صُ‏ نَّاع

صُ‏ ن َّاع النقود
العقبة الأخرية في طريق طبع النقود الإلزامية.‏ إن كل َّ ما تفعله النقود الورقية هو أنها
تُتيح للس ُّ لطات سبيلاً‏ أرخص مما كانت عليه الحال في زمن النقود املعدنية لغِ‏ ش ِّ الناس،‏
كما يقول فريدريش إيه فون هايك،‏ الاقتصادي القومي الليبرالي الحائز على جائزة نوبل،‏
معبر ِّ ‏ًا عن انتقاده للنقود الورقية في مقالاته اللاحقة،‏ ومضيفًا أن أفضل شيء هو التخ ِّلي
10
عنها مجددًا.‏
كان الصينيون — وهم مخترعو النقود الورقية — قد راودتْهم هذه الفكرة لفترة
وجيزة في القرن الثالث عشر.‏ كانت النقود املزي َّفة قد بدأتْ‏ تَظهَر بكثرة شديدة.‏ كانت
عبارةُ‏ ‏«مَن يُسل ِّم نقودًا مزيفة إلى الس ُّ لطات يحصل على مكافأة وما يصادَر من موجودات
املُجرِم»‏ مكتوبةً‏ مباشرةً‏ على الأوراق النقدية املذكورة.‏ وهكذا خرج الصينيون أيضً‏ ا بالحكم
العقابي في الوقت نفسه،‏ وهو مكتوب على أوراق النقد بصيغة مخف َّفة إلى يومنا هذا.‏ لكن
املارد كان قد خرج من القمقم.‏ كانت النقود ‏(الورقية)‏ قد سه َّلت التجارة والتنمية بشدة.‏
لم يَعُد هناك مِ‏ ن أحدٍ‏ يَوَد ُّ العَيْشَ‏ من دونها،‏ ولا حتى كارل ماركس وتلاميذه.‏ واضطر
فلاديمري لينني،‏ أبو الثورة الاشتراكية في روسيا،‏ إلى ‏«تأجيل»‏ إلغاء النقود الذي خط َّط
له.‏ كان من املفترض أن تُلغَى رسميٍّا عندما يتوافر للمواطنني السوفييت كل ُّ ما يَفِي
باحتياجاتهم اليومية من سِ‏ لَعٍ‏ على نحوٍ‏ لا يعودون معه بحاجة إلى املال كوسيط تبادل؛
فلم يتحو َّل الفردوس الاشتراكي إلى حقيقة قط،‏ بل ولا حتى ثوري ٌّ يوطوبي ٌّ مثل ماو تسي
تونج كان يمكنه تصو ُّرُ‏ حياة بلا أوراق نقد.‏ فعندما وصل جنوده أخريًا إلى ملاذهم في
كهوف يونان املتربة في نهاية مسريتهم الطويلة املفعمة بالخسائر عبر الصني،‏ كان طَبْع
العُملة الشعبية الخاصة بهم ‏«الر ِّنمِ‏ نبي»‏ أحد التدابري الإدارية الأولى التي اتخذتْها دولة
العمال والفلاحني الاشتراكية املعلَنة حديثًا.‏ ونظرًا لعدم وجود ورق،‏ فقد استخدموا قماش
الكتان،‏ فقط َّعوه قِ‏ طَعًا مستطيلة طَبعوا على أحد جانبيها لتكون بذلك النقود الثورية.‏
وتضم مجموعة النقود الورقية التي يحوزها بنك هِ‏ بوفِراينزبنك في ميونخ العديدَ‏ من هذه
الأوراق النقدية املطبوعة على قماش الكتان.‏ 11 جاءت املحاولة الجاد َّة الوحيدة للعيش
دون ‏«رمز الاستغلال الرأسمالي»‏ هذا من ‏«شيوعية العصر الحجري»‏ في بول بوت.‏ فعندما
وصل الخَ‏ مري الحُمْر إلى الس ُّ لطة في كمبوديا عام ‎١٩٧٥‎م،‏ كما روى أحد شهود العيان،‏
اقتحموا سرداب البنك املركزي وألقَوْا رِزَم النقد من النوافذ،‏ واستمتعوا بمرأَى الأوراق
املطبوعة حديثًا تُطري ِّ ها الرياح عبر الشوارع.‏ وحتى هؤلاء عادوا إلى صوابهم في وقت
28