26.04.2015 Views

الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003م بحث في ... - جامعة دمشق

الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003م بحث في ... - جامعة دمشق

الغزو الأمريكي – البريطاني للعراق عام 2003م بحث في ... - جامعة دمشق

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

٢٠٠٣ م<br />

<strong>الغزو</strong> الأمريكي<br />

<strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong><br />

<strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

*<br />

الدكتور محمد أحمد<br />

الملخص<br />

هذا ال<strong>بحث</strong> ما هو إلا مقدمة لأبحاث تاريخية لاحقة تنتظر ظهور معلومات جديدة<br />

عن خل<strong>في</strong>ات الحرب على العراق وأسرارها وصفقاتها الخ<strong>في</strong>ة.‏<br />

يتطرق هذا ال<strong>بحث</strong> إلى عرض تاريخي للسياسة الأمريكية <strong>في</strong> منطقة الخليج<br />

العربي وخاصة العراق ودعم الولايات المتحدة له إبان الحرب ضد إيران،‏ وتغير هذه<br />

١٩٩٠ وقيادة<br />

السياسة بعد غزو العراق للكويت <strong>عام</strong> الولايات المتحدة لتحالف دولي<br />

ضد العراق وإخراجه من الكويت <strong>عام</strong> ١٩٩١ وفرض الحصار عليه مما أدى إلى آثار<br />

كارثية على الشعب العراقي ‏.وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول<br />

أفغانستان،‏ أعلن الرئيس جورج بوش الابن أنه سيهاجم العراق<br />

٢٠٠١ وغزو<br />

لنزع أسلحة " وقائي ًا "<br />

الدمار الشامل وتغيير نظامه وبالطبع فإن الهدف الرئيسي للاحتلال كان السيطرة على<br />

مقدرات العراق النفطية.‏ ويجيب ال<strong>بحث</strong> عن الأسباب الكامنة وراء تحقيق أمريكا<br />

للانتصار السريع <strong>في</strong> العراق،‏ ولماذا انهارت الدفاعات العراقية بهذه الصورة المأساوية<br />

وهل استقرت أميركا <strong>في</strong> العراق أم إنها تورطت <strong>في</strong>ه؟ أخيرا ً ما هي تداعيات الاحتلال<br />

الأمريكي <strong>للعراق</strong> على المستويات السياسية والاقتصادية والثقا<strong>في</strong>ة وانعكاساتها على<br />

المدى البعيد.‏<br />

*<br />

قسم التاريخ <strong>–</strong> كلية الآداب والعلوم الإنسانية <strong>–</strong> <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />

.<br />

١١٥


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

مقدمة:‏<br />

<strong>في</strong> فجر يوم الخميس الموافق للعشرين من آذار <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م بدأ <strong>الغزو</strong><br />

الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> على العراق ومع أن الوقت ما زال مبكرا ً بعد مرور سنة على<br />

الزلزال العراقي فما فائدة ال<strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج العربية والعالمية لهذا <strong>الغزو</strong>؟<br />

قد تتلخص الفائدة <strong>في</strong> استكمال التأريخ لهذا الفصل الحزين <strong>في</strong> التاريخ العربي<br />

المعاصر بمتابعة تداعياته،‏ غير أن التاريخ العلمي ينتظر سنوات كثيرة قبل أن<br />

يستكمل رصد الحدث وتقييم نتائجه.‏ وقد تتلخص الفائدة <strong>في</strong> نقد قرار <strong>الغزو</strong> بالإشارة<br />

إلى جسامة ما أدى إليه من نتائج سلبية وخاصة على الجانب العربي،‏ وقد يمكننا من<br />

استشراف التداعيات المحتملة سياسيا ً واقتصاديا ً وثقا<strong>في</strong>ا ً لما حدث <strong>في</strong> العراق.‏ إننا أمام<br />

حدث تاريخي مهم له تأثيرات عميقة.‏<br />

أولا ً:‏ على المستوى الدولي سجل <strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> على العراق ضربة للنظام الدولي<br />

الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية ممثلا ً <strong>في</strong> الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن.‏ لقد شنت أمريكا<br />

الحرب دون غطاء من الشرعية الدولية ورغم معارضة معظم دول العالم و<strong>في</strong> مقدمتها الدول الثلاث<br />

دائمة العضوية <strong>في</strong> مجلس الأمن ‏(فرنسا وروسيا والصين)،‏ وتضاف هذه الحرب إلى سلسلة أحداث<br />

تاريخية مهمة جرت <strong>في</strong> نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وهي انهيار الاتحاد<br />

