما املغول يف<br />

9<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

10<br />

معركة عني جالوت يف فلسطني عام ‎658‎ه/‏‎1260‎م )3( ، واحلقيقة اأن بيربس يعترب<br />

املوؤسس الفعلي القوي للسلطنة اململوكية التي دامت على حكم املناطق العربية حتى<br />

عام ‎1517‎م.‏ وقد اأراد بيربس اأن يسبغ على السلطنة اململوكية الرشعية يف الإدارة<br />

واحلكم،‏ فدعا اخلليفة العباسي لالإقامة يف القاهرة،‏ وقد بقي اخللفاء العباسيون<br />

يعيشون يف القاهرة فرتة طويلة من الزمن،‏ وكان اآخرهم املتوكل على اهلل اأبو عبد<br />

اهلل حممد بن يعقوب الذي تويف عام ‎1550‎م.‏ ويجب اأن ل ننسى اأن منصب اخلليفة<br />

يف العهد اململوكي كان اسمياً‏ لأن السلطان كان ‏صاحب الكلمة وكانت كلمته قانوناً،‏<br />

هذا بالإضافة اإىل اأن الوظائف العسكرية كانت للمماليك اأكرث من اأهل البالد ذوي<br />

الوظائف الدينية.‏<br />

واجه املماليك خصمني عنيدين هما:‏ العدوان الصليبي والعدوان املغويل،‏ فقد<br />

‏سيطر الصليبيون على الرشيط الساحلي الرشقي حلوض البحر املتوسط،‏ وسيطر املغول<br />

على مناطق ‏رشقية يف املناطق العربية وحطموا بغداد،‏ ولكن املماليك استطاعوا اأن<br />

يهزموا الصليبيني يف حصون كثرية لهم كان اآخرها عام ‎1291‎م،‏ ومن اأبرز هوؤلء<br />

املماليك الذين دوخوا الصليبيني بيربس وسيف الدين قالوون وامللك الأرشف ‏صالح<br />

الدين خليل وغريهم كثريون.‏<br />

ولو تفحصنا قادة السلطنة اململوكية لوجدنا اأن بيربس هو الرجل الذي رفع<br />

‏شاأن السلطنة عالياً‏ ونستطيع اأن نعتربه املوؤسس الفعلي للسلطنة اململوكية.‏ واأما<br />

املغول فنستطيع اأن نعترب هولكو هو املوؤسس الفعلي للساللة.‏ وحكمت هذه الساللة<br />

اأراضٍ‏ ‏شاسعة امتدت عدا عن بالد فارس اإىل كل من العراق والأناضول واأرمينيا<br />

واآسيا الصغرى،‏ علماً‏ باأن هذه الساللة كانت ‏ساللة وثنية بوذية.‏<br />

اشتهر من هذه الساللة اأيضاً‏ الأمري قازان،‏ الذي وصل اإىل العرش عام ‎1295‎م،‏<br />

وقد قام هذا بحملة مغولية ‏رشسة على بالد الشام عام ‎1299‎م حيث انترص على<br />

جيش النارص حممد قرب حمص وتابع ‏سريه حتى دخل دمشق وقتل فيها بال رحمة<br />

ما ينوف على مائة األف مسلم )4( ، وقد وصف املوؤرخ ابن كثري موؤرخ القرن الرابع<br />

عرش امليالدي هذه املذبحة يف دمشق بالتفصيل.‏ وذكر الدكتور عبد الكرمي رافِ‏ ق يف<br />

كتابه ‏»العرب والعثمانيون«‏ اأن قازان اعتنق الإسالم على املذهب السني فيما بعد.‏ ثم


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اعتنق بقية اأفراد ‏ساللته من املغول الإسالم وحتالفوا مع العثمانيني الأتراك )5( . ول<br />

يعني هذا اأن جميع املغول دخلوا الإسالم.‏<br />

وقبل دخول املغول الإيلخانيني الإسالم كانوا قد اأقاموا عالقات طيبة مع<br />

الصليبيني ملجابهة املماليك،‏ وعندما انهارت هذه الساللة اليلخانية املغولية<br />

ظهرت ‏ساللت مغولية متنازعة فيما بينها حتى ظهر رجل قوي من املغول هو اأمري<br />

‏سمرقند واسمه تيمورلنك الذي اأعلن مترده على حكام مغولستان عام ‎1369‎م وهو<br />

ليس مبسلم.‏<br />

وقد جهز تيمورلنك جيشاً‏ عرمرماً‏ اجته به غرباً‏ حيث احتل بالد فارس والعراق<br />

والقفقاس ورشقاً‏ حتى وصل اإىل خوارزم وشمايل الهند.‏<br />

احتل تيمورلنك دمشق عام ‎1400‎م وهزم العثمانيني عام ‎1402‎م،‏ وقد وصف<br />

ابن تغري بردي الأتابكي املذبحة التي ارتكبها تيمورلنك يف دمشق وصفاً‏ مسهباً‏ حيث<br />

خلّف فيها الدمار واآلف القتلى.‏ وبوفاة تيمورلنك عام ‎1403‎م انهارت اإمرباطوريته<br />

املرتامية الأطراف.‏ ونستطيع القول اأن املنطقة الغربية من قارة اآسيا ثم مرص قد<br />

تعرضت اإىل حروب طاحنة اشرتك فيها املغول والفرس واملماليك والروم وغريهم.‏<br />

حكمت الأرسة اململوكية يف مرص من عام 1250- ‎1517‎م،‏ واتسعت الرقعة<br />

التي تديرها حتى ‏شملت املرشق العربي،‏ ولكن الظروف مل تساعد املماليك كي<br />

يستمروا يف حكم املناطق العربية وذلك لظروف ‏سياسية واقتصادية اأدت اإىل انحطاط<br />

الأرسة اململوكية،‏ واأهم هذه االأسباب:‏<br />

‎1.1‎العامل السياسي أو العسكري:‏<br />

اإن العامل العسكري من العوامل الهامة لرفع اأو حتطيم اأي دولة يف العامل<br />

لأن اجليش هو عمود <strong>الدولة</strong>،‏ فاإذا ‏ضعف اجليش تقهقرت <strong>الدولة</strong>،‏ وقد ‏ضعف اجليش<br />

اململوكي عندما دخله مماليك ‏رشاكسة دون تدريب.‏ حتى اأن بعض هوؤلء املماليك<br />

وصلوا اإىل مراتب عسكرية عليا وهامة دون استطاعته حتى استعمال السالح.‏ اأضف<br />

اإىل ذلك اأن اجليش اململوكي مل يقم بحروب هامة فرتة طويلة من الزمن اأي منذ عام<br />

‎1400‎م وحتى عام ‎1516‎م،‏ فاأصبح اجلندي اململوكي خامالً‏ ل يحسن استعمال<br />

السالح،‏ انرصف بدلً‏ عن ذلك اإىل الهتمام بالتجارة وبناء الدكاكني حول الثكنات<br />

11<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

12<br />

العسكرية لذا انعدمت روح اجلندية،‏ كما اأهمل اجلندي التمارين التقليدية اليومية<br />

وخاصة الفروسية وكرهوا استعمال الأسلحة النارية،‏ واعترب املماليك استعمال<br />

الأسلحة النارية خمالف للرشيعة الإسالمية لأنها اأسلحة الشيطان،‏ وخري دليل على<br />

كرههم استعمال الأسلحة النارية نراه من اللقاء واملحادثة التي جرت بني السلطان<br />

‏سليم الأول العثماين والأسري اململوكي كرتباي ‏)قرطباي(‏ عندما دخل ‏سليم مرص،‏<br />

فقال الأسري كرتباي للسلطان ‏سليم ‏»لو بُلي واحد منا بعسكرك لأفناه وحده واإذا مل<br />

تصدق جرّب اأمر عسكرك اأن يرتكوا ‏رضب البندق فقط...‏ » وقال اأيضاً‏ »... اأنت اأتيت<br />

لك عساكر من اأطراف الدنيا من مصاري ومن روم وغريهم وجئت بهذه احليلة التي<br />

حتيلت بها الإفرجن ملا اأن عجزوا عن مالقاة عساكر الإسالم وهي هذه البندقية التي<br />

لو رمت بها امراأة لقتلت بها كذا اإنساناً‏ ونحن لو اخرتنا الرمي بها ما ‏سبقتنا اإليه<br />

ولكن نحن قوم ل نرتك ‏سنة نبينا حممد ‏صلى اهلل عليه وسلم وهو اجلهاد يف ‏سبيل<br />

اهلل بالسيف...‏ » )6( .<br />

ونستنتج من هذا الكالم اأن اجلندي اململوكي كان قد تدرب على الفروسية<br />

واستعمال السيف واأن استخدام الأسلحة النارية يف نظره هو خمالف للرشيعة<br />

ولسنة النبي حممد ‏صلى اهلل عليه وسلم وخاصة لأن الإفرجن الصليبيني استعملوا<br />

الأسلحة الشيطانية وهي الأسلحة النارية.‏ وكالم املماليك هو خمالف لالإسالم الذي<br />

يقول ‏»واأعدوا لهم ما استطعتم من قوة«‏ ‏صدق اهلل العظيم.‏ ول ننسى اأن العثمانيني<br />

املسلمني استعملوا الأسلحة النارية وانترصوا على الفرس يف معركة جالديران عام<br />

‎1514‎م وانترصوا على املماليك يف معركة مرج دابق عام ‎1516‎م.‏<br />

‎2.2‎العامل االقتصادي:‏<br />

اإن العامل القتصادي كان اأيضاً‏ من العوامل الهامة التي اأدت اإىل انحطاط دولة<br />

املماليك،‏ ويرجع العامل القتصادي اإىل نقص املوارد واخلريات يف مرص بسبب<br />

النخفاض املتكرر يف منسوب مياه النيل،‏ وانتشار الطاعون،‏ وهجوم تيمورلنك على<br />

بالد الشام وما اأحدثه من دمار يف القتصاد واحلياة البرشية،‏ اأضف اإىل ذلك فرض<br />

مبالغ من املال من قبل جماعات متسلطة على الفالحني بحجة حمايتهم ولذلك<br />

ابتزوا اأموالهم وهذا اأدى اإىل التاأخر القتصادي ونقص يف املوارد احلياتية.‏ اأضف<br />

اإىل كل ما ‏سبق حتول طرق التجارة عن مرص وذلك بعد اكتشاف طريق راأس الرجاء


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الصالح فاأصبحت الطريق التجاري مع اأوروبا ل متر مبرص وهذا اأضعف القتصاد<br />

املرصي،‏ ثم اإن التجارة الربتغالية اأخذت تنافس التجارة املرصية نتيجة حتول<br />

الطريق التجاري عنها.‏<br />

ذكرنا فيما ‏سبق اأن املماليك قد لعبوا دوراً‏ هاماً‏ يف حياة العثمانيني من حيث<br />

الحتكاك بهم ومن حيث قيام دولة اآل عثمان على اأنقاض دولة املماليك.‏<br />

األناضول قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

كانت منطقة الأناضول ‏)تركيا(‏ حتتوي على كثري من الغزاة واملتطوعني<br />

املسلمني الذين ‏سكنوا على احلدود الإسالمية – البيزنطية وذلك للدفاع عن حدود<br />

الديار الإسالمية،‏ وكان هوؤلء الغزاة منهم من ‏سكن يف قرى،‏ ومنهم من كان يرغب<br />

السكن يف خيام كالبدو،‏ ومنهم من ‏سكن يف املدن القريبة من احلدود.‏ وقد كرث يف هذه<br />

املناطق الصوفيون والشيوخ الذين كانوا على ‏صلة وثيقة بالغزاة.‏ وعندما كان هوؤلء<br />

الغزاة يهاجمون البيزنطيني ويضمون اأراضٍ‏ لهم،‏ كان بعض البيزنطيني يهرب اأمام<br />

الغزاة والبعض الآخر يبقى حتت احلكم الإسالمي،‏ حتى اأن بعض هوؤلء البيزنطيني<br />

دخل الإسالم عن طوع وعدم اإكراه وذلك لأن معاملة املسلمني للبيزنطيني املسيحيني<br />

كانت جيدة،‏ فلم يهدم الغزاة الكنائس املسيحية ومل يتدخلوا بشوؤون حياتهم اليومية.‏<br />

وقد تشكلت اإمارات اإسالمية يف الأناضول ترجع اإىل عائالت اإسالمية فضّ‏ لت<br />

الإقامة يف املناطق احلدودية بدلً‏ من اأن تبقى بعيدة،‏ ومن هذه العائالت عائلة اآيدين<br />

قرب اأزمري،‏ واشتهر منها عمر بك الذي اأصبح له اأسطول بحري قوي،‏ وسكن اإىل الشمال<br />

من اأزمري عائلة ‏صاروخان وشكلت اإمارة يف مانيسا،‏ وعائلة قره ‏صي التي ‏سكنت يف<br />

بلقاصري وقد وصلت حدودها حتى بحر مرمرة ومضيق البوسفور،‏ وهناك اأيضاً‏ عائلة<br />

عثمان التي ‏سكنت بني مدينتي اأسكي ‏شهر واأزنك.‏<br />

13<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

14<br />

هوامش الفصل األول:‏<br />

‎1.1‎جزيرة الروضة:‏ هي حي يف القاهرة،‏ تعرف بجزيرة الروضة اأو جزيرة الفسطاط<br />

لأن موقعها اأمام الفسطاط،‏ وتعرف بجزيرة مرص اأيضاً،‏ وتعرف بجزيرة احلصن<br />

لأن اأحمد بن طولون بنى فيها حصنه.‏ بنى بدر اجلمايل يف العرص الفاطمي<br />

حديقة ‏سماها الروضة.‏ بنى يف اجلزيرة على مر الأيام الأمراء والوزراء واخللفاء<br />

حصونهم وقصورهم وجنائنهم على جزيرة الروضة.‏ وقد بنيت عليها اأيضاً‏ قصور<br />

لأرسة حممد علي باشا ويربط جزيرة الروضة بالقاهرة خمس جسور.‏ اأنظر جزيرة<br />

الروضة org/wiki/ Arz. m. wikipedia.<br />

‎2.2‎عبد الكرمي رافق:‏ بالد الشام ومرص من الفتح العثماين اإىل حملة نابليون بونابرت.‏<br />

‏ص 17.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire & Modern Turkey. 1280 – 1808. p. 8..3.3<br />

‎4.4‎نقول زيادة:‏ دمشق يف عرص املماليك:‏ موؤسسة فرانكلني للطباعة والنرش،‏ بريوت<br />

‏سنة ‎1966‎م،‏ ‏ص 27. انظر اأيضاً‏ البداية والنهاية يف ال<strong>تاريخ</strong> لبن كثري.‏ ج 14،<br />

‏ص – 6 .25<br />

‎5.5‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون – 1516 ‎1916‎م مكتبة ومطبعة الرسوجي،‏<br />

عكا،‏ ‎1978‎م،‏ ‏ص 15.<br />

‎6.6‎عبد الكرمي رافق:‏ بالد الشام ومرص يف الفتح العثماين – 1516 1798 حتى<br />

حملة نابليون بونابرت.‏ ط 2، دمشق،‏ ‎1968‎م،‏ ‏ص 22.


الفصل الثاني<br />

فرتة الظهور والتأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

يف آسيا الصغرى والبلقان


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل الثاني<br />

فرتة الظهور والتأسيس وتوسع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

يف آسيا الصغرى والبلقان<br />

قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

انتهت دولة السالجقة يف النصف الثاين من القرن الثالث عرش امليالدي ‏)السابع<br />

الهجري(‏ ، وظهرت جمموعة اإمارات يف اجلهة الغربية من الأناضول ‏)اآسيا الصغرى(‏<br />

على احلدود البيزنطية،‏ وقد تاأسست هذه الإمارات املسلمة نتيجة الغزوات الإسالمية<br />

يف اآسيا الصغرى ‏ضد البيزنطيني،‏ وعرفت هذه الإمارات باإمارات الغزاة،‏ وكانت<br />

اإمارة عثمان اإحدى هذه الإمارات،‏ وقد استطاعت اإمارة عثمان خالل قرن من الزمن<br />

اأن تسيطر على كافة بالد الأناضول يف اآسيا الصغرى والبلقان يف اجلهة الرشقية من<br />

اأوروبا واأن تنشئ دولة اإسالمية مرتامية الأطراف هي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

كيف تأسست هذه <strong>الدولة</strong>؟ :<br />

هناك روايات كثرية تناولها املوؤرخون عن نشاأة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ فقد روى<br />

بعض املوؤرخني عن جذور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورشح مفصالً‏ عن كيفية<br />

تاأسيسها:‏<br />

‎1.1‎فهناك رواية عثمانية وردت يف الكتب الرتكية كانت بدايتها يف القرن<br />

اخلامس عرش امليالدي وتقول الرواية اأن قبيلة تركية هربت اأمام الزحف املغويل من<br />

اأواسط اآسيا اإىل الغرب وسكنت يف الأناضول،‏ وكان قائد هذه القبيلة يدعى ‏سليمان<br />

وهو والد اأرطغرل وجد عثمان الذي ‏سميت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باسمه،‏ وتقول هذه الرواية<br />

اأن اأصل هذه القبيلة ترجع اإىل قوم الغز اأو ‏)الأوغوز(‏ ، والغز نسبة اإىل اأوغوزخان وهو<br />

اأحد اأفراد ‏شجرة عائلة اآل عثمان التي ينتهي اأصلها يف نوح.‏ وتضيف الرواية اأن<br />

17<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

18<br />

‏سليمان والد اأرطغرل عندما هرب من ‏ضغط املغول متجهاً‏ اإىل بالد الروم غرباً‏ ‏سلك<br />

طريق نهر الفرات فغرق يف النهر ومات قرب قلعة جعرب وهي القلعة الواقعة ‏ضمن<br />

احلدود السورية ويحرسها اليوم جنود اأتراك )1( . وقد خلف ‏سليمان يف حكم القبيلة<br />

ابنه اأرطغرل ثم عثمان،‏ وكان جد ‏سليمان ‏سلطاناً‏ على بالد ماهان يف تركستان،‏<br />

وهي البلد التي اشتهر منها اأبو مسلم اخلراساين،‏ ورمبا اأرادوا بهذه الرواية رفع ‏شاأنهم<br />

لأنهم ينتسبون اإىل نفس البلد التي جاء منها اأبو مسلم اخلراساين املعروف <strong>تاريخ</strong>ياً.‏<br />

‎2.2‎وهناك رواية عربية عن اأصل العثمانيني وترجع اإىل النصف الثاين من القرن<br />

السابع عرش امليالدي رواها علي بن حسن الشهايل،‏ حيث قال:‏ اإن عثمان بن طغرل بن<br />

‏سليمان هو اأول ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وكان جد ‏سليمان من القبائل الرتكمانية<br />

الرحالة النزالة اأي البدو.‏<br />

‎3.3‎وهناك رواية رواها القطبي قائالً‏ اأن بني عثمان هم من عرب احلجاز اأو من<br />

املدينة املنورة.‏<br />

‎4.4‎وهناك رواية تقول اأن اأصل العثمانيني يرجع اإىل ‏سليمان ‏شاه وهو من قبيلة<br />

قايي،‏ وكان ‏سليمان يحكم يف ماهان ‏شمايل اإيران يف القرن الثاين عرش امليالدي،‏<br />

وقد هرب من وجه املغول للغرب مع اآلف الأتراك القادمني من وسط اآسيا وقد غرق<br />

عند نهر الفرات،‏ وبعد زوال اخلطر رجع ولدان له للرشق اإىل خراسان حيث خضعا<br />

للمغول،‏ اأما البن الثالث فتوجه للغرب وهو اأرطغرل الذي ‏سكن يف الأناضول وشكل<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وعمل اأرطغرل على ‏ضم كثري من التباع من السالجقة وتصدى<br />

للمغول واعرتف به ‏سلطان السالجقة يف بغداد واأعطاه اإقطاعات كثرية،‏ وعندما تويف<br />

عام ‎1280‎م استلم اأمور القبيلة بعده ابنه عثمان موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )2( ومن<br />

ذاك ال<strong>تاريخ</strong> يبداأ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

‎5.5‎وقد تصدى املوؤرخ بول وتيك )3( Wittek .P املتخصص يف <strong>تاريخ</strong> اأصل اآل<br />

عثمان للرواية <strong>العثمانية</strong> ونفاها جملة وتفصيالً‏ وقال:‏ اإن السالجقة حكام بغداد هم<br />

الذين اأرسلوا ‏سليمان بن قتلمش يف القرن احلادي عرش امليالدي اإىل اآسيا الصغرى<br />

وذلك بقصد تنظيم فتوحات الغزاة وحروبهم ‏ضد الروم،‏ ورمبا اأن السالجقة بعثوا<br />

‏سليمان بن قتلمش للتخلص منه،‏ وقد استقر ‏سليمان يف مدينة ‏)نيقية(‏ ، ولكن عندما


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

احتلها الصليبيون عام ‎1097‎م رجع ‏سليمان هارباً‏ اإىل بغداد كي ينتقم من اأبناء<br />

عمومته السالجقة فقتل اأثناء عودته يف الطريق وغرق ابنه قيليج اأرسالن يف نهر<br />

اخلابور ‏شمايل العراق،‏ ويقول وتيك Wittek اأن ‏سليمان بن قتلمش ليس هو ‏سليمان<br />

اأبو اأرطغرل حسب الرواية <strong>العثمانية</strong>،‏ وكذلك ليس من ماهان واإمنا من ‏سالجقة بغداد،‏<br />

والظاهر اأن العثمانيني ذكروا يف روايتهم اأن اأصله من ماهان كي يعطوه ‏شهرة،‏ لأن<br />

ماهان ولد فيها اأبو مسلم اخلراساين،‏ وكان اأفضل للعثمانيني اأن يرجعوا نسبهم اإىل<br />

قريش التي منها الرسول حممد ‏صلى اهلل عليه وسلم،‏ ولكنهم اأرجعوا اأصلهم اإىل قبائل<br />

تركية اآسيوية،‏ ولكن مفتي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لطفي باشا كتب مذكرة يرجع <strong>تاريخ</strong>ها<br />

اإىل عام ‎1554‎م اأرجع فيها نسبهم اإىل قريش.‏ وهذا الدعاء غري ‏صحيح لأن الأتراك<br />

اأنفسهم مل يذكروا ذلك )4( .<br />

‎6.6‎وهناك رواية عن اأصل العثمانيني ذكرها املوؤرخ جيبونز فنفاها املوؤرخ<br />

الرتكي حممد فوؤاد كوبريللي )5( ، وبنيّ‏ اخلطاأ فيها.‏ فقال جيبونز اأن اأصل العثمانيني<br />

بدو هربوا اأمام زحف املغول بقيادة هولكو اإىل اآسيا الصغرى،‏ واأن عثمان مل يكن<br />

مسلماً‏ بل اأسلم فيما بعد عندما احتك ببعض الشيوخ املسلمني،‏ فتصدى لهذه الرواية<br />

كوبريللي قائالً:‏ ‏»اإن العثمانيني مسلمون،‏ واإنهم ليسوا بدواً،‏ واإنهم مل يهربوا من وجه<br />

املغول«.‏<br />

‎7.7‎وهناك رواية اأخرى تقول:‏ اإن العثمانيني اأتراك دخلوا اآسيا الصغرى يف الثلث<br />

الأول من القرن الثالث عرش امليالدي واإنهم كانوا يشكلون قبيلة تركية متنقلة يف<br />

وهاد الأناضول.‏ ‏شاهدت هذه القبيلة اأثناء تنقلها جيشني يقتتالن،‏ فساعدت اجليش<br />

الضعيف الذي كاد يلقى هزمية حمققة وكان انضمام هذه القبيلة الرتكية اإليه ‏سبباً‏<br />

يف انتصاره.‏ وبعد املعركة تبني اأن اجليش الضعيف كان من بني جلدتهم الأتراك<br />

السالجقة،‏ اأما اجليش القوي فكان اجليش املغويل بقيادة ابن جنكيز خان.‏ وتقديراً‏<br />

ومكافاأة لبني عثمان قام ‏سلطان السالجقة عالء الدين الأول فاأهدى القبيلة <strong>العثمانية</strong><br />

اأرضاً‏ واسعة على احلدود البيزنطية،‏ ومل تكتف هذه القبيلة <strong>العثمانية</strong> بهذه الأرض بل<br />

بداأت تتوسع يف الفتوحات يف اأراضي <strong>الدولة</strong> البيزنطية،‏ وكان على راأس هذه القبيلة<br />

الرتكية <strong>العثمانية</strong> اأرطغرل،‏ وحصل على لقب من السالجقة هو ‏)اأوج بكي(‏ اأي حمافظ<br />

احلدود.‏ ‏ضمّ‏ اأرطغرل اأراضٍ‏ واسعة واحتل مدينة اأسكي ‏شهر التي تقع يف اجلزء الغربي<br />

19<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

20<br />

من اإقليم الأناضول الأوسط،‏ على نهر بورصوق،‏ ثم ‏ضم اأراضٍ‏ اأخرى.‏ وتويف اأرطغرل<br />

عن عمر يناهز 93 عاماً‏ ودفن يف مدينة ‏سوكود،‏ التي كانت مقراً‏ له،‏ وخلفه يف قيادة<br />

القبيلة ابنه عثمان عام ‎1299‎م الذي ‏سميت <strong>الدولة</strong> فيما بعد باسمه )6( .<br />

وتذكر الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن اأصل العثمانيني مسلمون،‏ واأن الإسالم عندما بداأ<br />

وانترش يف بالد الشام،‏ ظهرت جماعات مسلمة غيورة على الإسالم،‏ ومتطوعون<br />

للدفاع عن احلدود الإسالمية فسكنوا على احلدود الإسالمية البيزنطية وبداأوا يف<br />

غزواتهم املتكررة على الأعداء كل يوم؛ وذلك بقصد الدفاع عن دار الإسالم واحلدود<br />

الإسالمية،‏ ولو نظرنا اإىل انتشار الإسالم بني الأتراك لقلنا اإن الإسالم بداأ ينترش<br />

تدريجياً‏ منذ قام القائد املسلم قتيبة بن مسلم الباهلي-‏ يف اأثناء خالفة ‏سليمان<br />

بن عبد امللك الأموي-‏ بفتح حصون املرشق مثل بخارى وسمرقند ومرو وغريها من<br />

بالد الرتك عام ‎717‎م وقد اأسلم كثري من الأتراك زمن العباسيني عندما اأسلم زعيمهم<br />

قره خان عام ‎954‎م.‏<br />

واأدت هجمات الغزاة املتكررة على البيزنطيني واخرتاق احلدود البيزنطية،‏ اأن<br />

قرر الإمرباطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجنيس ‏رضب الغزاة وتاأديبهم واحلد<br />

من هجومهم املتكرر،‏ واأثناء ‏سريه لرضب الغزاة تصدى له السلطان السلجوقي<br />

األب اأرسالن،‏ ‏سلطان بغداد للدفاع عن الغزاة.‏ وقد انترص السلطان السلجوقي على<br />

الإمرباطور البيزنطي يف معركة مالذ كرد اأو منزيكرت عام ‎1071‎م حتى اأن الإمرباطور<br />

البيزنطي رومانوس وقع اأسرياً‏ يف اأيدي السلطان السلجوقي األب اأرسالن.‏ ورغم وقوع<br />

الإمرباطور اأسرياً‏ اإل اأن األب اأرسالن مل يسيء اإليه،‏ بل اأطلق ‏رساحه؛ لأن األب اأرسالن<br />

كان مشغولً‏ يف حربه مع اأبناء دينه املسلمني وهم الفاطميون يف القاهرة.‏ ونستطيع<br />

القول اإن هذا النرص الذي حققه السلطان السلجوقي قد ‏شجع الغزاة على الستمرار<br />

يف حتديهم للبيزنطيني،‏ وزيادة هجماتهم خارج احلدود الإسالمية،‏ وبعملهم هذا<br />

اأقلقوا واأخافوا حكام بيزنطية،‏ وقد ازداد عدد الغزاة بسبب دخول عنارص تركية اإىل<br />

الأناضول وبخاصة بعد قيام السلطة السلجوقية يف بغداد.‏<br />

كانت معركة مالذ كرد قد ‏شجعت الغزاة على زيادة غزواتهم،‏ وقد جتمع الغزاة<br />

يف الأناضول حول اأرسة قوية تدعى الدنشماند،‏ وكانت هذه الأرسة قد ‏شكلت اإمارتني:‏<br />

الأوىل حكمت يف ‏سيواس منذ )1071– ‎1174‎م(‏ والأخرى يف مالطيا )1142-


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1177‎م(‏ ، وتاأسست هناك اإمارات اأو دول اأخرى مثل اإمارة منكوجك واإمارة بني<br />

‏سلدق وغريها،‏ وكانت كلها جتاهد ‏ضد البيزنطيني حتت حماية ‏سالجقة بغداد )7( .<br />

وعندما علم ‏سلطان السالجقة يف بغداد بتشكيل عدة اإمارات يف الأناضول،‏ اأرسل<br />

‏سليمان بن قتلمش كي ينظم تشكيل هذه الإمارات الإسالمية ويرشف عليها )8( .<br />

وذكرنا من قبل اأن ‏سليمان قرر الرجوع اإىل بغداد؛ لأنه اأراد النتقام من السلطان<br />

السلجوقي يف بغداد بسبب هذه احليلة وهي اإرساله اإىل الأناضول للتخلص منه،‏ وقد<br />

قتل ‏سليمان يف الطريق وغرق ابنه يف النهر فبقي بعض اأفراد الأرسة يف الأناضول<br />

حيث استقروا جمربين يف اآسيا الصغرى واتخذوا قونية عاصمة لهم وعرفوا منذ ذاك<br />

الوقت بسالجقة الروم متييزاً‏ لهم عن ‏سالجقة بغداد.‏<br />

كان ‏سالجقة بغداد قد اتبعوا ‏سياسة جديدة يف عملية التوطني يف الأناضول،‏<br />

حيث كانوا ينظرون اإىل اأقوى العشائر عدداً‏ ويقسمونها اإىل اأقسام كثرية،‏ وكل قسم<br />

يسكن يف مكان بعيد عن الآخر علماً‏ باأنهم من نفس الأرسة،‏ خوفاً‏ من خطر العصيان<br />

الذي ميكن اأن يعلنه رئيس العشرية،‏ وقد ‏سميت هذه السياسة بسياسة التفتيت ثم<br />

التوطني.‏<br />

ذكرنا اأنه تاأسست يف اآسيا الصغرى عدة اإمارات،‏ كان اأهمها اإمارة الدنشماند<br />

يف ‏سيواس واإمارة ‏سالجقة الروم يف قونية،‏ وبعد تشكيل اإمارة ‏سالجقة الروم بداأ<br />

الرصاع بني هذه الإمارات وتركوا العدو املشرتك وهو العدو البيزنطي الذي يرتبص<br />

بهم.‏ وكانت اإمارة ‏سالجقة الروم يف قونية اأقوى من اإمارة الدنشماند بسبب انضمام<br />

كثري من علماء املسلمني اإىل قونية.‏ وقد استغل البيزنطيون هذا التفكك فهاجموا<br />

الإمارتني عدة مرات وضعفت نتيجة ذلك اإمارة الدنشماند،‏ فتشجع اأمراء قونية<br />

وضموا اإمارة الدنشماند لهم كما ‏ضموا الإمارات الصغرية الأخرى لهم عام ‎1180‎م،‏<br />

وكان القصد من ‏ضم هذه الإمارات اإىل قونية هو توحيد هذه الإمارات كلها ملواجهة<br />

اخلطر البيزنطي،‏ لذلك اأصبح هنالك توازن يف القوى اإىل حد ما بني اإمارة قونية<br />

والبيزنطيني،‏ ثم حدث تصدع يف اجلبهة البيزنطية عام ‎1240‎م،‏ عندما هاجمت<br />

احلملة الصليبية الرابعة القسطنطينية عام ‎1240‎م وحصل ‏صدام بني البيزنطيني<br />

واحلملة الصليبية الرابعة،‏ ل داعٍ‏ للدخول يف تفاصيلها.‏<br />

21<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

22<br />

وجاء خطر جديد من الرشق هو اخلطر املغويل الذي هدد الإمارات الإسالمية<br />

يف الأناضول،‏ وهدّد البيزنطيني اأيضاً.‏ وكانت نتيجة الزحف املغويل نحو غربي<br />

اآسيا هروب قبائل تركمانية اإىل اآسيا الصغرى.‏ واأخذت هذه القبائل التي التجاأت اإىل<br />

الأناضول متارس حياة الغزو كغريهم من قبائل الغزو التي استقرت على احلدود،‏<br />

وقد اأدى ترسب هوؤلء الغزاة اإىل اآسيا الصغرى اإىل ‏صدام مسلح بينهم وبني ‏سالجقة<br />

الروم يف قونية بدلً‏ من الرتحيب بهم،‏ ويف عام ‎1243‎م هاجم املغول ‏سالجقة الروم<br />

يف قونية واأخضعوها لهم،‏ وهكذا وقعت قونية حتت الحتالل املغويل فرتة قصرية.‏<br />

ول يعني هذا الحتالل اأن نشاط الغزاة قد توقف بسبب احتالل املغول لقونية،‏ بل<br />

الصحيح اأن الغزو قد ازداد؛ لأن الغزاة قد تاأثروا بنشاط رجال الطرق الصوفية الذين<br />

اأخذوا يحمسون الغزاة املسلمني للتوجه نحو احلدود البيزنطية وتاأدية واجبهم الديني<br />

اليومي وهو الغزو.‏ ول يعني اأيضاً‏ اأن احتالل املغول لقونية هو ‏سيطرة املغول على<br />

كل الأناضول،‏ بل اإن الإدارة العسكرية املغولية مل تستطع السيطرة الكاملة على<br />

كل املناطق يف الأناضول ول حتى على املناطق التي خضعت لهم،‏ فمثالً‏ مل تشعر<br />

املناطق اجلبلية باحلكم املغويل ول حتى املناطق البعيدة عن الطرق الرئيسية.‏<br />

ذكرنا اأن هناك اإمارات تشكلت يف الأناضول،‏ ومل تكن هذه الإمارات ‏سياسية<br />

جنمت فجاأة يف اأوائل القران الرابع عرش امليالدي على اأنقاض <strong>الدولة</strong> السلجوقية<br />

املنقرضة كما كان يظن،‏ ولكنها قوى حملية استفادت من تفكك الإدارة الإيلخانية<br />

‏)املغولية(‏ وتساحمها.‏ فظهرت بالتدريج يف النصف الثاين من القرن الثالث عرش<br />

امليالدي وكانت اأدوارها ال<strong>تاريخ</strong>ية تطول اأو تقرص بحسب مواقعها اجلغرافية من<br />

ناحية وبحسب قدرة حكامها من ناحية اأخرى،‏ ومن بني هذه الإمارات اخ ثم توسعت<br />

بفضل ما استولت عليه من بيزنطية <strong>الدولة</strong>،‏ التي قادتها الكوارث الداخلية واخلارجية<br />

اإىل النهيار،‏ اإمارات كرميان ومنتشا وايدين وصاروخان وقره ‏صي وعثمانلي )9( .<br />

وقد استطاعت اإمارة عثمان من بني ‏ست عرشة اإمارة تركية اأو اأكرث اأن تصبح دولة<br />

مرتامية الأطراف خضعت لها ‏شعوب كثرية واتسعت رقعتها وعاشت من عام 1280<br />

– ‎1922‎م وجمع ‏سالطني هذه <strong>الدولة</strong> يف اأيديهم السلطتني الزمنية والروحية ودعي<br />

لهم على منابر العامل الإسالمي بطول العمر،‏ وقد ورثت هذه <strong>الدولة</strong> حضارات <strong>الدولة</strong><br />

الرتكية يف الأناضول وحضارة املماليك والفرس وتاأثرت بالبيزنطيني والصقالبة<br />

وغريهم.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

األوضاع االجتماعية يف األناضول يف الوقت الذي ظهر فيه<br />

العثمانيون:‏<br />

كانت احلياة االجتماعية الأتراك االأناضول يف القرن الثالث عرش<br />

امليالدي تقوم على ثالث جمموعات يتشكل منها جمتمع دولة السالجقة،‏<br />

وهي:‏<br />

‎1.1‎البدو:‏ كانوا يعيشون حياتهم اليومية معتمدين على تربية احليوانات،‏<br />

وصناعة السجاد،‏ ويدفعون الرضائب العينية التي تتناسب مع كمية ما متلكه<br />

العشرية من القطعان،‏ وكانت <strong>الدولة</strong> السلجوقية تعفي العشائر التي تقيم على احلدود<br />

من الرضائب لغايات عسكرية؛ لأن هذه العشائر كانت تلتحق باجليش بناءً‏ على رغبة<br />

<strong>الدولة</strong>؛ ومل يكن يتخلف الأطفال ول النساء عن حمل السالح،‏ بل كان اجلميع يقدمون<br />

خدماتهم العسكرية،‏ ولكن اإذا لحظت العشائر البدوية خلالً‏ يف جهاز الإدارة التابع<br />

للدولة فاإنها تنقلب اإىل عنارص فوضوية خمربة تهاجم القرى واملدن الضعيفة غري<br />

املحصنة،‏ وقوافل التجار وتسلبهم وتنهبهم وتعمل القتل فيهم.‏ وكانت <strong>الدولة</strong> تخشى<br />

هوؤلء البدو فكانت تعمد اإىل توظيف اأحد رجالتهم وتلحقه بجهاز الإدارة كرهينة؛<br />

خوفاً‏ من قيامهم بالشغب.‏ ورغم ذلك فقد قام البدو بثورات متتالية على السالجقة<br />

وخاصة ثورة بابا اإسحق اأو بابا رسول اهلل الذي جنح يف ثورته،‏ حيث ‏سار الآلف<br />

نحو القرى واملدن واستولوا عليها،‏ حتى اأن السلطان السلجوقي راأى اأن العاصمة<br />

قونية ليست مباأمن من ‏سطوتهم فلجاأ اإىل اإحدى القالع هرباً‏ من بطشهم.‏ ولكن جيشه<br />

استطاع اأن يقبض على قائد ثورة البدو ومت ‏شنقه اأمام جموع كثرية من الرتكمان<br />

عام ‎1240‎م )10( .<br />

‎2.2‎أهل القرى:‏ تشكل القرى الغالبية العظمى يف حياة الأناضول،‏ فسكان القرى<br />

هم اأكرث عدداً‏ من البدو ومن اأهل املدن،‏ واإذا تفحصنا ‏سكان القرى يف الأناضول<br />

وجدنا اأن ‏سكان القرية يشكلون اأحياناً‏ وحدة واحدة متماسكة،‏ فقد يكونون عائلة<br />

واحدة اأو اأبناء عمومة يف وحدة ‏سكنية واحدة.‏ وقد مر على الأناضول نقص يف عدد<br />

السكان بسبب احلروب الطاحنة على اأرضها بني املسلمني والبيزنطيني والفرس،‏ لذلك<br />

اضطرت قرى بكاملها اإىل الهجرة من الأناضول حفاظاً‏ على ‏سالمتها من ويالت<br />

23<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

24<br />

احلروب.‏ وحدثت اأيضاً‏ هجرات معاكسة يف وقت السلم فجاءت قبائل من تركستان<br />

كانت تعيش يف بلدها الأصلي حياة قروية فاأكملت حياتها على اأرض الأناضول<br />

حياة ريفية.‏ ورغم تقلب احلكم على بالد الأناضول اإل اأن حياة القرية وسكانها بقوا<br />

يفلحون الأرض لكسب معيشتهم ويدفعون الرضائب املفروضة عليهم.‏<br />

‎3.3‎احلياة يف املدن:‏ متيزت احلياة يف مدن الأناضول بالتجارة والصناعة،‏<br />

وبسبب موقع الأناضول على الطريق التجاري الربي الوحيد الذي يربط بني اآسيا<br />

واأوروبا،‏ فقد استفادت املدن يف تركيا كثرياً.‏ وقد كانت املدن تشهد حياة جتارية<br />

وصناعية هامة.‏ وتعترب التجارة يف عهد السالجقة اأكرث نشاطاً‏ منها يف عهد املغول.‏<br />

وكانت مع الطليان اأكرث منها مع غريهم من الشعوب الأخرى.‏<br />

ورغم التسامح الذي كان زمن السالجقة بني امللل والطوائف الدينية،‏ اإل اأن<br />

كل ملة ‏سكنت وحدها،‏ فمثالً‏ كنت ترى اأحياء خاصة باملسلمني واأحياء خاصة<br />

باملسيحيني واأحياء خاصة باليهود.‏ واأهم املدن التي لعبت دوراً‏ ‏سياسياً‏ وجتارياً‏ يف<br />

تركيا هي:‏ ‏سيواس واأررضوم وطرابزون وقيرصية واأرزجنان واأماسيا ونيقية وقونية<br />

ونيكدة وقريشهر واأسكي ‏شهر واأقرسان واأنقرة.‏ وقد كانت املدن الداخلية مزدهرة اأكرث<br />

من املدن الساحلية بسبب وقوعها على الطريق التجاري.‏<br />

وكانت املدن تعتمد على الصناعة وعلى اأرباب احلرف الذين كانوا هم عماد<br />

املدينة اأكرث من اعتمادها على الناحية القتصادية وحتى التجارية.‏ وكانت<br />

الصناعات ترتكز يف املدينة.‏ وكان اأصحاب كل حرفة اأو ‏صنعة يتجمعون يف حي<br />

اأو ‏سوق واحد،‏ وجتبى الرضائب من اأصحاب احلرف يف املدينة.‏ ويف عهد املغول<br />

الإيلخانيني كانت الرضائب التي حتصّ‏ ل من املدن تسمى متغة،‏ وكان اأصحاب احلرف<br />

يتجمعون يف طوائف »Corporations« تشبه اإىل حد ما النقابات اليوم.‏ واستمرت<br />

املدن تدفع الرضائب اأيضاً‏ زمن ‏سالجقة الروم.‏<br />

حياة السالجقة على احلدود:‏<br />

. أاحلاميات العسكرية:‏ اأقيمت حاميات وقالع عسكرية اإسالمية على احلدود؛<br />

للدفاع عن <strong>الدولة</strong> السلجوقية يف اآسيا الصغرى،‏ وكانت اأكرب هذه احلاميات<br />

والقالع تقع غربي الأناضول على احلدود مع نيقية.‏ وكانت <strong>الدولة</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

السلجوقية تعني بعض القادة للدفاع عن املواقع الساحلية ‏سواء على ‏ساحل<br />

البحر الأسود اأو البحر الأبيض املتوسط.‏ وكانت <strong>الدولة</strong> تعني حتت اإمرة هوؤلء<br />

القادة بعض اأمراء السواحل وكثرياً‏ ما اأمدت ودعمت قادة احلدود باإمدادات<br />

عسكرية واأرسلت عشائر بدوية بقيادة روؤسائها لدعم قادة احلدود واأمراء<br />

السواحل واإذا اأصبح رئيس العشرية على احلدود قوياً‏ وانضمت له عشائر<br />

اأخرى كان يحصل على لقب ‏»اأوج بكي«‏ اأي حاكم احلدود،‏ ولكن <strong>الدولة</strong><br />

السلجوقية كانت تضع مشوؤولً‏ عنه من بني رجالها يلقب ب ‏»اأوج اأمريي«‏<br />

اأي اأمري احلدود،‏ وكثرياً‏ ما كان حكام احلدود يتحدّون احلكومة املركزية<br />

ويخلقون لها املشاكل اخلطرة،‏ فكانت اأعمال الغزاة على احلدود توؤدي اإىل<br />

‏صدام مسلح بني <strong>الدولة</strong> السلجوقية والبيزنطيني.‏<br />

. بالشعب والدفاع عن األرض:‏ كانت الأراضي يف مناطق احلدود مقسمة اإىل<br />

اإقطاعات،‏ وكان كل غاز ياأخذ اإقطاعاً‏ يورثه لأبنائه من بعده،‏ وهذا العمل<br />

اأدى اإىل حتول كثري من البدو اإىل حياة الزراعة وشكلوا قرى يف مناطق<br />

احلدود.‏ اأضف اإىل ذلك اأن بعض الرعايا البيزنطيني قد ترك بيزنطة وسكن<br />

يف املناطق الإسالمية هرباً‏ من الرضائب الباهظة يف بالده اأولً،‏ وانعدام<br />

الأمن ثانياً،‏ ودخلوا يف حماية اأمراء احلدود الأتراك؛ كي ياأمن البيزنطي على<br />

نفسه مقابل دفعه جزية بسيطة للمسلمني.‏ ووصل اأيضاً‏ اإىل مناطق احلدود<br />

جمموعة من الدراويش املسلمني لأن هذه الأرض تابعة اإىل دار الإسالم<br />

فاأخذوا على عاتقهم نرش الإسالم يف املناطق التي وصل اإليها الإسالم،‏ وقد<br />

اعتنقت الإسالم على اأيديهم عائالت مسيحية،‏ ومع اأن نرش الإسالم كان<br />

بطيئاً‏ اإىل حد ما زمن املغول يف الأناضول،‏ اإلّ‏ اأنه اسرتد مركزه املمتاز يف<br />

الأناضول ابتداءً‏ من عهد غازان )11( ‏)اأي الغزاة(‏ .<br />

وليس ‏صحيحاً‏ ما ذكره جيبونز املوؤرخ الأجنبي من اأن القرى املسيحية يف<br />

الأناضول قد اأكرهت على دخول الإسالم فدخلت الإسالم دفعة واحدة،‏ ولكن الصحيح<br />

اأن الإسالم دخل قلوب الناس هناك بالتدريج وبنسبة حمدودة،‏ واأن هذه النسبة<br />

مل ترتفع اإل بعد اأن رسخت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قدمها يف البلقان يف القرن اخلامس<br />

عرش امليالدي،‏ ثم ازداد الدخول يف الإسالم يف القرنني السادس عرش والسابع عرش<br />

امليالديني على يد الأتراك ورجال الدين املسلمني.‏<br />

25<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

26<br />

. تالفرق العسكرية على احلدود:‏ اإن اأهم دعائم تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

هي فرق:‏<br />

‎1.1‎الغزاة األبطال:‏ كان الأتراك قبل اإسالمهم يطلقون لقب ‏»اآلب«‏ على اجلماعة<br />

الأبطال الذين يقطعون احلدود ويحاربون الأعداء يف عقر دارهم،‏ ولكن بعد اإسالمهم<br />

اأخذوا يستعملون لقب ‏»غازي«‏ وذلك من باب الترشيف للمجاهدين يف ‏سبيل الدين،‏<br />

وصار هذا اللقب لقباً‏ رسمياً‏ يف اأرسة الدنشمانديني يف الأناضول،‏ ثم ‏صار لقباً‏<br />

رسمياً‏ على كثري من حكام احلدود،‏ وكانوا يرددون احلديث الرشيف ‏»من مات ومل<br />

يغز،‏ ومل ينو الغزو،‏ مات ميتة جاهلية«‏ )12( . وحديث اآخر ‏»من جهز غازياً‏ فقد غزا«.‏<br />

وقد ذكر حممد فوؤاد كوبريللي يف كتابه ‏»قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>«‏ اإن كلمة غازي<br />

ظهرت لأول مرة يف <strong>تاريخ</strong> الرتك يف ‏شعر عاشق باشا زاده يف عبارة ‏»غازيان روم«‏<br />

اأي غزاة الروم.‏ وكان هذا الشاعر قد عاش يف النصف الأول من القرن الرابع عرش<br />

امليالدي،‏ وقد ذكر الصفات التي يجب توافرها يف الشخص كي يصبح غازياً‏ اأو اآلب،‏<br />

والصفات التسع هي:‏ ‏»قوة القلب اأي الشجاعة،‏ قوة الساعد،‏ احلمية،‏ الزي اخلاص،‏<br />

الفرس اجلواد،‏ القوس،‏ السيف،‏ الرمح،‏ الرفيق املوافق«‏ )13( . وقد ذكر كوبريللي اأن<br />

عادة الغزو كانت متبعة عند القبائل الرتكية ‏شبه البدوية،‏ بينما ذكر املوؤرخ Wittek<br />

اأن عادة الغزو كانت متبعة منذ بداية الإسالم )14( .<br />

اأما يف اجلبهة الصفوية فاإن الأتراك الذين كانوا يف مواجهة اجليش الصفوي يف<br />

القرن السادس عرش فكان يطلق عليهم الغزاة فقط وهذا يختلف عمّا كان يف اجلبهة<br />

البيزنطية اآلب.‏<br />

‎2.2‎األخيان:‏ والفرقة الثانية التي كانت من دعائم تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

حسب رواية عاشق باشا زاده،‏ هي فرقة اأو طبقة الأخيان،‏ وقد ذكرها ابن بطوطة<br />

عندما ذكر طائفة ‏»الأخية الفتيان«‏ واأنها كانت موجودة يف كل قرية وكل قصبة<br />

‏)حي(‏ يف الأناضول.‏ ويضيف ابن بطوطة اأن الأخية هم الفتيان وهم ‏شباب عزّاب<br />

واأصحاب حرف ويراأس جماعتهم رئيس منتخب يلقب باآخي،‏ وكان بعضهم قد تبواأ<br />

املناصب الإدارية العليا )15( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

والظاهر اأن هذه الطائفة قد ارتفع ‏شاأنها اجتماعياً‏ لأنه التحق بها عدد من<br />

رجال <strong>الدولة</strong> يف الأناضول خاصة القضاة والشيوخ والتجار يف القرن الثالث والرابع<br />

عرش امليالديني.‏ ومن الشيوخ الذين اشتهروا يف ذاك العرص الشيخ عبدي بايل الذي<br />

عارص عثمان موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهو والد زوجته،‏ ورمبا كان هذا الشيخ عضواً‏<br />

يف الأخية،‏ وكان قد قلد عثمان ‏سيفاً‏ حسب عادة الأخية )16( .<br />

وليس ‏صحيحاً‏ ما ذكره املوؤرخ كوك Cook اأن هذا الشيخ ‏شجع عثمان على<br />

الغزو،‏ لأن عثمان كان مسلماً‏ وتابع عمل اأجداده يف الغزو وليس هذا بجديد عليه.‏<br />

‎3.3‎باجيان روم ‏)منظمة النساء(‏ : والطائفة الثالثة التي تناولها عاشق باشا<br />

زاده هي:‏ طائفة باجيان روم اأي منظمة النساء،‏ وقد قيل اإن اإمارة ذي القدر كانت<br />

يف بداية القرن اخلامس عرش لها قوة مسلحة من الرتكمان مكونة من 30,000 رجل<br />

و‎100,000‎ امراأة،‏ وكانت هذه النساء من حامالت السالح وهنّ‏ من قبائل تركمانية<br />

كانت تقطن مناطق احلدود )17( . ورمبا كان هذا الكالم غري ‏صحيح بل مدسوساً‏ على<br />

كالم عاشق باشا زاده؛ لأنه ل يعقل اأن يكون جيش يسكن على احلدود مكون من<br />

النساء،‏ خاصة اأن هذه الفئة ل ميكن اأن تقوم بالأعمال العسكرية الشاقة التي يقوم<br />

بها الرجال،‏ وكذلك لأن النساء مل يكنّ‏ يف ذلك العرص ‏)متحررات(‏ كما هنّ‏ يف الوقت<br />

احلارض اإىل حد ما،‏ ولأن عدد النساء مل يكن يف جيش ما اأضعاف عدد الرجال.‏ ولكن<br />

رمبا تكون هذه الطائفة هي طائفة ‏)حاجيان روم(‏ حجاج الأناضول اأو ‏)باخشيان<br />

روم(‏ وهي كلمة مغولية قدمية.‏ ورمبا يكون ‏صحيحاً‏ اأنها منظمة نساء.‏<br />

‎4.4‎الدراويش:‏ وقد اأنشاأ هوؤلء زوايا،‏ كان يلجاأ اإليها الأتراك املسافرون داخل<br />

وخارج املدن وقد منحهم السلطان اأوقافاً‏ يعتاشون منها.‏<br />

حتول إمارة عثمان إىل إمرباطورية:‏<br />

اأجمعت املصادر ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن قبيلة عثمان هي من قبائل الغز ‏)نسبة اإىل<br />

اأوغوزخان(‏ كغريها من القبائل الرتكية التي وفدت اإىل تركيا،‏ وهم ل يختلفون عن<br />

اأغلبية الرتك الذين وفدوا مع السالجقة،‏ وهناك مصادر <strong>تاريخ</strong>ية ‏رصحت بانتماء<br />

العثمانيني اإىل قبيلة قايي وهي من قبائل الغز كما ورد ذلك يف كتاب ‏»سلجوقنامه«‏<br />

الذي كتبه يازجني اأوغلي يف عهد مراد الثاين )18( . وقبيلة قايي هي من قبائل الغز<br />

27<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

28<br />

املعروفة بالأصالة والرشف،‏ وقد وصلت هذه القبيلة اإىل الأناضول مع السالجقة<br />

ولكنها انقسمت اإىل بطون واأفخاذ وسكنت يف مناطق خمتلفة يف الأناضول،‏ لدرجة<br />

اأننا نرى اليوم اأن هناك قرى متباعدة حتمل اسم قايي.‏<br />

ونستطيع القول اإذاً‏ اأن عثمان كان يراأس عشرية تنتمي اإىل قبيلة قايي وكانت<br />

تخضع لسالطني قونية،‏ وكان موطن هذه العشرية يف منطقة اأسكي ‏شهر الواقعة على<br />

احلدود الرتكية البيزنطية.‏ وكانت بالقرب منهم قبائل وعدد من اأمراء احلدود يغريون<br />

كلما وجدوا الفرصة ‏سانحة على احلدود البيزنطية،‏ ومنهم من كان يدخل املناطق<br />

ويوؤسس فيها قواعد ‏سياسية وعسكرية.‏ والشوؤال هو كيف استطاع عثمان يف تلك<br />

الفرتة وتلك املنطقة اأن يوؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>؟<br />

احلقيقة اأن اإمارة عثمان مبوقعها السرتاتيجي على الطريق الرئيسة التي تصل<br />

بني القسطنطينية واملدن الإسالمية يف بالد الشام،‏ ووقوعها كاإمارة تواجه الأراضي<br />

البيزنطية،‏ جعلها اإمارة اأكرث اأهمية من اإمارات اآسيا الصغرى مثل منتشه وايدين<br />

وصاروخان وقره ‏صي وسينوب وكرمان وغريها.‏ والسبب الرئيس الذي جعل اإمارة<br />

عثمان تعيش اأكرث عمراً‏ من غريها هو اأن الغزو اأصبح قليالً‏ يف تلك الإمارات؛ لذلك<br />

انضم هوؤلء الغزاة اإىل اإمارة عثمان التي مل يتوقف الغزو ومل يضعف عن طريقها،‏<br />

وهذا اأدى اإىل دوام استمرارها.‏<br />

كان الغزاة ينطلقون للغزو يف الأناضول اإىل ثالث جبهات ‏ضد البيزنطيني،‏ الأوىل<br />

يف اجلنوب يف اجلهة املواجهة اإىل كيليكيا حول اأنطاكيا وهي موجهة ‏ضد اأرمينيا<br />

الصغرى وضد جزيرتي رودس وقربص،‏ والثانية يف الشمال يف اجلهة املواجهة<br />

للدولة البيزنطية يف طرابزون على البحر الأسود،‏ والثالثة يف اجلهة الغربية اأي يف<br />

مواجهة <strong>الدولة</strong> البيزنطية نفسها،‏ واأهم الإمارات التي كان ينطلق الغزاة منها اإىل<br />

الغرب هي اإمارة ‏صاروخان وجرميان وعثمان،‏ وكان هدفهم الوصول اإىل كوتاهية<br />

وقره حصار ودنزيل.‏<br />

كان على راأس كل اإمارة ‏شخص يدعى اأمري الغزو،‏ وكانت اأشهر اجلبهات الثالث<br />

هي اجلبهة الغربية املواجهة لالإمرباطورية البيزنطية.‏ وكان قد اأطلق لقب ‏»اأمري الغزو«‏<br />

عام ‎1261‎م على ‏»نرصة الدين حسن وتاج الدين حسني«‏ اأولد الوزير السلجوقي فخر


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الدين علي )19( . وكان اأمراء الغزاة يقومون بغزو اأراضي <strong>الدولة</strong> البيزنطية،‏ كما اأقامت<br />

بعض عائالت الغزاة داخل حدود <strong>الدولة</strong> البيزنطية وضمت الأراضي الإسالمية اإىل<br />

حوزتها كما فعلت قبيلة عثمان.‏<br />

قلنا يف الصفحات السابقة اإن هناك روايات كثرية حول اأصل العثمانيني،‏ فمن<br />

هذه الروايات اأن قبيلة عثمان هربت من وجه املغول واستقرت يف اآسيا الصغرى<br />

بينما ذكرت روايات اأخرى اأن قبيلة عثمان جاءت مبعوثة من ‏سلطان السالجقة<br />

يف بغداد لتنظيم الغزاة.‏ واملهم يف الأمر اأن قبيلة عثمان وصلت اإىل اآسيا الصغرى<br />

بقيادة ‏سليمان وقد خلفه على اإمارة القبيلة اأرطغرل بن ‏سليمان،‏ وقد عمل اأرطغرل<br />

على ‏ضم كثري من املناطق البيزنطية وانضم له كثري من السالجقة حتى اعرتف به<br />

‏سلطان السالجقة يف بغداد.‏ وعندما تويف اأرطغرل عام ‎1280‎م استلم زمام القبيلة<br />

ابنه عثمان الذي ‏سميت <strong>الدولة</strong> باسمه.‏ ولنبداأ برشح مفصل عن كل ‏سلطان حكم <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏<br />

الغازي عثمان ‏)‏‎1280‎م – ‎1324‎م(‏ :<br />

ولد عثمان بن اأرطغرل عام ‎1258‎م ويعترب عثمان املوؤسس الفعلي للدولة<br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ حيث بداأ حياته بالغزو على البيزنطيني.‏ وكانت احلدود البيزنطية مرسحاً‏<br />

لغزوات عثمان ومتتد من نهر ‏سكاريا حتى مدينة كاستاموين وحتى املنطقة املمتدة<br />

جنوبي هذه املدينة.‏ وكانت مدينة كاستاموين قد ‏ضعف الغزو منها لذلك انضم الغزاة<br />

اإىل عثمان قادمني من هذه املدينة عام ‎1219‎م ومن الأماكن التي تقع حولها ودعموا<br />

عثمان كي يشاركوا يف الغزو،‏ ويف عام ‎1301‎م ‏سار عثمان وكثري من الذين انضموا<br />

حتت لوائه اإىل عاصمة البيزنطيني القدمية وهي مدينة اأزنك اأونيقية،‏ وقد ظهر عثمان<br />

بلباسه الرتكي القريب من لباس البادية وهو على راأس هذا اجليش وقد ‏شجعه ومتنى<br />

له النجاح يف غزوته ‏صهره الشيخ عبدي بايل اأو ‏)اإده بايل(‏ ، وكما يبدو واضحاً‏ اأن<br />

اجلبهة البيزنطية كانت ‏ضعيفة زمن عثمان؛ وهذا ما ‏شجعه على التوغل والتقدم يف<br />

جيشه اإىل العمق وخاصة لأن الأراضي البيزنطية اأصبحت واضحة اأمامه ومكشوفة<br />

اأمام الغزاة )20( . هذا بالإضافة اإىل رغبة عثمان يف نرش الإسالم يف املناطق التي<br />

وصلها.‏ وهكذا حصل اأول ‏صدام بني عثمان والبيزنطيني عام ‎1301‎م يف معركة<br />

قوين حصار وحقق عثمان النرص وضم اإليه اأراضٍ‏ كثرية.‏<br />

29<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

30<br />

لقد جنح عثمان يف كل غزواته وبهذا اأصبحت منطقة نفوذه اأوسع من منطقة<br />

نفوذ اأي اأمري من اأمراء الغزاة.‏ فقد امتدت ‏سلطته على املنطقة املمتدة من اأسكي ‏شهر<br />

حتى ‏سهول اأزنك وبورصة؛ ولأن هذه املدن الهامة مثل اأزنك وبورصة اأصبحت يف<br />

متناول يد عثمان خافت <strong>الدولة</strong> البيزنطية وبداأت حتسب لعثمان األف حساب اأكرث<br />

من غريه من اأمراء الغزاة،‏ لهذا بداأ حكام املناطق املسيحية البيزنطية بقيادة حاكم<br />

بيزنطة الحتشاد وتكوين قوة عسكرية لكرس عثمان،‏ فتوجهت هذه اجلموع البيزنطية<br />

اإىل اأزنك ودارت معركة يف ‏سهولها كانت نتيجتها لصالح عثمان،‏ وهرب اجليش<br />

البيزنطي والتجاأ اإىل مدينة قريبة هي اإزمد،‏ ولكن عثمان بدلً‏ من متابعة ومالحقة<br />

اجليش املهزوم ذهب اإىل حصار مدينة بورصة لأنها املدينة التي توقع اأن تكون<br />

خطراً‏ على اإمارته.‏ وكانت نتيجة انتصار عثمان اأن اأخذت الوفود الرتكمانية تزوره<br />

وتعلن الولء والطاعة له طالبة منه النضمام حتت لوائه كي تستفيد من الغزو.‏ وقد<br />

ملع اسم عثمان يف املرشق الإسالمي نتيجة انتصاراته،‏ لهذا اأطلق عليه ‏سلطان قونية<br />

السلجوقي لقب ‏»بك«‏ )21( .<br />

اأبدى عالء الدين كيقباد الثالث ‏سلطان دولة الأتراك السالجقة تقديره العميق<br />

خلدمات عثمان نتيجة انتصاراته على البيزنطيني فمنحه لقب ‏»عثمان غازي حفر<br />

تلري مرزبان عاليجاه عثمان ‏شاه«‏ اأي حرضة عثمان الغازي حارس احلدود العايل<br />

اجلاه عثمان بك«‏ )22( .<br />

ويف الوقت الذي كان عثمان ينتقل من نرص اإىل نرص،‏ كان اأمري اآيدين حممد بك<br />

يفتح مدناً‏ يف الأناضول ويضمها اإىل اإمارته مثل بريجي التي اتخذها عاصمة له،‏ ثم<br />

تابع زحفه حتى وصل اأزمري،‏ ونتيجة لذلك اأصبح رجالً‏ مرموقاً‏ يف اجلهة الغربية من<br />

الأناضول،‏ ومل يوؤدِ‏ ذلك اإىل تنافس بينهما اأو عداوة اأو حسد،‏ بل اأدى اإىل تشجيع كل<br />

منهما لالآخر يف فتح هذه احلصون البيزنطية.‏<br />

اإن انتصارات حممد بك اأمري اآيدين وعثمان يف الأناضول ل تعني اأن حياتهما<br />

كانت كلها حروب،‏ فقد اهتم عثمان مثالً‏ ببناء اجلوامع الكثرية وذلك لصبغ املناطق<br />

التي وصلها بالصبغة الإسالمية،‏ هذا بالإضافة اإىل اهتمامه بالناحية القتصادية<br />

والتجارية لرفع مستوى معيشة اأفراد اإمارته،‏ التي كانت مزدهرة اقتصادياً‏ وجتارياً‏<br />

وعمرانياً‏ والدللة على ذلك جندها يف زيارة ابن بطوطة لتلك املنطقة،‏ حيث وصفها


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

عندما زار املنطقة قائالً:‏ اإنه راأى مدناً‏ مزدهرة مثل مدينة دنزيل التي راأى فيها ‏سبع<br />

جوامع وسوقاً‏ جتارياً‏ ناجحاً‏ هذا بالإضافة اإىل املدن الأخرى التي وصفها مثل قره<br />

‏صي وبورصة وغريها )23( .<br />

ذكرنا قبل قليل اأن اسم عثمان اأصبح عالياً‏ بسبب النتصارات التي حققها كغازٍ‏<br />

على اجلبهة البيزنطية،‏ وحصوله على لقب بك من قبل السلطان السلجوقي عالء الدين<br />

كيقباد الثالث ‏سلطان قونية،‏ وبالإضافة اإىل هذا اللقب فقد حصل عثمان على اأراضٍ‏<br />

كثرية كان قد اأقطعها له السلطان السلجوقي،‏ حتى اأنه ‏سمح له برضب العملة باسمه<br />

وذكر اسم عثمان يف خطبة اجلمعة يف املساجد )24( . ومل يبق اإل اأن يطلق على عثمان<br />

لقب ملك ولكنه مل يحصل عليه.‏<br />

كانت ‏سياسة عثمان قبل الغزو تعتمد على اأسلوب تهديد املناطق التي ‏سوف<br />

يصلها،‏ لذلك كان يخريّ‏ حكام املناطق البيزنطية بني الإسالم اأو اجلزية اأو احلرب<br />

)25( . وقد اأسلم بعض حكام املناطق،‏ ودفع بعضهم اجلزية،‏ اأما الذين قرروا احلرب<br />

فهم كثريون،‏ وقد قام هوؤلء بالتعاون مع التتار لرضب عثمان ولكنهم فشلوا،‏ بل<br />

انترص عثمان على كل اأعدائه حتى اأنه وصل اإىل مشارف بورصة والقسطنطينية.‏<br />

وكان عثمان يسري من عاصمته دوماً‏ يف اجتاهني:‏ الأول جتاه البحر الأسود ‏شمالً‏<br />

والثاين جتاه بحر مرمرة غرباً.‏ واستطاع اأن يفرض على بورصة اجلزية مدة خمس<br />

‏سنوات حتى فتحها ابنه اأورخان.‏<br />

ولو حللنا ‏شخصية عثمان وفكره لوجدنا اأنه رجل يوؤمن باهلل ويطبق الإسالم<br />

وشعائره ويفي بالوعد اإذا وعد ويقيم احلد على العاصي ولو كان قريباً،‏ ويحرتم اأهل<br />

الذمة اإذا بقوا على عهدهم معه،‏ ولدينا اأكرث من دليل على كل نقطة ذكرناها:‏<br />

‎1.1‎فمثالً‏ بالنسبة لإميانه القوي بالدين الإسالمي نقول:‏ ‏»اإن عثمان بن اأرطغرل<br />

قد اأسس دولة تعتز بالإسالم،‏ ويعز بها الإسالم،‏ ويلوذ اإليها املسلمون،‏ وهذا ما يوؤكده<br />

املوؤرخ الرتكي اأحمد رفيق يف موسوعته املطبوعة باللغة الرتكية باأحرفها العربية<br />

‏»بيوك <strong>تاريخ</strong> عمومي«‏ اأي ال<strong>تاريخ</strong> العام الكبري،‏ حيث يقول:‏ كان عثمان متديناً‏ للغاية،‏<br />

وكان يعلم اأن نرش الإسالم وتعميمه واجب مقدس،‏ وكان معتنقاً‏ لفكر ‏سياسي واسع<br />

ومتني،‏ ومل يوؤسس عثمان دولته حبّاً‏ يف السلطنة،‏ واإمنا حباً‏ يف نرش الإسالم )26( .<br />

31<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

32<br />

‎2.2‎واأما عن وفائه بالعهد اإذا وعد نقول:‏ ‏»ولقد بلغ من ‏شدة حرص العثمانيني<br />

على التزام اآداب الإسالم يف الوفاء بالعهد،‏ اأنهم ظلوا طوال عدة قرون،‏ كما يروي<br />

املوؤرخ اإسماعيل حامي دنشمند يف كتابه:‏ ‏»موسوعة ال<strong>تاريخ</strong> العثماين«،‏ يدخلون<br />

قلعة اأولوباد بوساطة القوارب على الرغم من وجود جرس يوصل اإليها،‏ وذلك لأن اأمري<br />

القلعة البيزنطي كان قد اشرتط على عثمان بن اأرطغرل حني استسلم للجيش العثماين،‏<br />

اأن ل مير من فوق اجلرس اأي عثماين مسلم اإىل داخل القلعة«‏ )27( .<br />

‎3.3‎واأما بالنسبة لإقامة احلد والعقوبة على من خالف الإسالم ولو كان قريبه<br />

نقول:‏ اإن كتب ال<strong>تاريخ</strong> ‏شوّهت حقيقة العثمانيني،‏ عندما ذكرت اأن اأبناء ‏ساللة عثمان<br />

كانوا يقتلون اأخوتهم اأو اأعمامهم خوفاً‏ من تنافس الأخوة على احلكم،‏ وذكرت الكتب<br />

الأجنبية اأن هناك فتوى من ‏شيخ الإسالم بذلك،‏ ولكن احلقيقة ل توجد فتوى بذلك<br />

اأولً،‏ واأما ادعاء القتل فقد اأعمت الأباطيل والأكاذيب عيون املوؤرخني الأجانب وبدلوا<br />

احلقائق اأباطيل.‏ فمثالً‏ مل يقتل عثمان عمه دوندار حسداً‏ واإمنا قتله لأنه حتالف مع<br />

الأعداء،‏ والدللة على ذلك ما ذكره ‏»خري اهلل اأفندي«‏ الذي عارص عثمان بن اأرطغرل<br />

من اأن دوندار كان طرفاً‏ يف موؤامرة اتفق على تدبريها بالتعاون مع حاكم مدينة بيله<br />

جيك البيزنطي،‏ تستهدف اغتيال عثمان،‏ متهيداً‏ لوثوب دوندار اإىل الزعامة بدلً‏ من<br />

عثمان،‏ فلما كشفت املوؤامرة،‏ اأرصّ‏ عثمان وهو احلريص على تطبيق اأحكام الرشيعة<br />

الإسالمية على تنفيذ حكم اهلل يف عمه جزاء اقرتافه جلرمية موالة اأعداء الإسالم،‏<br />

والتاآمر معهم ‏ضد جماعة املسلمني )28( .<br />

يُعد عثمان بن اأرطغرل بن ‏سليمان رجالً‏ موؤمناً‏ مسلماً‏ دافع عن دار الإسالم،‏<br />

ويعترب املوؤسس الأول للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏»لقد وضع عثمان احلجر الأساس يف بناء<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1300‎م عندما اأغارت جموع التتار على ‏سلطنة قونية السلجوقية<br />

التي كان عثمان يعمل يف خدمة اأمريها عالء الدين كيقباد الثالث.‏ واأسفرت الغارة عن<br />

مقتل الأمري عالء الدين وويل عهده غياث الدين عام ‎1308‎م،‏ فاأمست السلطنة بدون<br />

‏سلطان،‏ فوجد عثمان يف ذلك فرصة ليعلن زعامته على السلطنة حتت اسم ‏»بادي ‏شاه<br />

اآل عثمان«‏ معلناً‏ بذلك ولدة اإمارة بني عثمان،‏ فاأصبحت املتنفس الوحيد للحماس<br />

الديني يف الإسالم يف الأناضول،‏ فجاءها كل راغب يف اجلهاد،‏ واجتذبت اإليها اأعداداً‏<br />

من املتحمسني لنرصة الدين )29( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ويف الأيام الأخرية من حياة عثمان اأوصى ابنه اأورخان الذي استلم احلكم بعده<br />

بوصية نستشف منها روح الإسالم والدفاع عنه قال فيها:‏ ‏»اعلم يا بني،‏ اأن نرش<br />

الإسالم،‏ وهداية الناس اإليه،‏ وحماية اأعراض املسلمني واأموالهم،‏ اأمانة يف عنقك،‏<br />

‏سيشاألك اهلل عز وجل عنها...‏ يا بني،‏ اإنني اأنتقل اإىل جوار ربي واأنا فخور باأنك ‏ستكون<br />

عادلً‏ يف الرعية،‏ جماهداً‏ يف ‏سبيل اهلل لنرش دين الإسالم.‏ يا بني اأوصيك بعلماء الأمة<br />

اأدم رعايتهم،‏ واأكرث من تبجيلهم،‏ واأنزل على مشورتهم،‏ فاإنهم ل ياأمرون اإل بخري،‏ ...<br />

واأعلم يا بني،‏ اأن طريقنا الوحيد يف هذه الدنيا هو طريق اهلل،‏ واأن مقصدنا الوحيد هو<br />

نرش دين اهلل،‏ واأننا لسنا طالب جاه ول دنيا«‏ )30( .<br />

وتويف عثمان عام ‎1324‎م تاركاً‏ لبنه اأورخان اإمارة مرتامية الأطراف وجيشها<br />

الغازي يف كل مكان يف الأناضول مدافعاً‏ عن دار الإسالم وحمارصاً‏ مدناً‏ هامة<br />

مثل بورصة وغريها.‏ وذكر حممد فريد بك املحاميً‏ اأن عثمان تويف عن عمر يناهز<br />

السبعني عاماً‏ ودفن يف مدينة بورصة اأو بروسة وكانت هذه املدينة قد فتحها ابنه<br />

اأروخان بينما كان عثمان اآنذاك على فراش املوت،‏ واأصبحت هذه املدينة عاصمة<br />

جديدة لالأتراك العثمانيني،‏ وقد بنى فيها السالطني فيما بعد ثالثة مساجد هي يشيل<br />

جامع،‏ اأولو جامع،‏ ييلدرم )31( .<br />

أورخان بن عثمان ‎1324‎م – ‎1360‎م:‏<br />

استلم اأورخان البن الثاين لعثمان زمام اأمور الإمارة <strong>العثمانية</strong> بعد وفاة والده،‏<br />

بينما استلم البن الأكرب لعثمان وهو عالء الدين مركز الصدر الأعظم اأي رتبة رئيس<br />

الوزراء،‏ وتفرغ اأورخان للفتوحات الإسالمية.‏<br />

وعن ‏سياسته فقد قام اأورخان مبتابعة احلروب والغزوات التي كان قد ‏سار عليها<br />

والده عثمان،‏ وقام باأعمال كالتي قام بها والده مثل ‏سك العملة واملناداة باسمه يوم<br />

اجلمعة على املنابر الإسالمية يف منطقته،‏ ومهادنة اإخوانه يف الرشق الإسالمي وهم<br />

السالجقة.‏ وكانت ‏سياسة اأورخان اأيضاً‏ اإيجاد اأراضي وقف لرصف مرتبات اجلنود<br />

من الوقف ومن الغنائم التي كان ياأخذ خمسها للدولة،‏ وكان يعطي الشيوخ املتصوفة<br />

معاشات ومنحاً‏ خاصة؛ وذلك بسبب احرتامه لرجال الدين املسلمني.‏<br />

استطاع اأورخان اأن يفتح مدينة بروصة عام ‎1326‎م بعد حصارها منذ زمن<br />

33<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

34<br />

والده،‏ وقد اتخذها عاصمة له حلسن موقعها،‏ واأرسل اجليوش <strong>العثمانية</strong> اإىل املدن<br />

الأخرى يف اآسيا الصغرى ففتحوا مدناً‏ كثرية،‏ اأما هو فقد اجته نحو اأزمد فدخلها<br />

فاحتاً‏ مظفراً‏ وتبعتها مدينة اإزنك بعد ‏سنتني،‏ وقد عامل ‏سكان املدن املفتوحة باللني<br />

والرفق واملحبة،‏ حتى اأنه مل يعارضهم يف اإقامة ‏شعائر دينهم وسمح ملن يريد<br />

املهاجرة من املناطق املفتوحة اإىل اأوروبا،‏ بينما بقي الكثري منهم يف بيوتهم وكل<br />

فرد كان اآمناً‏ مطمئناً‏ وذلك بسبب الأمن داخل دولته )32( .<br />

واأسس اأورخان مدارس عالية يف بورصة واأزنك واأزمد وقيل اإنه اأسس جامعة<br />

عثمانية يف اإزمد بعد اأن فتحها عام ‎1327‎م وكانت اأول جامعة عثمانية يف زمنه<br />

وكانت من اأعظم املعاهد التعليمية عند املسلمني )33( .<br />

وقد ‏سك اأورخان عمله جديدة اسمها اأقجة وهي قطعة بيضاء كان قد كتب على<br />

الوجه الأول من العملة الشهادتني ‏)اأشهد اأن ل اإله اإل اهلل واأن حممداً‏ رسول اهلل(‏ ، واأما<br />

الوجه الآخر من العملة فكان مكتوب عليه اسم اأورخان والدعاء له بكلمات هي ‏»خلّد<br />

اهلل ملكه«‏ )34( .<br />

وبعد الفتوحات التي انترص يف معاركها اأورخان وجيشه،‏ اأصبحت منطقة<br />

الأناضول كلها بيده اإل بعض املناطق التي كان من السهل عليه الوصول اإليها وهي<br />

على الساحل الشمايل لالأناضول مثل طرابزون.‏ هكذا نستطيع القول اإن الرب الآسيوي<br />

كان حتت اإمرة اأورخان ما عدا الساحل من طرابزون على ‏ساحل البحر الأسود وحتى<br />

القسطنطينية وبحر مرمرة.‏<br />

كانت عالقة اأورخان مع الإمرباطور البيزنطي يوحنا السادس حسنة وعالقة<br />

طيبة،‏ وقد طلب يوحنا املساعدة من العثمانيني ‏ضد منافسه على احلكم يوحنا<br />

اخلامس باليولوغوس،‏ واستعد اأورخان ملساعدة الإمرباطور البيزنطي،‏ فجهز اأورخان<br />

جيشاً‏ قوياً‏ عام ‎1345‎م بقيادة ابنه ‏سليمان الذي استطاع اأن يعرب به مضيق الدردنيل<br />

على ‏سفن بيزنطية اإىل اجلبهة الأوروبية،‏ فوصل تراقية.‏ واستمر ‏سليمان يف زحفه<br />

يف البلقان حتى استطاع اسرتجاع مدينة ‏سالونيك من ملك ‏رصبيا واأرجعها اإىل<br />

حاكم القسطنطينية البيزنطي.‏ وازدادت العالقات احلسنة بني اأورخان والإمرباطور


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

البيزنطي عندما اأعطى الإمرباطور ابنته ثيودورا هدية اإىل اأورخان كي يتزوجها على<br />

مساعدته له ‏ضد خصمه.‏<br />

وبعد انتصار اأورخان وسليمان يف البلقان وتراقية استلم العثمانيون مراكز<br />

حساسة اإسرتاتيجية يف اأرخبيل غاليبويل،‏ الأرخبيل الذي يتحكم يف املواصالت<br />

البحرية بني الأناضول وتراقية.‏ ووطد العثمانيون قوتهم يف الهلسبونت بعد توقيعهم<br />

اتفاقية جنوة عام ‎1354‎م،‏ واأصبحت اأوروبا والبلقان حتت رحمة اجليوش <strong>العثمانية</strong><br />

بعد دخولهم البلقان )35( .<br />

عندما انتهت مهمة ‏سليمان يف البلقان طلب احلاكم البيزنطي من ‏سليمان<br />

مغادرة البلقان بعد هذه النتصارات التي متت على يديه،‏ حتى اأنه اتخذ غاليبويل<br />

مقراً‏ له وقاعدة لنطالق جيوشه على املدن البيزنطية يف اجلبهة الأوروبية،‏ وقام<br />

اأيضاً‏ بتوطني كثري من الأتراك يف منطقة البلقان الأوروبية معتمداً‏ عليهم يف حروبه<br />

املستقبلية.‏ ويعترب ‏سليمان اأول قائد تركي دخل املناطق البيزنطية يف البلقان<br />

فاحتاً.‏ واستغل ‏سليمان وجوده يف املناطق الأوروبية،‏ فاكتشف مدى ‏ضعف املناطق<br />

البيزنطية يف حالة هجومه على مدنهم يف البلقان.‏<br />

وحدثت ب<strong>تاريخ</strong> ‎1354/3/2‎م زلزل جعلت ‏سليمان يفرس حصول الزلزل<br />

برضورة بقائه يف البلقان ول يغادرها بعد اأن فرس له املفرسون اأن هذا الزلزال دللة<br />

على اأن اهلل منح هذه املناطق للمسلمني وعليهم عدم مغادرتها.‏ وقد اأجاب ‏سليمان<br />

اإىل احلاكم البيزنطي يف القسطنطينية باأن الزلزال يعني اأن تبقى القوات الإسالمية<br />

يف البلقان )36( .<br />

وقد تويف ‏سليمان عام ‎1358‎م خملفاً‏ وراءه جبهة اإسالمية عريضة يف البلقان.‏<br />

وتويف والده بعد ‏سنتني تقريباً.‏<br />

اجليش االنكشاري زمن أورخان:‏<br />

كان اجليش العثماين موؤلفاً‏ من املتطوعني واملندفعني للجهاد يف ‏سبيل اهلل،‏<br />

وكان هوؤلء الغزاة يقيمون على احلدود البيزنطية.‏ وقد ذكرت الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن<br />

اأورخان اأنشاأ جيشاً‏ جديداً‏ هو اجليش النكشاري ‏»يني ‏رشي«،‏ ولكن اختلفت الروايات<br />

ال<strong>تاريخ</strong>ية يف تكوين هذا اجليش اجلديد.‏<br />

35<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

36<br />

فقد ذكرت اأكرث الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية نقالً‏ عن مصادر اأجنبية اأن هذا اجليش اجلديد<br />

قد تكون بسبب كرثة الغنائم التي جمعها اأورخان،‏ فكان اأورخان ياأخذ 5/1 خمس<br />

الأرسى يف احلرب وتقوم <strong>الدولة</strong> برتبيتهم تربية اإسالمية بحيث ل يعرفون لهم اأباً‏<br />

اأو اأماً‏ لأنهم يكونون اأثناء جمعهم من املناطق املسيحية ل يتجاوزون العارشة من<br />

العمر،‏ وكان الشيخ بكطاش ‏شيخ الطريقة البكطاشية يف اأماسيا قد بارك هذا اجليش<br />

وسماه باجليش اجلديد )37( . وهذه روايات اأجنبية القصد منها مس ‏سمعة الإسالم<br />

والتنديد بالطريقة الإسالمية يف تاأليف اجليش وكذلك لقلب احلقائق اأي اأن اجليش<br />

بدلً‏ من اأن يكون مسلماً‏ يكون بذلك مسيحياً.‏<br />

ولكن احلقيقة يف كيفية تكوين اجليش االنكشاري هي كاالآتي:‏<br />

مل يكن اجليش العثماين جيشاً‏ تشكل من اأطفال النصارى بل كان جيشاً‏ اإسالمياً‏<br />

تشكل من اأبطال الإسالم )38( . لقد كان افرتاءً‏ واضحاً‏ وكذباً‏ مكشوفاً‏ على العثمانيني<br />

باأنهم كانوا ينتزعون اأطفال النصارى من اأحضان اآبائهم واأمهاتهم ليكرهوهم<br />

على اعتناق الإسالم وتبنى هذا الفرتاء والكذب كل من املوؤرخني الأجانب ومنهم<br />

بروكلمان،‏ وجيبونز،‏ وجب،‏ وسومرفيل وغريهم من املوؤلفني الذين كان قصدهم الطعن<br />

يف الإسالم.‏ حتى اأنهم ذكروا اأن العثمانيني كانوا قد فرضوا ‏رضيبة اسمها ‏رضيبة<br />

الغلمان على جميع الشباب من ‏سن العارشة حتى اخلامسة عرش من اأبناء املسيحيني،‏<br />

وعرفت هذه الطريقة اأي جمع الشباب املسيحيني ‏»بالدفشريما«‏ واأخذت <strong>الدولة</strong> خمس<br />

هوؤلء الشباب.‏ اأما كلمة دفشريما me“ ”Dos, or فتعني بالرتكية الإسقاط اأو السقوط<br />

)39( . وتطلق عادة على املواليد حديثي الولدة الذين جتهض بهم اأمهاتهم فيخرجون<br />

اإىل الدنيا اأمواتاً،‏ اأو على الذين تلدهم اأمهاتهم ‏رساً،‏ ثم يقذفون يف الطرقات.‏ واأطلقت<br />

هذه الكلمة على كل لقيط اأو مرشد لأي ‏سبب من الأسباب.‏ واأضاف زياد اأبو غنيمة يف<br />

كتابه:‏ اأنه يف بالد العرب يجري اللسان كثرياً‏ بهذه الكلمة،‏ فيقال ‏»رجل دارش«،‏ يراد<br />

به الرجل الذي ل يعرف له ويل اأمر يرجع اإليه يف ‏شوؤونه وكذلك ‏»امراأة دارشة«‏ يراد<br />

بها املراأة التي ل يعرف لها ويل اأمر ترجع اإليه يف ‏شوؤونها«‏ )40( .<br />

واحلقيقة اأن ما قيل حول نظام الدفشريما ليس ‏سوى اأباطيل دسّ‏ ت على <strong>تاريخ</strong><br />

العثمانيني فلم يكن نظام الدفشريما كما يزعم الأجانب احلاقدون لإرغام النصارى<br />

على الإسالم،‏ واإمنا كان نظاماً‏ اإنسانياً‏ اأخذت <strong>الدولة</strong> على عاتقها مبوجبه مشوؤولية


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

رعاية اللقطاء واملرشدين من الأطفال النصارى الذين تركتهم احلروب املستمرة<br />

اأيتاماً‏ ومرشدين فدربتهم وعلمتهم الدين الإسالمي واأدخلتهم يف اجليش.‏ فالعثمانيون<br />

املسلمون يحرتمون الرشيعة الإسالمية فلم ينتزعوا الأطفال من اأحضان اأمهاتهم<br />

لإجبارهم على الإسالم اأو لتنفيذ ‏رضيبة يُطلق عليها ‏رضيبة الغلمان،‏ كما ادعى<br />

املوؤرخون الأجانب اأن املعارك يف اأي بلد ما وعرب ال<strong>تاريخ</strong> وخاصة املعارك الطاحنة<br />

واحلاسمة التي وقعت بني املسلمني والبيزنطيني خلفت وراءها عدداً‏ كبرياً‏ من الأطفال<br />

قد فقدوا اآباءهم واأمهاتهم نتيجة املعارك اأو نتيجة هرب الأب والأم،‏ وهو اأمر يحدث<br />

يف كل حرب،‏ فال عجب اأن يتعهد العثمانيون بجمع هوؤلء الأطفال اليتامى املرشدين<br />

الذين هاموا على وجهوهم يف الطرقات يف املدن املفتوحة بعد فقدانهم لأمهاتهم<br />

واآبائهم،‏ ول عجب اأن يتعهد العثمانيون هوؤلء الأطفال بالرعاية وتاأمني مستقبلهم.‏<br />

لقد قدم العثمانيون احلنان الالزم لهم.‏ ولالأسف الشديد اأن املوؤرخني املسلمني قد نقلوا<br />

عن املوؤرخني الأجانب كيفية نظام الدفشريما اأي جمع اأبناء النصارى من اأحضان<br />

اأمهاتهم وقد انطلت هذه الأباطيل على معظم هوؤلء املوؤرخني املسلمني وعلموها يف<br />

مدارسهم وجامعاتهم.‏<br />

اإن احلقيقة حول تشكيل اجليش النكشاري هي اأن اأورخان مل يجرب اأحداً‏ من<br />

اأرسى النصارى ل مبوجب نظام الدفشريما ‏)اللقطاء(‏ ول مبوجب ‏رضيبة الغلمان<br />

املزعومة لتشكيل جيش جديد.‏ اإن الإسالم يرفض مبداأ الإكراه يف الدين واأورخان<br />

رجل مسلم متدين كاأبيه،‏ بل اإن اأخاه الأكرب عالء الدين الذي اأشار عليه بتشكيل هذا<br />

اجليش اجلديد كان مسلماً‏ متصوفاً‏ وعاملاً‏ يف الرشيعة الإسالمية.‏ ثم ما حاجة<br />

اأورخان اإىل ‏ضم الآلف من نصارى املسيحيني لتشكيل جيش يكون عمود <strong>الدولة</strong><br />

يف الوقت الذي يتقاطر على احلدود الإسالمية البيزنطية اآلف املسلمني املتطوعني<br />

حباً‏ يف اجلهاد يف ‏سبيل اهلل.‏ اإن املعارك التي خاضها اأورخان توؤكد اأنه كان يعتمد<br />

فيها على املجاهدين الذين كان يطلق عليهم بالرتكية Akincilar اأي املندفعون ‏)اأهل<br />

النفري(‏ الذين كانوا يستجيبون لنداء اجلهاد كما قال تعاىل:‏ ‏“انفروا خفافاً‏ وثقالً‏<br />

وجاهدوا يف ‏سبيل اهلل باأموالكم واأنفسكم”.‏ ‏صدق اهلل العظيم.‏<br />

وبسبب كرثة الفتوحات واحلروب والغزو اأدرك اأورخان اأنه بحاجة اإىل جيش<br />

نظامي يكون موجوداً‏ دائماً،‏ فاستشار اأخاه الأكرب عالء الدين وعدداً‏ من القادة<br />

37<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

38<br />

الآخرين،‏ فاأشار عليه عالء الدين وقائده قره خليل بفكرة اإيجاد جيش نظامي يكون<br />

دائم الستعداد للحرب.‏ واقتنع اأورخان بهذه الفكرة،‏ فجمع األفاً‏ من املجاهدين من<br />

فرسان عشريته ومن الروم الذين اأسلموا وحسن اإسالمهم وجماهدي النفري،‏ وذهب<br />

اأورخان بهم اإىل ‏شيخ الطريقة البكطاشية كي يبارك بهم،‏ فباركهم هذا الشيخ ودعا<br />

لهم النرصة يف احلروب يف ‏سبيل الإسالم.‏ وقد ‏سماهم ‏“يني ‏رشي”‏ اأو انكشاري اأي<br />

اجليش اجلديد.‏ وكانت راية اجليش من قماش اأحمر يف وسطها هالل وحتت الهالل<br />

)41(<br />

‏صورة لسيف اأطلقوا عليه اسم ذي الفقار تيمناً‏ بسيف ‏سيدنا علي كرم اهلل وجهه<br />

. ومل يلبث اجليش اجلديد اأن تزايد عدده بسبب كرثة املتطوعني واأصبح يضم اآلفاً‏ من<br />

املجاهدين يف ‏سبيل اهلل؛ لأن الهدف الرئيس من تشكيل اجليش اجلديد هو اجلهاد يف<br />

