السجل العلمي لمنتدى النزاهة العلمية
السجل العلمي لمنتدى النزاهة العلمية
السجل العلمي لمنتدى النزاهة العلمية
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
النقوش المكتشفة للممالك الجاهلية المتحضرة ، وخاصة<br />
اليمنية ال تدل على وجود أيّ نشاط شعري فيها ، فكيف<br />
أتيح لبدو غير متحضرين أنْ ينظموا هذا الشعر ، بينما لم<br />
ينظمه من تحضروا من أهل هذه الممالك ؟<br />
وفنَّد هذا الزعم المستشرق األلماني بروينلش )1892 –<br />
1945 م( بقوله : ألنّ نظم الشعر ال يرتبط بالحضارة وال<br />
بالثقافة والظروف االجتماعية ،وهناك فطريون أو بدائيون<br />
لهم شعر كثير مثل اإلسكيمو« .<br />
وأسس مرجليوث شكه من ناحية أخرى على أساس<br />
المماثلة بين لغتي القرآن الكريم والشعر الجاهلي، متخذًا<br />
من هذا التماثل دلياً على أنَّ ما وصلنا من الشعر الجاهلي<br />
إنما هو وليد مرحلة الحقة لظهور اإلسام، وأضاف إلى هذا<br />
أنَّه لمح ماحظات أخرى تتجلى في طبيعة القصص الديني،<br />
واأللفاظ اإلسامية التي تشيع في الشعر الجاهلي ، فضاً<br />
على خلو الشعر الجاهلي من اآلثار الدينية الوثنية .<br />
ومن مزاعمه كذلك قولة بأنَّ الشعر الجاهلي كان معبرًا<br />
عن حياة وثنية وعابثة في العديد من نصوصه، فضا<br />
على تسرب الكثير من اآلثار األسطورية التي هي امتداد<br />
لتصورات موغلة في تاريخ الجزيرة العربية .<br />
أما عن شكِّ ه في الرواية الشفوية ، فيدحضه أن الشعر<br />
الجاهلي الصحيح منه بخاصة، قد وصلنا بها وقد أحاط<br />
بهذه الطريقة رواة ثقاة ، وعلماء محققون ، كما أنَّ<br />
هناك نصوصً شعرية وفيرة من الشعر الجاهلي تعبر عن<br />
المرحلة الجاهلية، وتدل على أصحابها، وتعبر عن الواقع<br />
االجتماعي في إطار سياقه التاريخي في هذا العصر.<br />
كما استدلَّ على شكه أيضً بوجود تماثل لغتي القرآن<br />
الكريم والشعر الجاهلي ، وهذا أمرٌ يدحضه أنَّ اللغة<br />
العربية الموحدة قد أخذت باالستقرار والتوحد في وقت<br />
غير قصير من ظهور اإلسام، وان الشعراء أخذوا ينظمون<br />
قصائدهم بها، كما أنَّ الشعر الجاهلي ال يخلو من مفردات<br />
وتراكيب تعبر عن خصائص لهجية معينة، وهذا يعني<br />
أنَّ هناك توحدًا ليس على مستوى اللغة وحدها، ولكن<br />
هناك »مزاجً حضاريً عامً قد أخذ منذ أواخر العصر<br />
الجاهلي ينتظم هذه البيئة الجاهلية، يقودها إلى التطلع إلى<br />
حياة جديدة، وهو مزاج أو قل نقلة حضارية قد قادت إليها<br />
ظروف عديدة : سياسية واقتصادية واجتماعية كانت في<br />
الحقيقة إرهاصً بهذا التغير الضخم الذي أحدثه ظهور<br />
اإلسام وتمهيدًا له«.<br />
وإذا تركنا المستشرقين إلى العرب المحدثين والمعاصرين<br />
، وجدنا أديب العربية مصطفى صادق الرافعي قد عرض<br />
هذه القضية عرضً مفصّ اً في كتابه : »تاريخ آداب العرب«<br />
الذي نشره في سنة 1911م ، لكنه لم يتجاوز في عرضه<br />
سرد ما الحظه القدماء .<br />
وخلف مصطفى صادق الرافعي طه حسين ، فدرس<br />
القضيّة دراسة مستفيضة في كتابه : »الشعر الجاهلي«<br />
، سنة 1926 م ؛ الذي أحدث به ضجة علمية عنيفة أثارت<br />
حافظة كثير من المحافظين والباحثين ، فتصدوا للردّ<br />
عليه ؛ ألنهم رأوا فيه طعنً في الدين والعقيدة، وتتجلى<br />
بعض مامح هذا الطعن في تعرضه لشخصيتي إبراهيم<br />
وإسماعيل عليهما السام، وتأكيده أنهما ال يعدوان أن<br />
يكونا مجرد شخصيتين أسطوريتين، على الرغم من<br />
أنَّ القرآن الكريم قد أشار إليهما وتحدث عنهما . يقول<br />
طه حسين : « للتوراة أنْ تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل،<br />
وللقرآن أنْ يحدثنا عنهما أيضً، ولكن ورود هذين االسمين<br />
في التوراة والقرآن، ال يكفي إلثبات وجودهما التاريخي،<br />
فضاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل<br />
بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها،<br />
ونحن نرى في هذه القصة نوعً من الحيلة في إثبات الصلة<br />
بين اليهود والعرب من جهة، وبين اإلسام واليهودية<br />
والقرآن والتوراة من جهة أخرى«.<br />
وما لبث أنْ عدَّ ل مصنفه في العام التالي ونشره بعنوان :<br />
»في األدب الجاهلي« سنة 1927م ، وفيه بسط القول في<br />
القضية بسطً أكثر سعة وتفصياً .<br />
و قد لخص نتيجة بحثه في الشعر الجاهلي بقوله: »إنّ<br />
الكثرة المطلقة ممّ ا نسميه أدبً جاهليًّ ليست من<br />
الجاهلية في شيء ، وإنما هي منتحلة بعد ظهور اإلسام ،<br />
فهي إسامية تمثل حياة المسلمين وميولهم وأهواءهم<br />
أكثر مما تمثّل حياة الجاهليين . وأكاد أشك في أنّ ما<br />
بقي من األدب الجاهلي الصحيح قليل جدّ ًا ، ال يمثل شيئً<br />
وال يدل على شيء ، وال ينبغي االعتماد عليه في استخراج<br />
الصورة األدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي« .<br />
ومضى طه حسين يبسط األسباب التي تدفع الباحث<br />
إلى الشك في األدب الجاهلي واتهامه ، وردّ ها إلى أنّه<br />
ال يصور حياة الجاهليين الدينيّة والعقلية والسياسيّة<br />
واالقتصادية ، كما أنه ال يصوّ ر لغتهم وما كان فيها من<br />
اختاف اللهجات ، وتباينها بلهجاتها من اللغة الحميرية.<br />
يقول الدكتور شوقي ضيف معقبً: »والحق أنّ الشعر<br />
الجاهلي فيه موضوع كثير ، غير أنّ ذلك لم يكن غائبً<br />
سجل ا<strong>لمنتدى</strong><br />
35<br />
5 - 6 May 2015<br />
- ١٦ ١٧ رجب ١٤٣٦ ه /