السو<strong>في</strong>تي،‏ وتفكك الكتلة الاشتراكية ‏(حلف وارسو)،‏ وحرب الخليج الثانية <strong>عام</strong> ١٩٩١، وأحداث الحادي<br />

عشر من أيلول <strong>عام</strong>‎٢٠٠١‎‏،‏ وتأتي هذه الأحداث لتصنع عالما ً جديدا ً لا نعرف ملامحه النهائية بعد.‏<br />

ثاني ًا:‏ على المستوى الإقليمي يبدو أن العالمين العربي والإسلامي أصبحا مناطق اختبار لنظام<br />

العولمة تماما ً مثلما جسدت حرب القناة ‏(العدوان الثلاثي على مصر)‏ <strong>عام</strong> ١٩٥٦ المواجهة بين<br />

المعسكرين الشرقي والغربي <strong>في</strong> ظل الحرب الباردة،‏ ومثل ظهور ملامح النظام العالمي الجديد الذي<br />

أعلنه الرئيس بوش الأب <strong>في</strong> أعقاب حرب الخليج الثانية <strong>عام</strong><br />

.١٩٩١<br />

غير أن إدراك الشعب العربي لجوهر هذه الحرب على العراق ولحقيقة أهدافها لا يرتبط<br />

بالأهداف الأمريكية المعلنة بل لتقديرهم للأهداف الفعلية ‏"المستورة".‏ وتمكنت الولايات المتحدة بوسائل<br />

متنوعة إقناع بعض الأنظمة والدول بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.‏ رغم تقارير المفتشين<br />

الدوليين التي قدمت إلى مجلس الأمن <strong>في</strong> ١٤ شباط <strong>عام</strong>‎٢٠٠٣‎ وبعد ال<strong>بحث</strong> اليومي الجاري عنها <strong>في</strong><br />

١١٦


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

العراق بعد الاحتلال.‏ وكذلك استطاعت الولايات المتحدة إقناع بعض الدول <strong>في</strong> العالم بأقل من ذلك عن<br />

العلاقة المزعومة بين النظام العراقي والمنظمات الإرهابية،‏ خاصة تنظيم<br />

( ١ )<br />

‏"القاعدة"‏ .<br />

إن معظم دول العالم ترى أسبابا ً أخرى لتلك الحرب فهي،‏ أولا ً حلقة أولى ضمن<br />

مشروع أمريكي متكامل للسيطرة على منابع النفط،‏ والتحكم بمصادر الطاقة <strong>في</strong> العالم<br />

والتأثير <strong>في</strong> شرايين الاقتصاد العالمي،‏ ومنها الاقتصاد الأوروبي والصيني والياباني<br />

بالدرجة الأولى،‏ خاصة بعد اكتشافات النفط <strong>في</strong> منطقة بحر قزوين،‏ وثاني ًا:‏ حماية أمن<br />

إسرائيل وتثبيت سيطرتها على المنطقة وإطلاق يدها <strong>في</strong> مواجهة الشعب الفلسطيني.‏<br />

وثالثا ً:‏ وضع المخطط الأمريكي لتثبيت الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وإعادة<br />

رسم خارطة المنطقة وترتيب أوضاع جديدة <strong>في</strong> العالمين العربي والإسلامي بعد أحداث الحادي عشر<br />

من أيلول <strong>عام</strong><br />

٢٠٠١ بدعوى<br />

رابعا ً:‏ كانت فكرة<br />

‏"مكافحة الإرهاب"‏<br />

(٢)<br />

.<br />

"<br />

تحرير الشعب العراقي ‏"من نظام صدام حسين الديكتاتوري<br />

أحد الأهداف الكبرى للحرب على العراق وإنشاء نظام ‏"ديمقراطي ‏"بديل يكون نموذجا ً<br />

تقدمه الولايات المتحدة للعالمين العربي والإسلامي.‏<br />

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف حشدت أمريكا وإنكلترا جيوشا ً جرارة احتلت العراق لتن<strong>في</strong>ذ<br />

المرحلة الأولى من مهماتها الاستراتيجية التي تتجاوز حدود منطقة الشرق الأوسط بأكملها،‏ وذلك<br />

يتطلب وقفة مطولة حول طبيعة هذه الحرب التي تقودها أمريكا وتحليل نتائجها السياسية والاقتصادية<br />

والثقا<strong>في</strong>ة وتوجهاتها المستقبلية.‏<br />

أولا ً:‏ مقدمات العدوان الأمريكي<br />

لما كانت دراسة التاريخ<br />

<strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> على العراق:‏<br />

العربي المعاصر تلقي الضوء على المستقبل،‏ مست الحاجة إلى<br />

استخلاص العبر والدروس من عرض تاريخي للسياسة الأمريكية <strong>في</strong> منطقة الخليج <strong>عام</strong>ة وتجاه العراق<br />