‏سبيل اهلل ونرش الإسالم وفتح املزيد من اأراضي البيزنطيني.‏<br />

ونقول اأخرياً‏ اأن السلطان اأورخان مل ينتزع غالماً‏ واحداً‏ من حضن اأمه اأو اأبيه،‏<br />

ومل يكره اأحداً‏ من النصارى على اعتناق الإسالم،‏ واأن كل ما زعمه بروكلمان وغريه<br />

من املسترشقني غري ‏صحيح واإمنا قصد الإساءة اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واإىل الإسالم<br />

عموماً.‏<br />

تويف اأورخان بن عثمان ‏سنة ‎1360‎م وعمره )81( ‏سنة ودام حكمه 35 ‏سنة<br />

قضاها جماهداً‏ يف ‏سبيل اهلل،‏ ودفن يف مدينة بروصه يف مقربة اأمراء وسالطني اآل<br />

عثمان،‏ وخلفه يف احلكم ابنه مراد الأول.‏<br />

السلطان الغازي مراد األول بن أورخان ‏)‏‎1360‎م – ‎1389‎م(:‏<br />

تابع مراد الأول ‏سياسة والده وجده عثمان يف فتح احلصون البيزنطية ونرش<br />

الإسالم يف البلقان كلها.‏ ونستطيع اأن نطلق عليه موؤسس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> رسمياً‏<br />

يف املناطق الأوروبية؛ لأنه استطاع فتح بالد البلغار والرصب ومقدونيا.‏ كانت اأوىل<br />

فتوحاته يف اأدرنة التي اتخذها عاصمة له عام ‎1361‎م وهو من فتح القسطنطينية<br />

عام ‎1453‎م وبهذا استطاع اأن يعزل العاصمة البيزنطية؛ لأنه قام بالفتوحات يف<br />

غربها وسيطر عليها،‏ ثم عرب نهر ماريتسا وسيطر على املناطق املجاورة،‏ وفتح<br />

مدينة فيال بوليس ‏)غاليبويل(‏ عام ‎1363‎م والوادي املجاور لها،‏ املشهور بزراعة<br />

الأرز والقمح وهو الذي كان ميون العاصمة القسطنطينية باملواد الغذائية،‏ وبسيطرته


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

عليه يكون قد قطع الغذاء عن العاصمة.‏ واإىل جانب اأهميته القتصادية،‏ فهو مهم<br />

من الناحية الإسرتاتيجية؛ لأنه يقطع التصال بني اليونان والبلغار.‏ وكان نتيجة<br />

‏سقوط اأدرنة واملدن الأخرى،‏ اأن قامت وحدة بني املسيحيني يف مناطق البوسنة<br />

وهنغاريا ورصبيا وذلك كي يطردوا الأتراك العثمانيني من البلقان،‏ ولكن السلطان<br />

مراد الأول تصدى لهم وكرسهم،‏ ونتيجة جناحه يف هذه املعركة تقدم غرباً‏ وتوغل<br />

اأكرث يف املناطق املسيحية الواقعة يف البلقان وفتح املدينة تلو الأخرى،‏ وهذا العمل<br />

اأغضب البابا املسيحي،‏ فاأخذ على عاتقه العمل لإيقاف مراد عند حده،‏ حيث نادى<br />

املسيحيني يف كل اأوروبا ‏سنة ‎1366‎م برضورة طرد الأتراك وتشكيل وحدة ‏صليبية<br />

اأوروبية قوية تكون اأقوى من الأتراك كي تقذف بهم يف املضيق والبحر وتطردهم<br />

اإىل الأناضول.‏ ولكن مناداة البابا مل جتد اأذناً‏ ‏صاغية اإل عند حاكم منطقة ‏سافوي<br />

‏)اأماديوس(‏ الذي استطاع اسرتجاع غاليبويل )42( بعد معارك عنيفة جرت بينه وبني<br />

العثمانيني.‏<br />

كان اأسطول حاكم ‏سافوي قوياً‏ اأقوى من الأسطول العثماين وهذا اأدى اإىل جناحه<br />

يف اسرتجاع غاليبويل من املسلمني.‏ وسلم مراد غاليبويل للبيزنطيني كي يحافظوا<br />

عليها ورجع اإىل بالده.‏ ورغم جناحه يف كرس العثمانيني واسرتجاع غاليبويل اإل<br />

اأنه مل يتابع مالحقة العثمانيني بسبب ظروف داخلية يف بالده.‏ وبعد اأكرث من عرش<br />

‏سنوات طلب اأحد البيزنطيني حماية العثمانيني له من خصمه مقابل اإعطاء غاليبويل<br />

هدية للمسلمني عام ‎1379‎م.‏<br />

اإن اخلطة احلربية التي اتبعها مراد الأول يف ‏سريه يف بالد البلقان وجناحه يف<br />

معظم احلروب هي اأنه قسّ‏ م اجليش اإىل ثالثة اأقسام اأو جبهات يف اآن واحد،‏ وهذه<br />

اجلبهات هي:‏<br />

‎1.1‎جبهة الوسط وذلك قرب نهر ماريتسا حيث استطاع فتح مدينة ‏صوفيا عام<br />

‎1385‎م ومدينة نيش عام ‎1386‎م.‏<br />

‎2.2‎اجلبهة اليمنى حيث يقع فيها نهر توجنا.‏<br />

‎3.3‎اجلبهة اليرسى واجلنوبية حيث وصل العثمانيون اإىل ‏سرييز عام ‎1383‎م<br />

وحارصوا ‏سالونيك عام ‎1387‎م وهي ثاين اأكرب مدينة بيزنطية.‏<br />

39<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

40<br />

ونتيجة هذه احلروب <strong>العثمانية</strong> الناجحة على البيزنطيني فرض عليهم مراد دفع<br />

اجلزية لذلك خاف زعماء اأوروبا فقام بعضهم واأعلنوا خضوعهم ودفع اجلزية،‏ وصمم<br />

بعضهم الآخر على مقاومة الزحف العثماين.‏<br />

ويجب اأن ل ننسى مدى تفكك اجلبهة البيزنطية والأوروبية من ‏رصاعات داخلية،‏<br />

ل ميكن اأن تكون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف مناأى عنها،‏ بل يجب اأن يكون لها دور فعال يف<br />

لعب حوادث <strong>تاريخ</strong>ية نتيجة هذا التفكك الأوروبي.‏ وللدللة على التفكك الأوروبي قام<br />

ملك بلغاريا وهو امللك ‏شيشمان وطلب حماية السلطان العثماين عندما علم اأن وحدة<br />

اأوروبية ‏ستقوم برضبه،‏ وكانت الدول الأوروبية قد حتالفت على ‏رضب ‏شيشمان هي<br />

ولشيا وهنغاريا.‏ فتصدى العثمانيون وملك بلغاريا ‏شيشمان لهذا احللف الأوروبي<br />

وساروا نحو نهر الدانوب،‏ وبسب القوة <strong>العثمانية</strong> خاف حاكم ولشيا وانفصل عن<br />

الوحدة الأوروبية واأدار ظهره لالأوروبيني والهنغاريني )43( . وبذلك انفصمت عرى<br />

الوحدة الأوروبية.‏ واأدى حترك العثمانيني يف البلقان للدفاع عن ‏شيشمان اأن ‏سيطر<br />

العثمانيون على مناطق يف البلقان مل يخرجوا منها،‏ وهكذا بقيت القوى <strong>العثمانية</strong><br />

يف البلقان تتحدى الدول الأوروبية جميعها حتى عام ‎1389‎م عندما قامت معركة<br />

قوصوه ب<strong>تاريخ</strong> ‎15‎‏/حزيران ‏سنة ‎1389‎م.‏<br />

وجتدر الإشارة اإىل اأنه قبل قيام معركة قوصوه ‏»ميدان الطيور السود«‏ رجع<br />

ملوك اأوروبا الذين انفصلوا عن الوحدة الأوروبية اإىل الوحدة من جديد فمثالً‏ رجع<br />

حاكم ولشيا للوحدة الأوروبية،‏ حتى اأن ‏شيشمان نفسه انفصل عن السلطان العثماين<br />

علماً‏ باأنه كان يحميه ورجع اإىل الوحدة الأوروبية.‏ وعندما قامت املعركة،‏ كانت<br />

اجلبهة الأوروبية وحدة واحدة متواصلة قوية ولكن السلطان مراد تصدى لهم وانترص<br />

يف املعركة.‏<br />

وبينما كان السلطان يتجول بني القتلى الأوروبيني اإذ غدر به اأحد اجلرحى<br />

البيزنطيني فرضب السلطان ‏رضبة اأردته قتيالً‏ عام ‎1389‎م.‏ ولكن استطاع<br />

العثمانيون من اأرس ملك الرصب لزار ثم قتلوه بناءً‏ على اأوامر اأبناء مراد وهم بايزيد<br />

ويعقوب.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ولو رجعنا للوراء ونظرنا اإىل <strong>تاريخ</strong> مراد الأول وحروبه يف البلقان لوجدنا اأنه<br />

استطاع كما قلنا ‏سابقاً‏ اأن يفرض اجلزية على ملوك اأوروبا مثل ملك البلغار وملك<br />

الرصب وذلك عام ‎1379‎م.‏ وعندما تاأخرا يف دفع اجلزية قام مراد وجهز جيشاً‏<br />

لإخضاعهما واإجبارهما على دفع اجلزية من جديد.‏ وبعد معركة قوصوه عام ‎1389‎م<br />

قضى اجليش العثماين على استقالل الرصب والبلغار نهائياً.‏<br />

وحرص مراد الأول اأثناء حكمه على اأن يوازن توسعه يف البلقان بتوسعات يف<br />

الرشق اأيضاً‏ اأي يف جبهة الأناضول.‏ فمثالً‏ استطاع اجليش العثماين اأن يدخل اأنقرة<br />

ذات احلضارة السلجوقية،‏ وسيطر على مدينة قره ‏صي التي كانت تفصل العثمانيني<br />

عن مضيق الدردنيل.‏ ونتيجة انتصارات مراد يف اجلبهة الرشقية قام اأمراء الغزاة يف<br />

الرشق والتفوا حول اأمري كرمان لالنتقام منه اإل اأنه هزمهم ومد نفوذه ‏رشقاً.‏ واتبع<br />

اأساليب اأخرى للسيطرة على اأمراء الغزاة عدا عن حماربته لهم واأهم هذه الأساليب هي<br />

الزواج )44( من اأرس اأمراء الغزاة ليصبح ‏صهراً‏ لهم،‏ وكان اأيضاً‏ يقوم برشاء اأراضيهم.‏<br />

فمثالً‏ تزوج بايزيد بن مراد الأول من بنت اأمري كرمان فما كان من الأخري اإل اأن قدم<br />

مهراً‏ لبنته اإعطاء مدينة كوتاهيه للعثمانيني )45( . واتبع مراد ‏سياسة الرتحيل Sur<br />

gun اجلماعي من البلقان اإىل الأناضول وبالعكس وذلك كي يكرث العنرص الإسالمي<br />

يف البلقان.‏<br />

ويجدر بنا اأن نذكر ‏شيئاً‏ عن ‏شخصية مراد االأول االإسالمية وجوانب<br />

مضيئة من ‏شخصيته:‏<br />

‎1.1‎كان ملتزماً‏ بالرشيعة الإٍسالمية وتطبيقها.‏ والدليل على ذلك اأنه عندما تاآمر<br />

ابنه ‏ساوجي مع الأمري اأندرونيقوس ابن الإمرباطور البيزنطي يوانيس،‏ وسار الثنان<br />

على راأس جيش من البيزنطيني وبعض املخدوعني من اجلنود العثمانيني ملحاربة<br />

اجليش العثماين الإسالمي،‏ كانت نتيجة املعركة هزمية املتاآمرين،‏ فقرر مراد عرض<br />

هذا الأمر على علماء الرشيعة،‏ فحكموا على ‏ساوجي ابن السلطان مراد باملوت جزاء<br />

خروجه على طاعة ويل الأمر وجزاء موالته للكفار لقتال اجليش العثماين املسلم،‏<br />

وتدخل البعض لدى السلطان اأن ل يعدم ابنه،‏ ولكن السلطان اأرص على اإقامة وتنفيذ<br />

حكم الرشيعة على ولده فاأعدمه )46( .<br />

41<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

42<br />

‎2.2‎لقد اأمضى مراد الأول الليل طوله قبل قيام معركة قوصوه عام ‎1389‎م<br />

داعياً‏ اهلل النرص على اأعدائه وكرس ملك الرصب لزار،‏ فكان يقول يف دعائه:‏ »... اإلهي<br />

ومولي تقبل دعائي وترضعي،‏ واأنزل علينا برحمتك غيثاً‏ يطفئ من حولنا غبار<br />

العواصف،‏ واغمرنا بضياء يبدد من حولنا الظلمات،‏ حتى نتمكن من اإبصار مواقع<br />

عدونا فنقاتله يف ‏سبيل اإعزاز دينك العزيز...‏ اإلهي ومولي اإن كان يف استشهادي<br />

جناة جلند املسلمني فال حترمني الشهادة يف ‏سبيلك لأنعم بجوارك ونعم اجلوار<br />

جوارك.‏ اإلهي ومولي،‏ لقد ‏رشفتني باأن هديتني اإىل طريق اجلهاد يف ‏سبيلك فزدين<br />

‏رشفاً‏ باملوت يف ‏سبيلك«‏ )47( .<br />

‎3.3‎وقد استشهد السلطان مراد الأول يف املعركة بطعنة جريح ملقى على الأرض<br />

ظن مراد اأنه ميت.‏<br />

‎4.4‎كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> مع جريانهم السالجقة،‏ مثل اأمري اإمارة كرمان<br />

السلجوقية،‏ عالقة طيبة ولكن عندما اأعلن اأمري الإمارة عالء اأو غياث الدين الثورة<br />

على السلطان مراد زاعماً‏ اأنه الوريث الرشعي لزعامة دولة ‏سالجقة الروم اضطر مراد<br />

اإىل القضاء على هذه الثورة،‏ علماً‏ اأنه مل يكن يرغب اأن يهدر دم مسلم بيد مسلم.‏ ولكن<br />

مبا اأن عالء الدين خرج عن الصف فقد اأدبه مراد.‏<br />

اأما عالقة السلطان مراد باملماليك فكانت طيبة والدللة على ذلك اأنه عندما<br />

فتح اأدرنة عام – 1361 ‎1362‎م اأرسل وفداً‏ اإىل ‏سلطان مرص يبرشه برفع الراية<br />

الإسالمية على اأدرنة،‏ وحني استشهد مراد كان السلطان اململوكي برقوق من اأوائل<br />

الذين اأرسلوا وفداً‏ للتعزية بالسلطان )48( الشهيد.‏<br />

استشهد السلطان مراد الأول يف معركة قوصوه عام ‎1389‎م عن عمر يناهز<br />

اخلامسة والستني بعد حكم دام ثالثني عاماً،‏ ثم نقلت جثته اإىل بروصة حيث مقربة<br />

‏سالطني اآل عثمان،‏ وخلفه يف حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ابنه بايزيد الذي لقب بالصاعقة.‏<br />

‏»السلطان الغازي بايزيد األول امللقب بالصاعقة<br />

‏)يلدرم )Yildirim ‎1389‎م – ‎1402‎م وحربه مع تيمورلنك«:‏<br />

استشهد السلطان مراد الأول عام ‎1389‎م يف معركة قوصوه،‏ فتوىل زمام الأمور


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

بعده ابنه بايزيد الأول الذي لقب بالصاعقة وذلك لرسعة حتركه مع جيوشه من<br />

الأناضول اإىل البلقان وبالعكس برسعة فائقة.‏ وعندما علم اأمراء الغزاة يف الأناضول<br />

باستشهاد مراد الأول قاموا مبحاولة النفصال عن العثمانيني اأو حماولة عدم<br />

اخلضوع للسيادة <strong>العثمانية</strong>،‏ فما كان من بايزيد الأول اإل اأن ‏سار اإىل الأناضول قادماً‏<br />

من البلقان واأخضع الأمراء الذين اأعلنوا عصيانهم.‏ وكما حصل يف الأناضول حصل<br />

يف البلقان،‏ حيث قام البيزنطيون بعدم دفع اجلزية وعدم اخلضوع للسلطة <strong>العثمانية</strong>،‏<br />

فقام بايزيد وهاجم عدة مدن كانت قد اأعلنت العصيان،‏ واأهمها مدينة كوسوفو التي<br />

قامت فيها ثورة ‏ضد العثمانيني فسار بايزيد نحوها واأخمد الثورة فيها.‏<br />

عندما استلم بايزيد الأول احلكم كان اأخوه يعقوب يف الأناضول يجمع الفرسان<br />

لإعدادهم للحرب القادمة مع البيزنطيني،‏ وقد غضب يعقوب من استفراد اأخيه بايزيد<br />

بالسلطة فتجمع حوله اأمري كرمان برهان الدين واأمري جرميان واأمري حميد وغريهم<br />

من الأمراء يف الأناضول.‏ فقرر بايزيد اإخضاع الأمراء يف الرشق وجنح يف ذلك عام<br />

‎1390‎م.‏<br />

لقد ارتكب بايزيد جرمية بشعة عندما اأعدم اأخاه الأصغر يعقوب؛ لأنه تعاون<br />

مع اأمراء الغزاة لقلب نظام احلكم،‏ وليس ‏صحيحاً‏ ما ذكرته الكتب الأجنبية الغربية<br />

اأن بايزيد قتل اأخاه بناءً‏ على وجود فتوى اإسالمية بقتل الأخ لأخيه بحجة املحافظة<br />

على وحدة املسلمني ومنعاً‏ لوقوع الفتنة.‏ لقد كان بينه وبني الشيوخ املسلمني جفاء<br />

واضح،‏ والدللة على ذلك اأن القاضي ‏شمس الدين حممد حمزة الفناري رد ‏شهادة<br />

السلطان يف اإحدى القضايا،‏ فلما راجعه يف ذلك،‏ اأجابه القاضي:‏ اأنه رد ‏شهادته لأنه<br />

تارك لصالة اجلماعة.‏ وزاد اجلفاء بينه وبني العلماء عندما علموا اأن زوجته ‏سيطرت<br />

عليه وكان يرشب معها اخلمر دائماً،‏ فاأصبح مدمناً‏ على ‏رشب اخلمرة ويقيم حفالت<br />

اللهو.‏ وحدثت قصة طريفة تدلنا على عدم احرتام العلماء لبايزيد،‏ وذلك عندما زار<br />

العمال الذين يعملون يف بناء املسجد ‏»اأولو جامع«‏ يف مدينة بورصة وكان بناوؤه<br />

على وشك النتهاء فالتقى خالل جتواله بالعامل املوؤمن ‏شمس الدين الفناري فشاأله<br />

على مسمع من الناس عن راأيه يف بناء املسجد،‏ وهل يرى يف البناء اأي نقص؟ فاأجابه<br />

العامل املوؤمن بجواب ‏ساخر دللة على عدم الرضا عن ‏سرية بايزيد املنافية لالإسالم<br />

43<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

44<br />

فقال له:‏ ‏»بالنسبة لنا نحن املسلمني فاإننا ل جند اأي نقص يف بناء املسجد،‏ اأما<br />

بالنسبة اإليك يا بايزيد،‏ فاإنني اأخشى اأن تكون قد نسيت اأن تضع خزانة حتفظ بها<br />

خمورك بجانب املحراب«‏ )49( .<br />

وكان بايزيد قد تزوج من اأوليفريا اأخت ملك الرصب لزار،‏ وكانت اأم بايزيد<br />

مسيحية من اليونان،‏ لذلك كان يشتاق كثرياً‏ اإىل املسيحيني وتعود الرشب والإدمان<br />

على اخلمرة كاأخواله )50( .<br />

استغل ملك القسطنطينية جون اخلامس انشغال بايزيد يف الرشق فاأعلن<br />

عصيانه واأبعد بقوته املسلمني عن حصار القسطنطينية،‏ لذلك رجع بايزيد من<br />

الرشق كالصاعقة اإىل حصار القسطنطينية ورفض املساومة اإال اإذا نفذت<br />

طلباته وهي:‏<br />

‎1.1‎مضاعفة دفع اجلزية.‏<br />

‎2.2‎وضع 6000 رجل يف الساحل الشمايل للقرن الذهبي.‏<br />

‎3.3‎اإنشاء ‏شارع تركي يف قلب العاصمة البيزنطية القسطنطينية وقد ‏سمي هذا<br />

احلي العثماين ب ‏)سريكيشي )Serceci . واحلقيقة اأن رجوع بايزيد من الأناضول اإىل<br />

البلقان ليس لأن حاكم القسطنطينية اأعلن عصيانه،‏ بل لأن ‏سيجسموند ملك املجر<br />

املسيحي اسرتجع نيقوبوليس من املسلمني،‏ ولبى رغبة نداء البابا برضورة قيام<br />

حرب ‏صليبية جديدة ‏ضد الأتراك.‏<br />

جتمع املسيحيون يف بودابست وكانت اأعدادهم ‏ضخمة وقد وصلوا من بلدان<br />

خمتلفة مثل بريطانيا وبولندا واسكتلندا وبوهيميا والنمسا واإيطاليا والسويد،‏ وقام<br />

‏سجسموند ملك املجر بقيادة هذه اجليوش بعد اأن باركها البابا،‏ وزحف امللك اإىل<br />

‏رصبيا قاطعاً‏ الدانوب واحتل يف طريقه مدن اأورسوفا وفيدين وقتل كل مسلم وجده<br />

يف طريقه حتى وصل اإىل نيقوبوليس.‏ وكانت يف املدينة حامية عثمانية قليلة ل<br />

تستطيع اأن تقف اأمام هذا اجليش املسيحي اجلرار فسقطت نيقوبوليس بيد ملك املجر<br />

واجلموع املسيحية.‏<br />

عندما علم بايزيد بهذه اجلموع املسيحية رجع فوراً‏ من الأناضول عام ‎1396‎م<br />

ووصل اإىل نيقوبوليس حيث التقى باجليوش املسيحية وقامت معركة حاسمة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وانترص على الصليبيني،‏ وكان هذا النرص قد رفع اسم بايزيد يف العامل الإسالمي<br />

واأخاف الدول الأوروبية التي اأصبحت حتسب حسابه.‏ وقد اأرسل السلطان اإىل الرشق<br />

الإسالمي يخربهم بهذه النتصارات الإسالمية وبعث اأرسى كثريين للقاهرة ودمشق<br />

والقدس.‏ فما كان ممن راأى هذه املناظر اإل اأن تشجع،‏ وذهب كثري من املتطوعني<br />

املسلمني اإىل جبهة القتال يف البلقان وازداد عدد اجليش العثماين،‏ لذلك ‏صمم بايزيد<br />

اأن يستمر يف فتوحاته يف البلقان،‏ ففتح مدناً‏ كثرية يف مناطق ولشيا وهنغاريا<br />

وبوسنيا وفيدين وبلغاريا وتقدم اإىل األبانيا.‏ وبسبب هذه النتصارات الإسالمية يف<br />

البلقان لقب بايزيد بالصاعقة،‏ وسلطان الروم،‏ واألقاب اأخرى مثل ملك املسلمني.‏<br />

اإن النتصارات التي حققها بايزيد الأول يف اجلبهة الأوروبية يف نيقوبوليس<br />

وزحفه نحو مناطق اأخرى،‏ جعلته يفكر ملياً‏ يف حصار القسطنطينية للمرة الثالثة.‏<br />

وبينما كان يحارصها ‏سمع خرباً‏ عن زحف جديد قادم من الرشق نحو الأناضول هو<br />

جيش تيمورلنك.‏<br />

تيمورلنك )15( ولقائه يف معركة أنقرة مع بايزيد:‏<br />

كان بايزيد مشغولً‏ بحروبه ‏ضد البيزنطيني يف اأوروبا،‏ وكان ينتقل من نرص<br />

اإىل نرص،‏ وعندما متت على يديه فتح حصون بيزنطية جاءته الأخبار اأن عالء الدين<br />

علي بك اأمري كرمان قد زحف يف بالد الأناضول نحو اأنقرة ‏)العاصمة <strong>العثمانية</strong><br />

القدمية(‏ يف الأناضول واحتلها،‏ ثم زحف نحو بورصة حيث مقربة ‏سالطني اآل عثمان<br />

واحتلها،‏ وعندما ‏سمع بايزيد بهذه الأخبار قطع فتوحاته يف البلقان ورجع مرسعاً‏<br />

كالربق نحو الأناضول واستطاع حتقيق النتصار على اأمري كرمان وقتله بعد اأن<br />

قامت معركة اأنقرة عام ‎1397‎م.‏<br />

ثم ‏سار السلطان بايزيد نحو الشمال حيث اإمارة طرابزون املسيحية على البحر<br />

الأسود،‏ ورجع اإىل اجلنوب حيث وصل اإىل اإمارة البستان،‏ وهي اإمارة تابعة للمماليك،‏<br />

وبذلك اأصبح يقف على احلدود <strong>العثمانية</strong> اململوكية.‏ وكانت نتيجة حتطيم اأمراء الغزاة<br />

يف الأناضول،‏ واإعدام اأمري كرمان،‏ واإخضاع منطقة الأناضول للدولة <strong>العثمانية</strong>،‏ اأن<br />

)52(<br />

قام اأمراء الغزاة الذين هربوا من بايزيد اإىل الرشق فطلبوا من تيمورلنك حمايتهم<br />

، ثم ‏شجعوه كي يكمل الزحف الذي قام به من الرشق حتى وصل بغداد ليتابع زحفه<br />

45<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

46<br />

لالأناضول.‏<br />

وهناك رواية <strong>تاريخ</strong>ية تقول اأن ملك القسطنطينية مع بعض ملوك اأوروبا<br />

استنجدوا بتيمورلنك ملقاتلة السلطان بايزيد )53( ، ورواية اأخرى تقول عن تدخل<br />

تيمورلنك يف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏ اأن تيمورلنك بعث برسالة اإىل بايزيد – السلطان<br />

العثماين – طلب فيها تسليم الالجئ السياسي اأحمد جالي ‏)سلطان بغداد(‏ الذي هرب<br />

من بغداد عندما هجم تيمورلنك عليها.‏ لكن بايزيد رفض تسليمه اإىل تيمورلنك.‏ فما<br />

كان من تيمورلنك اإل اأن قرر اإخضاع بايزيد وقتله يف معركة فاصلة )54( . وكان<br />

السلطان العثماين قد اأحتضن ‏ضيفه الالجيء السياسي حاكم بغداد اأحمد جالي<br />

واأمده باملعونة العسكرية واملادية للتصدي لتيمورلنك وذلك لستعادة مركز اخلالفة<br />

العباسية يف بغداد،‏ وكان لهذا املوقف العثماين تاأثري كبري يف توثيق العالقات بني<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبني دولة املماليك التي تعترب نفسها حامية للخليفة العباسي<br />

املتوكل على اهلل.‏ وهناك رواية اأخرى تقول اأن اأحمد جالي هرب من بغداد خوفاً‏ من<br />

تيمورلنك ملتجئاً‏ اإىل السلطان اململوكي برقوق يف القاهرة.‏ واحلقيقة اأن السلطان<br />

بايزيد عرض على السلطان اململوكي برقوق تشكيل جبهة اإسالمية موحدة تالحق<br />

‏»اأهل الصليب«‏ يف عقر دارهم اأوروبا )55( .<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد تيمورلنك عام ‎1402‎م:‏<br />

بعد معركة اأنقرة عام ‎1402‎م وانتصار تيمورلنك على السلطان بايزيد ووقوع<br />

السلطان العثماين يف الأرس،‏ تنفس اأمراء الغزاة الصعداء،‏ ورجع كل اأمري مبتهجاً‏<br />

اإىل اإمارته وعائلته،‏ وذلك بعد اأن انتهى اخلطر عليهم من السلطان بايزيد الثاين.‏<br />

وكان قد بقي تيمورلنك يف الأناضول ثمانية اأشهر اأي من متوز عام ‎1402‎م حتى<br />

اآذار عام ‎1403‎م.‏<br />

مل يكمل تيمورلنك زحفه للغرب ‏ضد الأماكن <strong>العثمانية</strong> يف الأناضول والبلقان<br />

علماً‏ باأنه كان باستطاعته ذلك.‏ بل اعرتف اأصالً‏ بحكم العثمانيني،‏ واعرتف بسليمان<br />

بن بايزيد حاكماً‏ على البلقان )56( ، وحلسن حظ ‏سليمان اأن الأوروبيني مل يستفيدوا<br />

من حتطيم دولة اآل عثمان لأنهم مل يستغلوا الفرصة ويهجموا عليه يف البلقان.‏ ولو<br />

فعلوا ذلك لأصبحت دولة اآل عثمان حمطمة يف الرشق من قبل تيمورلنك وحمطمة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

يف الغرب من قبل البيزنطيني.‏ ولكن البيزنطيني مل يهجموا على ‏سليمان لأنه اتبع<br />

‏سياسة مصاحلة مع البيزنطيني ‏)مع مانويل الثاين(‏ ، اأضف اإىل ذلك اأن هنغاريا كانت<br />

مشغولة يف حروب خاصة مع دول وسط اأوروبا.‏<br />

كان لبايزيد اأبناء اآخرون عدا عن ‏سليمان،‏ فهناك حممد الذي كان مقيماً‏ يف<br />

اأماسيا قرب ‏سينوب،‏ وعيسى الذي كان مقيماً‏ يف بورصة،‏ وقد اعرتفوا جميعاً‏ بسيادة<br />

تيمورلنك عليهم.‏<br />

تويف تيمورلنك عام ‎1405‎م،‏ فبداأ العثمانيون يبنون دولتهم من جديد،‏ ولكن<br />

اأبناء بايزيد وقعوا يف خالفات وحروب اأهلية عائلية واستمر هذا النزاع العائلي من<br />

عام – 1403 ‎1413‎م.‏<br />

الصراع بني أبناء بايزيد:‏<br />

كان موقف ‏سليمان ‏ضعيفاً‏ اأمام اأخوته واأمام اأمراء الغزاة؛ وذلك لأنه اعتمد<br />

على وزير اأبيه وهو علي جندريل الذي كانت ‏سمعته ‏سيئة بسبب كرثة الرضائب التي<br />

فرضها على رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وزواجه من فتاة مسيحية،‏ واعرتاف تيمورلنك<br />

به حاكماً‏ على البلقان من دون اأخوته.‏<br />

اأما حممد الأول فقد كان اأقوى اأخوته حتى اأنه حارب تيمورلنك يف جبال<br />

الأناضول واتبع اأسلوب الكر والفر،‏ واستطاع اأن يسرتجع من جنود تيمورلنك مدن<br />

توقات واأماسيا )57( . وبداأ يف حماربة اإخوانه بعد انسحاب تيمورلنك من الأناضول،‏<br />

واستطاع اأن ينترص على كل اأخ من اأخوته يف معارك يف الأناضول والبلقان حتى<br />

قضى عليهم جميعاً‏ وقتلهم وكان اآخرهم موسى الذي قتله عام ‎1413‎م.‏<br />

موجز عن املعارك األهلية بني أبناء بايزيد الصاعقة:‏<br />

بعد رجوع تيمورلنك للرشق حصلت معارك بني الأخوة،‏ كانت اأول معركة يف قرة<br />

‏صي بني حممد وموسى،‏ وقد هرب موسى ملتجئاً‏ اإىل اإمارة جرميان،‏ وعندما ‏سمع<br />

‏سليمان،‏ حاكم اأدرنة،‏ عن هذه احلروب بني الأخوة ذهب كي يقضي على اأخوته يف<br />

الأناضول،‏ فتعاون مع البيزنطيني،‏ الذين اشرتطوا عليه اإذا ‏ساعدوه اأن يحصلوا على<br />

47<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

48<br />

مدينة ‏سالونيك وتراقيا واأراضٍ‏ قرب بحر مرمرة واأن يعفيهم من اجلزية التي كانت<br />

مفروضة عليهم.‏ وقد لبى ‏سليمان طلب البيزنطيني،‏ لذلك ‏ساروا معه بعد حصولهم<br />

على طلباتهم اإىل الأناضول حلرب اأخوته.‏<br />

جهز ‏سليمان جيشاً‏ اآخر اأرسله مع عيسى لقتال اأخيهم حممد يف الأناضول؛<br />

وذلك لأن حممد اأعلن نفسه ‏سلطاناً‏ وسك عملة باسمه كتب عليها اأنه ‏سلطان <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> الوحيد.‏ قرر ‏سليمان الهجوم على الأناضول حيث اأخوه حممد،‏ ولكن حممداً‏<br />

استعد للمعركة واستعمل اأسلوباً‏ حربياً‏ ناجحاً‏ حيث احتل مدناً‏ خلف خطوط الدفاع<br />

جليش ‏سليمان وذلك عندما اأرسل اأخاه موسى اإىل اأدرنة عاصمة ‏سليمان واحتلها.‏<br />

وعندما ‏سمع ‏سليمان بذلك رجع مرسعاً‏ للبلقان فقتله موسى.‏ ثم هاجم حممد البلقان<br />

وقضى على اأخيه موسى قرب ‏صوفيا يف ‎1413/7/10‎م،‏ وهكذا اأصبحت الأناضول<br />

والبلقان حتت حكم حممد الذي وحد مناطق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من جديد )58( .<br />

وقد نقل السلطان حممد عاصمة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من بروصة اإىل اأدرنة وهذا<br />

دللة على اهتمامه مبتابعة الغزو.‏ وبعد القضاء على اأخوته بداأ يف اإعادة بناء <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> من جديد.‏ وقد قضى معظم حكمه الذي استمر من – 1413 ‎1421‎م بالغزو<br />

واحلروب،‏ وذلك بعد اأن اعرتف به جميع رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ‏سلطاناً‏ عليهم.‏<br />

وقد جهز السلطان حممد جيشاً‏ ذهب لقتال الشيخ بدر الدين وقد انترص عليه يف<br />

مقدونيا وشنقه عام ‎1417‎م )59( ، بناءً‏ على فتوى كان قد اأصدرها مولنا ‏سعيد اأحد<br />

تالميذ الشيخ التفتازاين ونصها:‏ ‏»من اآتاكم واأمركم جميعاً‏ على رجل يريد اأن يشق<br />

عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه«‏ )60( . ولالأسف اأن املسترشقني ورجال ال<strong>تاريخ</strong><br />

الغربيني الذين كتبوا عن <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كتبوا اأن هذه الفتوى التي اأصدرها<br />

مولنا ‏سعيد عام ‎1417‎م )61( ، كانت عبارة عن السماح لسالطني اآل عثمان لقتل<br />

اأخوتهم واأنها ‏صدرت لهذا السبب اأي لقتل الأخ لأخيه.‏ وهذه كذبة <strong>تاريخ</strong>ية وكان<br />

القصد منها تشويه ‏سمعة ‏سالطني اآل عثمان املسلمني.‏<br />

قام السلطان حممد بعدة فتوحات يف البلقان والأناضول حتى استطاع اإرجاع<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل ما كانت عليه زمن والده بايزيد الصاعقة من القوة والتساع.‏<br />

كما قام بتجنيد كثري من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب كرثة الفتوحات التي رفعت


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اسمه،‏ وكذلك قام بالتجنيد كي يخضعهم حلكمه،‏ وكي ل يقوموا بثورات حملية عليه.‏<br />

كان السلطان حممد يرسع اإىل البلقان قادماً‏ من الأناضول عندما كان يسمع<br />

بزحف بيزنطي على اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف البلقان.‏ فقد ‏سار لقتال الألبان لأنهم<br />

كانوا قد قتلوا كل عثماين مسلم يف األبانيا،‏ وعندما وصلهم السلطان حممد انترص<br />

عليهم واحتل كرواتيا وفالونا على الساحل وهاجم املوره واأغار على ولشيا عام<br />

‎1418‎م،‏ كما هاجم تراتسلفانيا وهنغاريا،‏ وقد اتبع اأسلوباً‏ جديداً‏ حيث جلب كثرياً‏<br />

من الأتراك العثمانيني من الأناضول،‏ واأسكنهم يف البلقان وذلك لتقوية احلاميات<br />

الرتكية يف البلقان )62( . وتسمى هذه العملية باللغة الرتكية .Surgun<br />

وبعد اأن خضعت له البلقان كلها ‏سار السلطان حممد اإىل الأناضول حيث اأمراء<br />

الغزاة،‏ فاأخضع اأمري كرمان الذي كان قد اعرتف به تيمورلنك ثم اأخضع كالً‏ من<br />

الإمارات يف منتشا واآيدين واأزمري.‏<br />

تويف السلطان حممد يف اأدرنة عام ‎1421‎م ومل يذع نباأ وفاته خوفاً‏ من مترد<br />

اجليش.‏ وقد اأخفى نباأ الوفاة وزيراه اإبراهيم باشا وبايزيد باشا،‏ واأرسال اإىل ابنه مراد<br />

الذي كان يف الأناضول برضورة احلضور اإىل اأدرنة لأن والده مريض.‏ وعندما حرض<br />

مراد اإىل اأدرنة – العاصمة <strong>العثمانية</strong> اجلديدة - كان والده قد دفن قبل 41 يوماً،‏<br />

فاستلم مراد الثاين السلطة خلفاً‏ لوالده حممد جلبي اأو حممد الأول.‏<br />

السلطان مراد الثاني:‏<br />

استلم السلطان مراد الثاين السلطنة ومل يبلغ من العمر ‏سبعة عرش عاماً،‏ وقد<br />

استمر حكمه بني عامي – 1412 ‎1451‎م،‏ قد تكلمنا ‏سابقاً‏ عن حربه مع مصطفى<br />

املزيف الذي ادعى بنسبه اإىل بايزيد.‏<br />

لقد قام الإمرباطور مانويل وابنه جون باإرسال مصطفى املزيف اإىل غاليبويل<br />

للقيام باحلروب ‏ضد السلطان مراد الثاين،‏ وقد جنح مصطفى فعالً‏ واحتل غاليبويل<br />

واستغل الفرصة اأمري كرمان الذي وجد السلطان مراد مشغولً‏ بحربه مع مصطفى<br />

وهجم على الأراضي التابعة للسلطان والإمارات الأخرى فاحتل اأراضي حميد،‏ كما<br />

استفادت اإمارات اأخرى من انشغال السلطان مراد فتحركت اإمارات منتشا واآيدين<br />

وصاروخان فطردت العثمانيني الإقطاعيني من هذه الإمارات،‏ وبسبب الأوضاع<br />

49<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

50<br />

املرتدية يف الأناضول اضطر مراد الثاين اإىل الرجوع لالأناضول لتاأديب الأمراء،‏<br />

ولإعادة بناء جيشه وتنظيمه ملواجهة اأي هجوم حمتمل من اأمراء الغزاة.‏ واستغل<br />

مصطفى الفرصة لنشغال مراد يف الأناضول وهاجم اأدرنة ودخلها.‏ وهكذا اأصبح<br />

مصطفى يف الغرب ‏)البلقان(‏ ، اأما السلطان مراد فقد اأصبح يف الرشق ‏)الأناضول(‏ .<br />

وقد اأيد مصطفى كل من البيزنطيني واأمراء الإمارات الذين اأقلقوا مراداً‏ الثاين.‏<br />

مل يكتف مصطفى باأدرنة والبلقان بل قرر الهجوم على السلطان مراد الثاين<br />

يف بورصة لأنه كان يطمع يف الستيالء على جميع اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وقد<br />

تصدى له السلطان مراد الثاين يف معركة اأولوباد حيث هرب مصطفى اإىل اأدرنة ثم<br />

اإىل ولشيا وقد تبعه السلطان وقبض عليه وقتله وبذلك انتهت ثورة مصطفى املزيف<br />

. )63(<br />

وقام مراد الثاين بتاأديب الإمرباطور البيزنطي لأنه ‏ساعد مصطفى يف ثورته،‏<br />

فحارص القسطنطينية 50 يوماً،‏ وهي املرة السادسة التي حتارص فيها القسطنطينية<br />

من قبل ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ فما كان من اإمرباطور القسطنطينية اإل اأن اأرسل عام<br />

‎1422‎م رسائل حللفائه اأمراء الغزاة لرضب السلطان مراد الثاين من اخللف وكانت<br />

الرسائل اإىل كل من اأمري كرمان واأمري جرميان وحتى رسالة اإىل مصطفى احلقيقي<br />

اأخي مراد الثاين )64( . وقام هوؤلء جميعاً‏ مبحارصة بورصة عاصمة السلطان مراد<br />

الثاين حيث توجد مقربة ‏سالطني اآل عثمان.‏ وهذا العمل اأي حصار بورصة جعل<br />

السلطان يقرر الرجوع عن حصار القسطنطينية للدفاع عن بورصة وجنح مراد يف فك<br />

احلصار عن بورصة ومتكن من القبض على اأخيه مصطفى وقتله لأنه واىل الأعداء.‏<br />

اأما بالنسبة لأمراء كرمان وجرميان وغريهم فقد ‏صاهر اأمري كرمان كي يتقي ‏رشه<br />

يف املستقبل،‏ وضم اإمارات اآيدين وصاروخان ومنتشه للدولة <strong>العثمانية</strong> بالقوة.‏<br />

تفرغ السلطان مراد الثاين بعد جناحه يف الأناضول اإىل التوجه نحو اأدرنة كي<br />

يثبت احلكم العثماين فيها ويقوم منها بالغزو على الأراضي البيزنطية يف البلقان.‏<br />

ولذلك احتاج اإىل جيش يكون اأكرث عدداً‏ و عدة ويكون متفرغاً‏ للغزو واحلروب<br />

لذلك قام السلطان بتشكيل نظام الدفشريما اأي جمع الشباب للجيش وكان هذا النظام<br />

قد اتبعه من قبل السلطان بايزيد الأول.‏ كما اأسس السلطان جيش القابي قول<br />

وقسمه اإىل قسمني:‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1.1‎قوافل الفرسان السباهية وقد انضم له الأعيان ورجال الإقطاع.‏<br />

‎2.2‎الإنكشارية وقد انضم له اجليش النظامي التابع للحكومة املركزية وكان<br />

ياأخذ مرتباً‏ ‏شهرياً.‏<br />

ومتكن بواسطة هذا اجليش الذي اأصبح قوياً‏ من حمارصة القسطنطينية،‏ واأرسل<br />

فريقاً‏ اآخر من اجليش اإىل منطقة ولشيا عام – 1422 ‎1423‎م،‏ ومتكن من اأن يفرض<br />

اجلزية على كل من هنغاريا وولشيا ورصبيا،‏ وقد وقعت جميع هذه الدول على دفع<br />

اجلزية مقابل ‏رشاء السلم وعدم هجوم مراد الثاين عليها.‏<br />

بعد هذه النتصارات التي اأحرزها السلطان مراد الثاين وتهديده للقسطنطينية<br />

عدة مرات قام جون باليولوج من الكنيسة الرشقية مبحاولة حرب ‏صليبية ‏ضد<br />

املسلمني،‏ وهي حماولة توحيد كل دول اأوروبا،‏ فقام باليولوج بزيارة روما عام<br />

‎1437‎م وهدفه من ذلك توحيد الكنيستني الرشقية ‏)القسطنطينية(‏ والغربية ‏)روما(‏<br />

، وكان قصده من ذلك تاأييده من قبل جميع حكام دول اأوروبا ونرصته واإرسال<br />

جيوشهم ملساعدته ‏ضد املسلمني والدفاع عن القسطنطينية.‏<br />

ولقي تاأييداً‏ من بعض حكام اأوروبا ولكن اأغلبية الشعب يف القسطنطينية مل<br />

يوؤيده بل فضلوا اأن يكونوا تابعني للسيادة الإسالمية على اأن يكونوا خاضعني<br />

لسيادة روما )65( . واأخرياً‏ مت التفاق على اللقاء بني الكنيستني من ممثلني ميثلون<br />

الكنيسيتني ب<strong>تاريخ</strong> ‎1439/7/6‎م يف مدينة فلورنسا.‏<br />

ويف عام ‎1437‎م تويف ملك هنغاريا امللك ‏سجموند،‏ وحصل نزاع بني اأفراد<br />

العائلة املالكة على حكم هنغاريا،‏ فاستغل السلطان مراد الثاين الفرصة وهاجم<br />

هنغاريا ففتح حصن ‏سيفر Severin وحارص حصن ‏سيبو ،Sibiu وهاجم ‏رصبيا وفتح<br />

حصن ‏سيمندريا عام ‎1439‎م بعد انتصاره على ملك الرصب جورج برونكوفيش.‏<br />

وبانتصاراته هذه جنح مراد يف كرس الوحدة الرصبية الهنغارية.‏<br />

اأما ملك هنغاريا اجلديد لدي ‏سالس فقد عني على ترانسلفانيا جون هنيدي<br />

الذي اأصبح قائداً‏ عاماً‏ جلميع جيوش املجر،‏ وهاجم العثمانيني وانترص عليهم يف<br />

عام ‎1444‎م واسرتجع حصن ‏سيمندريا وطرد العثمانيني من احلصن،‏ واأخذ يالحق<br />

اجليوش <strong>العثمانية</strong> املهزومة،‏ وبهذا النتصار استطاع اأن يبعث الأمل من جديد يف<br />

51<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

52<br />

قلوب الأوروبيني الذين كانت كل حروبهم هزائم على يد املسلمني العثمانيني.‏<br />

ولو رجعنا قليالً‏ اإىل الوراء لرنى ماذا حصل يف اجتماع فلورنسا عام ‎1439‎م<br />

بني الكنيسة الرشقية والكنيسة الغربية،‏ لعلمنا اأن اجتماع فلورنسا متخض عن<br />

‏رضورة التحضري حلملة ‏صليبية هامة تطرد املسلمني الأتراك من كل اأوروبا،‏ فاأخذ<br />

جاناكي الأمر على عاتقه بالتجول يف دول اأوروبا حاثاً‏ اجلموع املسيحية حلرب<br />

‏صليبية،‏ وكان يطالب بجيش تعداده )80,000( كي يستطيع طرد العثمانيني من<br />

اأوروبا واحتالل املضائق الهامة مثل البوسفور والدردنيل كما حثهم على اسرتجاع<br />

الأراضي املقدسة من املسلمني يف القدس.‏ وقد لقت دعوته هذه التاأييد من بعض<br />

ملوك اأوروبا،‏ اأما الإمرباطور البيزنطي فلم يوؤيده،‏ بل اأرسل رسالة اإىل السلطان مراد<br />

الثاين يخربه اأنه لن ينضم اإىل هذه احلملة الصليبية،‏ لكنه قام بتشجيع اإبراهيم حاكم<br />

كرمان لإثارة الشغب فقط على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وقام اإبراهيم فعالً‏ بالهجوم من<br />

اخلطوط اخللفية على مراد الثاين،‏ مما اضطر السلطان للرجوع من البلقان لقتاله،‏<br />

علماً‏ باأن مراد الثاين كان يجهز جيشاً‏ للقاء احلملة الصليبية ولقاء هنيدي،‏ ولكنه<br />

اضطر موؤقتاً‏ وقف حتضرياته واستعداداته كي يتخلص من اإبراهيم حاكم كرمان.‏<br />

وتخلص منه بالفعل.‏<br />

ذكرنا قبل قليل اأن جون هنيدي انترص على العثمانيني واسرتجع حصن ‏سيمندريا<br />

‏سنة ‎1444‎م،‏ وفرح الشعب الأوروبي بذلك وبعث فيه الأمل.‏ وقد تشجع هنيدي لقطف<br />

ثمار انتصارات اأخرى على العثمانيني،‏ فاأراد اأن يخلد اسمه بالنتصارات على<br />

املسلمني وقد ارتفع اسمه عالياً‏ يف كل اأوروبا فعالً،‏ ووجد الأوروبيون اأنهم اكتشفوا<br />

الشخص الذي يستطيع حتدي العثمانيني،‏ فطلب منه البابا تشكيل حملة ‏صليبية<br />

بعد اأن اقتنع الشعب الأوروبي بذلك من تشجيع اجتماع فلورنسا،‏ وقد انضم اإىل هذه<br />

احلملة الصليبية لقتال املسلمني معظم حكام اأوروبا،‏ واأهم اجليوش التي اشرتكت<br />

هي اجليوش الرصبية بقيادة جورج برونكوفيش،‏ وقوات هنغاريا بقيادة امللك لدي<br />

‏سالس،‏ وزحفت هذه القوات الصليبية جميعها نحو املسلمني مستغلة غياب السلطان<br />

مراد الثاين يف الأناضول،‏ ووصلت اجليوش الصليبية اإىل مورانا عام ‎1443‎م ثم<br />

‏ساروا اإىل مدينة نيش واحتلوها وخضعت معظم املدن الرصبية اجلنوبية للحملة،‏<br />

وتابعت احلملة الصليبية زحفها اإىل بلغاريا واحتلوا ‏صوفيا وشجعوا الألبان بالثورة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

على العثمانيني،‏ وكانت كل هذه النتصارات قد حصلت قبل حلول فصل الشتاء )66( .<br />

كان وضع القوات <strong>العثمانية</strong> ‏صعباً‏ اأمام هذا الجتياح الصليبي،‏ والذي فرض<br />

على القوات <strong>العثمانية</strong> اأن تكون مبعرثة يف البلقان،‏ وثارت األبانيا على العثمانيني<br />

فزاد الوضع ‏سوءاً‏ على القوات <strong>العثمانية</strong>.‏ وقام قسطنطني واحتل اأثينا،‏ واأصبحت<br />

اأدرنة عاصمة العثمانيني يف اأسواأ حال لأن اجلنود فيها مل يستلموا معاشاتهم مدة<br />

‏سنتني بسبب عدم وجود غنائم.‏ وكانت كل هذه الأعمال قد قهرت مراد الثاين وزاد قلبه<br />

تفتيتاً‏ وغضباً‏ عندما تويف ابنه عالء الدين،‏ فاأصابه الياأس والغم،‏ فاستشار رئيس<br />

وزرائه واستشار زوجته مارا ما العمل؟ فكان جوابهما له بنصيحة وهي ‏رضورة عقد<br />

‏صلح واتفاقية ‏سلم مع هذه احلملة الصليبية لأن الوضع العثماين اأصبح ‏صعباً.‏ ولهذا<br />

فقد اقتنع السلطان ووقع معاهدة اأدرنة ب<strong>تاريخ</strong> ‎1444/7/12‎م اعرتف بها السلطان<br />

مرغماً،‏ وجاء يف بنودها ‏سلخ ‏رصبيا وهنغاريا عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بينما بقيت<br />

بلغاريا حتت السيادة <strong>العثمانية</strong>،‏ وبعد ذلك مت الصلح ولكن السلطان مراد تنازل عن<br />

احلكم لبنه حممد عام ‎1444‎م وذهب لالإقامة يف بورصة حزيناً‏ جمروح الفوؤاد.‏<br />

مل يتقيد الصليبيون طويالً‏ بهذه املعاهدة لأن نشوة النرص اأعمت عيونهم،‏<br />

فقام امللك لدي ‏سالس – رغم توقيعه على املعاهدة – بالتحضري للهجوم على<br />

املسلمني الأتراك،‏ وقد ‏شجعه البابا على ذلك،‏ فصمم لدي ‏سالس على احتالل<br />

غاليبويل وسالونيك واملضائق ‏)البوسفور والدردنيل(‏ لأنه اإذا جنح يف ذلك فاإن<br />

موقف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ‏سيكون اأصعب مما هو عليه.‏ جمع لدي ‏سالس اجليوش<br />

الصليبية مرة ثانية يف بوادبست وسار للمعركة ولكن برونكوفينش مل يرس معه بل<br />

اأخرب السلطان العثماين بهذه احلملة ‏سلفاً.‏ اأما جون هنيدي فقد استعد ملساعدة لدي<br />

‏سالس والنضمام للحملة الصليبية اجلديدة.‏ فقام احلكام الأتراك وطلبوا من السلطان<br />

مراد الثاين العودة للحرب وترك عزلته يف بورصة لأن ابنه حممد ‏صبي ل يستطيع<br />

القيام مبواجهة هذه اجليوش الصليبية اجلديدة.‏ وقد وافق مراد الثاين على ذلك فقرر<br />

لقاء هذه اجلموع الصليبية ب<strong>تاريخ</strong> ‎1444/10/10‎م،‏ واستطاع السلطان مراد الثاين<br />

حتقيق النرص واألقى القبض على امللك لدي ‏سالس واأعدمه فتفرق ‏شمل الصليبيني<br />

حيث هرب هنيدي تاركاً‏ الآلف من املسيحيني يالقون حتفهم اأمام اجليش العثماين<br />

املسلم على يد النكشارية.‏ وطالب الأعيان الأتراك برضورة رجوع مراد الثاين اإىل<br />

53<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

54<br />

حكم السلطنة <strong>العثمانية</strong> بدلً‏ من ابنه حممد الصبي،‏ وقبل مراد ذلك بعد هذا النتصار<br />

واأيده النكشارية.‏ اأما ابنه حممد فقد بقي يحتفظ بلقب ‏سلطان وعني كالً‏ من زاغة<br />

نوس باشا وشهاب الدين باشا كمرافقني للصبي حممد.‏<br />

مل يسكت هنيدي على هذه الهزمية التي حلقت باجلموع الصليبية،‏ فجهز جيشاً‏<br />

مكوناً‏ من 50,000 جندي وسار به اإىل لقاء السلطان مراد الثاين الذي كان يف األبانيا.‏<br />

وعندما علم السلطان بهذا الزحف اجلديد استعد للقائه،‏ والتقى اجليش املسلم بقيادة<br />

السلطان مراد باجليش املسيحي بقيادة هنيدي يف كوسوفا عام ‎1448‎م انترص فيها<br />

السلطان مراد وقضى على هنيدي وجيشه،‏ وتابع مراد زحفه اإىل كافة املناطق التي<br />

كان قد فتحها يف الأعوام السابقة يف البلقان.‏<br />

وتويف مراد الثاين يف ‎1451/2/5‎م واستلم ابنه حممد الفاحت السلطنة ومبا اأنه<br />

كان ‏صبياً‏ فقد استلم الوصاية على هذا الصبي الوزير جندريل خليل.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هوامش الفصل الثاني:‏<br />

10<br />

11<br />

12<br />

13<br />

‎1.1‎رافق:‏ بالد الشام ومرص يف الفتح العثماين – 1516 1798 حتى حملة نابليون<br />

بونابرت.‏ ط 2، دمشق،‏ ‎1968‎م،‏ ‏ص 25.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 12.2.2<br />

P. Wittek: The Rise of the Ottoman Empire. (London 1938) . P. 17- 19.3.3<br />

M. A. cook: A History of The Ottoman Empire. To 1730. P. 5.4.4<br />

‎5.5‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ترجمة اأحمد السعيد ‏سليمان،‏ دار<br />

الكاتب العربي للطباعة والنرش،‏ ‏ص – 9 13.<br />

‎6.6‎عبد العزيز الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ج 1. مكتبة<br />

الأجنلو املرصية،‏ القاهرة.‏ ‏ص 34- 35.<br />

‎7.7‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص:‏ ق.‏<br />

‎8.8‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك العثمانيني.‏ دار الفرقان،‏ عمان،‏<br />

‎1983‎م.‏<br />

‎9.9‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ املصدر السابق.‏ ‏ص – 66 67.<br />

‎10‎املصدر نفسه.‏ ‏ص 82، اأنظر اأيضا رافق:‏ العرب والعثمانيون.‏ ‏ص 30. ثورة بابا<br />

اسحق.‏<br />

‎1‎املصدر نفسه.‏ ‏ص 141.<br />

‎12‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك.‏ ‏ص 19.<br />

‎13‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ املصدر السابق.‏ ‏ص 154.<br />

Wittek: The Rise of The Ottoman Empire. P. 17.1414<br />

15<br />

Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 17.1616<br />

‎1717‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ املصدر السابق.‏ ‏ص – 163 165.<br />

15 رافق:‏ العرب والعثمانيون.‏ ‏ص 33. 32<br />

55<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

56<br />

18<br />

19<br />

20<br />

21<br />

22<br />

‎18‎حممد كوبريللي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 118- 119.<br />

Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 10.19<br />

Ibid. p. 15.20<br />

Ibid. P. 15.21<br />

23<br />

24<br />

25<br />

26<br />

27<br />

28<br />

29<br />

30<br />

31<br />

32<br />

33<br />

34<br />

35<br />

36<br />

37<br />

‎2‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ مكتبة<br />

الأجنلو املرصية،‏ القاهرة.‏ ‏ص 39.<br />

Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 15.23<br />

‎24‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏ص 40.<br />

‎25‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك.‏ ‏ص 31.<br />

‎26‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 33.<br />

‎27‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 32.<br />

‎28‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 166.<br />

‎29‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 19. اأنظر اأيضاً‏ الشناوي:‏ دولة مفرتى.‏ ‏ص 39.<br />

‎30‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص – 21 22.<br />

‎31‎الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ‏ص 43.<br />

‎32‎زياد اأبو غنيمة:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 79.<br />

‎3‎بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية،‏ ترجمة نبيه اأمني فارس،‏ عكا ‎1974‎م.‏<br />

‎34‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيني.‏ ‏ص 34.<br />

‎35‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ والصفحة نفسها.‏<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 16.36<br />

‎37‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 40. اأنظر اأيضاً‏ بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong><br />

الشعوب الإسالمية.‏ وذهب بروكلمان اإىل اأبعد من ذلك عندما قال اأن اأورخان<br />

انتزع اأيضاً‏ من الصبيان املسيحية واأدخلهم يف جيشه اجلديد.‏ وقصد بروكلمان<br />

اأن اأورخان اأراد اأن يستبدل جنود املسلمني مبسيحيني.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

38<br />

39<br />

40<br />

41<br />

‎38‎زياد اأبو غنيمة:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 122.<br />

‎39‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 126- 127.<br />

‎40‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 127.<br />

‎41‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 146.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 18.4242<br />

Cook: A History of The Ottoman Empire to 1730. 23.4343<br />

44<br />

45<br />

46<br />

47<br />

48<br />

49<br />

‎4‎رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ ‏ص 37.<br />

‎45‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏ص 46.<br />

‎46‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> العثمانيني الأتراك.‏ ‏ص 167. 29،<br />

‎47‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 40.<br />

‎48‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 96.<br />

‎49‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 174.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 34.5050<br />

51<br />

‎51‎قام تيمورلنك بعدة معارك جنح فيها كلها يف الرشق،‏ ثم ‏سار نحو الغرب حيث<br />

وصل اإىل جبال طوروس،‏ ثم تقدم نحو ‏شمال اإيران حيث احتل ‏شرياز واأصفهان،‏<br />

ثم وصل بغداد واحتلها عام ‎1394‎م.‏ ويف زحفه هذا هدد املماليك والعثمانيني<br />

على حد ‏سواء.‏ قرر تيمورلنك بعد هذه النتصارات الزحف نحو دمشق لرضب<br />

املماليك،‏ فاحتلها ثم هدد مرص،‏ ثم ذهب اإىل قتال العثمانيني يف الأناضول،‏<br />

حيث التقى بايزيد الأول يف معركة اأنقرة عام ‎1402‎م،‏ السلطان العثماين وبدلً‏<br />

من اأن يكمل تيمورلنك هذا النتصار ويزحف لإخضاع كل املمتلكات <strong>العثمانية</strong><br />

رجع اإىل الرشق.‏<br />

Ibid p 3452<br />

52<br />

53<br />

‎53‎يوسف اآصاف:‏ <strong>تاريخ</strong> ‏سالطني اآل عثمان.‏ حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي.‏ دار<br />

البصائر،‏ دمشق،‏ الطبعة الثالثة.‏ ‏ص 46.<br />

57<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

58<br />

54<br />

55<br />

‎54‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 50.<br />

‎5‎زياد اأبو غنيمة:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 97.<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. p. 38.5656<br />

57<br />

‎57‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 52.<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. p. 38.5858<br />

59<br />

60<br />

61<br />

‎59‎ذكرت بعض الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية اأن اإعدام الشيخ بدر الدين كان ‏سنة ‎1420‎م.‏ وكان<br />

الشيخ قد حوكم اأمام هيئة من كبار العلماء والقضاة.‏ وقد وقع الشيخ بدر الدين<br />

بنفسه على الفتوى اعرتافاً‏ بذنبه ومت اإعدامه ‏شنقاً‏ على مالأ من الناس يف السوق<br />

الرئيسي يف مدينة ‏شرياز.‏ اأنظر اأيضاً‏ اأبو غنيمة:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 176.<br />

‎60‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 175.<br />

‎61‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ والصفحة نفسها.‏<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 41.6262<br />

Ibid. p. 44- 45.6363<br />

64<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 50.6565<br />

Ibid. P. 51666<br />

64 اتخذ مصطفى مدينة اإزنك عاصمة له.‏ وهو ليس مصطفى املزيف.‏


الفصل الثالث<br />

بعض مظاهر اإلدارة <strong>العثمانية</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل الثالث<br />

بعض مظاهر اإلدارة <strong>العثمانية</strong><br />

قبل البدء يف احلديث عن الفتوحات <strong>العثمانية</strong> الأخرى زمن السلطان حممد<br />

الفاحت،‏ يجدر بنا اأن نتعرف على بعض مظاهر الإدارة يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ والقصد<br />

من ذلك هو فهم ما كان من نظام اإداري عثماين يف القرنني الرابع واخلامس عرش،‏<br />

ومتابعة وصف مظاهر الإدارة <strong>العثمانية</strong> عن القرون الالحقة،‏ ومعرفة من كان يتحكم<br />

يف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وكيف تطورت من عشرية تركمانية اإىل اإمارة ثم ‏سلطنة ثم<br />

اإمرباطورية عثمانية واجهت الدول املسيحية وخاضت معها حروباً‏ طاحنة وقضت<br />

على الإمرباطورية البيزنطية وعلى السلطنة اململوكية.‏<br />

ولو نظرنا وتفحصنا اأسلوب العثمانيني يف الفتح واأسلوب املعيشة يف بداية<br />

تاأسيس الإمارة <strong>العثمانية</strong> لوجدنا اأن العثمانيني اعتزوا بالإسالم وطبقوا ‏شعائره<br />

يف حياتهم اليومية ويف الفتوحات الكثرية.‏ وكانت بعض املناطق املفتوحة تخضع<br />

للسيطرة املبارشة للعثمانيني وتصبح اأراضٍ‏ عثمانية،‏ والبعض الآخر يخضع للسيادة<br />

<strong>العثمانية</strong> السمية كاأن يذكر اسم السلطان يف خطبة يوم اجلمعة اأو يظهر اسمه على<br />

النقود.‏<br />

كان العثمانيون يضعون يف املناطق املفتوحة حاميات وقالعاً‏ قوية كي تبقى<br />

هذه املناطق تابعة للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏ وكان اجلنود ياأخذون اإقطاعات يستقر فيها<br />

اجلندي ويدافع عن اأرضه التي اأقطعها له السلطان،‏ وكثرياً‏ ما كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

تعفي بعض القرى من الرضائب كي يشرتوا ولء هذه القرى للحكم والإدارة <strong>العثمانية</strong><br />

وذلك خوفاً‏ من الثورات ‏ضد العثمانيني يف هذه القرى واملدن.‏ وكمثال على ذلك ما<br />

تذكره ‏سجالت قونية وقيرصية من اأن ‏سكان هاتني املدينتني قد اأُعفوا من الرضائب<br />

بسبب ولئهم الذي اأظهروه للدولة اأثناء قتال العثمانيني مع اأوزون حسن )1( .<br />

61<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

62<br />

واتبع العثمانيون اأسلوب نقل جماعات تركية من الأناضول اإىل البلقان اأو اإىل<br />

البالد املفتوحة لإسباغ الصفة الرتكية عليها وملحاولة اأن يكون العنرص الرتكي<br />

الإسالمي مساوياً‏ اإىل حد ما مع ‏سكان البالد من غري الأتراك،‏ وعملية نقل السكان<br />

تسمى:‏ Surgun كما ذكرنا ‏سابقاً.‏<br />

وكمثال على نقل السكان من مكان لآخر ذاك الفرمان ‏)القرار(‏ السلطاين الصادر<br />

ب<strong>تاريخ</strong> ‎1572/9/24‎م والذي نص على نقل عائالت من وليات ‏سيواس وكرمان<br />

وذي القدر اإىل جزيرة قربص التي فتحها العثمانيون اآنذاك )2( . ورمبا كان القصد<br />

من نقل هذه القبائل اإىل قربص اأو حتى من اأي مكان لآخر يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هو<br />

لتاأديب هذه القبائل وهذا هو اأسلوب النفي،‏ ورمبا كان اأيضاً‏ لزيادة العنرص الرتكي<br />

املسلم يف املناطق املسيحية.‏<br />

األفراد الذين كان على عاتقهم إدارة أمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

1. السلطان العثماني:‏<br />

كانت اإمارة عثمان على راأسها اأمري اأو قائد قبيلة عثماين،‏ وكان يرحل مع<br />

عشريته يف بداية تكون الإمارة،‏ وكانت عاصمته يف اأي مكان يحل فيه مع عشريته،‏<br />

حتى اأن بعض اأفراد عشريته كان يرحل عنه اإذا توقف الغزو اأو توقفت الغنائم.‏ ويف<br />

زمن الإمارة <strong>العثمانية</strong> كان الأمري عثمان يقوم بالصلح بني القبائل والعشائر اإذا<br />

حصل بينها ‏شجار اأو ‏رصاع،‏ فلم يكن الأمري اإل وسيطاً‏ للصلح ولكنه كان يطبق<br />

الرشيعة الإسالمية يف اأمور الصلح بني القبائل )3( .<br />

وعندما ازدادت الفتوحات <strong>العثمانية</strong> اأصبح الأمري العثماين مشغولً‏ باأمور هامة<br />

اأخرى عدا عن اأمور اأفراد عشريته،‏ وكان الأمراء العثمانيون يف بداية اأمر الإمارة<br />

اأقوياء وظلوا كذلك حتى نهاية حكم السلطان ‏سليمان القانوين.‏ وكان الأمري العثماين<br />

قد حصل على لقب ‏سلطان الروم ‏)لأن املنطقة كانت تابعة للروم(‏ من اخلليفة العباسي<br />

يف مرص عام ‎1494‎م،‏ وكان السلطان العثماين يلقب باديشاه اأي احلاكم الأعلى،‏ اأو<br />

لقب خنكار Hunkar اأي السلطان الأعظم.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ويف عام ‎1360‎م استوىل السلطان مراد الأول على مدينة اأدرنة واتخذها<br />

عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong> عام ‎1369‎م واأطلق على نفسه لقب ‏“خليفة اهلل”.‏ كما اتخذ<br />

السلطان حممد الفاحت بعد اأن فتح القسطنطينية عام ‎1453‎م لقب ‏“حامي احلرمني<br />

الرشيفني”.‏ كان العثمانيون يعلقون اأهمية كبرية على هذا اللقب لأنه يدعم زعامتهم<br />

على العامل الإسالمي.‏ ثم متسك السالطني من بني عثمان بلقب ‏“خليفة”‏ لأسباب<br />

‏سياسية،‏ واأطلقوا هذا اللقب علناً‏ على اأنفسهم خاصة يف القرنني الثامن عرش والتاسع<br />

عرش امليالديني )4( .<br />

نستطيع تقسيم فرتة ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل قسمني،‏ القسم الأول:‏ وهم<br />

عرشة ‏سالطني حكموا 267 ‏سنة تقريباً‏ )1299 – ‎1566‎م(‏ ، وقامت على ‏سواعدهم<br />

عظمة <strong>الدولة</strong> من حيث الفتوحات يف اأوروبا واأسيا واأفريقيا.‏ والقسم الثاين:‏ وهم 26<br />

‏سلطاناً‏ حكموا 357 ‏سنة تقريباً‏ )1566 – ‎1922‎م(‏ . ويف زمنهم توقفت الفتوحات<br />

وبداأ الرتاجع والتقهقر التدريجي حتى ‏سقوط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وكان اآخر السالطني<br />

هو السلطان حممد السادس حيث حكمها بصفته ‏سلطاناً‏ حتى نوفمرب ‏)ترشين ثاين(‏<br />

عام ‎1922‎م،‏ واأخرج من استنبول مبعداً‏ ب<strong>تاريخ</strong> ‎1922/11/17‎م اإىل مالطا،‏ واختار<br />

املجلس الوطني العثماين اأمرياً‏ عثمانياً‏ هو عبد املجيد بن عبد العزيز ليكون خليفة<br />

للمسلمني ل ‏سلطاناً.‏ ثم األغيت اخلالفة عام ‎1924‎م،‏ وغادر اخلليفة استنبول مع اأفراد<br />

اأرسته يف ‎1924/3/4‎م )5( .<br />

كان السلطان يقود اجليوش <strong>العثمانية</strong> يف املعارك ‏ضد الأعداء،‏ فكان يف مقدمة<br />

اجليش منذ بدء الإمارة <strong>العثمانية</strong> حتى بداية فرتة ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ويف فرتة<br />

الضعف مل يكن السلطان يسري اإىل املعارك على راأس جيش بل كان يظل يف القرص،‏<br />

وكثرياً‏ ما كان السلطان يرتك ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> يف فرتة ‏ضعفها اإىل كبار املوظفني<br />

مثل الصدر الأعظم اأو الكزلر اآغا،‏ وكان ينرصف اإىل حياة القرص اخلاصة ‏)حياة<br />

احلرمي(‏ ، وبسبب ‏ضعف السالطني اأخذ اجليش النكشاري يفرض ‏سلطته اأحياناً‏ على<br />

السلطان الذي اأصبح موقفه ‏ضعيفاً‏ اأمام اجليش.‏<br />

كان السلطان يعني قبل وفاته وريثاً‏ للعرش اأحد اأبنائه،‏ واستمرت احلالة هذه<br />

طيلة فرتة حكم العثمانيني اإل يف بعض فرتات كان الأخ يتبع اأخاه يف احلكم كما<br />

حصل عندما تويف السلطان اأحمد الأول عام ‎1617‎م فخلفه اأخوه مصطفى الأول لأن<br />

63<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

64<br />

اأبناءه كانوا ‏صغاراً.‏ ثم ‏صدر فرمان ‏سلطاين فيما بعد جاء فيه اأن تعطى اأمور السلطنة<br />

اإىل اأكرب الأعضاء ‏سناً‏ يف اأرسة عثمان من الذكور،‏ وهذا الفرمان قلل من نصيب البن<br />

يف تويل السلطنة بعد اأبيه )6( .<br />

واجبات السلطان:‏<br />

لقد حرص العثمانيون على ‏صدق انتمائهم اإىل الهوية الإسالمية،‏ والدللة على<br />

ذلك ما جنده يف دستور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من واجبات السلطان واأهم هذه الواجبات:‏<br />

‎1.1‎اأن يخضع السلطان لأحكام الرشيعة الإسالمية خضوعاً‏ كامالً.‏<br />

‎2.2‎اأن يجل الرشيعة الإسالمية ويبجل علماءها.‏<br />

‎3.3‎اأن يحمي مقدسات املسلمني وينظم ‏شوؤون احلج بعناية.‏<br />

‎4.4‎اأن يدافع عن تخوم املسلمني ‏ضد اأعدائهم )7( .<br />

وكان العثمانيون يطلقون على اجلندي املسلم اسم Mahmatlick اأي اجلندي<br />

املحمدي،‏ وذلك تيمناً‏ باسم ‏سيد املجاهدين حممد ‏صلى اهلل عليه وسلم.‏<br />

لقد اأطلق لقب ‏“سلطان”‏ على اأمري الغزو بعد اأن توسعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ووصلت<br />

حدودها اإىل البلقان،‏ وكانت خزينة <strong>الدولة</strong> تختلف عن خزينة السلطان لأنه كثرياً‏<br />

ما كان يتربع من اأمواله اخلاصة على مشاريع اإسالمية هامة كي تخلد اسمه،‏ فقد<br />

بُنيت مدارس دينية وجوامع وطبق نظام الرشيعة الإسالمية يف جميع دوائر <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> احلكومية من قبل السالطني،‏ كما اأنشئت دوائر اأخرى عدا عن اجلوامع بعد<br />

اأن توسعت <strong>الدولة</strong> مثل دوائر الوزارات )8( .<br />

رغم كل ما ذكرناه من الناحية الإسالمية اإل اأن بعض السالطني قد تزوج من<br />

مسيحيات،‏ وكانت اأمهات بعض السالطني مسيحيات،‏ وكانت هذه النساء تتخذ<br />

مرشدين مسيحيني وتوؤثر هذه الأم املسيحية اأو الزوجة املسيحية على السلطان كما<br />

حصل زمن بايزيد الأول الذي حتول من عمله كغازٍ‏ على الأرض البيزنطية اإىل معتدٍ‏<br />

على الإمارات الإسالمية الرتكمانية يف الأناضول )9( .<br />

ويف الوقت نفسه يجب مالحظة اأن السلطان كان يقتل اأخاه اأو عمه اأو قريبه لأن<br />

الأخ اأو العم كان يوايل الأعداء ويساعدهم يف هجماتهم على السلطان املسلم.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

مل يتخذ السالطني العثمانيني لقب خليفة اإل يف نهاية القرن التاسع عرش،‏ ولكن<br />

ذلك ل يعني اأن اسم السلطان كان جمرد اسم يرفع على املاآذن يف اجلوامع،‏ بل كان<br />

يدعى له باأمري املوؤمنني وباخلليفة على املنابر،‏ اأما يف الوثائق الرسمية فلم يلقب<br />

السلطان بخليفة اإل يف معاهدة كوجوك كاينارجا املعقودة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

وروسيا عام ‎1744‎م )10( . وكذلك لحظنا اسم خليفة على السلطان يف دستور<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1876‎م،‏ وكان قصد السلطان عبد احلميد من اتباعه لقب خليفة<br />

بالإضافة اإىل كلمة ‏سلطان،‏ هو لإخافة الدول الأجنبية الأوروبية واأهمها بريطانيا،‏<br />

لأنها كانت حتكم ماليني املسلمني يف الهند وغريها من العامل،‏ فكلمة خليفة عندما<br />

كان يسمعها املسلم يف اأي مكان كان يعترب نفسه اأنه تابع لذاك اخلليفة حتى ولو مل<br />

يكن هذا املسلم من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

ولقب السلطان حممد الفاحت ‏سلطان الربّين والبحرين وذلك بعد اأن فتح عاصمة<br />

<strong>الدولة</strong> البيزنطية ‏»القسطنطينية«‏ )11( . وعندما دخل السلطان ‏سليم الأول القاهرة<br />

بعد انتصاره على املماليك عام ‎1517‎م،‏ وكان اخلليفة العباسي مقيماً‏ يف القاهرة،‏<br />

‏سلّم اخلليفة العباسي اإىل السلطان ‏سليم اأمور اخلالفة وتنازل عنها طوعاً‏ )12( ، ولكن<br />

السالطني العثمانيني مل يتخذوا لقب خليفة على اأنفسهم اإل يف وقت متاأخر من حكم<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ومل نعرف عن تنازل اخلليفة العباسي عن اخلالفة للسلطان ‏سليم اإل<br />

يف وقت متاأخر اأيضاً.‏<br />

2. الصدر األعظم:‏<br />

كان هذا املنصب،‏ الوزير الأعظم،‏ اأو ‏»الصدر الأعظم«‏ مبثابة رئيس الوزراء يف<br />

وقتنا احلايل.‏ وقد بداأ السالطني العثمانيون بتعيني وزراء لهم بعد اأن توسعت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> نتيجة الفتوحات يف الأناضول يف اآسيا الصغرى،‏ والبلقان يف اأوروبا.‏<br />

ومثال على ذلك عندما عني السلطان اأورخان الوزير عالء الدين كوزير اأول ثم اأصبح<br />

رئيساً‏ للوزراء فيما بعد )13( .<br />

وكان منصب الصدر الأعظم منذ ذاك الوقت وحتى عام ‎1453‎م اأي حتى فتح<br />

القسطنطينية يتقلده مسلمون اأحرار من عائلة جندريل مثل قرة خليل،‏ ولكن ل مينع<br />

هذا اأن يكون رئيس الوزراء رجالً‏ اأسلم وحسن اإسالمه بعد اأن كان مسيحياً،‏ وهناك<br />

كثري ممن تقلد منصب الصدارة العظمى من اأصل مسيحي.‏<br />

65<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

66<br />

كان هذا املنصب يف بداية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عبارة عن تقدمي املشورة للسلطان<br />

من قبل الشخص الذي يحظى بهذا املنصب،‏ ثم اأصبح الصدر الأعظم يتوىل اأموراً‏ هامة<br />

يعينه السلطان لتنفيذها مثل قيادة اجليوش للمعارك وتنظيم اأمور اجليش حتى اأن<br />

السلطان ‏سلمه خامته للتوقيع نيابة عنه )14( . ومل يكن ذلك اإل يف فرتة ‏ضعف <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ ولكن الوزير الأعظم كان يعيد اخلامت السلطاين عندما يعزل من منصبه.‏<br />

اأصبح مركز الصدر الأعظم مهماً‏ منذ اأن اأصدر السلطان حممد الثاين ‏)الفاحت(‏<br />

‏»القانون نامه«‏ والذي حدد مبوجبه وظيفة كل اإداري يف <strong>الدولة</strong> واأعطى الوزير الأعظم<br />

اأهمية بالغة حتى جعله وصياً‏ فعلياً‏ على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )15( .<br />

كما اأن السلطان ‏سليمان القانوين رفع مركز الصدر الأعظم وبني اأهمية<br />

هذا املركز يف القانون الذي اأصدره،‏ وعرف السلطان ‏سليمان بالقانوين لكرثة<br />

القوانني التي اأصدرها لتنظيم <strong>الدولة</strong>.‏ فصدر يف القانون مثالً‏ بصدد منصب<br />

الوزير الأعظم اأن اأي ‏شخص يتقلد هذا املنصب يجب اأن يكون مواظباً‏ على اأداء<br />

الصالة يف اأوقاتها )16( .<br />

كما كان للصدر الأعظم حرس خاص حلمايته وكانت له حاشية مثل السلطان.‏<br />

وقد اهتم السلطان بالوزير الأعظم ففوضه ‏سلطات واسعة،‏ فمثالً‏ اأوجد السلطان حممد<br />

الرابع مقراً‏ رسمياً‏ يف القرص للوزير الأعظم ‏سمي مقره ‏»بالباب العايل«‏ وكان<br />

ذلك لوزيره الأعظم درويش حممد باشا عام ‎1654‎م.‏ وبداأ الوزير الأعظم يقوم بتدبري<br />

اأمور <strong>الدولة</strong> من هذا املكان بدلً‏ من القرص السلطاين.‏ وكان الوزير الأعظم يجمع الوزراء<br />

يف قرصه ‏»الباب العايل«‏ الذي اأصبح املقر الأصلي للحكومة.‏ ومع مرور الزمن اأطلق<br />

لقب الباب العايل على الصدر الأعظم،‏ فمثالً‏ ذكرت الكتب ال<strong>تاريخ</strong>ية ‏»اأصدر الباب<br />

العايل اأمراً«‏ اأي الذي اأصدره هو الصدر الأعظم )17( . ولأن مركز ومنصب الصدر<br />

الأعظم من اأكرث املراكز الهامة يف <strong>الدولة</strong> بعد السلطان لذلك اهتم السلطان باختيار<br />

الشخص املناسب لهذا املنصب.‏<br />

ويف غياب الوزير الأعظم كان يقوم مقامه يف ‏شوؤون هذا املنصب قائم مقام<br />

ويجب اأن يكون هذا برتبة وزير كي يحل حمل الصدر الأعظم.‏ ويف غياب السلطان<br />

وغياب الصدر الأعظم كان بعض موظفي <strong>الدولة</strong> الكبار اأو حكام الوليات ينوبون


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

حمل الصدر العظم ويكونون برتبة وزراء،‏ وكانت املجالس التي يحرضها هوؤلء<br />

الوزراء يف غرفة ذات قبة يف القرص لذلك اأطلق عليهم وزراء القبة.‏<br />

ويف القرن السابع عرش عندما دخل السالطني العثمانيون يف مرحلة الضعف<br />

كان الصدر الأعظم يقوم مبهام كثرية من اختصاص السلطان يف ترصيف اأمور<br />

<strong>الدولة</strong>،‏ وبازدياد ‏ضعف السالطني ظهر وزراء عظام طغت ‏شهرتهم على اسم السلطان<br />

نفسه مثل عائلة كوبريللي.‏ وقد قام اأفراد من هذه العائلة مبلء هذا املنصب عن جدارة<br />

حتى اأصبح هذا املنصب وراثياً‏ يف هذه العائلة )18( . واستطاعت هذه الأرسة اأن تعيد<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong> هيبتها رغم ‏ضعف السالطني.‏<br />

ويف مرحلة ‏ضعف السالطني العثمانيني كان هناك تنافس بني الصدر الأعظم<br />

والكزلر اآغا ‏)وهو املوظف الذي كان يرشف على ‏شوؤون احلرمي يف القرص(‏ وكان<br />

تنافسهما على تدبري اأمور <strong>الدولة</strong> واضحاً،‏ حتى اأن الولة يف ولياتهم انعكست عليهم<br />

هذه املنافسة وتقرر مصريهم تبعاً‏ لذلك التنافس والرصاع.‏ فمثالً‏ قام الكزلر اآغا<br />

وعزل اأسعد باشا العظم عن ولية الشام عام ‎1757‎م علماً‏ باأن اأسعد باشا كان يعتمد<br />

على الوزير الأعظم الذي هو يف رتبته اأعلى من رتبة الكزلر اآغا )19( .<br />

وكان بعض املوظفني تابعني للوزير الأعظم مبارشة مثل وظيفة الكاخيابيك،‏<br />

وهو مبثابة وزير الداخلية اليوم لأنه كان مشوؤولً‏ عن ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> فيما يتعلق<br />

بالشوؤون الداخلية.‏<br />

3. الكزالر آغا:‏<br />

وهو الرجل الذي كان يرشف على ‏شوؤون احلرمي يف القرص.‏ ويسمى اأيضاً‏ ‏»اآغا<br />

دار السعادة«.‏ كان الشخص الذي يصل اإىل هذا املنصب يساعده عدد من اخلصيان<br />

الطواشية وكان يوؤتى بهم من القفقاس،‏ اأما يف عهد السلطان مراد الثالث – 1574<br />

‎1595‎م فقد اأصبح للخصيان الطواشية السود اليد العليا يف ‏شوؤون احلرمي )20( .<br />

وقد مرت على السالطني العثمانيني فرتات ‏ضعف حتكمت والدة السلطان اأو<br />

زوجة السلطان يف احلكم لدرجة اأن وقعت اأم السلطان وزوجته يف نزاع بينهما اأثرت<br />

على جمرى احلوادث يف <strong>الدولة</strong> )21( .<br />

67<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

68<br />

وحدثت يف الفرتة الواقعة بني – 1617 1623 اأن دب نزاع بني احلرمي يف<br />

القرص وهن اأمهات كل من مصطفى الأول،‏ وعثمان الثاين،‏ ومراد الرابع )22( ، واأخذت<br />

كل واحدة تخطط اأن يكون ابنها هو السلطان الفعلي يف <strong>الدولة</strong>.‏<br />

اأصبح الكزلر اآغا يف منصب ل يحسد عليه يف القرن الثامن عرش بسبب ازدياد<br />

نفوذه على احلرمي وحتى على نفسه.‏ حتى اأن الكزلر اآغا دخل يف ‏رصاع مستمر،‏<br />

بسبب احلسد،‏ مع الوزير الأعظم،‏ علماً‏ باأن رتبة الكزلر اآغا من ناحية نظرية تاأتي بعد<br />

رتبة الوزير الأعظم ورتبة ‏شيخ الإسالم.‏<br />

4. الديوان:‏<br />

هو مبثابة جملس رئاسة الوزراء،‏ وقد تشكل الديوان يف العهد العثماين بعد اأن<br />

امتدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وتوسعت،‏ لذلك كان ل بد للسلطان من تعيني وزراء لإدارة<br />

‏شوؤون خمتلفة لالعتماد عليهم يف ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong>.‏ ومل يكن هوؤلء الوزراء من<br />

‏ساللة اآل عثمان،‏ وعني السلطان اأيضاً‏ حكاماً‏ اإداريني ‏)ولة(‏ لإدارة املناطق املفتوحة،‏<br />

وكانت وظيفة كل منهم برتبة وزير وهم من غري العثمانيني اأيضاً.‏ كما اأنشئت يف<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وزارات اأخرى مثل الدفرت دارية ‏)وزارة املالية(‏ واآغا النكشارية<br />

‏)قائد اجليش(‏ وغريها من الوزارات.‏<br />

والديوان هو جملس كان يضم جميع روؤساء الدوائر يف <strong>الدولة</strong> وجميع الوزراء،‏<br />

وكانت الجتماعات فيه لبحث القضايا الهامة للدولة ولبحث اأمور تتعلق بتقرير<br />

السلم اأو احلرب،‏ وكان السلطان يرتاأس اجتماعات الديوان حتى زمن السلطان حممد<br />

الفاحت الذي اأعطى مهمة اإدارة الديوان للصدر الأعظم.‏ فاأصبح الصدر الأعظم يرتاأس<br />

اجتماعات الديوان.‏ واأهم الوزراء الذين كانوا ملزمني بحضور اجتماعات الديوان-‏<br />

عدا عن الصدر الأعظم-‏ كل من الدفرت دار،‏ واآغا النكشارية،‏ وشيخ الإسالم،‏ وقاضي<br />

عسكر الأناضول،‏ وقاضي عسكر الروملي ‏)البلقان(‏ ، وقاضي عسكر اأفريقيا،‏ واأمري<br />

البحر ‏)قبودان باشا(‏ ، وصاحب التوقيع املشوؤول عن خامت السلطان،‏ وغريهم من<br />

الوزراء.‏ وكان الديوان يعقد اأربع مرات اأسبوعياً‏ يف اأيام السبت والأحد والثنني<br />

والثالثاء )23( ، واقترصت مهمة السلطان على مقابلة جملس الوزراء ‏)الديوان(‏ يف<br />

نهاية كل اأسبوع،‏ والديوان هو مكان لجتماع روؤساء الوزارات واملوظفني الكبار يف<br />

<strong>الدولة</strong>.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وكان يطلق على اجتماعات الأشخاص البارزين ديوان.‏ وما زالت هذه الكلمة<br />

‏شائعة يف وقتنا احلارض وتعني اجتماع اأفراد عائلة اأو حمولة معينة يف مكان<br />

خمصص لجتماعات العائلة.‏<br />

وقد اختلف نظام الديوان من ولية اإىل اأخرى،‏ ففي ولية مرص مثالً‏ كان الديوان<br />

يعقد اجتماعاته كل اأسبوع 4 مرات،‏ وذلك حسب القانون الذي ‏صدر عام ‎1525‎م،‏ اأما<br />

يف ولية الشام فكان الديوان يعقد جلساته عندما تستدعي احلاجة ذلك.‏ كما اختلفت<br />

نوعية الأشخاص الذين كانوا يحرضون الجتماعات حسب الظروف واملواضيع<br />

املطروحة )24( .<br />

ورمبا اأنشاأت الدواوين يف الوليات خوفاً‏ من اأن يعلن الوايل استقالله عن<br />

السلطنة <strong>العثمانية</strong>.‏ لذلك اأُنشئ ديوان اإىل جانب كل والٍ‏ مهمته اإسداء النصح<br />

والإرشاد اإىل الوايل وكذلك مراقبته.‏ وكان الوايل يرجع اإىل مشورة الديوان قبل<br />

تنفيذ اأي عمل هام.‏<br />

كان الديوان يتاألف من كبار ‏ضباط الفرق العسكرية وعدد من املوظفني والعلماء<br />

والأعيان يف الولية.‏ لذلك اأصبح من الصعب على الوايل القيام اأو حتى التفكري بالقيام<br />

بالنفصال عن السلطان اأو الترصف ‏ضد رغبة <strong>الدولة</strong> )25( . وكان وجود ‏ضباط اجليش<br />

كاأعضاء بارزين يف الديوان قد هدد الوايل واأخذ ‏ضباط يتدخلون يف الأمور السياسية<br />

بالإضافة اإىل وظيفتهم العسكرية.‏<br />

كان السلطان يعني الوايل اأو الباشا ملدة ‏سنة واحدة قابلة للتجديد يف بعض<br />

احلالت،‏ لذلك ترصف بعض الولة مبحاولة ابتزاز اأموال الشعب يف ‏سنة حكمهم<br />

للولية.‏ ومن املفهوم اأن السلطان كان قد اأعطى الوايل ‏صالحيات واسعة لإدارة<br />

وليته وصلت حتى اإعطائه حق تنفيذ حكم الإعدام.‏ ولكن الوايل خضع يف الوقت<br />

نفسه ملراقبة الديوان.‏<br />

5. وزير املالية ‏)الدفرت دار(:‏<br />

كان السلطان العثماين يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يحصل على خُ‏ مس<br />

الغنائم اأثناء احلروب،‏ وله اإقطاعات تدعى الإقطاع اخلاص،‏ وكان يحصل على موارد<br />

من الغنائم ومن الإقطاع اخلاص ويعطيها اإىل اجلنود ورجال الإدارة يف <strong>الدولة</strong>،‏ لذلك<br />

69<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

70<br />

مل يكن بحاجة اإىل وزير مالية يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong>،‏ ولكن عندما اأصبحت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> تتسع تدريجياً‏ نتيجة الفتوحات،‏ بداأت يف تشكيل جيش النكشارية،‏ واأعطت<br />

معاشات لهذا اجليش وللمشوؤولني عن الإدارة.‏ لذا راأى الوزير الأعظم جندريل قرة<br />

خليل باشا )1368 – 1373( ‏رضورة اإيجاد وزارة للمالية اأو خزينة املالية،‏ وعندما<br />

تاأسست،‏ اأصبحت خزينة السلطان منفصلة عنها.‏ وسميت خزينة <strong>الدولة</strong> باخلزنة<br />

الأمريية وكان املشوؤول عنها الدفرت دار اأو وزير املالية.‏<br />

كان الدفرت دار يرشف على اأربع دوائر مالية كلها تابعة الإدارته وهذه<br />

الدوائر هي:‏<br />

‎1.1‎دائرة التسجيل:‏ وهي املشوؤولة عن ‏شوؤون الإقطاعات وتسمى ‏)الدفرت حانة(‏<br />