خاصة <strong>في</strong> الفترة التي سبقت العدوان عليه.‏ فبعد قيام الثورة الإسلامية <strong>في</strong> إيران <strong>عام</strong><br />

١٩٧٩، اختارت<br />

(١)<br />

انظر نعوم تشومسكي:‏ الحرب الأمريكية على العراق ترجمة ناصر ونوس،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ دار<br />

الفكر،ط‎١‎‏،‏<br />

،٢٠٠٣ ص .١٦<br />

(٢)<br />

ميشيل راتنر:‏ ضد الحرب على العراق ، ترجمة إبراهيم الشهابي،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ دار الفكر‎٢٠٠٣‎‏،‏ ص<br />

.٩<br />

١١٧


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

العراق ليكون منطقة عازلة وسدا ً أمام خطر ‏"أفكار الثورة الإيرانية<br />

"<br />

وتصديرها ذلك لحماية أكبر<br />

احتياطي للنفط <strong>في</strong> العالم <strong>في</strong> دول الخليج العربي وأصبح <strong>للعراق</strong> أهمية استراتيجية كبرى لكل من<br />

الولايات المتحدة ودول الخليج،‏ وساعدت أمريكا النظام العراقي وعلى رأسه صدام حسين <strong>في</strong> حربه<br />

ضد إيران<br />

(١٩٨٨ <strong>–</strong> ١٩٨٠)<br />

وأمدته بالسلاح والعتاد وقدمت له معلومات سرية مخابراتية حصلت<br />

عليها من خلال الأقمار الصناعية عن مواقع القوات الإيرانية وتحركاتها،‏ وشجعت الولايات المتحدة<br />

دول الخليج على تقديم الدعم المالي الكبير للمجهود الحربي،‏ وغضت الولايات المتحدة الطرف عن<br />

استخدام العراق للأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا ً مثل غاز الخردل والسارين والمواد السامة XV<br />

ووقفت ضد إدانته <strong>في</strong> مجلس الأمن.‏ (٣)<br />

أصبح العراق بالنسبة للولايات المتحدة شريكا ً تجاريا ً <strong>في</strong> مبيعات الحبوب والسلع وعقود النفط<br />

مع الشركات الأمريكية،‏ وكان العراق بالنسبة لأوروبا الغربية وخاصة فرنسا وألمانيا مصدرا ً للنفط<br />

وشريكا ً تجاريا ً كبيرا ً،‏ كما كان العراق بالنسبة للاتحاد السو<strong>في</strong>يتي ولروسيا <strong>في</strong>ما بعد أكبر مستورد<br />

للسلاح ليمون الجيش العراقي وخاصة <strong>في</strong> الفترة<br />

.١٩٩٠ <strong>–</strong> ١٩٨٠<br />

قبل غزو العراق للكويت اشترى العراق حبوبا ً وسلعا ً أخرى من الولايات المتحدة بملايين<br />

الدولارات وبشروط تمويلية مناسبة.‏ و<strong>في</strong> ربيع ١٩٩٠ زار بغداد وفد من كبار أعضاء مجلس الشيوخ<br />

الأمريكي واجتمعوا مع صدام حسين وهدؤوا من روعه إزاء انتقاد الإعلام الأمريكي لنظامه.‏ و<strong>في</strong> شهر<br />

تموز ١٩٩٠ أعطت الس<strong>في</strong>رة الأمريكية <strong>في</strong> بغداد ‏(ابريل جيلسبي)‏ <strong>في</strong> أثناء اجتماعها مع صدام انطباع ًا<br />

بأن الولايات المتحدة سوف تت<strong>عام</strong>ى عن غزو عراقي للكويت ورغم تبرير هذا بأنه سوء تفاهم<br />

دبلوماسي فإنه قد شجع صدام حسين بالاعتداء على الكويت.‏ ) ٤ (<br />

و<strong>في</strong> الثاني من آب <strong>عام</strong> ١٩٩٠ م اجتاحت القوات العراقية الكويت وسوغ النظام العراقي غزوه<br />

لأسباب تاريخية ثم اقتصادية واجتماعية احتاجت إلى كثير من الأدلة وتعرضت للنقض،‏ وأن الكويت<br />

تاريخيا ً جزء من العراق على الرغم أن بعضهم يرى الكويت جغرا<strong>في</strong>ا ً جزءا ً من شبه الجزيرة العربية،‏<br />

وأن الكويت كانت مستقلة عن الباب العالي ‏"مقر الحكومة العثمانية <strong>في</strong> الآستانة"‏ منذ <strong>عام</strong><br />

١٩١٣ ناسين<br />

(٣)<br />

شريف بسيوني:‏ الحرب الأمريكية <strong>في</strong> العراق،‏ مشروعية استخدام القوة <strong>في</strong> السياسة الدولية،‏ القاهرة،‏<br />

العدد ١٥١، كانون أول<br />

٢٠٠٣، ص‎٩‎‏.‏<br />

Siegwart Gunther: Vor dem dritten Golfkrieg Berlin ١٩٩٨ S.١٤٦.<br />

( ٤ )<br />

١١٨


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

خطورة الأخذ بمبدأ الحق التاريخي،‏ ومن الأسباب الواهية التي أعلنها النظام العراقي أن ثورة وطنية<br />

ضد الأسرة الحاكمة <strong>في</strong> الكويت ‏(آل الصباح)‏ كانت قد اشتعلت،‏ وأن ‏"الثوار"‏ قد استنجدوا بالنظام<br />

‏"القومي،‏ التقدمي"‏ <strong>في</strong> العراق من أجل المساعدة فما كان من الجار إلا أن لبى النداء فهب للمساعدة.‏ وأن<br />

الكويت تاريخي ًا ‏"جزء"‏ من العراق وهذا غير صحيح من الناحية التاريخية لأن الكويت لها صفة مستقلة<br />

عن ‏"الباب العالي"‏ <strong>في</strong> الآستانة منذ <strong>عام</strong> ١٩١٣ م،‏ عندما وقع الإنجليز معاهدة تمنح الحكم الذاتي للكويت<br />

والاعتراف بحدودها واستقلالها عن الدولة العثمانية،‏ ومن المبررات أيضا ً فقد طرح العراق شعار<br />

‏"إعادة توزيع الثروة القومية"‏ وهذا الشعار ببساطة يعني هيمنة النظام العراقي على مصادر الطاقة <strong>في</strong><br />

الخليج من أجل الخروج من مأزقه الاقتصادي الذي وضع نفسه <strong>في</strong>ه بعد انتهاء الحرب الإيرانية<br />

العراقية،‏ ووجه صدام حسين منذ بداية الأزمة نداء إلى العرب والمسلمين طالبا ً منهم بلغة دينية لا<br />

( ٥ )<br />

تنسجم مع منطلقاته القومية أن يهبوا لإنقاذ الأماكن المقدسة <strong>في</strong> مكة والمدينة من الاحتلال .<br />

بعد غزو القوات العراقية الكويت طالب جورج بوش الأب <strong>في</strong> كلمته <strong>في</strong> ٥ آب <strong>عام</strong>‎١٩٩٠‎<br />

العراق بالانسحاب الكامل وغير المشروط من الكويت واعتقد صدام أنها خدعة من جانب الرئيس بوش<br />

وأنه يسعى إلى كسب الوقت من خلال الدبلوماسية والمناورات السياسية الأخرى،‏ وعندما أدرك صدام<br />

حسين أن الولايات المتحدة جادة <strong>في</strong> استخدام القوة لطرده من الكويت طبقا ً لقرار مجلس الأمن<br />

<strong>عام</strong>‎١٩٩٠‎ حاول التفاوض على الانسحاب <strong>في</strong> كانون أول ١٩٩١ وكاد ينجح <strong>في</strong> آخر لحظة بمساعدة<br />

روسيا،‏ ولكن حساباته الخاطئة أدت به إلى الجدال والمماطلة فبدأت الحملة العسكرية <strong>في</strong><br />

١٧ كانون<br />

ثاني ١٩٩١ ونجحت الولايات المتحدة <strong>في</strong> تكوين تحالف عسكري دولي لأكثر من ٣٠ دولة واستطاعت<br />

طرد القوات العراقية من الكويت وتحريرها،‏ وفضل َّت السياسة الأمريكية إبقاء العراق موحدا ً والحيلولة<br />

دون تقسيمه إلى دولة كردية <strong>في</strong> الشمال مراعاة لتركيا أحد الحلفاء <strong>في</strong> الناتو،‏ وخوفا ً من قيام دولة<br />

شيعية <strong>في</strong> الجنوب تساندها إيران وكانت إدارة بوش الأب ترى أن الوقت لم يحن بعد لتغيير النظام<br />

وتأمل<br />

( ٦ )<br />

أن يكون حدوث انقلاب عسكري <strong>في</strong> العراق بمرتبة أفضل حل تتمخض عنه الأحداث .<br />