وكان رئيسها يدعى الدفرت اأميني،‏ وهو مشوؤول عن مكاتب تابعة لإدارته وهي:‏<br />

. أدائرة اإلمجال:‏ Icmal وهي تتضمن ميزانيات الأشخاص يف املقاطعات،‏<br />

وتعنى بالوثائق التي حتدد فيها حدود الوليات وجميع الإقطاعات.‏<br />

‏.بدائرة املفصّ‏ ل:‏ وهي التي حتتوي على ‏سجالت مفصلة عن الداخل واخلارج<br />

من املرصوفات،‏ وتعنى بامللكية اخلاصة اأيضاً.‏<br />

‎2.2‎دائرة احملاسبة:‏ وحتتفظ بالإيصالت ‏)اإيصالت الستالم(‏ .<br />

‎3.3‎دائرة املراقبة:‏ وحتتوي على ‏سجالت معاشات اجليوش ومرصوفات القرص.‏<br />

‎4.4‎دائرة املوقوفات:‏ وهي الدائرة التي حتتوي على ‏سجل الأراضي )26( .<br />

وكان يساعد الدفرت اأميني موظفان رئيسيان هما كاخيا الدفرت وكان مشوؤولً‏<br />

عن الإقطاع املعروف باإقطاع الزعامت،‏ واملوظف الآخر هو دفرت دار التيمار وكان<br />

عمله خمتصاً‏ بالإقطاع املعروف باإقطاع التيمار )27( . وقد وجد مثل هوؤلء املوظفني<br />

اأيضاً‏ يف الوليات.‏<br />

وعندما اأخذت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف الضعف التدريجي خفّت وظيفة الدفرت اأميني<br />

املشوؤول عن ‏شوؤون الإقطاعات،‏ وزادت مشوؤوليات الدفرت دار يف العاصمة ‏)املشوؤول<br />

عن الشوؤون املالية(‏ لأن اعتماد <strong>الدولة</strong> اأصبح يزداد على املوظفني واجلند الذين<br />

ياأخذون املعاشات النقدية بدلً‏ من الإقطاعات.‏ وتسمى دائرة الشوؤون املالية بالدفرت<br />

داريه التي يراأسها الدفرت دار وكانت مهمته حسابات <strong>الدولة</strong> من واردات وصادرات.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

كما عني السلطان العثماين دفرت دار ملنطقة اآسيا الصغرى ‏)الأناضول(‏ ، ودفرت<br />

دار لروميليا ‏)البلقان(‏ ، كما وجد دفرت دار لكل ولية وكانوا مرتبطني بالعاصمة<br />

استنبول.‏<br />

وكانت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مقسمه اإىل اإقطاعات؛ كي يسهل جمع الرضيبة<br />

من كل مقاطعة.‏ وكان يُعطى حق جمع الرضيبة لأشخاص يسمون مقاطعجية اأو<br />

ملتزمني.‏ ولكنهم كانوا يعينون ملدة ‏سنة واحدة على الأكرث،‏ فكانوا يستغلون ظروف<br />

قرص مدة حكمهم ويزداد ابتزاز الأموال من الفالحني،‏ حتى اأن البعض منهم استمر يف<br />

عمله اأكرث من ‏سنة اأثناء ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وحتدى امللتزمون الوايل والسلطان<br />

وبقوا على راأس عملهم يجمعون الأموال ول يوصلونها اإىل املحصل الذي عليه اأن<br />

يوصلها اإىل خزانة <strong>الدولة</strong> اأو اإىل الدفرت دار يف استنبول،‏ وكمثال على ذلك ظاهر العمر<br />

يف فلسطني الذي كان يجمع الأموال والرضائب من الفالحني بصفته ملتزم،‏ وعليه<br />

اأن يرسل الأموال اإىل املحصل الذي يجمع الأموال من امللتزمني.‏ وكان املحصلون<br />

يرسلون الأموال اإىل الوايل الذي كان عليه اأن يوصل هذه الأموال اإىل العاصمة.‏<br />

ويف اأواخر القرن السابع عرش اأصدرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> نظام املالكانة ويعني<br />

منح اللتزام للملتزمني مدى احلياة،‏ وبذلك اأصبح امللتزم ‏)حمصل الرضائب(‏ ل يخاف<br />

على مركزه لذلك قل ابتزاز الأموال من الفالحني؛ لأن امللتزم مل يعد مضطراً‏ لالإرساع<br />

يف ابتزاز الأموال من الفالحني )28( .<br />

6. اجليش العثماني:‏<br />

كان اجليش العثماين يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مكوناً‏ من فرق من<br />

اجلنود الأتراك املسلمني واخليالة،‏ وكانت كل فرقة تتبع عشرية على راأسها رئيس<br />

العشرية ورجل دين مسلم )29( . وكان هوؤلء الفرسان يحملون اأسلحة مثل القوس<br />

والنشاب والسهام والسيف،‏ وعندما كانوا يغزون الأراضي البيزنطية كانوا يحصلون<br />

على غنائم وفرية.‏ وكان على راأس هذه العشائر كلها السلطان كقائد للجيش.‏<br />

نشاأ العثمانيون الأوائل يف الأناضول بني الإمارات املسيحية التي ناصبتهم<br />

العداء،‏ لذلك اعتز العثمانيون بالإسالم كدعامة لقوتهم واحتادهم مع الإمارات<br />

71<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

72<br />

الأخرى.‏ ولشعورهم بالأقلية بني املسيحيني؛ واعتمد العثمانيون على الإسالم اأساساً‏<br />

لنشاأة جيشهم واأساساً‏ لنشاأة دولتهم ثم اإمرباطوريتهم )30( .<br />

كان السلطان العثماين مينح اإقطاعاً‏ للجندي الفارس السباهي الذي قدم خدمة<br />

عسكرية واشرتك يف املعارك،‏ ولو نظرنا اإىل تكوين اجليش العثماين لوجدنا اأنه<br />

مع مرور الزمن واتساع رقعة <strong>الدولة</strong> اأصبح يضم عدا عن اجلنود الإقطاعيني جنوداً‏<br />

يعتمدون على معاشات وهم النكشارية وجنوداً‏ حلماية السلطان وهم املرتزقة اأو<br />

اجلند اخلاص.‏ ويتكون اجليش من اجلنود التالية:‏<br />

. أاجلنود اإلقطاعيون:‏<br />

اإن اجلنود الإقطاعيني الذين يحصلون على اإقطاع هم الفرسان اأو السباهية<br />

)Sipahi( ، وكان اجلندي يقدم خدماته للدولة مقابل اإعطائه اإقطاعاً‏ مبثابة معاش<br />

اأبدي يرتزق منه السباهي،‏ وتختلف مساحة الإقطاعات من رتبة ‏شخص اإىل رتبة<br />

‏شخص اآخر.‏ فهناك اإقطاع التيمار وهو اإقطاع ‏صغري يرتاوح دخله السنوي بني<br />

3,000 و‎20,000‎ اأقجة )31( . وهي عملة عثمانية،‏ وتعادل الأقجة ¼ درهم.‏ وكان<br />

على ‏صاحب التيمار اأن يقدم اإىل اجليش عدداً‏ من الفرسان يرتاوح ما بني اثنني اإىل<br />

اأربعة جنود يقومون اأصالً‏ يف خدمة اأرضه ‏)تيماره(‏ .<br />

وهناك اإقطاع الزعامت،‏ نسبة اإىل الزعيم – ويرتاوح دخل الزعامت من 20,000<br />

اإىل 100,000 اأقجة،‏ وعلى ‏صاحب الزعامت اأن يقدم للجيش العثماين جندياً‏ واحداً‏<br />

عن كل خمسة اآلف اأقجة.‏<br />

وهناك الإقطاع اخلاص،‏ وهذا النوع من الإقطاع كان مينح اإىل اأفراد الأرسة<br />

<strong>العثمانية</strong> احلاكمة واملقربني اإليهم والولة يف الوليات <strong>العثمانية</strong>.‏ وكان دخل<br />

الإقطاع اخلاص يزيد على 100,000 اأقجة.‏ وكان هذا الإقطاع يختلف عن ‏سابقيه؛<br />

لأنه ل يخضع ملراقبة الدفرت دار.‏<br />

كان اإقطاع التيمار مينح اإىل ‏شخص يدعى اآلي )32( ،Alay وكان جمموع هوؤلء<br />

الأشخاص يخضعون اإىل بك يرشف عليهم كلهم.‏ وجمموع اأراضي تيمار تشكل ‏سنجق.‏<br />

وجمموعة السناجق تخضع اإىل بيلربي بك .Beyler Beyi فكانت رتبهم حسب التسلسل


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

العسكري الإقطاعي كما يلي ‏)اآلي،‏ بك،‏ بيلربي(‏ اأما اإقطاعاتهم حسب املساحة يف<br />

الولية فكانت كالتايل ‏)تيمار،‏ زعامت،‏ خاص(‏ .<br />

وكان البيلربي اأو بك البكوات الذي هو اأعلى رتبة يف الناحية العسكرية الإقطاعية<br />

مينح الإقطاع اإىل من يصلح للخدمة العسكرية.‏ ولكن يف عهد ‏سليمان القانوين عام<br />

‎1530‎م ‏سحب السلطان هذه الصالحية من حكام الوليات واأصبح منح الإقطاع<br />

من اختصاص احلكومة املركزية،‏ بينما بقي للوايل ‏صالحية منح تيمار ‏صغري اأو<br />

اإعطاء توصية اإىل من يستحق الإقطاع.‏ وياأخذ ‏صاحب التوصية هذه اإىل العاصمة<br />

<strong>العثمانية</strong> كي يحصل من السلطان على براءة لكي مينح الإقطاع له،‏ ولكن التوصية<br />

من حاكم الولية كانت ل تلزم السلطان باإعطاء الرباءة اإىل اأي ‏شخص كان.‏ والرباءة<br />

من السلطان للحصول على تيمار هي اأقوى واأضمن من التيمار املمنوح من حاكم<br />

الولية للفرد الذي مل يحصل على براءة من السلطان )33( . وكان التيمار يقسم اإىل<br />

جمموعة حصص تخضع كلها اإىل ‏صاحب التيمار،‏ ولكن احلصص ل تورث من الأب<br />

اإىل البن بينما التيمار كان يورث من الأب اإىل البن.‏<br />

ذكرنا ‏سابقاً‏ اأن الإقطاع املمنوح للسباهي كان مبثابة معاش اأبدي له مقابل<br />

تقدمي خدمة عسكرية للدولة،‏ وكان السباهي يجهز جنوداً‏ للحرب اإذا جتاوز دخل<br />

اإقطاعه حداً‏ معيناً،‏ ولكن بانحطاط اجلنود الإقطاعيني تدريجياً‏ اأصبح باإمكانهم دفع<br />

ما عرف مبال البدل مقابل اإعفائهم من اخلدمة )34( .<br />

وذكر بروكلمان يف كتابه ‏»<strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية«‏ اأن السفري الفرنسي يف<br />

استنبول وصف اجلنود السباهية ذاكراً‏ اإعجابه عن جمال اخليول املغطاة بجهاز<br />

يتالألأ بالذهب والفضة واجلواهر،‏ اأما الفرسان اأنفسهم فكانوا يلبسون ثياباً‏ من قماش<br />

مقصب اأو من حرير خمتلف األوانه مثل قرمزي اأو اأصفر اأو زعفراين اأو اأزرق قامت وكان<br />

‏سالحهم القوس والنشاب والرمح والسيف املرصع باحلجارة الكرمية،‏ وجمناً‏ ‏صغرياً‏<br />

وصوجلاناً‏ معلقاً‏ بالرسج )35( .<br />

وكان املورد الرئيس للجندي السباهي هي الغنائم من احلرب والرضائب التي<br />

يجمعها من الفالحني املقيمني يف اإقطاع،‏ لذلك كانت دعوة السباهية بشكل جماعي<br />

للقيام باحلروب من ‏شاأنه تعطيل احلياة اليومية يف الريف،‏ لذلك كانت <strong>الدولة</strong> تسمح<br />

73<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

74<br />

لسباهي واحد من كل عرشة ‏سباهية اأن يتخلف عن احلرب،‏ وكانت تعطي <strong>الدولة</strong><br />

اإجازات لهوؤلء للرجوع اإىل الأرض كي يفلحوها وبخاصة اأثناء توقف احلرب.‏ وكان<br />

اأسلوب منح اإقطاع اإىل اجلندي السباهي له مساوئ وحسنات ومن مساوئه اأن اجلندي<br />

الإقطاعي يحاول التهرب من اخلدمة العسكرية،‏ وهذا جعل السالطني يعتمدون على<br />

جنود اآخرين مبرتبات ‏شهرية مثل النكشارية.‏ اأما حسنات الإقطاع فكان اجلندي<br />

يرتبط باأرضه ويدافع عنها ويبذل الغايل والرخيص كي ل تخرج من يده لالأعداء.‏<br />

‏.باالنكشارية )36( :<br />

ذكرنا يف الصفحات السابقة بالتفصيل عن اجليش النكشاري الذي تاأسس<br />

زمن اأورخان.‏ ونضيف اأيضاً‏ عن هذا اجليش هنا:‏ اأن السلطان اأورخان قام بتدريبه<br />

عسكرياً‏ يف مناطق خمتلفة من <strong>الدولة</strong> يف بروسة واأدرنة واستنبول.‏ وقد وصل بعضهم<br />

اإىل مراتب عليا يف <strong>الدولة</strong>،‏ كما اأصبح بعض منهم مرافقني للسلطان اأو وزراء عظاماً‏<br />

كرتبة ‏صدر اأعظم – وقد ‏سمي هوؤلء الذين يدخلون يف خدمة السلطان بعبيد الباب اأو<br />

قابي قولري،‏ Kapi Kulari اأو عبيد السلطان.‏<br />

كان اجليش النكشاري العمود الفقري للدولة يف اأوقات كثرية،‏ ويدعى قائده اآغا<br />

النكشارية ومركزه يف استنبول،‏ وكان اجليش النكشاري مكوناً‏ من 196 ‏)اأورطة(‏<br />

فرقة،‏ وعدد كل فرقة يختلف حسب الزمان واملكان فكان يصل اأحياناً‏ من 50 اإىل<br />

500 جندي يف كل اأورطة )37( . وبلغ عدد اجليش النكشاري عام ‎1660‎م حوايل<br />

54,222 رجالً‏ )38( .<br />

واأصبح اجليش النكشاري يتحكم يف اأمور السلطان نفسه منذ القرن اخلامس<br />

عرش وكان اأحياناً‏ يفرض على السلطان تنفيذ بعض طلباته كزيادة املعاش اأو<br />

اإصدار قانون يناسبهم،‏ ولكن كان اجلندي يف اجليش مينع من الزواج حتى يحال<br />

على التقاعد،‏ ويف زمن السلطان مراد الرابع )1623– ‎1640‎م(‏ زاد تسلطهم وتعرض<br />

السلطان لبطشهم وزادت حتدياتهم للسالطني الذين تبعوه.‏<br />

واأرسل السلطان بعض الفرق النكشارية اإىل الوليات ورمبا كان ذلك نفياً‏ لهم،‏<br />

اأو رمبا كان ملراقبة الوايل عن طريق النكشارية،‏ ولكن حصل اندماج وتزاوج بني<br />

اجليش النكشاري والسكان املحليني فاأخذ اجلندي النكشاري يقوم بالأعمال اليومية


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ويشرتك مع اأصحاب احلرف والصناعات كي يكسب رزقاً‏ بالإضافة اإىل معاشه،‏<br />

ودخل النكشارية بعض من السكان املحليني كي يستفيدوا من المتيازات املمنوحة<br />

للجيش،‏ فغلب الطابع املحلي على النكشارية حتى اأصبحوا يعرفون بالريلية ‏)من<br />

كلمة Yer بالرتكية وتعني املحل(‏ .<br />

واضطر السلطان اإزاء اندماج النكشارية بالسكان املحليني وابتعادهم عن<br />

عملهم الأصلي وهو خدمة <strong>الدولة</strong> كجنود اأن يرسل جيشاً‏ جديداً‏ اآخر ليحل حمل الريلية<br />

كي تكون اأكرث خضوعاً‏ للسلطان وهم القابي قولري.‏<br />

ومن املالحظ اأن اجليش النكشاري كان فيه كثري من رجال احلركات الصوفية<br />

والدراويش وهذا يدل على ارتباط النكشارية برجال الدين،‏ واأهم هذه احلركات<br />

الصوفية الطريقة البكطاشية فكان يف الأورطة رقم 99 كثري من رجال البكطاشية<br />

الدراويش )39( . فمثالً‏ عندما ثار جان بردي الغزايل على السلطان ‏سليم الأول عام<br />

‎1520‎م واحتل قلعة دمشق التي كان فيها اجليش الإنكشاري وجد الغزايل فيها اأكرث<br />

من 150 ‏شخصاً‏ من املتصوفة.‏<br />

وقد حاول املوؤرخون الأجانب الذين اأرخوا وكتبوا عن <strong>تاريخ</strong> اجليش العثماين اأن<br />

يكتبوا عبارات لذعة ‏ضد السلطان وشيخ الإسالم والإدارة <strong>العثمانية</strong>،‏ فكتب بروكلمان<br />

اأن اجليش النكشاري هو من الغلمان النصارى الذين اأرسوا يف احلرب )40( ، بينما<br />

يذكر املوؤرخ نفسه يف مكان اآخر يف الكتاب معرتفاً‏ اأن هذا اجليش هو مسلم فقال<br />

‏»واحلق اأن جميع املصادر الأوروبية حافلة باإطراء روح النظام التي تكشف عنها<br />

اجليش العثماين فلم يكن فيه مكان للخمر،‏ اأو القمار،‏ اأو البغاء،‏ وهي اآفات مل تسلم<br />

منها يف يوم من الأيام جيوش اأوروبا،‏ لذلك العهد.‏ وكانت احلرب ‏ضد ‏»الكافرين«‏ ل<br />

تزال تعترب واجباً‏ دينياً.‏ ولقد كان لذلك اأثر كبري يف ‏ضمان الغلبة على النصارى،‏ يوم<br />

كان اجليش العثماين يف اأوج قوته«‏ )41( .<br />

كتب السفري النمساوي يف استنبول عام ‎1554‎م تقريراً‏ لبالده يتلخص بعقد<br />

مقارنة بني اجليش العثماين وجيش الإمرباطورية الرومانية فقال:‏ ‏»اإن دهشة<br />

بالغة تعرتيه حني يعقد املقارنات بينهما«‏ وقال:‏ ‏»اإن هاتني الدولتني كانتا تقفان<br />

يف مواجهة عسكرية ويقع الشتباك املسلح بينهما،‏ ففي اجلانب الأول جتد <strong>الدولة</strong><br />

75<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

76<br />

<strong>العثمانية</strong> وهي اإمرباطورية عظيمة قوية على درجة كبرية من الرثاء وحتشد جيوشاً‏<br />

جرارة تسودها روح عسكرية عالية،‏ واأفراد هذه اجليوش مدربون على احلرب يتحلون<br />

بالصرب والنظام والحتاد والتيقظ،‏ ويف اجلانب الآخر توجد <strong>الدولة</strong> الرومانية املقدسة<br />

يتصف جنودها بالإغراق يف الرتف وامليل اإىل العناد واملشاكسة والستخفاف<br />

بالنظام وحب الشهوات من اخلالعة والدعارة والفجور والإرساف يف الأكل،‏ ويخلص<br />

هذا السفري النمساوي من مقارناته اإىل القول باأن العثمانيني قد اأعدوا للغزو وحتقيق<br />

النتصارات،‏ اأما جنود الإمرباطورية الرومانية املقدسة فقد اأعدوا لتقبل الهزائم.‏<br />

وهذه ‏شهادة لها قيمتها من عدة نواح،‏ لأنها ‏صادرة عن رجل معارص ول ميكن<br />

اأن يتصف بالتحيز للعثمانيني؛ لأنه رجل عرف بدراساته العميقة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك<br />

العثمانيني وهي دراسة تقوم على املشاهدة والتصالت الشخصية برجالت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> )42( .<br />

وكتب اأستاذ اأمريكي يدعى ليبري Lybyer درس النظم <strong>العثمانية</strong> فقال:‏ ‏“اإن<br />

اجليش العثماين كان يجمع بني اأفراده جميعاً‏ ‏شعور الولء العميق للسلطان،‏ واإذا<br />

‏صدرت الأوامر باستدعاء اجليش حلملة عسكرية كربى اجتمع اجليش عن بكرة اأبيه<br />

حول السلطان )43( .<br />

‏.تاجليش اخلاص أو املرتزقة:‏<br />

اتخذ بعض الولة يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جيشاً‏ خاصاً‏ حلمايتهم وكحاشية لهم<br />

وكانت تدفع رواتبهم من واردات الولية اأو من نتيجة فرض ‏رضائب اإضافية على<br />

الشعب.‏ واتخذ اأيضاً‏ امللتزمون جيشاً‏ خاصاً‏ عندما اأصبح امللتزم اأمرياً‏ حملياً‏ مثل<br />

ظاهر العمر،‏ الذي احتفظ مبثل هذه القوات ملواجهة جيش الوايل.‏ وكان هذا اجليش<br />

اخلاص اأو اجلند املرتزقة يسمى يف بعض مناطق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالسكبان.‏ ثم<br />

اأطلقت على كل من كان بدون عمل.‏<br />

جلاأ ولة دمشق لتوظيف جنود من املرتزقة اأو اجليش اخلاص عندما انعدم<br />

الأمن وزادت تعديات اللصوص على قوافل احلج يف الطريق املوؤدي اإىل احلجاز،‏<br />

كما انعدم الأمن اأيضاً‏ عندما اصطدم جيش الريلية ‏)اجليش املحلي(‏ بجيش القابي<br />

قول ‏)اجليش الذي بعثه السلطان ليحل حمل الريليه(‏ ، لذا اضطر الوايل لتخاذ جيش


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

خاص حلمايته.‏ وكان اأكرث املرتزقة من الالوند والدالتية واملغاربة والتفنكجية.‏<br />

وازداد عددهم يف ولية الشام يف القرن الثامن عرش )44( . والالوند هم من الأكراد،‏<br />

والدالتية من الأناضول،‏ والتفنكجية من اأصل حملي اأي من بغداد واملوصل وعملوا<br />

كرشطة عند الوايل.‏<br />

‏.ثاألسطول:‏<br />

مل يكن للعثمانيني اأسطول بحري يف بداية تاأسيس الإمارة بل كانت حروبهم<br />

كلها يف الرب،‏ ولكن عندما توسعت الإمارة <strong>العثمانية</strong> اأصبح من املفروض عليهم<br />

بناء بعض السفن حلراسة السواحل،‏ وقد جاء اهتمامهم بالبحرية بعدما انهزموا يف<br />

معركة غاليبويل عام ‎1416‎م.‏ فقد اهتم السلطان حممد الثاين باإنشاء اأسطول عثماين<br />

استطاع اأن يقف اأمام الأساطيل الأوروبية التي كانت متفوقة يف البحر املتوسط عرب<br />

القرون السابقة،‏ فوصلت عدد السفن <strong>العثمانية</strong> عام ‎1456‎م اإىل 180 ‏سفينة حربية،‏<br />

ويف زمن ‏سليمان القانوين بلغ عدد السفن 300 ‏سفينة،‏ وقد ‏ساعد الأسطول العثماين<br />

الأسطول املغربي بقيادة خري الدين بربروسا الذي وصل يف ‏شهرة اأسطوله اإىل اأن<br />

حتكم يف غربي البحر املتوسط.‏<br />

وذكر املسترشق بروكلمان مناقضاً‏ نفسه عن الذين كانوا يديرون الأسطول<br />

العثماين فقال:‏ اإن ربابنة السفن <strong>العثمانية</strong> كانوا من اليونانيني والطليان والنصارى<br />

الفارّين من بالدهم اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بقصد احلصول على الغنائم الوفرية،‏ بينما<br />

ذكر اأيضاً‏ اأن الأساطيل اليونانية والطليانية كان فيها ربابنة من الرشق الإسالمي،‏<br />

ثم يعود فيقول اإن التجنيد لالأسطول كان يرتكز على الرعايا الوطنيني )45( . واحلقيقة<br />

اأن الأسطول العثماين كان اأسطولً‏ اإسالمياً‏ يديره اأتراك مسلمون ومغاربه قدموا<br />

خلدمة السلطان.‏ ويعرتف بروكلمان بذلك يف موضع اآخر من كتابه فيقول « كانت<br />

‏سفن القرصان العاملة يف ‏شاطئ اأفريقية الشمالية توؤلف – ابتداء من عهد بربروسا<br />

– جزءاً‏ هاماً‏ جداً‏ من الأسطول العثماين.‏ فقد كان هوؤلء القرصان يلتحقون باأسطول<br />

<strong>الدولة</strong> زرافات زرافات،‏ كلما اأزمع السلطان خوض غمار احلرب البحرية لينزلوا يف<br />

حماية هذا الأسطول ويلحقوا اأعظم الأذى بتجارة النصارى«‏ )46( .<br />

77<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

78<br />

كان الأسطول العثماين اأقوى من اأي اأسطول اأي دولة يف اأوروبا،‏ ولكنه كان<br />

‏ضعيفاً‏ اأمام وحدة الأساطيل الأوروبية،‏ وقد ثبت ذلك عندما هزم الأسطول العثماين<br />

والأسطول املرصي اأمام الأساطيل الأوروبية يف معركة نفارين البحرية يف اليونان<br />

عام ‎1827‎م وكذلك هزم الأسطول العثماين اأمام اأسطول البندقية يف معركة ليبانتو<br />

البحرية.‏<br />

ول يعني هذا اأن الأسطول العثماين كان ‏ضعيفاً‏ اإىل هذا احلد،‏ بل كان يدافع عن<br />

‏سواحل الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> املتددة ولكن اجليش الربي العثماين كان متفوقاً‏ على<br />

الأسطول البحري.‏<br />

7. املوظفون الدينيون:‏<br />

كان رجال الدين الإسالمي قد لعبوا دوراً‏ هاماً‏ يف ترصيف اأمور <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

واأهم هوؤلء هم ‏شيخ الإسالم املفتي،‏ وقاضي العسكر،‏ ونقيب الإرشاف،‏ وهناك رجال<br />

دين اآخرون لعبوا دوراً‏ هاماً‏ مثل الفقهاء والشيوخ واخلطباء يف املساجد والوعاظ<br />

وغريهم من رجال الدين.‏<br />

وقد تشكلت مدارس دينية لتعليم اأبناء الشعب العلوم الدينية ليصبح املتخرج من<br />

املدرسة عاملاً‏ بالعلوم الإسالمية وهوؤلء املتخرجون ‏سيكونون هم حكماء الشعب<br />

وحكامهم.‏ وقد اأسست اأول مدرسة عثمانية زمن اأورخان يف اإزنك عام ‎1331‎م.‏ كما<br />

بنى السلطان حممد الفاحت مدارس عثمانية كثرية كانت حتمل اسمه.‏ اأضف اإىل ذلك اأن<br />

التدريس الديني كان يتم يف املساجد وبخاصة يف املسجد الذي بناه السلطان حممد<br />

الفاحت وسمي باسمه مسجد حممد الفاحت،‏ وكان الطالب يدرس عدا عن العلوم الرشعية<br />

يف املسجد واملدارس الإسالمية العلوم الأخرى مثل الرصف والنحو والبالغة والشعر<br />

وعلم املنطق وعلم الفلسفة وعلم التفسري والعقيدة والأحاديث الرشيفة واأصول الفقه<br />

)47( . وكانت هناك اأيضاً‏ املدارس التي تدعى الكتاتيب.‏<br />

وقام السلطان ‏سليمان القانوين باإضافة علوم اأخرى اإىل العلوم الدينية مثل<br />

الفيزياء والرياضات والطب،‏ وكانت هذه العلوم تدرس يف مسجد ‏سليمان القانوين<br />

الذي بداأ العمل لإنشائه عام 1550 وانتهى عام ‎1559‎م.‏ وكان كل طالب علم يتخرج<br />

من هذه املدارس واملساجد يدخل الوظائف العليا،‏ اأما اإذا مل يكمل تعليمه فيستطيع اأن


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ياأخذ وظيفة اأقل من زميله الذي يحصل على الشهادة العليا،‏ اأي يصبح كاتباً‏ يف دار<br />

القلم اأي الدوائر احلكومية.‏ وميكن للطالب الذي يتخرج من املدرسة السليمانية ‏)نسبة<br />

اإىل ‏سليمان القانوين(‏ بعد اأن درس العلوم الرشعية اأن يصل اإىل رتبة مفتي اأو ‏شيخ<br />

الإسالم وهذه الرتبة يقوم بتعيني ‏صاحبها ‏شيخ الإسالم اأو السلطان.‏<br />

وملعرفة املزيد عن كل وظيفة من الوظائف الدينية الهامة يجدر بنا اأن<br />

ندرس هذه الرتب الدينية وماذا كان يعمل ‏صاحب الوظيفة الدينية،‏ وكيف<br />

توصل لهذا املنصب.‏<br />

‎1.1‎املفيت أو شيخ اإلسالم:‏<br />

اإن املفتي اأو ‏شيخ الإسالم هو اأعلى مرتبة دينية يحملها رجل دين،‏ وهذا املنصب<br />

ل يصل اإليه اإل كل من توفرت فيه ‏رشوط العلم الديني الواسع،‏ فيجب اأن يكون عاملاً‏<br />

باأمور الرشيعة الإسالمية واأن يكون متخرجاً‏ من مدرسة دينية درس فيها جميع<br />

العلوم الإسالمية.‏ وقد لقب املفتي بشيخ الإسالم احرتاماً‏ له وملنصبه الديني الرفيع.‏<br />

وكان مفتي استنبول هو الذي يقوم بتعيني مفتني للوليات <strong>العثمانية</strong>،‏ كما اأنه كان<br />

يعني القضاة احلنفيني يف الوليات.‏ ويجب اأن نعلم اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كانت تسري<br />

على املذهب احلنفي؛ لذا فاإن ‏شيخ الإسالم كان حنفياً‏ ومركزه استنبول.‏ اأما بقية<br />

الوليات فكان الشعب يختلف من ولية لأخرى،‏ فبعض الوليات كانت ‏شافعية اأو<br />

حنبلية اأو مالكية تتبع مذهباً‏ يختلف عن مذهب اأبي حنيفة الذي هو مذهب <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏ لذا فاإن الولية التي ل تتبع املذهب احلنفي كان الوايل يف الولية يقوم<br />

بتعيني مفتي الولية حسب راأي قضاتها وشعبها فكان املفتي يف ولية ما ‏شافعياً‏<br />

ويف اأخرى مالكياً‏ اأو حنبلياً‏ وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تعرتف به )48( .<br />

وكانت الفتوى التي يصدرها ‏شيخ الإسالم ملزمة لكل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ حتى اأن<br />

الفتوى يجب اأن يلتزم بها السلطان نفسه،‏ وكان يحق ملفتي استنبول اإصدار فتوى<br />

بعزل السلطان )49( اإذا خالف الرشيعة الإسالمية.‏ ولكن نستطيع القول اأن املفتي<br />

كان يحرتم السلطان وكان السلطان يحرتم املفتي،‏ ويوؤثر اأحياناً‏ على املفتي كي<br />

يصدر فتوى لتطبيقها ولكن برشط اأن ل تخالف الرشيعة الإسالمية.‏ وكان املفتي<br />

زمن ‏سليمان القانوين هو الشيخ اأبو السعود.‏ وقد ذكر املوؤرخ الفرنسي دي ‏ساسون<br />

79<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

80<br />

الذي عاش يف اأواخر القرن الثامن عرش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأن العثمانيني التزموا<br />

التزاماً‏ ‏صارماً‏ بكل ما اأوجبه القراآن،‏ واأن <strong>الدولة</strong> كانت تسرتشد براأي علماء الإسالم،‏<br />

واأضاف اأن الوزارة <strong>العثمانية</strong> كانت تلجاأ اإىل املفتي وتستشريه يف اأمور السلم واحلرب<br />

ولوضع قانون ‏سياسي اأو نظام عسكري اأو القصاص من وزير اأو قائد عام )50( .<br />

فكان ‏شيخ الإسالم هو مرجع السلطنة يف الأمور الرشعية واملدنية على حد ‏سواء،‏<br />

وكان يتمتع مبرتبة تسمو على مرتبة الوزراء )51( . وذكر حممد جميل بيهم يف كتابه<br />

‏»العرب والرتك«:‏ اإن التزام الأتراك العثمانيني بالإسالم كان من الرصامة بحيث اأن<br />

مفتي الإسالم يف زمن السلطان ‏سليم الثالث ‎1229‎ه ‎1807‎م اأفتى بخلع السلطان<br />

عن عرش السلطنة لأنه ‏»اأدخل على <strong>الدولة</strong> بعض اأنظمة الفرجنة املنافية لالإسالم«،‏<br />

ومت خلع السلطان ‏سليم الثالث عن عرش السلطنة فعالً‏ مبوجب تلك الفتوى )52( .<br />

‎2.2‎القاضي:‏<br />

كانت رتبة القاضي تاأتي يف املرتبة الثانية بعد ‏شيخ الإسالم.‏ ويف بداية قيام<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عني السالطني العثمانيون القضاة يف املناطق املفتوحة وذلك<br />

لتطبيق الرشيعة الإسالمية.‏ فكان يسري مع اجليش يف الفتوحات قاضي العسكر<br />

ويدعى قاضي عسكر الأناضول،‏ وعندما اتسعت الفتوحات <strong>العثمانية</strong>،‏ مت تعيني قاضٍ‏<br />

اآخر هو قاضي عسكر الروملي.‏ هذا بالإضافة اإىل قاضي استنبول.‏ وكان مذهب<br />

القاضي هو املذهب احلنفي لأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على املذهب احلنفي.‏<br />

‏»وحسب تنظيمات القضاء التي اأجريت يف القرن الثامن عرش اعترب قاضيا<br />

العسكر وقاضي استنبول يف مرتبة واحدة،‏ يليهم قاضيا مكة يف مرتبة واحدة ثم<br />

قاضيا عاصمتي السلطنة السابقتني بروسة واأدرنة،‏ ثم قاضيا مركزي اخلالفة<br />

الإسالمية دمشق والقاهرة«‏ )53( ورمبا اأن القدس كان لها وضع خاص حيث كانت<br />

تتبع استنبول مبارشة.‏<br />

وكان يتم تعيني القضاة يف الوليات <strong>العثمانية</strong> الهامة من قبل ‏شيخ الإسالم<br />

يف استنبول )54( ثم كان قاضي عسكر الأناضول هو املشوؤول عن تعيني قضاة<br />

يف الوليات الآسيوية وهوؤلء كانوا يسريون على املذهب احلنفي.‏ وكان يتم تعيني<br />

القاضي ملدة ‏سنة واحدة،‏ قابلة للتجديد.‏ والقاضي هو ‏صاحب السلطة القضائية


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

العليا يف منطقته،‏ فهو وحده الذي يقوم بالقضاء عند غياب املدعي العام يف القضايا<br />

املدنية واجلنائية وفقاً‏ ملبادئ الرشيعة الإسالمية.‏<br />

وكان السلطان مراد الأول هو اأول من اأحدث منصب قاضي العسكر وكان على<br />

غرار مرصي مملوكي )55( . وكان هوؤلء القضاة ‏)قاضي عسكر الأناضول وقاضي<br />

عسكر الروملي(‏ يرشفان على الشوؤون العسكرية حتى اأنهما وصال اإىل الإرشاف على<br />

القانون املدين،‏ واألّفا حمكمة الستئناف العليا.‏<br />

كان القاضي يقوم بالتحقيق لعقاب املذنب يف الولية وكان يساعده يف<br />

التحقيقات الصوباشي ‏)قائد الرشطة(‏ وحاكم الولية.‏ وبالإضافة اإىل واجباتهم<br />

اليومية كان بعض القضاة يف الأناضول يجتمعون كل يوم اأربعاء يف جملس رئيس<br />

الوزراء ‏)الصدر الأعظم(‏ كي يستمعوا اإىل قرارات القضاة والشكاوى املتعلقة التي مل<br />

يتوصلوا فيها اإىل حلول،‏ واأهم هوؤلء القضاة الذين كانوا يلتقون اأسبوعياً‏ هم قضاة<br />

استنبول،‏ واأيوب،‏ وجالتا،‏ واسكودار )56( .<br />

‎3.3‎نقيب األشراف:‏<br />

الأرشاف هم الذين يدعون بنسبهم اإىل احلسن واحلسني اأحفاد النبي حممد ‏صلى<br />

اهلل عليه وسلم.‏ وكان الأرشاف موزعني يف كل مكان من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ورئيسهم<br />

يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> يدعى نقيب الأرشاف.‏ وقد تركزوا يف مكة واملدينة وحلب.‏<br />

واأول من اأسس هذا املنصب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هو السلطان بايزيد الثاين.‏ والسلطان<br />

هو الذي يقوم بتعيني النقيب من بني كبار القضاة،‏ وكانت ميزتهم اأنهم كانوا يضعون<br />

على روؤوسهم العمامة اخلرضاء )57( . وكان الذي يعني نقباء الأرشاف يف الوليات<br />

هو نقيب الأرشاف يف استنبول.‏<br />

لقد نظر الناس اإليهم نظرة احرتام وتقدير،‏ وزاد احرتام الناس لهم عندما تصدوا<br />

اإىل اجليش النكشاري الذي اأخذ يتدخل يف اأمور الشعب.‏ وكان تركيز اإقامتهم يف<br />

مدينة حلب.‏<br />

كان يطلق على الأرشاف لقباً‏ اآخر هو ‏»الأسياد«‏ فيذكر اسم الرشيف مسبوقاً‏<br />

بكلمة ‏سيد،‏ ويف زمن قوة الأرشاف كانت تسلط الأضواء على ‏رشيفني:‏ اأحدهما يحمل<br />

علم السلطان ويسري به يف املواكب الرسمية والعسكرية وكان يتقدم على جميع ‏ضباط<br />

81<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

82<br />

اجليش ويطلق عليه اأمري العلم،‏ اأما الرشيف الآخر فكان رئيس الأرشاف ويطلق عليه<br />

نقيب الأرشاف وكان يحتل املكانة الثانية يف الهيئة الإٍسالمية للدولة <strong>العثمانية</strong>،‏ اأما<br />

يف الحتفالت التي كانت تقام يف ‏شهر رمضان فكان نقيب الأِرشاف يتقدم على<br />

مفتي الإسالم وكان يعني يف منصبه مدى احلياة.‏ وكان السلطان هو الذي يصدر<br />

فرماناً‏ بتعيني نقيب الأرشاف لهذا املنصب العايل ومقره استنبول )58( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هوامش الفصل الثالث:‏<br />

‎1.1‎رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ ‏ص 59.<br />

‎2.2‎رافق:‏ املصدر نفسه.‏ والصفحة نفسها.‏<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 22.3.3<br />

‎4.4‎عبد العزيز الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ‏ص 344.<br />

‎5.5‎الشناوي:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 345.<br />

‎6.6‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 43.<br />

‎7.7‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة.‏ ‏ص 24.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 23.8.8<br />

Ibid. P. 249.9<br />

‎1010‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 59.<br />

‎111‎بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية.‏ ‏ص 472.<br />

‎1212‎حسن عثمان:‏ منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي.‏ ‏ص – 173 178.<br />

P. 24. 13 13 Shaw: History of The Ottoman Empire. اأنظر اأيضاً‏ زياد اأبو غنيمه:‏<br />

مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 145.<br />

‎1414‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 63.<br />

‎1515‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 473.<br />

‎1616‎زياد اأبو غنيمه:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 26.<br />

‎1717‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 64.<br />

‎1818‎رافق:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 64.<br />

83<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

84<br />

‎1919‎رافق:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 65.<br />

‎2020‎رافق:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 65.<br />

Cook: A History of The Ottoman Empire p. 136.2121<br />

Ibid. P. 136.222<br />

‎2323‎بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية.‏ ‏ص 476.<br />

‎2424‎رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ ‏ص 66.<br />

‎2525‎جالل يحيى:‏ العامل العربي احلديث.‏ املدخل.‏ ‏ص 51- 52.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 119.2626<br />

‎2727‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 67.<br />

‎2828‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 69.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 25.2929<br />

‎3030‎جالل يحيى:‏ مصدر ‏سابق.‏ املدخل.‏ ‏ص 48.<br />

‎3131‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 458.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 26.3232<br />

‎333‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 70. ذكر بروكلمان اأن الرباءة كان يصدرها الصدر الأعظم<br />

بينما ذكر رافق اأن الرباءة يصدرها السلطان.‏<br />

‎3434‎رافق:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 71.<br />

‎3535‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 462.<br />

‎3636‎اأنظر يف الصفحات السابقة حتت عنوان اجليش النكشاري زمن اأورخان.‏<br />

‎3737‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص‎74‎‏.‏<br />

‎3838‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 466.


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎3939‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 76.<br />

‎4040‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 463.<br />

‎4141‎بروكلمان:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 468.<br />

‎4242‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ج 1 ‏ص<br />

.51<br />

‎4343‎الشناوي:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 52.<br />

‎444‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 79. جيش القابي قول هو اجليش الذي بعثه السلطان<br />

ليحل حمل الريليه.‏<br />

‎4545‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 74. ذكر رافق اأن اأسطول البندقية كان فيه بحارة<br />

من اأصل ‏رشقي من ‏سواحل اآسيا الصغرى.‏ اأنظر كتابه بالد الشام ومرص.‏ ‏ص‎79‎‏.‏<br />

‎4646‎بروكلمان:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 471.<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 133.4747<br />

Ibid. P. 138.4848<br />

‎4949‎رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ ‏ص 83.<br />

‎5050‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة.‏ ‏ص 27.<br />

‎5151‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 28.<br />

‎5252‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص – 28 29.<br />

‎5353‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 84.<br />

‎5454‎كما حصل عندما قام ‏شيخ الإسالم اأبو السعود بتعيني املفتني وقاضي العسكر<br />

وجميع القضاة.‏<br />

‎555‎بروكلمان:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 478.<br />

85<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

86<br />

Shaw: History of The Ottoman Empire. P. 136.5656<br />

‎5757‎رافق:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص‎85‎‏.‏<br />

‎5858‎عبد العزيز الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ‏ص 440.


الفصل الرابع<br />

حممد الفاتح وفتح القسطنطينية وسالطني آخرون<br />

لعبوا دوراً‏ مهماً‏ يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماني


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل الرابع<br />

حممد الفاتح وفتح القسطنطينية<br />

وسالطني آخرون لعبوا دوراً‏ مهماً‏ يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماني<br />

ولد السلطان حممد الفاحت ب<strong>تاريخ</strong> ‎1432/3/30‎م،‏ وهو ‏سابع ‏سالطني <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ كان والده مراد الثاين قد علمه مقاليد احلكم وهو يف الرابعة عرشة من<br />

عمره،‏ وليس ‏صحيحاً‏ ما ذكرته بعض الكتب التي مل تعتمد على املصادر ال<strong>تاريخ</strong>ية،‏<br />

من اأن اأم السلطان حممد الفاحت مسيحية،‏ اسمها مارا بنت ملك الرصب،‏ والصحيح اأن<br />

اأمه هي خديجة خاتون،‏ حفيدة الأمري اسفنديار اأمري مناطق ‏سينوب وقسطموين )1( .<br />

اهتم به والده،‏ فعني له معلماً‏ هو الشيخ ‏شمس الدين،‏ كي يعلمه الدين الإسالمي،‏<br />

كما عني له فرساناً‏ كي يدربوه على الفروسية،‏ وعينه حاكماً‏ على مقاطعة اأماسيا،‏<br />

ثم مانيسا،‏ وعني بجانبه العلماء والقادة كي يقوموا باأعباء هذه املشوؤولية،‏ وعندما<br />

كان حممد الفاحت يف الرابعة عرشة من عمره،‏ تقلد اأمور السلطة عام ‎1444‎م،‏ لأن<br />

والده مراد الثاين تدهورت ‏صحته بسبب املعارك مع البيزنطيني،‏ وبسبب وفاة ابنه<br />

عالء الدين.‏<br />

تشجع القائد املجري هونياد ‏)هنيدي(‏ على مهاجمة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لأن الشبل<br />

حممد الفاحت،‏ كان قد تسلم اأمور السلطنة،‏ ثم رجع السلطان مراد اإىل اأدرنة بسبب<br />

العتداءات البيزنطية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1445‎م،‏ وبقي يف احلكم حتى مات<br />

عام ‎1451‎م،‏ ثم استلم حممد الفاحت مقاليد احلكم من جديد.‏<br />

ليس ‏صحيحاً‏ ما ذكرته كتب املسترشقني،‏ من اأن السلطان حممد الفاحت قتل<br />

اأخاه اأحمد خوفاً‏ من منافسته يف احلكم،‏ والصحيح اأن اأحمد كان طفالً‏ تقوم بعض<br />

النساء بحمايته،‏ وعندما كانت تقوم بغسله،‏ غرق يف املاء،‏ ومل تنتبه له من كانت<br />

ترعاه.‏<br />

89<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

90<br />

اإلجراءات اليت اختذت لفتح القسطنطينية:‏<br />

القسطنطينية من اأقدم املدن واأعرقها يف اأوروبا،‏ بنيت عام 660 ق.‏ م،‏ بناها<br />

اليونانيون،‏ واأطلقوا عليها بيزنطة،‏ نسبة اإىل القائد اليوناين بيزانس،‏ ويف عام ‎330‎م،‏<br />

اأعلن الإمرباطور الروماين قسطنطني الكبري،‏ نقل عاصمة الإمرباطورية من روما اإىل<br />

بيزنطة واأطلق عليها روما اجلديدة،‏ ثم اأطلق عليها لقب كونستنتينوبل،‏ وهي كلمة<br />

مركبة من مقطعني،‏ الأول هو اسم قسطنطني،‏ والثاين كلمة بول،‏ ومعناها املدينة،‏<br />

فاأصبح السم اجلديد لبيزنطة ‏)مدينة قسطنطني اأو كونسنتتيبل(‏ ، وقد بنى قسطنطني<br />

كنيسة ‏ضخمة،‏ ولكن دمر جزء منها بسبب حريق عام ‎537‎م،‏ فقام جوستنيان<br />

برتميمها وبناء قبتها على اأحسن طراز،‏ وتعترب قبتها من اأغرب قباب عرصها،‏<br />

وسميت الكنيسة باسم كنيسة القديسة ‏صوفيا اأو اأياصوفيا،‏ وتعرضت الكنيسة اإىل<br />

تصدعات كثرية بسبب الزلزال،‏ فاأعيد ترميمها عدة مرات.‏<br />

اإن موقع القسطنطينية اسرتاتيجي عسكري،‏ فهي نقطة التقاء قارة اآسيا مع قارة<br />

اأوروبا،‏ وموقعها يتحكم يف البحر الأسود،‏ والبحر الأبيض املتوسط،‏ وحتتضنها بحار<br />

ثالثة هي القرن الذهبي ‏)اخلليج(‏ ، الذي يشبه قرن الوعل،‏ والبوسفور،‏ وهو املضيق<br />

الذي يربط البحر الأسود بالبحر الأبيض املتوسط عن طريق بحر مرمرة،‏ ومضيق<br />

الدردنيل،‏ ويفصل القرن الذهبي املدينة القدمية عن املدينة اجلديدة،‏ كما يفصل<br />

البوسفور اجلزء الأوروبي عن اجلزء الآسيوي،‏ اأضف اإىل موقعها السرتاتيجي،‏ ووجود<br />

البحار واملضائق،‏ تلك الأسوار املنيعة التي احتضنتها من الأعداء عرب العصور<br />

ال<strong>تاريخ</strong>ية،‏ واأهميتها تكمن يف اأنها عاصمة العامل الأرثوذكسي،‏ وفيها الكنيسة<br />

الرشقية.‏<br />

كان الشيخ اآق ‏شمس الدين يقضي الساعات الطويلة يناقش السلطان حممد الفاحت<br />

حول ‏رضورة فتح القسطنطينية،‏ وكيفية ذلك )2( ، وقد ذكر له حديث ‏رشيف وهو:‏<br />

‏»لتفتحن القسطنطينية،‏ فلنعم الأمري اأمريها،‏ ولنعم اجليش ذلك اجليش«‏ )3( ، وكان<br />

السلطان يدرس دوماً‏ خارطة القسطنطينية،‏ كي يعرف نقاط الضعف والقوة يف السور<br />

لالستفادة من وضع خطة للهجوم عليها،‏ وقد درس حماولت قادة اجليوش الإسالمية<br />

عرب العصور عندما حورصت القسطنطينية عدة مرات من قبل هوؤلء القادة املسلمني


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

منذ زمن اخلليفة علي بن اأبي طالب،‏ حتى زمن ‏سالطني اآل عثمان،‏ وقد اتبع الفاحت<br />

الرسية املطلقة يف عملية التخطيط لفتح القسطنطينية،‏ ومل يقل لأحد اإل للقادة الذين<br />

يثق بهم،‏ ثم اتبع ‏سياسة املصاحلة مع جريانه املسيحيني،‏ مثل اإمرباطور طرابزون<br />

الكاثوليكي،‏ وملك الرصب وغريهم،‏ وذلك كي ل يساعدوا الإمرباطور البيزنطي عندما<br />

يقرر حممد الفاحت الهجوم على القسطنطينية،‏ وقد فرح هوؤلء اأصالً‏ بالصلح،‏ لأنهم<br />

كانوا يف اأمس احلاجة اإىل عدم هجوم حممد الفاحت عليهم،‏ فتسابقوا لتلبية نداء<br />

السلطان بعقد معاهدات الصلح معه،‏ اأما بالنسبة لالإمرباطور البيزنطي قسطنطني،‏<br />

فقد استغل فرصة انشغال حممد الفاحت باحلروب ‏ضد اأمراء السالجقة يف الأناضول،‏<br />

وبعث للسلطان حممد الفاحت يهدده بالالجئ السياسي العثماين اأورخان،‏ كما طلب منه<br />

زيادة دفع املال للقسطنطينية كي يبقى اأورخان ‏ساكتاً‏ عن مطالبته باأمور السلطنة،‏<br />

وقد رفض السلطان حممد الفاحت طلب الإمرباطور قسطنطني،‏ وكان هذا التهديد ‏سبباً‏<br />

رئيسياً‏ دفع حممد الفاحت اإىل اتخاذ قرار بالتعجيل يف فتح القسطنطينية.‏<br />

قام السلطان حممد الفاحت ببناء قلعة على الرب الأوروبي،‏ بالقرب من مضيق<br />

البوسفور اسمها قلعة رومللي حصار،‏ اأي قلعة الروم،‏ وقد ‏شارك بنفسه مع العمال<br />

يف بنائها،‏ القصد من البناء هو ‏رضب القسطنطينية باملدافع الثقيلة من القلعة،‏ وقد<br />

اتخذها مركزاً‏ لقيادته،‏ وكذلك كي ل تستطيع اجليوش املسيحية من الوصول اإىل<br />

القسطنطينية اأثناء احلصار،‏ وهكذا حتكم العثمانيون يف مضيق البوسفور متاماً.‏<br />

راأى قسطنطني املدافع <strong>العثمانية</strong> مصوبة جتاه القسطنطينية،‏ فحاول جاهداً‏ اأن<br />

يستعمل عدة طرق لفك احلصار.‏ اأرسل رسالة اإىل السلطان حممد الفاحت نفسه اأبدى<br />

فيها اأنه مستعد لدفع اجلزية مقابل فك احلصار،‏ ولكن السلطان رفض ذلك.‏ عندئذ<br />

اتصل قسطنطني بامللوك الأوروبيني للمساعدة،‏ ومنهم من اأراد قسطنطني مصاهرته،‏<br />

ولكنه فشل اأيضاً،‏ واتبع اآخر ‏سهم له وهو التصال بالبابا كي يساعده،‏ واستعد<br />

قسطنطني للموافقة على توحيد الكنيستني حتت زعامة البابا،‏ مقابل مساعدة البابا<br />

له،‏ ويف الرسالة نبه قسطنطني البابا اإىل اأنه اإذا ‏سقطت القسطنطينية،‏ فستكون روما<br />

اأيضاً‏ الهدف الثاين للسلطان حممد الفاحت )4( ، واحلقيقة اأن الشعب يف القسطنطينية<br />

مل يكن راضياً‏ عن ترصفات اإمرباطورهم قسطنطني،‏ بوحدة الكنيستني الأرثوذكسية<br />

‏)القسطنطينية(‏ والكاثولوكية ‏)روما(،‏ حتى اأن الدوق الأكرب ناتوراس دوق القسطنطينية<br />

91<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

92<br />

قال:‏ ‏»اإنني اأفضل عمامة املسلم البيضاء،‏ على قبعة الكاردينال الكاثوليكي احلمراء«‏<br />

)5( ، اأضف اإىل ذلك اأن الشعب مل يرق له اخلضوع للبابا،‏ ويف تلك الفرتة كان اأحد<br />

املجريني وهو اأوربان قد ‏صنع مدفعاً‏ بعيد املدى،‏ تبلغ وزن طلقة املدفع 12 قنطاراً،‏<br />

وقد عرض هذا الخرتاع على الأوروبيني فرفضوه،‏ وعرضه على حممد الفاحت فرحب<br />

به،‏ وضع اأوربان مدفعاً‏ يف اأدرنة،‏ ونقله اإىل قرب ‏سور القسطنطينية )6( ، ويف اأثناء<br />

احلصار اأعلن اآق ‏شمس الدين اأنه اكتشف قرب اأبو اأيوب الأنصاري،‏ خالد بن زيد،‏ الذي<br />

استشهد حني حصار القسطنطينية عام 49 ه،‏ يف خالفة معاوية بن اأبي ‏سفيان،‏<br />

وبعد الفتح بنى له جامعاً،‏ مسجداً‏ ‏ضخماً‏ عام ‎1458‎م،‏ وجرت العادة بعد ذلك اأن<br />

يتقلد كل ‏سلطان ‏سيف عثمان يف داخل هذا اجلامع يف احتفال وتتويج مهيب )7( .<br />

وصلت جموع املسلمني اإىل اأسوار القسطنطينية بقيادة حممد الفاحت ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1453/4/5‎م وكان عدد اجليش العثماين حوايل 150,000 جندي،‏ اأما عدد اجليش<br />

املدافع عن القسطنطينية فبلغ حوايل 50,000 جندي،‏ وقد وصل متطوعون مسيحيون<br />

من خمتلف الدول املسيحية للدفاع عن القسطنطينية،‏ بالإضافة اإىل النجدة البابوية<br />

املكونة من ثالثني ‏سفينة حربية،‏ وبضع املئات من املتحمسني للدفاع عن الكنيسة<br />

الأرثوذكسية.‏<br />

كان يف مقدمة اجليش الإسالمي مع السلطان حممد الفاحت ‏شيوخ املسلمني،‏ مثل<br />

الشيخ اآق ‏شمس الدين،‏ والشيخ القوراين،‏ والشيخ خرسوي،‏ وكانوا يهللون ويكربون<br />

ويذكرون للناس حيّ‏ على اجلهاد،‏ وقسّ‏ م السلطان جيشه اإىل ميمنة وعلى راأسها اإسحق<br />

باشا،‏ وميرسة وعلى راأسها دابي كراجا باشا،‏ اأما القلب فكان فيه السلطان نفسه،‏<br />

والوزير الأعظم جندريل خليل باشا،‏ والوزير ‏ساروجه باشا،‏ واأرشف على املرتفعات<br />

اجلبلية القائد زاغنوس باشا.‏<br />

حارص العثمانيون القسطنطينية 48 يوماً،‏ وكانت املدافع طوال تلك الفرتة<br />

تقصف القسطنطينية،‏ اإىل اأن جاءت السفن البابوية الثالثني،‏ واخرتقت احلصار<br />

الإسالمي،‏ ووصلت القسطنطينية،‏ فبعثت الأمل يف نفوس املحارصين،‏ اإل اأن السفن<br />

الإسالمية استطاعت يف املعركة النتصار على السفن البيزنطية،‏ ثم تقدمت املدافع<br />

الإسالمية نحو السور،‏ وبنى حممد الفاحت اأبراجاً‏ متحركة اأعلى من ‏سور القسطنطينية،‏<br />

كان يقصف منها الأبراج البيزنطية.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

بداأت الدول الأوروبية تتحرك للدفاع عن القسطنطينية،‏ ومساعدة الإمرباطور<br />

قسطنطني،‏ فاأعلن هونياد قائد املجر احلرب على السلطان حممد الفاحت،‏ رغم وجود<br />

معاهدة ‏صلح بينهما،‏ واأعلن السلطان حممد الفاحت برضورة عقد جملس ‏شورى حربي<br />

اإسالمي،‏ واستشار السلطان هذا املجلس،‏ هل يكمل احلرب؟ اأم يختار النسحاب وفك<br />

احلصار بسبب كرثة النجدات الأوروبية؟ لكن املجلس قرر تكملة احلرب،‏ واستمر<br />

املسلمون يف قصف القسطنطينية،‏ ثم اندفع املسلمون نحو السور باأكرث من األفي ‏سلم<br />

خشبي،‏ كانت توضع قرب السور،‏ وتوضع على راأسها املشابك على السور،‏ ويصعد<br />

اجلنود املسلمون عليها،‏ ولكن البيزنطيني ‏صدوا املسلمني،‏ وحطموا اأكرث السالمل،‏ لذلك<br />

اأمر السلطان حممد الفاحت يف ‎1453/5/29‎م،‏ بوقف اإرسال السالمل،‏ وفتح ثغرات يف<br />

السور لالندفاع منها لداخل املدينة،‏ وقد اندفع الرتكي حسن اأولو باديل مع ثالثني<br />

جماهداً،‏ وفتحوا ثغرة يف السور دخلوها اإىل املدينة،‏ ولكن املدافعني عن املدينة رموا<br />

حسن وجماعته بالسهام،‏ والزيت املقلي،‏ فاستشهد حسن وجماعته،‏ ثم دخل القائد<br />

املسلم قراجا بك من ثغر اآخر يف السور،‏ ودخل السلطان حممد الفاحت من ثغر ثالث<br />

يف باب املدفع،‏ وهكذا تدفق املسلمون داخل القسطنطينية،‏ واستطاع اأحد اجلنود<br />

املسلمني قتل الإمرباطور قسطنطني،‏ وبداأ اجلنود بالتهليل والتكبري من فوق الأسوار،‏<br />

وبداأ املوؤذن يقول اهلل اأكرب،‏ ثم اندفع املسلمون اإىل داخل املدينة،‏ حتى وصلوا كنيسة<br />

اأياصوفيا،‏ التي امتالأت بالناس واجلنود البيزنطيني،‏ طالبني حمايتهم،‏ لأن املسلمني<br />

يحرتمون الأماكن الدينية املسيحية،‏ وليس ‏صحيحاً‏ ما يدعيه الأجانب اأن السلطان<br />

حممد الفاحت اأباح القسطنطينية مدة ثالثة اأيام للجنود املسلمني من نهب وسلب<br />

واعتداء على الرشف وغري ذلك من الأعمال املناقضة لالإسالم،‏ وقصد املوؤرخون<br />

الأجانب من ذلك تشويه ‏سمعة السلطان حممد الفاحت.‏<br />

دخل السلطان حممد الفاحت كنيسة اأياصوفيا،‏ واأعلن اأنه يحق لكل هارب اأن<br />

يرجع اإىل القسطنطينية خالل 20 يوماً،‏ وسمح بدفن الإمرباطور املقتول،‏ حسب<br />

تقاليد طقوس الديانة النرصانية،‏ ثم قام حممد الفاحت لصالة الظهر،‏ فصلى يف كنيسة<br />

اأياصوفيا )8( ، وحتولت اإىل مسجد اسمه مسجد اأياصوفيا،‏ واحلقيقة اأن السلطان حممد<br />

الفاحت عامل املسيحيني معاملة حسنة مل يكن يتوقعها املسيحيون يف القسطنطينية.‏<br />

93<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

94<br />

اأما ردود الفعل الإسالمية بعد الفتح،‏ فقد بعث السلطان حممد الفاحت خرباً‏ اإىل<br />

املمالك الإسالمية يزف لهم البرشى بنباأ الفتح،‏ ووصلت البشائر اإىل مرص واحلجاز<br />

وبالد فارس والهند،‏ فاستقبل املسلمون يف هذه الأماكن البشارة بالفرح والرسور،‏<br />

وبعث الفاحت رسائل اإىل زعماء العامل الإسالمي يخربهم عن هذا الفتح املبني،‏ ففي<br />

رسالة اإىل ‏سلطان الرشاكسة املماليك يف مرص اإينال ‏شاه،‏ قال فيها:‏ ‏»اإن من اأحسن<br />

‏سنن اأسالفنا اأنهم جماهدون يف ‏سبيل اهلل،‏ ول يخافون فيه لومة لئم،‏ ونحن على<br />

تلك السنة قائمون،‏ وعلى تلك الأمنية دائمون،‏ متمثلني بقوله تعاىل:‏ ‏»قاتلوا الذين<br />

ل يوؤمنون باهلل«،‏ ومستمسكني بقوله عليه السالم ‏»من اغربت قدماه يف ‏سبيل اهلل،‏<br />

حرمه اهلل على النار«،‏ ولهذا فقد هممنا هذا العام معتصمني بحبل اهلل ذي اجلالل<br />

والإكرام،‏ متمسكني بفضل امللك العالم اإىل اأداء فرض الغزاء ‏)من الغزو(‏ الذي فرضه<br />

علينا الإسالم،‏ موؤمترين باأمره تعاىل ‏»قاتلوا الذين يلونكم من الكفار«‏ وجهزنا عساكر<br />

الغزاة املجاهدين من الرب والبحر لفتح مدينة ملئت فجوراً‏ وكفراً،‏ والتي بقيت وسط<br />

املمالك الإسالمية تباهي بكفرها فخراً«‏ )9( . ثم بعث السلطان حممد الفاحت وفداً‏<br />

عثمانياً‏ معه بعض الهدايا واأسريان من عظماء الروم اإىل القاهرة،‏ كي يرى املسلمون<br />

يف مرص الوفد املنترص على الأعداء.‏<br />

ردود الفعل يف العامل املسيحي بعد الفتح اإلسالمي<br />

للقسطنطينية:‏<br />

كانت ردود الفعل يف العامل املسيحي متضاربة،‏ وذات اأهواء خمتلفة،‏ وتفسريات<br />

متباينة لسقوط القسطنطينية،‏ فقال البعض:‏<br />

‎1.1‎كان ‏سقوط القسطنطينية بسبب كرثة املسلمني.‏<br />

‎2.2‎وقال البعض الآخر،‏ اإن ‏سقوط القسطنطينية كان بسبب نسيان بعض حاميات<br />

القسطنطينية اأحد الأبواب مفتوحاً‏ فدخل منه املسلمون.‏<br />

‎3.3‎وقال البعض الآخر،‏ اإن ‏سقوط القسطنطينية كان بسبب التفكك املسيحي،‏<br />

وعدم وحدة الكنيسة الرشقية والغربية،‏ علماً‏ باأن الإمرباطور يف القسطنطينية استعد<br />

لقبول الوحدة مع الكنسية الغربية،‏ حتى اأنه ركع اأمام املندوب البابوي اإيزيدور عام


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1452‎م،‏ ولكنه األغى معارضته من قبل بطريرك القسطنطينية غريغوريوس ماماس<br />

وكذلك لوقاس النوطاري،‏ وبعد ‏سقوط القسطنطينية بداأ العامل املسيحي الكاثوليكي<br />

يشعر باخلوف نتيجة املدّ‏ الإسالمي الذي اأخذ يدق اأبواب العامل الكاثوليكي،‏ وخاصة<br />

بعد هذا النرص الذي اأحرزه حممد الفاحت،‏ ثم اأخذ السلطان الفاحت يعامل العامل<br />

الأرثوذكسي معاملة حسنة،‏ وشعروا بذلك،‏ وهذا زاد من ‏شقة اخلالف بني الكنيستني<br />

الرشقية والغربية.‏<br />

ثم قام البابا نيقول اخلامس بتشجيع املسيحيني على ‏رضورة اإرسال حملة<br />

‏صليبية ‏ضد العثمانيني املسلمني،‏ وقد لقى نداء البابا قبولً‏ لدى الأمري فيليب<br />

دوق بورجونديا،‏ وطلب من ملوك الغرب وحثهم على جتهيز حملة ‏صليبية،‏ ولكن<br />

هذا احلماس املسيحي خف بعد وفاة البابا نيقول اخلامس،‏ وتبعه البابا بيوس<br />

الثاين،‏ الذي لحظ اأن حماس العامل املسيحي قد اأصبح يتالشى،‏ ثم بعث البابا بيوس<br />

اخلامس برسالة اإىل السلطان حممد الفاحت يدعوه فيها اإىل اعتناق النرصانية،‏ ويعده<br />

باأنه ‏سيكفر عنه خطاياه اإذا ما استجاب لدعوته،‏ وتعهد مبنحه ‏صك غفران،‏ يضمن له<br />

مكاناً‏ يف اجلنة،‏ فكان جواب حممد الفاحت التهكم على البابا.‏<br />

لقد لبى ملك املجر لدي ‏سالس نداء البابا لقتال العثمانيني،‏ فقام بتجهيز<br />

جيش جمري،‏ وعني على قيادته القائد ‏)هونياد(‏ ، وانضم اإليهم ملك الرصب جورج<br />

برونكوفينش،‏ الذي اأراد النتقام من العثمانيني بسبب ‏سيطرتهم على اأهم مدينتني<br />

من بالد الرصب،‏ هما ‏سمندريا واأوسرتونيجا.‏<br />

جنح هذا احللف يف التغلب على احلامية <strong>العثمانية</strong> التي كانت بقيادة فريوز<br />

بك،‏ اإل اأن السلطان حممد الفاحت ‏سار للقاء هذا احللف الصليبي،‏ ومتكن من هزميته،‏<br />

فهرب هونياد اإىل بالد املجر،‏ واأخضع كذلك ملك الرصب،‏ ودفع هذا جزية للمسلمني،‏<br />

كدللة على خضوعه للعثمانيني،‏ كما استطاع حممد الفاحت السيطرة على التحالف<br />

الألباين – الإيطايل يف معركة بريات،‏ وبعد هذا النجاح الذي اأحرزه السلطان حممد<br />

الفاحت ‏ضد التحالف املجري الرصبي،‏ والتحالف الألباين الإيطايل،‏ قرر قتال فرسان<br />

القديس يوحنا يف جزيرة رودس،‏ فبعث القائد يونس باشا الذي استطاع السيطرة<br />

على اجلزيرة،‏ وعلى اجلزر املحيطة التي كانت حتوي كثرياً‏ من فرسان اأملانيا وفرنسا<br />

واإيطاليا،‏ وكانوا يعيقون التجارة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

95<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

96<br />

ذكرنا اأن السلطان حممد الفاحت متكن من النتصار على هونياد،‏ ولكنه مل يقضِ‏<br />

عليه،‏ لذلك قرر السلطان اأن يسري بنفسه على راأس جيش،‏ من 150,000 جندي<br />

عثماين،‏ و‎200‎ باخرة،‏ وسار هذا اجليش حلصار بلغراد،‏ فخاف املسيحيون يف اأوروبا<br />

اأن تسقط بلغراد،‏ كما ‏سقطت القسطنطينية،‏ فنادى البابا املسيحيني طالباً‏ النجدة<br />

والدفاع عن بلغراد،‏ فوصلت املدينة فرقة اأوروبية ‏صليبية مكونة من األف جندي،‏<br />

قبل وصول السلطان الفاحت اإليها،‏ وحارص بلغراد ب<strong>تاريخ</strong> ‎1456/6/13‎م،‏ وهذه هي<br />

املحاولة الثانية <strong>العثمانية</strong> حلصار املدينة،‏ واستطاع السلطان حممد الفاحت دخول<br />

بلغراد ب<strong>تاريخ</strong> ‎1456/7/20‎م،‏ ولكن احللف الصليبي اجلديد استطاع اأن يجرب الفاحت<br />

على تركها،‏ ولكن بعد اأن قتل هونياد وجيوفاين،‏ وجرح السلطان حممد الفاحت )10( .<br />

وبعد عامني تويف ملك بالد الرصب الأرثوذوكسي عام ‎1458‎م وحصل هناك<br />

نزاع على العرش وطلب اأحد ورثته املساعدة من ملك املجر الكاثوليكي،‏ فغضب الشعب<br />

الأرثوذوكسي وطلبوا من السلطان حممد الفاحت مساعدتهم واستغل الفاحت الفرصة<br />

واأرسل الصدر الأعظم حممود باشا الذي متكن من بسط السيطرة على كل بالد الرصب<br />

وجعلها اإحدى وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ واأما بالد اليونان وعاصمتها اأثينا فحصلت<br />

فيها قصة مشابهة حيث كان يحكم اأثينا كاثوليكي اإيطايل ومل يعجبهم ذلك فطلبوا<br />

من السلطان الفاحت اأن يخلصهم من احلكم الكاثوليكي،‏ فذهب حممد الفاحت بنفسه اإىل<br />

اأثينا ودخلها عام ‎1458‎م وهكذا بقيت بالد اليونان حتت احلكم العثماين مدة 371<br />

عاماً‏ اإىل اأن استقلت ب<strong>تاريخ</strong> ‎1829‎م.‏<br />

بعد هذه النتصارات احلاسمة للسلطان الفاحت يف بالد املجر والرصب واألبانيا<br />

واليونان كرس الفاحت اهتمامه لتصفية اجليوب املسيحية يف الأناضول واأهمها دولة<br />

طرابزون على البحر الأسود التي اأصبحت ملجاأ للهاربني من ‏سكان القسطنطينية،‏<br />

وكانت اأيضاً‏ الأمل الباقي للصليبيني ونقطة انطالق اإىل الرشق الإسالمي.‏ وكان<br />

يساعد ملك دولة طرابزون العميل حسن الطويل اأحد اأحفاد بهاء الدين الذي تعاون<br />

مع تيمورلنك ‏ضد املسلمني العثمانيني.‏ فقد حصل نسب ومصاهرة بني العميل وبني<br />

ملك طرابزون املسيحي واأخذ العميل يف عقد املعاهدات الرسية مع جنوة والبندقية<br />

واملناطق املسيحية ‏ضد العثمانيني حتى اأنه استطاع اأن يحتل قلعة قرة حصار من<br />

اأيدي العثمانيني،‏ عندئذ قرر السلطان حممد الفاحت اأن يهاجم حسن الطويل ويقضي


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

عليه وقد جنح السلطان فعالً‏ واأجرب العميل على اخلضوع.‏ وهكذا تفرغ حممد الفاحت<br />

لرضب مملكة طرابزون،‏ وتوجه حممد الفاحت بنفسه ودخل دولة طرابزون )11( عام<br />

‎1462‎م وعندما ‏سمع العامل الأوروبي املسيحي بسقوط اآخر معقل لهم من املمالك<br />

املسيحية يف الأناضول اأصابتهم الدهشة والذهول.‏<br />

بعد انتصاراته يف الأناضول قرر الفاحت اأن يتوجه اإىل بالد الأفالق ‏)رومانيا(‏<br />

لأن حاكمها دراكول الشيطان استغل فرصة وجود الفاحت مشغولً‏ يف حروبه مع<br />

دولة طرابزون فاأخذ يهاجم بعض املواقع <strong>العثمانية</strong> القريبة من رومانيا.‏ وكان<br />

يساعد الشيطان يف هجومه على املمالك <strong>العثمانية</strong> ملك املجر اجلديد وهو ماثيوس<br />

بن هونياد اأو هنيدي.‏ وملا علم الشيطان اأن السلطان الفاحت متوجه اإىل حربه اأخذ<br />

يتوسل اإىل الفاحت بحمايته من ملك املجر وقد انطلت هذه احليلة على الفاحت فبعث<br />

قوة عثمانية ملساعدة دراكول الشيطان ‏ضد ملك املجر بقيادة حمزة بك.‏ وعندما<br />

وصلت هذه القوة <strong>العثمانية</strong> رومانيا استقبلها الشيطان استقبالً‏ حافالً‏ ولكن اأثناء<br />

الليل اأقام لهم خوازيق ونصبهم عليها كان اأكربها للقائد حمزة.‏ وعلم الفاحت بهذه<br />

احليلة فقرر الهجوم على الشيطان لالنتقام منه وكان الفاحت على راأس جيش عثماين<br />

يقدر تعداده ب 150,000 جندي،‏ وصل الفاحت اإىل معسكر الشيطان وقد راعه ما ‏شاهد<br />

من منظر 20,000 خازوق عليها الأطفال والشيوخ واأجساد اآلف الرجال املسلمني<br />

واملسيحيني.‏<br />

وقد التقى الفاحت بالشيطان يف معركة حاسمة فهرب الشيطان ملتجاأً‏ اإىل ملك<br />

املجر الذي ‏سجنه 15 عاماً،‏ ولكن هرب الشيطان بعدها ثم قتل،‏ ثم ‏ضم الفاحت بالد<br />

الأفالق ‏)رومانيا(‏ حلظرية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد النتصار على الشيطان.‏<br />

وتابع الفاحت انتصاراته وفتوحاته،‏ ثم قام مبراسلة ملك بالد البوسنة حيث<br />

دعاه اإىل الستسالم،‏ لكنه رفض،‏ بل ذهب اإىل اأبعد من ذلك حيث قتل الوفد املسلم<br />

الذي بعثه الفاحت لبالد البوسنة،‏ عندئذ قرر حممد الفاحت الهجوم على بالد البوسنة،‏<br />

وبعد معارك طاحنة التجاأ ملك البوسنة اإىل قلعة حصينة لكن الفاحت متكن من القبض<br />

عليه،‏ ثم اأصدر الشيخ البسطامي فتوى تنص على اإعدام ملك بالد البوسنة لأنه قتل<br />

الوفد املسلم ‏سابقاً.‏ اأما ابن ملك البوسنة فقد اأعلن اإسالمه واأصبح من رجالت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> املخلصني.‏ ومما يجدر ذكره اأن الفاحت كان قد تعرض اأثناء حربه مع ملك<br />

97<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

98<br />

بالد البوسنة اإىل مواجهة حلف ‏صليبي برعاية البابا،‏ وقد ‏ضم هذا احللف جيوش<br />

املجر والبندقية،‏ لكن الفاحت استطاع اأن يقضي على هذا احللف الصليبي.‏<br />

القسطنطينية ومسجد حممد الفاتح )12( :<br />

بعد هذه النتصارات يف اجلبهة الأوروبية،‏ تفرغ السلطان حممد الفاحت لنقل<br />

املسلمني من الأناضول اإىل القسطنطينية لأنه اتخذها عاصمة للدولة <strong>العثمانية</strong>،‏ وقد<br />

اأمر الفاحت اأهايل قونية الأغنياء والفقراء على حد ‏سواء بالسكن يف العاصمة اجلديدة<br />

– القسطنطينية.‏<br />

تفرغ السلطان الفاحت لبناء مسجد يحمل اسمه ‏»مسجد الفاحت«‏ يف القسطنطينية<br />

وكان قصده اأن يصبغ املدينة بالصبغة الإسالمية.‏ وقد استغرق بناء جامع حممد<br />

الفاحت ‏سبع ‏سنوات وعرشة اأشهر،‏ اأي من ‏شباط عام ‎1463‎م حتى كانون الأول عام<br />

‎1471‎م.‏ وقد اأرشف على هندسة املسجد الرتكي املسلم عاتك ‏سنان،‏ وكان العمال<br />

جميعهم من املسلمني.‏ كما بنى السلطان الفاحت ثماين مدارس حول املسجد لتدريس<br />

خمتلف العلوم الرشعية والأدبية،‏ وبنى بالقرب من اجلامع مستشفى يدعى ‏»دار<br />

الشفاء«‏ وكان يحوي 70 ‏رسيراً.‏<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية:‏<br />

يف عام ‎1471‎م ‏ساءت العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية تدريجياً‏ بسبب حوادث<br />

حصلت،‏ اأهمها العتداء اململوكي على منطقتي مرعش والبستان،‏ وكان العثمانيون<br />

يعتربونهما ممالك عثمانية،‏ وكان عليها احلاكم ‏شهوار بك اأخو زوجة السلطان الفاحت.‏<br />

وقد اأعدم املماليك هذا الشخص يف باب زويله بالقاهرة وعينوا بدلً‏ منه اأخاه ‏شاه<br />

بوداك.‏ وقد غضب السلطان الفاحت من هذا العمل،‏ فزادت العالقات ‏سوءاً‏ وتوترت<br />

العالقات بينهما.‏ وزاد التوتر عندما رفض السلطان اململوكي امللك الأرشف ‏سيف<br />

الدين قاتيباي السماح للسلطان حممد الفاحت بناء حمطات اسرتاحة للعثمانيني<br />

احلجاج على الطريق املوؤدية اإىل مكة املكرمة واعتربها اإهانة له،‏ وزادت العالقات<br />

‏سوءاً‏ بعد وفاة السلطان حممد الفاحت عندما التجاأ جم اأخو بايزيد وهما اأبناء السلطان<br />

الفاحت ورحب املماليك بالالجئ السياسي جم،‏ وهكذا تدهورت العالقات بالتدريج


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اإىل اأن جاء السلطان ‏سليم وحسم املوقف عسكرياً‏ ومتكن من دخول دمشق والقاهرة<br />

والقضاء على دولة املماليك.‏ واأصبحت كل بالد الشام ومرص اأجزاء من الديار<br />

<strong>العثمانية</strong> كما ‏سرنى فيما بعد.‏<br />

استغل الصليبيون انشغال السلطان الفاحت باأمور داخلية وقرروا التحضري حلملة<br />

‏صليبية جديدة على القسطنطينية.‏ وقد ‏شجعهم على هذا العمل اأن العالقات اململوكية<br />

<strong>العثمانية</strong> ‏ساءت كثرياً.‏ وقد عزم البابا بول الثاين على مراسلة املماليك كي ينضموا<br />

اإىل ‏صفوف الدول الأوروبية يف القضاء على العثمانيني،‏ ولكن املماليك رفضوا خوفاً‏<br />

من نقمة اأهايل ‏سوريا ومرص على السلطان اململوكي اإذا حتالف مع اأعداء الإسالم.‏<br />

اأما يف اجلبهة البيزنطية فتشكل حلف ‏صليبي دعا له البابا،‏ فتوجه اأسطول مكون<br />

من عدة ‏سفن نحو القسطنطينية،‏ حيث احتل الأسطول الصليبي مدن اأزمري واأنطاكيا<br />

وبعض املواقع الساحلية يف الأناضول وهي على الطريق املوؤدية اإىل القسطنطينية<br />

فدمر الصليبيون مساجد اأزمري وقتلوا اآلف املسلمني ووضعوهم على خوازيق نصبت<br />

لهم.‏ وعندما ‏سمع حاكم البغدان بهذا النتصار الصليبي قام بثورة على العثمانيني<br />

واأعلن عصيانه عن دفع اجلزية،‏ وشجعه على ذلك حاكم موسكو الذي انضم اإىل احللف<br />

الصليبي.‏<br />

ذهب السلطان حممد الفاحت اإىل ‏شمال البحر الأسود وجرت معركة بينه وبني<br />

حاكم البغدان انترص فيها الفاحت،‏ وبعد انتصاره رجع اإىل استنبول ملجابهة احللف<br />

الصليبي.‏ ثم تابع السلطان انتصاراته فهاجم األبانيا وحارص مدينة اأشكودار وهزم<br />

جيش البنادقة،‏ وبعد معركة اأشكودار اأصبح السلطان على مرمى حجر من اإيطاليا بعد<br />

اأن انترص على األبانيا،‏ واستمرت السيادة <strong>العثمانية</strong> على بالد الأرناوؤوط ‏)األبانيا(‏ اأكرث<br />

من 433 عاماً‏ اأي منذ عام ‎1479‎م حتى اندلع احلرب البلقانية عام ‎1912‎م.‏<br />

الزحف العثماني إىل إيطاليا ورودس:‏<br />

وجد السلطان حممد الفاحت بعد انتصاره يف معظم املعارك،‏ وبعد فتح<br />

القسطنطينية،‏ اأن الفرصة مناسبة للزحف اإىل روما خاصة واأن الكنيسة الرشقية<br />

قد انتهت،‏ وانتقل املركز الأرثوذكسي من القسطنطينية اإىل موسكو.‏ فبداأ الفاحت يف<br />

التحضري وجتهيز اجليوش الإسالمية لقتال البابا،‏ وقرر الفاحت دخول اإيطاليا عن<br />

99<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


100 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

طريق نابويل،‏ وقد ‏سار اجليش العثماين والأسطول حتى استطاع عام ‎1480‎م اأن<br />

يدخل ميناء اأوترانتو قرب نابويل.‏ عندئذ ‏شعر البابا اأن روما يف خطر عندما ‏سقط هذا<br />

امليناء بيد اجليش الإسالمي،‏ حتى اأن البابا فكر بالرحيل عن روما.‏<br />

وكان العثمانيون يسمون روما بالتفاحة احلمراء )13( . ويف الوقت الذي حقق<br />

العثمانيون نرصاً‏ موؤزراً‏ يف ميناء ‏)اأوترانتو(‏ خرسوا املعركة يف رودس مع فرسان<br />

القديس يوحنا.‏ وقد استشهد من العثمانيني اأكرث من 15 األف جماهد يف رودس؛ وذلك<br />

بسبب خيانة القائد العثماين مسيح باشا الذي هو من اأصل بيزنطي.‏ مل يصرب الفاحت<br />

ومل يتحمل اخلسارة التي حلقت بجيشه يف معركة رودس مع فرسان القديس يوحنا،‏<br />

لذا جهز جيشاً‏ قوامه 300,000 جندي وسار به نحو جنوب تركيا؛ وذلك كي يصل<br />

اإىل رودس وينتقم من فرسان القديس يوحنا،‏ ولكن اأجله كان قريباً‏ حيث تويف وهو<br />

يف الطريق وذلك ب<strong>تاريخ</strong> ‎1481/5/3‎م وترك لولده بايزيد حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

املسلمة،‏ ولكن بعد وفاته حصلت نزاعات بني اأبنائه بايزيد وجم،‏ وقد فرحت اأوروبا<br />

النرصانية وبابا روما بوفاة السلطان الفاحت وخماصمة اأبنائه من بعده.‏<br />

السلطان بايزيد الثاني واألمري جم:‏<br />

تويف السلطان حممد الفاحت عام ‎1481‎م وترك ولدين هما:‏ بايزيد الذي كان<br />

حاكماً‏ زمن والده على مدينة اأماسيا،‏ وجم الذي كان حاكماً‏ على بالد القرمان وكان<br />

يقيم يف قونية.‏ كان اجليش النكشاري قد اأيد بايزيد الثاين بينما اأيد الوزير الأعظم<br />

والأعيان جماً‏ يف النزاع الذي جرى بينهما للوصول اإىل كرسي السلطنة.‏ وحاول الوزير<br />

الأعظم اإخفاء نباأ وفاة السلطان الفاحت كي يستطيع تنصيب الأمري جم ‏سلطاناً‏ على<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ولكن النكشارية اكتشفوا اخلطة فقتلوا الوزير الأعظم وعينوا بايزيد<br />

‏سلطاناً‏ )14( . وعينوا اإسحق باشا الصدر الأعظم،‏ ولكن جماً‏ نصّ‏ ب نفسه ‏سلطاناً‏ يف<br />

بروسة – رغم اأنف بايزيد – وحاكماً‏ على بالد الأناضول.‏<br />

استلم بايزيد مقاليد احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ولكن الأمري جم عارضه يف<br />

ذلك،‏ بل طلب من اأخيه بايزيد اقتسام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بينهما حيث ياأخذ بايزيد<br />

بالد البلقان وياأخذ جم بالد الأناضول ‏)اآسيا <strong>العثمانية</strong>(‏ . ولأن بايزيد رفض هذه<br />

القسمة جرت بينهما معركة يف ‎1481/6/20‎م قرب مدينة يني ‏شهر،‏ انترص


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

فيها بايزيد وهرب جم اإىل قونية،‏ ثم التجاأ اإىل املماليك يف القاهرة حيث السلطان<br />

قايتباي،‏ وبعد اأن جهز جم جيشاً‏ ‏سار به للقاء اأخيه ‏شمايل حلب قرب كيليكيا ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1482/5/19‎م.‏ اإل اأن بايزيد علم بذلك وجهز جيشاً‏ للقاء اأخيه فهرب جم اإىل جزيرة<br />

رودس حيث يوجد فرسان القديس يوحنا،‏ ثم قام رئيس الرهبان يف رودس وسلم<br />

الأمري جم اإىل البابا عام ‎1468‎م فاأخذ الأخري يهدد السلطان العثماين بسلطنة جم،‏<br />

لذلك اضطر بايزيد دفع اأموال ‏سنوياً‏ اإىل البابا كي يبقى حمتفظاً‏ بجم عنده.‏ وبقي جم<br />

12 ‏سنة يهدد حكم اأخيه بايزيد.‏<br />

قام امللك الفرنسي ‏شارل الثامن بالهجوم على اإيطاليا يف ‎1495/1/27‎م<br />

وعندما وصل اإىل نابويل طلب من البابا تسليم جم له.‏ وسلم البابا الأمري جم اإىل ملك<br />

فرنسا.‏<br />

ولكن البابا وضع السم يف طعام جم.‏ وتويف جم قبل ‏سفره اإىل فرنسا وذلك عام<br />

‎1495‎م ودفن يف بلدة جاييت قرب نابويل يف اإيطاليا )15( . وهناك روايات تقول<br />

اإن البابا وضع السم يف طعام جم لأنه رفض التنرص )16( . ورمبا كان هذا الراأي هو<br />

الأرجح،‏ وبعد مدة اأرسل جثمانه اإىل القسطنطينية ثم اإىل مدينة بورصة حيث مقربة<br />

‏سالطني اآل عثمان ودفن هناك.‏<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية زمن السلطان بايزيد الثاني:‏<br />

كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> اململوكية قد ‏ساءت خاصة بعد جلوء الأمري جم<br />

اإىل السلطان اململوكي قايتباي يف القاهرة.‏ وكادت احلرب تشتعل بني الدولتني<br />

املسلمتني،‏ لكن باي تونس – الأمري عثمان احلفصي – اأرسل وفداً‏ مكوناً‏ من علي<br />

باشا اخلادم واملفتي علي العربي ليتوسطوا بالصلح بني قايتباي – حاكم مرص<br />

– وبايزيد – حاكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وملا كان اخلالف بني الدولتني املسلمتني<br />

على القالع الواقعة ‏شمايل ‏سوريا فقد اقرتح السلطان بايزيد جعل تلك املنطقة وقفاً‏<br />

اإسالمياً‏ على احلرمني الرشيفني )17( . ويف رواية اأخرى اأن تقسم تلك املناطق خاصة<br />

عندما عقد املماليك اتفاقية الصلح مع العثمانيني عام ‎1491‎م )18( واتفقوا على<br />

اأن تكون املمتلكات جنوب كيليكيا تابعة للمماليك،‏ اأما املناطق اجلبلية والشمالية<br />

فتكون تابعة للعثمانيني.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

101


102<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ولزم بايزيد جانب الصلح مع املماليك ومل يصطدم معهم حتى عام ‎1516‎م<br />

عندما اصطدم السلطان ‏سليم مع املماليك،‏ يف معركة مرج دابق عام ‎1516‎م.‏<br />

ويف تلك الأثناء جاء وفد من الأندلس يطلب النجدة من الدول الإسالمية يف<br />

املرشق وهما دولة املماليك و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وقد رد قايتباي اململوكي على<br />

الوفد الأندلسي باأنه ‏سوف يهدم كنيسة القيامة يف القدس اإذا استمر الأسبان يف<br />

تعديهم على املسلمني يف الأندلس )19( ، ولكنه مل يرسل جيشاً‏ ملساعدة مسلمي<br />

الأندلس،‏ بينما اأرسل السلطان العثماين اأسطولً‏ بقيادة كمال الدين،‏ ولأن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> وقعت يف حروب مع الأرناوؤوط – األبانيا – وبالد املورة لذا حتول<br />

الأسطول العثماين عن الذهاب لالأندلس فالتقى بالأساطيل الأوروبية التي تفوقت<br />

على الأسطول العثماين واأغرقته )20( .<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> األوروبية:‏<br />

كانت عالقة السلطان بايزيد مع الدول املسيحية تختلف عما كانت عليه زمن<br />

اأبيه،‏ ففي زمن اأبيه كانت العالقة بينهما حروب مستمرة،‏ بينما يف زمن بايزيد كانت<br />

عالقات ‏صلح وتبادل ‏سفراء مع الدول الأوروبية،‏ فمثالً‏ اأرسلت روسيا ‏سفرياً‏ لها اإىل<br />

البالط العثماين حامالً‏ معه الهدايا رمزاً‏ حلسن اجلوار،‏ واأما العالقة مع بولونيا فكانت<br />

حسنة يف بداية الأمر،‏ ثم ‏ساءت عندما اختلف العثمانيون مع البولونيني على مناطق<br />

البغدان فادعى كل فريق اأن بالد البغدان تابعة له وجرت بينهما حروب نتيجة ذلك.‏<br />

واأما عالقة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع اإيطاليا فكانت حسنة،‏ اإل اأن اإيطاليا اأوقعت<br />

حرباً‏ بني العثمانيني والبنادقة مما ‏شجع السلطان بايزيد اأن يرسل جيشاً‏ يسيطر به<br />

على مدينة ليبانتو من منطقة اليونان،‏ وكانت هذه املدينة تابعة للبنادقة.‏<br />

كان السلطان بايزيد – بعد انتهاء احلرب مع الدول الأوروبية – قد اتبع ‏سياسة<br />

املصاحلة بني الدفشريما والأعيان الأتراك،‏ واستطاع اأن يسيطر عليهما،‏ ثم اأعطى<br />