جرت حرب الخليج الثانية<br />

(١٩٩١<strong>–</strong>١٩٩٠)<br />

الكوارث على الشعبين الكويتي والعراقي وجلبت<br />

الدمار للشعب العراقي على أثر الحصار الدولي على العراق بقيادة الولايات المتحدة وبتسويغ من الأمم<br />

المتحدة ومجلس الأمن.‏ وشاركت <strong>في</strong>ه معظم دول العالم والذي دام من <strong>عام</strong> (١٩٩٠ حتى <strong>عام</strong>‎٢٠٠٣‎‏).‏<br />

( ٥ )<br />

مجموعة باحثين:‏ <strong>الغزو</strong> العراقي للكويت،‏ عالم المعرفة،‏ عدد خاص رقم ١٩٥، الكويت آذار<br />

،١٩٩٥ ص‎١١٤‎ .<br />

( ٦ )<br />

انظر شريف بسيوني المرجع نفسه،‏ ص ١٠.<br />

١١٩


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

وعلى إثر استخدام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لليورانيوم المنضب وآثاره الرهيبة على<br />

السكان <strong>في</strong> العراق،‏ فضلا ً عن الكارثة البيئية من جراء حرق آبار النفط الكويتية والتي قدرت كميتها بما<br />

يقرب من أربعة إلى خمسة ملايين برميل <strong>في</strong> اليوم<br />

( ٧ ) .<br />

وأدت الحرب إلى موت الآلاف من الشعب العراقي جراء الحرب والمرض <strong>في</strong> ظل ظروف<br />

مأساوية <strong>في</strong> المستش<strong>في</strong>ات التي شهدت نقصا ً <strong>في</strong> الأدوية والأجهزة الطبية وط<strong>عام</strong> الأطفال والحليب حتى<br />

ماء الشرب.‏ وظهرت أمراض السل والدفتريا والبلهارسيا والكوليرا من جراء سوء التغذية<br />

( ٨ ) .<br />

ودمرت قوات التحالف التي وصل عددها إلى ٤٣٠ ألف جندي معظمهم أمريكيون معظم البنى<br />

التحتية <strong>للعراق</strong> وقصفت الطائرات الأمريكية الملاجئ المدنية ‏"مثل ملجأ ال<strong>عام</strong>رية <strong>في</strong> بغداد إذ قتل <strong>في</strong>ه<br />

١٥٠٠ مدنيا ً من نساء وأطفال ومسنين"‏<br />

( ٩ )<br />

وأحكم الحصار على العراق منذ ال<strong>عام</strong>‎١٩٩١‎ .<br />

من جراء الحصار أصبح الدخل الشهري للمواطن العراقي <strong>عام</strong> ١٩٩٧ ما بين<br />

٣٠٠٠ إلى<br />

٦٠٠٠ دينار عراقي ووصل سعر صرف الدولار إلى ١٦٠٠ دينار مقابل كل دولار أمريكي.‏ وارتفعت<br />

الأسعار للمواد الغذائية ارتفاعا ً جنونيا ً <strong>في</strong> <strong>عام</strong> ١٩٩٨ فوصل سعر كيلو اللحم إلى<br />

وعلبة الحليب المجفف للأطفال وصل سعرها إلى<br />

١٨٠٠ دينار،‏<br />

٣٠٠٠ دينار.‏<br />

استخدمت القوات الأمريكية لأول مرة <strong>في</strong> حرب الخليج الثانية ذخائر اليورانيوم المنضب <strong>في</strong><br />

العراق قدرت ب ٤٠ طنا ً،‏ وبعض الخبراء العسكريين قدروها ب ٣٠٠ طن أحدثت مواد سامة أثرت<br />

<strong>في</strong> نصف مليون إنسان أصيب بعضهم بسرطان الدم وبشكل خاص الأطفال.‏ وقد عرض التلفزيون<br />

الألماني القناة الأولى<br />

(ARD)<br />

<strong>في</strong> نيسان ١٩٩٨ تقريرا ً مصورا ً عن بدو يعيشون <strong>في</strong> الصحراء<br />

السعودية القريبة من العراق والتي كانت مناطق قتال ذكروا أن العديد من الجمال والطيور والأغنام قد<br />

لاقت حتفها دون أثر لجروح أو إصابات نتيجة للتسمم من اليورانيوم.‏ وأصيب حوالي ٥٠ ألف جندي<br />

أمريكي بأعراض مرض سمي ‏(مرض حرب الخليج)‏ ومنها سقوط الشعر والأسنان،‏ وآلام رأس<br />

ومفاصل،‏ وأورام <strong>في</strong> الغدد،‏ وإسهالات وفقدان للذاكرة.‏ كما أصيب بهذه الأعراض ربع مليون طفل<br />

عراقي<br />

( ١٠ ) .<br />

( ٧ )<br />

انظر مجموعة باحثين المرجع السابق،‏ ص‎١٧٥‎‏.‏<br />

( ٨ )<br />

Siegwart Gunther S.١٧٥<br />

(٩ )<br />

Siegwart Gunther S.١٧٦<br />

( ١٠ )<br />

Siegwart Gunther S.١٩٧ f.<br />

١٢٠


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

وبعد <strong>عام</strong> ١٩٩١ حتى <strong>عام</strong> ١٩٩٨ نجح العراق إلى حد ما <strong>في</strong> إعادة بناء قواته وما دمرته<br />

الحرب،‏ واستطاع أن يناور مع لجان التفتيش للحفاظ على قدراته الإنتاجية.‏ إلى أن ذكر الرئيس جورج<br />

بوش الابن <strong>في</strong> حزيران ٢٠٠٢ أن الولايات المتحدة سوف تهاجم العراق ‏"وقائي ًا"‏ لنزع أسلحته وتغيير<br />

نظامه.‏ وكان هذا التغيير الجذري <strong>في</strong> السياسة الأمريكية مفاجأة للرأي ال<strong>عام</strong> الأمريكي لأن الولايات<br />

المتحدة كانت بين <strong>عام</strong>ي<br />

١٩٩١ و<br />

٢٠٠٢ قد احتوت فعليا ً ذلك النظام الذي حرص بدوره على تجنب<br />

إعطاء أي مبرر للولايات المتحدة ضده.‏ وهكذا قررت إدارة بوش الحالية <strong>في</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٢ سلوك مسار<br />

عمل آخر.‏ ولهذا السبب،‏ كان لا بد لنظام التفتيش الجديد بموجب القرار ١٤٤١ أن يكون غير مشروط<br />

وأن تكون نتيجة مخالفته حتمية مست<strong>في</strong>دة من التعاطف الدولي مع نكبة الأمريكيين <strong>في</strong><br />

(<br />

١١ أيلول ٢٠٠١<br />

١١ )<br />

.<br />

لقد بدا واضحا ً أن إدارة بوش كانت مصرة على ضرب العراق لتن<strong>في</strong>ذ سياستها الجديدة <strong>في</strong> التوسع<br />

والاتجاه نحو قيام إمبراطورية عالمية لا تقيم وزنا ً لا للاتحاد الأوروبي ولا للصين ولا للأمم المتحدة،‏<br />

فهي تحتكم فقط لمبدأ القوة العسكرية للدفاع عن مصالح الاحتكارات الإمبريالية.‏<br />

ثاني ًا:‏ الأهداف الأمريكية المعلنة والمستورة لغزو العراق:‏<br />

يمثل موقع العراق الجغرا<strong>في</strong> حلقة وصل بين أوروبا والشرق الأوسط ويتمتع بأهمية كبيرة لأنه<br />

يقع <strong>في</strong> شمال الخليج العربي ويكون مع بقية دول الخليج العربي أكبر مصدر للنفط <strong>في</strong> العالم كله،‏ لذا<br />

كان محط أنظار القوى الاستعمارية التقليدية منها كبريطانيا وألمانيا بشكل خاص وقوى الاستعمار<br />

الحديث الممثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا.‏<br />

وقد سعت ألمانيا <strong>في</strong> القرن التاسع عشر لربط العراق بخط قطار الشرق السريع ‏(برلين<br />

<strong>–</strong> بغداد)‏<br />

<strong>في</strong> محاولة لمد سيطرتها الاستعمارية على أكبر مخزون للطاقة <strong>في</strong> العالم،‏ لكن جهودها باءت بالفشل<br />

بعد خسارتها للحرب العالمية الأولى،‏ وجاءت القوات <strong>البريطاني</strong>ة فاحتلت البصرة <strong>في</strong> تشرين ثاني<br />

١٩١٤ وأكملت احتلالها <strong>للعراق</strong> <strong>في</strong> آذار ١٩١٧. ورفض الشعب العراقي قوات الاحتلال واندلعت ثورة<br />

<strong>عام</strong> ١٩٢٠ وأرغمت بريطانيا تحت الضغط الشعبي أن تنصب الأمير <strong>في</strong>صل بن الحسين ملكا ً على<br />

العراق.‏ وبقيت تسيطر على قدرات العراق الاقتصادية والسياسية من خلال مستشارين سياسيين<br />