زمام اأمور السلطنة <strong>العثمانية</strong> اإىل الوزير الأعظم،‏ وانرصف هو اإىل الزهد والعلم،‏ حيث<br />

جمع يف بالطه مشاهري العلماء.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الصراع على السلطنة بني أبناء بايزيد:‏<br />

لول ‏سوء الأوضاع بني السلطان بايزيد واأبنائه لستطاع السلطان فتح بالد<br />

كثرية يف حوض البحر الأبيض املتوسط خصوصاً‏ قرب البندقية.‏ واأهم اأولده:‏ اأحمد<br />

وكركود وسليم.‏ كان البن الأكرب اأحمد حاكماً‏ على ولية ‏صاروخان،‏ وكان يطمح<br />

اأن يكون ‏سلطاناً‏ بعد والده بايزيد،‏ لكن اجليش النكشاري رفض ذلك لأن اأحمد كان<br />

قد خرس كثرياً‏ من املعارك ول يصلح لقيادة اجليش.‏ اأما البن الثاين كركود فكان<br />

منقطعاً‏ اإىل العلوم واملوسيقى مثل والده ومل يرشحه اجليش النكشاري.‏ اأما البن<br />

الثالث ‏سليم فكان يحب احلرب وكان يسري يف مقدمة اجليوش دوماً،‏ لذا فقد نال تاأييد<br />

اجليش النكشاري له،‏ خاصة عندما انترص ‏سليم على الشاه الصفوي قويل املقيم يف<br />

‏رشقي الأناضول بني القبائل الرتكمانية.‏ وكان ‏سليم يقود النكشارية من نرص اإىل<br />

نرص،‏ لذا عندما اأصبح ‏سلطاناً‏ زاد عدد النكشارية فاأصبح عددهم 35,000 جندي<br />

وقد منحهم مرتبات اأكرث مما كانوا يحصلون عليه زمن والده.‏<br />

كان ‏سليم حاكماً‏ على طرابزون،‏ وكان اأصغر اأخوته.‏ وخاف ‏سليم اأن يتوىل<br />

السلطنة بعد وفاة اأبيه،‏ اأخوه اأحمد،‏ اأو ابن اأحمد واسمه عالء الدين الذي احتل بورصة<br />

عام ‎1512‎م )21( لذلك زحف ‏سليم اإىل اأدرنة واأعلن نفسه ‏سلطاناً،‏ فجهز والده جيشاً‏<br />

استطاع به كرس جيش ابنه ‏سليم وكاد اأن يقتله لول تدخل النكشارية الذين طلبوا من<br />

بايزيد العفو عن ابنه،‏ بينما استطاع ابنه اأحمد اأن يحتل بروسة وصاروخان فجهز<br />

والده جيشاً‏ كرس ابنه واأدبه ثم اأعلن البن الطاعة.‏ ولكن ‏سليماً‏ مل يسكت بل زحف<br />

بجيشه اإىل القسطنطينية فاستقبله النكشارية،‏ واأرغموا السلطان بايزيد على التنازل<br />

عن العرش اإىل ابنه ‏سليم )22( وذلك عام ‎1512‎م.‏ وقد تويف السلطان العثماين بايزيد<br />

يف العام نفسه ‎1512‎م بينما كان اأحمد ذاهباً‏ اإىل بروسة حيث قتل فيها عام ‎1513‎م<br />

يف معركة مع اأخيه ‏سليم.‏ اأما كركود فقد هرب اإىل بالد الفرس طالباً‏ حق اللجوء<br />

السياسي مع الصفويني لكن ‏سليماً‏ حلقه وجرت معركة بني العثمانيني والصفويني<br />

عام ‎1514‎م هي معركة ‏شالديران )23( ، انترص فيها ‏سليم على الصفويني لكنه مل<br />

يظفر باأخيه كركود.‏ واستطاع ‏سليم اأن يصل اإىل مدينة تربيز )24( و اأخضع الصفويني<br />

ثم رجع اإىل القسطنطينية كما ‏سياأتي ذلك فيما بعد.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

103<br />

جامعة القدس املفتوحة


104 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية:‏<br />

كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> الصفوية قد تدهورت عندما قام الشاه اإسماعيل<br />

موؤسس <strong>الدولة</strong> الصفوية بنرش تعاليمه الشيعية بني القبائل الرتكمانية يف الأناضول،‏<br />

واعترب بايزيد هذا العمل تدخالً‏ ‏سياسياً‏ وليس دينياً‏ فقط.‏ ومل يكتف اإسماعيل الصفوي<br />

بذلك بل جهز جيشاً‏ بقيادة ‏شاه قويل ‏سار به اإىل الأناضول،‏ فطلب بايزيد املساعدة<br />

من املماليك،‏ ولكن السلطان اململوكي اكتفى باأن اأمر احلاميات اململوكية يف حلب<br />

مبساعدة السلطان العثماين اإذا دخل اجليش الصفوي الأراضي اململوكية فقط )25( .<br />

وقد جهز السلطان بايزيد العثماين جيشاً‏ ملالقاة الصفويني عام ‎1511‎م،‏ وقد انترص<br />

عليهم ولكنه مل يتابع الزحف نحو اإيران وبقيت اجلبهة الصفوية <strong>العثمانية</strong> ‏ساخنة<br />

حتى عام ‎1514‎م عندما حصلت معركة ‏شالديران ‏سابقة الذكر.‏<br />

السلطان سليم األول ‎1512‎م - ‎1520‎م:‏<br />

وصل السلطان ‏سليم الأول اإىل عرش السلطنة خلفاً‏ لأبيه بايزيد عام ‎1512‎م بعد<br />

اأن تويف بايزيد.‏ وقد حاول كل واحد من اأبنائه اأن يصل اإىل احلكم،‏ ولكن ‏سليم كان<br />

)26(<br />

اأقوى اأخوته جميعاً‏ لأنه كان عسكرياً،‏ وقد لقب ب ‏»ياووز«‏ بالرتكية اأي الشجاع<br />

. وقد دعمه اجليش النكشاري للوصول اإىل احلكم.‏<br />

حروبه مع الصفويني:‏<br />

ظهرت يف بداية حكم السلطان حتديات الشيعة الصفويني )27( ‏ضد ‏سليم حيث<br />

ثار الشيعة يف اآسيا الصغرى بقيادة ‏شاه قويل )28( . وكانت ثورته قد نشبت يف اأواخر<br />

اأيام حكم السلطان بايزيد والد السلطان ‏سليم الأول.‏ اعتمد الثائر ‏شاه قويل على دعم<br />

الشيعة له يف اإيران،‏ لكن السلطان ‏سليم مل يسكت على وجود ثورة يف اأسيا الصغرى<br />

‏ضد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وخاصة اأن ‏شاه قويل قد احتل كوتاهية وحارص بورصة،‏ لذلك<br />

اأرسل السلطان ‏سليم جيشاً‏ مكوناً‏ من ثمانية اآلف جندي وطارد الشاه قويل حتى<br />

متكن من القضاء على ثورته وقتله.‏ ثم قتل السلطان اآلف الشيعة املوجودين يف<br />

اآسياه الصغرى،‏ وفر ما تبقى من اجلند ‏)القزلباش(‏ )29( اإىل اإيران،‏ عندئذ تاأثر وغضب<br />

الشاه اإسماعيل يف اإيران عندما ‏سمع اأن اآلف الشيعة يقتلون يف اآسيا الصغرى،‏ فاأراد


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

النتقام من السلطان ‏سليم.‏ لذلك اأرسل الشاه اإسماعيل رسالة اإىل املماليك يف مرص<br />

طالباً‏ منهم العون يف قتال العثمانيني )30( ، فوعده املماليك باملساعدة ‏رساً‏ اإذا وصل<br />

يف تقدمه اإىل اآسيا الصغرى ومل يعلم ‏سليم بذلك.‏ قام ‏سليم الأول بالزحف من اأدرنة<br />

اإىل اآسيا الصغرى على راأس جيش كبري ثم زحف اإىل تربيز لقتال الصفويني،‏ واستطاع<br />

‏سليم النتصار على الشاه اإسماعيل الصفوي ودخل عاصمته تربيز عام ‎1514‎م يف<br />

معركة ‏شالديران،‏ واأعلنت املساجد يف خطبة اجلمعة باسمه،‏ وبقي هناك مدة ثمانية<br />

اأيام ثم انسحب منها لقلة املوؤن وشدة الربد القارس.‏<br />

انسحب ‏سليم اإىل القوقاز ‏شمالً‏ وعسكر يف ‏»قره باغ«‏ على اأمل اأن يعود يف<br />

العام القادم لستكمال احتالل اإيران،‏ لكنه مل يعد بسبب ما ذكرنا من قلة املوؤن،‏<br />

وعدم رغبة النكشارية يف متابعة احلرب ملالحقة الشاه اإسماعيل يف الهضاب<br />

اجلرداء وصعوبة اخرتاقها.‏ كان الشاه قد اتبع ‏سياسة الأرض املحروقة اأثناء حربه<br />

مع العثمانيني،‏ اإذ اأحرق كل ما ميكن اأن يستفيد منه العثمانيون.‏ وهذه السياسة كان<br />

قد اتبعها الصفويون باستمرار يف معظم احلروب.‏ بعد انتصار ‏سليم على الصفويني<br />

يف ‏شالديران حصل على خزائن الشاه من تربيز كما اأخذ كثرياً‏ من العلماء الإيرانيني<br />

معه اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

كانت نتيجة معركة ‏شالديران النتصار الساحق للسلطان ‏سليم الأول العثماين،‏<br />

وهزمية الشاه اإسماعيل الصفوي.‏ اأما نتائج املعركة فنستطيع حرصها يف<br />

ثالث نقاط مهمة هي:‏<br />

‎1.1‎فعالية املدفعية والبنادق التي استخدمها العثمانيون ‏ضد القوى الصفوية<br />

التي كان اأغلبها من الفرسان ويستعملون السيوف.‏<br />

‎2.2‎‏ضم منطقة الأناضول الرشقية اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ومن اأهم مدنها ديار<br />

بكر ومرعش وهذه املناطق غنية اقتصادياً.‏ لذلك استطاع العثمانيون السيطرة على<br />

الطرق التجارية الهامة خاصة طرق نقل احلرير الفارسي بني تربيز وحلب،‏ وبني تربيز<br />

وبورصة ماراً‏ بهضبة الأناضول.‏ كما استفاد العثمانيون من ‏ضم هضبة الأناضول<br />

عسكرياً‏ حيث كانت هذه الهضبة عائقاً‏ للغزاة القادمني من الرشق قاصدين ‏رضب<br />

العثمانيني.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

105<br />

جامعة القدس املفتوحة


106 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎3.3‎اأصبح واضحاً‏ للشاه الصفوي – بعد املعركة – ‏رضورة تنظيم اجليش من<br />

جديد،‏ خاصة واأن القبائل الرتكمانية الشيعية املعروفة بالقزلباش قد ‏ضعفت ومل<br />

تعد تساعده علماً‏ باأن الشاه يعترب مرشدهم الأكرب،‏ والقزلباش ‏)اأي الراأس الأحمر(‏ هم<br />

جماعة وضعوا على روؤوسهم لباساً‏ متميزاً‏ عن غريهم من الشيعة،‏ حيث كان لباس<br />

الراأس عبارة عن لفّة حمراء كبرية مكونة من 12 لفة متجيداً‏ لالأئمة الشيعة الإنثي<br />

عرشية.‏<br />

وبعد وفاة الشاه اإسماعيل عام ‎1524‎م خلفه ابنه طهماسب الأول وقد حدثت<br />

يف زمنه ثورة قبائل القزلباش وقد اأحرجوا موقف طهماسب،‏ لذلك وجد اأنه مضطر<br />

لإيجاد جيش جديد،‏ بدلً‏ من القزلباش،‏ كي يعتمد عليه يف مواجهة العثمانيني،‏ وهذا<br />

اجليش اجلديد،‏ الذي اعتمد عليه،‏ كان مكوناً‏ من عنارص ‏رشكسية وجورجية.‏ لكن<br />

نستطيع القول اأن اجلبهة <strong>العثمانية</strong> الصفوية بقيت مدة ثالثني عاماً‏ هادئة بسبب<br />

معاهدة اأماسيا.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هوامش الفصل الرابع:‏<br />

10<br />

11<br />

12<br />

13<br />

14<br />

15<br />

16<br />

‎1.1‎زياد اأبو غنيمة:‏ السلطان املجاهد حممد الفاحت،‏ دار الفرقان،‏ عمان،‏ ‎1983‎م.‏ ‏ص<br />

.14<br />

‎2.2‎اأطلق حممد الفاحت على القسطنطينية بعد فتحها اسم ‏“اإسالم بول”‏ اأي مدينة<br />

السالم،‏ اأو مركز السالم.‏<br />

‎3.3‎علي حسون:‏ العثمانيون والروس،‏ املكتب الإسالمي،‏ بريوت،‏ ‎1982‎م.‏<br />

‎4.4‎زياد اأبو غنيمة:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 36.<br />

‎5.5‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 37.<br />

‎6.6‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏ص 59، وانظر زياد اأبو غنيمة:‏<br />

السلطان حممد الفاحت.‏ ‏ص 39.<br />

‎7.7‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 46، ‏ص 122.<br />

‎8.8‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 87.<br />

‎9.9‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 99- 100.<br />

‎10‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 116.<br />

‎1‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 130.<br />

‎12‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 145.<br />

‎13‎زياد اأبو غنيمة:‏ املصدر نفسه ‏ص 182.<br />

‎14‎بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية.‏ ‏ص 442.<br />

‎15‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص‎70‎‏.‏<br />

‎16‎اإحسان النمر:‏ نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ مطبعة النرص التجارية،‏<br />

نابلس،‏ ‏ص‎55‎‏.‏<br />

يقول بروكلمان اأن بايزيد هو الذي طلب من البابا وضع السم لأخيه جم،‏ وهذا<br />

كذب وافرتاء على بايزيد،‏ وقصد بروكلمان طعن الإسالم بهذا الكالم.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

107<br />

جامعة القدس املفتوحة


108 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

17<br />

18<br />

19<br />

20<br />

21<br />

22<br />

‎17‎اإحسان النمر:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 56.<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 7318<br />

‎19‎اإحسان النمر:‏ نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ ‏ص 56.<br />

‎20‎اإحسان النمر:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 57.<br />

Cook: History of the Ottoman Empire. P. 6921<br />

‎2‎اإحسان النمر:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 57. انظر اأيضاً:‏<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 76<br />

23<br />

24<br />

25<br />

‎23‎‏شالديران اأو جالديران:‏ هو ‏سهل ‏رشقي الأناضول بالقرب من احلدود الروسية<br />

الرتكية الإيرانية.‏ يقع بني مدينة Khoy ومدينة .Tabriz<br />

‎24‎تربيز هي مدينة غربي اإيران.‏ وهي ثاين مدن اإيران الكربى وعاصمة اإقليم<br />

اأذربيجان.‏<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 7825<br />

26<br />

27<br />

28<br />

29<br />

30<br />

بينما ذكر فريد بك املحامي يف كتابه <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong> اأن الشاه<br />

اإسماعيل طلب من املماليك املساعدة لرضب <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لإيقاف ‏سريها،‏<br />

موضحاً‏ للمماليك اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خطر على املماليك والصفويني،‏ واإذا مل يتحدا<br />

فسوف يقوم السلطان العثماين برضب كل منهما على حده.‏ انظر.‏ ‏ص – 73 74.<br />

‎26‎اإحسان النمر:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 56.<br />

‎27‎الصفويني نسبة اإىل الشيخ ‏صفي الدين )1252 – ‎1334‎م(‏ .<br />

‎28‎رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 56.<br />

‎29‎لباس خاص يوضع على الراأس لونه اأحمر مكون من 12 لفة.‏<br />

‎30‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>،‏ ‏ص 72.


الفصل الخامس<br />

سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومصر ومشالي إفريقيا<br />

ومتابعة الفتوحات يف البلقان


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل اخلامس<br />

سيطرة العثمانيني على بالد الشام ومصر ومشالي إفريقيا<br />

ومتابعة الفتوحات يف البلقان<br />

كانت هناك اأسباب رئيسة ‏شجعت السلطان ‏سليم على مواجهة املماليك واإعالنه<br />

عليهم حرباً‏ ‏شعواء،‏ علماً‏ باأن املماليك والعثمانيني كليهما مسلمان ‏سنيان.‏ وكانت<br />

هذه الأسباب منها <strong>تاريخ</strong>ية حصلت ‏سابقاً‏ قبل قدوم السلطان ‏سليم،‏ ومنها ما حدث<br />

يف زمنه.‏ واأهم هذه االأسباب ما يلي:‏<br />

النزاع على إمارة البستان:‏<br />

تقع هذه الإمارة بني مرعش ومالطيا،‏ وهي اإحدى الإمارات الرتكمانية يف<br />

الأناضول.‏ وسميت هذه الإمارة بهذا السم نسبة اإىل عاصمتها البستان،‏ كما ‏سميت<br />

اأيضاً‏ اإمارة ذي القدر نسبة اإىل اأرسة ذي القدر التي حكمت هذه الإمارة.‏ وقد جرى<br />

‏رصاع بني املماليك والعثمانيني حول السيطرة والتدخل يف اأمور هذه الإمارة،‏ لدرجة<br />

اأن اأفراد الأرسة احلاكمة تنازعوا على حكم الإمارة.‏<br />

واحلدث الهام الذي حصل مع السلطان العثماين ‏سليم يف هذه الإمارة،‏ اأنه عندما<br />

ذهب لقتال الصفويني عام ‎1514‎م،‏ كان قد طلب من عالء <strong>الدولة</strong> حاكم اإمارة البستان<br />

تقدمي بعض الشباب لالنضمام للجيش العثماين لقتال الصفويني،‏ ولكنه رفض،‏ لذا<br />

عندما رجع ‏سليم بعد انتصاره على الصفويني يف معركة ‏شالديران عام ‎1514‎م<br />

تفرغ لقتاله.‏ فبعث السلطان ‏سليم جيشاً‏ بقيادة ‏سنان باشا عام ‎1515‎م قدر عدده<br />

‏)حوايل 10,000 جندي(‏ انكشاري،‏ وانترص العثمانيون على عالء <strong>الدولة</strong> وقتلوه<br />

وعينوا بدلً‏ منه ‏شاه ‏سيوار اأو ‏شهوار الذي حكم اإمارة البستان حتت الراية <strong>العثمانية</strong><br />

)1( . وقد غضب املماليك من العمل الذي قام به ‏سليم الأول.‏<br />

111<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

112<br />

إيواء املماليك جلم ابن السلطان حممد الفاتح )2( :<br />

هرب الأمري جم اإىل القاهرة وطلب اللجوء السياسي،‏ ورحب به السلطان اململوكي<br />

قايتباي حتى اأنه ‏ساعده يف الهجوم على السلطان العثماين بايزيد ‏)اأخو جم(‏ ، وعندما<br />

فشل جم يف املعركة ‏ضد اأخيه هرب اإىل رودس حيث جلاأ اإىل املسيحيني وهم فرسان<br />

القديس يوحنا.‏ وبقي جم يهدد اأخاه بايزيد مدة تزيد على 12 عاماً‏ حتى تويف عام<br />

‎1495‎م يف اأوروبا.‏<br />

قدم العثمانيون مساعدات عسكرية ‏ضخمة اإىل املماليك يف بداية القرن السادس<br />

عرش وذلك للدفاع عن الأراضي اململوكية على ‏سواحل البحر الأحمر ‏ضد الربتغاليني،‏<br />

ففي عام ‎1511‎م جنح العثمانيون يف اإيصال 400 مدفع واأربعني قنطاراً‏ من<br />

البارود اإىل املماليك )3( . وذلك لصد الربتغاليني عن البحر الأحمر،‏ وحلماية الأماكن<br />

الإسالمية املقدسة يف احلجاز،‏ هذا مع العلم اأن مدن املرشق العربي والآستانة قد<br />

ملئت باملهاجرين املسلمني من الأندلس )4( .<br />

لقد كان اندفاع الربتغاليني للرشق لهدفني هامني هما:‏ الدافع الديني،‏ والدافع<br />

القتصادي،‏ ويرجع العامل الديني اإىل احتدام الرصاع بني املسلمني واملسيحيني<br />

يف الأندلس،‏ اأما العامل القتصادي فريجع اإىل رغبة الربتغاليني يف املشاركة يف<br />

اأرباح التجارة الرشقية.‏ وقد عرب امللك عمانويل الأول )1495 – ‎1521‎م(‏ الذي<br />

قامت يف عهده اأول حملة بحرية اإىل الرشق يف خطبة طويلة له عن اأغراض احلملة<br />

وذلك عند انطالق احلملة فقال:‏ اإن الغرض من اكتشاف الطريق البحري اإىل الهند هو<br />

نرش املسيحية واحلصول على ثروات الرشق )5( ، وكان قائد احلملة فاسكودي غاما،‏<br />

وكانت حملته مزودة باملدافع وترفع الصليب،‏ وقد جنح الربتغاليون يف الوصول<br />

اإىل الهند عن طريق راأس الرجاء الصالح واحتكروا جتارة الرشق وضعفت املوانئ<br />

<strong>العثمانية</strong> والعربية جتارياً.‏<br />

كان ل بد من الصدام اململوكي العثماين نتيجة الأسباب التي ذكرناها ‏سابقاً.‏<br />

لذلك زحف اجليش اململوكي بقيادة السلطان قانصوه الغوري متوجهاً‏ من القاهرة<br />

اإىل حلب فوصلها وعسكر فيها.‏ وزحف السلطان العثماين ‏سليم الأول للقاء املماليك<br />

قرب حلب.‏ واصطدم اجليشان املسلمان يف معركة مرج دابق )6( قرب حلب ب<strong>تاريخ</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1516/8/23‎م.‏ وانترص العثمانيون يف املعركة وهزموا املماليك وقتل السلطان<br />

اململوكي قانصوه الغوري يف املعركة.‏ ثم دخل السلطان ‏سليم حلب وكان يصحبه<br />

اخلليفة العباسي الذي كان مرافقاً‏ للسلطان اململوكي املقتول.‏ وكان انتصار<br />

العثمانيني يف املعركة لعدة اأسباب:‏<br />

‎1.1‎خيانة خري بك وايل حلب اململوكي الذي خان املماليك وانضم اإىل السلطان<br />

العثماين اأثناء املعركة.‏<br />

‎2.2‎استعمال السالح الناري واملدافع <strong>العثمانية</strong> يف املعركة،‏ علماً‏ باأن املماليك<br />

مل يستعملوا هذه الأسلحة بل استعملوا السيف والرمح واحتقروا من يستعمل الأسلحة<br />

النارية التي اأسموها اأسلحة الشيطان لأنها ‏صنعت يف البالد الأوروبية.‏<br />

دخل السلطان ‏سليم حلب،‏ ودُعي له يف خطبة اجلمعة،‏ ولقب بخادم احلرمني<br />

الرشيفني،‏ ومل يكن قصد السلطان ‏سليم التقدم اأكرث يف الأراضي اململوكية بل اكتفى<br />

بحلب فقط،‏ كما مل يكن قصده الذهاب لكرس املماليك يف مرص،‏ والدليل على ذلك<br />

اأنه عرض على السلطان اململوكي اجلديد طومان باي تقدمي خضوعه للعثمانيني<br />

مقابل اإسناد السلطان ‏سليم حكم مرص اإىل طومان باي،‏ ولكن الأخري رفض واأرص<br />

على احلرب،‏ لذلك ‏سار السلطان ‏سليم فيما بعد بتشجيع من خري بك اململوكي وايل<br />

حلب ملتابعة الزحف نحو دمشق.‏ ووصل اجليش العثماين حماه ثم حمص ثم دمشق.‏<br />

وقدم زعماء دمشق ولء الطاعة للعثمانيني وكان على راأسهم قضاة املذاهب الأربعة،‏<br />

وقام السلطان ‏سليم باأعمال هامة يف دمشق كي يحبب الأهايل به فاألغى الرضائب<br />

ووزع الأموال على الأهايل وعزل واإليها اململوكي واحرتم العلماء يف دمشق،‏ كما<br />

زين ثوب املحمل الرشيف الذي يرافق قافلة احلج اإىل احلجاز،‏ وزار قرب العامل املسلم<br />

حميي الدين بن عربي يف الصاحلية بدمشق.‏ ووصف ابن طولون يف كتابه ‏»مفاكهة<br />

اخلالن«‏ هدير املدافع قرب دمشق والتي اأخافت الأهايل وظن الناس يف دمشق ‏»اأن<br />

السماء انطبقت على الأرض«‏ )7( .<br />

اكتفى السلطان ‏سليم بهزمية املماليك ودخوله دمشق،‏ ولكن خري بك ‏شجعه على<br />

الزحف حتى القاهرة،‏ وقد فكر السلطان ‏سليم ملياً‏ يف املوضوع لأن فيه خماطر كثرية<br />

رمبا جتر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل الهاوية،‏ ومن اأهم هذه املخاطر اجتياز اجليش العثماين<br />

113<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

114<br />

‏صحراء ‏سيناء،‏ وقرب اجليش العثماين من اخلطر الربتغايل املقيم على ‏سواحل البحر<br />

الأحمر،‏ واخلوف من استغالل الصفويني انهماك ‏سليم يف احلرب والزحف نحو<br />

القسطنطينية،‏ كل هذه املخاوف جالت يف خاطر السلطان ‏سليم،‏ واأخرياً‏ قرر جتاهل<br />

هذه املخاطر كلها والزحف نحو القاهرة لقتال املماليك.‏ ‏سار ‏سليم على راأس جيشه<br />

جنوباً‏ فدخل القدس ثم اجته نحو الساحل الفلسطيني فدخل غزة،‏ ومن هناك بعث<br />

القائد ‏سنان باشا لرصد الطريق من غزة اإىل القاهرة والتقى بالغزايل الذي كان قد<br />

هرب من دمشق اإىل القاهرة،‏ وجرت معركة بينهما انترص فيها العثمانيون ثم رجع<br />

‏سنان باشا اإىل غزة وشجع ‏سليم الزحف نحو القاهرة.‏<br />

وقد تابع السلطان ‏سليم الزحف حتى وصل الريدانية ودارت هناك معركة بني<br />

اجليش العثماين واجليش اململوكي يف الريدانية ب<strong>تاريخ</strong> ‎1517/1/23‎م،‏ وقد دخل<br />

العثمانيون القاهرة بعد انتصارهم يف املعركة.‏<br />

قام خطباء مساجد القاهرة مبدح ‏سليم من على منابر املساجد رغم اأن احلرب<br />

كانت مستمرة يف ‏شوارع القاهرة بني العثمانيني واملماليك،‏ لكن يف اأحد اأيام اجلمعة<br />

خطب اخلطباء للسلطان طومان باي بدلً‏ من السلطان ‏سليم،‏ وهذا دللة على اأن النرص<br />

مل يكن حمققاً‏ للعثمانيني يف بداية الأمر.‏ ولكن اأثناء معركة الريدانية هرب طومان<br />

باي ‏)السلطان اململوكي(‏ والتجاأ اإىل ‏شيخ بدو البحرية حسن بن مرعي،‏ الذي قام<br />

بتسليم طومان باي اإىل السلطان ‏سليم،‏ فقام السلطان العثماين باإعدامه يف باب زويلة<br />

يف القاهرة ب<strong>تاريخ</strong> )8( 1517/4/13 . وكما فعل ‏سليم يف دمشق من احرتام للعلماء<br />

والأهايل واإعفاء السكان من الرضائب،‏ فعل كذلك مع اأهايل القاهرة،‏ وكان قصده من<br />

ذلك اأن يكسب حمبة ‏سكان القاهرة واأن يقدموا له ولء الطاعة.‏<br />

كان السلطان ‏سليم اأثناء وجوده يف مرص قد تلقى رسالة من ‏رشيف مكة املكرمة<br />

السيد بركات بن يحيى يعلن ولءه للعثمانيني،‏ لذلك عينه السلطان والياً‏ على احلجاز<br />

وجدة،‏ وهذا التعيني من قبل السلطان العثماين ‏سار على نهجه السالطني فيما بعد.‏<br />

‏»وقد اأضفى ‏ضم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لالأماكن الإسالمية املقدسة،‏ اأضفى عليها زعامة<br />

دينية يف العامل الإسالمي،‏ وتاأكيداً‏ لهذه الزعامة يف العامل السني،‏ وهي الزعامة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

التي ترتبت على هزمية الصفويني وتضييق نطاق انتشار املذهب الشيعي بعد موقعة<br />

‏شالديران«‏ )9( . وقد اأضاف ‏سليم اإىل األقابه على اأثر موقعة مرج دابق لقب خادم<br />

احلرمني الرشيفني،‏ ثم اأوقف كثرياً‏ من الأماكن وربط كثرياً‏ من الأوقاف على املسجد<br />

الأقصى املبارك ثم على الأماكن الإسالمية املقدسة يف احلجاز.‏<br />

ملع اسم بركات بن يحيى ‏)رشيف مكة(‏ يف احلجاز،‏ فاأخذ يوسع نفوذه،‏ فقام<br />

باإعالن احلرب على الأمري حسني الكردي حاكم جدة اململوكي كي يصبح خاضعاً‏<br />

للعثمانيني،‏ لكن حاكم جدة هرب اإىل زبيد يف اليمن وحتالف مع الأمري برسباي<br />

اململوكي هناك،‏ وقتال السلطان عامر بن عبد الوهاب يف ‏صنعاء،‏ وبوفاته انقرضت<br />

<strong>الدولة</strong> الطاهرية يف اليمن عام ‎1517‎م.‏ وبقيت اليمن تخضع للمماليك اإىل اأن جاء<br />

العثمانيون ودخلوها،‏ وسنذكر ذلك فيما بعد.‏<br />

اأبقى السلطان ‏سليم املوظفني املماليك يف مرص يف وظائفهم،‏ ولكنه اشرتط<br />

عليهم طاعة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ومكث السلطان ‏سليم يف مرص حتى ‎1517/9/10‎م،‏<br />

وقد عني على مرص خري بك حاكماً‏ ثم قرر الرجوع اإىل بالد الشام.‏ ومل يجرد السلطان<br />

‏سليم املماليك من اإقطاعاتهم ومل يعتربهم اأرسى حرب،‏ واكتفى بتعيني قاضٍ‏ ليوحد<br />

القضاة،‏ ووالٍ‏ يجلس مع جنده ليحكم بينهم،‏ ولكن الوزير يونس باشا انتقد السلطان<br />

‏سليم لهذا التهاون مع املماليك حتى اأنه اأنّب السلطان ‏سليم على عمله فقام السلطان<br />

وقتل يونس باشا وسمي املوقع الذي كان فيه يونس باشا اأثناء قتله بخان يونس،‏<br />

وما زال هذا السم حتى الآن يف قطاع غزة )10( .<br />

رجع السلطان ‏سليم من مرص اإىل دمشق مصطحباً‏ معه العلماء والصناع<br />

واأصحاب احلرف،‏ ثم ‏سار اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong>.‏ ويف دمشق قضى ‏سليم على<br />

‏»الزعران«‏ الذين قاموا مبحاولة الشغب ‏ضد املماليك وضد العثمانيني،‏ خاصة عندما<br />

‏سمعوا بعدم انتصار العثمانيني يف مرص كلياً‏ يف معركة الريدانية.‏ وقد عني ‏سليم<br />

على حكم دمشق الغزايل الذي كان قد اشرتك يف احلرب ‏ضد العثمانيني يف معركة<br />

مرج دابق عام ‎1516‎م،‏ والغزايل من زعماء املماليك،‏ كان قد خان املماليك يف<br />

معركة الريدانية،‏ ومكافاأة له على ذلك عيّنه السلطان العثماين والياً‏ على دمشق.‏ كما<br />

طرد السلطان ‏سليم التنوخيني من جبل لبنان وعني حملهم املعنيني،‏ زعماء منطقة<br />

الشوف،‏ الذين ‏ساعدوا العثمانيني يف معركة مرج دابق،‏ ورجع السلطان ‏سليم من<br />

دمشق اإىل استنبول ‏)القسطنطينية(‏ العاصمة.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

115


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

116<br />

ذكرنا ‏سابقاً‏ اأن اخلليفة العباسي املتوكل على اهلل كان بصحبة السلطان قانصوة<br />

الغوري اململوكي يف معركة مرج دابق،‏ ولكن عندما هزم املماليك وقتل قانصوة<br />

الغوري وانترص السلطان ‏سليم يف املعركة،‏ اصطحب السلطان ‏سليم اخلليفة معه من<br />

حلب حتى مرص،‏ ويف القاهرة ‏»اأضفى السلطان ‏سليم على اخلليفة املتوكل على اهلل<br />

‏رضوباً‏ من الثقة والنفوذ،‏ حتى عظم اأمره وهيبت ‏سطوته وقبلت ‏شفاعته واأصبحت<br />

داره ملجاأ لذوي احلاجة ‏سادة وغري ‏سادة.‏ وكانت هذه ل ‏شك ‏سياسة حازمة من<br />

السلطان ‏سليم«‏ )11( . وقد تنازل اخلليفة العباسي يف القاهرة اإىل السلطان ‏سليم عن<br />

حقه باخلالفة وسلّمه الآثار النبوية الرشيفة وهي البريق والسيف والربدة،‏ وسلمه<br />

مفاتيح احلرمني الرشيفني )12( ، من هنا جاء لقب خادم احلرمني الرشيفني.‏<br />

ويذكر اإحسان النمر يف كتابه ‏»نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين«‏ اأن السلطان<br />

‏سليم اأشار على اخلليفة عندما قرر الرجوع اإىل استنبول اأن يحمل املخلفات النبوية<br />

ويذهب بها اإىل العاصمة استنبول بحراً.‏ وبعد قليل تويف السلطان فعاد اخلليفة بنفسه<br />

للقاهرة دون املخلفات النبوية اإىل مرص واأقام فيها يتقاضى راتباً‏ اإىل اأن تويف،‏ فلم<br />

ينتخب غريه وبذلك انتهت هذه اخلالفة السمية )13( . وقد وضعت املخلفات النبوية<br />

يف ‏رساية خاصة تعرف برساية ‏»طوب قبو«،‏ وقد خصص لها حرس خاص.‏ ومن<br />

اجلدير بالذكر اأن الدكتور حسن عثمان ذكر يف كتابه منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي )14( اأنه<br />

عرث على خمطوطة يرجع <strong>تاريخ</strong>ها اإىل السلطان ‏سليمان القانوين )1520 – ‎1566‎م(‏<br />

وقد نصت نصاً‏ ‏رصيحاً‏ على لقبي اخلالفة والإمامة معاً.‏ ومكان هذه املخطوطة يف<br />

مكتبة جامعة القاهرة،‏ وهي ‏صورة ملجموعة من جمموعات القوانني التي اأصدرها<br />

السلطان ‏سليمان القانوين يف اأوروبا وحتتوى على بعض األقاب السلطان وهذا هو<br />

نصها:‏ ‏»خليفة رسول رب العاملني،‏ وحايز الإمامة العظمى،‏ ووارث اخلالفة الكربى«‏<br />

كما عرث الدكتور حسن عثمان على بعض املراسالت السلطانية مع حكومة النمسا يف<br />

اأوائل القرن السابع عرش وهي حمفوظة يف اأرشيف فينا ال<strong>تاريخ</strong>ي وحتتوي على لقب<br />

اخلليفة وتستند اإىل القراآن الكرمي لتربير قيام اخلالفة )15( . لكن ‏سالطني اآل عثمان<br />

مل يهتموا بلقب اخلالفة اهتماماً‏ جدياً‏ اإل بعد اأن اأصاب دولتهم الضعف الواضح<br />

منذ اأوائل القرن الثامن عرش وبخاصة بعد توقيع ‏»معاهدة كوجوك كاينارجا«‏ عام<br />

‎1774‎م التي ‏سمحت فيها روسيا للسلطان الإبقاء على بعض الصالحيات الدينية


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

يف ‏شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس،‏ باعتباره خليفة للمسلمني وهو ادعاء اأقرّه<br />

الروس ومل يقره الفقهاء املسلمون )16( .<br />

ذكرنا قبل قليل اأن السلطان ‏سليم رجع اإىل استنبول،‏ وقد وصلها يف<br />

‎1518/7/25‎م بعد اأن مر على حلب واأقام فيها مدة ‏شهرين.‏ وبعد اإقامته يف<br />

العاصمة <strong>العثمانية</strong> استنبول ‏سافر اإىل اأدرنة مسرتيحاً‏ من عناء السفر واحلروب،‏<br />

والتقى هناك بابنه ‏سليمان الذي كان حاكماً‏ على اأدرنة طوال غياب ‏سليم يف الوطن<br />

العربي.‏ ومن اأدرنة بداأ السلطان ‏سليم يعد العدة لغزو جزيرة رودس لكن املنية عاجلته<br />

فتوفى ب<strong>تاريخ</strong> ‎1520/9/22‎م.‏ ‏سمع الأوروبيون نباأ وفاة السلطان ‏سليم ففرحوا<br />

وكاأن غمامة ‏سوداء انقشعت من اأمام اأعينهم )17( . عاش ‏سليم 54 عاماً،‏ قضى منها<br />

على عرش السلطنة 8 ‏سنوات،‏ وهو اأول ‏سلطان مل يطلق حليته،‏ وكان رجال <strong>الدولة</strong><br />

يعيبونه بذلك )18( . كان ‏شاعراً‏ ونرش ديوانه عام ‎1904‎م باأمر من القيرص الأملاين<br />

ولهلم الثاين،‏ وقدم هذا الديوان هدية للسلطان عبد احلميد الثاين )19( .<br />

السلطان سليمان القانوني:‏<br />

ولد السلطان ‏سليمان القانوين ب<strong>تاريخ</strong> ‎1494/4/27‎م وهو عارش السالطني<br />

العثمانيني،‏ اعتلى عرش السلطنة <strong>العثمانية</strong> بعد وفاة اأبيه السلطان ‏سليم.‏ وقام اجليش<br />

النكشاري يف القسطنطينية بتنصيبه ‏سلطاناً‏ خلفاً‏ لأبيه ب<strong>تاريخ</strong> ‎1520/9/30‎م.‏<br />

كان ‏سليمان يتقبل التعازي بوفاة اأبيه ويلبس اللباس الأسود حداداً‏ عليه،‏ ويف<br />

الوقت نفسه كان يقوم الناس بعد تعزيته بتهنئته بالسلطنة واخلالفة.‏ وكان يقوم<br />

بتقدمي النقود والهدايا على النكشارية كعادة السالطني عندما يصلون اإىل منصب<br />

السلطنة.‏ وقد اأرسل جمموعة رسائل اإىل خمتلف الأمصار يخربهم بوصوله اإىل ‏سدة<br />

احلكم ويقدم لهم النصائح الكثرية يف اإدارة ولياتهم،‏ وكان يكتب لهم الآية الكرمية:‏<br />

‏»اإنه من ‏سليمان واإنه بسم اهلل الرحمن الرحيم«‏ )20( .<br />

احلروب <strong>العثمانية</strong> األوروبية زمن سليمان القانوني:‏<br />

1. فتح بلغراد:‏<br />

كان السلطان ‏سليمان القانوين قد اأرسل وفداً‏ اإىل بالد املجر يطلب من ملكها دفع<br />

اجلزية اأو احلرب،‏ لكن ملك املجر قتل الوفد العثماين لذلك قرر السلطان الزحف لقتاله.‏<br />

117<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

118<br />

‏سار السلطان بنفسه على راأس اجليش العثماين،‏ واأرسل اأحمد باشا بيلربي الروملي<br />

على راأس فرقة عسكرية ثانية ملحارصة مدينة ‏شابتس،‏ ثم تبعه السلطان مصحوباً‏<br />

بالصدر الأعظم بريي باشا ملحارصة بلغراد ‏)وهي مدينة هامة يف بالد املجر(‏ . وقد<br />

بداأت املدافع <strong>العثمانية</strong> دك اأسوار بلغراد من منطقة الدانوب.‏ وقطع العثمانيون املاء<br />

عنها وحارصوها حصاراً‏ ‏شديداً‏ حتى استطاعوا دخول قلعتها،‏ وخضعت اأخرياً‏ بلغراد<br />

بعد معارك حامية مع حاميتها وذلك ب<strong>تاريخ</strong> ‎1521/8/29‎م )21( . وهكذا مت فتح<br />

هذه املدينة املجرية لتصبح تابعة للعثمانيني.‏<br />

2. فتح رودس:‏<br />

بعد انتصار السلطان العثماين على اأعدائه يف املجر،‏ قرر ‏سليمان الزحف اإىل<br />

جزيرة رودس،‏ حيث فرسان القديس يوحنا.‏ واأراد اأن تكون الطريق البحرية ‏سليمة<br />

بني القسطنطينية ومرص،‏ لأن جزيرة رودس تعرتض الطريق البحري اإىل مرص.‏ كان<br />

السلطان ‏سليم قبل وفاته قد جهز حملة كبرية لفتحها ولكن عاجلته املنية قبل القيام<br />

بالفتح،‏ وكان السلطان حممد الفاحت قد قام عام ‎1480‎م بحروب ‏ضد رودس لكن<br />

الفاحت مل يستطع فتحها.‏ ومن املعروف اأن رودس كانت تقوم بعرقلة السفن التجارية<br />

الإسالمية يف ‏رشقي البحر املتوسط وتعرقل ‏سري احلجاج العثمانيني اإىل مكة املكرمة<br />

عرب البحر املتوسط،‏ كل هذه العوامل السابقة ‏شجعت السلطان ‏سليمان على التوجه<br />

نحو رودس لفتحها،‏ فجهز حملة ب<strong>تاريخ</strong> ‎1522/6/26‎م وكان هو على راأسها،‏<br />

وسارت احلملة يف اآسيا الصغرى باجتاه بحر مرمرة،‏ كما اأرسل الأسطول العثماين<br />

ملحارصة اجلزيرة ب<strong>تاريخ</strong> ‎1522/6/24‎م.‏ وقد طلب السلطان من رهبان اجلزيرة<br />

مغادرتها قبل قصفها،‏ واستعد اأن توؤمن السالمة لهم عند مغادرتهم اجلزيرة،‏ ولكنهم<br />

رفضوا طلبه،‏ لذلك بداأ يف دك وقصف اجلزيرة باملدافع <strong>العثمانية</strong> الثقيلة والتي ما<br />

زالت بعض قللها ‏)طلقاتها(‏ يف جزيرة رودس حتى الآن.‏ بعد هذا احلصار والقصف<br />

الشديد اأعلن رئيس الرهبان – فيليب دي ليل اآدم-‏ وجميع الرهبان موافقتهم على<br />

مغادرة اجلزيرة،‏ وقد وافق السلطان ‏سليمان على ذلك،‏ لذا ابتعد الأسطول العثماين<br />

ميالً‏ عن اجلزيرة كي يسمح ملن يريد مغادرة اجلزيرة بحرية.‏ وقد غادر اجلزيرة<br />

كل الرهبان وعائالتهم وبعض الأهايل وذلك ب<strong>تاريخ</strong> ‎1522/12/21‎م.‏ ومنذ ذاك<br />

ال<strong>تاريخ</strong> ‏سطعت ‏شمس <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على جزيرة رودس.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

بعد هذا النتصار يف رودس اأخذ السلطان يتدخل يف حكم املناطق التابعة لغري<br />

املسلمني،‏ فمثالً‏ اأرسل بعض اجليوش <strong>العثمانية</strong> اإىل بالد القرم وذلك ملساعدة حاكم<br />

مسيحي على حاكم مسيحي اآخر لعتالء العرش يف بالد القرم عام ‎1522‎م.‏ ويف عام<br />

‎1524‎م ‏صمم السلطان ‏سليمان اأن تصبح بالد الأفالق تابعة فعلياً‏ للدولة <strong>العثمانية</strong><br />

بدلً‏ من اأن تكون تابعة اسمياً‏ وتدفع اجلزية فقط.‏ لذلك اأرسل جيشاً‏ عثمانياً‏ استطاع<br />

اأن يدخل عاصمتها وبذلك اأصبحت بالد الأفالق تخضع للشمس <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

3. فتح عاصمة اجملر:‏<br />

اأرسل امللك الفرنسي فرنسيس الأول عام ‎1525‎م رسالة اإىل السلطان العثماين<br />

طلب فيها املساعدة لقتال ‏شارملان ملك بالد ‏)النمسا وهولندا واإسبانيا والبالد<br />

املنخفضة(‏ . وكانت هذه البالد كلها تابعة لشارملان الذي هو اأحد اأفراد ‏ساللة<br />

فريدناند واإيزبيال اللذان طردا املسلمني من الأندلس.‏ وقد كان هناك عداء واضح بني<br />

ملك فرنسا وشارملان.‏ وصل الوفد الفرنسي اإىل القسطنطينية وطلب املساعدة الفعلية<br />

من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لفرنسا.‏ وافق السلطان العثماين على ذلك واأرسل رسالة اإىل ملك<br />

فرنسا يخربه باملوافقة ملساعدته )22( . كما وافق السلطان على مهاجمة ملك املجر،‏<br />

اأحد حلفاء ‏شارملان،‏ كي ل يقوم بتقدمي املساعدة لشارملان.‏ ويف ‎1526/4/25‎م<br />

‏سافر السلطان العثماين على راأس جيش كبري قدر عدده ب 100,000 جندي من<br />

القسطنطينية اإىل بالد املجر،‏ ووصل السلطان يف زحفه اإىل مدينة موهاكس،‏ ودارت<br />

على اأرضها معركة حامية الوطيس ب<strong>تاريخ</strong> ‎1526/8/28‎م،‏ بني السلطان العثماين<br />

وبني لويس ملك املجر.‏ وقد انترص السلطان ‏سليمان بسبب كرثة املدافع التي كانت<br />

ترمي الفرسان املجرية بقذائفها،‏ وقد قتل قائد املجر لويس ومل يعرث على جثته،‏ عندئذ<br />

قام اأهايل عاصمة املجر ‏)بودا(‏ وسلموا مفاتيح العاصمة للسلطان ‏سليمان كي يدخلها<br />

دون حرب.‏ ودخلها بالفعل يف ‎1526/9/10‎م بعد اأن طلب من اجليش النكشاري<br />

عدم التعرض لأهاليها.‏ وقد عني السلطان ‏سليمان القانوين على بودا عاصمة املجر<br />

ملكاً‏ هو ‏)جون زابويل(‏ اأمري ترانسلفانيا،‏ ورجع السلطان اإىل القسطنطينية بعد اأن<br />

حمل معه كثرياً‏ من الكتب العلمية النادرة املوجودة يف خزائن مدن املجر.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

119


120<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

وصل السلطان عاصمته يف ‎1526/11/23‎م،‏ وبعد ‏سنة واحدة جاءه وفد اأرسله<br />

زابويل يطلب النجدة لأن ملك النمسا فرديناند ‏)اأخ لشارملان(‏ ادعى اأنه اأحق بامللك<br />

من زابويل بسبب قرابته مع ملكها املقتول لويس يف معركة موهاكس.‏ غضب ‏سليمان<br />

القانوين من ملك النمسا لأنه خلع زابويل الذي كان قد عينه ‏سليمان حاكماً‏ على<br />

املجر،‏ وقد استعد ‏سليمان لإرسال جيش ملساعدة زابويل واإعادته اإىل عرش امللك.‏<br />

ويف عام ‎1529‎م ‏سار السلطان ‏سليمان وبصحبته ثالثة وزراء هم:‏ اإبراهيم<br />

باشا واإياس باشا وقاسم باشا،‏ وساروا على راأس جيش قدر عدده ب 25,000 جندياً‏<br />

وثالثمائة مدفع.‏ وصل السلطان موهاكس التي كان قد هزم فيها لويس.‏ والتقى هناك<br />

بامللك املخلوع زابويل.‏ وساروا جميعاً‏ اإىل بودا عاصمة املجر،‏ ووصلوها ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1529/9/3‎م وقد هرب منها فرديناند ملك النمسا الذي خلع زابويل اإىل مدينة فينا<br />

عاصمة النمسا لكن السلطان ‏سليمان مل يكتف بهذا النرص بل ‏صمم على مالحقته<br />

وذلك بعد اأن عني على بودا عاصمة املجر اأحد ‏ضباط النكشارية حلفظ الأمن.‏<br />

4. احلرب مع النمسا:‏<br />

قرر السلطان ‏سليمان القانوين مالحقة فرديناند اإىل فينا عاصمة النمسا،‏ لذا<br />

حتركت اجليوش <strong>العثمانية</strong> ب<strong>تاريخ</strong> ‎1529/5/10‎م ومر السلطان يف زحفه وطريقه<br />

على عاصمة املجر بودا،‏ وبعد اسرتاحة قليلة فيها ‏سار اإىل فينا التي وصل اإىل اأسوراها<br />

ب<strong>تاريخ</strong> ‎1529/9/27‎م.‏ بقي السلطان ‏سليمان حمارصاً‏ فينا حتى ‎1529/10/14‎م.‏<br />

واأطلق مدافعه عليها طيلة فرتة احلصار،‏ لكن فرديناند دافع عن املدينة ومل يستطع<br />

السلطان دخولها،‏ وقرر السلطان الرجوع عن اأسوار فينا لأسباب منها:‏ نفاد الذخرية<br />

للمدافع اأولً،‏ وبسبب قرب حلول موعد ‏سقوط الثلج،‏ لأن اجلو اأصبح ‏شديد الربودة<br />

وبسبب الأمطار الغزيرة التي عطلت اجلنود النكشارية من التقدم ثانياً.‏ وقد ترك<br />

السلطان فينا موؤقتاً‏ مصمماً‏ على الرجوع يف الوقت املناسب.‏<br />

كانت هذه هي اأول مرة مل يحقق السلطان ‏سليمان فيها نرصاً‏ على اأعدائه،‏ لكن<br />

رغم فشله يف فتح مدينة فينا،‏ اإل اأنه استطاع اأن يعيد ‏)زابويل(‏ اإىل حكم عاصمة املجر<br />

بودا،‏ ويف عام ‎1531‎م اعتدى ملك النمسا فرديناند على زابويل لطرده عن حكم بالد<br />

املجر للمرة الثانية،‏ لكن احلامية الإسالمية واملجرية ردت فرديناند على اأعقابه،‏ وقد


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وصل اخلرب اإىل السلطان ‏سليمان القانوين عن هذا العتداء الغادر،‏ فقرر ‏سليمان اأن<br />

يعيد الكرة والهجوم على ملك النمسا وعاصمته فينا،‏ فسار ب<strong>تاريخ</strong> ‎1532/4/25‎م<br />

قاصداً‏ فينا وذلك حلصارها مرة ثانية.‏ وفتح ‏سليمان يف طريقه عدة حصون توؤدي<br />

اإىل العاصمة النمساوية فينا،‏ ففتح حصون حول اسرتيا وبلغراد،‏ وعلم ‏سليمان اأن<br />

الإسبان والأملان والنمساويني جاءوا ملساعدة ملك النمسا ومعهم املدافع الكثرية<br />

لالستعداد للمعركة،‏ وانتظر ‏سليمان بعض الوقت لدراسة املوقف وقرر اأخرياً‏ الرجوع<br />

وتاأجيل الهجوم خاصة بسبب حلول فصل الشتاء القارص،‏ وبذلك مل تدخل فينا حتت<br />

الراية <strong>العثمانية</strong>.‏ رجع ‏سليمان اإىل القسطنطينية ب<strong>تاريخ</strong> ‎1532/11/18‎م.‏ ويف اأوائل<br />

عام ‎1533‎م قرر فرديناند عقد الصلح مع السلطان ‏سليمان خوفاً‏ من هجوم اآخر<br />

متوقع من قبل ‏سليمان،‏ ووقعت املعاهدة بينهما يف ‎1533/6/22‎م،‏ وهذه هي اأول<br />

معاهدة بني النمسا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وفيها اعرتف ملك النمسا بامللك زابويل ملكاً‏<br />

على بودا.‏<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على العراق:‏<br />

بعد اأن انترص السلطان ‏سليم الأول على الصفويني يف معركة ‏شالديران عام<br />

‎1514‎م اأصبحت حتت ‏سلطته املوصل وديار بكر وماردين ومناطق اأخرى يف ‏شمايل<br />

العراق.‏ وعني على هذه املناطق حكاماً‏ عثمانيني.‏ ويسكن هذه املناطق الأكراد.‏<br />

وكانت عالقتهم حسنة مع العثمانيني وقدموا ولءهم للسلطان العثماين عام ‎1514‎م.‏<br />

كانت بغداد والبرصة يف ذاك الوقت حتت حكم الشاه الصفوي،‏ لكن الزعيم<br />

الكردي ذو الفقار خان استطاع اأن ينتزع بغداد من الصفويني الإيرانيني وحكمها<br />

باسم السلطان العثماين من عام 1524 حتى ‎1530‎م وذكر اسم السلطان العثماين يف<br />

خطبة اجلمعة وحكمها ‏ست ‏سنوات قبل اأن يستعيدها الإيرانيون.‏<br />

واستطاع الشاه طهما ‏سب اأن يدعم اأشقاء ‏»ذو الفقار«‏ الكردي بالسالح وطلب<br />

منهم اأن يقتلوا اأخاهم حاكم بغداد املوايل للعثمانيني فقتلوه عام ‎1530‎م،‏ وانتهت<br />

بذلك وصاية استنبول على حاكم بغداد،‏ واأخذ النفوذ الصفوي يزداد فيها )24( . كما<br />

قام الشاه طهما ‏سب اإثارة القزلباش يف الأناضول ‏ضد العثمانيني فقامت ثورة فيها<br />

بقيادة قلندر حلبي عام ‎1527‎م،‏ كما كسب الشاه طهما ‏سب مناطق اأخرى كانت حتت<br />

السيادة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

121<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

122<br />

اإن التعديات الصفوية بالإضافة اإىل استنجاد السنة يف بغداد بالسلطان<br />

العثماين،‏ ‏شجعت السلطان ‏سليمان القانوين على اإرسال حملة قوية بقيادة الصدر<br />

الأعظم اإبراهيم باشا لحتالل العراق.‏ ‏سار الصدر الأعظم بقيادة اجليش العثماين<br />

عام ‎1533‎م من استنبول اإىل حلب ثم ديار بكر ثم تربيز وانضم له الأمراء املحليون<br />

فازداد عدد اجليش العثماين،‏ فدخل تربيز يف 1534/7/13.<br />

وسار السلطان ‏سليمان القانوين على راأس جيش اآخر متجهاً‏ اإىل تربيز لدعم<br />

الصدر الأعظم،‏ وكان قد اأصدر الصدر الأعظم اأوامر مشددة للجيش بعدم التعرض<br />

لالأهايل يف بغداد،‏ فحاز على رضاهم عندما زار الأماكن املقدسة السنية والشيعية<br />

خاصة.‏<br />

ثم تقدم اإىل بغداد الأعيان وحكام املناطق القريبة من بغداد واأعلنوا ولءهم<br />

للسلطان العثماين،‏ وكان من بينهم اأمري البرصة البدوي راشد بن مغامس )25( . واأعلن<br />

اسم السلطان العثماين يف خطبة اجلمعة يف البرصة واملناطق املحيطة بها.‏ وهكذا<br />

اأصبحت الراية <strong>العثمانية</strong> تهدد الربتغاليني يف منطقة اخلليج القريبة من البرصة.‏<br />

ونتيجة اصطدام الربتغاليني بالعثمانيني يف السنوات التي تلت ذلك،‏ قرر العثمانيون<br />

اإيجاد قاعدة بحرية لهم يف البرصة عام ‎1546‎م،‏ تكون مشوؤولة عن منطقة اخلليج.‏<br />

واحلقيقة اأن وصول الربتغاليني للخليج العربي والهند كان كارثة على التجارة<br />

العربية حيث منعوا جتارة الرشق الأقصى من الوصول اإىل مرص والشام.‏ كما اأنهم<br />

اأحرقوا السفن العربية يف السواحل الأفريقية والآسيوية.‏<br />

وقبل مغادرة السلطان ‏سليمان القانوين بغداد عني عليها والياً‏ هو ‏سليمان باشا<br />

واأبقى فيها حامية عثمانية من 2000 جندي،‏ ثم غادرها السلطان اإىل اأذربيجان ماراً‏<br />

بكركوك وتربيز حيث اأعلن الشاه الصفوي تقدمي ولء الطاعة للسلطان العثماين مقابل<br />

اإبقاء تبزيز حتت اإدارة الشاه.‏<br />

وصل السلطان اإىل عاصمته استنبول ‏سنة ‎1535‎م،‏ ومن املعروف اأن الشاه<br />

استعمل يف احلرب مع العثمانيني ‏سياسة الأرض املحروقة مما منع ‏سليمان من<br />

التوغل يف اإيران وقد اتبع هذه الطريقة احلكام الصفويون السابقون.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وقد قسمت العراق اإىل اأربع وليات هي بغداد ويتبعها 18 ‏صنجقاً،‏ واملوصل<br />

ويتبعها 6 ‏صناجق،‏ والبرصة بال ‏صناجق،‏ وولية ‏شهر زور ويتبعها عرشون ‏صنجقاً.‏<br />

وتقع هذه الولية يف مناطق جبال كردستان على احلدود مع الصفويني.‏ وكان الشاه<br />

طهماسب قد اتفق مع السلطان العثماين يف معاهدة اأماسيا يف ‎1555/5/29‎م على<br />

تخطيط احلدود بني الدولتني خصوصاً‏ يف مناطق جورجيا واأرمينيا وجبال زاغروس.‏<br />

وسمح ‏سليمان للشيعة بزيارة مكة واملدينة بحرية تامة.‏<br />

ودخل العثمانيون بجيشهم منطقة القطيف عام ‎1550‎م يف منطقة اخلليج ثم<br />

مدوا نفوذهم اإىل الأحساء يف املنطقة الرشقية من ‏شبه اجلزيرة العربية عام ‎1552‎م.‏<br />

واتخذ العثمانيون الأحساء قاعدة اأمامية للدفاع عن اخلليج ‏ضد الربتغاليني<br />

املتمركزين يف مضيق هرمز،‏ وكذلك قاعدة اأمامية ‏ضد الصفويني.‏ واشرتك وايل<br />

البرصة ووايل الأحساء يف ‏صد غزوات البدو يف مناطق احلدود مع اجلزيرة العربية.‏<br />

كما قامت حروب بني وايل الأحساء العثماين وحاكم البحرين فطلب الأخري املساعدة<br />

من الربتغاليني يف هرمز )26( .<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على اليمن:‏<br />

هناك اأسباب ‏شجعت العثمانيني على مد برصهم اإىل اليمن،‏ فبعد اأن استوىل<br />

السلطان ‏سليم الأول على مرص عام ‎1517‎م وجد اأن العثمانيني مضطرون للدفاع<br />

عن البحر الأحمر وسواحله من الهجمات الربتغالية املتكررة على احلدود اجلنوبية<br />

من ‏شبه اجلزيرة العربية،‏ كما اأن ‏ضعف املماليك يف اليمن ملواجهة الربتغاليني<br />

‏شجعت العثمانيني للدفاع عنها،‏ وكذلك ‏ضعف القوة اململوكية يف اليمن زادت من<br />

رغبة العثمانيني مد نفوذهم الفعلي املبارش لليمن.‏ ورغم كل هذه املشجعات اإل اأن<br />

العثمانيني مل يصلوا اليمن اإل يف عام ‎1538‎م اأي بعد 21 عاماً‏ من دخولهم مرص.‏<br />

ويرجع تاأخر وصول العثمانيني لليمن حتى عام ‎1538‎م لأسباب منها اأن<br />

السلطان ‏سليمان عند اعتالئه العرش وجه كل اهتمامه للحروب يف اأوروبا ‏ضد<br />

الصليبيني.‏ كما اأن حاكم اليمن اأعلن خضوعه للدولة <strong>العثمانية</strong> زمن السلطان ‏سليم<br />

لذا ل داعٍ‏ ملحاربته.‏ ورغم ذلك بقي نفوذ العثمانيني يف اليمن اسمياً‏ وضعيفاً،‏ وظلت<br />

خطواتهم لتدعيم نفوذهم هناك تتسم بالضعف حتى ‏سنة ‎1538‎م.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

123


124<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ويف هذه الفرتة الزمنية من – 1517 ‎1538‎م طراأت حوادث كثرية على اليمن<br />

والبحر الأحمر،‏ نذكر منها اأن الربتغاليني اأرسلوا حملة قوية بقيادة لوبوسوريز عام<br />

‎1517‎م اإىل البحر الأحمر بقصد حتطيم قوة املماليك هناك والعمل على تدمري جدة<br />

واإقامة اتصال مبارش مع احلبشة.‏ وعندما وصل قائد احلملة الربتغايل اإىل عدن قادماً‏<br />

من جنوب اأفريقيا مل يهاجم عدن بل تقدم اإليها بسالم وطلب من واليها الطاهري<br />

الأمري مرجان اأن ميده باملوؤن الالزمة وبعض املرشدين البحريني لتوصيل احلملة<br />

اإىل جدة،‏ فاأطاعهم الأمري مرجان خوفاً‏ من بطشهم.‏ ولكن احلملة الربتغالية فشلت<br />

يف احتالل جدة بسبب التحصينات حول جدة اأولً‏ ومطاردة ‏سلمان الرومي للحملة<br />

الربتغالية ثانياً‏ فرتاجعوا اإىل جزيرة قمران.‏ وتبعهم ‏سلمان الرومي واأرس بعض<br />

السفن الربتغالية املعتدية وبعض بحارتها واأرسل الأرسى اإىل استنبول.‏ وهكذا وىل<br />

هارباً‏ من ‏سلم يف املعركة من الربتغاليني اإىل عدن ثم هرمز )27( .<br />

لقد كانت عدن حمطة اسرتاحة للربتغاليني رغم اأنهم مل يسيطروا عليها فعلياً.‏<br />

وقد لم الكتاب الغربيون احلملة الربتغالية لعدم ‏ضم اليمن للربتغاليني خاصة<br />

بعد اأن اكتشفت احلملة الربتغالية ‏ضعف اليمن وعدن اأمام الربتغاليني واأنهم كانوا<br />

يستطيعون ‏ضمها،‏ وبسبب ‏ضعف املماليك هذا يف ‏سواحل البحر الأحمر وخاصة<br />

يف اليمن زاد الطمع الأوروبي يف اإرسال حمالت للسيطرة على السواحل العربية<br />

واملقدسات يف فلسطني،‏ هذا بالإضافة اإىل اأن اأحد الكتبة املوظفني عند قانصوه<br />

الغوري راسل الأوروبيني واأخربهم عن ‏ضعف قوة املماليك يف السواحل العربية )28( .<br />

ذكر بعض املوؤرخني الربتغاليني اأن الأمري مرجان اأمري عدن قدم مفاتيح<br />

عدن اإىل قائد احلملة الربتغالية لوبو ‏سوريز للتعبري عن خضوعه للربتغاليني،‏<br />

ولكن يف احلقيقة اأنه مل يسلم مفاتيح عدن واإمنا حسب قول املوؤرخني العرب<br />

‏)ومنهم بو حمزمة(‏ ، اأن الأمري مرجان ‏»قدم لهم الضيافة العظيمة«‏ )29( . ونستدل<br />

اأيضاً‏ على اأن مرجان مل يقدم لهم مفاتيح املدينة بدليل استعداداته بتحصني<br />

عدن بعد ذلك خوفاً‏ من رجوع الربتغاليني اإليها بعد خروجهم منها للرشق،‏<br />

والتحصني اأيضاً‏ كان خوفاً‏ من مفاجاأة الربتغاليني لعدن مرة ثانية )30( . كما<br />

اأن الأمري مرجان استعد للدفاع عن عدن ‏سنة ‎1520‎م عندما علم بوجود حملة<br />

برتغالية كبرية بالقرب من عدن )31( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وقد اأرسل الأمري مرجان رسائل للسلطان ‏سليم العثماين ‏شكا فيها اأعمال حسني<br />

الكردي وسلمان الرومي اإمام عدن،‏ ويف الوقت نفسه اعتذر يف رسالته عن موقفه<br />

املسامل من الربتغاليني،‏ واأرسل خطاباً‏ اآخر اإىل ‏رشيف مكة ‏رشح فيه اأحداث عدن<br />

وطلب منه ‏»مساعدة رسوليه يف الوصول اإىل استنبول وقد اأحسن السلطان العثماين<br />

وفادة هذين الرسولني«‏ )32( .<br />

ول ننسى اأن الربتغاليني كانوا يرسلون حمالتهم البحرية اإىل البحر الأحمر<br />

وسواحل اأفريقيا ويالقوا الرتحيب الكامل من النجاشي ملك احلبشة،‏ حتى اأنه طلب<br />

منهم مساعدته للوقوف اأمام القوى الإسالمية؛ لأنه حماط بها من جميع الأطراف،‏<br />

وكانت املراسالت قد جرت بني النجاشي وامللك الربتغايل حول كيفية تطويق السواحل<br />

الإسالمية،‏ وكتب يف رسائله اأقذع النعوت والعبارات السيئة ‏ضد قادة املسلمني<br />

واملقدسات الإسالمية والشتائم للمسلمني وملوكهم )33( . وطلب يف رسائله من ملك<br />

الربتغال اأن يقوم مع الربتغاليني والإسبان والقوى الأوروبية الأخرى باحتالل جدة<br />

ومكة واملدينة والقاهرة والقدس.‏<br />

ويف عام ‎1530‎م قامت حملة برتغالية بقيادة ‏»دي ‏سلفريا«‏ باحتالل عدن<br />

وفرض قائد احلملة على حاكم عدن توقيع معاهدة اعرتف حاكمها مبوجب هذه<br />

املعاهدة بسيادة الربتغاليني عليها وبدفع اجلزية السنوية للربتغال،‏ واشرتط قائد<br />

احلملة على حاكم عدن عدم توجه السفن العدنية جلدة ‏شمالً.‏ وترك الربتغاليون<br />

حامية برتغالية يف عدن لتطبيق املعاهدة.‏ وما اأن عاد قائد احلملة الربتغالية لبالده<br />

حتى نقض اأمري عدن املعاهدة وقتل الربتغاليني،‏ واأرسل حاكم عدن رسالة يطلب من<br />

السلطان ‏سليمان القانوين حمايته من الربتغاليني،‏ واأخربه فيها بالدخول يف طاعة<br />

العثمانيني )34( .<br />

وقد متيزت الفرتة بني – 1518 ‎1538‎م )924 – ‎944‎ه(‏ باضطرابات كثرية<br />

يف اليمن وذلك نظراً‏ لوجود قوى خمتلفة تتصارع على النفوذ فيها،‏ فهناك القوة<br />

اململوكية التي اعرتفت بالسيادة <strong>العثمانية</strong> عند دخول العثمانيني مرص ‏سنة ‎1517‎م،‏<br />

وهناك القوة الثانية وهم الطاهريون اأفراد اأرسة السلطان عامر بن عبد الوهاب،‏<br />

والقوة الثالثة وهم الزيديون وهي القوة الرئيسة التي واجهت العثمانيني يف اليمن<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

125


126<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‏سنة ‎1538‎م،‏ والقوة الرابعة وهم العربان املحليون،‏ والقوة اخلامسة وهم ولة جدة<br />

الذين يطمعون بالوصول اإىل حكم اليمن.‏<br />

اإزاء هذا الوضع التنافسي يف اليمن كان الربتغاليون قد ‏شددوا قبضتهم على<br />

‏سواحل البحر الأحمر واخلليج العربي.‏ لذا فكر العثمانيون باأن تكون ‏سيطرتهم فعليه<br />

على اليمن والسواحل القريبة واملوؤدية اإليها،‏ ول ننسى مركز جدة والقاهرة كمحطات<br />

انطالق عثمانية نحو اليمن.‏<br />

وقد اأرسل العثمانيون اأول حملة بحرية اإىل اليمن عام ‎1526‎م ‏سارت من مرص<br />

برئاسة اإبراهيم باشا ‏)الصدر الأعظم(‏ مبرص وكانت احلملة مكونة من عرشين ‏سفينة.‏<br />

وصلت احلملة جدة عام ‎1526‎م ثم ‏سارت لليمن وسار قسم منها للهند ملالحقة<br />

الربتغاليني.‏ لكن هذه احلملة مل حتقق املطلوب للحكم العثماين بسبب رجوع احلملة<br />

اإىل استنبول.‏<br />

وبداأ السلطان ‏سليمان القانوين يستعد لإرسال حملة ثانية منذ ‏سنة ‎1531‎م<br />

بقيادة ‏سليمان باشا اخلادم وايل مرص،‏ لذا قام الوايل ببناء 80 ‏سفينة يف مرص<br />

لتجهيزها للسفر قريباً‏ لليمن حتى اأن خشب هذه السفن كان قد بعثها السلطان القانوين<br />

من تركيا.‏ ومما ‏شجع السلطان ‏سليمان القانوين على اإرسال هذه احلملة وصول رسول<br />

بهادور ‏شاه ‏)حاكم منطقة غربي الهند(‏ حيث طلب هذا الرسول املساعدة <strong>العثمانية</strong><br />

لنرصة احلاكم بهادور املسلم ‏ضد العتداءات الربتغالية،‏ وبعد قليل علم السلطان<br />

‏سليمان اأن الربتغاليني قتلوا السلطان بهادور.‏ وقد اأثار مقتله حماسة السلطان<br />

‏سليمان الدينية وجعله يصمم على نرصة الإسالم واملسلمني يف الهند )35( . لذا اأمر<br />

‏سليمان القانوين وايل مرص ‏سليمان باشا )36( اخلادم بالذهاب على راأس احلملة<br />

<strong>العثمانية</strong> لليمن ب<strong>تاريخ</strong> 15 حمرم ‏سنة ‎945‎ه املوافق 1538/6/13.<br />

غادرت احلملة ميناء السويس متجهة يف طريقها نحو جدة ثم جزيرة قمران حتى<br />

وصلت عدن يف ‎1538/8/3‎م.‏ وقد استقبلها ‏سلطان عدن عامر بن داود الطاهري<br />

وفتح لها باب املدينة،‏ لكن بعد خمسة اأيام قام ‏سليمان باشا اخلادم قائد احلملة<br />

باإعدام عامر بن داود ‏سلطان عدن وذلك بحجة اأنه مل يرد ‏سابقاً‏ على رسائله التي كان<br />

قد بعثها قائد احلملة ‏سليمان طالباً‏ فيها اخلضوع للعثمانيني بال حرب.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اأرسل ‏سليمان باشا اخلادم رسالة للسلطان العثماين ‏سليمان القانوين قال فيها<br />

اإنه فتح اليمن بعد حرب طاحنة،‏ علماً‏ باأنه استوىل عليها بدون حرب )37( .<br />

ثم اجتهت احلملة <strong>العثمانية</strong> من عدن اإىل الهند ‏)ميناء ديو(‏ وقد حارص امليناء<br />

قائد احلملة وكان النرص له ولكنه انسحب فجاأة قبل وصول جندات برتغالية لفك<br />

احلصار العثماين عن ديو،‏ وهكذا رجعت احلملة <strong>العثمانية</strong> اإىل السواحل العربية.‏ وكانت<br />

حجة ‏سليمان باشا اخلادم بالنسحاب املفاجئ اأنه مل يلق اأي مساعدة من املسلمني<br />

الهنود من ‏)سلطان كجرات(‏ لكن احلقيقة اأنه انسحب لأنه عرث على وثيقة تفيد بوصول<br />

جندات برتغالية لفك احلصار العثماين عن ميناء ديو.‏<br />

وعند عودة ‏سليمان باشا اخلادم قائد احلملة من الهند اإىل اليمن،‏ قرر اإكمال<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على املدن اليمنية،‏ فوصل ميناء الشحر اأول املوانئ العربية،‏<br />

واأصدر اأمره بتعيني بدر الطويرق حاكماً‏ على حرضموت،‏ ثم تابع ‏سريه فوصل عدن<br />

ومنها اإىل خما واأنزل جنوده هناك استعداداً‏ لإخضاع املماليك يف زبيد للسيطرة<br />

<strong>العثمانية</strong>.‏ وكعادته دعا قائد احلملة <strong>العثمانية</strong> ‏سليمان اخلادم اإىل خيمته وايل زبيد<br />

اململوكي الناخودة اأحمد كي يعلن ولء الطاعة،‏ وتردد وايل زبيد يف البداية لأنه كان<br />

يعلم غدر القائد العثماين،‏ واأخرياً‏ قرر وايل زبيد الذهاب ملقابلة قائد احلملة،‏ وبعد<br />

التسليم عليه غدر به وقتله.‏ ثم قام ‏سليمان باشا عندئذ بتعيني اأحد اأمراء احلملة وهو<br />

مصطفى بك ‏)نائب غزة السابق(‏ حاكماً‏ لزبيد واملناطق التهامية،‏ وهكذا فقد كان<br />

القضاء على الطاهريني يف عدن وعلى املماليك يف زبيد بداية املواجهة املبارشة<br />

بني العثمانيني والقوة الثالثة يف اليمن وهي قوة الإمامة الزيدية.‏ لكن ‏سليمان باشا<br />

اخلادم مل يستطع السيطرة على الإمام ‏رشف الدين زعيم الزيديني،‏ وقد حاول القائد<br />

العثماين دخول تعز التي كانت حينئذ حتت حكم الإمام ‏رشف الدين الزيدي لكنه فشل.‏<br />

وعلى كل حال استطاع القائد العثماين السيطرة على مدخل البحر الأحمر حيث وضع<br />

حامية عثمانية يف جزيرة قمران وقام بتحصينها.‏ ثم قفل راجعاً‏ اإىل جيزان ثم جدة<br />

التي وصلها يف ‎1539/3/13‎م.‏ ثم رجع اإىل مرص ثم اإىل العاصمة استنبول حيث<br />

اأغدق عليه السلطان ‏سليمان القانوين الهدايا وعينه وزيراً‏ يف الديوان مكافاأة له.‏ ويف<br />

العاصمة <strong>العثمانية</strong> انسحب من احلياة السياسية اإىل اإقطاعه اخلاص حيث بقي فيه<br />

حتى وفاته ‎1552‎م/‏‎960‎ه.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

127


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

128<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على املغرب العربي:‏<br />

كان ‏سقوط غرناطة ‏)يف الأندلس(‏ بيد املسيحيني الإسبان عام ‎1492‎م نقطة<br />

حتول خطرية يف <strong>تاريخ</strong> الأندلس و<strong>تاريخ</strong> ‏شمايل اأفريقيا.‏ حيث هاجر عدد كبري من<br />

العرب الأندلسيني من الأندلس والتجاأوا اإىل املوانئ العربية ‏شمايل اأفريقيا ومنهم<br />

من كان يحمل معه مفتاح بيته يف الأندلس ظاناً‏ اأنه ‏سيعود اإليها بعد فرتة قصرية.‏<br />

وقد قامت السفن العربية يف ‏شمايل اأفريقيا بحماية الالجئني الأندلسيني من<br />

تعديات الإسبان عليهم،‏ ومن املعروف اأن هذه احلروب كانت حروباً‏ دينية اأكرث منها<br />

عرقية.‏ وللدللة على ذلك ما نعلمه من وصية امللكة اإيزابيال التي اأوصت بعد طرد<br />

العرب من الأندلس بالزحف اإىل ‏شمايل اأفريقيا وحتويل اأهلها اإىل املسيحية.‏ ومما<br />

جاء يف وصيتها اإىل ابنتها ما يلي:‏ ‏»اإنني اأرجو من الأمرية ابنتي والأمري زوجها<br />

واآمرهما باإطاعة وصايا الكنيسة املقدسة.‏ فعليهما اأن يقوما بحمايتها واأل يكفا عن<br />

متابعة فتح اأفريقيا وحماربة الكفار«‏ اأي املسلمني.‏ لذا احتلوا املرسى الكبري ‏سنة<br />

‎1505‎م ثم هجموا على وهران يف اجلزائر وقتلوا 4 اآلف مسلم واأرسوا 8 اآلف )38( .<br />

واحلقيقة اأن الإسبان واجهوا ‏صعوبات جمة يف استيالئهم على املوانئ العربية<br />

يف ‏شمايل اأفريقيا.‏ والسبب يف ذلك اأن وجودهم يف املدن الساحلية كان يف مواجهة<br />

‏شعب اإسالمي معادٍ‏ لالإسبان وكذلك لأن الإسبان طردوهم من الأندلس،‏ هذا بالإضافة<br />

اإىل اأن البحرية الإسالمية بداأت يف النمو التدريجي وبداأت يف الهجوم على املوانئ<br />

الأندلسية لطرد املحتل الكاثوليكي،‏ اأضف اإىل ذلك اأن العمليات اجلهادية الربية<br />

ازدادت على املوانئ املحتلة و رغم ذلك كان الإسبان والربتغاليون اأقوى من الدول<br />

الإسالمية املوجودة يف ‏شمايل اأفريقيا.‏<br />

كان جميء العثمانيني اإىل ‏شمايل اأفريقيا مبثابة جندة اأنقذت ‏شمايل اأفريقيا من<br />

الغزو الأوروبي وعملت على توحيد البالد ‏سياسياً.‏ وقد رحبت معظم طبقات السكان<br />

مبجيء العثمانيني،‏ فلم يعتربوا دخول ‏شمال اأفريقيا يف حظرية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

احتاللً‏ اأجنبياً‏ )39( .<br />

مل متد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> نفوذها اإىل تونس واجلزائر بواسطة غزو عسكري اأو تدخل<br />

مبارش من حكومة الأستانة ‏)استنبول(‏ كما حدث يف مرص،‏ بل جاء تدخل <strong>الدولة</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

نتيجة لشتداد الرصاع بني الإسالم واملسيحية يف احلوض الغربي للبحر الأبيض<br />

املتوسط يف اأوائل القرن السادس عرش،‏ وقد اجتذب هذا الرصاع عدداً‏ من البحارة<br />

املغامرين الذين نشاأوا يف خدمة اأسطول <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ثم كونوا اأساطيل ‏صغرية<br />

وعملوا حلسابهم اخلاص وجاهدوا ‏ضد اأعداء الدين،‏ واعتربهم املسلمون اأبطالً‏ بينما<br />

اأطلق عليهم خصومهم القراصنة،‏ ومن هوؤلء الذين ‏شهد لهم ال<strong>تاريخ</strong> بالبطولت عروج<br />

واأخوه خري الدين بربروسا.‏<br />

عروج باشا:‏<br />

بداأ عروج باشا نشاطه يف غرب البحر الأبيض املتوسط عام ‎1510‎م،‏ وقد فتح<br />

له الأمري احلفصي موانئ تونس،‏ واستطاع بغاراته الناجحة اأن يسرتد ميناء بجاية<br />

من الإسبان وهو اأول ميناء اسرتده املسلمون.‏ لذا ذاع ‏صيت عروج باشا فدخل حتت<br />

قيادته عدد كبري من املتطوعني اجلزائريني،‏ ومل يقترص جيشه على العنرص الرتكي<br />

بل ‏ضم اإليه عدداً‏ من القبائل يف اجلزائر واملغرب.‏<br />

وتنقل عروج من نرص اإىل نرص ومن مدينة اإىل اأخرى حتى وصل تلمسان غربي<br />

اجلزائر،‏ فاأقام يف املدن الساحلية والداخلية اجلزائرية حاميات وقالعاً‏ عثمانية،‏<br />

لكنه اصطدم يف تلمسان مع الإسبان الذين حارصوه،‏ واستطاع اأن يفلت من احلصار<br />

اإل اأن القوات الإسبانية تبعته،‏ واستطاعت قتله وهو يف طريقه اإىل مدينة اجلزائر )40( .<br />

خري الدين بربروسا:‏<br />

حترج مركزه بعد مقتل اأخيه عروج،‏ لذا اضطر اإىل طلب املعونة من السلطان<br />

العثماين،‏ فاأرسل له السلطان ‏سليم الأول ‏سنة ‎1518‎م األفني من الإنكشاريني،‏ ودخلت<br />

اجلزائر منذ ذاك الوقت ‏ضمن الوليات <strong>العثمانية</strong>،‏ واستطاع خري الدين يف الفرتة ما<br />

بني – 1520 ‎1525‎م،‏ اإخضاع املالحة البحرية يف البحر املتوسط لسيطرة الأساطيل<br />

الإسالمية،‏ كما خافت منه دول اأوروبا واأطلقوا عليه ‏»بربروس«‏ اأي الرجل ذي اللحية<br />

احلمراء )41( .<br />

استطاع خري الدين توسيع دائرة نفوذه باسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ‏سواء باإلزام<br />

احلفصيني وبني زيان اإعالن تبعيتهم للعثمانيني اأو احتالل قسنطينة عام ‎1527‎م<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

129


130<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ورفع عليها العلم العثماين،‏ واستطاع اأيضاً‏ احتالل معظم موانئ اجلزائر من اأيدي<br />

الإسبان وضم له موانئ عنابة وبجاية وقالة وغريها.‏ واأعظم نرص له كان احتالله<br />

حصن البينون ‏سنة ‎1529‎م الذي اأقامه الإسبان يف مواجهة ميناء اجلزائر.‏ واإذا كان<br />

عام ‎1518‎م هو بداية وصول السلطة <strong>العثمانية</strong> رسمياً‏ اإىل ‏شمال اأفريقيا،‏ فاإن استيالء<br />

خري الدين على حصن البينون هو بداية لتاأسيس ما عرف بنيابة اجلزائر،‏ واأصبحت<br />

اجلزائر عاصمة املغرب الأوسط بل عاصمة ‏شمايل اأفريقيا <strong>العثمانية</strong> )42( . واأصبح<br />

خري الدين احلارس الأمامي للدولة <strong>العثمانية</strong> يف غرب البحر املتوسط )43( .<br />

اتفق خري الدين مع السلطان ‏سليمان القانوين على ‏رضورة ‏ضم تونس اإىل حظرية<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خاصة لأن فيها احلفصيني وهم اأصدقاء للملك ‏شارل اخلامس<br />

الأوروبي عدو العثمانيني،‏ وقد جنح خري الدين يف دخول تونس عام ‎1534‎م وقضى<br />

على حكم احلفصيني.‏ لذا قام ‏شارل اخلامس بتجهيز حملة اأوروبية لرضب خري الدين<br />

يف تونس،‏ خرجت احلملة من برشلونة وكانت تضم 400 ‏سفينة و‎28,000‎ جندي<br />

واستطاعت اسرتداد تونس واإعادة احلفصيني للحكم،‏ وعاد قائدها ‏شارل اخلامس<br />

لبالده بعد اأن وضع قوة اأوروبية يف ميناء حلق الوادي يف تونس.‏ ويف الوقت نفسه<br />

قام خري الدين بالهجوم املفاجئ على جزر البليار وحمل معه 6000 اأسري وعاد بهم<br />

اإىل ميناء اجلزائر.‏<br />

استدعى السلطان العثماين ‏سليمان القانوين خري الدين بربروسا وعينه قائداً‏<br />

عاماً‏ لالأسطول العثماين مكافاأة له على الأعمال اجلليلة التي قام بها خلدمة الإسالم.‏<br />

واستقدم بربروسا بحارة عثمانيني انضموا لالأسطول اجلزائري وخلفه يف منصب<br />

البيلربكوية حسن اآغا.‏<br />

ويف عام ‎1540‎م خضعت املوانئ التونسية للقائد الإسباين اأندريه دوريا واأهمها<br />

‏سفاقس وسوسة ومناستري،‏ فثار السكان املحليون ‏ضد حكامهم احلفصيني؛ جلبنهم<br />

اأمام الغزو الأجنبي،‏ ويف تلك الفرتة ظهر بحار عثماين هو درغوث باشا ليمالأ الفراغ<br />

يف تونس كما فعل خري الدين وعروج يف اجلزائر،‏ فاأصبح درغوث منافساً‏ قوياً‏ لأندريه<br />

دوريا يف البحر املتوسط،‏ وبسبب ‏صيته عينته <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حاكماً‏ على طرابلس<br />

كي يكون قريباً‏ من تونس،‏ واستطاع احتالل ميناء قفصة ‏سنة ‎1556‎م وتوغل يف<br />

داخل تونس حتى وصل القريوان ‏سنة ‎1558‎م،‏ وظل احلفصيون والإسبان مسيطرين


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

على الساحل التونسي فقط.‏ ويف عام ‎1574‎م استطاع العثمانيون الستيالء على<br />

تونس كاملة.‏ واستقر حكمهم بها وبذلك تاأسست النيابة الثالثة يف ‏شمايل اأفريقيا،‏<br />

وانتهى حكم احلفصيني الذي دام ثالثة قرون يف تونس.‏ والنيابات <strong>العثمانية</strong> الثالثة<br />

‏شمايل اأفريقيا حسب <strong>تاريخ</strong> تاأسيسها هي اجلزائر فطرابلس فتونس.‏ اأما املغرب<br />

‏)مراكش(‏ فلم يصلها العثمانيون بسبب وجود الأرشاف فيها وهم من ‏ساللة الرسول<br />

حممد ‏صلى اهلل عليه وسلم.‏<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على حوض البحر األبيض املتوسط:‏<br />

عندما زار خري الدين بربروسا العاصمة <strong>العثمانية</strong> عام ‎1534‎م قدم ولء الطاعة<br />

للسلطان ‏سليمان القانوين،‏ واعتمد كل منهما على الآخر يف حماربة اأعداء الإسالم،‏<br />

وبعد اأن وقع السلطان العثماين معاهدة المتيازات الأجنبية )44( مع ملك فرنسا عام<br />

‎1553‎م مل يتعرض خري الدين للسفن الفرنسية وكرس كل اهتمامه للتعرض للسفن<br />

الإسبانية والإيطالية.‏ ونتيجة انتصاراته يف البحر املتوسط لقبه السلطان العثماين<br />

باأمري البحر ‏)قبودان باشا(‏ )45( .<br />

ويف عام ‎1536‎م وذلك بعد عام من التوقيع الذي جرى بني فرنسا و<strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> يف معاهدة المتيازات الأجنبية،‏ مت هناك حلف بينهما واتفقا على الهجوم<br />

على اإيطاليا حيث تزحف فرنسا براً‏ من الشمال وتزحف اجليوش <strong>العثمانية</strong> على<br />

اإيطاليا بحراً.‏ وقد جهز خري الدين بربروسا اأسطولً‏ قوياً‏ استعداداً‏ لهذه املهمة.‏<br />

متكن الفرنسيون من دخول ميالنو وجنوة عام ‎1536‎م،‏ بينما اأخذ بربروسا<br />

يف مهاجمة هابسبورغ،‏ اأما السلطان العثماين فقد جهز جيشاً‏ مكوناً‏ من 300,000<br />

جندي اجته به اإىل األبانيا يف طريقه اإىل اإيطاليا )46( . لكن حدث عكس ما كان<br />

قد اتفقا عليه،‏ حيث انسحبت فرنسا من ‏شمال اإيطاليا بسبب نداء وجهه البابا اإىل<br />

الدول الأوروبية لقتال الإسالم.‏ وهكذا مل تكمل فرنسا اخلطة املتبعة مع السلطان<br />

العثماين لحتالل اإيطاليا،‏ وبقي ‏سليمان وحيداً‏ يف امليدان ‏ضد اإيطاليا،‏ وقد اكتفى<br />

‏سليمان القانوين باحتالل اجلزر الصغرية وبعض القواعد الواقعة على ‏سواحل األبانيا<br />

واأملانيا.‏ لكن النقطة الوحيدة التي استفادها بربروسا من التفاق الفرنسي العثماين<br />

هو احتالله اجلزر الواقعة يف بحر ايجه حيث اأخضعها كلها واأدخلها حتت الراية<br />

131<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

132<br />

<strong>العثمانية</strong> عام ‎1537‎م.‏ وقد حاول البابا اسرتجاع هذه اجلزر فشكل حلفاً‏ ‏صليبياً‏<br />

لستكمال املهمة لكنه فشل،‏ واأخرياً‏ وقعت نيس Venice معاهدة مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

يف ‎1540/10/20‎م اعرتفت بسيطرة بربروسا على جميع اجلزر يف بحر ايجه،‏<br />

ووافقت على اأن تدفع جزية ورضيبة للدولة <strong>العثمانية</strong> مقابل ‏سيطرتها على كريت<br />

وقربص واأن تعرتف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باملقابل مبركز نيس التجاري يف حوض البحر<br />

املتوسط الرشقي.‏<br />

تاأزمت العالقات بني فرنسا وخري الدين بعد خيانة فرنسا للدولة <strong>العثمانية</strong> يف<br />

حربها مع اإيطاليا.‏ لذا قام بربروسا مبهاجمة فرنسا ب<strong>تاريخ</strong> ‎1543/8/5‎م،‏ واستطاع<br />

احتالل ميناء طولون على الساحل اجلنوبي لفرنسا،‏ ويف عام ‎1544‎م هاجم بربروسا<br />

السواحل الإيطالية،‏ وكان يقود اأسطولً‏ عثمانياً‏ ‏ضخماً،‏ واستطاع السيطرة على مدن<br />

هامة مثل نيس.‏ وبعد ‏سنتني تويف بربروسا وترك خلفه اأسطولً‏ قوياً‏ انضم اإىل<br />

الأسطول العثماين.‏<br />

لقد واصل املهاجرون الأندلسيون املسلمون بناء وحدات ‏سكنية عسكرية على<br />

طول ‏سواحل ‏شمايل اأفريقيا،‏ وعقدوا العزم على النتقام من مضطهديهم وذلك<br />

بالإغارة على ‏سواحل اإسبانيا املاألوفة لديهم ومهاجمة السفن املسيحية وخاصة يف<br />

مضيق جبل طارق واملنطقة البحرية املحيطة بجزيرة مالطا،‏ وما لبثوا اأن حصلوا<br />

على مساندة العثمانيني.‏<br />

الثورات احمللية على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

1. ثورة الغزالي يف دمشق:‏<br />

عني السلطان ‏سليم جان بردي الغزايل والياً‏ على دمشق بعد اأن رجع ‏سليم اإليها.‏<br />