( ١١ )<br />

انظر مسعود ضاهر:‏ الحملة العسكرية على العراق ومخاطر الإمبريالية الأمريكية <strong>في</strong> عصر<br />

العولمة،‏ <strong>في</strong>:‏ تاريخ العرب والعالم،‏ بيروت،‏ العدد<br />

٢٠٣ أيار<br />

‎٢٠٠٣‎‏،ص<br />

.١٨<br />

١٢١


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

(<br />

وعسكريين وكانت الكلمة الأخيرة لس<strong>في</strong>ر بريطانيا <strong>في</strong> بغداد واستمر هذا حتى قيام ثورة تموز<br />

١٩٥٨<br />

١٢ )<br />

.<br />

ولم تتوقف محاولات ألمانيا للوصول إلى منابع النفط <strong>في</strong> العراق وخاصة أيام الحكم النازي<br />

عندما تسلم السلطة <strong>في</strong> ألمانيا أدولف هتلر الذي أقام علاقات ودية مع الملك غازي،‏ وعندما قامت حركة<br />

العراق التحررية <strong>في</strong> أيار ١٩٤٢ بقيادة رشيد عالي الكيلاني وقف هتلر إلى جانب الكيلاني وأرسل له<br />

أسرابا ً من الطائرات الحربية،‏ ولكنه لم يستطع أن يقدم له الدعم الكا<strong>في</strong> لأن الحرب العالمية الثانية كانت<br />

<strong>في</strong> أوجها.‏<br />

شعرت بريطانيا بخطر وصول ألمانيا إلى منطقة الخليج والسيطرة على منابع النفط<br />

فسارعت إلى إسقاط حكومة الكيلاني واحتلال بغداد من جديد،‏ وأحكمت سيطرتها عليها.‏ وفشلت<br />

محاولات ألمانيا<br />

( ١٣ )<br />

.<br />

أما أطماع أمريكا <strong>في</strong> التنافس على نفط العراق فقد بدأت مبكرا ً ف<strong>في</strong> <strong>عام</strong> ١٩٢٠ طلبت الولايات<br />

المتحدة من بريطانيا <strong>في</strong> مؤتمر ‏(سان ريمو <strong>في</strong> إيطاليا)‏ ضرورة مشاركتها بنفط العراق والخليج لكن<br />

بريطانيا رفضت هذا،‏ ولم يستطع رئيس وزراء بريطانيا تشرشل أن يقاوم الضغط الشديد من رئيس<br />

الولايات المتحدة ‏(روزفلت)‏ من أجل الحصول على نصيب كبير <strong>في</strong> نفط الخليج.‏ وحصلت أمريكا على<br />

النفط السعودي بموجب الاتفاق بين الملك عبد العزيز وشركة<br />

( آرامكو )<br />

وحصلت أيضا َ على النفط<br />

الإيراني بعد أن أطاحت بحكومة مصدق وإزاحة بريطانيا من الهيمنة على نفط الخليج،‏ وقد سعت<br />

الولايات المتحدة لإيجاد نوع من الأمن الإقليمي <strong>في</strong> منطقة الخليج منذ إعلان بريطانيا الانسحاب من<br />

المنطقة لسد الفراغ الاستعماري <strong>البريطاني</strong> الأمريكي.‏ فبدأت بمشروع سيسكو وروجرز ل<strong>عام</strong><br />

وكان هذا المخطط قد صرح به روستر<br />

.١٩٧٢<br />

(Roster)<br />

وكيل وزارة الخارجية الأمريكية <strong>عام</strong><br />

١٩٦٨ عندما<br />

أعلن عن إقامة مثل هذا الحلف بين دول الخليج العربي بما <strong>في</strong>ها العراق.‏ وتهدف هذه المخططات إلى:‏<br />

أولا ً:‏ فصل الأمن الإقليمي الخليجي عن باقي الدول العربية القوية غير المنتجة للنفط حتى يظل<br />

اعتمادها الرئيسي على الولايات المتحدة الأمريكية.‏<br />

ثاني ًا:‏ عدم السماح باستخدام سلاح النفط <strong>في</strong> كل محاولات تسوية القضية الفلسطينية.‏<br />

ثالثا ً:‏ ربط اقتصاديات دول الخليج بالاقتصاد الغربي وجعلها أسواقا ً استهلاكية للبضائع الغربية.‏<br />

( ١٢ )<br />

الموسوعة العربية الميسرة:‏ تاريخ العراق،‏ الجزء ١٦، الرياض ١٩٩٦، ص ١٧٣.<br />

( ١٣ )<br />

لمزيد من التفاصيل حول الصراع <strong>البريطاني</strong> <strong>–</strong> الألماني على العراق،‏ انظر المفصل <strong>في</strong> تاريخ<br />