ويف عام ‎1518‎م عاد ‏سليم من دمشق اإىل استنبول بعد عناء السفر واحلرب مع<br />

املماليك.‏<br />

‏سار مع ‏سليم اأثناء توديعه كالً‏ من الغزايل وابن الفرفور – قاضي دمشق –<br />

حيث ‏سار الغزايل مع ‏سليم حتى حمص ثم رجع لدمشق،‏ بينما ‏سار ابن الفرفور


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

معه حتى حلب معرباً‏ عن زيادة حبه للسلطان اأكرث من الغزايل،‏ ثم رجع القاضي<br />

اإىل دمشق )47( .<br />

األغى الغزايل بعض العادات <strong>العثمانية</strong> التي اأدخلها ‏سليم على دمشق،‏ فغضب منه<br />

ابن الفرفور،‏ وجرت بينهما مشاحنات،‏ فهرب ابن الفرفور اإىل حلب كي يوؤلب السلطان<br />

‏سليم عليه،‏ ولكن العثمانيني مل يشكوا يف ولء الغزايل لهم.‏<br />

اأخذ الغزايل يف تثبيت ‏سلطته يف دمشق،‏ فعزل كثرياً‏ من املوظفني العثمانيني<br />

ومل يبق منافساً‏ له اإل اآغا النكشارية الذي يرتبط باآغا النكشارية يف استنبول.‏<br />

واأما خارج دمشق وُ‏ جد هناك منافسون للغزايل وهم اأمراء حمليون يف كل منطقة،‏<br />

وقد استطاع اأن يتخلص منهم واحداً‏ فواحداً،‏ فمثالً‏ ‏سار اإىل البقاع اللبناين وحارب<br />

نارص الدين بن احلنش وقضى عليه وعلى عائلته واأرسل راأسه اإىل السلطان العثماين<br />

‏سليم دللة على ولئه للعثمانيني لأن ابن احلنش كان يعارض احلكم العثماين للبالد<br />

العربية.‏<br />

ثم جرّد الغزايل حمالت كثرية على اأمراء عرب حوران واأهمهم جغيمان الذي<br />

كان يتعرض كثرياً‏ لقوافل احلجاج،‏ لذلك قرر الغزايل الهجوم عليه يف معان خوفاً‏<br />

من تعديه على قوافل احلجاج هناك،‏ واستطاع الغزايل اأن يحمي قافلة احلج ويهزم<br />

جغيمان،‏ وهذا العمل اأدى لفرح السلطان ‏سليم وكسب الغزايل رضا السلطان.‏ كما<br />

قام الغزايل باإخضاع جان بولط ‏)جنبالط(‏ نائب حاكم غزة فاأعلن هذا ولءه<br />

للغزايل حتى اأنه عني مرتني على رئاسة قافلة احلج لأن الغزايل اطماأن لإخالص<br />

جان بولط )48( .<br />

وهكذا استطاع الغزايل اأن يوطد نفوذه داخل وخارج دمشق،‏ وعندما كان يف جولة<br />

تفقدية يف بريوت عام ‎1520‎م ‏سمع نباأ وفاة السلطان ‏سليم واعتالء ابنه ‏سليمان حكم<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ عندئذ اأعلن الغزايل ثورته على العثمانيني،‏ فقام بتعيني اأحمد بن<br />

نارص الدين احلنش على البقاع ترضية لآل احلنش لأنهم يكرهون العثمانيني.‏ وقام<br />

بتعيني اأحد اأمراء احلرفوش على حمص،‏ واملقوقع يف حماة،‏ واستدعى حكام القدس<br />

وصفد ملساندته يف ثورته،‏ وهجم على القلعة يف دمشق وطرد اجليش النكشاري<br />

العثماين منها.‏ ثم ‏سار اإىل الشمال لقتال العثمانيني يف حلب وطرد واليها منها،‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

133


134<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

وقد طلب الغزايل املساعدة من خري بك حاكم مرص اململوكي وشجعه على الثورة<br />

يف مرص اأيضاً‏ ‏ضد العثمانيني،‏ ولكن خري بك طلب منه اأن يقوم اأولً‏ بالزحف حتى<br />

يصل حلب،‏ ومن ثم يفكر يف مساعدة الغزايل،‏ وكان قصد خري بك اإنزال الغزايل اإىل<br />

الهاوية واحلرب مع العثمانيني،‏ وقد اأرسل خري بك كل الرسائل التي بعثها الغزايل له<br />

اإىل السلطان العثماين ‏سليمان القانوين،‏ ويعني هذا ولء خري بك للعثمانيني.‏<br />

قرر السلطان العثماين اإرسال حملة عسكرية للقضاء على ثورة الغزايل،‏ وكان<br />

اجليش العثماين بقيادة فرحات باشا،‏ وقد استطاع هذا طرد الغزايل من منطقة حلب<br />

ورجع الغزايل فوراً‏ اإىل دمشق كي يثبت اأقدامه فيها ولكي يحارب العثمانيني يف<br />

دمشق.‏ وقد ‏سار فرحات باشا متعقباً‏ الغزايل حتى قرية برزة قرب دمشق،‏ وجرت<br />

معركة بينهما ب<strong>تاريخ</strong> ‎1521/2/5‎م وانترص فيها اجليش العثماين وقُ‏ تل الغزايل يف<br />

املعركة،‏ وقام فرحات باشا بتعيني ابن الفرفور قاضياً‏ على دمشق علماً‏ باأنه كان<br />

قاضياً‏ ‏سابقاً‏ لها لكن الغزايل كان قد طرده يف بداية حكمه لدمشق.‏ وبعد القضاء على<br />

الغزايل خضعت كل املناطق العربية اإىل احلكم العثماين،‏ كما قام فرحات باشا بتعيني<br />

اإياس باشا حاكماً‏ على دمشق.‏<br />

2. الثورة اململوكية يف بداية احلكم العثماني يف مصر<br />

‎1517‎م - ‎1524‎م:‏<br />

استوىل العثمانيون على مرص عام ‎1517‎م بعد معركة الريدانية،‏ ومل يحاولوا<br />

فرض الصبغة <strong>العثمانية</strong> على اأهلها ول حتى ربطهم باحلضارة <strong>العثمانية</strong>،‏ بل تركوا<br />

العنارص الأصلية حتكم البلد ولكن برشط بقاء السيادة والسيطرة للعثمانيني.‏<br />

اإن ما متيز به احلكم العثماين يف بداية عهده يف مرص اأنه كان حكماً‏ غري مبارش<br />

رغم مركزيته،‏ لقد منحت الإدارة <strong>العثمانية</strong> يف مرص حكومات الأقاليم املرصية اأو<br />

ما يطلق عليها اسم السنجقيات والكشوفيات لبكوات من املماليك،‏ وقد ظلت مرص<br />

حتيا احلياة التي كانت حتياها يف عرص ‏سالطني املماليك،‏ فيما عدا اخلزنة السنوية<br />

وخطبة اجلمعة والسكة ‏)النقد(‏ وملكية السلطان نظرياً‏ لالأرض.‏ ومن اأهم البكوات<br />

املماليك الذين تسلموا منصب الكشوفية يف بداية العهد العثماين ملرص،‏ اإينال السيفي<br />

وجامن السيفي )49( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

عندما قام الغزايل بثورته يف دمشق ‏ضد العثمانيني طلب من خري بك حاكم مرص<br />

اململوكي مساعدته،‏ لكن خري بك بدلً‏ من مساعدة الغزايل قام بتحريض السلطان<br />

‏سليمان القانوين ‏ضد الغزايل،‏ اإما لأنه كان مطيعاً‏ للدولة <strong>العثمانية</strong> اأو لأنه كان يعلم<br />

عدم مقدرته وعدم مقدرة الغزايل على القيام بثورة ‏ضد العثمانيني،‏ بل كان هناك<br />

بعض املماليك ممن كرهوا السلطة <strong>العثمانية</strong> لأنها ‏سلبت حقهم يف احلكم،‏ وحاول<br />

هوؤلء املماليك الناقمني اللتحاق بالغزايل اإل اأن خري بك بطش بهم.‏<br />

مل يقم املماليك يف مرص بالثورة ‏ضد العثمانيني بعد وفاة السلطان ‏سليم كما<br />

فعل الغزايل يف دمشق،‏ اإل اأن الثورة التي قاموا بها كانت بعد وفاة حاكم مرص خري<br />

بك عام ‎1522‎م،‏ وكان الثائرون اينال السيفي ‏)كاشف ‏»حاكم«‏ املنطقة الغربية(‏<br />

وجامن السيفي – كاشف البهنسة والفيوم.‏ ‏»واأعلنا اأنهما لن يطيعا السلطان ‏سليمان<br />

القانوين ‏صغري السن،‏ واأنهما لن يرتكا احلكم للعثمانيني الذين ل يعرفون مالقاة<br />

الفرسان«‏ )50( . اإن مترد اثنني من قادة املماليك ‏)اإينال السيفي وجامن السيفي(‏ على<br />

احلكم العثماين كان لثالثة اأسباب هي:‏ الدافع الأول اأن بعضاً‏ من املماليك رغم انهيار<br />

‏سلطنتهم عام ‎1516‎م ظلوا يكنون العداء والضغينة للعثمانيني،‏ الدافع الثاين،‏ اأن<br />

بعض املماليك اأحسوا اأنهم يف ظل العهد اجلديد قد فقدوا امتيازاتهم وجاههم،‏ اأما<br />

الدافع الثالث،‏ اأن متزعمي التمرد كانوا من املخلصني لآخر ‏سالطينهم طومان باي<br />

حتى بعد اإعدامه حيث عمد اأحدهم وهو اإينال السيفي بقتل الشيخ حسن بن مرعي<br />

واأخيه ‏شكر وهما اللذان ‏سلما السلطان طومان باي للسلطات <strong>العثمانية</strong> لتقوم بدورها<br />

باإعدامه.‏<br />

وقد اأعلن الثائرون عدم طاعتهم للسلطان العثماين وتوجهوا نحو اإقليم<br />

الرشقية من دلتا النيل وهي منطقة اسرتاتيجية حيث يكون يف مقدورهم قطع<br />

املواصالت بني مرص وبالد الشام،‏ كما اأنهم حتكموا بطريق املواصالت واملوؤن<br />

بني الصعيد والقاهرة )51( .<br />

ويف اليوم التايل انضم جامن السيفي اإىل حليفه اإينال السيفي وبقيا معاً‏ يف<br />

الرشقية يف انتظار وصول اأعيان املماليك الذين كانوا على علم مسبق باملوؤامرة<br />

واشتبك قادة املماليك مع العثمانيني وقتل جامن السيفي يف املعركة اأما اإينال فقد<br />

هرب اإىل غزة.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

135


136<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

عني السلطان العثماين والياً‏ جديداً‏ على مرص هو اأحمد باشا علماً‏ باأن الوايل<br />

اأحمد كان يطمع يف منصب اأحسن وهو منصب الصدر الأعظم،‏ وقد خطط مع<br />

املماليك يف مرص اإعالن الثورة على السلطان العثماين وذلك لبعد مرص عن العاصمة<br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ وقد متكن اأحمد باشا من قتل قائد النكشارية العثماين لأن النكشارية<br />

كانت موالية للسلطان العثماين،‏ ويبدو اأن اأحمد باشا اأراد حتطيم الروح املعنوية لتلك<br />

الفرق العسكرية عن طريق قتل قائدهم )52( .<br />

‏سيطر املماليك يف ثورتهم على الطريق الرئيسة التي تربط مرص ببالد الشام<br />

وحتكموا بطرق املواصالت،‏ لكن العثمانيني بطشوا بهم واأخمدوا ثورة اإينال السيفي<br />

وجامن السيفي.‏ ولكن هذا ل يعني القضاء نهائياً‏ على املماليك يف مرص،‏ فقد ثار وايل<br />

مرص اأحمد باشا عام ‎1523‎م الذي لقب باخلائن والذي كان قد اشرتك مع العثمانيني<br />

يف الفتوحات يف البلقان،‏ وكافاأه السلطان العثماين بولية مرص اإل اأنه كان يطمع<br />

بوظيفة اأحسن منها وهي وظيفة الصدر الأعظم.‏<br />

قام اأحمد باشا اخلائن باحتالل القلعة يف مرص وقضى على النكشارية فيها<br />

يف ‎1524/2/7‎م واأعلن نفسه ‏سلطاناً‏ على مرص،‏ وقام مبحاولة السيطرة على<br />

طريق الشام كي مينع وصول العثمانيني ملرص،‏ وصادق البدو هناك كي يساعدوه<br />

يف التعرض للعثمانيني.‏ اإل اأن العثمانيني اأشاعوا يف القاهرة اأن اأحمد باشا حتول<br />

عن مذهب السنة اإىل الشيعة واأصبح من اتباع الشاه اإسماعيل الصفوي،‏ وجنحت هذه<br />

الشائعة فثار املماليك ‏ضده واأعلن قضاة املذاهب الأربعة اجلهاد ‏ضده.‏ وقتل اأحمد<br />

باشا اخلائن نتيجة الثورة عليه يف 1524/2/26.<br />

3. ثورة البدو يف الشام والعراق:‏<br />

كانت ثورة البدو قد اأقلقت ‏سلطات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لأنها مل حتدث يف مكان<br />

واحد ويف وقت واحد،‏ بل كان البدو يثورون عادة على السلطة عندما يحل والٍ‏ حمل<br />

والٍ‏ اأو ‏سلطان حمل ‏سلطان،‏ كما كانوا يثورون اأيضاً‏ ويقومون باعتداءات متكررة<br />

على قوافل احلجاج يف موسم احلج،‏ حيث كانوا يهجمون على قافلة احلج ويسلبونهم<br />

اأمتعتهم ونقودهم وكل ‏شيء ثمني يجدونه مع احلجاج.‏ وكان هذا العمل يحرج موقف<br />

الوايل والسلطان اأيضاً‏ يف العامل الإسالمي،‏ لأن العتداءات على قافلة احلج وسلب


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اأمتعتهم تعني عدم مقدرة الوايل اأو السلطان على حماية قافلة احلج.‏ لذا قام كل والٍ‏<br />

يف بالد الشام باإرسال جيش يرافق القافلة دوماً،‏ واإذا كان الوايل ‏ضعيفاً‏ كان يدفع<br />

للبدو نقوداً‏ مقابل ‏سكوتهم ذاك املوسم من احلج؛ وذلك لضمان ‏سالمة قافلة احلجيج<br />

وعرف هذا املال املدفوع للبدو ‏»بالرص«‏ )53( . وكان البدو يحصلون على الرص ‏سواء<br />

يف الذهاب اإىل مكة اأو القدوم منها،‏ واإذا امتنع اأمراء احلج عن دفع الرص يف عودة<br />

احلجيج كان البدو يقومون بالعتداء على القافلة حني عودتها من الديار املقدسة.‏<br />

بنى السلطان ‏سليمان القانوين القالع واحلصون واأقام احلاميات وخاصة على<br />

منابع املياه للمحافظة على الطريق السلطانية – طريق احلجاج-‏ لأن البدو كانوا<br />

يضعون السم يف املياه خاصة اإذا مل يستلموا الرص من اأمري احلج.‏ ول تنسى ‏سيطرة<br />

البدو على مناطق هامة ذات مواقع اإسرتاتيجية تتحكم بشبكات املواصالت الرئيسة.‏<br />

جلاأ العثمانيون اإىل طريقة اأخرى للقضاء على ثورة البدو عدا عن جتريد اجليش<br />

عليهم اأو اإرسال اجليش مع قافلة احلج،‏ فقد جلاأوا اإىل حتريض زعيم بدوي ‏ضد زعيم<br />

اآخر ‏ضمن القبيلة،‏ اأو حتى اإثارة قبيلة على اأخرى لإضعافهم اأي اتباع ‏سياسة فرق<br />

تَسُ‏ دْ،‏ واأحياناً‏ جلاأ العثمانيون اإىل ‏رشاء ولء قبيلة لستخدامها ‏ضد قبيلة اأخرى )54( .<br />

ويف منطقة البرصة تساهل العثمانيون مع البدو لأنهم قدموا ولء الطاعة<br />

للعثمانيني ومن هذه الأرس البدوية اأرسة راشد بن مغامس التي كانت حتكم البرصة<br />

فاأبقاها العثمانيون يف البرصة عام ‎1538‎م،‏ لكن عندما قام العثمانيون بتحريض<br />

اجليوش على البدو يف منطقة البرصة واخلليج العربي بقصد احلفاظ على ‏سالمة<br />

احلجاج،‏ قام راشد بن مغامس بثورة على السلطان ‏سنة ‎1546‎م لكن العثمانيني<br />

استطاعوا السيطرة على الثورة البدوية )55( . وقد حاول البدو الثورة مرة ثانية عام<br />

‎1550‎م حيث قاموا بتهديد طرق املواصالت فعني السلطان العثماين لقتال البدو وايل<br />

بغداد علي باشا،‏ وبعد معارك ‏شديدة مع البدو استطاع الوايل فرض السلطة <strong>العثمانية</strong><br />

واحلفاظ على طرق املواصالت من اعتداءات البدو.‏ ازدادت جراأة قبائل منطقة البرصة<br />

اإثر وفاة السلطان ‏سليمان القانوين ‏سنة ‎1566‎م واستالم ‏سليم الثاين،‏ فاأعلنت الثورة<br />

من جديد بزعامة ابن عليان.‏ فقام السلطان العثماين بتجهيز جيش جرار بقيادة وايل<br />

بغداد اسكندر باشا الذي اصطحب معه وايل ‏شهر زور ووايل البرصة بالإضافة اإىل<br />

عدد من الأكراد والأمراء،‏ واستطاع اجليش العثماين السيطرة على بدو منطقة البرصة.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

137


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

138<br />

وقامت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ببناء احلاميات العسكرية والقالع ووضع فيها حاميات<br />

عثمانية للحفاظ على الأمن يف تلك املناطق،‏ واضطر ابن عليان اإىل طلب الصلح<br />

مقابل دفع ‏رضيبة ‏سنوية كجزية اإىل خزينة البرصة.‏<br />

4. ثورة األكراد عام ‎1551‎م:‏<br />

تركز الأكراد يف منطقة ‏شهر زور وكانوا قد اأعلنوا ولءهم للعثمانيني اأثناء<br />

السيطرة <strong>العثمانية</strong> على ‏شمايل العراق ‏ضد الصفويني.‏ وقد اأبقى العثمانيون زعيم<br />

الأكراد حاكماً‏ على ‏شهر زور،‏ لكن الأكراد قاموا بثورتهم على العثمانيني بتشجيع من<br />

الصفويني والعنارص الرتكمانية الأخرى.‏ فكلف السلطان العثماين كالً‏ من وايل حلب<br />

عثمان باشا ووايل بغداد علي باشا للسيطرة على الثورة الكردية،‏ ويبدو اأن مناعة<br />

اأسوار ‏شهر زور وقوة الأكراد جعلت وايل بغداد مييل اإىل املصاحلة واإبقاء حكام<br />

الأكراد يف مناطقهم مقابل اخلضوع للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

5. ثورة الزيديني يف اليمن:‏<br />

تعترب الأرسة الزيدية يف اليمن من اأقوى الأرس اليمنية،‏ كما اأنها تعترب نفسها<br />

الزعيمة الدينية املحلية لكل اليمن وقد لقت الدعم والتاأييد من معظم قبائل اليمن.‏<br />

وعندما غادر الوايل العثماين ولية اليمن ‏سنة ‎1555‎م بقصد ‏رضب مناطق املتمردين<br />

جنوب مرص،‏ ثار الزيديون يف اليمن حتى اأن العثمانيني يف اليمن ‏ساعدوا قائد الثورة<br />

مطهر بن ‏رشف الدين الزيدي بسبب اضطراب اأوضاعهم القتصادية.‏ وازدادت الثورة<br />

حدة اإثر وفاة السلطان ‏سليمان القانوين واإعالن اخلطبة باسم ابنه ‏سليم الثاين يف تعز،‏<br />

واستوىل قائد الثورة على معظم املدن اليمنية،‏ فاأرسل السلطان العثماين وايل مرص<br />

‏سنان باشا فتوجه هذا لليمن ‏سنة ‎1569‎م وبقي فيها ‏سنتني حتى استطاع القضاء<br />

على الثورة وتوطيد احلكم العثماين يف اليمن،‏ وبعد ذلك غادرها اإىل جدة ‏سنة ‎1571‎م<br />

بعد اأن وصل الوايل العثماين اجلديد بهرام باشا لليمن.‏<br />

‏))وقد وصف قطب الدين حممد املكي انتصار ‏سنان باشا على الثائرين باأنه<br />

الفتح الثاين العثماين لليمن ‏)كان الفتح الأول عام ‎945‎ه ‏سنة ‎1539‎م(‏ وكان هذا<br />

النتصار ‏سبباً‏ يف تاأليف كتابه ‏»الربق اليماين يف الفتح العثماين«‏ وقد كتبه بتكليف<br />

من ‏سنان باشا((‏ )56( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

خطر الربتغاليني:‏<br />

اأرسل العثمانيون القبطان بريي بيك من مرص ‏سنة ‎1552‎م لسرتداد عدن<br />

من الربتغاليني،‏ فنجح يف اسرتداد عدن،‏ ثم توجه اإىل ‏رشقي اجلزيرة العربية لقطع<br />

خطوط التمويل املحلي وتعطيل نقاط الستناد على الربتغاليني،‏ فاحتل مسقط من<br />

اأيدي الربتغاليني ثم ‏سيطر على مضيق هرمز واجته يف اخلليج حتى وصل البرصة،‏<br />

ولكن الشائعات عن هجوم برتغايل معاكس جعل بريي بيك يرتاجع اإىل السويس،‏<br />

فاتهم باخليانة واأعدم،‏ ورمبا كان اإعدامه نتيجة الرصاع الذي دب بينه وبني وايل<br />

البرصة الذي ‏شكاه للسلطان للتخلص منه.‏<br />

ثورة اجلزائر:‏<br />

كما نشبت ثورات متعددة يف ‏شمايل اأفريقيا.‏ كان السلطان على اضطالع مبا<br />

يجري،‏ وقد عني حممد بن ‏صالح ريس حاكماً‏ عاماً‏ للجزائر فاأعاد الهدوء لشمال<br />

اأفريقيا،‏ وخلفه يف احلكم قيليج علي قائد الأسطول العثماين،‏ فاأعاد الهدوء من جديد<br />

وبقي يف احلكم عرشين عاماً‏ – 1568 ‎1587‎م واستطاع توطيد السيطرة <strong>العثمانية</strong><br />

يف كل من اجلزائر وتونس ومراكش.‏<br />

التنظيم اإلداري واإلصالحات الداخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

زمن سليمان القانوني:‏<br />

بعد اأن رجع السلطان ‏سليمان القانوين من حملته على مولدافيا يف اأوروبا ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1539/11/27‎م وحملته على هنغاريا ب<strong>تاريخ</strong> ‎1541/6/20‎م،‏ مكث السلطان<br />

‏سنتني يف العاصمة يرتب اأمور <strong>الدولة</strong> داخلياً.‏ فقد عني لطفي باشا ‏صدراً‏ اأعظم،‏ وهو<br />

من اأمهر واأقوى رجال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذين اعتمد عليهم السلطان ‏سليمان،‏ فقد<br />

كان جندياً‏ ‏شجاعاً‏ ومثقفاً‏ واعياً‏ وقانونياً‏ ‏شهرياً‏ واإدارياً‏ ماهراً،‏ واستطاع اأن يضع<br />

القانون نامه الذي وضع باسم السلطان ‏سليمان،‏ وسمي السلطان نتيجة ذلك بسليمان<br />

القانوين.‏ ويتضمن هذا القانون عدا عن القوانني التي وضعت زمن السلطان حممد<br />

الفاحت تضمن اإصالحات يف ‏شوؤون <strong>الدولة</strong>.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

139


140 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اأضاف ‏سليمان قوانني اأخرى اهتمت باأمور املالية والعدلية والعقوبات<br />

والإجرام والقتل والرسقة والسكر وارتكاب الفاحشة.‏ واأما عقوبة من اتبع هذه الأمور<br />

السيئة واملشينة فقد حدد القانوين لكل منها عقاباً‏ خاصاً‏ ذات اأحكام خمتلفة مثل<br />

عقوبات مالية وسجن وقطع اليد والإعدام.‏ كما حدد القانون نامه تعديالت خاصة<br />

على التيمار.‏ ومنع ‏سجن اأي ‏شخص بدون حتقيق معه وحماكمته علناً.‏ ووضع قوانني<br />

هامة للدولة من جميع جوانبها.‏ فوضع كتاباً‏ ‏صغرياً‏ حدد فيه مهمة الصدر الأعظم<br />

وحدد مهمة كل موظف يف <strong>الدولة</strong>.‏ واأخرياً‏ استبدل الصدر الأعظم بصدر اأعظم اآخر<br />

هو ‏سليمان باشا اخلادم الذي كان يشغل وظيفة حاكم مرص.‏ ورمبا كان وراء ذلك<br />

دسيسة وذلك عام ‎1541‎م،‏ ومنذ ذلك ال<strong>تاريخ</strong> بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف النحطاط<br />

التدريجي )57( خصوصاً‏ بعد عزل لطفي باشا.‏<br />

اأما بالنسبة لشيخ الإسالم ‏)اأبو السعود(‏ فقد اشرتك يف وضع القانون نامه،‏ ولكن<br />

بالطرق الرشعية التي تختص بالنواحي الإسالمية مثل:‏ املرياث واأراضي املريي<br />

والوقف،‏ كما حدد الرضيبة حسب الرشيعة الإسالمية.‏ وتسمى هذه القوانني بقوانني<br />

اآل عثمان.‏<br />

وقام السلطان العثماين بتقسيم املناطق املفتوحة اإىل وليات وذلك كي يسهل<br />

اإدارتها وحكمها.‏ ففي بالد الشام اأوجد العثمانيون ثالث وليات هي:‏ الشام وحلب<br />

وطرابلس.‏ وكل ولية قسمت اإىل ‏صناجق،‏ ومل يكن هذا التقسيم نهائياً،‏ فكثرياً‏ ما<br />

يلحق ‏صنجق ولية اإىل ولية اأخرى،‏ كما اأوجدوا من بعض الصناجق ولية رابعة،‏<br />

وكمثال على ذلك ولية ‏صيدا،‏ وقد تبعت لها ‏صناجق اأيضاً.‏<br />

وكثرياً‏ ما اأبقى العثمانيون احلكام املحليني يف مناطقهم،‏ خاصة خارج املدن،‏<br />

فالذين قامت زعامتهم على اأسس دينية اأو اإقطاعية اأو بدوية،‏ بقوا يف اأماكنهم طاملا<br />

يقدمون ولء الطاعة للعثمانيني.‏ كما كان العثمانيون يوؤيدون حاكماً‏ على اآخر بقصد<br />

التوازن بينهم كي ل يسيطر حاكم على اآخر ول يوسع نفوذه على حساب الآخر.‏ فمثالً‏<br />

ليوازن العثمانيون قوة املعنيني يف جبل لبنان اعرتفوا مبنافسيهم اآل عساف،‏ ولكي<br />

ل يسيطر اآل عساف على مناطق ‏شاسعة اعرتفوا مبنافسيهم اآل ‏سيفا وهكذا.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

واأما يف مرص:‏ فقد اأرسل السلطان ‏سليمان القانوين الوزير الأعظم اإبراهيم باشا<br />

اإليها كي ينظم اأمورها الإدارية والعسكرية،‏ وتبعاً‏ لذلك ‏صدر القانون نامه.‏ فمن<br />

الناحية العسكرية ذكر القانون نامه 7 طوائف عسكرية يف مرص كما يلي:‏<br />

‎1.1‎‏»اجلنليان«‏ وتعين املتطوعني:‏ اأو اجلمليان ‏)ومفردها ‏صاحب اجلمل(‏ .<br />

واأفراد هذه الفرقة استخدموا اجلمال يف احلرب وكانوا قد اشرتكوا يف فتح مرص.‏<br />

‎2.2‎التفنكجيان:‏ مفردها تفنك اأي بندقية،‏ واأفرادها هم من الفرسان حملة<br />

البنادق.‏<br />

‎3.3‎الشراكسة:‏ واأفرادها من املماليك.‏<br />

‎4.4‎املستحفظان:‏ وهم النكشارية واأقاموا يف القلعة،‏ وهم الذين مثلوا السلطة<br />

<strong>العثمانية</strong> يف مرص وحكموها.‏<br />

‎5.5‎العزبان:‏ مفردها عازب اأو اأعزب،‏ اأقاموا يف القلعة،‏ ونافسوا النكشارية يف<br />

احلكم ومهمتهم حماية القالع يف القاهرة.‏<br />

‎6.6‎اجلاووشان:‏ مفردها ‏شاويش وهم الذين جمعوا الرضائب من الشعب.‏<br />

‎7.7‎املتفرقة:‏ وهم احلرس اخلاص للباشا )58( .<br />

واأما من الناحية االإدارية فقد كان على راأس كل ولية والٍ‏ اأي باشا وهو برتبة<br />

وزير.‏ وقد ‏سكن يف القلعة،‏ ويوازن يف وظيفته هذه قادة الطوائف العسكريني والقاضي<br />

احلنفي والدفرت دار،‏ وكان الشخص الذي ينوب عن الباشا يلقب بالقائم مقام.‏ واألغى<br />

القانون نامه الإقطاعات يف مرص،‏ واأصبح املوظفون يتقاضون مرتبات،‏ ورمبا كان<br />

القصد من ذلك عدم السماح للمماليك باإقامة مناطق نفوذ حتت زعامة زعيم اإقطاعي،‏<br />

وكانت اأموال املريي جتمع من قبل ملتزمني،‏ وبعد اأن تغطى املرصوفات املحلية<br />

يرسل بقية املبلغ اإىل السلطان عن طريق الشام.‏ وتاألفت يف مرص ولية واحدة فقط،‏<br />

مركزها القاهرة،‏ لكن قسمت هذه الولية اإىل اأقسام اإدارية عرفت باسم كشوفيات،‏<br />

مفردها كشوفية،‏ يحكم كل منها كاشف،‏ مهمته جباية الرضائب وصيانة ‏شبكات<br />

الري.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

141


142<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اأما يف العراق:‏ فقد كانت هناك خمس وليات،‏ وهي ولية بغداد مركز الولية<br />

ويتبعها 18 ‏صنجقاً،‏ وولية البرصة،‏ وولية الإحساء،‏ وولية املوصل وتضم ‏ست<br />

‏صناجق،‏ ثم ولية ‏شهر زور.‏<br />

وهناك والية اليمن:‏ وقد اهتم بها العثمانيون كثرياً‏ وذلك لأنها كانت تقف<br />

يف وجه الربتغاليني،‏ وكان العثمانيون لفرتة قصرية قد قسموا اليمن اإىل وليتني كي<br />

يسهل حكمها،‏ الأوىل يف السواحل والثانية يف اجلبال،‏ ثم جمعتا يف ولية واحدة بعد<br />

اأن مت القضاء على ثورة الإمام مظهر الزيدي.‏<br />

ويف ‏شمايل اأفريقيا:‏ كانت هناك وليات اجلزائر وتونس وطرابلس.‏ وقد نظم<br />

العثمانيون الإدارة فيها،‏ واعتمدوا على الإنكشارية وروؤساء القراصنة يف توطيد<br />

احلكم.‏ وكان على راأس اجلزائر ‏)بيلربي(‏ خضع له النكشارية والقراصنة على السواء،‏<br />

ويتم تعيينه من قبل السلطان مبارشة.‏ وكذلك تونس كان يحكمها ‏)بيلربي(‏ ، وكان<br />

فيها 4 اآلف انكشاري بصفة دائمة،‏ يراأس كل مائة انكشاري قائد يسمى الداي،‏ وكان<br />

يراأس العسكر جميعاً‏ الآغا.‏<br />

واأوجد العثمانيون وظيفة اأمري لواء وذلك لضبط البالد وجمع اأموال اجلباية منها<br />

ويدعى هذا الأمري ‏»الباي«.‏ ويف طرابلس عني العثمانيون طورغوث ‏)دورغوث(‏ برتبة<br />

بيلربي عليها عام ‎1534‎م وذلك لتوطيد احلكم العثماين فيها.‏ ويف عام ‎1553‎م،‏<br />

استطاع طورغوت مع ‏سنان باشا السيطرة على جزر ‏صقلية وكورسيكا ونابويل.‏<br />

حكم الوليات العربية ولة نشيطون استطاعوا السيطرة على كل الثورات املحلية،‏<br />

فزاد توطيد احلكم العثماين يف الوليات،‏ ومما زاد يف توطيد احلكم الرهبة التي كان<br />

يعكسها الولة يف ولياتهم عندما كانوا يقومون باحتفالت واإقامة الزينات تخليداً‏<br />

لنتصار عثماين كبري يف اأوروبا.‏ فكان الولة واجليش النكشاري يربزون عضالتهم<br />

اأمام الأهايل فتزداد الرهبة منهم،‏ لذا حققوا الأمن يف جميع الوليات.‏ وبرهن<br />

الولة على اأنهم على مستوى املشوؤولية الإدارية عندما حققوا الأمن وبنوا اجلوامع<br />

واملدارس والسبل لتخليد ذكراهم،‏ وقد كرث بناء اجلوامع يف خمتلف الوليات زمن<br />

‏سليمان القانوين.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

لقد اأخلد السكان للهدوء يف الوليات،‏ وهالهم ما راأوا من كرثة اجلنود الأتراك<br />

واملدافع التي اشرتكت يف املعارك واإقامة الرتتيبات والحتفالت بالنتصارات<br />

العسكرية يف اجلبهات الأوروبية.‏ واإظهار روؤوس املتمردين مقطوعة اأمام الناس مما<br />

اأرهب السكان وجعلهم ل يفكرون بالثورة على العثمانيني.‏<br />

التجارة <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا وفرنسا:‏<br />

التجارة مع فرنسا:‏<br />

اأقام الولة اخلانات على الطرق )59( يف وليات كثرية،‏ وهذا يدل على نشاط<br />

التجارة خصوصاً‏ يف بالد الشام،‏ وقد وقع السلطان ‏سليمان القانوين عام ‎1535‎م<br />

معاهدة ‏»المتيازات«‏ الأجنبية مع الفرنسيني.‏ وقد ‏شملت هذه المتيازات العالقات<br />

التجارية مع فرنسا.‏ ومبوجبها اأعفي الفرنسيون من اخلضوع لكثري من قوانني البالد،‏<br />

فزاد نشاط التجار الفرنسيني يف بالد الشام.‏<br />

تشمل معاهدة المتيازات الأجنبية 16 مادة،‏ وكان الصدر الأعظم هو املخطط<br />

لها زمن السلطان القانوين،‏ وقد جددت هذه املعاهدة بعد ذلك عدة مرات يف ‏سنوات<br />

خمتلفة واأضيفت اإليها اأحكام جديدة.‏ ثم اأصبحت هذه املعاهدة جتدد تلقائياً‏ كلما<br />

ارتقى عرش <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ‏سلطان جديد )60( .<br />

ومما جاء يف هذه املعاهدة تطبيق القانون الفرنسي على الفرنسيني داخل <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ وتخفيض الرسوم اجلمركية على الرعايا الفرنسيني،‏ ومُ‏ نح الفرنسيون<br />

احلرية التجارية املطلقة وحرية املالحة يف كل املوانئ <strong>العثمانية</strong>،‏ وعدم اإبحار اأي<br />

‏سفينة اأجنبية يف املياه <strong>العثمانية</strong> اإل وهي حتمل العلم الفرنسي.‏ واأتيحت للرعايا<br />

الفرنسيني حرية ممارسة طقوسهم الدينية.‏ وطبقاً‏ ملعاهدة المتيازات Capitulations<br />

فقد جرى تعيني قناصل فرنسيني يف موانئ بالد الشام.‏<br />

كانت المتيازات الأجنبية قد منحت فرنسا حق حماية الكاثوليك الأوروبيني<br />

لكنائسهم وكهنتهم يف الأراضي <strong>العثمانية</strong>،‏ ثم وسعت فرنسا تلك احلماية تدريجياً‏<br />

حتى اأصبحت تشمل الكاثوليك العثمانيني والإرساليات الأوروبية العاملة بينهم.‏<br />

ومنذ توقيع هذه املعاهدة اأصبحت فرنسا حامية للرعايا الكاثوليك العثمانيني.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

143<br />

جامعة القدس املفتوحة


144 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

وكانت اأكرب طائفة كاثوليكية هي طائفة املوارنة التي كانت تعيش يف لبنان.‏ والتي<br />

كانت قد اعرتفت بالسلطة البابوية اأثناء احلروب الصليبية،‏ واأقامت لها عالقات<br />

مبارشة ومستمرة مع الفاتيكان منذ القرن السادس عرش،‏ وعالقات مبارشة مع ملك<br />

فرنسا عام ‎1649‎م بحيث اأصبح النفوذ الفرنسي فيها كبرياً‏ )61( .<br />

التجارة مع بريطانيا:‏<br />

اإن العالقات الإجنليزية <strong>العثمانية</strong> من ناحية التجارة كانت مستمرة رغم عدم<br />

عقد معاهدة جتارية بينهما،‏ بينما فرنسا كانت قد وقعت معاهدة المتيازات.‏<br />

وترجع بداية العالقات التجارية الإجنليزية <strong>العثمانية</strong> احلسنة منذ اأن قابل اأنطوين<br />

جنكسني الإجنليزي اجلنسية قابل السلطان العثماين عام ‎1553‎م يف حلب،‏ وسمح<br />

السلطان له باملتاجرة بحرية مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ كما استقبلت السلطات <strong>العثمانية</strong><br />

بعثة اإجنليزية عام ‎1578‎م واستطاعت اأن تضع احلجر الأساسي للتجارة الإجنليزية<br />

يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عندما اأرسل السلطان مراد الثالث رسالة مللكة بريطانيا عام<br />

‎1579‎م قال فيها:‏ اإن البالد <strong>العثمانية</strong> ‏ستبقى دائماً‏ مفتوحة للتجار الإجنليز،‏ واأصدر<br />

السلطان ‏)براءة(‏ اإرادة ‏سلطانية عام ‎1580‎م تضمن للتجار الإجنليز امتيازات واسعة<br />

النطاق )62( .<br />

لذا فقد نشط التجار الإجنليز يف حلب وشمال بالد الشام،‏ واأنشاأ الإجنليز<br />

عام ‎1581‎م ‏رشكة بالد املرشق Levant Company التي تركز نشاطها يف<br />

بالد الشام )63( .<br />

ومن املعروف اأن الأساطيل الفرنسية والإجنليزية احلربية قد حلت حمل الأسطول<br />

الربتغايل يف القرن السابع عرش يف منطقة البحر الأحمر واملتوسط والأطلسي يف<br />

‏رصاعها مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ومل يتوقف هذا الرصاع الأوروبي العثماين البحري<br />

حتى نهاية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

نستطيع القول اأخرياً‏ اإن ‏سليمان القانوين كان اأعظم ‏شخصية يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏<br />

فقد بلغت الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> يف عهده اأوج اتساعها وقوتها براً‏ وبحراً.‏ واشتهر<br />

‏سليمان القانوين بوضع جمموعة قوانني تخص اإصالحات يف <strong>الدولة</strong> ويف احلكومة.‏<br />

اإل اأنه رغم قوته وشهرته عاملياً‏ مل يستطع فتح فينا،‏ بل وقف على اأسوارها،‏ كما اأنه


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

مل يستطع طرد الربتغاليني من املحيط الهندي،‏ ومل يستطع السيطرة على روسيا بل<br />

وقف الروس حاجزاً‏ اأمام زحفه يف الرشق،‏ ثم ما لبثوا اأن اأصبحوا فيما بعد اأخطر عدو<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد ‏سليمان القانوين يف الضعف التدريجي رغم قوتها<br />

واتساعها.‏ اإل اأن بداية الضعف نستطيع اأن نلمسها يف نهاية حكم السلطان القانوين<br />

عندما مل يشارك يف جلسات الديوان الذي كان يصدر القرارات الهامة بسبب كرب ‏سنه<br />

وتدهور ‏صحته،‏ واستغلت احلرمي يف القرص السلطاين اأثناء هرمه بالتاآمر لتعيني<br />

‏سلطان ليس اأكفاأ من غريه من اأبناء ‏سليمان )64( . واأخرياً‏ تويف ‏سليمان القانوين عام<br />

‎1566‎م بعد اأن خلّف وراءه دولة قوية مرتامية الأطراف.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

145<br />

جامعة القدس املفتوحة


146 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

هوامش الفصل اخلامس:‏<br />

Cook: History of the Ottoman Empire. P. 711.1<br />

‎2.2‎انظر الصفحات السابقة.‏<br />

‎3.3‎رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 59.<br />

‎4.4‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين.‏ ‏ص 82.<br />

‎5.5‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ الفتح العثماين الأول لليمن – 1538 1635. ط‎2‎‏،‏ ‎1974‎م.‏<br />

‏ص 46.<br />

‎6.6‎مرج دابق اأو مرج رابيك وهي قرية بني اأعزاز وحلب.‏ تبعد عن حلب حوايل 45 كم.‏<br />

‎7.7‎ابن طولون:‏ مفاكهة اخلالن.‏ ج 2. ‏ص‎30‎‏.‏<br />

‎8.8‎ابن اإياس،‏ ج 5، ‏ص 159، وانظر رافق:‏ املصدر السابق:‏ ‏ص 63.<br />

‎9.9‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ املصدر السابق.‏ ‏ص 85. وانظر املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong><br />

العلية <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏ص 77.<br />

‎1010‎اإحسان النمر:‏ نظرات وحتقيقات.‏ ‏ص 64. وانظر املحامي:‏ املصدر السابق.‏ ‏ص<br />

.77<br />

‎111‎اإحسان النمر،‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 64.<br />

‎1212‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص‎76‎‏.‏<br />

‎1313‎اإحسان النمر:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 64.<br />

‎1414‎حسن عثمان:‏ منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي،‏ ‏ص 176.<br />

‎1515‎رسالة من السلطان اأحمد الأول اإىل الإمرباطور ماتياس ب<strong>تاريخ</strong> ‎1617/6/26‎م.‏<br />

‎1616‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 87.<br />

Cook: History of the Ottoman Empire. P. 791717


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1818‎يوسف اآصاف:‏ <strong>تاريخ</strong> ‏سالطني اآل عثمان،‏ دار البصائر،‏ دمشق،‏ ط 3، عام ‎1985‎م،‏<br />

‏ص‎71‎‏،‏ رمبا كان هذا اخلرب غري ‏صحيح.‏<br />

‎1919‎علي حسون:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ‏ص 46.<br />

‎2020‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong> ‏ص‎79‎‏.‏<br />

Cook: History of the Ottoman Empire. P. 792121<br />

‎222‎انظر نص الرسالة يف كتاب حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص‎85‎‏.‏<br />

‎2323‎عبد الكرمي حممود غرايبة:‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث.‏ الأهلية للنرش والتوزيع،‏ عام<br />

‎1984‎م.‏ ‏ص 55.<br />

‎2424‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 66.<br />

‎2525‎جالل يحيى:‏ العامل العربي احلديث،‏ ‏ص 24.<br />

‎2626‎عبد الكرمي رافق:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 69.<br />

‎2727‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 103.<br />

‎2828‎ابن اإياس:‏ بدائع الزهور يف وقائع الدهور.‏ ج 4. ‏ص 210.<br />

‎2929‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 104.<br />

M. Logworth Dames: The Portuguse and Turks in The Indian Ocean in3030<br />

.The Sixteenth Century. J. R. A. S. 1921, part1, January. P. 13<br />

‎3131‎بو خمرمه:‏ قالدة النحر يف وفيات اأعيان الدهر.‏ ج.‏ 3، م‎2‎‏.‏ ‏ص ‎209‎اأ.‏<br />

‎3232‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 105.<br />

‎333‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 107.<br />

Sergeant, R. B.: The Portuguese of the South Arabian Coast. P p. 55- 593434<br />

انظر اأيضاً:‏ السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 112.<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

147<br />

جامعة القدس املفتوحة


148 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎3535‎قطب الدين:‏ الربق اليماين يف الفتح العثماين.‏ خمطوطة.‏ ‏ص 15 ب،‏ انظر اأيضاً‏<br />

السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 104.<br />

‎3636‎كان ‏سليمان باشا اخلادم والياً‏ على دمشق،‏ واشرتك يف فتح العراق ثم اأصبح<br />

والياً‏ ملرص.‏<br />

‎3737‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 146.<br />

‎3838‎جالل يحيى:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 32.<br />

‎3939‎توفيق املدين:‏ اجلزائر.‏ ‏ص 33، اأنظر اأيضاً:‏ ‏صالح العقاد،‏ املغرب العربي،‏ ‏ص 18.<br />

‎4040‎‏صالح الدين العقاد:‏ املغرب العربي.‏ ‏ص 21، انظر اأيضاً:‏ جالل يحيى:‏ املصدر<br />

السابق،‏ ‏ص 33.<br />

‎4141‎جالل يحيى،‏ املصدر نفسه،‏ والصفحة نفسها.‏<br />

‎4242‎‏صالح الدين العقاد:‏ املغرب العربي.‏ ‏ص 22.<br />

‎4343‎جالل يحيى:‏ العامل العربي احلديث،‏ ‏ص 35.<br />

‎444‎‏سنرشح عنها فيما بعد.‏ المتيازات .Capitulations:<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 974545<br />

‎4646‎املصدر نفسه،‏ ‏ص 98.<br />

‎4747‎عبد الكرمي رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ ‏ص 116.<br />

‎4848‎عبد الكرمي رافق:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 118.<br />

‎4949‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون – 1516 ‎1916‎م.‏ ط‎1‎‏،‏ دمشق،‏ ‎1974‎م.‏<br />

‏ص 64.


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎5050‎رافق:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 85. ملزيد من التفصيل عن الثورة اململوكية يف مرص،‏<br />

انظر:‏ اأسامة اأبو نحل ‏“حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين 1517<br />

– 1524 والنتائج املرتتبة عليها”.‏ جملة كلية الإنسانيات والعلوم الجتماعية<br />

بجامعة قطر،‏ عدد 26 عام ‎2003‎م.‏<br />

‎5151‎رافق:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 85.<br />

‎5252‎اأسامة حممد اأبو نحل:‏ حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين – 1517<br />

1524 والنتائج املرتتبة عليها عام ‎2003‎م.‏ انظر<br />

www. alajman. ws/vb/showthread.<br />

Rafiq: The Province of Damascus. Pp. 52- 765353<br />

‎5454‎رافق:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 88.<br />

‎555‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 89.<br />

‎5656‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ الصفحة نفسها.‏<br />

Shaw: History of the Ottoman Empire. P. 1015757<br />

‎5858‎رافق:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 98.<br />

‎5959‎اأقيمت عدة ‏)خانات(‏ اأي اأماكن اسرتاحة للتجار واملسافرين على مفارق الطرق<br />

الهامة زمن العثمانيني وقد اعتربت هذه اخلانات اأيضاً‏ اأماكن حراسة للمنطقة<br />

التي يقع فيها اخلان.‏<br />

‎6060‎وقع السلطان هذه المتيازات التي اأعطت للفرنسيني حقوقاً‏ كثرية يف <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ لكنه مل يكرتث لأنه يستطيع اأن يلغيها متى ‏شاء اإن خالفت فرنسا<br />

قوانني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لكن السالطني الضعاف فيما بعد مل يستطيعوا اإلغاء هذه<br />

املعاهدة.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

149<br />

جامعة القدس املفتوحة


150 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎6161‎األربت حوراين:‏ الفكر العربي يف عرص النهضة،‏ ‏ص 58.<br />

‎6262‎عبد العزيز الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة مفرتى عليها،‏ ج‎2‎‏،‏ ‏ص 716.<br />

‎6363‎رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 109، اأنظر اأيضاً:‏<br />

Alfred C. Wood: A History of the Levant Company, London. 1935. P. 11.<br />

‎6464‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ ‏ص 102.


الفصل السادس<br />

أحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

بعد سليمان القانوني ومرحلة الضعف


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل السادس<br />

أحوال <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

بعد سليمان القانوني ومرحلة الضعف<br />

وصل اإىل عرش <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد ‏سليمان القانوين ابنه ‏سليم الثاين امللقب<br />

بالسكري،‏ وهو ابن روكسالنا زوجة السلطان ‏سليمان وقد ‏سعت جاهدة لوصول<br />

ابنها اإىل عرش السلطنة.‏ ويف زمن ‏سليم الثاين بداأ ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏<br />

حيث مل يقم بنفسه بقيادة اجليش العثماين يف احلروب.‏ ورغم اأن السالطني<br />

الذين حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد ‏سليمان كانوا ‏ضعافاً،‏ اإل اأن الصدور العظام<br />

‏)روؤساء الوزارات(‏ ظهر منهم رجال اأكفياء اأقوياء،‏ منهم مثالً‏ حممد ‏صوقللي<br />

الذي استطاع اإيقاف الفوضى زمن ‏سليم الثاين،‏ كما اأنه استطاع اسرتجاع اليمن<br />

من الربتغاليني،‏ ووقف يف وجه التوسع الروسي،‏ كما استوىل على جزيرة قربص.‏<br />

ومن اأهم املعارك يف زمنه ما يلي:‏<br />

محلة اسرتاخان:‏<br />

كان حاكم خوارزم قد ‏شكا لسليم الثاين ترصفات ‏شاه فارس الذي منع احلجاج<br />

القادمني من تركستان من الوصول اإىل الديار املقدسة يف احلجاز.‏ كما اأن الروس<br />

احتلوا اسرتاخان من الشاه ومنعوا الأهايل من تاأدية فريضة احلج كما منعوا التجار<br />

من الوصول اإىل اأهدافهم خارج اسرتاخان.‏ لذا طلب حاكم خوارزم من السلطان ‏سليم<br />

الثاين اأن يحتل اسرتاخان بهدف اإعادة فتح طريق احلج.‏ كما اأن ‏شكاوى مماثلة وصلت<br />

السلطان ‏سليم الثاين من حكام بخارى وسمرقند،‏ لذا جهز الصدر الأعظم ‏صوقللي<br />

حملة كبرية بهدف الستيالء على اسرتاخان وحتويلها اإىل قاعدة دفاعية عن املنطقة<br />

كلها.‏ ورغم عدم حتقيق ‏صوقللي هدفه من الستيالء على اسرتاخان،‏ بسبب تراجع<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

153


154 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اجليش النكشاري،‏ ولأن نزول الثلج الكثيف اأعاق تقدم اجليش،‏ اإل اأن ‏صوقللي منع<br />

التقدم الروسي نحو اجلنوب وفتح طريق احلج.‏<br />

ومن اجلدير بالذكر اأن فرنسا قامت يف زمن ‏سليم الثاين باإرسال البعثات<br />

النرصانية اإىل كافة اأرجاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وخاصة بالد الشام لتزرع يف اأدمغتهم<br />

حمبة فرنسا مما كان له اأثر كبري يف ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

معركة ليبيانتو البحرية:‏<br />

اأراد الصدر الأعظم ‏صوقللي اأن يجعل البحر الأبيض املتوسط والبحر الأحمر<br />

بحاراً‏ عثمانية،‏ لذا قرر التعرض للربتغاليني وذلك بالستيالء على اجلزر الواقعة يف<br />

هذه البحار،‏ ففتح قربص عام ‎1571‎م،‏ ونقل اإليها عدداًَ‏ كبرياً‏ من اأتراك الأناضول<br />

املسلمني.‏ وباحتالل العثمانيني لهذه اجلزيرة غضبت دول اأوروبا،‏ واأعدت حملة<br />

‏صليبية كان الهدف منها ليس فقط اسرتجاع قربص بل استعادة كل الأراضي التي<br />

كان قد استوىل عليها العثمانيون.‏ لذا تزعم البابا حلفاً‏ كاثوليكياً‏ استطاع بواسطته<br />

اأن يوقع بالعثمانيني هزمية كربى يف معركة ليبيانتو عام ‎1571‎م.‏<br />

واحلقيقة حول هذه املعركة اأن نداء البابا لقى استجابة قوية من الدول<br />

الأوروبية،‏ حتى اأن فرنسا التي كانت قد وقعت معاهدة ‏سالم مع العثمانيني قد<br />

نقضت املعاهدة معهم وبعثت جيشاً‏ ملساندة البابا.‏ وقد اختري دون جوان النمساوي<br />

قائداً‏ للحملة لرضب املسلمني.‏ كما مت عقد حتالف بني الدول الأوروبية ملحاربة<br />

العثمانيني،‏ ومما جاء يف هذا التحالف من نصوص:‏ ‏“اأن البابا بيوس اخلامس<br />

وفيليب ملك اإسبانيا،‏ وجمهورية البندقية يعلنون احلرب الهجومية والدفاعية على<br />

الأتراك لأجل اأن يسرتدوا جميع املواقع التي اغتصبوها من املسيحيني ومن جملتها<br />

تونس واجلزائر وطرابلس”‏ )1( .<br />

بعد انتصار الأوروبيني على العثمانيني يف معركة ليبيانتو،‏ اأرسل البابا رسالة<br />

اإىل الشاه طهماسب-‏ ‏شاه اإيران-‏ حثه فيها على الهجوم معاً‏ على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

قائالً:‏ ‏»لن جتدوا اأبداً‏ فرصة اأحسن من هذه الفرصة لأجل الهجوم على العثمانيني،‏ اإذ<br />

هم عرضة للهجوم من جميع اجلهات«‏ )2( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

كما اأرسل البابا رسائل اإىل كل من ملك احلبشة واإمام اليمن حثهم فيها على<br />

الهجوم على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لكن البابا تويف فجاأة فتوقفت خمططاته اجلهنمية<br />

هذه.‏ وللحقيقة نقول اأن هذه اجلبهات التي راسلها البابا كانت ‏ساخنة مع العثمانيني<br />

رغم معاهدات الصلح املوقعة مع اجلميع.‏<br />

فقد العثمانيون يف معركة ليبيانتو 94 ‏سفينة من الأسطول العثماين،‏ كما مت<br />

اأرس 130 ‏سفينة عثمانية اأخرى،‏ وفقدوا 30,000 مقاتل،‏ واحتفلت اأوروبا كلها بهذا<br />

النرص لأن العثمانيني هزموا لأول مرة،‏ واأصبح ‏رشقي البحر املتوسط حتت السيطرة<br />

املسيحية،‏ وعندما انسحب البنادقة من حلف البابا رجع العثمانيون فاأغاروا على<br />

‏صقلية وجنوبي اإيطاليا،‏ وانتزعوا تونس التي كان يسيطر عليها احلفصيون عمالء<br />

الإسبان،‏ وبذلك استعاد العثمانيون بقيادة ‏سنان باشا ‏سيطرتهم على البحر املتوسط.‏<br />

سلطنة احلريم أو احلريم السلطاني:‏<br />

لقد قضى السلطان ‏سليم الثاين اأواخر حكمه يف القرص مع احلرمي تاركاً‏ ‏شوؤون<br />

<strong>الدولة</strong> بيد الصدر الأعظم ‏صوقللي،‏ وكانت هذه فرصة لبدء عهد جديد اإذ كان الأمراء<br />

اأبناء السالطني ميضون حياتهم مع احلرمي بدلً‏ من اأن يكتسبوا خربة قد تفيدهم حني<br />

يتولون احلكم.‏ وظل ‏صوقللي يتوىل منصب الصدر الأعظم فرتة طويلة اإىل اأن قتل عام<br />

‎1579‎م نتيجة لإحدى موؤامرات القرص بعد اأن جنح يف املحافظة على هيبة <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وحلسن حظ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأنه رغم تويل احلكم ‏سالطني ‏ضعاف الشخصية<br />

بعد ‏سليمان القانوين،‏ اإل اأن منصب الصدر الأعظم توله رجال اأقوياء مثل ‏صوقللي<br />

وسنان باشا وفرحات باشا ولل مصطفى وعثمان اأوغلو وحممد كوبريللي.‏<br />

كان يف القرص السلطاين منطقة خاصة باحلرمي،‏ وكانت هذه املنطقة حماطة<br />

باأسوار عالية وعليها حراسة مشددة،‏ وتعترب اأجنحة احلرمي منطقة مغلقة ل يسمح<br />

بدخولها اأو القرتاب منها اأو النظر اإىل ‏ساكناتها )3( . ويالحظ اأن عزلة النساء كانت من<br />

التقاليد القدمية يف العامل الإسالمي،‏ لذلك احرتم العثمانيون هذه التقاليد الإسالمية<br />

املوروثة.‏ وكان للسلطان مقصورة خاصة وسط اأجنحة احلرمي،‏ وعند زيارته لالأجنحة<br />

كانت تصحبه كربى موظفات احلرمي السلطاين.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

155<br />

جامعة القدس املفتوحة


156 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اإن الغالبية العظمى من السالطني العثمانيني تزوجوا من كتابيات ‏)مسيحيات(‏<br />

وقد اأصبحت هذه الزيجات تقليداً‏ درج عليه ‏سالطني الفرتة الأوىل وسالطني الفرتة<br />

الثانية.‏ وتشمل الفرتة الأوىل السالطني السبعة الأوائل منذ عثمان حتى حممد الفاحت.‏<br />

كان ‏سالطني الفرتة الأوىل لهم من قوة الشخصية ما جعل زوجة كل منهم تاأخذ<br />

حجمها الطبيعي فقط كزوجة للسلطان،‏ فال تتدخل يف ‏شوؤون <strong>الدولة</strong> ول متارس نفوذاً‏<br />

على الصدر الأعظم والوزراء وعلى غريهم من كبار رجال <strong>الدولة</strong>.‏ اأما ‏سالطني الفرتة<br />

الثانية فاإن غالبيتهم قد خضعوا خضوعاً‏ يكاد يكون تاماً‏ لتلك الزوجات،‏ حتى<br />

اأصبحن مركز قوة خطرة.‏ وكانت بعض الزوجات يتدخلن يف السياسة العليا للدولة<br />

ويوجهنها الوجهة التي يردنها.‏ وهكذا استفحل وكرث خطر اأولئك الزوجات وتركن<br />

بصمات بارزة قوية يف <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )4( .<br />

اإن بعض الزوجات الكتابيات كن يتظاهرن باعتناق الإسالم،‏ ويتظاهرن بحب<br />

اأزواجهن السالطني،‏ ويتظاهرن بولئهن للدولة <strong>العثمانية</strong> ولكن كانت كل منهن تخفي<br />

بني ‏ضلوعها حباً‏ وولءً‏ لوطنها الأول وتعمل على تنفيذ برنامج من وحي حكومة<br />

بالدها لتحقيق مصالح وطنها الأول حتى ولو كان هذا الربنامج ينطوي على الإرضار<br />

مبصالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )5( .<br />

أسرة كوبريللي )6( :<br />

كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تسري ببطء نحو الضمحالل وخاصة زمن السلطان حممد<br />

الرابع،‏ لول جهود الصدر الأعظم.‏ وقد توىل هذا املنصب حممد كوبريللي واأرسته من<br />

بعده ودام حكمهم من 1656- ‎1683‎م،‏ وحممد كوبريللي هو األباين الأصل وعندما<br />

عرض السلطان عليه منصب الصدر الأعظم،‏ اشرتط كوبريللي اأن تنفذ قراراته دون<br />

مناقشة اأو مراجعة،‏ وقد وافق السلطان على طلبه.‏ وعندما استلم املنصب نفى من<br />

العاصمة بعض الدراويش املتعصبني واأعدم كثرياً‏ منهم يف العاصمة خالل خمس<br />

‏سنوات كانوا يتلقون الرشوة،‏ وبث عيونه يف كل الوليات،‏ وقمع كل مترد وفوضى يف<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ واأعاد تنظيم مالية <strong>الدولة</strong> باإبطال النفقات غري الرضورية وحتويل<br />

الأموال املصادرة اإىل خزينة <strong>الدولة</strong>.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اأصبح الصدر الأعظم اأو الباب العايل يف عهد اآل كوبريللي املركز الفعلي لإدارة<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ورغم الإصالحات التي متت يف هذه الفرتة مثل اإنقاص عدد<br />

النكشارية وتخفيف اأعباء <strong>الدولة</strong> املالية وحماية الفالحني بتاأمني الأمن اإل اأن ذلك<br />

مل ينجح متاماً‏ يف اإيقاف تدهور الإدارة )7( .<br />

وبعد اأن اطماأن كوبريللي للوضع الداخلي تصدى للتهديدات اخلارجية،‏ فقوى<br />

الأسطول العثماين،‏ واأمكنه فك حصار البنادقة عن الدردنيل،‏ وطلب يف اأواخر عمره<br />

من السلطان اأن يتوىل منصب الصدر الأعظم ابنه فاضل اأحمد فوافق السلطان على<br />

ذلك،‏ فقام هذا بقيادة اجليوش بنفسه،‏ ففتح جزيرة كريت عام ‎1669‎م،‏ وحارب<br />

النمسا واملناطق الواقعة غربي البحر الأسود،‏ واأعاد هيبة السلطان يف نظر اأوروبا.‏<br />

بعد وفاة فاضل عام ‎1676‎م خلفه اأخوه بالتبني قره مصطفى باشا يف منصب<br />

الصدر الأعظم فحارص فينا عام ‎1683‎م واصطدم بالروس يف اأوكرانيا،‏ وبرغم<br />

انتصاراته قيل للسلطان اأنه يقود <strong>الدولة</strong> خلسائر كثرية بسبب فشله يف فتح فينا<br />

فاأعدمه السلطان عام ‎1683‎م.‏<br />

وبعد ذلك بداأت النكسات تدب يف جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> واخلسائر تتواىل،‏<br />

فاأصبح البحر الأسود بحرية روسية،‏ واعرتفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بذلك.‏ واضطر السلطان<br />

العثماين اإىل التوقيع مع النمسا ‏صلح كارلوفيتز عام ‎1699‎م تنازل السلطان مبوجبه<br />

عن اأوكرانيا واملجر وترانسلفانيا واملورة.‏ وهذا الصلح هو اأول تفكيك لأوصال <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> وبداية النسحاب العثماين من اأوروبا.‏ كما وقع السلطان العثماين على<br />

‏صلح بساروفتز عام ‎1718‎م حيث تنازل مبوجبه عن بلغراد وسمندريا واأراضٍ‏ اأخرى<br />

للرصب.‏ وهكذا بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ترتاجع عن الأراضي التي فتحتها ومكثت فيها<br />

طويالً.‏<br />

بداية مرحلة الضعف العثماني:‏<br />

اأخذت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف التقلص التدريجي منذ زمن السلطان ‏سليم الثاين<br />

‏)‏‎1566‎م-‏ ‎1574‎م(‏ وعندما بداأ العثمانيون يخرسون اأراضٍ‏ يف اأوروبا يف املعارك<br />

مع اجليوش الأوروبية ظهرت عالئم الضعف العثماين عالنية.‏ وخري دليل على ذلك<br />

عندما وقع العثمانيون يف ‎1699/1/26‎م معاهدة كارلوفيتز ،Carlowitz وكانت<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

157


158<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

هذه اأول خسارة كربى للعثمانيني منذ ثالثمائة عام اأي عندما هزمهم تيمورلنك عام<br />

‎1402‎م.‏ كما كانت هذه اأول مرة وقع فيها العثمانيون الصلح كمنهزمني وتخلوا<br />

مبوجبها عن مناطق ‏سيطروا عليها منذ فرتة طويلة.‏<br />

لقد كان الضعف العثماين واضحاً‏ عندما توقفت الفتوحات <strong>العثمانية</strong> عند نقاط<br />

اأخرية على احلدود وصلها العثمانيون يف خمتلف اجلبهات ومل يتقدموا بعدها ‏شرباً‏<br />

واحداً،‏ اأضف اإىل ذلك اأن ‏ضعف <strong>الدولة</strong> انعكس على ‏ضعف ‏شخصيات السالطني اأنفسهم<br />

وخاصة عندما انسحبوا بالتدريج من املساهمة الفعلية يف قيادة اجليش ويف الإدارة<br />

وانقطعوا اإىل حياة القرص اخلاصة وموؤامراته من احلرمي.‏<br />

اإن التخلي عن حرص السلطنة وراثياً‏ اأي من الأب اإىل البن ونقلها اإىل اأكرب اأفراد<br />

الأرسة <strong>العثمانية</strong> بتويل السلطنة قد ‏شجع على ازدياد املكائد ‏ضد السالطني وضعف<br />

نوعية املرشحني للحكم.‏ اأضف اإىل ذلك اأنه منذ وفاة السلطان ‏سليمان القانوين عام<br />

‎1566‎م حتى حكم السلطان ‏سليم الثالث عام 1789- ‎1807‎م مل يظهر اأي ‏سلطان<br />

قوي.‏<br />

كما اأن نشاط الكزلر اآغا الذي اأخذ ينافس الصدر الأعظم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>؛<br />

بسبب انقطاع السالطني اإىل حياة القرص،‏ قد اأثر هذا التنافس على مصري كثري من<br />

حكام الوليات الذين اأصبح مصريهم معلقاً‏ بيد الكزلر اآغا اأو الصدر الأعظم اأحياناً.‏<br />

ومن مظاهر ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأيضاً‏ انحطاط اجليش بسبب توقف<br />

الفتوحات <strong>العثمانية</strong>،‏ ومترد النكشارية مراراً‏ بسبب انتساب السكان املحليني<br />

لصفوف النكشارية وعرفوا ‏)بالريليه(‏ ، حتى اأن مترد النكشارية اأدى اأحياناً‏ اإىل<br />

عزل السلطان اأو قتله على يد النكشارية كما حصل مع السلطان عثمان الثاين وسليم<br />

الثالث الذي عزل ثم قتل على يد النكشارية.‏ ويعترب اإهمال اجلند الإقطاعي والسباهية<br />

من الفرسان،‏ وعدم استعمالهم اأساليب القتال احلديثة من ناحية العتاد والتنظيم من<br />

عوامل ‏ضعف اجليش.‏ واأصبحت وظيفة اجلندي بدلً‏ من اأن يكون حمارباً‏ اأصبح يعمل<br />

يف وظيفته يف اجليش كشق الطرق واإقامة التحصينات فقط.‏ كما اشتهر يف فرتة<br />

الضعف العثماين ظهور اجلنود املرتزقة الذين كانوا يبيعون خدماتهم اإىل ثائرين<br />

على السلطة اأو اإىل اأمراء حمليني مثل فخر الدين املعني وجنبالط وغريهم.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ومن عوامل الضعف العثماين اأيضاً‏ ظهور قوة حملية ثائرة استمدت ‏سلطتها<br />

من التزام جمع الرضائب،‏ وهذا النظام اأضعف الريف مما اأدى اإىل هجرة ‏سكانه<br />

للمدن اأحياناً‏ فاندثرت قرى هرباً‏ من الرضائب،‏ والتحق بعض الناس اإىل القوات غري<br />

النظامية واأصبح قسمٌ‏ منهم قطاع طرق،‏ كما اأن بعض امللتزمني اأصبحوا يجمعون<br />

النقود من الريف ملصاحلهم الشخصية وقليالً‏ ما كانوا يرسلونها للوايل،‏ واأصبح<br />

نفوذهم يهدد ‏سلطة الوايل والسلطان اأحياناً،‏ وخري مثال على ذلك ظاهر العمر.‏<br />

ومن عوامل الضعف العثماين اأيضاً‏ تاأثر القتصاد نتيجة نقص واردات الرضائب<br />

التي كانت تفرض على بضائع الرشق الأقصى املارة يف الأراضي <strong>العثمانية</strong>،‏ واأصبحت<br />

بعض هذه البضائع بعد اكتشاف راأس الرجاء الصالح تصدر مبارشة اإىل اأوروبا عرب<br />

هذه الطريق وخرست <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من جراء ذلك موارد مالية كثرية.‏<br />

ومن عوامل الضعف العثماين ‏ضعف النقد حيث مرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باأزمة<br />

نقدية بسبب تدفق الفضة الرخيصة اإىل بالد حوض البحر املتوسط من الدنيا اجلديدة<br />

اأمريكا بواسطة الإسبان،‏ فارتبك النقد العثماين تبعاً‏ لذلك وانهارت قيمة الوحدة<br />

الفضية وهي الأقجة،‏ فاأصدرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وحدة نقدية جديدة عام ‎1620‎م هي<br />

البارة ومل جتُ‏ دِ‏ هذه العملة اجلديدة يف القضاء على التضخم النقدي وغالء الأسعار،‏<br />

ويف الربع الأخري من القرن السابع عرش ظهرت عمله جديدة هي القرش.‏ وقد حاولت<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإحياء القتصاد العثماين بشتى الطرق بال فائدة مثل فرض ‏رضائب<br />

جديدة على السكان لدفع رواتب اجلنود اأحياناً.‏<br />

ومن عوامل الضعف العثماين وجود ثورات ومتردات مثل:‏<br />

‎1.1‎ثورة العساكر:‏<br />

بداأ التمرد على العثمانيني يف ‏صفوف العساكر يف النصف الثاين من القرن<br />

السادس عرش،‏ وكان التمرد واضحاً‏ يف مناطق اأطراف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كاليمن<br />

وشمال اأفريقيا.‏ اأما مرص والعراق فكان مترد العساكر عنيفاً.‏<br />

أ.‏ ثورة العساكر يف اليمن:‏<br />

كانت ولية اليمن من نوع ‏ساليانلي ‏))اأي اأن موظفيها مبا يف ذلك العساكر<br />

يتقاضون املرتبات الشهرية وليس اقطاعات((‏ . وحدث اأن انخفضت القيمة الرشائية<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

159<br />

جامعة القدس املفتوحة


160 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

للعملة الفضية يف اليمن بسبب خلطها بالنحاس وذلك مقارنة بالدينار الذهبي<br />

السلطاين الذي تدفع الرواتب على اأساسه.‏ ومل يكن انخفاض العملة مقترصاً‏ على<br />

اليمن بل على كافة وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهذا اأثر كثرياً‏ على اأصحاب الرواتب<br />

الشهرية ومنهم العساكر.‏ وبسبب انخفاض العملة قام وايل اليمن حممود باشا باتهام<br />

املشوؤول عن ‏رضب السكة عبد امللك اليمني اأنه ‏سبّب يف تدهور العملة يف اليمن فقتله<br />

عام ‎1560‎م.‏<br />

وهناك بعض املوؤرخني اأرجعوا ‏سبب نقص العملة هو ترصف الولة العثمانيني<br />

السابقني،‏ وقال اآخرون اأن السبب هو ‏»الظروف <strong>العثمانية</strong> والعاملية اأي الكتشافات<br />

اجلغرافية«،‏ ويقول قطب الدين املكي املعارص لالأحداث اأن الدينار الذهبي السلطاين<br />

يُساوى يف بالد الروم ب 60 عثمانياً‏ ويف مرص ب 80 عثمانياً‏ ويف اليمن ب 300<br />

عثمانياً،‏ وكان هذا ‏سبباً‏ يف فقر العسكر ذوي املرتبات،‏ واأن العسكري ل يكفي راتبه<br />

اليومي لرشب القهوة التي يرشبها )8( لذا قام العساكر بظلم الرعية لقلة معاشهم<br />

وصار احلكام يتعامون عن اإنصاف الرعايا من ظلم العساكر.‏ لكن ابتزاز العساكر<br />

العثمانيني للمال من ‏سكان اليمن مل ينقذ وضعهم املادي فلجاأوا اإىل بيع متاعهم<br />

وحتى اأسلحتهم.‏ والتحق العساكر بالثائر اليمني مظهر الزيدي الذي قام بثورته على<br />

العثمانيني،‏ فقام السلطان العثماين واأرسل ‏سنان باشا اإىل اليمن لإخماد الثورة وجنح<br />

يف ذلك لكنه قام بتحسني حال العساكر بعد دراسة اأحوالهم وشجعهم على البقاء<br />

موالني للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

ب.‏ ثورة العساكر مشال أفريقيا:‏<br />

اجلزائر:‏ دعم النكشارية خري الدين بربروسا ففرض هذا ‏سيطرته على اجلزائر،‏<br />

لكن قام القراصنة مبنافسة النكشارية يف اجلزائر،‏ وكانت لالنكشارية السيطرة<br />

الفعلية وقاموا مبقاسمة القراصنة السالب،‏ وكانوا يقدمون ولء الطاعة للوايل يف<br />

اجلزائر،‏ وحني ملس النكشارية الضعف يف اأحد الولة ثاروا عليه،‏ حتى اأنهم قتلوا<br />

بعض الولة،‏ واأرسوا البعض الأخر.‏ حيث اأرسوا حسن باشا بن خري الدين بربروسا<br />

‏سنة ‎1562‎م واأرسلوه مقيداً‏ بالسالسل اإىل استنبول.‏ ومنذ مطلع القرن السابع عرش،‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وجد يف اجلزائر ديوان النكشارية الذي اأصبح له القوة الفعلية فيها،‏ واأصبح الديوان<br />

منذ عام ‎1626‎م ومبوافقة السلطان العثماين ميارس كافة السلطات مبا يف ذلك<br />

تعيني املوظفني وترقيتهم.‏<br />

تونس:‏ واجه الوايل العثماين يف تونس ‏سلطة النكشارية املمثلني بالديوان،‏<br />

وقد ثاروا ‏سنة ‎1591‎م وقتلوا عدداً‏ من اأعضاء الديوان يف تونس واستلم ‏صغار<br />

الضباط من النكشارية السلطة يف البالد وشكلوا ديواناً‏ جديداً‏ وضعوا على راأسه<br />

‏شخصاً‏ اختاروه من بينهم لقب بالداي واأصبح احلاكم الفعلي يف تونس.‏<br />

روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> أثناء فرتة الضعف العثماني:‏<br />

كانت العالقات <strong>العثمانية</strong> الروسية تتحسن وتسوء يف فرتات <strong>تاريخ</strong>ية خمتلفة،‏<br />

وازداد الرصاع بينهما على البحر الأسود الذي يعترب بحرية عثمانية طاملا بقيت<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قوية.‏ وكانت تسمح لسفن بعض الدول بعبوره باتفاقيات خاصة.‏<br />

واستطاع العثمانيون فرض ‏سياستهم على البحر الأسود واملضائق التي تربط البحر<br />

الأسود بالبحر الأبيض املتوسط.‏ واإذا اأراد الروس ممارسة التجارة بني موانئ البحر<br />

الأسود كان عليهم اأن ينقلوا بضائعهم على ‏سفن عثمانية حتمل العلم العثماين.‏<br />

ومنذ عهد بطرس الأكرب بداأ التوسع الروسي نحو اجلنوب حيث جريانهم<br />

العثمانيني.‏ وقد نشبت معارك كثرية يف فرتة الضعف العثماين بني العثمانيني من<br />

جهة وبني الروس والنمسا من جهة ثانية اأدت يف نهايتها اإىل عقد معاهدة ‏صلح<br />

بينهما عام ‎1699‎م هي معاهدة كارلوفيتز،‏ تخلى العثمانيون للروس عن مدينة<br />

اآزوف.‏ ثم اسرتجعها العثمانيون عام ‎1711‎م وتعهد الروس بعدم التدخل يف ‏شوؤون<br />

القازاق،‏ ووقعت روسيا عام ‎1713‎م معاهدة اأدرنة تنازلت مبوجبها عن اأراضيها<br />

على البحر الأسود مقابل اإلغاء ما تدفعه روسيا من جزية لأمراء القرم املسلمني.‏<br />

واستمرت حالة احلرب بني الدولتني بني فرتة واأخرى ووقعت الدولتان<br />

معاهدات هامة اأهمها:‏<br />

‎1.1‎معاهدة بلغراد:‏<br />

حاولت روسيا بسط ‏سيطرتها العسكرية على املضائق <strong>العثمانية</strong> ومتكني ‏سفنها<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

161


162<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

احلربية والتجارية عبور البوسفور والدردنيل،‏ لذا اشتعلت احلرب بينهما عام ‎1735‎م<br />

واستمرت اأربع ‏سنوات،‏ وقد فشلت روسيا يف نهاية احلرب،‏ وعقدت معاهدة بلغراد بني<br />

الدولتني تقرر فيها هدم قلعة اآزوف واأن تعترب هذه القلعة حاجزاً‏ بني الدولتني.‏ ومما<br />

جاء يف معاهدة بلغراد من بنود هامة:‏ ‏»عدم السماح لروسيا بناء اأو بقاء اأساطيل لها<br />

يف البحر الأسود.‏ كما قررت املعاهدة اأن ميارس رعايا الروس نشاطهم التجاري يف<br />

البحر الأسود على ‏سفن تركية«‏ )9( .<br />

‎2.2‎معاهدة كوجوك كاينارجا عام ‎1774‎م:‏<br />

واستمر السلم بسبب معاهدة بلغراد ملدة ربع قرن تقريباً،‏ ثم نشبت احلرب<br />

بينهما منذ عام ‎1768‎م حتى عام ‎1774‎م،‏ وكانت روسيا قد قامت بتقوية جيشها<br />

يف فرتة السلم زمن كاترين الثانية )10( ، وعندما نشبت احلرب بينهما اأنزلت البواخر<br />

الروسية جيوشاً‏ يف اليونان وبريوت،‏ بينما توغلت اجليوش الروسية الأخرى يف<br />

البلقان والقوقاز،‏ ويف نهاية احلرب فرض الروس على السلطان التخلي عن القرم،‏<br />

فكانت اأول مقاطعة اإسالمية تنسلخ عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )11( وقد وقع السلطان هذه<br />

املعاهدة التي عرفت مبعاهدة كوجوك كاينارجا عام ‎1774‎م بعد اأن هزمت اجليوش<br />

<strong>العثمانية</strong>.‏<br />

ومبقتضى هذه املعاهدة حتول البحر الأسود من بحرية عثمانية بحتة اإىل بحرية<br />

عثمانية روسية.‏ وتقرر لروسيا احلق يف اإنشاء قواعد عسكرية برية وبحرية على<br />

‏سواحل الأسود،‏ كما ‏سمح لها اأن تستخدم ‏سفنها التجارية املضائقَ‏ الرتكية للخروج<br />

من البحر الأسود اإىل البحر الأبيض بحرية تامة.‏ وسمح للروس ممارسة التجارة يف<br />

جميع وليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وعلى السلطان اأن يطبق على الرعايا الروس نظام<br />

المتيازات الأجنبية املطبق على فرنسا وبريطانيا،‏ كما ‏سمح للروس تفريغ ‏شحنات<br />

‏سفنهم التجارية يف كل ثغور وموانئ البحر الأسود والبحار الأخرى.‏<br />

وقررت املعاهدة اأن تكون حتت ‏سيطرة روسيا وبصورة دائمة مواقع هامة منها<br />

قلعة كينبورن وقلعة جينكال وقلعة كريتش يف ‏شبه جزيرة القرم ومدينة اآزوف.‏ كما<br />

اأن الرشوط املهينة التي فرضت على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف تلك املعاهدة اأثارت مزيداً‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

من الأطماع الروسية القيرصية )12( ونستنتج من معاهدة كوجوك كاينارجا ما<br />

يلي:‏<br />

‎1.1‎اإنهاء السيطرة <strong>العثمانية</strong> على البحر الأسود.‏<br />

‎2.2‎توسيع ومتديد احلدود الروسية على حساب <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ فخرس السلطان<br />

مدينة اآزوف وشبه جزيرة القرم.‏<br />

‎3.3‎اأصبحت بالد القرم مستقلة ول يلتحق رعاياها ب<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإل دينياً‏<br />

فقط.‏<br />

‎4.4‎اأصبح للروس حق بناء قنصليات يف اأي مكان يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ واملالحة<br />

احلرة يف مياهها.‏<br />

‎5.5‎‏سمحت املعاهدة للروس احلصول على امتيازات ‏ضمن اأراضي <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> تشمل الأرثوذكس.‏<br />

وجتدد القتال بني العثمانيني والروس يف الفرتة ما بني 1789 و ‎1892‎م،‏<br />

وانتهت بصلح اأو معاهدة ياسي Jassy عام ‎1792‎م.‏ ومبوجب الصلح هذا مدت روسيا<br />

حدودها حتى نهر الدنستري،‏ واأصبح هذا النهر منطقة احلدود بني الدولتني )13( .<br />

‎3.3‎حلف عام ‎1798‎م:‏<br />

جاءت احلملة الفرنسية اإىل مرص بقيادة نابليون بونابورت عام ‎1798‎م،‏<br />

وعقدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع روسيا معاهدة حتالف عام ‎1798‎م ومدة هذا التحالف<br />

ثماين ‏سنوات وذلك لردع اخلطر الفرنسي،‏ تعهدت فيها روسيا مبد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> 12<br />

قطعة حربية،‏ وذكرت اأنه اإذا تاأزم املوقف الفرنسي العثماين اأن ترسل روسيا للدولة<br />

<strong>العثمانية</strong> خمسة وسبعني األفاً‏ اإىل ثمانني األف جندي روسي ملساعدة السلطان،‏ ويف<br />

املعاهدة ‏سمح السلطان لروسيا اأن متر ‏سفنها احلربية يف املضائق الرتكية بحرية،‏<br />

وكان ذلك يف عهد السلطان ‏سليم الثالث.‏<br />

ويف عام ‎1805‎م جتددت املعاهدة الروسية <strong>العثمانية</strong> ‏)التحالف(‏ املوقعة عام<br />

‎1798‎م ملدة 9 ‏سنوات اأخرى ويف هذه املعاهدة اجلديدة جنحت روسيا باأن انتزعت<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

163<br />

جامعة القدس املفتوحة


164 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

من السلطان حقوقاً‏ اأخرى حيث اعرتفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1805‎م باأن الدفاع عن<br />

املضائق الرتكية اإمنا هو مشوؤولية مشرتكة تقع على عاتق روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

ويف عام ‎1806‎م فسخت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املعاهدة املوقعة مع روسيا عام<br />

‎1805‎م،‏ ويبدو اأن فسخها جاء من تشجيع فرنسا للسلطان،‏ الذي كان قد وقع مع<br />

بريطانيا اأيضاً‏ معاهدة حتالف عام ‎1799‎م وفسخها هذه املرة كما فسخها مع<br />

روسيا،‏ وكان تشجيع فرنسا واضحاً‏ حيث قال الفرنسيون للسلطان اإن املعاهدات<br />

املوقعة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وكلٍ‏ من روسيا وبريطانيا هو انتقاص من ‏سيادة<br />

السلطان على املضائق الرتكية،‏ وقد كان فسخ املعاهدات مقدمة لقطع العالقات<br />

بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبني كل من روسيا وبريطانيا ثم قيام احلرب.‏ وقد جنحت<br />

دبلوماسية نابليون يف اأن جتر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل احلرب ‏ضد روسيا عام ‎1806‎م<br />

وضد بريطانيا عام ‎1807‎م )14( .<br />

كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املعارض الأساسي للتوسع الستعماري الروسي،‏ لأن<br />

الرغبة الروسية يف حلمها القدمي هو الستيالء على القسطنطينية )15( كما كان الروس<br />

يساندون املتمردين على العثمانيني يف البلقان <strong>العثمانية</strong> اأثناء السلم كي تبقى <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> يف مشاكل مستمرة.‏<br />

كانت الهزائم <strong>العثمانية</strong> املتكررة يف القرن الثامن عرش قد ‏شجعت السالطني<br />

على حماولت الإصالح يف املجال العسكري كي تتمكن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من<br />

مقاومة اجليوش الأوروبية املتفوقة.‏ وقد اطلع العثمانيون على تفوق الغرب بواسطة<br />

احتكاكهم بهم عن طريق احلرب والتجارة والبعثات الدبلوماسية الأوروبية املقيمة<br />

يف استنبول والوفود <strong>العثمانية</strong> التي كانت ترسل بني فرتة واأخرى اإىل اأوروبا.‏ وقد<br />

اأدخل العثمانيون منذ الربع الأول للقرن الثامن عرش اإصالحات يف جمال الطباعة<br />

والبحرية والهندسة واملدفعية،‏ ولكن اخلطوط الأساسية التي كان على املشوؤولني<br />

العثمانيني اتخاذها هي اإصالح اجليش العثماين،‏ لأن النكشارية الذين كانوا عماد<br />

اجليش وصلوا اإىل درجة كبرية من الفوضى واإرهاب السالطني.‏<br />

التنظيمات <strong>العثمانية</strong> قبل السلطان سليم الثالث:‏<br />

نعني بالتنظيمات الإصالحات <strong>العثمانية</strong> يف اجليش والإدارة،‏ وهي بعبارة اأصح


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

استعمال اأساليب وطرق الغرب وتطبيقها يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ كانت اأول ما بداأت هذه<br />

الإصالحات زمن السلطان اأحمد الثالث 1703- ‎1730‎م الذي ‏سمح بفتح النافذة<br />

<strong>العثمانية</strong> باجتاه اأوروبا وذلك بعد اأن ‏شعر اأن الإدارة <strong>العثمانية</strong> ‏ضعيفة خاصة يف<br />

اجليش،‏ ولحظ السلطان تفوق الأوروبيني على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف هذا املجال.‏<br />

قام السلطان ببناء القصور وتاأسيس اأول مطبعة على النمط الأوروبي،‏ واأنشاأ اأول<br />

مدرسة عسكرية للمدفعية،‏ ونفّذ بعض الإصالحات البسيطة،‏ كانت هذه الأعمال-‏ اأي<br />

تقليد الغرب الأوروبي-‏ قد اأدت اإىل عزله عن العرش وقتل الوزير الأعظم من قبل<br />

النكشارية الذين رفضوا الإصالح.‏<br />

بعد عزل السلطان اأحمد قام السالطني الذين تبعوه بالتصال بفرنسا،‏ واأخذوا<br />

بالتدريج اإدخال الإصالحات على الإدارة واجليش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على النمط<br />

الفرنسي.‏ فمثالً‏ وصل اإىل استنبول عام ‎1784‎م وفد فرنسي مكون من خرباء عسكريني<br />

وعلميني وفنيني وذلك لإجراء اإصالحات يف اجليش والإدارة ومعاهد التعليم.‏<br />

وهكذا نستطيع القول اأنه نشاأ يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تياران،‏ الأول يريد الإصالح<br />

واتباع الأوروبيني يف منط حياتهم،‏ واأهم من قام بذلك السلطان وحاشيته،‏ والتيار<br />

الثاين ل يريد الإصالح ول يريد اتباع الغرب بل اأن يبقى القدمي على قدمه وهم<br />

النكشارية والشيوخ.‏<br />

إصالحات السلطان سليم الثالث:‏<br />

عندما اعتلى السلطان ‏سليم الثالث عرش السلطنة،‏ اأخذ على عاتقه التصال<br />

بالأوروبيني،‏ فمثالً‏ عنيّ‏ ‏سفراء عثمانيني يف معظم الدول الأوروبية،‏ وكانت مهمة<br />

هوؤلء السفراء ‏)وكانوا قد عينوا لأول مرة(‏ كتابة التقارير الرسية عن التقدم الصناعي<br />

واحلربي يف تلك الدول الأوروبية،‏ فمثالً‏ كتب راتب اأفندي تقريراً‏ مكوناً‏ من 500<br />

‏صفحة،‏ ذكر فيه الشوؤون العسكرية والإدارية يف الإمرباطورية النمساوية-‏ الهنغارية.‏<br />

ثم ‏شكل ‏سليم الثالث جملساً‏ للنظر يف تقارير السفراء ودراستها واتباع اأفضلها.‏ وقد<br />

بحث هذا املجلس املسائل املتعلقة بالفساد الإداري ورضورة اإقامة اإصالحات يف<br />

موؤسسات <strong>الدولة</strong>،‏ وكانت اأهم التقارير التي ناقشها املجلس تقرير ‏)تاتار جيق زادة(‏<br />

وهو من العلماء،‏ وكان قد كتب عن ‏رضورة اإصالح اجليش والإدارة واجلهاز التعليمي،‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

165<br />

جامعة القدس املفتوحة


166 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

وانتقد نظام املحسوبية والرشوة،‏ وانتقد اإسناد املناصب اإىل الذين يدفعون مالً‏ اأكرث،‏<br />

واأرهقوا بذلك الرعايا بالرضائب.‏ وقد توصل املجلس يف مناقشاته للتقارير املقدمة<br />

اإليه اإىل وضع ‏»النظام اجلديد«‏ وهو النظام الذي اأصدره السلطان ‏سليم الثالث والذي<br />

يتضمن الإصالحات يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وتناول ثالث جمالت هي:‏ 1. الناحية<br />

املالية.‏ 2. الناحية العسكرية.‏ 3. الناحية التعليمية.‏<br />

وقد تناولت الناحية املالية ‏رضورة اإيجاد مورد مايل جديد للدولة <strong>العثمانية</strong><br />

عن طريق امللكيات العقارية بعد وفاة اأصحابها دون وريث حيث تصبح ملكاً‏ للدولة،‏<br />

ومورد مايل اآخر هو تقليص نفوذ امللتزمني.‏ وتناولت الناحية التعليمية اإدخال<br />

مدارس هندسية لتطوير القوات العسكرية.‏ اأما الناحية العسكرية فتناولت اإدخال<br />

تطوير جديد على ‏سالح املدفعية والألغام والبحرية وغريها.‏ واأدت اإصالحاته هذه<br />

اإىل غضب النكشارية مما اأدى اإىل عزله ثم قتله،‏ كما قتل رئيف باشا الذي اأدخل<br />

الإصالحات على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وبعد وفاة السلطان ‏سليم الثالث تبعه السلطان<br />

حممود الثاين الذي قرر اتباع ‏سياسة ‏سلفه يف الإصالحات ولكن بحذر،‏ وقد استطاع<br />

عام ‎1826‎م القضاء على النكشارية الذين وقفوا يف طريق الإصالح.‏<br />

لذا حني ‏صعد ‏سليم الثالث اإىل العرش بداأ باإيفاد ‏سفراء ومبعوثني اإىل اغلب<br />

العواصم الغربية الأوروبية،‏ ولأول مرة اأصبح للدولة <strong>العثمانية</strong> ‏سفراء دائمون يف<br />

عواصم خارجية،‏ وكان الهدف من اإرسالهم هو توطيد الصالت مع هذه الدول والتعرف<br />

على تنظيماتهم الإدارية والعسكرية.‏<br />

وقد ‏شكل السلطان ‏سليم الثالث جملس ‏شورى،‏ وهو نوع من احلكومة،‏ كانت<br />

تدرس فيه التقارير والقرتاحات.‏ كان جملس الشورى يناقش هذا النوع من التقارير<br />

ويتداول اأعضاوؤه اإمكانيات الإصالح،‏ والشيء اجلديد هو اقرتاح احللول وعرض الآراء<br />

بنوع من اجلراأة واجلدة،‏ وقد متخضت املناقشات واملداولت عن اإعالن ‏“النظام<br />

اجلديد”‏ وهو عبارة عن جمموعة من التنظيمات الهادفة اإىل اإجراء اإصالحات يف<br />

املجالني العسكري واملايل.‏<br />

وهكذا تبلور اجتاهان،‏ الأول:‏ اجتاه حمافظ وهم النكشارية اأراد اأن يُبقي<br />

املوؤسسات القدمية ويحفظ استمرارها،‏ بينما تبنى الجتاه الآخر وعلى راأسه السلطان


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اإنشاء موؤسسات جديدة حديثة تابعة له مبارشة ومستقلة عن الأجهزة التي تقاسمه<br />

النفوذ.‏<br />

ونستطيع اأن نقسم هذه االإصالحات اإىل جماالت ثالثة هي:‏<br />

‎1.1‎اإلصالحات املالية:‏ وتهدف اإىل اإيجاد موارد جديدة للخزينة يف ‏سبيل ‏سد<br />

الحتياجات واملتطلبات الناجتة عن مقتضيات التسلح واإيجاد فرق عسكرية جديدة.‏<br />

‎2.2‎اإلصالحات التعليمية:‏ وتهدف اإىل اإدخال علوم جديدة وافتتاح مدارس<br />

للهندسة والرياضيات وكل ما يتعلق بتطوير القوات املسلحة.‏<br />

‎3.3‎اإلصالحات العسكرية:‏ وهي الهدف الرئيس يف اإصالحات ‏سليم الثالث لأن<br />

التنظيمات املالية والإصالحات التعليمية كانت تهدف اإىل الإسهام يف تدعيم القوات<br />

اجلديدة.‏ وعرفت هذه القوات اجلديدة التي اأنشاأها ‏سليم الثالث باسم النظام اجلديد<br />

وتضم عدة اآلف من اجلنود املدربني واملنظمني على الطريقة الأوروبية.‏ وقد اأوجدت<br />

لهم اأمكنة جديدة للتدريب والإقامة بعيداً‏ عن رقابة قادة النكشارية.‏<br />

اأبدى السلطان ‏سليم الثالث منذ ارتقائه العرش عام ‎1798‎م اهتماماً‏ عميقاً‏<br />

باإدخال النظام اجلديد يف اجليش؛ وذلك باإعادة تنظيم الفرق العسكرية وتطوير اأسلحتها<br />

على غرار اجليوش الأوروبية احلديثة،‏ واتخذ الزي الأوروبي للجيش،‏ واستقدم خرباء<br />

عسكريني من اأوروبا لتدريبه،‏ وقد اعرتض النكشارية على هذه السياسة الإصالحية<br />

يف اجليش.‏ كان السلطان ‏سليم يتجنب الحتكاك بالنكشارية اأحياناً‏ ويدخل يف<br />

مواجهات عسكرية معهم مراراً،‏ وقد رضخ لطلباتهم مرات عديدة.‏ واأذعن السلطان<br />

‏سليم الثالث لطلبات النكشارية عام ‎1806‎م حيث اأمروه بعزل الصدر الأعظم وتعيني<br />

قائد النكشارية ‏صدراً‏ اأعظم،‏ وعني بعض ‏ضباط النكشارية يف مناصب قيادية<br />

يف اأجهزة احلكومة،‏ لقد كان رضوخ السلطان ‏سليم الثالث لالنكشارية مشجعاً‏ لهم<br />

على مواصلة ‏سياستهم العدائية للسلطان فاأخذوا يرددون احلديث النبوي الرشيف:‏<br />

‏“كل حمدثة بدعة،‏ وكل بدعة ‏ضاللة،‏ وكل ‏ضاللة يف النار”.‏ وذهبوا يف معارضتهم<br />

للسلطان اإىل قولهم اأن من تشبه بقوم فهو منهم.‏ وهكذا عارض السلطان ونظامه<br />

اجلديد كل من النكشارية ورجال الدين ورجال الطرق الصوفية وعدة قطاعات من<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

167<br />

جامعة القدس املفتوحة


168 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اجلماهري.‏ لذا وضع النكشارية خطة لعزل السلطان ‏سليم الثالث وجنحوا يف ذلك<br />

حيث اأرغموه على اإصدار فرمان باإلغاء النظام اجلديد وترسيح اجلنود الذين التحقوا<br />

باجليش وفقاً‏ لهذا النظام.‏ لكن النكشارية خافوا اإذا بقي ‏سليم ‏سلطاناً‏ اأن يبطش بهم<br />

فقرروا عزله بعد اأن استصدروا فتوى من ‏شيخ الإسالم بعزله،‏ وقد مت عزل السلطان<br />

‏سليم الثالث يف ‎1807/5/29‎م وتنصيب السلطان مصطفى الرابع وهو ابن السلطان<br />

عبد احلميد الأول.‏ وقد قتل السلطان ‏سليم الثالث يف العام ‎1808‎م )16( . وقيل اأن<br />

الذي قتله السلطان مصطفى الرابع،‏ وقد قتل مصطفى فيما بعد من قبل اأنصار ‏سليم<br />

الثالث.‏<br />

هذه هي بشكل عام الإصالحات الرئيسة التي قام بها ‏سليم الثالث،‏ ومع ذلك<br />

فاإن التناقضات السياسية والدولية مل تسمح له باأن يذهب بعيداً‏ يف تنفيذ مشاريعه<br />

وعلى ‏سبيل املثال:‏ فاإن ‏سليم الثالث الذي كان يعتمد اعتماداً‏ ‏شبه كلي على اخلرباء<br />

الأوروبيني،‏ اضطر اإىل اإعالن احلرب على فرنسا عام ‎1798‎م بعد حملة نابليون<br />

على مرص،‏ وقد استمر قطع العالقات فرتة من الزمن.‏ وهناك ‏ضغوط اجنليزية عليه<br />

وضغوط حملية وصلت اإىل حد اأدى اإىل ‏سقوطه عام ‎1807‎م وتدمري املوؤسسات التي<br />

بناها وقتل عدد من معاونيه مبا يف ذلك حممود رئيف ‏صاحب كتاب التنظيمات<br />

اجلديدة،‏ اأما حماولة اإعادة السلطان ‏سليم الثالث اإىل العرش بعد عزله فقد اأدت اإىل<br />

مقتله عام ‎1808‎م،‏ فاستلم السلطان حممود الثاين العرش 1808- ‎1839‎م.‏<br />

السلطان حممود الثاني ‏)‏‎1808‎م – ‎1839‎م(:‏<br />

عندما وصل حممود الثاين اإىل العرش،‏ عزم على تطوير القوات املسلحة جميعها<br />

مبا فيها النكشارية،‏ وحاول اإقناعهم باحلسنى بقبول اإدخال النظم احلديثة ولكنهم<br />

رفضوا.‏ وكان السلطان قد عني مصطفى البريقدار ‏صدراً‏ اأعظم،‏ وقد اجتمع هذا<br />

بالنكشارية واأفهمهم اأن الإصالح ‏رضوري للجيش،‏ وكذلك اإدخال اأحدث الأسلحة مبا<br />

فيها فيالق النكشارية،‏ كما استصدر الصدر الأعظم فتوى من ‏شيخ الإسالم بتاأييد<br />

اآراء مصطفى البريقدار.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

مل ياأبه ومل يكرتث النكشارية برغبة السلطان ول باأوامر الصدر الأعظم،‏ وطبقاً‏<br />

لتقاليدهم وضعوا قدور الطعام مقلوبة دللة على قيامهم بحركة عصيان.‏ وقد حاول<br />

الصدر الأعظم مواجهة النكشارية اإل اأنه فشل ومات حرقاً‏ عام ‎1808‎م،‏ واأخذت<br />

النكشارية بتدمري كل من يقف يف طريقها وعارضوا اإدخال النظم احلربية احلديثة<br />

يف الفيالق النكشارية.‏<br />

ويف ذاك الوقت تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حلرب مع روسيا انتهت بعقد معاهدة<br />

بخارست عام ‎1812‎م.‏ وبعد ذلك مل متض ‏سنوات قليلة حتى اندلعت الثورة اليونانية<br />

عام ‎1821‎م،‏ وقد انترصت الثورة على القوات <strong>العثمانية</strong> التي تضم عدداً‏ من الفيالق<br />

النكشارية واأوقعت القوات اليونانية والثورة بالقوات <strong>العثمانية</strong> والسكان املسلمني<br />

مذابح رهيبة.‏ وقد استعان حممود الثاين بوايل مرص حممد علي باشا،‏ فاأرسل الوايل<br />

ابنه اإبراهيم باشا على راأس جيش مرصي عام ‎1824‎م ملساعدة السلطان،‏ ونتيجة<br />

النتصارات املرصية مع <strong>العثمانية</strong> حتى عام ‎1827‎م على اليونانيني،‏ اأعلنت روسيا<br />

اأنه ل بد من التدخل لإنقاذ اليونانيني من الفناء،‏ ويف تلك الفرتة استغل حممود الثاين<br />

وجود اجليش املرصي وقضى على النكشارية عام )17( 1826 ، كما ‏سياأتي لحقاً.‏<br />

اإلصالحات <strong>العثمانية</strong> زمن حممود الثاني:‏<br />

اإن الإقامة اجلربية على ‏سليم الثالث يف القرص قد اأفادت السلطان اجلديد حممود<br />

الثاين لأنه اطلع على خطط الإصالح.‏ وقد اأرغم السلطان اجلديد يف البداية اإىل النحناء<br />

اأمام رغبات النكشارية فاأمر باإلغاء كل الإصالحات املستوحاة من الفرجنة،‏ وكان<br />

حممود مشغول باحلروب التي واجهها يف بداية حكمه ‏سواء احلروب الداخلية اأم<br />

اخلارجية.‏ وقد واجه احلركة الوهابية وحممد علي يف مرص واحلرب ‏ضد اليونان،‏<br />

وحربه مع فرنسا عام ‎1830‎م عندما احتلت فرنسا اجلزائر،‏ ولكن يف عام ‎1826‎م<br />

اأعاد حممود الثاين تشكيل قوات النظام اجلديد اإىل جانب النكشارية على اأن يقوم<br />

بتدريب القوات اجلديدة مسلمون ل مسيحيون اأو اأجانب،‏ ووافق املفتي ورجال الدين<br />

على هذا الإجراء،‏ اإل اأن النكشارية قاموا باآخر مترد لهم واأثاروا اجلماهري ‏ضد هذا<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

169<br />

جامعة القدس املفتوحة


170<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الإجراء اجلديد،‏ وخاصة فيما يتعلق بارتداء القوات اجلديدة للمالبس الأوروبية،‏ لكن<br />

الشعب وقف ‏ضدهم يف الوقت الذي اأعد فيه حممود العدة ملواجهتهم مما مكنه من<br />

القضاء عليهم عام ‎1826‎م بنفس الصورة التي قضى بها حممد علي على املماليك<br />

يف مذبحة القلعة عام ‎1811‎م.‏<br />

ولأول مرة جرى الإصالح بتدمري موؤسسة قدمية ‏»النكشارية«‏ مما جعل<br />

بالإمكان تنشيط املوؤسسات اجلديدة دون عراقيل.‏ وقد اأطلق على القوات اجلديدة<br />

اسم ‏»العساكر املحمدية املنصورة«‏ ومت ذلك بعد موافقة ‏شيخ الإسالم ورجال الدين.‏<br />

ثم األغى حممود الثاين وحدات السباهية الإقطاعيني،‏ ومنذ ذلك الوقت اأصبح خيالة<br />

اجليش يتقاضون اأجوراً.‏ كما وضع دخل الأوقاف حتت اإرشاف <strong>الدولة</strong> وضم الزعامات<br />

والتيمارات لالأمالك العامة وبذلك عزز مصادر دخل <strong>الدولة</strong> واأرسل بعثات عسكرية اإىل<br />

اأوروبا،‏ وبداأ بتحديث املصانع واإنشاء وحدات عسكرية منوذجية يف ‏سالحي املشاة<br />

والفرسان وتدريب الضباط واجلنود العثمانيني على استعمال اأحدث الأسلحة،‏ كما<br />

اأعيد تنظيم الأسطول.‏<br />

مل يبداأ حممود الثاين يف الإصالحات العسكرية اإل بعد القضاء على النكشارية<br />

عام ‎1826‎م.‏ حينئذ اأنشاأ حممود جيشاً‏ جديداً‏ مكوناً‏ من 12,000 جندي،‏ وقام<br />

بتدريب اجليش العثماين الضابط فون مولتكه وهو من بروسيا وقد اأصبح فيما بعد<br />

عام ‎1870‎م قائداً‏ عاماً‏ للجيش الربوسي،‏ عمل مولتكه على تدريب الضباط واجلنود<br />

العثمانيني على استعمال اأحدث الأسلحة،‏ واأنشاأ وحدات عسكرية منوذجية يف ‏سالحي<br />

املشاة الفرسان،‏ وبعث حممود الثاين الطالب اإىل الكليات العسكرية الأملانية.‏ واهتم<br />

بتعليم اللغات الأوروبية لالأتراك،‏ ويف عام ‎1833‎م اأنشاأ مكتباً‏ للرتجمة )18( .<br />

ويف عام ‎1834‎م اأعاد حممود الثاين افتتاح ‏سفاراته يف العواصم الأوروبية<br />

وكانت قد اأغلقت على اأثر خلع ‏سليم الثالث،‏ وجرى اأول اإحصاء ومسح لالأراضي<br />

يف العرص احلديث بهدف تنظيم التجنيد وتقدير الرضائب،‏ واأجرى حتسينات على<br />

املواصالت فاأنشاأ كثرياً‏ من الطرق اجلديدة واأنشاأ السكة احلديدية،‏ وصدرت جريدة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‏)تقومي وقائع(‏ وهي اجلريدة الرسمية،‏ وجند لأول مرة تعيني وزيراً‏ للخارجية واآخر<br />

للداخلية وثالثاً‏ للخزانة،‏ وقضى على الرشوة واملرتشني،‏ واأدخل نظاماً‏ جديداً‏ للجيش<br />

واألبسة جديدة للدولة <strong>العثمانية</strong>،‏ فقد ‏سمح بارتداء الرساويل الأوروبية – البنطلونات-‏<br />

والأحذية السوداء واملعاطف الطويلة والطربوش الذي حل حمل العمامة،‏ وقد جرى<br />

اإدخال الطربوش اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1827‎م على يد القبطان خرسو حممد<br />

باشا.‏ واتبع حممود يف لباسه فرقة موسيقية لستقبال الضيوف الأوروبيني.‏<br />

إلغاء االنكشارية:‏<br />

كان السلطان حممود الثاين قد قرر تشكيل جيش جديد وفقاً‏ للنظم الأوروبية<br />

احلديثة يف التنظيم والتسليح والتدريب،‏ ولكنه يف قراره هذا الذي يشتمل على 46<br />

مادة مل يعمد اإىل اإلغاء النكشارية بل قرر اأن تقدم كل كتيبة 150 جندياً‏ لإحلاقهم<br />

بالفرق اجلديدة،‏ وقرر اأن ل يكون املدربون من املسيحيني بل من املسلمني.‏ واأقيم<br />

حفل رسمي يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> يوؤيد قرار السلطان بتكوين الفرق اجلديدة يف<br />

اجليش العثماين،‏ لكن النكشارية تعرضت للجنود اأثناء التدريب واأوسعتهم ‏رضباً،‏<br />

وقامت بحركة مترد احتجاجاً‏ على مرشوع تطوير اجليش.‏ واجتمعت خمسة فرق من<br />

النكشارية يف ميدان يدعى ميدان اخليل ووضعوا القدور املقلوبة اأمامهم تعبرياً‏<br />

عن متردهم وعصيانهم.‏ ثم انطلقوا يف ‏شوارع استنبول يشعلون النار يف مبانيها<br />

ويحطمون املحالت التجارية.‏ كان السلطان حممود الثاين اأثناء ذلك يف القرص على<br />

بعد ميلني ونصف امليل،‏ فاأمر بقتل كل انكشاري يتعرض للجنود الذين يتم تدريبهم،‏<br />

ثم استدعى ‏شيخ الإسالم واملفتني ورشح لهم موقف النكشارية فاستصدر من ‏شيخ<br />

الإسالم فتوى بوجوب اإبادة هذه الفئة الطاغية.‏<br />

ويف ‎1826/6/16‎م خرج السلطان للقاء النكشارية يف ميدان اخليل،‏ يصحبه<br />

عدد من الفرق العسكرية والشعب ورجال املدفعية الذين اأحاطوا بامليدان واحتلوا<br />

جميع اجلهات املطلة عليه وسلطوا مدافعهم على النكشارية،‏ وحصدتهم املدفعية،‏<br />

واأيقنوا اأن ل طاقة على املدفعية فالتجاأوا اإىل ثكناتهم طلباً‏ للنجاة وبداأ اجلنود<br />

171<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

172<br />

النظاميون اإلقاء جثث النكشارية يف البحر،‏ ويقدر عدد قتلى النكشارية 6 اآلف<br />

انكشاري.‏ واأصدر السلطان حممود الثاين يف اليوم التايل فرماناً‏ باإلغاء النكشارية<br />

وشارتها واأعالمها.‏ ويف اليوم نفسه اأصدر السلطان فرماناً‏ باإنشاء جيش جديد اأطلق<br />

عليه العساكر املحمدية املنصورة )19( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هوامش الفصل السادس:‏<br />

‎1.1‎علي حسون:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ‏ص 96.<br />

‎2.2‎علي حسون،‏ املصدر نفسه،‏ الصفحة نفسها.‏<br />

‎3.3‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ‏ص 96.<br />

‎4.4‎عبد العزيز الشناوي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 575.<br />

‎5.5‎عبد العزيز الشناوي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 576.<br />

‎6.6‎علي حسون:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 108.<br />

‎7.7‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 192.<br />

‎8.8‎عبد الكرمي رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 125.<br />

‎9.9‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ املصدر السابق،‏ ج‎1‎‏،‏ ‏ص 195. انظر اأيضاً:‏ Hurewitz,<br />

J. C. vol. 1. pp. 47- 51<br />

‎1010‎رافق:‏ املصدر السابق،‏ ، ‏ص 228.<br />

‎111‎الربت حوراين:‏ الفكر العربي يف عرص النهضة،‏ ‏ص 57.<br />

‎1212‎الشناوي:‏ املصدر السابق،‏ ج 1، ‏ص 197.<br />

‎1313‎رافق:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 228.<br />

‎1414‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ املصدر السابق،‏ ج‎1‎‏،‏ ‏ص 207.<br />

‎1515‎علي حسون:‏ العثمانيون والروس،‏ ط 1، املكتب الإسالمي،‏ بريوت 1982، ‏ص 96.<br />

‎1616‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ املصدر السابق،‏ ج‎1‎‏،‏ ‏ص 530.<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

173


174<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎1717‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ املصدر نفسه،‏ ج‎1‎‏،‏ ‏ص 542.<br />

‎1818‎احمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ ‏ص 187.<br />

‎1919‎الشناوي:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 551.


الفصل السابع<br />

أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل السابع<br />

أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

هناك اأسباب كثرية اأدت اإىل اإضعاف ثم ‏سقوط <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ومن<br />

هذه االأسباب:‏ االأسباب السياسية واالقتصادية واالجتماعية واخلارجية.‏<br />

أ.‏ األسباب السياسية:‏<br />

1. ضعف السالطني:‏<br />

كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قوية يف بداية عهدها وحتى نهاية عهد السلطان ‏سليمان<br />

القانوين.‏ فبعد وفاة هذا السلطان بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالضعف التدريجي واهتم<br />

السالطني الذين جاءوا بعده بشوؤونهم اخلاصة الفردية ومل يهتموا كثرياً‏ ب<strong>الدولة</strong>،‏ بل<br />

اأمضوا حياتهم باللهو يف القرص،‏ حتى اأن كثرياً‏ منهم مل يقم بقيادة اجليوش اأثناء<br />

احلروب،‏ ونتيجة لهذا الضعف استلم الصدر الأعظم زمام الأمور،‏ فاأصبحت بيده<br />

السلطة الفعلية حيث قام بقيادة اجليوش بدلً‏ من السلطان.‏ فمنذ عام ‎1566‎م اأي منذ<br />

وفاة السلطان ‏سليمان القانوين وحتى عام ‎1718‎م حكم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ثالثة عرش<br />

‏سلطاناً‏ )1( . ظهرت مالمح الضعف عليهم.‏<br />

كما لعب الكزلر اآغا – املشوؤول عن احلرمي يف القرص – دوراً‏ هاماً‏ يف تسيري<br />

دفة احلكم يف الوليات،‏ وكذلك لعبت زوجة واأم السلطان دوراً‏ فعالً‏ يف ‏شوؤون <strong>الدولة</strong><br />

السياسية الداخلية واخلارجية )2( . وقد وصل الأمر اإىل اأن قام اجليش بعزل السلطان<br />

اأو خلعه اأو قتله،‏ كما حصل مع السلطان ‏سليم الثالث.‏ ول ننسى دور ‏شيخ الإسالم<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

177


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

178<br />

اأيضاً‏ يف التدخل يف الشوؤون السياسية،‏ لأنه كان حسب وظيفته الدينية يستطيع عزل<br />

السلطان.‏<br />

2. ضعف اجليش العثماني:‏<br />

ومن الأسباب السياسية الأخرى لضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ‏ضعف اجليش.‏ لقد كان<br />

اجليش عمود <strong>الدولة</strong> ولكنه وصل اإىل مرحلة متقدمة يف السياسة فقام بقتل السلطان<br />

اأو عزله عندما مل يكن راضياً‏ عن ترصفاته.‏<br />

ومن املعروف اأن اجليش اأو القوى العسكرية التي كانت تعتمد عليها <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> هي ثالثة قوى هي:‏ اجلنود الإقطاعيون ‏»السباهية«‏ واجليش الإنكشاري،‏<br />

واجلند اخلاص اأو املرتزقة )3( . وعندما بداأ السباهي الرتباط بالأرض وحصوله<br />

على اإقطاع من <strong>الدولة</strong> خفت عنده الروح العسكرية.‏ فطول الفرتة الزمنية يف ارتباطه<br />

باأرضه اأو اإقطاعه جعلته غري كفوؤ ملواجهة اجليوش الأوروبية املدربة على الأسلحة<br />

احلديثة والفتاكة.‏<br />

كما فقد اجليش النكشاري قدرته العسكرية القتالية عندما دخل ‏صفوف<br />

النكشارية اأفراد حمليون وهم ‏)الريليه(‏ غري مدربني على القتال.‏ ومترد اجليش<br />

النكشاري مراراً‏ على الولة حتى اأنهم تدخلوا يف عزلهم واشرتكوا يف املنازعات<br />

املحلية يف الوليات وتخلى اجليش عن واجباته العسكرية وعجز عن احلفاظ على<br />

الأمن،‏ والتصدي للغزوات اخلارجية فتحول النكشاري اإىل قوة هدم بعد اأن كان قوة<br />

بناء )4( .<br />

اعتمد الولة على اجليش اخلاص ‏)املرتزقة(‏ بعد اأن ‏ضعف اجليش النكشاري.‏<br />

وقد لعب اجليش اخلاص دوراً‏ هاماً‏ يف الوليات <strong>العثمانية</strong> وخاصة الوليات العربية<br />

يف مرص وسوريا والعراق،‏ واعتمد الولة على اجليش اخلاص ملحاربة النكشارية،‏<br />

ولكن ل يعني هذا اأن اجليش اخلاص كان قادراً‏ على ‏صد الأخطار اخلارجية.‏<br />

حاول بعض السالطني اإصالح اجليش واإدخال الأسلحة احلديثة للدولة لكن<br />

اجليش النكشاري رفض،‏ مما جعل السلطان حممود الثاين يقوم بالقضاء على


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الإنكشارية عام ‎1826‎م،‏ ثم اعتمدت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على جيش نظامي مدرب على<br />

الأسلحة احلديثة.‏<br />

ول ننسى تهديد اجليوش الأوروبية املستمر للجيش العثماين،‏ واشتباكه مع<br />

اجليوش الأوربية املدربة واملسلحة باأحدث الأسلحة مما اأدى اإىل هزمية اجليش<br />

العثماين.‏<br />

3. اتساع مساحة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وعجزها الدفاع عن حدودها:‏<br />

وصلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اأقصى اتساع لها زمن السلطان ‏سليمان القانوين،‏<br />

وامتدت رقعتها على اأراضٍ‏ يف ثالث قارات هي اآسيا واأوروبا واأفريقيا،‏ فوصلت<br />

حدودها اإىل اأسوار فينا يف اأوروبا وبحر قزوين ‏شمالً،‏ وشمايل اأفريقيا عدا مراكش،‏<br />

وجميع املناطق العربية يف اآسيا،‏ ورومانيا واملجر وبلغاريا واليونان،‏ واأصبح البحر<br />

املتوسط بحراً‏ عثمانياً.‏<br />

مل تستطع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حماية هذه البقعة الواسعة ومل تستطع حماية حدودها<br />

من الأخطار اخلارجية مثل روسيا وفرنسا وبريطانيا وغريها من الدول الأوروبية.‏<br />

كما اأن عدم ربط الوليات باملواصالت الرسيعة ‏شجع املناطق البعيدة على<br />

الثورة،‏ واأدى اإىل عجز <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف فرض ‏سيطرتها على ولياتها ومقاطعاتها<br />

البعيدة.‏<br />

4. احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> قد ‏شهدت حركات انفصالية خاصة يف القرنني السابع<br />

عرش والثامن عرش،‏ حيث حاول الولة الستقالل بولياتهم وحكموا كاأنهم هم<br />

السالطني.‏ ومن اأهم هوؤالء:‏<br />

أ.‏ فخر الدين املعين الثاني يف لبنان ‎1585‎م – ‎1635‎م:‏<br />

هو اأحد اأمراء لبنان من اآل معن الدروز الذين حكموا اإمارة الشوف من عام<br />

– 1120 ‎1623‎م.‏ يعترب فخر الدين اأشهر اأمراء بالد الشام عموماً‏ ولبنان خصوصاً،‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

179


180 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اإذ اأنه حكم املناطق املمتدة بني يافا وطرابلس باعرتاف ورضا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏<br />

‏سيطر على جميع الأراضي التي تضم مناطق لبنان املعارص بحدوده احلالية ويعترب<br />

موؤسس لبنان احلديث.‏<br />

كان فخر الدين ‏سياسياً‏ بارعاً‏ استطاع اأن ميد اإمارته لتشمل معظم ‏سوريا الكربى<br />

ويحصل على اعرتاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسيادته على كل هذه الأراضي،‏ على الرغم من<br />

اأن <strong>الدولة</strong> يف ذلك الوقت كانت ل تزال يف ذروة جمدها وقوتها ومل تكن لرتضى باأي<br />

وال اأو اأمري ليظهر اأي حماولة توسع اأو استقالل اأو ما ‏شابه ذلك.‏<br />

حتالف فخر الدين مع دوقية نوسكانا يف اإيطاليا ومع اإسبانيا،‏ وازدهرت البالد<br />

طيلة اأيام حكمه وكرثت التجارة مع اأوروبا.‏<br />

حتالف اأيضاً‏ مع اآل ‏شهاب اأمراء وادي التيم واآل حرفوش اأمراء بعلبك ‏ضد احللف<br />

املكون من يوسف ‏سيفا يف طرابلس ومنصور بن فريخ يف بعلبك.‏ راأى فخر الدين اأن<br />

يزيح بن فريخ اأولً‏ فصادق مراد باشا وايل الشام واأوعز اإليه بطرد ابن فريخ لأنه<br />

يشكل خطراً‏ عليه،‏ فاستدرجه الوايل اإىل دمشق فقبض الوايل على منصور بن فريخ<br />

وقتله،‏ لذلك انتقلت اأراضي بني فريخ يف بعلبك اإىل بني حرفوش حلفاء فخر الدين<br />

املعني.‏<br />

وجرت معركة بني فخر الدين ويوسف ‏سيفا يف جونية عام ‎1635‎م انترص فيها<br />

فخر الدين وضم اأراضي كرسوان والفتوح وبريوت،‏ ولكي يحافظ فخر الدين على<br />

مكاسبه اجلديدة اأخذ يغمر وايل دمشق بالهدايا،‏ فاعرتف الوايل باإمارة فخر الدين<br />

على املناطق التي استوىل عليها )5( .<br />

اأرسل دوق توسكانا األف بندقية اإىل ‏صديقه فخر الدين املعني يف ‏صيدا ملحاربة<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ واستصدر دوق توسكانا براءة من البابا بولس اخلامس دعا فيها<br />

موارنة لبنان اإىل املحاربة حتت لواء فخر الدين،‏ ولكي ل تثري عالقات فخر الدين<br />

بتوسكانا قلق <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ اأخذ يواصل دفع الرضائب املطلوبة منه يف مواعيدها<br />

بل قبل مواعيدها اأحياناً‏ )6( .<br />

مكث فخر الدين بعيداً‏ عن وطنه خمس ‏سنوات يف اأوروبا منفياً،‏ قضى منها<br />

‏سنتني يف توسكانا وثالث ‏سنوات يف اأراضٍ‏ تابعة لإسبانيا،‏ وكان قصده من هذه


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الإقامة يف اأوروبا تشجيع الدول الأوروبية على حماربة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جمتمعني،‏<br />

ولكنه فشل يف ذلك،‏ ثم رجع اإىل لبنان.‏<br />

اأدرك فخر الدين تقلب السياسية <strong>العثمانية</strong> واضطرابها،‏ فحرص على اأن تبقى<br />

عالقاته مع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> متصلة،‏ وقوى مركزه يف استنبول معتمداً‏ على بعض<br />

الوزراء يف العاصمة <strong>العثمانية</strong> من ذوي النفوذ،‏ فاأغدق عليهم الهدايا والأموال،‏ وهكذا<br />

‏ضمن فخر الدين عواطف رجال احلكم يف العاصمة <strong>العثمانية</strong>.‏ وكان وايل دمشق قد<br />

جدد له حكم ‏سنجقيات ‏صفد واجلليل ونابلس وزاد عليها غزة وعكا والنارصة وطربيا<br />

وعجلون،‏ وهذه املناطق اأمدت جيشه بالرجال واملال.‏<br />

وكذلك وسع اإمارته ‏شمالً‏ فاستوىل على ‏سلمية وحمص وحماة وحلب واأنطاكيا<br />

وتدمر.‏ وهكذا ‏شملت اإمارة فخر الدين لبنان كله وسوريا وفلسطني ورشقي الأردن.‏<br />

واأطلق السلطان العثماين على فخر الدين لقب ‏»سلطان الرب«‏ عام ‎1624‎م واأطلق عليه<br />

لقباً‏ اأخر هو ‏»اأمري عربستان«‏ اأي اأمري بالد العرب )7( .<br />

نظم فخر الدين اإمارته تنظيماً‏ اإدارياً‏ يكفل له الإرشاف على اأمورها العامة،‏<br />

فجعل فيها موظفني مشوؤولني يعينهم بنفسه،‏ وحدد لهم مرتبات يتقاضونها من<br />

خزينة الإمارة.‏<br />

كان فخر الدين حمباً‏ للبناء والعمران كما كانت ظروف حياته العسكرية تفرض<br />

عليه الهتمام باإقامة احلصون والقالع والأبراج وحتسينها وتطوير هندستها.‏<br />

وبنى الأمري فخر الدين قرصاً‏ له يف دير القمر ما تزال اآثاره باقية حتى اليوم<br />

وشيّد لالأمراء املعنيني قصوراً‏ يف ‏صيدا واأنشاأ اخلانات يف املدن وعلى الطرق الطويلة،‏<br />

لكي ينزل فيها التجار الأجانب واملسافرون.‏ وكانت احلياة القتصادية مزدهرة خالل<br />

عهده وساعده هذا على حتقيق اأهدافه السياسية،‏ فقد استطاع اأن يستغل ثروة بالده<br />

الزراعية والصناعية لتسديد الرضائب املفروضة عليه للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

راأى السلطان مراد الرابع اأن الوقت قد حان للقضاء على الأمري فخر الدين الذي<br />

ذاعت ‏شهرته يف كل مكان،‏ فجهز حملتني كبريتني الأوىل برية يقودها اأحمد الكوجك<br />

181<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

182<br />

من 80,000 جندي واأخرى بحرية يقودها اأمري البحر جعفر باشا مكونة من عرشين<br />

مركباً‏ حربياً.‏<br />

توجهت احلملتان اإىل لبنان عام ‎1633‎م،‏ ‏شعر فخر الدين عندئذٍ‏ بضعفه اأمام<br />

عدوه القوي،‏ عندئذٍ‏ اأقدم اأحد خدمه بخيانته فاأرشد الكوجوك على جمرى املاء الذي<br />

يوصل اإىل فخر الدين.‏ ووقع الأمري اأسرياً‏ باأيدي العثمانيني عام ‎1635‎م،‏ وقام<br />

السلطان مراد الرابع بقتل زوجات الأمري يف دمشق،‏ وقتل فخر الدين ثم اأولده يف<br />

‎1635/4/13‎م )8( .<br />

ب.‏ حركة ظاهر العمر يف فلسطني ‎1750‎م – ‎1775‎م:‏<br />

‏◄◄ظاهر العمر )9( :<br />

ينتمي الشيخ ظاهر العمر اإىل الزيادنة،‏ جد زيدان،‏ الذي نُسب اإىل اأرشاف بني زيد<br />

بن احلسني بن علي بن اأبي طالب،‏ ارحتل مع اأرسته اإىل بالد الشام يف اأواخر القرن<br />

السابع عرش،‏ واستقربهم املقام يف منطقة ‏صفد،‏ وحول بحرية طربيا،‏ وكانت تتبع<br />

ولية ‏صيدا،‏ وملا تويف زيدان متكن ابن عمر اأن يصبح ‏شيخاً‏ على ‏صفد عام ‎1698‎م<br />

بكفالة الأمري بشري الشهابي اأمري الدروز وصديق وايل ‏صيدا،‏ وملا تويف عمر،‏ اجتهت<br />

اأنظار اأهايل طربيا وصفد اإىل ابنه ظاهر فاختاروه حاكماً‏ عليهم،‏ واضطر حممد باشا<br />

وايل ‏صيدا اإىل تثبيته عام ‎1733‎م.‏<br />

كان ظاهر العمر تابعاً‏ لوايل ‏صيدا،‏ وقام بعدة حروب من اأجل جمع الأموال<br />

‏)كملتزم(‏ واإرسالها للوايل،‏ وحارب مشايخ الفالحني بالقرب من طربيا مقر اإقامته،‏<br />

ومن هوؤلء عرب الصقر الذين استطاعوا الدفاع عن اأنفسهم ومسكوا ‏صالح العمر ‏)اأخ<br />

لظاهر(‏ واأرسلوه اأسرياً‏ اإىل ‏سليمان باشا العظم وايل دمشق فاأعدمه.‏ غضب ظاهر<br />

وهاجم مشايخ عرب الصقر وقتل كثرياً‏ منهم،‏ وحارب الدروز وتوسع يف مناطقهم<br />

وحارب جبل نابلس وتوسع حتى ‏سهل مرج ابن عامر.‏<br />

اأراد ‏سليمان باشا العظم الشتباك مع ظاهر فاأرسل حملة اإىل طربيا بقيادة<br />

اإبراهيم باشا والتقيا يف معركة يف عكا فانترص ظاهر العمر ورجع اإبراهيم لدمشق


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

مهزوماً،‏ عندئذٍ‏ قرر ‏سليمان باشا العظم القدوم بنفسه مع جيش جرار لإخضاع<br />

ظاهر واحتالل طربيا،‏ ولكنه فشل وانسحب بسبب قرب موسم احلج كي يرشف على<br />

احلجيج )10( .<br />

وعندما رجع ‏سليمان باشا العظم من احلج اأمره السلطان حممود الأول العودة<br />

مرة ثانية ملحاربة ظاهر العمر واإخضاعه،‏ فجهز ‏سليمان باشا جيشاً‏ وسار به اإىل<br />

طربيا عام ‎1738‎م وبداأ يحارص ظاهر،‏ لكن ‏رسعان ما اضطر لفك احلصار لأن الباب<br />

العايل نقله اإىل وظيفة اأخرى،‏ واستمر ظاهر يوسع نفوذه على النارصة واأجزاء من<br />

مرج ابن عامر وصفد،‏ ويف عام ‎1742‎م عاد ‏سليمان العظم مرة اأخرى وحارص طربيا<br />

اإل اأنه اأرغم مرة ثانية على فك احلصار،‏ وبعد ‏سنة جمع جيشاً‏ كبرياً‏ بهدف اأن ينتقم<br />

من ظاهر )11( ، وهذه هي احلملة اخلامسة ‏ضد ظاهر العمر،‏ وعندما وصل اإىل لوبية<br />

مرض ومل يتابع الزحف نحو طربيا بل مات يف الطريق وهرب جيشه راجعاً‏ لدمشق<br />

فاستوىل ظاهر على ما بحوزة اجليش املهزوم من اآل العظم.‏<br />

بعد انتصار ظاهر العمر قام بتهديد اأهايل عكا كي يخرجوا منها،‏ فخرجوا ولذلك<br />

اأرسل لوايل ‏صيدا يطلب التزام عكا لأنها كانت تابعة لوايل ‏صيدا وحقق ما اأراد ظاهر.‏<br />

ثم حصل على التزام حيفا رغماً‏ عن وايل الشام الذي غضب منه لأنه مل يرسل الأموال<br />

التي كان قد جمعها من حيفا اإىل وايل الشام.‏<br />

توىل اأسعد باشا العظم حكم ولية الشام بعد ‏سليمان باشا العظم،‏ واتخذ اأسعد<br />

موقفاً‏ مساملاً‏ من ظاهر ملدة 14 عاماً‏ وهي مدة حكمه على الشام.‏ استغلّ‏ ظاهر العمر<br />

هذه الفرتة الزمنية فاأخذ يقوي جيشه،‏ ثم توىل حكم الشام عثمان باشا الكرجي وهو<br />

اأحد مماليك اأسعد باشا العظم الذي ‏صمم على جمابهة ظاهر العمر،‏ لكن عالقة ظاهر<br />

العمر كانت جيدة مع القزلر اآغا واآخرين يف القرص السلطاين،‏ فعقدت يف العاصمة<br />

<strong>العثمانية</strong> حمكمة كي تقضي بالأمر اإما مع وايل الشام اأو مع ظاهر،‏ وقد جنح ظاهر<br />

من قرار املحكمة التي قررت اأن عثمان باشا الكرجي رجل اعتدى على ظاهر،‏ واأن<br />

ظاهر ‏ضم حيفا واجليزة واحلمرتني غصباً‏ عنه؛ حماية لدمه وصيانة حلياته حسب<br />

قرار املحكمة )12( .<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

183


184 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

كما جرت مراسالت بني ظاهر العمر وعلي بك يف مرص لالشرتاك يف مهاجمة<br />

وايل الشام عثمان باشا،‏ فاأرسل علي بك جيشاً‏ بقيادة حممد بك اأبو الذهب عام<br />

‎1771‎م وجرت معركة بني الفريقني على اأبواب الشام انترص فيها ظاهر العمر وحممد<br />

بك اأبو الذهب،‏ وهزم عثمان يف املعركة.‏ وبعد مكوث اأبو الذهب ثمانية اأيام يف دمشق<br />

رجع اإىل مرص دون علم علي بك،‏ وكانت خطة مرسومة من اأبو الذهب واإسماعيل بك<br />

لالنقالب على علي بك واستالم اأبو الذهب حكم مرص،‏ وقد فشلت هذه اخلطة لكن علي<br />

بك مل يعاقب اأبو الذهب على فعلته هذه )13( .<br />

بعد رجوع اأبو الذهب ملرص رجع عثمان باشا من حمص لأنه كان مقيماً‏ فيها<br />

بعد هزميته السابقة يف الشام،‏ وبداأ يف التحضري ملهاجمة ظاهر يف عكا،‏ واستعان<br />

بالدروز،‏ بينما استعان اجلزار باملتاولة والتقيا بالقرب من بحرية احلولة ‏شمايل<br />

فلسطني،‏ وانترص ظاهر العمر وهرب عثمان للشام مرة ثانية،‏ وسمع باخلرب وايل<br />

‏صيدا ‏)درويش باشا(‏ ابن عثمان باشا وايل الشام فرتك ‏صيدا وهرب لوالده يف الشام<br />

فاستلم ظاهر حكم ‏صيدا.‏<br />

بعد هذه النتصارات التي قام بها ظاهر العمر عزلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عثمان<br />

باشا الكرجي وعينت بدلً‏ منه عثمان باشا الوكيل )14( .<br />

هرب علي بك من مرص عام ‎1772‎م اإثر نزاعه مع حممد بك اأبو الذهب،‏ وجلاأ اإىل<br />

ظاهر العمر،‏ لقد كان هدف علي بك اإعادة ‏سلطته يف مرص وروؤية ظاهر موطد السلطة<br />

ليحميه من القوات <strong>العثمانية</strong> الربية.‏ وكان املتاولة بحكم كراهيتهم لأمراء جبل لبنان<br />

اإىل جانب ظاهر العمر وعلي بك.‏<br />

ظهر الأسطول الروسي على املرسح العسكري،‏ حيث اقرتبت مراكبه من حيفا عام<br />

‎1772‎م لدعم علي بك وظاهر العمر تنفيذاً‏ لتفاق ‏سابق مع علي بك.‏<br />

وكان للطرفني مصلحة يف ذلك.‏ فالروس اأرادوا خلق املشاكل مع <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> العدوة اللدود للروس،‏ واأراد علي بك وظاهر العمر اإنقاذ نفوذهما وبناءً‏ على<br />

طلبهما توجه الأسطول الروسي اإىل بريوت لتحطيم املراكب <strong>العثمانية</strong> فيها ولأشغال<br />

الأمري يوسف بالدفاع عنها وكان يحكم بريوت.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

طلب يوسف باشا حاكم بريوت املساعدة من عثمان باشا الوكيل حاكم دمشق<br />

حلماية بريوت فاأرسل الوكيل طائفة من اجلند على راأسهم اأحمد بك اجلزار.‏ ٍ<br />

قرر ظاهر العمر الستيالء على بريوت وفيها عدد من الدروز الذين كانوا يف عداء<br />

مع ظاهر،‏ فطلب الدروز مساعدة من وايل الشام عثمان باشا الوكيل،‏ فاأرسل لهم اأحمد<br />

باشا اجلزار كي يحافظ على بريوت من اأي اعتداء من ظاهر العمر،‏ كما استطاع ظاهر<br />

‏ضم مدينة يافا مبساعدة جيش علي بك من مرص.‏<br />

خطط حممد بك اأبو الذهب يف مرص اأن يقتل علي بك املوجود مع ظاهر،‏ فطلب<br />

من السناجق اأن يرسلوا رسائل اإىل علي بك للحضور ملرص لأنهم يوؤيدونه ول يوؤيدون<br />

اأبو الذهب،‏ وكانت هذه حيلة من اأبو الذهب للتخلص من علي بك،‏ وقد نصح ظاهر<br />

العمر ‏صديقه علي بك اأن يصرب ول يذهب ملرص لقتال اأبو الذهب حتى يتاأكد من<br />

اخلرب،‏ لكن علي بك ‏صمم اأن يعود ملرص ويستلم احلكم بعد اأن يطرد اأبو الذهب،‏ ولكن<br />

احليلة التي رسمها اأبو الذهب جنحت ومت قتل علي بك وقتل ‏صليبا بن ظاهر العمر.‏<br />

جرى ‏صلح وحتالف بني ظاهر العمر والدروز وعندما ‏سمع عثمان باشا الوكيل<br />

بذلك جهز جيشاً‏ وسار به ملحاربة الدروز ووصل اإىل البقاع،‏ عندئذٍ‏ اجتمع جيش ظاهر<br />

العمر مع جيش الدروز قاصدين البقاع لقتال عثمان باشا الوكيل،‏ وفعالً‏ هرب الوكيل<br />

واستلم الدروز كل خملفات اجليش املوجودة مع الوكيل،‏ وسمح لهم ظاهر العمر بذلك.‏<br />

وطلب الدروز من حليفهم ظاهر طرد اجلزار من بريوت،‏ وبعد حمارصة اجلزار يف<br />

بريوت وافق على تسليم بريوت للدروز ‏رشيطة اأن يخرج باأمان وحتت حماية ظاهر<br />

العمر الذي كان يف عكا،‏ وبالفعل حصل اجلزار على الأمان ومل يصبه الدروز باأذى<br />

وخرج حتت حماية جيش ظاهر العمر الذين اصطحبوه اإىل عكا.‏<br />

خرج اأولد ظاهر عن طاعته وحالفوا حممد بك اأبو الذهب وخرج ظاهر من عكا<br />

واستلمها حممد بك اأبو الذهب،‏ وكانت اأواخر حياته اأن قطع املغاربة راأس ظاهر العمر<br />

واأرسلوه اإىل الدنكزيل )15( ، الذي قدم الراأس اإىل حسن باشا )16( واأبقى جسده على<br />

‏شاطئ البحر.‏ كان عمر ظاهر العمر اأثناء وفاته 85 عاماً‏ قضى منها:‏ 32 عاماً‏ يف<br />

عكا وبقية عمره قضاها يف طربيا.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

185<br />

جامعة القدس املفتوحة


186 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

كان ظاهر العمر منذ بداية حكمه رجالً‏ طموحا،‏ انهمك يف توسيع ممتلكاته<br />

التي منحها له اأمري لبنان لوالده،‏ فبداأ يوسع منطقة نفوذه على حساب دمشق وصيدا<br />

حتى نصب مترصفاً‏ يف ‏صيدا عام ‎1733‎م ثم على يافا وحيفا والرملة ونابلس عام<br />

‎1735‎م وصفد عام ‎1739‎م.‏<br />

كان ظاهر العمر ملتزماً‏ ‏)حمصالً(‏ للرضائب يف ‏شمايل فلسطني،‏ عينته <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> على منطقة ‏صفد،‏ واستطاع توطيد حكمه يف ‏صفد وطربيا وقام باحتالل<br />

عكا وحيفا والنارصة.‏ واأعلن انفصاله عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وحتالف مع علي بك يف<br />

)17(<br />

مرص واتفقا على حماربة العثمانيني كما اتصال مع الأسطول الروسي للمساعدة<br />

. وعندما ازدادت ‏سلطة ظاهر العمر قرر السلطان اإرسال حملة عسكرية لإخضاعه<br />

وقتله.‏<br />

ج.‏ حركة علي بك الكبري يف مصر ‎1754‎م – ‎1772‎م:‏<br />

كان يطمح علي بك عدا عن حكم مرص بالشام واحلجاز،‏ فجهز حملة اأرسلها<br />

للحجاز وسيطر عليها وذلك بعد قضائه على خصومه يف مرص،‏ ثم اأرسل حملة اأخرى<br />

اإىل بالد الشام وضع على راأسها حممد بك اأبو الذهب،‏ وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مشغولة<br />

يف حروبها مع روسيا.‏ لكن نزاعاً‏ نشب بني علي بك وقائده حممد بك اأبو الذهب<br />

فانترص الأخري وهرب علي ملتجئاً‏ اإىل ظاهر العمر يف فلسطني،‏ ولكن علي بك تويف<br />

يف معركة مع اأبو الذهب وتخلصت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من حاكم كان يطمح بالستقالل<br />

عن العاصمة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

د.‏ حركة أمحد باشا اجلزار ‎1773‎م – ‎1804‎م:‏<br />

‏◄◄أمحد باشا اجلزار )18( :<br />

ولد اجلزار يف عام ‎1720‎م،‏ يعود اأصل اجلزار اإىل البوسنة يف البلقان فهو من<br />

البشناق.‏ هرب اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong> الأستانة ‏)اسطنبول(‏ وهو يف ‏سن السادسة<br />

عرشة من عمره،‏ ثم بيع اإىل اأحد جتار الرقيق ورحل اإىل مرص واستقر فيها،‏ ‏سمي<br />

باجلزار لأنه برع يف فنون البطش وسفك الدماء،‏ واختلف املوؤرخون يف ‏سبب تلقيبه<br />

باجلزار فمنهم من قال بسبب قسوته وغدره ‏سمي بهذا اللقب.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

نال اجلزار حظوة عند علي بك يف مرص،‏ ولكن حدث ما عكر ‏صفو العالقة احلسنة<br />

بينهما،‏ وخاف على نفسه من القتل ففر اإىل الأستانة ومنها اإىل حلب فبريوت باحثاً‏<br />

عن عمل ومن بريوت اإىل دير القمر،‏ وعمل باجلمارك ثم يف ‏سلك اجلندية )19( .<br />

كان قد كلف من ‏سلطات دمشق بحماية بريوت،‏ ولكنه مترد على حاكمها الأمري<br />

يوسف الشهابي،‏ وقد عينه السلطان بعد القضاء على ظاهر العمر حمافظاً‏ لعكا،‏ وحني<br />

عزل وايل ‏صيدا العثماين عام ‎1775‎م اأرسل اجلزار متسلماً‏ اإىل ‏صيدا ليحكمها باسمه،‏<br />

ويف عام ‎1776‎م دخل اأحمد اجلزار ‏صيدا والياً‏ عليها من قبل السلطان العثماين،‏<br />

واأعطي رتبة وزير )20( .<br />

وبتعيني اأحمد باشا اجلزار على ولية ‏صيدا،‏ انتقل زمام املبادرة السياسية يف<br />

بالد الشام اجلنوبية من ولة دمشق اإليه،‏ واأصبحت دمشق تدور يف فلك قوته.‏<br />

كانت ‏سياسيته الداخلية اإثر حصوله على باشوية ‏صيدا مبارشة تشكيل جيش<br />

من الألبانيني،‏ وجيش اآخر من املغاربة،‏ واأنشاأ اأسطولً‏ ‏صغرياً‏ يف ميناء عكا،‏ واتبع<br />

‏سياسة تعسفية يف جمع الرضائب من الأهايل.‏ وكرر هذا كثرياً،‏ فعندما توىل وليتي<br />

طرابلس ودمشق عام ‎1785‎م فرض على ‏سكانهما ‏رضائب باهظة،‏ غضب الشعب<br />

وقام بعدة ثورات ‏ضده،‏ منها مثالُ‏ ثورة الفالحني يف دمشق،‏ ولكنها اأخمدت بقسوة<br />

من قبل قوات اجلزار،‏ ثم ثورة عام ‎1789‎م والتي استوىل الثوار خاللها على بريوت<br />

وصيدا وصور واقرتبوا من عكا مقر اإقامة اجلزار،‏ لكن اخليانة التي وقعت بني ‏صفوف<br />

الثوار من الإقطاعيني ‏ساعدت اجلزار يف اإخماد الثورة عند وصولها اإىل اأسوار عكا.‏<br />

اأما ‏سياسة اجلزار اخلارجية فكانت متوترة مع الشهابيني خاصة عندما بداأ<br />

يتوسع يف الأقاليم الساحلية ويف جبل لبنان،‏ كانت املنطقة حتت حكم يوسف<br />

الشهابي،‏ واصطدم الثنان ‏)اجلزار والشهابي(‏ واشتعلت احلرب بينهما وانترص اجلزار<br />

وطلب من الشهابيني انتخاب بشري الشهابي بدلً‏ من يوسف الشهابي حاكماً‏ على<br />

لبنان،‏ منذراً‏ اجلزار كالً‏ من الدروز واأهايل الشوف واملنت وكرسوان يف لبنان اأن<br />

يطيعوا بشري الشهابي واأن يكون حاكماً‏ عليهم )21( .<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

187


188<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

استطاع اجلزار القضاء على الزيادنة مبقتل علي بن ظاهر العمر وفرض ‏رضائب<br />

كثرية على املناطق التي وقعت حتت ‏سيطرته.‏<br />

كما عمل اجلزار للحد من نفوذ اأرسة اآل العظم يف دمشق واأرسة اآل ‏شهاب يف<br />

لبنان،‏ ويف عام ‎1785‎م عينت احلكومة <strong>العثمانية</strong> اأحمد باشا اجلزار والياً‏ على دمشق،‏<br />

فقام بتعيني اثنني من مماليكه على ‏صيدا وطرابلس وسيطر على دمشق ملدة عامني،‏<br />

ومل تعد دمشق باشوية لآل العظم وعني ثالث مرات والياً‏ على دمشق.‏<br />

ووقعت ثورة ثالثة ‏ضد اجلزار كانت عام ‎1798‎م وتعد من اأشد الثورات لكن<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تدخلت يف تسوية النزاع الدائر بني اأهايل دمشق واجلزار،‏ فنجم عن<br />

هذه التسوية تولية والٍ‏ جديد على دمشق،‏ وعندما عزل اجلزار عن دمشق عرب الناس<br />

عن فرحتهم ورسورهم بتزيني البلد واإشعال الشموع حتى يف النهار )22( ، احتفالً‏<br />

حياً‏ من خالل النرص النفس الكبري الذي انتابهم.‏<br />

اتبع اجلزار ‏سياسة فرق تسد بني يوسف الشهابي وبشري الشهابي كي يبقى<br />

مسيطراً‏ على جبل لبنان،‏ فعرض يوسف اأموالً‏ للجزار حلكم جبل لبنان وقدم بشري<br />

اأموالً‏ اأكرث وكانت هذه الأموال من ازدياد الرضائب على الأهايل.‏ وقد وضع اجلزار<br />

نهاية لالأمري يوسف حيث اأمر اجلزار بشنقه يف عكا.‏<br />

ويف عام ‎1799‎م دخلت احلملة الفرنسية فلسطني قاصدة عكا فحارصها<br />

نابليون بونابورت،‏ ومتكن اجلزار مبساعدة الأسطول الإجنليزي بقيادة ‏سدين ‏سميث<br />

الدفاع عن املدينة دفاعاً‏ مستميتاً،‏ وما اإن فشلت احلملة الفرنسية على مرص وبالد<br />

الشام،‏ حتى بداأت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تناور بني قوتني ‏سياسيتني قوة اجلزار الإقليمية<br />

وقوة بشري الشهابي املتنامية.‏<br />

‏رشع اجلزار يف تقوية دفاعه،‏ واتخذ عكا مركزاً‏ له،‏ وكان يقيم فيها عرشة اأشهر<br />

ويقيم املدة الباقية من السنة يف ‏صيدا التي كانت مركز الولية الرسمي.‏<br />

استخدم اجلزار جيشاً‏ من املماليك واملرتزقة ‏ضم البشانقة والأرناوؤوط والأكراد<br />

واملغاربة.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

لقد عانى الأهايل من الرضائب الباهظة التي فرضها اجلزار على الفالحني<br />

لتقوية جيشه،‏ وجلاأ اجلزار اإىل اأعمال السخرة يف حتصني عكا،‏ وطلب من الفالحني<br />

تقدمي خدماتهم جماناً‏ مما اأرض بالزراعة.‏<br />

جلاأ اجلزار بسبب حاجته اإىل املال اإىل الضغط على امللتزمني يف منطقته،‏ وحاول<br />

السلطان عزل اجلزار بسبب ازدياد نفوذه،‏ ولكن اجلزار حتدى اأوامر السلطان بعزله،‏<br />

وطرد الباشا الذي عني مكانه،‏ واضطر السلطان اإىل التغاضي عنه ل ‏سيما واأن اجلزار<br />

كان يوطد الأمن يف منطقته،‏ وقد اأصبح قوياً‏ اإىل درجة يصعب معها عزله بسهولة.‏<br />

مل يقم اجلزار بحركة انفصالية زمن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ولكن مت تعيني اجلزار والياً‏<br />

على عكا عام ‎1775‎م،‏ وقد اأمضى وقته يف حروب طاحنة مع اأبناء ظاهر العمر،‏<br />

وقد خضعت له مناطق يف ‏سوريا وفلسطني ولبنان مثل ‏صفد وطربيا وصور ونابلس<br />

وجنني،‏ وبسبب ‏شهرته واأدائه الرضائب للسلطان عينه والياً‏ على دمشق اأيضاً‏ عام<br />

‎1780‎م،‏ وبذلك خضعت له جميع ‏سوريا وبداأ يجمع الأموال الكثرية من الفالحني<br />

بحجة الرضائب،‏ ولكنه مل يعلن عن رغبته يف النفصال عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> رغم اأنه<br />

كان يترصف وكاأنه احلاكم الفعلي يف بالد الشام.‏<br />

5. الثورات الداخلية:‏<br />

نشبت ثورات داخلية عديدة داخل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأدت اإىل الفوضى والضطراب،‏<br />

وكلفت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> العناء والأموال الباهظة حتى اأعادت الأمور اإىل نصابها.‏<br />

ومن هذه الثورات والتمردات:‏<br />

. أمترد الوالة العثمانيني وميلهم اإىل الستقالل بولياتهم لأسباب منها<br />

‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وبعد هذه الوليات عن العاصمة استنبول،‏ مثل اآل العظم<br />

يف ‏سوريا،‏ والأٍرسة القرمانلية يف ليبيا،‏ واحلسينية يف تونس،‏ وحممد علي يف<br />

مرص الذي حاول تشكيل دولة عربية تضم كالً‏ من مرص وبالد الشام والسودان<br />

وشبه اجلزيرة العربية )24( .<br />

‏.بمترد االنكشارية:‏ وذلك لتحقيق مكاسب لهم،‏ ولكن السلطان حممود الثاين<br />

استطاع القضاء على النكشارية عام ‎1826‎م.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

189<br />

جامعة القدس املفتوحة


190 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‏.تالثورات الدينية:‏ ومن اأشهرها الثورة الزيدية يف اليمن،‏ واحلركة الإصالحية<br />

التي قام بها حممد بن عبد الوهاب يف جند،‏ وانترشت حركته وتعاليمه خارج اجلزيرة<br />

العربية.‏ وغضب السلطان نتيجة هذه احلركة فاأرسل الوايل املرصي حممد علي باشا<br />

للقضاء على الوهابيني.‏<br />

‏.ثخطر البدو:‏ كان البدو يقومون بالتعدي على قوافل احلجاج جنوب الأردن<br />

وحوران واأماكن اأخرى ويقومون بالسلب والنهب من احلجاج،‏ وهناك يف مرص حركة<br />

للسلب والنهب من البدو يف الدلتا.‏ وقد كلفت هذه احلركات والتعديات البدوية اأموالً‏<br />

باهظة ‏رصفتها خزينة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> للقضاء على البدو.‏<br />

6. ‏»احلروب <strong>العثمانية</strong> مع الدول الكربى«:‏<br />

خاضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حروباً‏ متواصلة مع الدول الأوروبية اأدت اإىل اإنهاك<br />

<strong>الدولة</strong> واإفقار خزينتها وفقدان اأراضٍ‏ لها يف اأوروبا حتى اأطلق عليها الروس ‏»الرجل<br />

املريض«.‏ لقد كان الصدام العثماين الروسي قوياً‏ وطويالً،‏ وكذلك الصدام مع النمسا،‏<br />

كل ذلك اأدى اإىل اإضعاف القوة العسكرية <strong>العثمانية</strong>،‏ وتوقيع معاهدات اعرتفت فيها<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بهزميتها وسلخ اأراضٍ‏ عنها،‏ مثل معاهدة كارولفيتز عام ‎1699‎م<br />

مع النمسا وقد تنازلت مبوجب هذه املعاهدة عن اأراضٍ‏ واسعة يف ترانسلفانيا واملجر<br />

واأجزاء من اأوكرانيا وغريها.‏ كما وقعت <strong>الدولة</strong> معاهدة كوجوك كينارجا عام ‎1774‎م<br />

مع روسيا،‏ اعرتف السلطان العثماين مبوجبها باستقالل ‏شبه جزيرة القرم،‏ وسمح<br />

لروسيا باإنشاء قنصليات يف مناطق خمتلفة من <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وكنائس يف القدس<br />

والقسطنطينية )25( . وتوسعات اإقليمية على حساب السلطان.‏ وقد كان لهذه احلروب<br />

التي خرستها <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عامالً‏ مهماً‏ من عوامل ‏ضعفها.‏<br />

يتضح مما ‏سبق اأن الأٍسباب السياسية والعسكرية كان لهما الدور الفعلي يف<br />

اإضعاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ول ننسى فساد الإدارة وانحالل اجليش الذي مل يستطع اأن<br />

يحمي دولة ‏»الرجل املريض«‏ مرتامية الأطراف.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ب.‏ األسباب االقتصادية:‏<br />

تستطيع كل دولة اأن تبني نفسها اإذا كان اقتصادها قوياً،‏ لذا فاإن جميع النواحي<br />

الإدارية والسياسية والعسكرية تعتمد على الناحية القتصادية فاإذا ‏ضعف اقتصاد<br />

<strong>الدولة</strong> ل تستطيع بناء نفسها اإدارياً‏ ول ‏سياسياً‏ ول حتى عسكرياً.‏<br />

اإن ‏ضعف التجارة والصناعة واإهمال الزراعة وكرثة املشاكل املالية وتبديل<br />

العملة النقدية دللة على ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ اأضف اإىل ذلك ازدياد مصاريف<br />

القرص والرتف والبذخ الذي كان يتمتع بها السلطان وحاشيته وقلة الدخل للدولة،‏<br />

كل هذه الأسباب جمتمعة اأدت اإىل اإضعاف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ اإن الناحية املالية<br />

والقتصادية ترتكز عليها جميع مرافق احلياة يف <strong>الدولة</strong>،‏ واأهم دعائم الناحية<br />

االقتصادية هي:‏<br />

1. التجارة:‏<br />

كانت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> همزة الوصل بني الهند واأوروبا عرب البالد<br />

العربية،‏ لذا كانت التجارة قوية.‏ ولكن عندما مت اكتشاف راأس الرجاء الصالح حتولت<br />

الطرق التجارية حول اأفريقيا اإىل اأوروبا،‏ لذا اأصبحت ‏سواحل البحر املتوسط الرشقية<br />

منطقة ليست مهمة جتارياً،‏ وهذا اأدى اإل اضطراب التجارة )26( .<br />

اأما بالنسبة للتجارة الداخلية فكانت ‏ضعيفة وذلك لأنها تعتمد على الأسواق<br />

اخلارجية اإىل حد ما،‏ اأما الإنتاج املحلي فكانت جتارته قوية يف الأسواق.‏ اأما نظام<br />

المتيازات الأجنبية فقد استفاد منه التجار الأجانب بسبب اإعفائهم من الرضائب.‏<br />

2. الزراعة:‏<br />

كان الفالح العصب املهم يف جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ولكن عندما ازدادت طلبات<br />

امللتزمني ‏)حمصلي الرضائب(‏ من الفالحني،‏ اضطر الفالح اأن يهجر اأرضه،‏ لأن<br />

الرضائب كانت اأحياناً‏ اأكرث من نصف حمصوله،‏ هجر الفالح قريته اإىل املدينة هرباً‏<br />

من الرضائب وهذا اأدى اإىل خراب الأراضي الزراعية.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

191


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

192<br />

اأضف اإىل ذلك عدم التقدم التكنولوجي يف النواحي الزراعية،‏ فكان الفالح يعتمد<br />

على حمراثه الذي يعود استعماله اإىل عدة قرون فليس هناك من تقدم.‏<br />

3. الصناعة:‏<br />

كانت الصناعات احلرفية اليدوية تصدر اإىل اأوروبا،‏ ولكن عندما تقدمت اأوروبا<br />

‏صناعياً‏ نتيجة النقالب الصناعي تدفقت الصناعات الأوروبية على اأسواق <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ وهذا اأدى اإىل تدهور الإنتاج املحلي يف الأسواق <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

اأضف اإىل ذلك التقدم العلمي يف اأوروبا ‏صناعياً‏ بينما بقي يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

جامداً.‏ ومل يطراأ ‏شيء جديد على الصناعات <strong>العثمانية</strong> اأو املنسوجات،‏ بينما كانت<br />

اأوروبا تاأتي باملواد اخلام من خارج القارة الأوروبية وتصنع ما تريد ثم تصدر<br />

املصنوعات اإىل الأسواق العاملية.‏<br />

4. املسائل النقدية واملالية:‏<br />

كانت العملة النقدية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي الأقجة الفضية،‏ وبسبب نقص<br />

معدن الفضة واجهت <strong>الدولة</strong> اأزمة نقدية،‏ ولكن عندما بداأت الكشوفات اجلغرافية جلب<br />

الأوروبيون الفضة من الدنيا اجلديدة ‏)اأمريكا(‏ لذا تدفقت الفضة اإىل الأسواق <strong>العثمانية</strong><br />

بسعر رخيص وهذا اأدى اإىل ازدياد الأزمة نتيجة التضخم الفضي.‏ لذا فرضت السلطات<br />

<strong>العثمانية</strong> الرضائب الباهظة للتخلص من الأزمة املالية،‏ وكان ذلك على حساب الشعب<br />

والفالح بصورة خاصة،‏ وهذا العمل اأدى اإىل فقر الفالح.‏<br />

5. البذخ واإلسراف وإرهاق خزينة <strong>الدولة</strong>:‏<br />

عاش بعض ‏سالطني اآل عثمان حياة مرتفة كلها بذخ،‏ فلم يهتم السلطان باحلياة<br />

العامة يف <strong>الدولة</strong> ولكنه اهتم بشوؤونه اخلاصة وشوؤون القرص واحلرمي وتزوج نساء<br />

كثريات،‏ وهذا اأدى اإىل مصاريف كثرية على حساب خزينة <strong>الدولة</strong>.‏<br />

اأضف اإىل ذلك اأن الأزمة املالية التي مرت بها السلطة <strong>العثمانية</strong> ازدادت نتيجة هذا<br />

الإرساف يف الأموال،‏ وكذلك نتيجة زيادة عدد املوظفني الذين ل ‏رضورة لوظائفهم،‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

كل ذلك اأرهق خزينة <strong>الدولة</strong>.‏ لذا فاإن اإرساف السالطني يف الكماليات والبذخ،‏ وكذلك<br />

فاإن تعدد الزوجات كان له الأثر الكبري يف ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ووقوع <strong>الدولة</strong> يف<br />

مطبات مالية ‏صعبة ومعقدة.‏<br />

ج.‏ األسباب االجتماعية والعلمية:‏<br />

اإن الأسباب الجتماعية والعلمية كانت من الأسباب الهامة يف اإضعاف <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ فمثالً‏ انترشت الرشوة يف الآونة الأخرية،‏ لذا وصل عدمي اخلربة اإىل<br />

املناصب العليا يف <strong>الدولة</strong>.‏ كما اأن القتل اأدى اإىل تفكك املجتمع وتاأخره،‏ خاصة اإذا<br />

كان القتل بال ‏سبب.‏ ومن اأهم العوامل االجتماعية والعلمية التي اأدت اإىل<br />

‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي:‏<br />

1. التخلف العلمي:‏<br />

كان التعليم يف بداية الأمر يف الكتاتيب واملساجد،‏ ثم افتتحت جامعة السلطان<br />

حممد الفاحت يف استنبول،‏ وكان التعليم باللغة الرتكية.‏ وقد نظر العثمانيون اإىل التعليم<br />

اأنه من مشوؤولية الأرسة وليس من مشوؤولية <strong>الدولة</strong> لذلك اأهملت السلطة <strong>العثمانية</strong> يف<br />

بداية الأمر فتح املدارس يف الوليات.‏ اأضف اإىل ذلك اأن السلطة <strong>العثمانية</strong> مل تهتم<br />

باإدخال الأفكار اجلديدة للدولة مما دل على اجلمود الفكري والعلمي )27( .<br />

اإن احلروب املتواصلة على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من قبل جريانها اأدى ذلك اإىل عدم<br />

التقدم العلمي واأدى اإىل انشغال الأفكار باحلروب وليس بالعلم.‏<br />

ل يعني ذلك اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كانت ل تشجع العلم،‏ بالعكس،‏ فقد ‏شجعت العلم<br />

والعلماء واأرسلت البعثات العلمية لأوروبا للدراسة،‏ لكن الذي كان يشغل السالطني<br />

فكرياً‏ ليست النواحي العلمية بل النواحي العسكرية واحلربية.‏<br />

2. النزاع على العرش ونظام والية العهد:‏<br />

اإن النزاع على العرش ‏سببه النساء.‏ فقد كانت زوجات السلطان ترغب كل واحدة<br />

اأن يكون ابنها الوريث يف احلكم بدلً‏ من اأبيه.‏ وهذا اأدى اإىل موؤامرات يف القرص<br />

مستمرة ‏شغلت بال السلطان فاأصبح ل يهتم بشوؤون <strong>الدولة</strong> بل بشوؤون الوراثة.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

193


194 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

كان البن الأكرب هو السلطان املنتظر بعد وفاة اأبيه،‏ لكن فيما بعد اأخذ السالطني<br />

يختارون من اأبنائهم من يحكم بعد وفاة السلطان.‏ ثم األغيت هذه العادة،‏ فدرجت على<br />

اختيار اأكرب الأعضاء ‏سناً‏ يف العائلة <strong>العثمانية</strong>،‏ وهذا اأوجد جمالً‏ واسعاً‏ للتنافس<br />

والتفاخر على العرش واأدى اإىل قتل السلطان،‏ وفرض الإقامة اجلربية على السلطان<br />

الآخر.‏<br />

3. انعدام التجانس بني واليات <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

كانت نتيجة اتساع رقعة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ثالث قارات،‏ اأن ‏ضمت يف ثناياها<br />

اأمماً‏ وشعوباً‏ غري متجانسة يف اللغة والدين والعادات والتقاليد،‏ لذا فاإن احتواء جميع<br />

هذه العنارص وصهرها يف دولة واحدة تكاد تكون مستحيلة.‏ واأدى هذا اإىل بروز<br />

القوميات،‏ مثل القومية اليونانية والقومية العربية وغريها.‏ كل هذه القوميات نادت<br />

بالنفصال والستقالل عن <strong>الدولة</strong>.‏<br />

4. احلصول على الرتقية والوظيفة بوساطة الرشوة واحملسوبية:‏<br />

انترشت عادة الرشوة واملحسوبية يف اأواخر عهد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ فكان<br />

الشخص يدفع املال الالزم للوصول اإىل الوظيفة املطلوبة،‏ وعندما يصل اإىل الوظيفة<br />

كان يبتز الأموال من الشعب اأضعاف ما دفع من رشوة.‏ حتى اأن البعض وصل اإىل<br />

وظائف حساسة يف <strong>الدولة</strong> ويجهل العمل بهذا املنصب ‏سواء كان عسكرياً‏ اأو ‏سياسياً‏<br />

اأو اقتصادياً،‏ لذا مل يكن الرجل املناسب يف املكان املناسب.‏ ونتج عن ذلك انهيار<br />

‏سياسي وتفسخ اجتماعي واضطراب اقتصادي داخل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ لذا فاإن انتشار<br />

الرشوة بني الطبقة احلاكمة نتج عنه فساد يف الإدارة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

د.‏ األسباب اخلارجية:‏<br />

هناك عوامل كثرية خارجية اأثرت على ‏سري احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

فعطلت مسريتها وتقدمها واأدت اإىل اإضعافها ثم اإنهائها وسقوطها.‏ ومن اأهم


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هذه العوامل اخلارجية:‏<br />

1. التآمر على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

فقد حصلت ثورات داخلية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> لكن جاء الدعم لهذه الثورات<br />

من اخلارج،‏ فثورة الرصب مثالً‏ كانت مدعومة من النمسا عام ‎1804‎م،‏ وقد قضى<br />

السلطان على هذه الثورة عام ‎1813‎م.‏ لكن قام الرصب مرة اأخرى بثورة عام ‎1815‎م<br />

ودعمتها هذه املرة روسيا،‏ مما اأجرب السلطان العثماين هذه املرة اأن يعرتف باستقالل<br />

الرصب عام ‎1815‎م وقس على ذلك تدخالت اأخرى يف مناطق خمتلفة يف <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وهناك ثورة اليونان ‏ضد <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ مما اأجرب السلطان طلب العون من<br />

الوايل حممد علي باشا عام ‎1827‎م وحصلت معركة نفارين،‏ لكن الدول الأوروبية<br />

‏ساعدت اليونان وقضت على الأسطول املرصي والأسطول العثماين.‏ وحصلت اليونان<br />

على الستقالل عام ‎1829‎م.‏ وكذلك استقلت رومانيا ‏سنة ‎1878‎م نتيجة الثورة التي<br />

قامت بها.‏ واستقلت بلغاريا عام ‎1812‎م.‏ كما دعمت روسيا ظاهر العمر الذي ‏سبب<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong> مشاكل داخلية وخارجية.‏<br />

2. زحف االستعمار على أراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

كان التبشري ‏)الذي هو مقدمة لالستعمار(‏ قد ازداد يف بداية القرن التاسع عرش.‏<br />

فبداأ التدخل الأوروبي تدريجياً‏ يف ‏شوؤون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وهذا اأدى يف النهاية اإىل<br />

احتالل فرنسا للجزائر عام ‎1830‎م واحتالل فرنسا ملراكش عام ‎1911‎م،‏ وسقوط<br />

تونس بيد الفرنسيني عام ‎1881‎م ومرص بيد الإجنليز عام ‎1882‎م وعدن بيد الإجنليز<br />

عام ‎1839‎م وفلسطني بيد الإجنليز عام ‎1917‎م وسوريا ولبنان بيد الفرنسيني عام<br />

‎1920‎م.‏<br />

وهكذا ‏سلخت اأراضٍ‏ كثرية من اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمة ومل يبق لها<br />

‏سوى تركيا.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

195<br />

جامعة القدس املفتوحة


196 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اهلوامش:‏<br />

الفصل السابع:‏ أسباب ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

وأهم احلركات االنفصالية عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

‎1.1‎عمر عبد العزيز عمر:‏ حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية،‏ بريوت،‏ ‎1977‎م،‏<br />

‏ص 115.<br />

‎2.2‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 120.<br />

‎3.3‎عبد الكرمي رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 120.<br />

‎4.4‎عمر عبد العزيز:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 117.<br />

‎5.5‎انظر اأسامة اأبو نحل فخر الدين املعني الثاين org/wiki/ ar. .m wikipedia.<br />

‎6.6‎املصدر نفسه،‏ وانظر:‏ املصور يف ال<strong>تاريخ</strong>:،‏ ج 7، حمالفة فخر الدين مع توسكانا.‏<br />

‏ص – 34 .36<br />

‎7.7‎املصدر نفسه،‏ والصفحة نفسها.‏<br />

‎8.8‎املصدر نفسه،‏ الصفحة نفسها<br />

‎9.9‎‏سيار اجلميل:‏ تكوين العرب احلديث،‏ دار الرشوق.‏ ‎1997‎م،‏ ‏ص 267- 268.<br />

‎1010‎توفيق معمر املحامي:‏ ظاهر العمر ط‎3‎‏،‏ مطبعة فينوس،‏ النارص،‏ ‎1996‎م.‏ ‏ص 43.<br />

وانظر،‏ الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong> ظاهر،‏ لعبود الصباغ،‏ حتقيق حممد عبد الكرمي<br />

حمافظة،‏ وعصام مصطفى هزامية.‏ ط‎1‎‏،‏ موؤسسة حمادة للخدمات والدراسات<br />

اجلامعية،‏ اإربد،‏ الأردن.‏ ‎1999‎م،‏ ‏ص 33.<br />

‎111‎الكس كرمل:‏ <strong>تاريخ</strong> حيفا يف عهد الأتراك العثمانيني،‏ معهد دراسات الرشق<br />

الأوسط،‏ حيفا ‎1979‎م.‏ ‏ص 77.<br />

‎1212‎الكس كرمل:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 50.


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1313‎الكس كرمل:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 65.<br />

‎1414‎الكس كرمل:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 75.<br />

‎1515‎الدنكزيل:‏ هو اأحمد اآغا الدنكزيل،‏ مغربي الأصل من تاهرت،‏ حارب ‏ضد ظاهر<br />

العمر اإىل جانب اأحمد احلسني عند دخوله قلعة جدين.‏ ونظراً‏ لبسالته دعاه ظاهر<br />

واستخدمه كما فوضه باختيار من يراه مناسباً‏ من املغاربة للعمل معه،‏ وشكل<br />

فرقة مستقلة ذات نظام خاص بها بقيادة اأحمد الدنكزيل،‏ وبقي الدنكزيل يف<br />

خدمة ظاهر العمر زهاء اأربعني ‏سنة لعب خاللها دوراً‏ هاماً‏ يف حياته.‏ انظر<br />

الصباغ:‏ <strong>تاريخ</strong> الشيخ ظاهر العمر ‏ص 65. 37، 11،<br />

‎1616‎حسن باشا:‏ هو حسن باشا اجلزائري،‏ اأمري البحر الرتكي قائد الأسطول العثماين،‏<br />

وهو املسمى بالرتكية القبودان باشي.‏ اأنظر:‏ الشدياق،‏ الأعيان.‏ ج 2. ‏ص 336.<br />

‎1717‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 291.<br />

‎1818‎اأسامة اأبو نحل:‏ اأحمد باشا اجلزار،‏ اإدارته وعالقاته السياسية والقتصادية<br />

بالقوى الإقليمية والدولية.‏ رسالة دكتوراه غري منشورة.‏ جامعة النيلني،‏ ‎2000‎م.‏<br />

‎1919‎حممد عبد الكرمي حمافظة وعصام مصطفى هزامية:‏ الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong><br />

ظاهر،‏ تصنيف عبود الصباغ،‏ موؤسسة حمادة،‏ اإربد ‎1999‎م.‏ ‏ص 73، انظر اأيضاً:‏<br />

مشاق’:‏ مشهد العيان.‏ ‏ص 60.<br />

‎2020‎عبد الكرمي رافق:‏ بالد الشام ومرص.‏ دمشق ‎1968‎م.‏ ‏ص 387.<br />

‎2121‎عبد العزيز نوار:‏ وثائق اأساسية يف <strong>تاريخ</strong> لبنان احلديث.‏ بريوت،‏ ‎1974‎م،‏ ‏ص<br />

.150<br />

‎222‎زاهية قدورة:‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث.‏ بريوت،‏ ‎1975‎م.‏ ‏ص 189.<br />

‎2323‎عمر عبد العزيز عمر:‏ <strong>تاريخ</strong> املرشق العربي – 1516 ‎1952‎م،‏ الإسكندرية.‏ د.‏ ت.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

197


198<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‏ص‎183‎ – .185<br />

‎2424‎عمر عبد العزيز:‏ حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية،‏ ‏ص 131.<br />

‎2525‎لوتسكي:‏ <strong>تاريخ</strong> الأقطار العربية احلديث،‏ ‏ص 32.<br />

‎2626‎عبد احلميد البطريق:‏ ال<strong>تاريخ</strong> الأوروبي احلديث،‏ دار الفكر العربي،‏ ‎1982‎م،‏ ‏ص<br />

.52<br />

‎2727‎علي حسون:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ‏ص 82.


الفصل الثامن<br />

األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل الثامن<br />

األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

احلملة الفرنسية على مصر وبالد الشام عام ‏)‏‎1798‎م – ‎1081‎م(:‏<br />

جاءت احلملة الفرنسية من ميناء طولون يف فرنسا بزعامة نابليون بونابرت اإىل<br />

مرص بعد اأن اأبحرت عدة اأيام يف البحر الأبيض املتوسط.‏ لقد نزلت احلملة الفرنسية<br />

يف ميناء الإسكندرية مبرص يف ‎1798/7/1‎م.‏ وكان هدف نابليون من حملته قطع<br />

طرق املواصالت بني بريطانيا ومستعمراتها يف الرشق الأقصى وخاصة الهند،‏ واإقامة<br />

مستعمرات فرنسية يف الرشق الأدنى،‏ واإمرباطورية فرنسية مركزها مرص )1( ، وفتح<br />

اأسواق للتجار الفرنسيني خارج فرنسا،‏ ومنافسة ‏رشكة الهند الرشقية الربيطانية،‏<br />

ولكن الغاية الرئيسة للفرنسيني هي احتالل مرص والتمتع مبصادر خرياتها )2( .<br />

استطاع الفرنسيون كرس املماليك يف معركة الأهرامات قرب القاهرة يف اآب<br />

‎1798‎م واحتلوا القاهرة واأعلنوا للمرصيني اأنهم جاءوا لإنقاذهم من ظلم املماليك.‏<br />

واأنهم اأصدقاء املسلمني والسلطان العثماين.‏ وبداأوا يتقربون من العلماء واملشايخ.‏<br />

ووزع نابليون بياناً‏ للمرصيني ركز فيه على استثارة الناحية الوطنية ‏ضد املماليك<br />

وكذلك الشعور الديني للسكان )3( ، ورغم اأساليب نابليون هذه جلذب الشعب املرصي<br />

اإليه اإل اأنه واجه ‏صعوبات ومشاكل وثورات مرصية ‏ضده ‏سواء من املماليك اأو من<br />

عامة الشعب؛ وذلك نتيجة فرضه الرضائب عليهم وهدم البوابات وحتصني القلعة<br />

وغري ذلك من اأعمال مل يقبل بها الشعب املرصي،‏ كما اأعلن السلطان العثماين احلرب<br />

على فرنسا يف الشهر التايل لحتالل نابليون مرص.‏<br />

اأرسلت بريطانيا اأسطولً‏ بحرياً‏ كي يتعقب احلملة الفرنسية وكان الأسطول<br />

الإجنليزي بقيادة نيلسون.‏ وقد استطاع هذا اإغراق الأسطول الفرنسي يف معركة اأبي<br />

قري البحرية وقطع بذلك خطوط مواصالت احلملة الفرنسية مع فرنسا،‏ كان يحدق<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

201<br />

جامعة القدس املفتوحة


202 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

بالفرنسيني اأربعة اأخطار هي:‏ اخلطر الإجنليزي يف البحر،‏ واخلطر اململوكي،‏<br />

واخلطر املحلي كقيام ثورات ‏شعبية،‏ واخلطر العثماين وذلك عندما اأرسل السلطان<br />

العثماين جيشاً‏ برياً‏ بقيادة حممد علي فيما بعد،‏ ورغم هذه الأخطار اإل اأن نابليون<br />

مل يكرتث بل قضى على الثورة املحلية يف القاهرة وهرب املماليك للصعيد،‏ وصمم<br />

نابليون اأن يزحف اإىل بالد الشام كي يقطع الطريق على العثمانيني اإذا جاءوا<br />

ملساعدة مرص.‏ وكان نابليون يفكر يف اإقامة حكومة حملية يف بالد الشام موالية له<br />

من الشهابيني اأو اأبناء ظاهر العمر.‏ ويف زحفه لبالد الشام احتل نابليون العريش يف<br />

‎1789/2/22‎م وسقطت يافا يف ‎1789/3/7‎م،‏ وقد ارتكب نابليون اأعمالً‏ ‏شنيعة<br />

ل اإنسانية حيث قتل األفني من حامية يافا التي استسلمت له،‏ لقد قتلهم لأنه كما<br />

قيل عنه لو احتفظ بهم لأوجدوا له مشكلة من ناحية اإطعامهم وحراستهم،‏ ولو اأطلق<br />

‏رساحهم فرمبا انضموا اإىل ‏صفوف خصومه )4( .<br />

لقد فشلت حملة نابليون اإىل فلسطني بسبب مناعة اأسوار عكا من جهة،‏ وبسبب<br />

مساعدة الإجنليز لأحمد باشا اجلزار حاكم عكا،‏ وانتشار مرض الطاعون يف ‏صفوف<br />

اجليش الفرنسي،‏ والأهم من ذلك الوحدة اجلزئية التي حققها ‏سكان جبل النار<br />

الذين كانوا يهاجمون معسكرات نابليون ويحرقون اخليام ويقتلون اجلند الفرنسي<br />

ويستولون على السالح والذخرية والتموين،‏ واضطر نابليون للعودة اإىل مرص يف<br />

‎1799/5/20‎م.‏ ثم اضطر للعودة اإىل فرنسا تاركاً‏ على رئاسة احلملة يف مرص نائبه<br />

كليرب الذي قُ‏ تل على يد مسلم يف مرص هو ‏سليمان احللبي.‏ ثم استلم قيادة احلملة<br />

فرنسياً‏ اآخر هو ‏)مينو(‏ الذي اأعلن اإسالمه وتسمى ب عبد اهلل مينو،‏ ثم بداأ الإجنليز<br />

والعثمانيون يف حمارصة القوات الفرنسية يف مرص من الرب والبحرين املتوسط<br />

والأحمر مما اضطر الفرنسيون بقبول الأمر الواقع اأي جالء القوات الفرنسية عن مرص<br />

عام ‎1801‎م زمن السلطان ‏سليم الثالث.‏<br />

لقد فشلت احلملة الفرنسية على مرص وبالد الشام ولكنها اأيقظت الشعور<br />

املرصي برضورة الدفاع عن الوطن،‏ ونبهت السلطان العثماين اإىل الأطماع الأوروبية<br />

يف اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وقد تركزت حركة الكفاح املرصي ‏ضد الستعمار خاصة<br />

عند املشايخ والطلبة يف جامعة الأزهر،‏ واأصبحت هذه اجلامعة مركزاً‏ لقيادة الثورة


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

املرصية،‏ كما اأن السلطان كان قد بعث جيشاً‏ بقيادة الضابط الألباين حممد علي اإىل<br />

مرص لطرد الفرنسيني والإجنليز.‏<br />

وصل مع احلملة الفرنسية عدد كبري من العلماء والفرنسيني )5( ، الذين<br />

قاموا بدراسة الآثار املرصية والتنقيب عنها يف مرص واكتشف العلماء احلروف<br />

الهريوغليفية املكتوبة على حجر رشيد وقراأها العلماء وفرسوها.‏ واأنشاأ بونابرت<br />

املجمع العلمي املرصي واأنشاأ نظاماً‏ استشارياً‏ ومصانع للبارود،‏ واأعلن بونابرت<br />

مراراً‏ اأنه جاء اإىل مرص لرضب املماليك لأنهم ل يطيعون السلطان العثماين،‏ وكان<br />

يرتدي اللباس املرصي كي يعطي انطباعاً‏ اأنه يحب املرصيني والسلطان العثماين.‏<br />

احلركة الوهابية:‏<br />

ظهرت هذه احلركة يف اإقليم جند باجلزيرة العربية،‏ ورئيسها هو حممد بن عبد<br />

الوهاب،‏ الذي عاش يف جو انترشت فيه اأعمال منافية لالإسالم مثل انتشار البدع<br />

واخلرافات وتعظيم الناس للقبور والأرضحة والأحجار والأشخاص وابتعادهم عن<br />

روح الإسالم الصحيحة،‏ خاصة عندما كان الناس يستغيثون بالأولياء ويقدمون لهم<br />

النذور ويتشفعون بهم جللب منفعة اأو لدفع ‏رضر،‏ فقرر ابن عبد الوهاب تغيري هذه<br />

احلالة السائدة والرجوع بالإسالم اإىل حالته الأوىل.‏<br />

لقد درس ابن عبد الوهاب مذهب اأحمد بن حنبل وتاأثر بتعاليم ابن تيمية وابن<br />

قيم اجلوزية،‏ وزار عدة مدن هامة مثل مكة املكرمة واملدينة املنورة والبرصة وبغداد<br />

وغريها.‏ وقد اأعطى حلركته الدينية ‏صفة الثورة وتبنى هذه احلركة عبد العزيز بن<br />

‏سعود الذي دافع بالسيف عن هذه احلركة فسيطر على جند.‏ وزاد جناح الوهابيني<br />

‏)املوحدين(‏ عندما بداأوا يف نرش تعاليمهم خارج اجلزيرة العربية،‏ وبداأوا يف اقتطاع<br />

بعض املناطق العربية عن جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> متهيداً‏ لضمها لدولتهم العربية<br />

الإسالمية فهاجموا العراق ثم ‏سوريا،‏ وكربالء واخلليج العربي.‏ فاتصل السلطان<br />

العثماين بوايل بغداد وطلب منه الهجوم على الدرعية مقر ابن عبد الوهاب،‏ وظن وايل<br />

بغداد اأن هذا الأمر ‏سهل،‏ ولكنه فشل ورجع اإىل بغداد،‏ فازداد الوهابيون قوةً‏ وتقدموا<br />

حتى اقرتبوا من بغداد حتى احتلوها ثم قرروا الزحف نحو ‏سوريا.‏ عندئذٍ‏ فكر السلطان<br />

بالستعانة بوايل مرص حممد علي يف تنفيذ هذه املهمة واإنقاذ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> من<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

203<br />

جامعة القدس املفتوحة


204 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

خطر هذه الثورة )6( التي بداأت تسحب بساط احلكم من حتت عرش السلطان يف<br />

املناطق العربية،‏ خاصة عندما ‏سيطروا على مكة املكرمة واملدينة املنورة.‏<br />

جهز حممد علي حملة برية بقيادة ابنه طوسون عام ‎1811‎م واأرسلها للحجاز<br />

لإخضاع الوهابيني واستوىل طوسون على املدن الإسالمية املقدسة يف احلجاز،‏ ثم<br />

ذهب حممد علي نفسه اإىل قتال الوهابيني فجهز حملة برية وبحرية وصلت قواته<br />

املدينة املنورة ثم زحف نحو جند،‏ ومن الطائف نحو تربه واأرسل السفن لالستيالء<br />

على القنفذة والسيطرة على عسري ثم رجع ملرص،‏ وذهبت حملة ثالثة من مرص بقيادة<br />

اإبراهيم باشا بن حممد علي اإىل قتال الوهابيني واستطاع اإبراهيم باشا الستيالء<br />

على عنيزة ثم الدرعية عاصمة الوهابيني ثم رجع ملرص.‏<br />

مل تكن هذه احلرب ‏رصاعاً‏ بني قوتني تسعيان اإىل هدف واحد واإن اختلفت<br />

مظاهر كل منهما،‏ اإذ اأن الوهابيني كانوا يسعون اإىل اإعادة جمد <strong>الدولة</strong> الإسالمية<br />

من الناحية الدينية،‏ اأما حممد علي فكان يسعى اإىل اإعادة جمد <strong>الدولة</strong> الإسالمية<br />

من الناحية السياسية،‏ كان كل منهما يسعى اإىل اإحياء <strong>الدولة</strong> الإسالمية لكنهما مل<br />

يتعاونا فيما بينهما بل اإن الذي جنى ثمار نرص هذه احلروب هو السلطان العثماين<br />

وحممد علي يف مرص )7( .<br />

خط شريف كوخلانة ‏)‏‎1839‎م(:‏<br />

يعترب خط ‏رشيف كوخلانة مرحلة هامة من مراحل التحديث التي ‏شهدتها <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> منذ القرن الثامن عرش.‏ ويف هذا اخلط تبدو املالمح الرئيسة للدساتري التي<br />

‏شهدتها اأوروبا خالل الثالثينات من القرن التاسع عرش.‏ لقد ملع اسم رشيد باشا يف<br />

هذا اخلط لأنه واأنصاره كانوا مشوؤولني عن الإصالح خاصة بعد وفاة حممود الثاين.‏<br />

كان رشيد باشا يرى اأن بقاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يستلزم اإعادة الوحدة التي كانت مصدر<br />

قوة الإمرباطورية يف اأيامها الأوىل،‏ واأن ذلك لن يتم اإل بتطوير املبادئ التي تهتدي<br />

بها احلكومة وجعلها ‏شبيهة بالنمط الأوروبي الدستوري على اأن تكون نقطة البداية<br />

هي مصلحة الرعايا املسيحيني وحتسني اأحوالهم،‏ وقد اأجرى رشيد باشا مفاوضات<br />

مع الإجنليز حلسم الأزمة الرشقية لصالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وللحصول على املساندة<br />

والدعم لالإصالحات وهكذا حلت ‏سيطرة الدول العظمى حمل السيطرة الروسية وسعت


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هذه الدول اإىل اإنقاذ الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> من خطر حممد علي نظري التدخل يف<br />

‏شوؤونها الداخلية طيلة ما تبقى من القرن التاسع عرش.‏<br />

ويف ‎1839/11/3‎م نصبت خيام يف حدائق قرص الزهور واجتمع حشد من<br />

كبار موظفي <strong>الدولة</strong>،‏ وقدم الصدر الأعظم لرشيد باشا هذا اخلط الرشيف،‏ فقراأه بصوت<br />

مسموع وقدمه باعتباره ‏صادراً‏ عن السلطان عبد املجيد ومتضمناً‏ اأسس تنظيم<br />

<strong>الدولة</strong>،‏ ثم ‏سلم رشيد اخلط الرشيف اإىل الصدر الأعظم ومما جاء يف وثيقة خط ‏رشيف<br />

كوخلانة ما يلي:‏ ‏»اإن <strong>الدولة</strong> كانت تراعي الأحكام الرشعية فبلغت قمة املجد،‏ ومنذ<br />

)8(<br />

مائة وخمسني ‏سنة اأهملت الإدارة الرشعية بسبب الغوائل وما عرض من حوادث«‏<br />

. وهذا يدل على الطابع الديني الإسالمي الأصيل يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وقد نص هذا الأمر السلطاين على مساواة جميع رعايا <strong>الدولة</strong> اأمام القانون مع<br />

املحافظة على الرشيعة يف الوقت نفسه،‏ ورغم ما نص عليه هذا اخلط من اأن مرجع<br />

‏ضعف <strong>الدولة</strong> هو عدم تطبيق مبادئ القراآن الكرمي وقوانني الإمرباطورية اإل اأنه اأشار<br />

اإىل اأن العالج ل يكمن يف الرجوع اإىل القوانني الإمرباطورية القدمية بل يف اإيجاد نظم<br />

جديدة ‏»بعون اهلل تعاىل ورسوله«‏ وقد جرى التاأكيد على نقاط رئيسة ثالث هي:‏<br />

‎1.1‎‏رضورة اإيجاد نظام ثابت للرضائب يحل حمل اللتزام.‏<br />

‎2.2‎‏رضورة اإيجاد ‏ضمانات لأمن جميع رعايا <strong>الدولة</strong> على حياتهم واأمالكهم.‏<br />

‎3.3‎‏رضورة توفري نظام ثابت للجندية بحيث ل تستمر مدى احلياة بل حتدد<br />

مدتها بفرتة ترتاوح بني – 4 5 ‏سنوات.‏<br />

وقد اعترب بعض الأوروبيني خط ‏رشيف كوخلانة مبثابة العهد الأعظم بالنسبة<br />

اإىل العثمانيني.‏ فقد حقق للمرة الأوىل وبصفة رسمية املساواة بني جميع رعايا<br />

السلطان اأمام القانون.‏ واحلقيقة اأن عرص التنظيمات استمر حتى اإعالن الدستور عام<br />

‎1876‎م.‏<br />

اأعلن بعض املوؤرخني اأن الهدف من التنظيمات هو حرمان الدول الأوروبية<br />

من ذرائع فرض حمايتها على املسيحيني من رعايا السلطان.‏ واحلقيقة اأن<br />

الإرضابات نشبت يف الأناضول بعد ‏صدور خط الرشيف.‏ وكان هناك معارضون لهذه<br />

الإصالحات.‏ وانضم اإىل املعارضة املستفيدون من الأوضاع القدمية مبا يف ذلك<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

205<br />

جامعة القدس املفتوحة


206 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

حكام الوليات وامللتزمون الذين كانوا يخشون اأن تقضي تقوية السلطة املركزية على<br />

امتيازاتهم.‏ وهكذا اأدى ‏صدور خط ‏رشيف كوخلانة اإىل ردود فعل قوية يف ‏شتى اأنحاء<br />

الإمرباطورية خاصة واأن كل فئة قد فرسته حسب فهمها له،‏ فاملسلمون بوجه عام<br />

مل يرحبوا بالتنازلت التي حصل عليها غري املسلمني،‏ وقد احتج اأيضاً‏ املسيحيون<br />

الذين كانوا يدفعون ‏رضائب قليلة اأو حتى ل يدفعون ‏رضائب على الإطالق حتى ذلك<br />

الوقت على مبداأ املساواة يف دفع الرضائب،‏ واأيضاً‏ احتجوا على فرض ‏رضائب على<br />

الأوقاف الدينية املسيحية.‏<br />

اشتدت املعارضة لالإصالح ولرشيد باشا مما اأدى اإىل تنحيته عن السلطة عام<br />

‎1841‎م خاصة واأنه مل يكن لديه جهاز اإداري يستطيع اأن ينفذ الإصالحات نصاً‏<br />

وروحاً،‏ ولهذا فما اأن عاد رشيد اإىل السلطة عام ‎1845‎م حتى اأعطى الأولوية لتدريب<br />

املوؤيدين لالإصالحات وتنفيذها جيداً،‏ ويف الوقت نفسه واصل تنفيذ الربنامج الذي<br />

ارتاآه لتطوير اأجهزة <strong>الدولة</strong>،‏ فاأنشاأ حماكم خمتلطة،‏ واأنشاأ عدداً‏ من املدارس العليا<br />

لتخريج املوظفني وضباط اجليش،‏ وقسم اجليش اإىل قسمني اأحدهما القوات التي تقوم<br />

باخلدمة اأي النظاميني،‏ والقسم الآخر هو الحتياطي.‏ وجعلت مدة اخلدمة العسكرية<br />

الفعلية خمس ‏سنوات.‏ ويف عام ‎1850‎م اأصدر رشيد باشا قانوناً‏ جتارياً‏ على منط<br />

القانون التجاري الفرنسي.‏<br />

وتغري طابع احلياة داخل الإمرباطورية بعض الشيء فقد ازداد الأمن على<br />

احلياة والأمالك وفق ما نص عليه اخلط الرشيف.‏ ويف خالل العقدين الأوليني<br />

اللذين تليا ‏صدور اخلط الرشيف تزعم رشيد احلركة الإصالحية حني توىل الصدارة<br />

العظمى ‏ست مرات،‏ ووزارة اخلارجية ثالث مرات.‏ لقد ‏ساند السلطان عبد املجيد<br />

احلركة الإصالحية خاصة واأنه اعتمد على رشيد باشا ورجاله ووجد يف عمر<br />

باشا قائداً‏ ممتازاً‏ اأمكنه اأن يقمع كل حركات التمرد ‏ضد الإصالحات.‏ واحلقيقة اأن<br />

هذه الإصالحات كانت تتمشى مع ‏سياسة بارملرستون ‏)الوزير الربيطاين(‏ بتقوية<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حتى ميكنها اأن تقف يف وجه التوسع الروسي يف اآسيا الذي من<br />

‏شاأنه اأن يشكل تهديداً‏ للسيطرة الربيطانية على الهند.‏ وواصل تالمذة رشيد باشا<br />

الإصالحات بعد وفاته ومن اأشهرهم يف القرن التاسع عرش عايل باشا واملوؤرخ<br />

جودت باشا ومدحت باشا.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

حرب القرم وخط شريف همايون:‏<br />

كما متخضت اأزمة ‎1839‎م – ‎1841‎م عن ‏صدور خط ‏رشيف كوخلانه فكذلك<br />

متخضت حرب القرم ‎1853‎م – ‎1856‎م عن ‏صدور اإصالحي جديد هو اخلط الهمايوين<br />

يف ‎1856/2/18‎م.‏<br />

حاول قيرص روسيا نقول يف عام ‎1853‎م اأن يتفق مع بريطانيا على اقتسام<br />

اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> التي وصفها ‏“بالرجل املريض”‏ اأي الذي ل يرجى ‏شفاوؤه،‏<br />

فاقرتح استيالء روسيا على الستانة مقابل استيالء بريطانيا على مرص وكريت.‏ اإل<br />

اأن بريطانيا رفضت هذا العرض،‏ خاصة واأنها كانت ل تزال متمسكة باملحافظة على<br />

متامية اأمالك السلطان من اأجل حماية طريق الهند وتوفري حاجز يف مواجهة التوسع<br />

الروسي.‏<br />

عندما فشلت روسيا يف خطتها باقتسام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع بريطانيا،‏ حاولت<br />

التحرش يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عن طريق الكنائس املسيحية يف فلسطني،‏ والتدخل<br />

للسيطرة عليها.‏ وهنا تدخلت فرنسا اأيضاً‏ حلماية املسيحيني يف القدس ولبنان.‏ ويف<br />

عام ‎1854‎م اأعلنت فرنسا وبريطانيا احلرب على روسيا يف ‏شبه جزيرة القرم.‏ وخالل<br />

احلرب كانت جتري مفاوضات لإجراء الصلح.‏ يف تلك الأثناء اأصدر السلطان العثماين<br />

برناجماً‏ اإصالحياً‏ جديداً‏ عرف بخط همايون عام ‎1856‎م زمن السلطان عبد املجيد.‏<br />

جاء هذا اخلط الذي اأصدره السلطان نتيجة للضغط اخلارجي،‏ على عكس خط<br />

‏رشيف كوخلانه الذي ‏صدر عن رغبة حملية داخلية لالإصالح.‏ كان خط همايون اأكرث<br />

دقة من خط كوخلانه يف حتديد التغريات الواجب اإجراوؤها،‏ كما اأن ‏صيغته كانت<br />

اأكرث اقتباساً‏ عن الغرب،‏ فهو مل يستشهد باآية قراآنية واحدة،‏ ونص اخلط على تطبيق<br />

اخلدمة العسكرية على املسلمني وغري املسلمني.‏ ونص على عدم عقوبة الإعدام على<br />

املرتدين عن الإسالم.‏ وسمح لالأجانب بامتالك الأراضي يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ونص<br />

اخلط على املحافظة على احلقوق والواجبات والمتيازات التي متتع بها روؤساء امللل<br />

غري الإسالمية.‏<br />

وكما كان من اأهداف خط ‏رشيف كوخلانه استثارة عطف الدول العظمى على<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد هزميتها اأمام روسيا،‏ فكذلك استهدف خط همايون مساندة<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

207<br />

جامعة القدس املفتوحة


208 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اأوروبا للدولة <strong>العثمانية</strong> ‏ضد روسيا.‏ وعندما عقدت الدول الأوروبية املتحاربة موؤمتراً‏<br />

للصلح قدم السلطان العثماين مرسومه الإصالحي ‏)خط همايون(‏ فاأعلنت الدول<br />

الأوروبية مساندتها التامة له دون اأن تشرتط التدخل يف ‏شوؤون <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

لتنفيذ هذه الإصالحات.‏ كان وراء اإصدار خط همايون كالً‏ من عايل باشا وفوؤاد باشا<br />

وكانا يهدفان من اإصدار هذا اخلط الرشيف تخفيف حدة التدخل الأجنبي يف ‏شوؤون<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وقد وافق السلطان العثماين على نصيحتهما يف اإصدار اخلط الرشيف<br />

الهمايوين.‏ عارض ‏شيخ الإسالم هذا اخلط لأنه تنازل كثرياً‏ لالأجانب عن حقوق<br />

اإسالمية واضحة مثل عدم التدخل يف ‏شوؤون املرتدين عن الإسالم وعدم اإعدامه،‏ كما<br />

اأصبحت للمسيحيني حقوق رغم اأنف السلطان يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وكانت قد ‏صدرت<br />

وثيقة ‏“خط ‏رشيف همايون “ عام ‎1856‎م،‏ وقد اأصدرها السلطان عبد املجيد الأول<br />

الذي حكم ما بني – 1839 ‎1861‎م،‏ ومما جاء يف الوثيقة اأن البتعاد عن الإسالم<br />

دللة على ‏سبب تاأخر <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ فجاء يف الوثيقة ما يلي:‏<br />

‏“ل يخفى اأنه منذ ابتداء ظهور دولتنا العلية كانت الأحكام القراآنية اجلليلة<br />

والقوانني السنية وثبوتها مع راحة جميع الرعايا ورفاهيتهم وعمار البالد يف غاية<br />

ما يكون من الكمال.‏ ولكن منذ مائة وخمسني ‏سنة مل يعد انقياد ول امتثال للرشع<br />

الرشيف ول للقوانني احلنيفة بسبب ما طراأ عليها من احلوادث الكثرية،‏ ولهذا حتولت<br />

تلك القوة اإىل ‏ضعف،‏ والراحة اإىل التعب،‏ والعمار اإىل الدمار،‏ واي مملكة ل تقوم بحفظ<br />

القوانني الرشعية توؤول اإىل الضمحالل )9( .<br />

لقد اأكد خط ‏رشيف همايون ما ورد يف خط ‏رشيف كوخلانه،‏ بل ذهب اإىل اأبعد<br />

منه باأن اأكد لغري املسلمني احلرية الدينية واملساواة اأمام القانون ويف الرضائب<br />

والوظائف العامة واخلدمة العسكرية،‏ وما دامت هذه الإصالحات قد متت على الورق<br />

لإرضاء الدول الأوروبية،‏ يف اأوقات احلاجة اإليها،‏ فلم تكن لتدل على ‏سياسة حتررية<br />

مرسومة لدى احلكام العثمانيني،‏ اإذ ‏رسعان ما تخلى هوؤلء عن هذه الإصالحات<br />

املعلنة،‏ بزوال الظروف التي اأدت اإليها.‏ ومما يذكر اأن خط ‏رشيف كوخلانه قد ‏صدر<br />

عام ‎1839‎م لستجداء الدول الأوروبية ‏ضد حممد علي باشا لإخراجه من بالد الشام،‏<br />

وكذلك ‏صدر خط ‏رشيف همايون عام ‎1856‎م للحصول على دعم الدول الأوروبية<br />

‏ضد العدوان الروسي،‏ وقد عقد موؤمتر باريس الذي اأنهى حرب القرم بني العثمانيني


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

والروس.‏ اأما دستور عام ‎1876‎م فقد ‏صدر قبل انعقاد موؤمتر برلني عام ‎1878‎م<br />

لتسوية اأمر البلقان والذي تقرر فيه مصري <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اأوروبا )10( .<br />

حممد علي باشا:‏<br />

جاء حممد علي باشا مع الفرقة الألبانية ‏ضمن اجليش العثماين املكلف باإخراج<br />

الفرنسيني من مرص اإثر احتاللهم لها عام ‎1798‎م من قبل نابليون.‏ وقد دام الحتالل<br />

الفرنسي ملرص حتى عام ‎1801‎م،‏ وقد حدث يف الفرتة ما بني 1803 و‎1805‎م<br />

اضطراب يف وضع القوى يف مرص.‏ ومل يعرف يف يد من كانت السلطة الفعلية،‏<br />

وكانت توجد يف مرص اآنذاك ثالث فئات هي:‏ الباشا العثماين وحممد علي واملماليك.‏<br />

لكن اأصبحت السلطة والسيطرة يف مرص لالألبانيني واملماليك يجمع بينهم عداوؤهم<br />

للسلطة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

لقد حتالف حممد علي مع احلاكم العثماين اجلديد خورشيد باشا ليستفيد من<br />

دعمه.‏ ونتج من حماولة املماليك جمع املال بالقوة اأن اأثارت الشعب املرصي الذي<br />

جلاأ اإىل حممد علي كزعيم منقذ.‏ واأقنعه العلماء عام ‎1805‎م اأن يستلم احلكم بنفسه.‏<br />

وكان من مقاومة خورشيد باشا لهذا الختيار اأن زادت من التفاف الشعب حول حممد<br />

علي واعرتف السلطان يف حزيران عام ‎1805‎م مبحمد علي حاكماً‏ على مرص )11( .<br />

عمل حممد علي باشا يف الفرتة ما بني – 1805 ‎1811‎م على توطيد ‏سلطته<br />

‏ضد الإجنليز من ناحية واملماليك من ناحية اأخرى،‏ لذا احتل الإجنليز الإسكندرية عام<br />

‎1807‎م لكن متكن حممد علي من اإخراج الإجنليز من مرص مبوجب ميثاق 14 اأيلول<br />

عام ‎1807‎م وقد زاد هذا النرص يف تدعيم ‏سلطته.‏ جنح حممد علي باشا يف القضاء<br />

على معظم زعماء املماليك يف مذبحة القلعة عام ‎1811‎م.‏<br />

قام حممد علي بعملية مسح الأراضي يف مرص عام ‎1812‎م ومبوجب ذلك<br />

‏سجلت الأراضي باسم ‏سكان القرى واأصبحوا مشوؤولني عن دفع الرضائب مبارشة<br />

للدولة دون وساطة امللتزمني.‏ وحاول من ناحية اأخرى اإيجاد طوائف خملصة له<br />

فاأعطى اأفراد اأرسته وبعض الأعيان وكبار املوظفني مساحات كبرية من الأراضي<br />

الزراعية واإعفائهم من دفع الرضائب تشجيعاً‏ لهم على استثمارها،‏ وهكذا اأنشاأ حممد<br />

علي يف اأواخر عهده نظام العهدة اأي اأن يعهد اإىل كبار املوظفني بجمع الرضائب من<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

209<br />

جامعة القدس املفتوحة


210<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

القرى،‏ وكان بذلك قد اأوجد حوله طبقة مستثمرة حلت حمل الطبقة القدمية.‏ ونتيجة<br />

ذلك استخدم هذه الواردات لبناء جيش قوي حديث مدرب.‏ ثم اهتم باأمور اأخرى ليزيد<br />

من الواردات فطَ‏ وَّر الري وقام بحفر اأقنية جديدة وتنظيف القدمي منها،‏ واهتم بزراعة<br />

القطن فشجع الفالحني على زراعة مساحات كبرية من الأراضي بهذا املحصول.‏ كما<br />

اأدخل ‏صناعات حملية اإىل مرص وهدفه تقليد اأوروبا وتقوية القتصاد املرصي<br />

فاهتم بصناعة النسيج وغري ذلك.‏<br />

اعتمد حممد علي يف البدء على مزيج من اجلنود الألبانيني والأتراك واملرتزقة<br />

والبدو فاأوجد جيشاً‏ من الفالحني املرصيني منظماً‏ على الطريقة الأوروبية عرف<br />

باجلهادية،‏ كما بداأ باإنشاء اأسطول على الطراز الأوروبي اأصبح اأقوى من اأسطول<br />

السلطان العثماين نفسه،‏ وخلدمة ‏سياسته العسكرية افتتح حممد علي عدداً‏ من املدارس<br />

املهنية يف مرص وافتتح مدرسة طبية عام ‎1827‎م لتقدمي اخلدمات الطبية للجيش.‏<br />

اأسس حممد علي باشا عام ‎1836‎م مدرسة للغات هدفها ترجمة املوؤلفات<br />

الغربية اإىل اللغة العربية وقد تراأسها رفاعة الطهطاوي.‏ واأقيمت اأول مطبعة حكومية<br />

يف بولق عام ‎1822‎م.‏ نظر حممد علي باشا اإىل التوسع واملغامرات يف اخلارج<br />

لتشكيل اإمرباطورية عربية.‏ فاصطدم بالوهابيني بعد احتاللهم احلجاز،‏ وشعر<br />

السلطان العثماين بخطر الوهابيني فطلب من حممد علي باشا عام ‎1811‎م توجيه<br />

حملة ‏ضد الوهابيني.‏ فاأرسل ابنه طوسون عام ‎1811‎م بعد اأن قام بدعوة زعماء<br />

املماليك لتوديع ابنه وقام بذبحهم يف الحتفال التوديعي يف القلعة.‏ متكن طوسون<br />

من ‏صد الوهابيني يف احلجاز،‏ ثم ذهب حممد علي بنفسه فيما بعد اإىل احلجاز وهزم<br />

الوهابيني عام ‎1814‎م لكنه مل يتابع زحفه اإىل عاصمتهم الدرعية.‏<br />

توجه اإبراهيم باشا بن حممد علي اإىل احلجاز وجنَ‏ ْ د يف عام ‎1818‎م واستطاع<br />

احتالل الدرعية والقضاء على نفوذ الوهابيني اإىل حني.‏ وكافاأ السلطان اإبراهيم باشا<br />

بتعيينه والياً‏ على احلجاز واحلبشة ودام نفوذ حممد علي باشا يف احلجاز واليمن<br />

حتى عام ‎1840‎م.‏ وقرر حممد علي يف عام ‎1820‎م اإرسال حملة على السودان وكان<br />

هدفه من ذلك القضاء على بقايا املماليك الذين هربوا بعد املذبحة عام ‎1811‎م<br />

وخاصة عندما اأسس املماليك الذين هربوا اإمارة خاصة بهم يف دنقله يف السودان.‏<br />

واعترب السودانيون هذا العتداء بالعتداء الرتكي املرصي واأسموهم بالرتك.‏ اأما


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

العتداء املرصي الإجنليزي على السودان ‎1899‎م فقد ‏سماه السودانيون ‏»الرتكية<br />

الثانية اأو احلكم الثنائي املرصي الإجنليزي«.‏ ومن الرضوري معرفة اأن قائد احلملة<br />

على السودان كان اإسماعيل بن حممد علي باشا وقد جنح يف احتالل السودان واستغل<br />

خرياته وخاصة الذهب والعبيد وبداأ يفرض الرضائب على السكان.‏<br />

اشرتك حممد علي باشا اإىل جانب قوات السلطان العثماين يف اإخضاع كريت<br />

عام ‎1822‎م وشبه جزيرة املورة عام ‎1824‎م بعد اأن وعده السلطان بتسليمه حكمها.‏<br />

وكان اآخر توسع ملحمد علي باشا يف بالد الشام عام ‎1831‎م،‏ واحلقيقة اأن هدفه<br />

كان من احتالله بالد الشام احلصول على اخلشب لأسطوله وعلى منتجاتها التي تدر<br />

املال مثل احلرير والقطن والتبغ،‏ وهدفه الآخر حلماية حدوده يف الشمال فاأمكنه<br />

بذلك التحكم يف بدو ‏سيناء الذين هددوا طرق التجارة املرصية والسورية.‏<br />

لقد طلب حممد علي مقابل اشرتاكه بحرب اليونان اإعطائه حكم بالد الشام لكن<br />

السلطان حممود الثاين عرض عليه حكم كريت بدلً‏ من اليونان واأدرك حممد علي اأنه<br />

ل يستطيع تقوية نفسه اإل على حساب السلطان وتقوية نفسه تكمن يف احتالله بالد<br />

الشام.‏<br />

كانت الظروف مواتية لتوسع حممد علي فقد اأدى قضاء السلطان على النكشارية<br />

عام ‎1826‎م اإىل ازدياد معارضة املصالح التي ارتبطت بهم للدولة ومل يكن اجليش<br />

العثماين اجلديد قد قوي اأمره بعد.‏<br />

وحاول الفرنسيون استخدام حممد علي باشا لحتالل ‏شمايل اأفريقيا ويبدو اأن<br />

هدف الفرنسيني من ذلك اإقامة دولة قوية ‏شمايل اأفريقيا تخضع لنفوذهم ويعارضون<br />

بها بريطانيا.‏ لكن السلطان وبريطانيا عارضا املرشوع الفرنسي بشدة وتراجع حممد<br />

علي عن ذلك.‏<br />

محلة بالد الشام:‏<br />

بداأ اإبراهيم باشا غزو بالد الشام براً‏ وبحراً‏ عام ‎1831‎م واقتحمت قوة من 11.<br />

000 رجل ‏سيناء يف طريقها اإىل غزة،‏ وتركز الرصاع حول عكا التي كانت قد حتدت<br />

نابليون ‏سابقاً.‏ مل يعطل اإبراهيم باشا نشاطه يف حصار عكا بل احتل وهو يحارصها<br />

املناطق املجاورة،‏ فوصل ‏صيدا واأرسل قوة اإىل القدس لإعالن ‏سلطته عليها ورفع عن<br />

211<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

212<br />

املسيحيني الرضائب التي كانوا يدفعونها مما اأكسبه تاأييد املسيحيني.‏ وشجع على<br />

وجود اإرساليات تبشريية يف بالد الشام.‏<br />

واأثناء ذلك بعث اإبراهيم رسالة اإىل الأمري بشري الشهابي يف لبنان يدعوه<br />

لالنضمام اإىل حصار عكا.‏ ‏سقطت عكا ‏سنة ‎1832‎م ثم توجه اإبراهيم باشا متعقباً‏<br />

الفلول <strong>العثمانية</strong> حتى حمص بعد اأن استسلمت له دمشق دون قتال.‏ ثم تابع ‏سريه<br />

حتى وصل حلب وبذا اأصبح الطريق مفتوحاً‏ اإىل استنبول العاصمة.‏ عندئذ بداأ التدخل<br />

الروسي لدعم العثمانيني مما اأخاف بريطانيا وفرنسا فضغطتا على السلطان وحممد<br />

علي،‏ ووقعت بينهما معاهدة كوتاهية ‎1833‎م ومبوجب هذه املعاهدة انسحبت قوات<br />

اإبراهيم باشا اإىل طوروس واأعطي بالد الشام مقابل ‏رضيبة ‏سنوية.‏<br />

اإن نظام الرضائب الذي فرضه اإبراهيم باشا على السكان قد اأثار نقمتهم،‏ وقد<br />

غضبوا من متطلبات اجليش املرصي خاصة مصادرة املوؤن اأو ‏رشائها بسعر متدنٍ‏ اأو<br />

مصادرة حيوانات النقل اأو استخدام اليد العاملة يف اإقامة التحصينات الكثرية.‏ كما<br />

طبق اإبراهيم باشا نظام التجنيد الإجباري على بالد الشام عام 1834 واأمر بنزع<br />

السالح من الأهايل وهذه اأشياء جديدة مل يتعودوا عليها.‏ وكانت اخلدمة العسكرية<br />

مدى احلياة وهذا يعني اأن على الفالح املجند اأن يستاأجر غريه لزراعة الأرض اأو اأن<br />

يبيعها.‏ ومن هنا انترشت عادة الحتماء بالقنصليات الأجنبية،‏ اأو الهجرة اإىل خارج<br />

البالد اأو تشويه اأحد اأعضاء اجلسم لتحاشي اخلدمة العسكرية،‏ وانتهى الأمر بالثورة<br />

على اإبراهيم باشا.‏<br />

تاأججت الثورة ‏ضد املرصيني من جديد على يد الفالحني الدروز وذلك عام<br />

‎1835‎م ويجب مالحظة اأن نزع السالح قد وحد الدروز واملسيحيني يف معارضتهم<br />

احلكم املرصي.‏<br />

اإن ازدياد النفوذ الروسي يف استنبول وتوقيع العثمانيني معاهدة هنكار اسكي<br />

لسي ‎1833‎م مع روسيا التي تعهد العثمانيون مبوجبها اإغالق املضائق يف وجه<br />

الدول املعادية لروسيا يف حالة احلرب،‏ جعل بريطانيا تخشى اخلطر الروسي،‏<br />

وبالنسبة لالإجنليز فاإن بقاء الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> ‏ضعيفة خري من ‏سيطرة حممد<br />

علي القوي،‏ ويف عام ‎1838‎م وقعت بريطانيا معاهدة جتارية مع السلطان،‏ ولكن


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

حممد علي رفض تطبيقها يف املناطق التي يسيطر عليها مما زاد يف عداء الإجنليز له.‏<br />

لذا اأخذ الإجنليز بتشجيع الثورة الداخلية ‏ضد اإبراهيم باشا.‏<br />

لقد وجد السلطان العثماين حممود الثاين يف الثورة الداخلية فرصة للتدخل ‏ضد<br />

اإبراهيم باشا،‏ وقرر الإجنليز اأيضاً‏ التدخل ووصل اأسطولهم ‏سواحل لبنان وقصفت<br />

بريوت وهذا ‏شجع الثائرين.‏ وكان يساند بريطانيا ‏ضد حممد علي كل من روسيا<br />

والنمسا وبروسيا الذين فرضوا على حممد علي النسحاب،‏ وظهر الأسطول الإجنليزي<br />

اأيضاً‏ قرب الإسكندرية،‏ واإزاء هذا الوضع قرر حممد علي النسحاب،‏ ومت التفاق<br />

النهائي على اأن يعطي السلطان العثماين حكومة مرص وراثية اإىل حممد علي مبوجب<br />

فرمان ‏صدر عام ‎1841‎م.‏<br />

اأما بالد الشام فقد مكث فيها احلكم املرصي تسع ‏سنوات،‏ طبق فيها اإبراهيم<br />

باشا ‏سياسة التسامح واملساواة بني الطوائف،‏ وشجع الإرساليات التبشريية لكنه<br />

باملقابل بسبب استخدامه اجلنود املسيحيني ‏ضد الدروز استفحل النزاع الطائفي<br />

واأدى ذلك فيما بعد اإىل احلرب بني الدروز واملسيحيني املوارنة عام ‎1860‎م.‏<br />

اإن الإمرباطورية التي حاول حممد علي اإنشاءها كان هدفها خدمة طموحه<br />

وطموح اأرسته بالدرجة الأوىل وليس خدمة الشعب )12( .<br />

السلطان عبد احلميد الثاني:‏<br />

السلطان عبد احلميد هو ابن السلطان عبد املجيد،‏ تسلم السلطة وعمره 34 عاماً،‏<br />

وقد واجه مصاعب كثرية من الدول الأوروبية،‏ وبلغت الديون على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

252 مليون لرية عثمانية،‏ وحاول جتنيب <strong>الدولة</strong> ويالت احلروب اإل اأنها فرضت<br />

عليه وخاصة احلرب مع الروس.‏ حاول تثبيت ‏سلطته حني اعتالئه العرش فاأصدر<br />

الدستور العثماين عام ‎1876‎م وكان وراء اإصداره مدحت باشا الصدر الأعظم،‏ وقد<br />

اأعطى الأجانب حقوقاً‏ يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كما اأعطى املسيحيني امتيازات مبساواتهم<br />

باملسلمني،‏ وقد فرح الأوروبيون باإصدار هذا الدستور اإل اأن السلطان عبد احلميد<br />

عندما تاأكد من تثبيت ‏سلطته األغى الدستور العثماين يف العام التايل لإصداره.‏<br />

تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف زمنه حلروب كثرية اأهمها مع روسيا.‏ وبعد<br />

مقاومة ‏صلبة من جانب اجليوش <strong>العثمانية</strong> للقوات الروسية التي كانت تفوقها عدداً‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

213


214<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

وعدة،‏ طلبت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الصلح الذي مت التوصل اإليه يف ‏سان استيفانو اإحدى<br />

‏ضواحي الستانة،‏ وكانت القوات الروسية قد وصلتها منهكة يف الوقت الذي كانت<br />

فيه الأساطيل الربيطانية راسية قبالة العاصمة <strong>العثمانية</strong> للحيلولة دون احتالل<br />

الروس لها.‏ وقد قضت معاهدة استيفانو عام ‎1878‎م باستقالل اإمارة اجلبل الأسود<br />

وتوسيعها بضم بعض اأراضي البوسنة كما اأكدت استقالل الرصب.‏ وتنازلت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> عن اأراضٍ‏ كثرية يف البلقان واأرمينيا واأراضٍ‏ يف اآسيا،‏ وحصلت بلغاريا<br />

على الستقالل الذاتي.‏<br />

جرى تفتيت اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ واستاءت بريطانيا لزدياد النفوذ الروسي<br />

يف البلقان واستعدت ملحاربة روسيا،‏ وحصلت بريطانيا من السلطان على حق احتالل<br />

جزيرة قربص واإدارتها على اأن تبقى تابعة للدولة <strong>العثمانية</strong> مقابل الدفاع عن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> من التهديدات الروسية )13( . وكان الدافع وراء تصدي بريطانيا لروسيا هو<br />

عدم تقسيم اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كي تبقى طريق الهند ‏سالكة اأمام الإجنليز.‏<br />

لقد دعا املستشار الأملاين بسمارك الدول العظمى اإىل موؤمتر يعقد يف برلني<br />

ملراجعة ‏صلح ‏سان ‏ستيفانو وتسوية نتائج احلرب الرتكية الروسية،‏ واشرتكت الدول<br />

العظمى يف املوؤمتر،‏ عرض بسمارك تقسيم الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> يف املوؤمتر،‏ فعرض<br />

على بريطانيا مرص وعلى فرنسا تونس والشام وعلى النمسا البوسنة والهرسك وعلى<br />

روسيا املضائق،‏ اأما اأملانيا فال ‏شيء.‏ وهكذا قرر املوؤمتر منح رومانيا واجلبل الأسود<br />

الستقالل التام ومنح بلغاريا استقاللً‏ ذاتياً‏ على اأن تدفع جزية ‏سنوية للسلطان،‏<br />

وتقرر احتالل النمسا ‏)البوسنة والهرسك(‏ دون فصل هذه املناطق رسمياً‏ عن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏<br />

كان موؤمتر برلني من املعامل البارزة لتدهور الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> التي اأرغمت<br />

على التنازل عن مساحات واسعة من اأمالكها.‏ ومل ميض وقت طويل حتى احتلت<br />

فرنسا تونس عام ‎1881‎م،‏ واحتلت بريطانيا مرص عام ‎1882‎م وحصلت اليونان<br />

عام ‎1881‎م على منطقة تساليا،‏ ويف عام ‎1885‎م ‏ضمت بلغاريا املتمتعة باحلكم<br />

الذاتي منطقة الرومللي.‏ وقد اأدرك السلطان عبد احلميد اأنه ل يستطيع الوقوف اأمام<br />

الدول الأوروبية مبفرده.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

حركة اجلامعة اإلسالمية )41( :<br />

كان قد ‏رصح مشوؤول غربي قائالً‏ ‏»كان على السلطان العجوز اأن يواجه مشكلة<br />

‏صعبة يف اأوائل حكمه،‏ وكان هناك ‏شعور بالياأس يف مستقبل البالد،‏ واأن نهاية<br />

<strong>الدولة</strong> وشيكة الوقوع،‏ وكان على عبد احلميد اأن يوجد ‏شعوراً‏ بالأمل لدى رعاياه<br />

املسلمني«،‏ واحلقيقة اأن السلطان عبد احلميد كان يتصف باأوصاف اإسالمية،‏ منها<br />

اأنه ل مييل اإىل التبذير ول يحتسي اخلمر،‏ وكان ‏سليم العقل ومتدين،‏ وقضى على<br />

الفساد وعلى العادات السيئة التي كانت منترشة من اأسالفه يف القرص،‏ وقد اأحاط<br />

نفسه برجال الدين.‏<br />

وكان يرى اأن اإنقاذ الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> هو الهتمام بلقب اخلالفة الإسالمية،‏<br />

لذا استعمل لقب اخلالفة يف اأوائل حكمه كسالح ‏ضد الأجانب.‏ وقد بداأت حركة اجلامعة<br />

الإسالمية تنترش يف الدوائر احلكومية <strong>العثمانية</strong>،‏ وكان يرى عبد احلميد اأن احلروب<br />

الصليبية ‏ضد الإسالم مل تنتهِ.‏ واعتقد اعتقاداً‏ جازماً‏ اأن ‏ضعف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

مرجعه ‏ضعف الشعور الديني عند املسلمني.‏<br />

واحلقيقة اأن مركز اجلامعة الإسالمية قد تشكل خارج <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وقد<br />

تطلع الأتراك املسلمون اإىل احلركة الإسالمية كي تنقذهم من التهديد الروسي،‏ ونظروا<br />

اإىل السلطان كي يعلن اجلهاد.‏<br />

اإن السلطان عبد احلميد تبنى فكرة اجلامعة الإسالمية لأنها وجدت قبولً‏ لدى<br />

‏شعبه بكل طبقاته،‏ ووافق معها ملقاومة اأعدائه يف الداخل واخلارج وشجع هذا الجتاه<br />

ودعا اإىل وحدة املسلمني املرتكزة على ‏شخص اخلليفة العثماين.‏<br />

لقد كانت احلكومة <strong>العثمانية</strong> حتتج باستمرار كلما علمت عن اضطهاد املسلمني<br />

اأو تعرضهم لالضطهاد.‏ وقد رحب عبد احلميد بشخصيات اإسالمية من اأنحاء العامل<br />

بقصد اإيجاد عالقات اأخوية.‏ كما ‏شجع احلج اإىل مكة املكرمة،‏ ولهذا بنى ‏سكة حديد<br />

احلجاز املمتدة بني دمشق واملدينة املنورة بني عامي )1901 – ‎1908‎م(‏ ، وقد<br />

اأرشف على هذا اخلط احلديدي يف الدرجة الأوىل ‏سكرتري السلطان اخلاص عزة باشا<br />

العابد وهو عربي من ‏سوريا.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

215


216<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ويف عهده كرثت حركات اإسالمية وتكايا الدراويش،‏ وكانت اأعماله قد اأوجدت<br />

كثرياً‏ من املوؤيدين والأنصار له،‏ كما قام عبد احلميد باإصالح وزخرفة املساجد يف<br />

مكة املكرمة واملدينة املنورة والقدس الرشيف،‏ واأعطى الإرشاف عليها اإىل العرب.‏<br />

وشكل فرقة عربية من اجلند ‏ضمها اإىل حرسه اخلاص واستقدم عدداً‏ من العرب للقرص<br />

السلطاين كي يستشريهم يف الأمور السياسية،‏ ونال بعضهم درجات عالية.‏<br />

وجنح السلطان يف ربط اأجزاء <strong>الدولة</strong> ببعضها البعض،‏ ورغم كل التهامات<br />

للسلطان عبد احلميد،‏ فاإن السلطنة واخلالفة كانت حتظى بقدر كبري من الحرتام لدى<br />

رعاياه،‏ وكانت اأوروبا تخشى حركة اجلامعة الإسالمية.‏<br />

عودة إصدار الدستور:‏<br />

اأسس عدد قليل من تالمذة مدارس الطب العسكري عام ‎1899‎م اجلمعية الرسية<br />

التي حتولت فيما بعد اإىل اسم ‏»جلنة الحتاد والرتقي«.‏<br />

ويف عام 1906 اأخذت تنترش اخلاليا الثورية يف اجليش،‏ وخاصة بني ‏ضباط<br />

اجليش الثالث يف ‏سالونيك،‏ ومن املحتمل اأن تكون هذه املدينة اأكرث مدن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> انفتاحاً‏ بحكم اأن ‏سكانها كانوا اأوروبيني اأكرث منهم اأتراكاً،‏ وكان حوايل<br />

نصفهم من اليهود الذين حتول عدد منهم اإىل الإسالم يف القرن السابع عرش وعرفوا<br />

باسم يهود الدومنة.‏<br />

اإن ‏سهولة اتصال ‏سالونيك ومقدونيا بالعامل اخلارجي كانت ذات اأهمية خاصة،‏<br />

لهذا انتقل مصطفى كمال اأتاتورك اإىل ‏سالونيك مسقط راأسه،‏ ويبدو اأن احلركة الثورية<br />

يف ‏سالونيك قد عقدت اجتماعاتها يف اأماكن املحافل املاسونية،‏ وتلقت مساعدة<br />

مالية من يهود الدومنة حتى اأصبح عدد كبري من ‏ضباط مقدونيا ماسونيني،‏ لذا اتفق<br />

اجلميع على خلع السلطان عبد احلميد واإعادة النظام الدستوري الذي كان قد األغي منذ<br />

عام ‎1877‎م.‏<br />

استغلت جمعية الحتاد والرتقي ‏سخط اجليش والشعب على حد ‏سواء،‏ خاصة<br />

واأن السلطان عبد احلميد ‏سبق له اأن قام بنفي الكثريين اإىل الأناضول لأنهم لعبوا<br />

دوراً‏ كبرياً‏ يف اإثارة الناس ‏ضد احلكومة،‏ ويبدو اأن السخط املتفشي يف اجليش هو


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الذي عجل بنشوب الثورة،‏ وكان اجليش الثالث يف مقدونيا بقيادة اأنور ونيازي،‏ قد<br />

قرّرا القيام بثورة ‏ضد السلطان وهدفهما اإعادة الدستور الذي كان قد ‏صدر منذ عام<br />

‎1876‎م.‏<br />

خلع السلطان عبد احلميد:‏<br />

اجتمع الزعيم الصهيوين هرتزل عام ‎1901‎م مع السلطان عبد احلميد وطلب<br />

هرتزل من السلطان فتح باب الهجرة اليهودية اإىل فلسطني بدلً‏ من اأوروبا،‏ والعمل<br />

على اإنشاء حكومة يهودية تابعة للسلطان العثماين يف فلسطني،‏ ولكن السلطان<br />

العثماين رفض هذا الطلب بشدة واأصدر قانوناً‏ يقضي مبنع اليهود املهاجرين من<br />

الإقامة يف فلسطني اأكرث من ثالثة اأشهر )15( . وقد منحت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املهاجرين<br />

اليهود بطاقات حمراء ليسهل عليها مراقبتهم وطردهم من البالد فيما لو مكثوا فيها<br />

اأكرث من ثالثة اأشهر.‏<br />

حاول هرتزل اإغراء السلطان بالأموال،‏ وقد عرض على السلطان مبلغاً‏ كبرياً‏ من<br />

املال،‏ ولكن السلطان رفض هذا العرض املادي الضخم )16( قائالً‏ له:‏ ‏»اإنه ل ميكن اأن<br />

يتنازل عن اأرض فلسطني التي روتها دماء الشهداء املسلمني عرب العصور ال<strong>تاريخ</strong>ية<br />

وطلب من هرتزل اأن يحتفظ مباليينه«‏ )17( .<br />

علم هرتزل اأنه من املستحيل اإقناع السلطان عبد احلميد اأو ‏رشاوؤه باملال،‏ لذلك<br />

دبّر الصهاينة موؤامرة خللعه اأو زج تركيا يف حرب عاملية.‏ ومبا اأن تركيا ‏ضعيفة<br />

فهي ل بد اأن تخرس احلرب وهذا ما حصل فعالً‏ فيما بعد.‏ ومن الغرابة اأنه اأثناء خلع<br />

السلطان بسبب الثورة التي قامت ‏ضده عام ‎1908‎م جاء مع الأتراك موظف عثماين<br />

يهودي كان يعرفه السلطان عبد احلميد،‏ وقد ‏سلّمه رسالة اخللع عن العرش،‏ وكان<br />

اليهودي مندوباً‏ عن حركة الحتاد والرتقي،‏ فاستغرب السلطان عبد احلميد من هذه<br />

املكيدة املدبرة )18( .<br />

واأما عن الأسباب التي اأدت اإىل خلع السلطان عبد احلميد عن اخلالفة والطريقة<br />

التي متت بها فقد اأوضحها السلطان نفسه بعد خلعه يف رسالة وجهها اإىل ‏صديقه<br />

يف دمشق الشيخ حممود اأبو الشامات ‏شيخ الطريقة الشاذلية،‏ وقد نرش هذه الرسالة<br />

الأستاذ ‏سعيد الأفغاين يف جملة العربي الكويتية يف عددها الصادر يف ‏شهر ‏شوال<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

217


<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

218<br />

عام ‎1392‎ه املوافق كانون اأول عام ‎1972‎م ‏ضمن مقاله بعنوان ‏»سبب خلع<br />

السلطان عبد احلميد«‏ وقد ترجمت رسالة السلطان عبد احلميد من الرتكية اإىل<br />

العربية )19( .<br />

رغم اأن اأنور ونيازي زعيمي النقالب اأصبحا بطلني فلم يظهر ‏ضباط مقدونيا<br />

للعيان بل ظلت القيادة املركزية للجنة الرسية وذلك استعداداً‏ لالنتخابات العامة<br />

القادمة.‏<br />

مل تعلن جلنة الحتاد والرتقي عن برناجمها بالتفصيل باستثناء اإعالنها<br />

املطالبة بعودة الدستور،‏ وبعثت ‏سبعة اأشخاص اإىل العاصمة <strong>العثمانية</strong> كي يقوموا<br />

بتمثيلها وذلك لتاأسيس حكومة جديدة واإجراء انتخابات عامة.‏ وجرى التمهيد لهذه<br />

النتخابات باإلغاء البوليس الرسي،‏ وصدرت قوانني االنتخابات وظهر فريقان<br />

يتصارعان على السلطة يف االنتخابات وهما:‏<br />

‎1.1‎جلنة الحتاد والرتقي وعرفت باسم الحتاديني وعلى راأسهم اأنور وطلعت.‏<br />

‎2.2‎جلنة املعارضة وهي تشكل حزب احتاد الأحرار العثماين،‏ قام بتاأليفه الأمري<br />

‏صباح الدين بعد عودته من باريس.‏<br />

جرت النتخابات للمجلس النيابي عام ‎1908‎م وفاز الحتاديون باملقاعد،‏ بعد<br />

ذلك حترك اأعضاء واأنصار اجلامعة الإسالمية،‏ واأبدى هوؤلء امتعاضهم من ترصفات<br />

الحتاد والرتقي وخاصة من خروج النساء ‏سافرات يف الشوارع ومساواة املسلمني<br />

بغري املسلمني ولقيت هذه املعارضة استجابة واسعة النطاق من اجلماهري وموظفي<br />

<strong>الدولة</strong>،‏ ورصحوا اأن الرشيعة الإسالمية يف خطر واأن املسيحيني على وشك السيطرة<br />

على البالد،‏ عندئذٍ‏ قرر الحتاديون عزل السلطان عبد احلميد،‏ فحصلت ثورة مضادة<br />

تزعمتها اجلامعة الإسالمية.‏ مترد اجلنود لسيطرة جمموعة من الضباط تلقوا تعليمهم<br />

يف املدارس العسكرية ذات الربامج الغربية.‏<br />

ويف عام ‎1909‎م حتول السخط اإىل مترد قام به اجلنود العاديون ومل يشرتك<br />

فيه ‏سوى عدد قليل من الضباط.‏ وهاجم اجلنود ‏“جملس املبعوثان”‏ والباب العايل<br />

وطالبوا باإسقاط احلكومة التي اأقامتها جلنة الحتاد والرتقي ورضورة اإعالن ‏سيادة<br />

الرشيعة الإسالمية.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

لذا اتهم السلطان عبد احلميد بتدبري الثورة املضادة هذه،‏ فبادرت القوات<br />

املوالية للحكم اجلديد بالقضاء على التمرد،‏ وزحف اجليش بقيادة حممود ‏شوكت،‏<br />

وهو من اأصل عربي،‏ من ‏سالونيك اإىل الأستانة العاصمة.‏ واجتمع ‏“جملس<br />

املبعوثان”‏ واأعلن موافقته بعد ‏ضغط ‏شديد على خلع السلطان عبد احلميد مبقتضى<br />

فتوى من ‏شيخ الإسالم،‏ ونفي السلطان اإىل ‏سالونيك وعني بدلً‏ منه السلطان حممد<br />

رشاد الذي اأصبح األعوبة يف يد جلنة الحتاد والرتقي واأصبحوا هم اأصحاب الكلمة<br />

العليا يف <strong>الدولة</strong>.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

219


220 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اهلوامش:‏<br />

10<br />

11<br />

12<br />

13<br />

14<br />

15<br />

16<br />

17<br />

18<br />

19<br />

الفصل الثامن:‏ األطماع األوروبية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

‎1.1‎جالل يحيى:‏ العامل العربي احلديث،‏ ‏ص 72.<br />

‎2.2‎رافق:‏ العرب والعثمانيون،‏ ‏ص 416.<br />

‎3.3‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ وكذلك ‏ص 366. نص البيان يف اجلربتي ‏ص 4- 5.<br />

‎4.4‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 417.<br />

‎5.5‎جالل يحيى:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 73.<br />

‎6.6‎جالل يحيى:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 81.<br />

‎7.7‎جالل يحيى:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 81.<br />

‎8.8‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها،‏ ج‎1‎‏،‏ ‏ص 69.<br />

‎9.9‎الشناوي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 69.<br />

‎10‎رافق:‏ املصدر السابق،‏ ‏ص 380.<br />

‎1‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 391.<br />

‎12‎رافق:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 412.<br />

‎13‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ ‏ص 244.<br />

‎14‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 247.<br />

‎15‎ناجي علوش:‏ املقاومة العربية يف فلسطني )1917 – ‎1948‎م(‏ .<br />

‎16‎مذكرات الدكتور حسني فخري اخلالدي رئيس بلدية القدس عام ‎1934‎م.‏<br />

‎17‎اأنيس ‏صايغ:‏ يوميات هرتزل،‏ ‏سلسلة كتب فلسطينية ‏ص – 43 44.<br />

‎18‎مذكرات السلطان عبد احلميد السياسية،‏ موؤسسة الرسالة،‏ بريوت،‏ ط 2، عام<br />

‎1979‎م،‏ ‏ص 34.<br />

‎19‎تيسري جبارة:‏ <strong>تاريخ</strong> فلسطني،‏ دار الرشوق،‏ عمان،‏ ط 1، عام ‎1998‎م،‏ ‏ص 69،<br />

انظر نص رسالة السلطان اإىل الشيخ اأبو الشامات ‏ص 69.


الفصل التاسع<br />

السالطني العثمانيون حسب العصر وفرتة احلكم


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل التاسع<br />

السالطني العثمانيون<br />

سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العصر وفرتة احلكم:‏<br />

فرتة النهوض - ‎1299‎م – ‎1453‎م:‏<br />

‏عثمان الأول – 1299 ‎1324‎م<br />

‏اأورخان غازي ‎1324‎م – ‎1360‎م.‏<br />

ممراد الأول ‎1360‎م – 1389<br />

‏بايزيد الأول ‏)الصاعقة(‏ ‎1389‎م–‏‎1402‎م.‏<br />

‏حممد الأول ‎1413‎م – ‎1421‎م<br />

‏مراد الثاين ‎1421‎م – 1444 م<br />

‏حممد الثاين ‏)الفاحت(‏ ‎1444‎م – ‎1446‎م<br />

‏مراد الثاين ‎1446‎م – ‎1451‎م<br />

‏حممد الثاين ‎1451/2/3‎م – ‎1481/5/3‎م<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

فرتة النمو - ‎1453‎م – ‎1683‎م:‏<br />

‏بايزيد الثاين ‎1481/5/19‎م–‏ 1512/4/25 م<br />

‏سليم الأول ‎1512/4/25‎م–‏ ‎1520/9/21‎م<br />

‏سليمان الأول ‎1520/9/30‎م – 1566/9/7 م<br />

‏سليم الثاين‎1566/9/29‎م-‏ ‎1574/12/21‎م<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

223<br />

جامعة القدس املفتوحة


224 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‏مراد الثالث ‎1574/12/22‎م-‏ 1595/1/16 م<br />

‏حممد الثالث ‎1595/1/27‎م-‏ ‎1603/12/21‎م<br />

‏اأحمد الأول ‎1603/12/21‎م – 1617/11/22 م<br />

‏مصطفى الأول ‎1617/11/22‎م-‏ ‎1618/12/26‎م<br />

‏عثمان الثاين ‎1618/2/26‎م-‏ 1622/5/19 م<br />

‏مصطفى الأول ‎1622/5/20‎م-‏ ‎1623/9/10‎م<br />

‏مراد الرابع ‎1623/9/10‎م-‏ ‎1640/2/9‎م<br />

‏اإبراهيم الأول ‎1640/2/29‎م-‏ ‎1648/8/8‎م<br />

‏حممد الرابع ‎1648/8/8‎م-‏ ‎1687/11/8‎م<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

فرتة الركود - ‎1683‎م – ‎1827‎م:‏<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

<br />

‏سليمان الثاين ‎1687/11/8‎م-‏ 1691/6/22 م<br />

‏اأحمد الثاين ‎1691/6/22‎م-‏ ‎1695/2/6‎م<br />

‏مصطفى الثاين ‎1695/2/6‎م-‏ ‎1703/8/22‎م<br />

‏اأحمد الثالث ‎1703/8/22‎م-‏ ‎1730/10/2‎م<br />

‏حممود الأول ‎1730/10/2‎م-‏ 1754/12/13 م<br />

‏عثمان الثالث‎1754/12/13‎م-‏ ‎1757/10/30‎م<br />

‏مصطفى الثالث ‎1757/12/30‎م-‏ 1774/1/21 م<br />

‏عبد احلميد الأول‎1774/1/21‎م-‏ ‎1789/4/7‎م<br />

‏سليم الثالث ‎1789/4/7‎م - ‎1807/5/29‎م.‏<br />

‏مصطفى الرابع ‎1807/5/29‎م-‏ 1808/7/28 م<br />

‏حممود الثاين ‎1808/7/28‎م-‏ 1839/7/1 م<br />

فرتة الرتاجع - ‎1828‎م – ‎1908‎م:‏<br />

‏عبد املجيد الأول ‎1839/7/1‎م-‏ 1861/6/25 م


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‏عبد العزيز الأول ‎1861/6/25‎م-‏ ‎1876/5/30‎م<br />

‏مراد اخلامس ‎1876/5/30‎م-‏ 1876/8/31 م<br />

‏عبد احلميد الثاين‎1876/8/31‎م-‏ ‎1909/4/27‎م<br />

<br />

<br />

<br />

فرتة التفكك - ‎1908‎م – ‎1923‎م:‏<br />

‏حممد اخلامس ‎1909/4/27‎م-‏ ‎1918/7/3‎م<br />

‏حممد السادس‎1918/7/4‎م-‏ ‎1922/11/1‎م<br />

‏عبد املجيد الثاين )1( .<br />

<br />

<br />

<br />

سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>:‏<br />

قسمت يف الصفحات السابقة ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> حسب العرص وفرتة<br />

احلكم لكل ‏سلطان،‏ وكان التقسيم اإىل خمسة اأقسام وقد تناولت الرشح عن بعض<br />

السالطني الذين لعبوا دوراً‏ هاماً‏ يف <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ علماً‏ باأنني تناولت يف<br />

الصفحات السابقة ‏سالطني عثمانيني لعبوا دوراً‏ مهماً‏ ‏سواء يف بداية تاأسيس <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> اأو منوها وتوسعها يف اآسيا واإفريقيا وحوض البحر املتوسط واأوروبا،‏<br />

واستطاع العثمانيون الوصول اإىل اأسوار فينا اأثناء فرتة قوة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

اأما االأقسام اخلمسة التي قسمت فيها ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فهي<br />

ما يلي مع الرشح عن بعض السالطني:‏<br />

‎1.1‎فرتة النهوض ‏)‏‎1299‎م – ‎1453‎م(‏ : وقد حكم يف هذه الفرتة تسعة ‏سالطني.‏<br />

‏رشحنا يف بداية الكتاب عن ‏ستة من هوؤلء السالطني وهم عثمان الأول،‏ اأورخان،‏<br />

مراد الأول،‏ بايزيد الأول،‏ مراد الثاين،‏ حممد الفاحت.‏ وقد لعب هوؤلء السالطني فرتة<br />

هامة يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين لأنها وصفت بفرتة النهوض،‏ وتوسعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

يف اأماكن خمتلفة،‏ ونكتفي بالرشح عن املذكورين اأعاله يف فرتة النهوض.‏<br />

‎2.2‎فرتة النمو ‏)‏‎1453‎م – ‎1683‎م(‏ : وقد حكم يف هذه الفرتة 12 ‏سلطاناً‏ ‏رشحنا<br />

عن اثنني من السالطني يف الصفحات السابقة يف الكتاب وهما ‏سليم الأول وسليمان<br />

القانوين،‏ وشاأرشح عن اثنني اآخرين هما حممد الثالث ‏)‏‎1595‎م – ‎1603‎م(‏ ومراد<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

225<br />

جامعة القدس املفتوحة


226 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الرابع ‏)‏‎1623‎م – ‎1640‎م(‏ وقد تناولت باختصار اثنني من هوؤلء السالطني بسبب<br />

طول فرتة حكم كل منهما اأولً،‏ وعدم الرشح عن بقية السالطني يف هذه الفرتة لأن<br />

ذلك يحتاج اإىل ‏صفحات كثرية فيصبح الكتاب جملداً‏ ‏ضخماً‏ ول داعٍ‏ لذلك.‏<br />

السلطان حممد الثالث ‏)‏‎1595‎م – ‎1603‎م(‏ )2 ) :<br />

هو ابن السلطان مراد الثالث،‏ ولد عام ‎1566‎م وتوىل اأمور السلطنة بعد وفاة<br />

والده باثني عرش يوماً،‏ وحال تناوله اأمور السلطنة عزل بعض رجال <strong>الدولة</strong> ونصب<br />

مكانهم من وجد بهم الإخالص.‏ جرت املعركة الأوىل يف زمنه بني اجليوش <strong>العثمانية</strong><br />

وجيوش الأفالق والبغدان الذين انترصوا على العثمانيني،‏ وجرت معركة ثانية يف<br />

العام التايل تقهقر فيها اأيضاً‏ الإنكشارية،‏ وبعد ‏سنتني،‏ توىل هو بنفسه قيادة اجليوش<br />

<strong>العثمانية</strong> وسار بها اإىل بالد املجر،‏ انترص يف املعركة وفتح قلعة اأرلو.‏ ثم رجعت<br />

اجليوش <strong>العثمانية</strong> منترصة اإىل القسطنطينية،‏ علماً‏ باأن هذه القلعة عجز السلطان<br />

‏سليمان عن فتحها عام ‎1556‎م.‏<br />

من وزرائه الذين وقع على عاتقهم مقارعة الأعداء،‏ ‏سنان باشا،‏ وجفالة زادة،‏<br />

وحسن باشا،‏ وقد هزموا يف املعارك التي ذكرناها يف قتالهم مع الأفالق والبغدان.‏<br />

بعد انتصار السلطان عام ‎1596‎م استمرت احلرب ‏سجالً‏ بني جيوش املجر<br />

والنمسا مقابل اجليش العثماين دون اأن تقع بني الطرفني وقائع حاسمة.‏<br />

ويف بداية القرن السابع عرش للميالد حصلت يف بالد الأناضول ثورة داخلية<br />

كادت اأن تكون وخيمة العاقبة على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ اإل اأن اجليش العثماين اأخمدها.‏<br />

واأعقبت هذه الثورة ثورة اأخرى يف الأستانة كاد ‏رشها يصل اإىل اخلليفة نفسه لأن<br />

جنود السباهية ‏)اأي اخليالة(‏ طلبوا من السلطان اأن يعوض عليهم ما فقدوه من ريع<br />

الإقطاعات املعطاة لهم يف اآسيا،‏ وكانوا يسمونها ‏)متارا(‏ وملا مل يكن يف وسع<br />

السلطان تلبية طلبهم لنقص دخل <strong>الدولة</strong>،‏ متردوا وثاروا ونهبوا ما يف املساجد من<br />

التحف الذهبية والفضية،‏ فاستعان السلطان بجنود الإنكشارية واأخضعتهم بعد ‏سفك<br />

الدماء،‏ ويف تلك السنة تويف السلطان عام ‎1603‎م عن عمر يناهز 37 عاماً‏ وخلفه<br />

ابنه اأحمد الأول )3( . ودفن السلطان حممد الثالث يف جامع اأيا ‏صوفيا بجوار ‏رضيح<br />

السلطان ‏سليم الثاين.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

السلطان مراد الرابع ‏)‏‎1623‎م – ‎1640‎م(:‏<br />

هو ابن السلطان اأحمد الأول ابن السلطان حممد الثالث،‏ ولد عام ‎1609‎م،‏ ووله<br />

النكشارية بعد عزل عمه السلطان مصطفى الأول،‏ توىل عرش السلطنة وعمره 14<br />

‏سنة،‏ ويف اليوم الثاين من جلوسه على العرش توجه اإىل جامع اأيوب املبني بالقرب<br />

من قرب اأبي اأيوب الأنصاري الصحابي )4( . وتقلد السيف حسب العادة،‏ وحدث اأثناء<br />

جلوسه اأن وقعت بغداد يف اأيدي العجم،‏ واأقام الشاه مدة يسريه يف بغداد،‏ وخرج منها<br />

اإىل املوصل ملحاربة حافظ باشا فحارصها ومل يستطع فتحها،‏ حاول حافظ باشا<br />

اسرتداد بغداد لكنه فشل.‏<br />

ويف زمن السلطان مراد ‏شق عصا الطاعة الأمري فخر الدين املعني حاكم جبل<br />

لبنان ومترد على <strong>الدولة</strong>،‏ وبعد قتال عنيف بني الأمري واأحمد باشا وايل دمشق اضطر<br />

الأمري اإىل الهرب،‏ وبعد مالحقته اضطر الأمري اإىل التسليم فاأخذه اأحمد باشا اإىل<br />

القسطنطينية،‏ لكن السلطان عفا عنه،‏ اأما اأولد الأمري فقد جاهروا بعصيان <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> ونهبوا مدن بريوت وصيدا وصور وعكا،‏ فغضب السلطان من دسائس الأمري<br />

فخر الدين بسبب ترصفات اأبنائه،‏ فاأمر السلطان بقطع راأس الأمري فخر الدين وعلق<br />

راأسه على باب الرساي ثم اأمر بقتل ولديه.‏<br />

‏سار السلطان مراد اإىل فتح بغداد وتخليصها من اأيدي العجم فوصلها بعد 30<br />

يوماً،‏ ويف اليوم الثاين من وصوله اأمر جنوده بالهجوم على بغداد،‏ ففتحوها ثم رجع<br />

السلطان للقسطنطينية بعد اأن ترك يف بغداد عرشة اآلف جندي )5( .<br />

ويف تلك الأثناء كانت ثورات اجلنود متتابعة بالأستانة،‏ ويف كل مرة كانوا<br />

يطلبون قتل من يشاوؤون من روؤوس احلكومة املخالفني لهم يف الراأي،‏ ويضطر<br />

السلطان لتلبية طلباتهم اإسكاتاً‏ لهم وخوفاً‏ من اأن يصل اإليه اأذاهم.‏<br />

ويف غضون ذلك اأصدر السلطان اأمره بعزل خرسو باشا عن الصدارة واأعاد<br />

حافظ باشا ‏صدراً‏ اأعظم ملنصبه يف الصدارة،‏ فسعى املعزول ‏)خرسو باشا(‏ لدى<br />

اجلند واأفهمهم اأنه عزل بسبب مساعدته للجيش،‏ لذا ثار اجليش واأرسلوا اإىل الأستانة<br />

يطلبون اإرجاعه،‏ وملا مل يجب السلطان طلبهم ‏ساروا اإىل القسطنطينية وقاموا بثورة<br />

عظيمة دخلوا القرص السلطاين وقتلوا حافظ باشا رغماً‏ عن تدخل السلطان عام<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

227<br />

جامعة القدس املفتوحة


228 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎1632‎م،‏ اغتاظ السلطان واأمر بقتل خرسو باشا حمرك الفتنة وعني بدلً‏ منه بريام<br />

حممد باشا ‏صدراً‏ اأعظم.‏ ومن ذاك الوقت اأظهر السلطان عزماً‏ ‏شديداً‏ يف جمازاة روؤوس<br />

النكشارية وغريهم ممن يهيج اخلواطر ويقلق الراحة العمومية،‏ وصار ياأمر بقتل كل<br />

من ثبت عليه اأقل اشرتاك يف احلركات الأخرية.‏ لذا وقعت مهابته يف قلوبهم وخشيه<br />

الصغري والكبري،‏ واأمن الناس على اأموالهم واأعراضهم من التعدي وسادت السكينة يف<br />

القسطنطينية وجميع اأنحاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

كانت اأخر ثورة لالنكشارية يف زمنه عام ‎1632‎م حركها رجب باشا،‏ فاأمر<br />

السلطان بقتله واإلقاء جثته من ‏شبابيك الرساي حتى يراها املتجمهرون،‏ فسكنت<br />

اخلواطر ومل يحصل ما يعبث بالأمن بعد ذلك يف زمنه )6( .<br />

قرر السلطان طرد العجم من بغداد فجهز جيشاً‏ ‏سار هو بنفسه على راأس اجليش<br />

وحارصها عام ‎1638‎م وسلط على اأسوارها املدافع الضخمة،‏ واستمرت احلرب 48<br />

‏ساعة متوالية ختمت بانتصار اجلنود <strong>العثمانية</strong> ودخلوا بغداد.‏ ثم جرى ‏صلح بني<br />

العثمانيني والعجم وانقطعت اأسباب العدوان بينهما )7( .<br />

‎3.3‎فرتة الركود ‏)‏‎1683‎م – ‎1827‎م(‏ : كان عدد السالطني العثمانيني الذين حكموا<br />

يف هذه الفرتة )11( ‏سلطاناً‏ ‏رشحنا عن اثنني منهما يف هذا الكتاب وهما السلطان<br />

‏سليم الثالث والسلطان حممود الثاين وشاأرشح عن اثنني اآخرين فقط هما:‏ السلطان<br />

اأحمد الثالث ‏)‏‎1703‎م – ‎1730‎م(‏ والسلطان عبد احلميد الأول )1774 – ‎1789‎م(‏<br />

ول بد من التنويه اأن فرتة حكمهما كانت اأطول من غريهم لذا اأفضل الرشح عنهما.‏ ول<br />

داعٍ‏ للرشح الواسع عنهما بل موجز املوجز.‏<br />

السلطان أمحد الثالث ‏)‏‎1703‎م – ‎1730‎م(:‏<br />

هو ابن السلطان حممد الرابع،‏ ولد عام ‎1673‎م،‏ جلس على عرش السلطنة وكان<br />

عمره 41 عاماً،‏ وعند تعيينه وزع اأموالً‏ طائلة على النكشارية،‏ وهوؤلء قتلوا ‏شيخ<br />

الإسالم فيض اهلل اأفندي ملقاومته لهم يف اأعمالهم ونفوا اأولده،‏ وخضع السلطان<br />

لطلب الإنكشارية ومل يحرك ‏ساكناً.‏<br />

وقام النكشارية بعزل اأعظم رجال <strong>الدولة</strong> واستبدلوهم مبن اأرادوا،‏ وعندما<br />

هداأت الأحوال وعادت السكينة اقتص من روؤوس النكشارية فقتل منهم عدداً‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ليس بقليل،‏ وعزل الصدر الأعظم نشاجني اأحمد باشا الذي انتخبه النكشارية<br />

وقت ثورتهم )8( .<br />

‏شن السلطان حرباً‏ على روسيا حتت قيادة بلطجي حممد باشا وكان اجليش<br />

العثماين يقدر ب 200,000 جندي فحارص اجليش الروسي بقيادة قيرص روسيا<br />

وخليلته،‏ ولو استمر احلصار قليالً‏ لأخذ اأسرياً‏ هو ومن معه وامنحت <strong>الدولة</strong> الروسية<br />

من العامل،‏ لكن كاترينا ‏سلمت بلطجي باشا كافة ما كان معها من اجلواهر الكرمية<br />

واملصوغات الثمينة فخان <strong>الدولة</strong> ورفع احلصار عن القيرص وجيشه مكتفياً‏ باإمضاء<br />

القيرص معاهدة فلكزن عام ‎1711‎م واأخلى مبوجبها مدينة اأزاق )9( .<br />

ويف عهد الصدر الأعظم يوسف باشا الذي كان حمباً‏ للسلم وقع مع الروس<br />

معاهدة جديدة تقضي بعدم احلرب بني روسيا و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مدة 25 ‏سنة،‏ ولكن<br />

مل متضِ‏ بضعة اأشهر حتى وقعت احلرب بني اجليشني الروسي والعثماين،‏ فتدخل<br />

الإجنليز للصلح بينهما حماية للتجارة واملصلحة النكليزية،‏ فوقع الطرفان معاهدة<br />

اأدرنة عام ‎1713‎م تنازلت روسيا مبقتضاها عن اأراضيها على البحر الأسود.‏<br />

اأما الصدر الأعظم الذي تاله وهو علي باشا فقد كان ميالً‏ للحرب غيوراً‏ على<br />

‏صالح <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ميالً‏ لسرتجاع ما ‏ضاع من اأمالكها خصوصاً‏ يف بالد<br />

املورة ولذلك اأعلن احلرب على البندقية،‏ فاأرسع اإمرباطور النمسا ميد يد املساعدة<br />

للبنادقة،‏ وقد قتل الصدر الأعظم علي باشا يف املعركة ودخلوا مدينة بلغراد،‏ ثم<br />

جرت مفاوضات للصلح ومت توقيع معاهدة بساروفتس عام ‎1718‎م خرست <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> مبوجبها اأراضٍ‏ يف بالد العرب.‏<br />

ويف عهد السلطان اأحمد الثالث طلب اأهل السنة يف بالد العجم املساعدة من<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بسبب كرثة تعديات الشيعة عليهم )10( . لذا ‏سار اجليش العثماين<br />

لإغاثة السنة،‏ ففتح اجليش العثماين وهو يف طريقه عدة حصون منيعة عام ‎1725‎م<br />

حتى وصل اإىل تربيز وغريها واأعانت املتظلمني وقهرت الأعجام،‏ ثم ‏صاحلهم بناء<br />

على طلب الشاه اأرشف عام ‎1727‎م.‏ ولعدم ميل السلطان للحرب ورغبته يف الصلح<br />

ثار النكشارية واأهاجوا الأهايل فاأطاعوهم طلباً‏ للسلب والنهب عام ‎1730‎م،‏ وطلب<br />

ثوار النكشارية من السلطان قتل الصدر الأعظم واملفتي وقبودان باشا اأي اأمريال<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

229<br />

جامعة القدس املفتوحة


230 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الأساطيل البحرية بحجة اأنهم مييلون ملساملة العجم،‏ فامتنع عن اإجابة طلبهم،‏ وملا<br />

راأى منهم التصميم على قتلهم طوعاً‏ اأو كرهاً،‏ تخوفاً‏ من اأن يتعدى اأذاهم اإىل ‏شخصه،‏<br />

‏سلم لهم بقتل الوزير والأمريال دون املفتي فقبلوا واألقوا جثثهم يف البحر،‏ وقاموا<br />

بالعصيان على السلطان جهاراً‏ فاأعلنوا اإسقاطه ونادوا بابن اأخيه حممود الأول<br />

خليفة للمسلمني واأمرياً‏ للموؤمنني،‏ فاأذعن السلطان اأحمد الثالث وتنازل عن امللك<br />

بدون معارضة.‏ وكانت مدة حكمه 27 ‏سنة و‎11‎ ‏شهراً‏ )11( . وتوفى عام ‎1730‎م.‏<br />

السلطان عبد احلميد األول ‏)‏‎1774‎م – ‎1789‎م(:‏<br />

هو ابن السلطان اأحمد الثالث،‏ ولد عام ‎1724‎م،‏ ويف اليوم الثالث من توليه<br />

احلكم توجه يف موكب حافل اإىل جامع اأبي اأيوب لتقلد ‏سيف السلطان عثمان موؤسس<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ ومل يوزع على اجلنود الإنعامات املعتادة خللو خزائن <strong>الدولة</strong> التي<br />

استنزفتها احلرب الأخرية.‏<br />

زحف اجليش الروسي ملواجهة العثمانيني،‏ فطلب الصدر الأعظم من ‏)رومانزوف(‏<br />

املهادنة وتوقيف القتال،‏ واأرسل اإليه مندوبني لالتفاق على عقد الصلح وقبول الرشوط<br />

التي رفضتها <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عند اجتماع موؤمتر بوخارست فاجتمع املندوبان<br />

العثمانيان مع ‏سفري روسيا يف مدينة قينارجه،‏ وبعد مناقشات طويلة قبل الصدر<br />

الأعظم املعاهدة التي مت التفاق عليها عام ‎1774‎م وهي مكونة من 28 بنداً‏ اأهمها<br />

استقالل تتار القرم وبساربيا وقوبان مع حفظ ‏سيادة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فيما يتعلق<br />

بالأمور الدينية وتسليم كافة البالد والأقاليم التي احتلتها روسيا اإىل خان القرم.‏<br />

واأن يكون للمراكب الروسية حرية املالحة يف البحر الأسود والبحر املتوسط واأن<br />

تبني روسيا كنيسة بقسم بريا بالأستانة ويكون لها حق حماية جميع املسيحيني<br />

التابعني للمذهب الأرثوذكسي من رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

واأضيف اإىل هذه املعاهدة بندان ‏رسيان،‏ يف اأحدهما ‏)اأن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

تدفع اإىل روسيا مبلغ خمسة عرش األف كيبسة بصفة غرامة حربية على ثالثة اأقساط<br />

متساوية يف اأول يناير ‎1775‎م وسنة ‎1776‎م وسنة ‎1777‎م(‏ )12( . ويف الثاين اأنها<br />

تقدم لروسيا املساعدات املقتضية للجالء عما احتلته من جزائر الروم وسحب دونا<br />

منتها منها وهذا نص معاهدة قينارجة.‏<br />

عاش السلطان 66 عاماً‏ قضى منها 16 عاماً‏ على ‏رسير السلطنة )13( .


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎4.4‎فرتة الرتاجع ‏)‏‎1828‎م – ‎1908‎م(‏ : كان عدد السالطني يف هذه الفرتة الذين<br />

حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأربع ‏سالطني،‏ حتدثت يف هذا الكتاب عن السلطان عبد احلميد<br />

الثاين )1876- ‎1909‎م(‏ وشاأتناول يف هذه الفرتة احلديث عن عبد املجيد الأول<br />

وذلك لطول فرتة حكمه وبسبب احلوادث السياسية الهامة التي حصلت اأثناء حكمه<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

السلطان عبد اجمليد األول ‏)‏‎1839/7/1‎م – ‎1861/6/25‎م(:‏<br />

جلس السلطان عبد املجيد على ‏سدة احلكم ومل يبلغ من العمر اإل 18 عاماً‏ حيث<br />

ولد عام ‎1821‎م ‏)‏‎1237‎ه(‏ وكان تنصيبه للعرش عام ‎1839‎م ‏)‏‎1255‎ه(‏ واستلم<br />

منصب الصدر الأعظم يف بداية حكمه خرسو باشا،‏ الذي مل يستطع اأن يستميل اإليه<br />

كبار رجال <strong>الدولة</strong>،‏ لذا اأقال السلطان الصدر الأعظم وعني بدلً‏ منه رشيد باشا.‏ ابتداأ<br />

رشيد يف اإجراء التنظيمات <strong>العثمانية</strong> بقصد رفع املظامل عن الشعب،‏ واألقى منشوراً‏<br />

يف حديقة الورد يف القرص السلطاين ويُدعى ‏)كوخلانة(‏ وقد استمع للمنشور السلطان<br />

وشيخ الإسالم والوزراء وسائر العلماء.‏<br />

تدخلت روسيا يف الأمور الداخلية للدولة <strong>العثمانية</strong> مثل حمايتها لالأرثوذكس،‏<br />

وملا مل يوافق السلطان على ذلك ‏شنت روسيا احلرب ‏ضد السلطان.‏ فزحف اجليش<br />

الروسي وكان تعداده 900.000 جندي نحو ‏سهل الطونة لذا وقفت بريطانيا وفرنسا<br />

ورسدينيا مع السلطان العثماين ‏ضد الروس واأوقفوا الروس عند حدودهم.‏ ثم عقدت<br />

معاهدة باريس مت مبوجبها الصلح عام ‎1856‎م وتفرغ السلطان لسن التنظيمات<br />

املتعلقة بالتجارة والزراعة،‏ واأسس املكاتب الرشيدية واعتنى يف نرش املعارف<br />

والعلوم وتعميم العدالة والأمن )14( .<br />

لقد وقعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معاهدة عام ‎1840‎م يف لندن بخصوص مضيق<br />

البوسفور واملشاألة املرصية واإيقاف حممد علي عن تعدياته على <strong>الدولة</strong> كان قد<br />

وقعها الإجنليز وبروسيا والنمسا والروس.‏ والقصد منها مساعدة الدول الكربى<br />

للسلطان ‏ضد حممد علي،‏ وذلك لإبقاء دولة الرجل املريض ‏)<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>(‏ ‏ضعيفة<br />

يف اأوروبا واأن ل يحل حملها رجل قوي مثل حممد علي يهدد الأوروبيني فيما بعد.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

231


232<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

▪<br />

▪<br />

▪<br />

▪<br />

▪<br />

وضع الأوروبيون ‏رشوطاً‏ على حممد علي والسلطان للتوقيع على معاهدة لندن،‏ ومما<br />

جاء يف بنودها ما ياأتي:‏<br />

‏▪»اأولً:‏ اأن يلتزم حممد علي باشا باإرجاع ما فتحه للدولة العلية ويحتفظ لنفسه<br />

باجلزء اجلنوبي من الشام مع عدم دخول مدينة عكا يف هذا القسم.‏<br />

‏▪ثانياً:‏ اأن يكون لإنكلرتا احلق بالتفاق مع النمسا يف حمارصة اأرض الشام<br />

ومساعدة كل من اأراد من ‏سكان بالد الشام خلع طاعة املرصيني،‏ والرجوع اإىل <strong>الدولة</strong><br />

العلية وبعبارة اأخرى حتريضهم على العصيان؛ لأشغال اجليوش املرصية يف الداخل<br />

كي ل تقوى على مقاومة املراكب النمساوية والإنكليزية.‏<br />

‏▪ثالثاً:‏ اأن يكون ملراكب روسيا والنمسا وانكلرتا معاً‏ حق الدخول يف البوسفور<br />

حلماية القسطنطينية لو تقدمت اجليوش املرصية نحوها.‏<br />

‏▪رابعاً:‏ اأن ل يكون لأحد احلق يف الدخول اإىل مياه البوسفور ما دامت<br />

القسطنطينية غري مهددة.‏<br />

‏▪خامساً:‏ يجب على الدول التي وقع مندوبوها على هذا التفاق اأن<br />

تصادق عليه يف مدة ل تزيد عن ‏شهرين بحيث يكون التصديق يف مدينة<br />

لوندرة ‏)لندن(‏ )15( «.<br />

اتبع السلطان عبد املجيد خطة والده السلطان حممود يف الإصالحات الداخلية،‏<br />

حتى جتاري <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> باقي الدول يف التمدن والعمران،‏ فاأصدر عقب توليه<br />

منصب اخلالفة بقليل اأمراً‏ قرئ علناً‏ يف جمهور الوزراء والأعيان يف ‎1839/11/13‎م،‏<br />

تويف السلطان عبد املجيد وعمره اأربعون ‏سنة عام ‎1861‎م ودفن يف قرب اأُعد له يف<br />

حياته بجوار جامع السلطان ‏سليم،‏ وكانت مدة حكمه 22 ‏سنة ونصف،‏ وهو الذي<br />

اأنشاأ النيشان املجيدي )16( .<br />

‎5.5‎فرتة التفكك ‏)‏‎1908‎م – ‎1923‎م(‏ : بلغ عدد السالطني يف هذه الفرتة ثالثة<br />

‏سالطني فقط حكموا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ول بد من الرشح عن السلطان الذي حدثت يف<br />

زمنه احلرب العاملية الأوىل واأدت اإىل انهيار <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

السلطان حممد رشاد ‏“حممد اخلامس”‏ ‏)‏‎1909‎م – ‎1918‎م(:‏<br />

ولد السلطان حممد رشاد عام ‎1844‎م وكان وصوله للحكم بعد السلطان عبد<br />

احلميد الثاين،‏ حيث اجتمع املجلس العمومي ‏)الأعيان واملبعوثني(‏ اجتماعاً‏ ‏رسياً‏<br />

وخلع عبد احلميد مبوجب فتوى من ‏شيخ الإسالم.‏ حيث قرئت الفتوى الرشعية املوقع<br />

عليها بتوقيع ‏شيخ الإسالم حممد ‏ضياء الدين،‏ فاأسقط السلطان عبد احلميد من<br />

اخلالفة الإسالمية والسلطنة <strong>العثمانية</strong>،‏ ومت خلع عبد احلميد الثاين عام ‎1909‎م.‏<br />

عندما اعتلى السلطان حممد اخلامس العرش كان عمره اآنذاك 65 عاماً،‏ وقد قُ‏ لد<br />

السلطان ‏سيف عثمان يف جامع اأيوب الأنصاري يف القرن الذهبي.‏<br />

كان حممد اخلامس السلطان الرتكي الأول الذي احتفل بالربملان،‏ فدعا النواب<br />

اإىل حفلة ‏شيقة يف بهو العرش،‏ وافتتحت احلفلة بعرش من القراآن الكرمي ثم مشى<br />

العلماء وعلى راأسهم ‏شيخ الإسالم،‏ وتبعهم وزير الأوقاف بلباسه الأخرض )17( وخلفه<br />

موظفو الأوقاف باألبسة تتفاوت األوانها حسب درجات الأشخاص بلباسهم.‏<br />

وجاء بطاركة الطوائف املسيحية فاستقبلهم السلطان ببشاشة وترحاب،‏ واألقى<br />

بطريرك الأرثوذكس بصفته رئيس جميع الأوقاف املسيحية كلمة موجزة،‏ وفتح<br />

السلطان اأبواب جامع اأيوب الأنصاري لأول مرة يف وجه املسيحيني الذين كان<br />

حمرماً‏ عليهم دخول املسجد املقدس.‏<br />

ومنذ ارتقاء السلطان حممد اخلامس ‏سدة احلكم تسلم حزب الحتاد والرتقي<br />

اإدارة احلكومة <strong>العثمانية</strong> )18( . واأصبح اأنور باشا قائد الأمة بصفته القائد الأعلى<br />

للجيوش الرتكية وكان رجالً‏ ذا كفاءة ونزعة اأملانية نظراً‏ للدراسة العسكرية التي<br />

تلقاها يف برلني فاأثرت عليه،‏ واأخذ النفوذ الأملاين ميتد ويقوى يف العاصمة الرتكية<br />

اإىل اأن اأصبحت السفارة الأملانية اأقوى ‏سفارة اأوروبية يف تركيا.‏ وطلب اأنور باشا من<br />

السلطان اأن يستدعي اأحد املفتشني العسكريني من اأملانيا ليدرب اجليش الرتكي واأسند<br />

بعد ذلك قيادة اجليش الأول يف العاصمة اإىل اجلرنال ‏)فون ‏سندرس الأملاين(‏ ومل يرق<br />

هذا العمل لروسيا فاحتجت ولكن احتجاجها مل يثمر الثمرة املرجوة.‏<br />

كان اأنور باشا قد وزع خالل ‏ستة اأشهر بقيمة مليون ونصف املليون جنيه هدايا<br />

على كبار الضباط واملوظفني تعزيزاً‏ لنفوذه.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

233<br />

جامعة القدس املفتوحة


234 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

اأصبح دخول تركيا يف احلرب اأمراً‏ مفروغاً‏ منه لعالقتها القوية مع الأملان،‏<br />

ويف الشهر الأول من احلرب التجاأت املدرعة ‏)غوين(‏ والنسافة املدمرة ‏)برسلو(‏<br />

الأملانيتان اإىل مضيق الدردنيل هرباً‏ من الأسطول الإجنليزي املسيطر على البحر<br />

املتوسط،‏ وكانتا قد رفعتا الأعالم الرتكية.‏<br />

ومما ‏ساعد على تقوية اخلالف الإجنليزي الرتكي وضع الأمريالية البحرية<br />

الإجنليزية يدها على املدرعتني العثمانيتني.‏ وقد ‏ضمت البحرية الإجنليزية الباخرتني<br />

احلربيتني ‏)السلطان عثمان الأول والرشادية(‏ اإىل الأسطول الإجنليزي حتت اسمي<br />

اأجنكورب وايرن )19( .<br />

كانت كل من انكلرتا وفرنسا وروسيا تفاوض تركيا للبقاء على احلياد على<br />

اأن ل متس حدودها يف نهاية احلرب،‏ على اأن تطرد تركيا الطرادين الأملانيني اأو<br />

تضع يدها عليهما،‏ فلم تطرد تركيا الطرادين الأملانيني من مياهها لأنها ابتاعتهما<br />

من اأملانيا،‏ وهكذا بقيا يف الدردنيل حتى دخال البحر الأسود باإيعاز من اأنور باشا<br />

وهاجما البواخر الروسية.‏<br />

اأعلنت روسيا احلرب على تركيا يف 3 ترشين الثاين عام ‎1914‎م،‏ وبعد احلرب<br />

بيومني جاء دور فرنسا واإجنلرتا فاأعلنتا احلرب رسمياً،‏ واأعلنت تركيا احلرب على<br />

احللفاء يف 23 ترشين الثاين عام ‎1914‎م.‏ وضمت اإنكلرتا نهائياً‏ مرص وقربص اإىل<br />

اأمالكها وكان احللفاء قد وقعوا اتفاقية ‏رسية عام ‎1915‎م باإعطاء العاصمة الرتكية<br />

اإىل روسيا بعد اإحراز النرص الأخري.‏ ويف الوقت الذي كانت روسيا تفكر باحلصول على<br />

العاصمة الرتكية كانت فرنسا تفكر بالألزاس واللورين بينما اجنلرتا كانت تفكر بقتل<br />

التجارة الأملانية.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

هوامش الفصل التاسع:‏<br />

‎1.1‎املعرفة-‏ ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> www. marefa. org/index. php<br />

‎2.2‎يوسف اآصاف:‏ <strong>تاريخ</strong> ‏سالطني اآل عثمان،‏ حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي.‏ دار<br />

البصائر،‏ ط 3 دمشق،‏ ‎1985‎م.‏ ‏ص 86.<br />

‎3.3‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>.‏ دار اجليل،‏ بريوت،‏<br />

‎1977‎م،‏ ‏ص 117.<br />

‎4.4‎يوسف اأصاف:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 98.<br />

‎5.5‎يوسف اآصاف:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 104.<br />

‎6.6‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 124.<br />

‎7.7‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 127.<br />

‎8.8‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 142.<br />

‎9.9‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 143- 144.<br />

‎1010‎يوسف اآصاف:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 123.<br />

‎111‎حممد فريد بك املحامي.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 147.<br />

‎1212‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 160.<br />

‎1313‎يوسف اآصاف:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 138.<br />

‎1414‎يوسف اآصاف:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 149.<br />

‎1515‎حممد فريد بك،‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 241.<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

235<br />

جامعة القدس املفتوحة


236 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎1616‎حممد فريد بك املحامي:‏ املصدر نفسه،‏ ‏ص 287.<br />

‎1717‎ماري ملز باتريك:‏ ‏سالطني بني عثمان.‏ موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش،‏ بريوت،‏<br />

‎1986‎م،‏ ‏ص 146.<br />

‎1818‎حممد فريد بك املحامي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 414.<br />

‎1919‎ماري ملز باتريك:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 162.


الفصل العاشر<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد السلطان عبد احلميد الثاني


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الفصل العاشر<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد السلطان عبد احلميد الثاني<br />

1. االحتاد والرتقي.‏<br />

2. احلرب العاملية األوىل.‏<br />

3. نهاية <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وإلغاء اخلالفة.‏<br />

مجعية االحتاد والرتقي:‏<br />

ظهرت يف اأواخر حكم السلطان عبد احلميد جمعية تركيا الفتاة التي انتظم<br />

اأفرادها بعد ذلك يف جمعية الحتاد والرتقي،‏ وكانت تسعى لالإطاحة بحكم السلطان<br />

عبد احلميد،‏ لقد اضطر السلطان حتت ‏ضغط ثورة عسكرية نظمتها جمعية الحتاد<br />

والرتقي اإىل اإعالن دستور مدحت باشا من جديد يف ‎1908/7/24‎م.‏ وحصل اأول<br />

انقسام بني العرب والعثمانيني يف النتخابات التي جرت للربملان اجلديد بعد اإعالن<br />

الدستور العثماين،‏ اإذ حتيز اأعضاء جمعية الحتاد والرتقي ‏ضد العرب )1( . وازداد<br />

هذا التحيز بعد زحف حممود ‏شوكت باشا على العاصمة <strong>العثمانية</strong> من ‏سالونيك يف<br />

‎1909/4/24‎م وخلع عبد احلميد.‏<br />

لقد تاأسست حركة الحتاد والرتقي عام ‎1895‎م وكان لها ‏شاأن كبري يف حركة<br />

تركيا الفتاة املعارضة حلكم السلطان عبد احلميد الثاين،‏ وكان من اأهداف تركيا<br />

الفتاة منح احلرية جلميع ‏سكان <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورعاياها على اختالف جنسياتهم<br />

وكان ‏شعارها ‏»احلرية والعدالة واملساواة«.‏<br />

لقد انترشت فروع جلمعية الحتاد والرتقي يف اأنحاء <strong>الدولة</strong>،‏ وكان هدفها<br />

اأيضاً‏ اإبقاء اللغة الرتكية لغة رسمية يف جميع اأرجاء <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لقد بداأ<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

239<br />

جامعة القدس املفتوحة


240 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

تنظيم وتشكيل جمعية الحتاد والرتقي ‏رساً‏ منذ عام ‎1887‎م اأطلق عليه موؤسسوه<br />

اخلمسة اسم جمعية الحتاد والرتقي،‏ وكان من بني اخلمسة األباين ورشكسي<br />

وكرديان.‏ واستهدف التنظيم التخلص من السلطان عبد احلميد وتنصيب اأحد اأخويه<br />

مراد اأو حممد رشاد،‏ ولكن رئيس املخابرات فهيم باشا كان لهم باملرصاد وفشلت<br />

املحاولة النقالبية عام )2( 1895 .<br />

مشكالت واجهها االحتاديون:‏<br />

لقد واجه الحتاديون مشكالت ‏ضخمة يف بداية حكمهم قبيل احلرب العاملية<br />

الأوىل،‏ ومن اأهم هذه املشكالت احلرب الطرابلسية الإيطالية،‏ وحرب البلقان.‏ اأما<br />

بالنسبة للحرب الطرابلسية الإيطالية،‏ فقد كانت اإيطاليا تطمح بالسيطرة على<br />

طرابلس يف ليبيا خاصة بعد اأن احتلت فرنسا تونس عام ‎1881‎م،‏ عملت اإيطاليا<br />

على تهيئة الوضع داخل ليبيا فعملت على ‏رشاء الأراضي واإنشاء املشاريع الزراعية<br />

وفتح املدارس الإيطالية يف ليبيا وغري ذلك.‏ ويف عام ‎1910‎م قدمت اإيطاليا اإنذاراً‏<br />

اإىل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اتهمتها بعرقلة املساعي لتمدين ‏سكان ليبيا،‏ واأعلنت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> رفض ذلك الإنذار،‏ فما كان من اإيطاليا اإل اأن حارصت ‏سواحل طرابلس<br />

وبرقة ملنع وصول املساعدات اإىل ليبيا.‏ وبداأ الأسطول الإيطايل بقصف السواحل<br />

واإنزال القوات الإيطالية التي احتلت طرابلس وبنغازي وغريها،‏ واأعلنت اإيطاليا<br />

‏ضم هذا اجلزء من ‏شمايل اإفريقيا اإليها،‏ وتقدم العثمانيون بقيادة عزيز املرصي،‏<br />

واملتطوعون بقيادة اأنور باشا،‏ وانترصوا على الإيطاليني يف بنغازي.‏<br />

هددت اإيطاليا باحتالل استنبول واحتلت بعض اجلزر يف البحر الأبيض املتوسط<br />

ورضبت ميناء بريوت فاضطرت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عقد معاهدة اأوشي مع اإيطاليا عام<br />

‎1911‎م )3( ، وانسحبت من ليبيا وتركت املجاهدين وحدهم يف امليدان،‏ ومل تعرتف<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بالحتالل الإيطايل،‏ واإمنا تعهدت بسحب موظفيها وجنودها،‏ وصدر<br />

قرار ‏سلطاين مبنح ليبيا الستقالل الذاتي،‏ اإل اأن املعاهدة مل تطبق لأن تركيا كانت مع<br />

الأملان،‏ بينما كانت اإيطاليا مع احللفاء يف احلرب العاملية الأوىل،‏ فكانتا نقيضني<br />

متخاصمني.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اأما املشكلة الثانية التي واجهت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فكانت حرب البلقان:‏<br />

كانت البوسنة والهرسك تتبع <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ لكن النمسا ‏ضمت هذين الإقليمني<br />

اإليها،‏ وهذا العمل اأدى اإىل اإغضاب الرصب وروسيا،‏ ثم عملت روسيا على تنظيم احتاد<br />

بني دول البلقان انتقاماً‏ من النمسا،‏ ونتيجة لتوتر املوقف يف البلقان اأعلنت اإمارة<br />

اجلبل الأسود احلرب على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1912‎م وتلتها بلغاريا والرصب<br />

واليونان،‏ واأنزلت الدول املتحالفة اإىل ميدان القتال 715 األف مقاتل مقابل 320 األف<br />

جندي تركي ومل ميض ‏شهر على بدء القتال حتى اأرشفت القوات البلغارية على مداخل<br />

استنبول،‏ كما احتل اليونانيون ميناء ‏سالنيك،‏ وتقدم الرصبيون يف جميع اجلهات،‏<br />

واستعملوا الطائرات لأول مرة يف هذه احلرب،‏ وقصفوا مدينة اأدرنة وفقدت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> معظم اأراضيها يف اأوروبا،‏ وبعد وقف القتال جرى التفاق على استقالل<br />

األبانيا وقسمت الأراضي الباقية بني اأعضاء التحالف البلقاين،‏ وقد وقع اتفاق الصلح<br />

يف لندن يف اأيار عام ‎1913‎م.‏<br />

وجرى نزاع بني دول البلقان على غنيمة الأراضي التي انتزعوها من <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>.‏ وهذا التفكك اأدى اإىل انضمام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اليونان والرصب واجلبل<br />

الأسود ‏ضد بلغاريا،‏ واستطاع اأنور باشا اأن يحرر اأدرنة من الحتالل البلغاري وبذلك<br />

‏سيطر على احلكم يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> مع طلعت باشا وجمال باشا،‏ واأخرياً‏ وقعت<br />

معاهدة بني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> وبلغاريا عام ‎1913‎م،‏ واستعاد الأتراك اإقليم تراقيا مبا<br />

يف ذلك اأدرنة،‏ وعرفت هذه احلرب باسم حرب البلقان الثانية )4( .<br />

ظهرت جمعيات ‏رسية عربية تدعو اإىل استقالل البالد العربية عن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ ومن هذه اجلمعيات اجلمعية القحطانية،‏ وجمعية العربية الفتاة،‏ وحزب<br />

الالمركزية الإدارية العثماين،‏ وجمعية العهد،‏ وجمعية الإصالح يف بريوت.‏<br />

اإن الديوان احلربي العثماين الذي اأقامه جمال باشا يف عاليه يف لبنان استطاع<br />

كشف اجلمعيات الرسية العربية كلها واأسماء املشرتكني فيها.‏<br />

لقد عقد الطالب العرب موؤمتراً‏ لهم يف باريس عام ‎1913‎م للنظر يف اأوضاع<br />

العرب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ وراأى اأعضاء املوؤمتر اأنه اإذا مل تنفذ القرارات التي ‏صادق<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

241<br />

جامعة القدس املفتوحة


242 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

عليها،‏ فالأعضاء املنتخبون يف جلان الإصالح العربية ميتنعون عن قبول اأي منصب<br />

كان يف احلكومة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

لقد اتخذ املوؤمتر يف باريس قرارات هامة منها ‏رضورة العرتاف بحقوق العرب<br />

السياسية الكاملة،‏ واأكد املوؤمتر على وحدة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> ورشاكة العرب الأول يف<br />

باريس،‏ وفتحت باب املفاوضات بعد اإرسالها ‏سكرتري جمعية الحتاد والرتقي مدحت<br />

‏شكري بك اإىل باريس،‏ ووقع اتفاقاً‏ مع عبد احلميد الزهراوي ‏)نائب حماه يف جملس<br />

املبعوثان(‏ ثم ‏صادق السلطان حممد رشاد على التفاق.‏ وصدر مرسوم ‏سلطاين<br />

بذلك لكن الحتاديني مل يكونوا خملصني يف النوايا والأفعال لأنهم عينوا ‏ضباطاً‏<br />

اأتراك يف الوليات العربية وساروا يف ‏سياسة الترتيك،‏ وترسيخ نفوذ الحتاديني يف<br />

الأراضي العربية بعد تشتيت الضباط العرب وتوزيعهم على احلاميات البعيدة.‏ كما<br />

اأصدر السلطان فرماناً‏ يف ‎1913/8/8‎م نقض فيه الرشوط التي وعدت بها <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> الأعضاء العرب يف موؤمتر باريس )5( .<br />

احلرب العاملية األوىل:‏<br />

لقد اأدت مشاكل البلقان اإىل تفجري احلرب العاملية الأوىل،‏ فقد قتل اأحد اأعضاء<br />

املنظمات الرسية الرصبية ويل عهد النمسا يف بلدة ‏رساييفو،‏ وقدمت النمسا اإنذاراً‏<br />

اإىل الرصب والتي قبلت معظم بنود الإنذار،‏ لكن النمسا تود القضاء على الرصب،‏<br />

ولهذا اأعلنت عليها احلرب،‏ وهذا احلادث اأجرب الدول العظمى على الشرتاك يف احلرب،‏<br />

فقامت روسيا وفرنسا مبساعدة الرصب،‏ بينما ‏ساعدت اأملانيا حليفتها النمسا،‏ كما<br />

اأن بريطانيا دخلت احلرب اإىل جانب روسيا وفرنسا،‏ بينما اأعلنت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

واليونان ورومانيا وبلغاريا حيادها يف احلرب.‏ اإن حتالف فرنسا وبريطانيا مع<br />

روسيا يف احلرب العاملية الأوىل وقيام احلركة الطورانية اأدى ذلك اإىل اإثارة حماس<br />

الأتراك ‏ضد روسيا وفرصة لنضمام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اأملانيا والنمسا،‏ ومت ذلك<br />

بالفعل.‏<br />

اأعلن اأنور باشا اإلغاء المتيازات الأجنبية يف ‎1914/9/7‎م،‏ لذا اأعلنت دول<br />

الوفاق احلرب على السلطان العثماين،‏ وكان اأن قررت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الستيالء على


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

دور الربيد الأجنبية وخضوع الأجانب للقوانني <strong>العثمانية</strong> وحماكمتهم اأمام املحاكم<br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ كما قدمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معونة مادية وعسكرية للعراق.‏<br />

ويف ‎1914/10/29‎م قصف الأسطول الرتكي املوانئ الروسية املطلة على<br />

البحر الأسود مما اأدى اإىل اإعالن روسيا احلرب على تركيا،‏ ويف ‎1914/11/5‎م اأعلنت<br />

فرنسا وبريطانيا احلرب على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ وما لبث احللفاء الثالثة اأن وضعوا<br />

اخلطط لقتسام اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف املرشق العربي ‏)بالد الشام والعراق(‏ ويف<br />

اأوروبا.‏ وقد استطاعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف بداية احلرب وقف الزحف الروسي على<br />

اأراضيها،‏ وبداأت اجليوش <strong>العثمانية</strong> تتحول اإىل الهجوم.‏<br />

لقد قادت جمعية الحتاد والرتقي – كما ذكرنا – حركة عام ‎1909‎م ‏ضد<br />

السلطان عبد احلميد الثاين،‏ كما قامت بانقالب عام ‎1913‎م،‏ اإل اأن اأعضاء اجلمعية<br />

بقوا مرتددين يف تكوين دولة جديدة،‏ بسبب قلة الندفاع اجلماهريي وسيطرة النفوذ<br />

الديني عليهم،‏ وعلى هذا الأساس بذلوا جهودهم لتعميق الشعور بالوطنية واملحافظة<br />

على <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> والدفاع عنها من التهديدات والأخطار اخلارجية.‏<br />

عانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> كثرياً‏ يف هذه احلقبة الزمنية،‏ وتعرضت قبل هذه احلقبة<br />

للغزو الإيطايل وذلك عام ‎1911‎م،‏ وظهرت عصبة الدول البلقانية ومعارضتها للدولة<br />

<strong>العثمانية</strong> ونشطت الأحالف الغربية ‏ضدها وعلى راأسها روسيا القيرصية )6( .<br />

لقد تشكلت يف تركيا جمعية احلرية والئتالف يف ‎1911/11/8‎م وكانت<br />

هذه اجلمعية تختلف اأيديولوجياً‏ عن جمعية الحتاد والرتقي حيث كانت توؤمن<br />

بالالمركزية.‏ واشتد الرصاع بني الحتاديني والئتالفيني يف جملس املبعوثان<br />

العثماين،‏ ثم تاألفت وزارة ائتالفية اأعلنت اأنها ‏ستطبق مبداأ الالمركزية يف احلكم،‏ تلك<br />

الوزارة التي جاء بها ‏ضباط الإنقاذ والتي اأطاح بها الحتاديون اإثر انقالب عسكري<br />

ثانِ‏ يف ‎1913/1/23‎م بقيادة اأنور باشا،‏ وبقي الحتاديون يحكمون حتى نهاية<br />

احلرب العاملية الأوىل ‏ضمن مبادئهم الثالثة ‏)املركزية والطورانية والترتيك(‏ )7( .<br />

لقد حاولت جمعية الحتاد والرتقي اجتذاب الأشخاص الذين لهم ماضِ‏ جميد<br />

يف القضايا الوطنية على الرغم من املراقبة الشديدة املفروضة على هذه اجلمعية،‏<br />

وانضم اإليها بعض املستخدمني يف احلكومة،‏ ويف احلقيقة ركزت اجلمعية جهودها<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

243<br />

جامعة القدس املفتوحة


244 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

على استقطاب اجليش بجانبها،‏ وكانت النتيجة اأن انضم اإليها عدد كبري من الضباط،‏<br />

واأرسل السلطان العثماين برقية اإىل املفتش العام ‏)يف ‏سالونيك(‏ حلمي باشا يشاأله<br />

فيها عن قوة الحتاد والرتقي وعن الوضع،‏ فكان اجلواب ‏»مولي جاللة السلطان،‏ اأود<br />

اأن اأعلمكم اأن كل فرد هناك ‏سواي عضو يف جمعية الحتاد والرتقي«‏ )8( .<br />

لقد اأبعدت جمعية الحتاد الضباط العرب،‏ وعينت بدلً‏ منهم الولة الأتراك<br />

العسكريني يف قيادة الوليات العربية،‏ وكان منهم جمال باشا السفاح الذي اأعدم<br />

عدداً‏ من العرب يف دمشق وبريوت.‏<br />

لقد كانت ‏سياسة االحتاديني ترتكز على ما ياأتي:‏<br />

‎1.1‎ترتيك جميع القوميات وصهرها يف بوتقة الطورانية.‏<br />

‎2.2‎فرض اللغة الرتكية يف املعامالت الرسمية واملدارس.‏<br />

‎3.3‎احتكار الوظائف لصالح الأتراك.‏<br />

‎4.4‎مراقبة الصحافة وتشجيعها على متجيد النعرة الطورانية.‏<br />

لقد اأدى تسلط الحتاديني وحماولة ترتيك القوميات املختلفة اإىل ‏ضعف الوحدة<br />

<strong>العثمانية</strong>،‏ فاستغلت النمسا تذمر غري الرتكية فضمت اإليها البوسنة والهرسك،‏ كما<br />

احتلت اإيطاليا،‏ وليبيا،‏ وكريت،‏ وانقضت دول البلقان وهاجمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

وانتزعت منها الأراضي الواسعة.‏<br />

لقد توثقت العالقات <strong>العثمانية</strong> الأملانية ما بني ‎1899‎م – ‎1902‎م بعد اأن<br />

حصلت اأملانيا على حق متديد خط حديدي يربط الأناضول ببغداد وقد وضع احلجر<br />

الأساسي للخط عام ‎1912‎م لكن احلرب العاملية الأوىل حالت دون اإمتامه )9( وكان<br />

من املتوخى اأن ينتهي عند اخلليج العربي،‏ وعندما اأدركت بريطانيا نوايا اأملانيا<br />

بادرت اإىل عقد معاهدة حماية مع الكويت نصت على األ يتنازل حاكم الكويت الشيخ<br />

مبارك يف ذلك الوقت عن اأي جزء من اأراضيه اأو يوؤجره اأو يرهنه واأل يدخل يف عالقات<br />

خارجية مع اأي دولة اإل مبوافقة بريطانيا.‏<br />

كما اأن تدريب اجليش العثماين قد عهد به اإىل ‏ضباط من الأملان الذين توىل<br />

بعضهم مناصب هامة يف اجليش العثماين.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وراأى رجال الحتاد والرتقي،‏ اأن من مصلحة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأن توثق عالقاتها<br />

مع اأملانيا ملواجهة الأطماع الروسية والفرنسية والربيطانية،‏ فيما تبقى من اأمالك<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ولهذا عقدوا مع الأملان معاهدة يف اآب عام ‎1914‎م تعهدوا<br />

مبقتضاها مبساعدة اأملانيا ‏ضد روسيا.‏<br />

كان كتشرن املعتمد الربيطاين يف القاهرة يرقب بحذر النفوذ الأملاين املتزايد<br />

يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ والذي متثل يف خط حديد الأناضول – بغداد،‏ مما يهدد مركز<br />

بريطانيا يف اخلليج العربي والهند.‏ كما اأن وقوف تركيا يف حرب مقبلة ‏ضد بريطانيا<br />

من ‏شاأنه تهديد مواصالتها يف قناة السويس ومضيق باب املندب وعدن نظراً‏ لوجود<br />

حامية تركية يف اليمن.‏ كما خشيت بريطانيا من اإعالن السلطان العثماين اجلهاد<br />

‏ضدها لأن هذا ‏سيثري اإضافة اإىل العرب الشعوب الإسالمية مبا يف ذلك الهند.‏ ولهذا<br />

فكرت بريطانيا بالستيالء على املنطقة املمتدة بني حيفا وخليج العقبة حلماية<br />

خطوط مواصالتها وبتشجيع العرب على النفصال عن العثمانيني )10( .<br />

لقد ازداد التنافس الستعماري يف احلصول على اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بعد<br />

اأن ‏ضعفت،‏ وسماها الروس دولة الرجل املريض،‏ وهذا التنافس اأدى اإىل اتفاق الدول<br />

الأوروبية يف موؤمتر اجلزيرة اخلرضاء عام ‎1906‎م باإطالق يد فرنسا يف املغرب،‏ ويف<br />

عام ‎1904‎م كان التفاق الودي بني فرنسا وبريطانيا باأن تعرتف فرنسا مبصالح<br />

بريطانيا يف مرص.‏ كما ‏شجعت الدول الستعمارية رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على التمرد<br />

عليها.‏ ففي عام ‎1908‎م اأعلنت بلغاريا استقاللها عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> بدعم من<br />

روسيا واحتلت اإيطاليا ليبيا مبوافقة دول احللفاء عام ‎1911‎م.‏<br />

اأدركت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأهداف الدول الأوروبية يف تفكيك اأراضيها واقتالعها<br />

فاجتهت اإىل اأملانيا لدعمها وتدريب قواتها املسلحة واإقامة املشاريع القتصادية،‏<br />

لعتقادها اأن اأطماع الأملان اأقل ‏رضراً‏ من روسيا وفرنسا وبريطانيا واإيطاليا.‏<br />

لقد كانت الأطماع الأوروبية يف اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> هي النقطة الرئيسة<br />

التي ‏شجعت تركيا على الدخول يف احلرب العاملية الأوىل مبساندة الأملان،‏ كي<br />

تساعد على حتطيم روسيا التي كان هدفها الرئيسي الدخول عرب املضائق الرتكية<br />

اإىل البحر الأبيض املتوسط.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

245<br />

جامعة القدس املفتوحة


246 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

لقد جنحت السياسة الأملانية يف ‏ضم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل جانب اأملانيا<br />

وحلفائها.‏ وكانت رغبة اأملانيا استغالل العراق والتغلغل يف اإيران جتارياً‏ وسياسياً،‏<br />

وتوجيه ‏رضبة قاتلة اإىل الوجود الربيطاين يف مرص وتهديد السيطرة الربيطانية<br />

على الهند )11( .<br />

استعمل السلطان لقب خليفة كي يعلن اجلهاد ‏ضد دول الوفاق،‏ وطالب املسلمني<br />

يف العامل وخاصة مسلمي روسيا وبريطانيا بالشرتاك يف احلرب ‏ضد ‏»الكفار«.‏ لقد<br />

اأرغمت احلرب الأتراك على القتال يف ‏ست جبهات.‏ وكانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> تركز<br />

على الدفاع عن مناطق الدردنيل والقوقاز وعدن وقناة السويس،‏ وهذه كلها مضائق<br />

تتحكم يف البحار.‏ واأحرزت اجليوش <strong>العثمانية</strong> انتصارات عديدة بفعل نظام التحديث<br />

الذي نفذه حكام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> )12( . وكان اأكرب نرص اأحرزه الأتراك العثمانيون هو<br />

‏صدهم حلملة الدردنيل،‏ مما اضطر احللفاء اإىل النسحاب بعد اأن كلفتهم احلملة حوايل<br />

120 األف قتيل وجريح.‏<br />

كان اأحمد جمال باشا قائد اجليش الرتكي الرابع يف دمشق،‏ وقد اختري ليقود<br />

احلملة على مرص لتحريرها من الإجنليز،‏ وكان يخالف الداعني اإىل الوحدة الطورانية،‏<br />

ويجاهر مبزايا القومية <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

اأعلنت بريطانيا اأن مرص حتت رعايتها،‏ واأعلن اجلرنال ماكسويل انتهاء ‏سيادة<br />

تركيا على مرص،‏ وخلع اخلديوي عباس الثاين.‏ وبداأ جمال باشا هجومه على قناة<br />

السويس ليالً‏ يف ‎1915/2/2‎م،‏ ولكن هجومه فشل ورجع عائداً‏ اإىل دمشق،‏ وكان قد<br />

وزع بياناً‏ على جيشه اأثناء الهجوم على مرص جاء فيه:‏<br />

‏»اأيها اجلنود،‏ اإن الصحاري القاحلة لتمتد من ورائكم،‏ والعدو اجلبان يقف<br />

اأمامكم،‏ ومرص اخلصبة خلف هذا العدو،‏ وهي مشتاقة اإىل الرتحيب بكم فاإن ترددمت<br />

فلن يكون نصيبكم اإل املوت،‏ فاإىل الأمام فاإن اجلنة اأمامكم«‏ )13( .<br />

كانت دول احللفاء قد قامت بعقد اتفاقيات ‏رسية خالل احلرب العاملية الأوىل،‏<br />

بهدف النتصار على دول تركيا واأملانيا وغريها،‏ وبهدف تقسيم اأمالك <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> بعد الهزمية،‏ ومن هذه االتفاقيات الرسية:‏<br />

‎1.1‎االتفاق مع الشريف حسني بإعالنه الثورة ضد األتراك من احلجاز:‏ لقد<br />

خططت بريطانيا اأن ترضب تركيا من الداخل وذلك باستمالة اأحد زعماء العرب،‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

ووقع اختيارهم على الرشيف حسني ‏رشيف مكة املكرمة،‏ وقد تبادل الرشيف حسني<br />

مع املعتمد الربيطاين يف القاهرة رسائل ‏رسية عن ‏رضورة دخول العرب احلرب اإىل<br />

جانب الإجنليز وطرد الأتراك من البالد العربية،‏ وعرفت هذه مبراسالت ‏»احلسني<br />

مكماهون«.‏ ووعدت بريطانيا الرشيف حسني بدولة عربية اإذا ما اأعلن الثورة ‏ضد<br />

الأتراك.‏<br />

استمرت هذه املراسالت ‏سنة كاملة ثم اأعلن الرشيف حسني الثورة على الأتراك<br />

يف العارش من حزيران عام ‎1916‎م،‏ وكان يقود اجليش العربي فيصل بن احلسني<br />

يساعده اجلرنال الجنليزي لورانس )14( ، وجنحا يف طرد الأتراك من الأردن وفلسطني<br />

وسوريا حتى وصال حلب،‏ اأما اجلهة الغربية فقد ‏شن اجلرنال اللنبي هجوماً‏ اأدى اإىل<br />

احتالل القدس يف ‎1917/12/9‎م وكانت قد ‏سقطت قبل ذلك مدن غزة واخلليل ويافا<br />

وبيت حلم،‏ ويف نهاية ‏سنة ‎1917‎م كانت القوات الربيطانية قد احتلت كل ذلك اجلزء<br />

من ‏سوريا الذي ميثل ما يسمى ‏»سنجق القدس«‏ )15( .<br />

وكبدت ثورة العرب الأتراك خسائر ل طاقة لهم بها،‏ فقد فقدوا حتى نهاية اآذار<br />

‏سنة ‎1918‎م 4800 قتيالً‏ و‎1600‎ جريحاً‏ و 8000 اأسرياً‏ يف املعارك التي دارت<br />

بينهم وبني العرب فحسب،‏ وهذه الأرقام ل تشمل اأعداء العرب الذين فروا من ‏صفوف<br />

الأتراك،‏ واأضف اإىل ذلك حامية لهم يف املدينة املنورة عددها 12,000 واأخرى يف<br />

معان عددها 7000 ونحو 3000 يف مراكز خمتلفة على اخلط احلجازي.‏ وكلها قد<br />

عطلها العرب وشلوا حركتها اأي اأن عدد القتلى والأرسى واملعطلني من الأتراك يبلغ<br />

يف جمموعه 35,000 رجالً‏ )16( .<br />

‎2.2‎اتفاقية األستانة ‎1915/3/18‎م:‏ وقد وقعت هذه التفاقية الرسية بني روسيا<br />

وفرنسا وبريطانيا،‏ حصلت روسيا مبوجب التفاقية على الأستانة والشاطئ الغربي<br />

للبوسفور وبحر مرمرة والدردنيل وكل ما تبقى للدولة <strong>العثمانية</strong> من اأرض يف اأوروبا،‏<br />

واتفق على اأن تكون الأستانة ميناءً‏ حراً‏ لدول الوفاق بحيث تسمح روسيا بحرية<br />

املالحة يف املضائق،‏ ووافقت روسيا بدورها على مناطق النفوذ الربيطاين والفرنسي<br />

يف الأناضول،‏ كما مت التفاق على فصل الأراضي الإسالمية املقدسة يف احلجاز<br />

وباقي ‏شبه اجلزيرة العربية ووضعها حتت حكم عربي مستقل )17( . وذلك بعد هزمية<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

247<br />

جامعة القدس املفتوحة


248 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

‎3.3‎معاهدة لندن ‎1915/4/26‎م:‏ وقد مت عقد هذه املعاهدة الرسية بني دول الوفاق<br />

واإيطاليا التي وعدت بكامل السيادة على جزر الدوديكانيز وليبيا واحلصول على جزء<br />

من ‏ساحل الأناضول الواقع على البحر املتوسط ‏)اأضاليا(‏ ؛ وذلك يف حالة تقسيم<br />

اأمالك <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف اآسيا بعد احلرب )18( .<br />

‎4.4‎اتفاقية سايكس بيكو يف ‎1916/5/16‎م:‏ عقدت هذه التفاقية بني فرنسا<br />

وبريطانيا،‏ وكانت اتفاقية ‏رسية،‏ ووقعها عن اجلانب الفرنسي جورج بيكو،‏ وعن<br />

اجلانب الإنكليزي ‏سري مارك ‏سايكس؛ وذلك لتحديد مناطق نفوذ كل من بريطانيا<br />

وفرنسا يف وليات الشام <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

وتتضمن التفاقية اثني عرش بنداً‏ مع امللحقات واخلرائط،‏ وقد مت االتفاق بني<br />

احلكومتني الربيطانية والفرنسية على ما ياأتي:‏<br />

‏“فرنسا وبريطانيا العظمى مستعدتان اأن تعرتفا وحتميا دولة عربية مستقلة<br />

اأو حلفاً‏ احتادياً‏ لدول عربية حتت رئاسة رئيس عربي يف املنطقتني ‏)اأ(‏ ‏)داخلية<br />

‏سوريا(‏ و ‏)ب(‏ ‏)داخلية العراق(‏ املبينتني يف اخلريطة امللحقة بهذا ويكون لفرنسا يف<br />

منطقة ‏)اأ(‏ وبريطانيا العظمى يف منقطة ‏)ب(‏ حق الأولوية يف املرشوعات والقروض<br />

املحلية،‏ وتنفرد فرنسا يف منطقة ‏)اأ(‏ وبريطانيا العظمى يف منطقة ‏)ب(‏ بتقدمي<br />

املستشارين واملوظفني الأجانب بناءً‏ على طلب احلكومة العربية اأو احللف الحتادي<br />

لدول احلكومات العربية”‏ )19( .<br />

وهناك بنود اأخرى يف االتفاقية ميكن تلخيصها مبا ياأتي:‏<br />

‏»تنشاأ اإدارة دولة يف املنقطة السمراء ‏)فلسطني(‏ يعني ‏شكلها بعد استشارة روسيا<br />

وبالتفاق مع بقية احللفاء وممثلي ‏رشيف مكة«‏ )20( .<br />

وتنال بريطانيا ميناء حيفا وميناء عكا،‏ وتكون السكندرون ميناء حراً‏ لتجارة<br />

المرباطورية الربيطانية،‏ وتكون حيفا ميناءً‏ حراً‏ لتجارة فرنسا ومستعمراتها.‏<br />

وتبقى تعريفة اجلمارك الرتكية نافذة عرشين ‏سنة يف املنطقتني الزرقاء<br />

واحلمراء واملنطقتني ‏)اأ(‏ و ‏)ب(‏ )21( .<br />

‎5.5‎اتفاقية سان جان دي موريني يف ‎1917/4/17‎م:‏ عقدت هذه التفاقية بني فرنسا


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وبريطانيا واإيطاليا،‏ واستهدفت تصفية اخلالفات الفرنسية الإيطالية،‏ ولهذا قررت منح<br />

فرنسا منطقة اأضنة على اأن تضع اإيطاليا يدها على ما تبقى من جنوبي الأناضول<br />

مبا يف ذلك ولية اأزمري اإىل ولية قونيا ومترصفيات اأضاليا وغربي الأناضول )22( .<br />

‎6.6‎وعد بلفور يف ‎1917/11/2‎م:‏ هناك عدة اأسباب دعت احلكومة الربيطانية اإىل<br />

اإصدار وعد بلفور،‏ اأهمها رغبة بريطانيا يف اأن يكون لها قاعدة ثابتة يف الرشق<br />

الأوسط للحفاظ على مصاحلها يف املنطقة،‏ وتاأمني خطوط مواصالتها اإىل الرشق<br />

الأقصى وخاصة اإىل الهند،‏ بالإضافة اإىل تاأمني تدفق النفط من منطقة اخلليج<br />

العربي،‏ كما اأن الإنكليز كانت رغبتهم جتنيد اليهود الأمريكيني لدعم جهود بريطانيا<br />

لإقناع الوليات املتحدة بالدخول يف احلرب اإىل جانبها،‏ وقد اأصدرت احلكومة<br />

الربيطانية وعد بلفور وهذا نصه:‏<br />

‏»اإن حكومة جاللة امللك تنظر بعني العطف اإىل تاأسيس وطن قومي للشعب<br />

اليهودي يف فلسطني،‏ وستبذل جهدها لتسهيل حتقيق هذه الغاية على اأن يفهم جلياً‏<br />

اأنه لن يوؤتى بعمل من ‏شاأنه اأن يغري احلقوق املدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف<br />

غري اليهودية املقيمة الآن يف فلسطني،‏ ول احلقوق اأو الوضع السياسي الذي يتمتع به<br />

اليهود يف البلدان الأخرى«‏ )23( .<br />

مل تكن فلسطني تابعة لربيطانيا اأثناء اإصدار وعد بلفور،‏ ولكن كانت من مناطق<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ كما اأن الوعد مل يذكر كلمة عرب بل ذكر الطوائف غري اليهودية علماً‏<br />

باأن نسبة العرب يف فلسطني %93 بينما نسبة اليهود %7 فقط.‏<br />

وهذا يدل على بطالن وعد بلفور.‏<br />

‎7.7‎التصريح اإلجنليزي الفرنسي يف ‎1918/11/7‎م:‏ لقد ‏صدر هذا الترصيح قبل<br />

الهدنة ببضعة اأيام،‏ وذلك لأن العرب وصلت اأسماعهم عن نوايا فرنسا وبريطانيا<br />

بتقسيم املناطق العربية التي ‏ستنسلخ عن <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ لذا اجتاحت البالد العربية<br />

موجة من الشك والتوجس مما تضمره احلكومتان املتحالفتان من دوافع ونوايا،‏<br />

فاحتج الأمري فيصل بن الرشيف حسني اإىل اللنبي واأعلن اأنه لن يستطيع كبح جماح<br />

القوات العربية اإل اإذا ‏صدر على الفور حتديد رسمي واضح لنوايا احللفاء،‏ وبدا اأن<br />

الشعور املكبوت قد يوؤدي اإىل انفجار،‏ لذا ‏سارعت الدولتان اإىل اإصدار الترصيح<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

249<br />

جامعة القدس املفتوحة


250 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

االإجنليزي الفرنسي وهذا نصه:‏<br />

‏»اإن السبب الذي من اأجله حاربت فرنسا واإجنلرتا يف الرشق تلك احلرب التي<br />

اأهاجتها مطامع الأملان،‏ اإمنا هو لتحرير الشعوب التي رزحت اأجيالً‏ طوالً‏ حتت<br />

مظامل الرتك حتريراً‏ تاماً‏ نهائياً‏ واإقامة حكومات واإدارات وطنية تستمد ‏سلطتها من<br />

اختيار الأهايل الوطنيني لها اختياراً‏ حراً..‏ » )24( .<br />

انتهت احلرب العاملية الأوىل عام ‎1918‎م بانتصار احللفاء،‏ وفقدت <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> جميع مناطقها يف اأوروبا اأثناء حكم الحتاديني القصري،‏ حيث استقلت<br />

بلغاريا واحتلت النمسا البوسنة والهرسك وضمت اليونان كريت،‏ واحتلت اإيطاليا<br />

ليبيا وبعض جزر البحر الأبيض املتوسط،‏ وفقد الأتراك الوليات العربية التي كانت<br />

خاضعة للدولة <strong>العثمانية</strong> يف الرشق العربي والآسيوي.‏<br />

وبدخول الوليات املتحدة احلرب حقق احللفاء النرص على الأملان وحلفائهم،‏<br />

ويف عام ‎1918‎م تويف السلطان حممد رشاد ‏)حممد اخلامس(‏ وتوىل العرش بعده<br />

اأخوه حممد وحيد الدين ‏)حممد السادس(‏ وكان املوقف احلربي عصيباً‏ للغاية بالنسبة<br />

لأملانيا والنمسا واملجر وتركيا وبلغاريا.‏<br />

كان قد توىل احلكم حممد رشاد ‏)حممد اخلامس(‏ عام ‎1909‎م وكان عمره 65<br />

عاماً،‏ خرست <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف زمنه اأكرث ممتلكاتها الأوروبية ثم انهارت القوات<br />

<strong>العثمانية</strong> على جميع اجلبهات خالل احلرب العاملية الأوىل،‏ ومات حممد اخلامس<br />

قبل انتهاء احلرب على اجلبهات <strong>العثمانية</strong> ببضعة اأشهر،‏ وسيطر على <strong>الدولة</strong> يف عهده<br />

جماعة الحتاد والرتقي واأبرزهم طلعت واأنور وجمال وجاويد )25( .<br />

لقد ‏سارت الشوؤون املالية يف تركيا اأثناء احلرب ‏سرياً‏ هادئاً‏ بسبب مساعدة<br />

الأملان،‏ فعندما تشعر احلكومة الرتكية باحلاجة اإىل املال،‏ كانت تطلب من اأملانيا اأن<br />

تعقد لها قرضاً‏ اإىل اأمد معلوم.‏<br />

وقد زار الإمرباطور الأملاين غليوم الأستانة للمرة الثالثة يف خريف ‏سنة ‎1917‎م<br />

عندما كان حممد اخلامس حياً،‏ اأما القصد من زيارته فكان الإرشاف على مد خط<br />

برلني بغداد فقط )26( .<br />

اأما السلطان حممد وحيد الدين ‏)حممد السادس(‏ فكان قد توىل العرش يف


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

‎1918/7/4‎م وكان اآخر ‏سالطني بني عثمان حيث مت اإلغاء السلطنة عام ‎1922‎م.‏<br />

ويف كانون الثاين عام ‎1918‎م عرض الرئيس الأمريكي ويلسون نقاطه الأربع<br />

عرشة كاأساس لصلح عادل.‏ وقد ناشدت اأملانيا الرئيس الأمريكي بالتفاوض على<br />

اأساس النقاط الأربع عرشة.‏<br />

راأى السلطان اجلديد حممد السادس ‏رضورة اإنقاذ ما ميكن اإنقاذه بعد اأن استقال<br />

جميع وزراء جماعة الحتاد والرتقي وفروا اإىل اأملانيا،‏ فاختار السلطان اجلديد<br />

اجلرنال اأحمد عزت باشا ‏صدراً‏ اأعظم فطلب التصال بربيطانيا لعقد هدنة.‏<br />

هدنة مودرس عام ‎1918‎م:‏<br />

لقد مت عقد معاهدة مودرس يف اأكتوبر عام ‎1918‎م،‏ ونصت على قيام بريطانيا<br />

وحليفاتها باحتالل القالع والستحكامات يف الدردنيل والبوسفور،‏ وفتح املضائق<br />

هذه للمالحة الدولية،‏ وبعد التوقيع على الهدنة استقال الصدر الأعظم اأحمد عزت<br />

باشا وخلفه اأحمد توفيق ‏صديق الإجنليز،‏ ورضخت تركيا جلميع الرشوط الإجنليزية<br />

والفرنسية والإيطالية )27( .<br />

لقد اشرتك يف احلرب العاملية الأوىل حوايل 65 مليون مقاتل،‏ وسقط فيها ما<br />

يقرب من 10 ماليني قتيل واأكرث من 20 مليون جريح وحوايل 13 مليون من املدنيني<br />

بسبب اجلوع واملرض والإصابات،‏ وقدرت اخلسائر املادية باأكرث من 350 بليون<br />

دولر.‏<br />

كان قد تقرر عقد موؤمتر للصلح يف باريس عام ‎1919‎م لإقرار السلم ووضع<br />

التسوية النهائية بني الأطراف املتنازعة.‏<br />

وفرضت على تركيا معاهدة ‏سيفر يف العارش من اآب عام ‎1920‎م بعد اأن احتلت<br />

اجليوش الربيطانية العراق حتى املوصل،‏ والشام حتى حلب،‏ وسيطرت قوات احللفاء<br />

على املضائق.‏ ومت وضع نظام خاص باملالحة التجارية واحلربية والطريان املدين<br />

والعسكري خالل اأوقات السلم اأو احلرب.‏ وتنازلت تركيا لليونان عن كل ما لديها<br />

يف اأوروبا فيما عدا القسطنطينية ومنطقة ‏صغرية على طول املضائق وبحر مرمرة<br />

بعمق يحول دون اإطالة يونانية على املضائق،‏ واستقلت اأرمينيا،‏ وتولت اليونان اأمر<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

251


252 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الإرشاف على منطقة اأزمري واملناطق املحيطة بها ملدة خمس ‏سنوات يحق للسكان<br />

بعدها اأن يطالبوا بالنضمام اإىل اليونان،‏ واأن تبقى استنبول حتت السيطرة السمية<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong> باعتبارها دولة اأوروبية.‏<br />

لقد األهب الحتالل اليوناين لأزمري مشاعر الأتراك واعتربوه اإذللً‏ لهم،‏ كان منظر<br />

الراية اليونانية وهي تخفق فوق اأصقاع من الأناضول،‏ يُعد من جانب كل تركي وطني<br />

اإهانة ل تغتفر،‏ وكان مما اأثار ‏سخط الأتراك الترصيحات املتكررة التي كان يعلنها<br />

اليونانيون من وقت لأخر،‏ وهي اأن احتاللهم لأزمري ومنطقتها ليس احتاللً‏ موؤقتاً،‏<br />

اإمنا هو عملية ‏ضم نهائي وسيتسع مداه ليشمل كل الأناضول لتكوين اإمرباطورية<br />

هيلينية كربى،‏ برية وبحرية،‏ ومتتد يف اآسيا واأوروبا وتشمل السواحل الرشقية<br />

والغربية لبحر اإيجة فضالً‏ عن منطقة املضائق،‏ وكان اليونانيون يعتمدون يف حتقيق<br />

هذه املرشوعات على تاأييد بريطانيا.‏ وكان لويد جورج رئيس الوزارة الربيطانية<br />

‏ضالعاً‏ معهم ويشعر بكراهية ‏شديدة نحو الأتراك،‏ ويتمنى لو استطاع اليونانيون<br />

‏سحقهم نهائياً‏ واأن يتموا العمل الذي قام به اجلرنال مود يف العراق واجلرنال اللنبي<br />

يف فلسطني عندما جنحا يف طرد الأتراك واإنهاء احلكم الرتكي يف هذين الإقليمني،‏<br />

ولذلك كانت اليونان <strong>الدولة</strong> البلقانية املدللة لدى بريطانيا وقفت اإىل جانبها توؤيد<br />

الوجود العسكري اليوناين يف منطقة اأزمري )28( .<br />

كما تخلت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عن حقوقها يف ولياتها العربية،‏ ووُ‏ ‏ضعت ‏سوريا<br />

ولبنان حتت النتداب الفرنسي،‏ والعراق وفلسطني ورشقي الأردن حتت النتداب<br />

الإجنليزي.‏<br />

وكان من ‏رشوط املعاهدة اأن قُ‏ لصت ‏سيادة <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> فقد حدد عدد<br />

اجليش العثماين بحوايل 50,000 جندي يخضعون لإرشاف الضباط الأجانب،‏ وحدد<br />

‏سالح اجليش والأسطول،‏ واأعيدت المتيازات الأجنبية،‏ وتقرر تشكيل جلنة مُ‏ ‏شكلة من<br />

احللفاء مهمتها الإرشاف على الديون <strong>العثمانية</strong>،‏ وعلى ميزانية <strong>الدولة</strong> وعلى الرضائب<br />

والرسوم اجلمركية والعملة والقروض العامة.‏<br />

وقد اأجرب السلطان العثماين على توقيع املعاهدة حتت تهديد الأسطول


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

الربيطاين وقوات احللفاء.‏ اإل اأن الشعب الرتكي رفض الستسالم واأبى اأن تتمزق<br />

بالده على هذا النحو املزري حتتلها القوات الربيطانية والفرنسية والإيطالية<br />

واليونانية،‏ فثار على الأوضاع التي جاءت بها معاهدة ‏سيفر،‏ وقاد مصطفى<br />

كمال حركة املقاومة ‏ضد احللفاء )29( .<br />

انفجرت الروح الوطنية الكامنة لدى الأتراك،‏ وحتمسوا ملقاومة املحتلني وتشكلت<br />

جمموعات املقاتلني يف استنبول،‏ كما انضم اإليها اجليش الرتكي واختارت مصطفى<br />

كمال اأتاتورك رئيساً‏ لها اإثر عقد موؤمتر يف اأررضوم ب<strong>تاريخ</strong> ‎1919/7/23‎م ومت عقد<br />

املوؤمتر الوطني.‏ كما عقد موؤمتر ‏سيواس وانتخب مصطفى كمال رئيساً‏ له واأيد املوؤمتر<br />

القرارات السابقة التي تقضي باملحافظة على ‏سالمة اأراضي <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

اجتمع املجلس النيابي يف ‎1920/4/23‎م يف اأنقرة التي اتخذها مصطفى<br />

كمال عاصمة للدولة وسمى املجلس الوطني الكبري،‏ وكان موؤلفاً‏ من 270 عضواً‏<br />

وحاول اأعضاء املجلس الإبقاء على عالقات ودية مع السلطان واأل يتخذوا رغبتهم<br />

يف اإنقاذه من اأيدي الأعداء لكن الأمور تطورت اإىل ‏رصاع بني السلطان ومصطفى<br />

كمال.‏<br />

الصراع بني السلطان والكماليني:‏<br />

خاض السلطان حممد وحيد الدين ‏رصاعاً‏ ‏ضد الكماليني،‏ حيث عني فريد باشا<br />

‏صدراً‏ اأعظم واستصدر فتوى من ‏شيخ الإسالم تبيح قتل العصاة،‏ واأصدر الصدر الأعظم<br />

اإعالناً‏ ببطالن النتخابات التي دعا اإليها مصطفى كمال وصدرت اأحكام غيابية<br />

باإعدام مصطفى كمال ورفاقه يف حماكم عسكرية يف استنبول،‏ علماً‏ باأن كمال<br />

كان قد ‏شكل ‏سابقاً‏ جمعية تدعى ‏»جمعية الدفاع عن حقوق الأناضول والرومللي«‏<br />

برئاسته.‏ واأصبحت هذه اجلمعية هي رائدة الكفاح الوطني واأداته )30( .<br />

لقد ردّ‏ الكماليون على السلطان بتشكيل جملس وزراء يف اأنقرة ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1920/5/4‎م وعني مصطفى كمال مفتياً‏ جديداً‏ ونقض فتوى السلطان.‏ وقد ارتفعت<br />

مكانة اأنصار مصطفى كمال بعد جناحه يف حماربة اليونانيني.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

253<br />

جامعة القدس املفتوحة


254 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

لقد جنم عن ثورة مصطفى كمال اأن وجدت يف تركيا حكومتان يف وقت<br />

واحد،‏ حكومة يف استنبول ‏ضعيفة يراأسها السلطان حممد السادس وهو حاكم<br />

‏رشعي jure( )de يستمد ‏رشعيته من حق توارث العرش العثماين،‏ وحكومة يف اأنقرة<br />

ذات ‏سلطات واسعة يراأسها مصطفى كمال وهو احلاكم الفعلي facto( )de )31( .<br />

لقد مترد الكماليون على حكومة استنبول وجعلوا من املجلس الوطني الكبري<br />

حكومة فعلية عام ‎1921‎م،‏ واأقر املجلس الدستور اجلديد الذي خوله الضطالع<br />

بالسلطتني التنفيذية والترشيعية،‏ وقرر رفض كل املعاهدات التي اأبرمتها حكومة<br />

استنبول،‏ ويف الوقت نفسه عقد مصطفى كمال اتفاقاً‏ مع روسيا،‏ اعرتفت روسيا<br />

مبوجبه بامليثاق الوطني الرتكي )32( .<br />

كان من نتائج املعاهدة الرتكية الروسية والتفاق الرتكي الفرنسي،‏ وانسحاب<br />

القوات الإيطالية والفرنسية من الأناضول اأن تدعم مركز الكماليني ‏سواء يف الداخل<br />

جتاه حكومة السلطان اأو يف اخلارج جتاه اليونان وبريطانيا،‏ وحصل الكماليون<br />

على كميات وفرية اإضافية من الأسلحة،‏ وكان على اليونانيني اأن يواجهوا مبفردهم<br />

املوقف احلربي اأمام الكماليني دون العتماد على مساعدات اأجنبية.‏<br />

دعت اإجنلرتا لعقد موؤمتر يف لندن لإعادة النظر يف معاهدة ‏سيفر،‏ ودعت لذلك<br />

حكومة استنبول وحكومة اأنقرة حلضور املوؤمتر،‏ لكن مصطفى كمال اعرتض على<br />

ذلك،‏ واستنكر دعوة رئيس الوزراء فريد باشا.‏ واإزاء ذلك عزل السلطان فريد باشا<br />

وكلف توفيق باشا بتشكيل الوزارة اجلديدة وهم من اأنصار مصطفى كمال،‏ وبقيت<br />

هذه الوزارة يف احلكم مدة ‏سنتني خدمت خاللها مصطفى كمال حتى قوي اأمره يف<br />

البالد.‏<br />

مصطفى كمال يطرد اليونانيني من األناضول:‏<br />

خاض الكماليون حرب التحرير ‏ضد اليونانيني يف الأناضول،‏ فقد اأحرزوا<br />

انتصاراً‏ على اليونانيني يف دملبينار،‏ وساقوا اليونانيني اأمامهم حتى دخلوا اأزمري<br />

يف ‎1922/9/9‎م واأشعلوا النار يف جميع الأحياء التابعة لليونانيني يف اأزمري<br />

وذبحوا جميع من ‏صادفوهم من اجليش اليوناين.‏ واأنقذت ‏سفن بريطانيا وحليفاتها<br />

جموعاً‏ كثرية من املسيحيني هاموا على وجهوهم فراراً‏ من الكماليني،‏ ومل يضع هذا


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

النتصار الساحق نهاية للحكم اليوناين يف الأناضول فحسب،‏ بل كان من نتائجه اأنه<br />

وضع نهاية ملقام اليونانيني يف هذا الإقليم،‏ لأن مصطفى كمال مل يقنع بطرد اأو ذبح<br />

جميع اجلنود اليونانيني فقط،‏ بل طرد كل يوناين كان يقطن الأناضول،‏ وانتهت اأحالم<br />

اليونانيني يف اإنشاء دولة لهم يف الأناضول،‏ واشتد ‏سخط اليونانيني على مليكهم<br />

قسطنطني واعتربوه املشوؤول الأول عن هذه الكارثة التي اأرجعوها اإىل ‏سوء تدبريه<br />

واندفاعه يف توغله يف هضاب الأناضول )33( .<br />

إلغاء اخلالفة اإلسالمية:‏<br />

لقد استهدف اليهود والدول الستعمارية تفتيت ‏شمل الأمة الإسالمية وهو<br />

نظام اخلالفة،‏ ويكفي دليالً‏ على ذلك،‏ ما قاله الدكتور عبد الرشيد يف كتابه ‏»دولة<br />

اخلالفة«‏ ‏»اإن حاخام ‏سالونيك اليهودي كان على راأس الوفد الذي اأعلن خلع السلطان<br />

عبد احلميد الثاين،‏ واأن كمال اأتاتورك الذي قضى على اخلالفة عام ‎1924‎م كان ابن<br />

يهودية«‏ )34( ، ويقول الدكتور مصطفى حلمي اأن اأتاتورك من طائفة الدومنة ذات<br />

الأصل اليهودي )35( . لقد قامت الدول الستعمارية مبحاولت عديدة لإزالة اخلالفة<br />

الإسالمية من الوجود وذلك عن طريق ‏سفاراتها يف تركيا.‏<br />

يف عام ‎1915‎م ‏شارك الروس الإجنليز الراأي بنزع اخلالفة من الأتراك<br />

كما وافقت اإيطاليا اأيضاً‏ على ذلك،‏ وبعث السفري الروسي يف اإيطاليا اإىل وزير<br />

اخلارجية الروسية مذكرة عن مطالب اإيطاليا قال فيها:‏ ‏»اإن احلكومة الإيطالية<br />

توؤيد راأي احلكومة الروسية برضورة فصل احلكومة الإسالمية عن اخلالفة التي<br />

‏ستوؤسس يف احلجاز على اأنقاض السلطنة <strong>العثمانية</strong>،‏ واأن تكون حتت مطلق<br />

نفوذ بريطانيا،‏ اإن احلكومة الإيطالية توؤيد بكل قواها نزع اخلالفة من الأتراك<br />

واإلغاءها متاماً‏ اإذا اقتضى الأمر«‏ )36( .<br />

اأخذ اأتاتورك يزاحم اخلليفة يف احلكم،‏ لذا قرر اأتاتورك فصل الدين عن السياسة<br />

واأن تكون وظيفة اخلليفة متعلقة بالشوؤون الدينية فقط،‏ واأن يكون اأتاتورك احلاكم<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

255<br />

جامعة القدس املفتوحة


256 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الفعلي لرتكيا،‏ وشعر املسلمون يف تركيا وخارجها ما يقصده اأتاتورك من تقلص<br />

‏سلطة اخلليفة.‏<br />

عقد اأتاتورك موؤمتراً‏ ب<strong>تاريخ</strong> ‎1920/4/23‎م يف اأنقرة اأعلن فيه عن رغبته يف<br />

حكم البالد بدلً‏ من اخلليفة لأن موقف اخلليفة اأصبح ‏ضعيفاً،‏ وعندما بداأت تظهر<br />

نوايا اأتاتورك جتاه اخلالفة،‏ اأخذ الوعاظ ورجال الدين يتهجمون على اأتاتورك يف<br />

املساجد والأسواق،‏ كما التف املسلمون حول اخلليفة عبد املجيد،‏ وقد اأدرك اأتاتورك<br />

خطر احلركة الإسالمية عليه يف القسطنطينية،‏ لذا قرر استخدام العنف ‏ضد احلركة<br />

الإسالمية واخلالفة.‏<br />

ذهب وفد مرصي واآخر هندي اإىل تركيا لإقناع مصطفى كمال اأتاتورك بالعدول<br />

عن راأيه يف اإلغاء اخلالفة ورضورة احرتام منصب اخلليفة،‏ واقرتح الوفدان املرصي<br />

والهندي على اأتاتورك تنصيبه خليفة بدلً‏ من اإلغاء هذا املنصب،‏ ولكن اأتاتورك رفض<br />

هذا القرتاح )37( .<br />

كان السلطان السادس والثالثون حممد وحيد الدين ‏)حممد السادس(‏ قد توىل<br />

احلكم من عام – 1918 ‎1922‎م وهو اآخر ‏سالطني بني عثمان،‏ وقد مت اإلغاء السلطنة<br />

يف 1 ترشين الثاين عام ‎1922‎م،‏ وقرر املجلس الوطني الكبري اإعالن اجلمهورية.‏<br />

كانت قد دعت اأنقرة واستنبول ‏)السلطان العثماين ومصطفى كمال اأتاتورك(‏ اإىل<br />

موؤمتر لوزان عام ‎1922‎م من اأجل عقد معاهدة ‏صلح،‏ وراأى مصطفى كمال اأن الوقت<br />

مناسب فاأعلن فصل السلطة عن اخلالفة،‏ وملا مل يوافقه املجلس،‏ اأذاع املوافقة على<br />

ذلك بالإجماع من نفسه،‏ وهدد بقتل من يعلن رفضه،‏ وبعد خمسة اأيام جرى انقالب<br />

يف استنبول وعزل السلطان حممد وحيد الدين ونفي اإىل جزيرة مالطة على ظهر طراد<br />

اإجنليزي،‏ لأنه رفض اأن يكون ملكاً‏ رمزياً‏ ل عالقة له باحلكم.‏<br />

وعلى هذا النحو املزري كانت نهاية اآخر ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الذين حكموا<br />

اإمرباطورية كانت من اأعظم الإمرباطوريات يف العامل.‏ وباختفاء حممد السادس


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

من احلياة السياسية،‏ كان الطريق ممهداً‏ اأمام املجلس الوطني الكبري،‏ فانتخب يف<br />

‎1922/11/19‎م اأمرياً‏ عثمانياً‏ هو عبد املجيد ابن السلطان عبد العزيز خليفة<br />

للمسلمني ل ‏سلطاناً.‏ وبقي يف منصب اخلالفة عاماً‏ وبضعة اأيام ثم اأُخرج اإخراجاً‏<br />

غري كرمي مع اأفراد اأرسته من الأراضي الرتكية يف ‎1924/3/4‎م.‏ فجاءت نهاية اأخر<br />

خليفة عثماين على غرار نهاية اأخر ‏سلطان عثماين )38( .<br />

كان قد اأصدر جملس النواب الرتكي قراراً‏ يف ‎1923/8/23‎م باملوافقة على<br />

معاهدة لوزان،‏ وكان املجلس قد اأصدر قبل ذلك بعدة اأيام قراراً‏ بانتخاب مصطفى<br />

كمال رئيساً‏ للجمهورية وعصمت اإبنونو رئيساً‏ للوزراء.‏ ويف ‎1923/11/2‎م مت جالءٌ‏<br />

اأخر لقوات الحتالل من استنبول،‏ وقد دخلت يف اليوم السادس من الشهر نفسه القوات<br />

الرتكية حتت قيادة ‏شكري نايلي.‏<br />

ويف <strong>تاريخ</strong> ‎1923/10/29‎م عقدت اجلمعية الوطنية جلسة هامة،‏ وصعد<br />

مصطفى كمال املنصة،‏ واألقى خطبة اأعلن فيها اأن تركيا جمهورية.‏ واجتمع جملس<br />

النواب ومل يحرض ‏سوى %40 فقط من الأعضاء وانتخب مصطفى كمال اأول رئيس<br />

للجمهورية الرتكية،‏ واأخذ يعمل لإلغاء اخلالفة واإعالن علمانية <strong>الدولة</strong> )39( .<br />

بداأ الراأي العام يف تركيا يهاجم مصطفى كمال،‏ وقالوا اإن حكام اأنقرة اجلدد<br />

كفرة ثم غادر كثري من النواب ورجالت البالد اأنقرة وذهبوا اإىل استنبول واأخذوا<br />

يلتفون حول اخلليفة عبد املجيد.‏ ويف هذا الوضع اأمده الإجنليز بسالح يستعمله ‏ضد<br />

من يتمسكون باخلالفة.‏ وصارت الأجواء يف جميع اأنحاء تركيا ‏ضده.‏<br />

واإبان اشتداد احلملة عليه اأرسل الزعيمان الهنديان املسلمان اآغا خان واأمري<br />

علي خطاب احتجاج باسم مسلمي الهند،‏ يطالبانه فيه باحرتام مقام اخلليفة<br />

العثماين خليفة املسلمني.‏ لكن مصطفى كمال األقى خطاباً‏ قال فيه ‏»اآن الأوان اأن<br />

تنظر تركيا اإىل مصاحلها،‏ وتتجاهل الهنود والعرب وتنقذ نفسها من تزعم الدول<br />

الإسالمية«‏ )40( .<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

257<br />

جامعة القدس املفتوحة


258 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ويف ‎1923/3/3‎م اأعلن اأن املجلس الوطني الكبري قد وافق على اإلغاء اخلالفة<br />

وفصل الدين عن <strong>الدولة</strong>.‏<br />

لقد اأصدر املجلس الوطني الكبري بقيادة مصطفى كمال اأتاتورك قراراً‏ ب<strong>تاريخ</strong><br />

‎1924/3/3‎م بعزل اخلليفة عبد املجيد واإلغاء نظام اخلالفة.‏ ونفي جميع اأعضاء<br />

البيت العثماين من الأراضي الرتكية،‏ واتخذت احلكومة الرتكية اإجراءات اأمن مشددة<br />

خشية اأن تقوم مظاهرات احتجاجاً‏ على طرد اخلليفة،‏ ومت نقله يف فجر اليوم التايل<br />

لصدور القرار يف عربة اأقلته اإىل حمطة ‏سكة حديد ‏صغري تقوم خارج استنبول،‏ ومت<br />

وضعه يف قطار الرشق الرسيع،‏ ويالحظ اأنه مل يستقل القطار من املحطة احلديدية<br />

الرئيسة وهي حمطة ‏رشكس.‏<br />

عندما األغى اأتاتورك اخلالفة جاء الحتجاج من خمتلف املناطق الإسالمية<br />

يف العامل،‏ فمثالً‏ اأصدر علماء الأزهر يف مرص بياناً‏ موقعاً‏ من ‏ستة عرش عاملاً‏ من<br />

علمائه،‏ قرروا فيه بطالن ما اتخذه اأتاتورك من عزل اخلليفة عبد املجيد؛ لأن البيعة<br />

كانت للخليفة عبد املجيد من جميع املسلمني يف العامل.‏<br />

لقد ذم الشعراء اأتاتورك على اإلغائه اخلالفة الإسالمية،‏ وبكوا على اخلالفة،‏ فقال<br />

اأحمد ‏شوقي اأمري الشعراء يبكي اخلالفة )41( .<br />

‏ضحت عليك ماآذن ومنابر<br />

الهند والهةٌ‏ ومرش حزينةٌ‏<br />

والصام تصاأل والعراق وفارص<br />

وبكت عليك ممالك ونواح<br />

تبكي عليك مبدمع ‏سفاح<br />

اأحماصن االأرص اخلالفة ماح<br />

وبعد اإلغاء اخلالفة الإسالمية على يد اأتاتورك تفكك املسلمون واأصبحوا بال راع،‏<br />

ولكن حاول قادة املسلمني اأن يعقدوا موؤمتراً‏ لبحث موضوع اخلالفة،‏ فعقدوا موؤمتراً‏<br />

يف القاهرة عام ‎1926‎م ولكن املوؤمترين مل يتوصلوا اإىل ‏شيء يف تعيني خليفة<br />

للمسلمني،‏ وهكذا ما زال املسلمون بال خليفة حتى الآن.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

وملا استيقظ الشعب يف الصباح وجد اأن جميع اإجراءات ترحيل اخلليفة واأرسته<br />

قد متت دون اأن تُتاح له الفرصة لإلقاء نظرة اأخرية على خليفة املسلمني )42( . ثم<br />

اعرتفت الدول باستقالل تركيا بعد توقيع معاهدة لوزان عام ‎1923‎م.‏<br />

وانسحب الإجنليز من استنبول واملضائق.‏ وغادر هارجنتون تركيا،‏ وعلى اإثر<br />

ذلك قام اأحد النواب الإجنليز واحتج على كرزون يف جملس العموم لعرتافه باستقالل<br />

تركيا،‏ فاأجابه كرزون قائالً:‏ ‏»القضية اأن تركيا قد قُ‏ ‏ضي عليها،‏ ولن تقوم لها قائمة،‏<br />

لأننا قد قضينا على القوة املعنوية فيها:‏ ‏»اخلالفة والإسالم«‏ )43( .<br />

انفرد مصطفى كمال بحكم البالد بعد اإلغاء اخلالفة الإسالمية،‏ فاألغى القانون<br />

الإسالمي واحلروف العربية واستبدلها باحلروف الالتينية وتبنى التقومي امليالدي.‏<br />

وترجم القراآن للرتكية ومنع احلجاب وفرض السفور واللباس الأجنبي،‏ واألغيت وزارة<br />

الأوقاف ووظيفة ‏شيخ الإسالم،‏ واألغيت املحاكم الرشعية،‏ وقضى على اأتباع الطرق<br />

الصوفية،‏ فاأغلق تكاياها وحل منظماتها،‏ وحدد عدد املساجد واأغلق جامعي اأيا<br />

‏صوفيا وحممد الفاحت،‏ فحول الأول اإىل متحف والثاين اإىل مستودع.‏<br />

ويف عام ‎1928‎م األغى نص الدستور الذي يجعل من الإسالم ديناً‏ رسمياً‏ للدولة،‏<br />

وسمح للمسلمني بتعاطي املرشوبات الروحية،‏ واألغى تعدد الزوجات،‏ وفرض نظام<br />

احلزب الواحد،‏ ومضى قدماً‏ يف الطابع العلماين والعرصي على تركيا احلديثة يف<br />

الوقت الذي اأضعف فيه النظام الإسالمي.‏<br />

وسمى نفسه اأتاتورك مبعنى اأبو الرتك.‏ وفرض على الأتراك القبعة واملالبس<br />

الأوروبية،‏ ويف عام ‎1938‎م تويف اأتاتورك وخلفه عصمت اإينونو رئيساً‏ للجمهورية.‏<br />

وهكذا استطاع مصطفى كمال اأن يطوي ‏صفحة دولة اخلالفة <strong>العثمانية</strong> واإحالل دولة<br />

تركيا العلمانية حملها )44( .<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

259<br />

جامعة القدس املفتوحة


260 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

هوامش الفصل العاشر:‏<br />

10<br />

11<br />

12<br />

13<br />

14<br />

‎1.1‎كان العرب يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأكرث من الأتراك اأنفسهم،‏ اإذ بلغ عدد العرب عرشة<br />

ماليني ونصف مقابل ‏سبعة ماليني ونصف لالأتراك واأربعة ماليني لقوميات<br />

اأخرى،‏ لكن حصل العرب على 60 مقعداً‏ يف الربملان مقابل 150 مقعداً‏ لالأتراك<br />

من اأصل 245 مقعداً،‏ وكان لهم يف جملس الشيوخ الذي يعينه السلطان ثالثة<br />

مقاعد من جمموع اأربعني مقعداً.‏ انظر رافق:‏ العرب والعثمانيون.‏ ‏ص 535.<br />

‎2.2‎عبد الكرمي غرايبة:‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث.‏ الأهلية للنرش والتوزيع،‏ بريوت ‎1984‎م.‏<br />

‏ص 268.<br />

‎3.3‎اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث،‏ مكتبة العبيكان<br />

الرياض،‏ ط 1 عام ‎1996‎م،‏ ‏ص 216.<br />

‎4.4‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين.‏ ط‎2‎‏،‏ ‎1993‎م،‏ ‏ص 279.<br />

‎5.5‎من اأبرز الكتب يف موضوع تنظيمات احلركة القومية العربية هي التي كتبها<br />

جورج اأنطونيوس،‏ وحممد عزة دروزة،‏ واأحمد عزت الأعظمي،‏ وتوفيق علي برو،‏<br />

وعبد العزيز الدوري.‏ انظر ‏سيار اجلميل:‏ تكوين العرب احلديث.‏ ‏ص – 521 522.<br />

‎6.6‎اأحمد نوري النعيمي:‏ احلياة السياسية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏ جامعة بغداد،‏ ‎1990‎م.‏<br />

‏ص 91.<br />

‎7.7‎‏سيار اجلميل:‏ مصدر ‏سابق،‏ دار الرشوق،‏ عمان،‏ ‎1997‎م.‏ ‏ص 518.<br />

‎8.8‎اأحمد نوري النعيمي:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 86.<br />

‎9.9‎عبد الكرمي غرايبة:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 277.<br />

‎10‎رافق:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 545.<br />

Bernard Lewis: The Emergence of Modern Turkey. P. 2441<br />

‎12‎املصدر نفسه.‏ ‏ص 331.<br />

13 جورج انطونيوس:‏ يقظة العرب.‏ ط 1، دار العلم للماليني،‏ بريوت،‏ ‎1962‎م.‏ ‏ص 236.<br />

14 جورج انطونيوس:‏ املصدر نفسه ‏ص 316 وملزيد من املعلومات عن حياة هذا<br />

الضابط الإجنليزي لورانس وعن الثورة العربية راجع مذكرات لورانس بعنوان:‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

15<br />

16<br />

17<br />

18<br />

19<br />

اأعمدة احلكمة السبعة.‏ منشورات دار الآفاق اجلديدة،‏ بريوت.‏ ط 4، عام ‎1980‎م<br />

وهو مرتجم عن كتابه بالإجنليزية بعنوان:‏ Seven Pillars of Wisdom<br />

15 املصدر نفسه.‏ ‏ص 331.<br />

16 جورج اأنطونيوس:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 333.<br />

17 اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث.‏ ‏ص 222.<br />

18 اإسماعيل ياغي:‏ املصدر نفسه والصفحة نفسها.‏<br />

19 مكي الطيب ‏شبيكة:‏ العرب والسياسة الربيطانية يف احلرب العاملية الأوىل.‏<br />

املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم،‏ معهد البحوث والدراسات العربية،‏<br />

جامعة الدول العربية،‏ ‎1975‎م.‏ ‏ص 72.<br />

20 املصدر نفسه والصفحة نفسها.‏<br />

20<br />

21 21 املصدر نفسه.‏ .73<br />

22<br />

23<br />

24<br />

25<br />

26<br />

27<br />

28<br />

29<br />

2 اإسماعيل ياغي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 223.<br />

23 جورج اأنطونيوس:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 374.<br />

24 جورج اأنطونيوس:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 590.<br />

25 عبد الكرمي غرايبه.‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث.‏ ‏ص 251.<br />

26 ماري ملز باتريك:‏ ‏سالطني بني عثمان.‏ ‏صفحات من <strong>تاريخ</strong> تركيا الجتماعي<br />

والسياسي والإسالمي.‏ موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش ‎1986‎م.‏ ‏ص 181.<br />

27 اإسماعيل ياغي:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 225.<br />

‎28‎عبد العزيز الشناوي.‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها.‏ ج 1. مكتبة<br />

الأجنلو املرصية 1978 ‏ص 256.<br />

‎29‎ولد مصطفى كمال اأتاتورك يف ‏سالونيك عام ‎1880‎م،‏ وبداأ حياته العسكرية<br />

يف فرقة الفرسان الرتكية وعمره )23( عاماً،‏ وكان معتاداً‏ على اخلطابة اأمام<br />

اجلماهري من ‏صغره،‏ وكان رئيساً‏ لأركان حرب حممود ‏شفيق باشا عند دخوله<br />

الأستانة ظافراً‏ ‏سنة ‎1909‎م اإثر اإخماد الثورة التي قام بها اأنصار السلطان عبد<br />

احلميد الثاين.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

261<br />

جامعة القدس املفتوحة


262 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

30<br />

31<br />

32<br />

33<br />

34<br />

35<br />

36<br />

37<br />

38<br />

39<br />

40<br />

41<br />

42<br />

43<br />

44<br />

وكان اأول من بداأ حياته السياسية بطالً‏ يف نظر الأتراك،‏ وبعد انتهاء احلرب<br />

العاملية الأوىل عني ناظراً‏ عاماً‏ يف ‏رشقي الأناضول،‏ فاأخذ يعمل على تنظيم<br />

اجليش الرتكي.‏ ويف متوز عام ‎1919‎م اأصدرت احلكومة <strong>العثمانية</strong> يف الأستانة اأمراً‏<br />

مبالحقته لأنه كان من الوطنيني،‏ واعتباره خارجاً‏ عن قوانني <strong>الدولة</strong>،‏ فالتجاأ اإىل<br />

السفارة الإيطالية يف الأستانة ثم فر منها اإىل الأناضول.‏ اأنظر:‏ ماري ملز باتريك:‏<br />

‏سالطني بني عثمان،‏ ‏صفحات من <strong>تاريخ</strong> تركيا الجتماعي والسياسي والإسالمي.‏ موؤسسة<br />

عز الدين للطباعة والنرش،‏ بريوت،‏‎1986‎م.‏ ‏ص 200.<br />

‎30‎عبد العزيز الشناوي:‏ مصدر ‏سابق،‏ ‏ص 258.<br />

‎31‎الشناوي،‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 264.<br />

‎32‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص – 305 306.<br />

‎3‎الشناوي.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 275.<br />

‎34‎د.‏ عبد الرشيد عبد العزيز ‏سامل:‏ دولة اخلالفة.‏ وكالة املطبوعات،‏ الكويت،‏ ط‎1‎‏،‏<br />

‎1983‎م،‏ ‏ص 25.<br />

‎35‎مصطفى حلمي:‏ الأرسار اخلفية وراء اإلغاء اخلالفة <strong>العثمانية</strong>.‏ ‏ص 49.<br />

‎36‎عبد القادر زلوم:‏ كيف هدمت اخلالفة.‏ ‏ص 72.<br />

‎37‎عبد الرشيد عبد العزيز ‏سامل:‏ دولة اخلالفة.‏ ‏ص 190.<br />

‎38‎عبد الرشيد عبد العزيز ‏سامل:‏ املصدر نفسه.‏ ‏ص 279.<br />

‎39‎عبد القادر زلوم:‏ كيف هدمت اخلالفة.‏ 1962. ‏ص 186.<br />

‎40‎املصدر نفسه،‏ ‏ص 188.<br />

‎41‎مصطفى حلمي.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 165.<br />

‎42‎الشناوي.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 279.<br />

‎43‎عبد القادر زلوم:‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص 190.<br />

‎4‎اإسماعيل ياغي.‏ مصدر ‏سابق.‏ ‏ص – 232 233.


الخاتمة


264 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الخاتمة<br />

لقد قدمت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> خدمات جليلة للمسلمني والعرب يف قارات اآسيا<br />

واأفريقيا واأوروبا.‏ وقامت بحماية البالد العربية والإسالمية من الغزو الستعماري<br />

الربتغايل اأولً‏ يف بداية تاأسيسها،‏ فقد جنحت يف منع الربتغاليني من التغلغل اإىل<br />

احلجاز حيث الأماكن الإسالمية املقدسة يف مكة املكرمة واملدينة املنورة،‏ كما<br />

حافظت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> على اإسالم وعروبة ‏سكان ‏شمايل اأفريقيا من الأخطار<br />

الربتغالية والإسبانية والبيزنطية وفرسان القديس يوحنا التي اتخذت جزيرة مالطا<br />

مستقراً‏ ومقاماً‏ لها،‏ وكان هدف هذه القوى الستعمارية اإنشاء ممالك مسيحية تتناثر<br />

على الشمال الإفريقي ليصبح البحر املتوسط بحراً‏ مسيحياً‏ اأوروبياً،‏ وطلب السكان<br />

العرب يف اأقاليم الشمال الإفريقي حمايتهم من التغلغل الستعماري الصليبي،‏ لذا لبت<br />

<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> الدعوة وقامت بحمايتهم ودعمت خري الدين بربروسيا وعروج باشا<br />

وغريهما مبدهم بالسالح والرجال.‏<br />

مل تلجاأ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل اإقامة حدود مغلقة اأو مصطنعة بني الوليات العربية<br />

ول حواجز عسكرية بينها.‏ فكانت حرية النتقال والسفر بني الوليات مكفولة وسهلة<br />

حيث كان العربي ينتقل من اأي مدينة اإىل اأي مدينة يف الرشق والغرب العربي دون<br />

عائق.‏<br />

لقد ربط الدين الإسالمي بني اجلماهري العربية و<strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمة<br />

فاأخلصوا لها واشرتكوا يف حروبها ‏ضد الصليبيني،‏ وخري دليل على ذلك عندما هاجم<br />

نابليون بونابرت القائد الفرنسي يف حملته على مرص عام ‎1798‎م،‏ اأعلن السلطان<br />

‏سليم الثالث اجلهاد الديني ‏ضد الفرنسيني فاستجاب لدعوته عرب احلجاز والشام<br />

وشمايل اأفريقيا،‏ وصمموا على الظفر باإحدى احلسنيني اإما الستشهاد اأو النتصار.‏<br />

لقد نظر السكان العرب اإىل السلطان العثماين باأنه خليفة املسلمني،‏ ومل ينظروا<br />

للدولة <strong>العثمانية</strong> على اأنها دولة اأجنبية بل دولة اإسالمية يستظلون بظلها،‏ ومل ينظروا<br />

اإليها باأنها دولة استعمارية بل دولة اخلالفة.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

لقد تعرضت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اإىل حمالت تشهري واأباطيل وافرتاءات بقصد<br />

الإساءة للحكم العثماين الإسالمي،‏ وكان القصد من هذه الأباطيل الإطاحة ب<strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> لأنها دولة اإسالمية حربية من الطراز الأول وهدفها حتويل دار احلرب<br />

‏)الكفر(‏ اإىل دار الإسالم.‏<br />

كانت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> اأول دولة اإسالمية تصل بقواتها اإىل قلب اأوروبا،‏ وقامت<br />

بنرش الإسالم يف هذه الأصقاع الأوروبية التي وصلتها،‏ والتي ما زال املسلمون<br />

فيها يحافظون على دينهم الإسالمي.‏ وكانت روح اجلهاد الديني راسخة يف اإسالم<br />

العثمانيني لأنهم ربطوا الغزو،‏ وحركة الفتوح الإسالمية يف كل الأناضول والبلقان<br />

يف اأوروبا بنرش الإسالم.‏<br />

نظر الأوروبيون للدولة <strong>العثمانية</strong> على اأنها الرمز احلي لالإسالم وهذا اأدى<br />

اإىل تصاعد موجات احلقد والعداء بني احلكومات والشعوب الأوروبية وبني <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> بصفتها،‏ دولة اإسالمية حتكم ‏شعوباً‏ مسيحية اأوروبية.‏<br />

وكانت حكومات بعض الدول الأوروبية حترض رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

املسيحيني على الثورة،‏ ومتدهم بالأسلحة والذخائر والأموال لإجراء مذابح عامة بني<br />

رعايا <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> املسلمني ورعاياها الذين اعتنقوا الإسالم لنرش اخلوف والذعر<br />

كي يعودوا اإىل املسيحية.‏<br />

بعد اأن وقعت <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> معاهدة كوجوك كاينارجا عام ‎1774‎م<br />

مع الروس بداأ الضعف التدريجي للدولة.‏ وشعرت الدول الأوروبية اأن <strong>الدولة</strong><br />

<strong>العثمانية</strong> عاجزة عن التصدي للدول الستعمارية،‏ فاحتلت فرنسا اجلزائر عام<br />

‎1830‎م خاصة عندما هزمت اأساطيل <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> عام ‎1827‎م يف معركة<br />

نفارين،‏ ثم اأخذت الدول الستعمارية تنهش جسم <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> جزءاً‏ جزءاً.‏<br />

حيث بسطت فرنسا حمايتها على تونس عام ‎1881‎م،‏ واحتلت بريطانيا مرص<br />

عام ‎1882‎م وغريها.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

265<br />

جامعة القدس املفتوحة


المصادر والمراجع


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

املصادر واملراجع:‏<br />

أوالً‏ - املراجع العربية:‏<br />

‎1.1‎ابن اإياس:‏ بدائع الزهور يف وقائع الدهور،‏ ج 4، ج 5.<br />

‎2.2‎ابن طولون:‏ مفاكهة اخلالن،‏ ج 2.<br />

‎3.3‎اإحسان النمر:‏ نظرات وحتقيقات يف ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ مطبعة النرص التجارية،‏<br />

نابلس.‏<br />

‎4.4‎اأحمد عبد الرحيم مصطفى:‏ يف اأصول ال<strong>تاريخ</strong> العثماين،‏ دار الرشوق،‏ ‎1986‎م.‏<br />

‎5.5‎اأحمد نوري النعيمي:‏ احلياة السياسية يف <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ جامعة بغداد،‏ ‎1990‎م.‏<br />

‎6.6‎األربت حوراين:‏ الفكر العربي يف عرص النهضة،‏ – 1798 ‎1939‎م.‏<br />

‎7.7‎اأسامة اأبو نحل:‏ اأحمد باشا اجلزار.‏ اإدارته وعالقاته السياسية والقتصادية<br />

بالقوى القليمية والدولية.‏ رسالة دكتوراه غري منشورة.‏ جامعة النيلني،‏ مرص<br />

‎2003‎م.‏<br />

‎8.8‎اأسامة اأبو نحل:‏ حركات التمرد يف مرص يف بداية العهد العثماين.‏ – 1517<br />

‎1524‎م والنتائج املرتتبة عليها عام ‎2003‎م.‏ انظر<br />

www. alajman. ws/vb/showthread<br />

10<br />

11<br />

12<br />

13<br />

14<br />

15<br />

‎9.9‎اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> الإسالمي احلديث.‏ مكتبة العبيكان،‏<br />

الرياض،‏ ط‎1‎ ‎1996‎م.‏<br />

‎10‎املصور يف ال<strong>تاريخ</strong>:‏ ج 7، خمالفة فخر الدين مع توسكانا.‏<br />

‎1‎املعرفة،‏ ‏سالطني <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> www. almarefa/index. php<br />

‎12‎اأنيس ‏صايغ:‏ يوميات هرتزل بسلسلة كتب فلسطينية،‏ مركز الأبحاث الفلسطينية،‏<br />

بريوت،‏ ‎1968‎م.‏<br />

‎13‎بروكلمان:‏ <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية،‏ ترجمة نبيه اأمني فارس،‏ ط 6، عكا،‏ 1974.<br />

‎14‎بو خمرمة:‏ قالدة النحريف وفيات اأعيان الدهر،‏ خمطوطة،‏ ج 3، م 2.<br />

‎15‎تيسري جبارة:‏ <strong>تاريخ</strong> فلسطني،‏ دار الرشوق،‏ ط 1، عمان،‏ ‎1998‎م.‏<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

267<br />

جامعة القدس املفتوحة


268 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

16<br />

17<br />

18<br />

19<br />

20<br />

21<br />

22<br />

23<br />

24<br />

25<br />

26<br />

27<br />

28<br />

29<br />

30<br />

31<br />

32<br />

‎16‎جالل يحيى:‏ العامل العربي احلديث،‏ املدخل،‏ الإسكندرية،‏ 1998.<br />

‎17‎جورج اأنطونيوس:‏ يقظة العرب،‏ ط 1، دار العلم للماليني،‏ بريوت،‏ ‎1962‎م.‏<br />

‎18‎حسن عثمان:‏ منهج البحث ال<strong>تاريخ</strong>ي،‏ دار املعارف،‏ ‎1986‎م.‏<br />

‎19‎زياد اأبو غنيمة:‏ جوانب مضيئة يف <strong>تاريخ</strong> الأتراك العثمانيني،‏ دار الفرقان،‏ عمان،‏<br />

‎1983‎م.‏<br />

‎20‎زياد اأبو غنيمة:‏ السلطان املجاهد حممد الفاحت،‏ دار الفرقان،‏ عمان،‏ ‎1983‎م.‏<br />

‎21‎زاهية قدوة:‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث،‏ بريوت،‏ ‎1975‎م.‏<br />

‎2‎‏سيار اجلميل:‏ تكوين العرب احلديث.‏ دار الرشوق،‏ عمان،‏ ‎1997‎م.‏<br />

‎23‎السيد مصطفى ‏سامل:‏ الفتح العثماين الأول لليمن – 1538 ‎1635‎م،‏ ط‎2‎‏،‏ ‎1974‎م.‏<br />

‎24‎‏صالح الدين العقاد:‏ املغرب العربي،‏ اجلزائر،‏ تونس،‏ املغرب الأقصى،‏ القاهرة،‏<br />

مكتبة الأجنلو املرصية ‎1985‎م.‏<br />

‎25‎عبد احلميد البطريق:‏ ال<strong>تاريخ</strong> الأوروبي احلديث.‏ دار الفكر العربي،‏ ‎1982‎م.‏<br />

‎26‎عبد العزيز حممد الشناوي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> دولة اإسالمية مفرتى عليها،‏ ج 2، 1،<br />

مكتبة الأجنلو املرصية،‏ القاهرة.‏<br />

‎27‎عبد العزيز نوار:‏ وثائق اأساسية يف <strong>تاريخ</strong> لبنان احلديث،‏ بريوت،‏ 1974.<br />

‎28‎عبد القادر زلوم:‏ كيف هدمت اخلالفة،‏ ‎1962‎م.‏<br />

‎29‎عبد الكرمي رافق:‏ بالد الشام ومرص من الفتح العثماين ‎1516‎م – ‎1798‎م اإىل<br />

حملة نابليون بونابرت،‏ ط 2، دمشق 1968.<br />

‎30‎عبد الكرمي رافق:‏ العرب والعثمانيون 1516 ‏–‏‎1916‎م،‏ مكتبة ومطبعة الرسوجي،‏<br />

عكا،‏ ‎1978‎م.‏<br />

‎31‎عبد الكرمي حممود غرايبة:‏ <strong>تاريخ</strong> العرب احلديث،‏ الأهلية للنرش والتوزيع،‏ بريوت،‏<br />

‎1984‎م.‏<br />

‎32‎عبود الصباغ:‏ الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong> ظاهر.‏ حتقيق حممد عبد الكرمي حمافظة،‏<br />

وعصام مصطفى هزامية.‏ ط 1، موؤسسة حمادة للخدمات والدراسات اجلامعة،‏<br />

اإربد،‏ الأردن،‏ ‎1999‎م.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

33<br />

34<br />

35<br />

36<br />

37<br />

38<br />

39<br />

40<br />

41<br />

42<br />

43<br />

44<br />

45<br />

46<br />

47<br />

‎3‎علي حسون:‏ العثمانيون والروس،‏ مطبوعات املكتب الإسالمي،‏ بريوت،‏ ‎1982‎م.‏<br />

‎34‎عمر عبد العزيز عمر:‏ حمارضات يف <strong>تاريخ</strong> الشعوب الإسالمية،‏ بريوت،‏ ‎1977‎م.‏<br />

‎35‎عمر عبد العزيز عمر:‏ <strong>تاريخ</strong> املرشق العربي 1516- ‎1952‎م،‏ د.‏ ت.‏<br />

‎36‎قطب الدين:‏ الربق اليماين يف الفتح العثماين،‏ خمطوطة.‏<br />

‎37‎لوتسكي:‏ <strong>تاريخ</strong> الأقطار العربية احلديث،‏ دار التقدم،‏ موسكو – 1917 ‎1970‎م،‏<br />

الرتجمة من الروسية،‏ دار التقدم،‏ ‎1975‎م.‏<br />

‎38‎لورانس:‏ اأعمدة احلكمة السبعة.‏ منشورات الآفاق اجلديدة،‏ بريوت،‏ ط ‎1980‎م.‏ 4،<br />

‎39‎ماري ملز باتريك:‏ ‏سالطني بني عثمان،‏ موؤسسة عز الدين للطباعة والنرش،‏ بريوت،‏<br />

‎1986‎م.‏<br />

‎40‎مذكرات الدكتور حسني فخري اخلالدي،‏ حمفوظة لدى ابنته يف بريوت.‏<br />

‎41‎مذكرات السلطان عبد احلميد الثاين – 1891 ‎1908‎م،‏ موؤسسة الرسالة،‏ بريوت،‏<br />

‎1977‎م.‏<br />

‎42‎مذكرات الأمرية عائشة عثمان اأوغلي:‏ والدي السلطان عبد احلميد الثاين،‏ نقلها اإىل<br />

العربية:‏ د.‏ ‏صالح ‏سعداوي ‏صالح،‏ دار البشري،‏ ط 1، عمان،‏ ‎1991‎م.‏<br />

‎43‎حممد فريد بك املحامي:‏ <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> العلية <strong>العثمانية</strong>،‏ حتقيق اإحسان حقي،‏ دار<br />

النفائس،‏ بريوت،‏ ‎1981‎م.‏<br />

‎4‎حممد فوؤاد كوبريللي:‏ قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>،‏ ترجمة اأحمد السعيد ‏سليمان،‏ دار<br />

الكاتب العربي للطباعة والنرش.‏<br />

‎45‎حممد عبد الكرمي حمافظة وعصام مصطفى هزامية:‏ الروض الزاهر يف <strong>تاريخ</strong><br />

ظاهر،‏ تصنيف عبود الصباغ.‏ دار الكندي للنرش والتوزيع،‏ اإربد،‏ الأردن،‏ ‎1999‎م.‏<br />

‎46‎مصطفى حلمي:‏ الأرسار اخلفية وراء اإلغاء اخلالفة <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

‎47‎مكي الطيب ‏شبيكة:‏ العرب والسياسة الربيطانية يف احلرب العاملية الأوىل،‏<br />

‏سابقة الدول العربية،‏ املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم،‏ معهد البحوث<br />

والدراسات العربية،‏ ‎1975‎م.‏<br />

‎4848‎ميخائيل الدمشقي:‏ <strong>تاريخ</strong> حوادث الشام ولبنان،‏ ‎1782‎م – ‎1841‎م،‏ حتقيق<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

269<br />

جامعة القدس املفتوحة


- 1280 ‎1924‎م<br />

270 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

لويس خملوف،‏ املطبعة الكاثوليكية،‏ بريوت،‏ ‎1912‎م.‏<br />

‎49‎ميخائيل الصباغ:‏ <strong>تاريخ</strong> الشيخ ظاهر العمر الزيداين.‏ نرش وتعليق قسطنطني<br />

الباشا املخلصي،‏ حريصاً،‏ ‎1955‎م.‏<br />

‎50‎ناجي علوش:‏ املقاومة العربية يف فلسطني )1917 – ‎1948‎م(‏ ، دار الطليعة<br />

للطباعة والنرش،‏ ‎1970‎م.‏<br />

‎51‎نقول زيادة:‏ دمشق يف عرص املماليك،‏ موؤسسة فرانكلني للطباعة والنرش،‏ بريوت،‏<br />

49<br />

50<br />

51<br />

.1966<br />

52<br />

‎52‎يوسف اآصاف:‏ <strong>تاريخ</strong> ‏سالطني اآل عثمان.‏ حتقيق بسام عبد الوهاب اجلابي،‏ دار<br />

البصائر،‏ دمشق،‏ ط‎3‎‏.‏ 1985.<br />

ثانياً‏ - املراجع األجنبية:‏<br />

1. Alfrend C. Wood: A History of the Levant Company, London. 1935.<br />

2. Barenard Lewis: The Emergence of Modern Turkey.<br />

3. M. A. Cook: A History of the Ottoman Empire to 1730.<br />

4. M. Longworth Dames: The Portuguese and Turks in the Indian Ocean in<br />

The 16th Century J. R. A. S. 1921. Part 1, January.<br />

5. P. Wittek: The Rise of the Ottoman Empire, London, 1938.<br />

6. Rafiq: The Province of Damascus, 1723 – 1783, Beirut, 1966.<br />

7. Serjeant: R. B. , The Portuguese of the South Arabian coast.<br />

8. Stamford Shaw: History of the Ottoman Empire, London, 1938.<br />

ثالثاً‏ - اخلرائط:‏<br />

‎1.1‎الإمارات السلجوقية قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

‎2.2‎الفتوحات <strong>العثمانية</strong>.‏<br />

‎3.3‎توسع الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong> اإىل ‏سنة ‎1648‎م.‏<br />

‎4.4‎‏ضعف الإمرباطورية <strong>العثمانية</strong>.‏


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

اإلمارات السلجوقية قبل قيام <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

عن:‏ د.‏ اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.‏<br />

مكتبة العبيكان،‏ ط 1، الرياض،‏ ‎1996‎م،‏ ‏ص 301.<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

جامعة القدس املفتوحة<br />

271


272<br />

<strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

الفتوحات <strong>العثمانية</strong><br />

عن:‏ د.‏ اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.‏<br />

مكتبة العبيكان،‏ ط 1، الرياض،‏ ‎1996‎م،‏ ‏ص 309.


أ.‏ د.‏ تيسري جباره<br />

توسع اإلمبراطورية <strong>العثمانية</strong> إلى سنة ‎1648‎م.‏<br />

عن:‏ د.‏ اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.‏<br />

مكتبة العبيكان،‏ ط 1، الرياض،‏ ‎1996‎م،‏ ‏ص 299.<br />

عمادة البحث العلمي والدراسات العليا<br />

273<br />

جامعة القدس املفتوحة


274 <strong>تاريخ</strong> <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong><br />

- 1280 ‎1924‎م<br />

ضعف اإلمبراطورية <strong>العثمانية</strong><br />

عن:‏ د.‏ اإسماعيل ياغي:‏ <strong>الدولة</strong> <strong>العثمانية</strong> يف ال<strong>تاريخ</strong> االإسالمي احلديث.‏<br />

مكتبة العبيكان،‏ ط 1، الرياض،‏ ‎1996‎م،‏ ‏ص 297.

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!