العراق المعاصر،‏ لمجموعة باحثين،‏ بغداد<br />

،٢٠٠٢ ص‎٣٤‎ <strong>–</strong> .٧٥<br />

١٢٢


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

رابعا ً:‏ تثبيت الطابع الغربي <strong>في</strong> الثقافة والإعلام والمناهج التربوية<br />

( ١٤ ) .<br />

وتبدلت هذه المخططات الاستراتيجية بعد حرب تشرين ١٩٧٣ فأصبحت الاستراتيجية الأمريكية<br />

تركز على أن منطقة الخليج العربي شريان حياة للغرب،‏ خاصة بعد إعلان الحظر الجزئي للنفط إثر<br />

حرب تشرين<br />

.<br />

١٩٧٣، لأن الدول الخليجية بما <strong>في</strong>ها إيران والعراق تمد اليابان ب‎٧٥‎‏./‏ من وارداتها<br />

.<br />

النفطية وأوروبا الغربية ب‎٧٠‎‏./‏ والولايات المتحدة ب<br />

.<br />

٢٥./ ، وظهر مفهوم جديد <strong>في</strong> العلاقات الدولية<br />

يقوم على ‏(حق الدول الصناعية الغربية <strong>في</strong> موارد العالم الثالث)‏ حين صرح هنري كيسنجر ب ‏"أن أي<br />

محاولة لفرض حظر نفطي لفترة طويلة هو عمل من أعمال الحرب ". وقد طورت هذه الفكرة حتى<br />

أصبحت لا تقتصر على ضمان إمدادات النفط فقط بل تأمينه بسعر رخيص<br />

( ١٥ )<br />

.<br />

وبعد انتهاء الحرب العراقية <strong>–</strong> الإيرانية وخروج العراق <strong>عام</strong> ١٩٨٨ مهزوما ً منها،‏ ومديون ًا<br />

وجيشه ما زال نسبيا ً على قدر من القوة يهدد مصالح الولايات المتحدة <strong>في</strong> الخليج وأمن إسرائيل،‏ ارتأت<br />

واشنطن أن تجد مبررا ً جديدا ً لقيام حرب جديدة تهدف إلى الخلاص من ترسانة العراق العسكرية<br />

ومحاولة العودة إلى منابع النفط بشكل فعال،‏ فكانت حرب الخليج الثانية ١٩٩١، ولم يكن جورج بوش<br />

الابن بعيدا ً عن قرار خوض واشنطن الحرب فقد كشفت وثائق رسمية أمريكية علاقته بفضائح مالية<br />

تمس أجهزة المخابرات وأبيه وأخيه،‏ وفضائح شركات النفط أسكتتها حرب الخليج الثانية وحولتها إلى<br />

الاتجاه المعاكس<br />

( ١٦ )<br />

.<br />

وما من شك <strong>في</strong> أن للحرب العدوانية الأمريكية على العراق واحتلاله <strong>في</strong> ربيع <strong>عام</strong><br />

٢٠٠٣ عدة<br />

أهداف متشابكة ومتداخلة بعضها ببعض على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري ومعظم هذه<br />

الأهداف تلتقي مع الأهداف الإسرائيلية <strong>في</strong> السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط.‏ ويمكن تلخيص<br />

أهداف الحرب الأمريكية المعلنة على العراق بما يلي:‏<br />

( ١٤ )<br />

محمد حسين العيدروس:‏ دراسات <strong>في</strong> الخليج العربي،‏ الكويت،‏ دار الكتاب الحديث،‏ ٢٠٠٣،<br />

الجزء الثالث،‏ ص‎٣٦٦‎‏.ومن أجل تفاصيل أكثر حول دور النفط <strong>في</strong> السياسة الأمريكية <strong>في</strong> الشرق<br />

الأوسط،‏ انظر محمد الرميحي:‏ النفط والعلاقات الدولية،‏ الكويت<br />

.١٩٨٢<br />

( ١٥ )<br />

انظر اللجنة البحرانية للسلم والتضامن : الوجود العسكري الأمريكي <strong>في</strong> منطقة الخليج،‏ نيودلهي،‏<br />

١٩٨٨، ص‎٦‎‏.‏<br />

( ١٦ )<br />

سمير صارم انه النفط يا ‏(…)؟ الأبعاد النفطية <strong>في</strong> الحرب الأمريكية على العراق،‏ دار الفكر،‏<br />

<strong>دمشق</strong>،‏<br />

٢٠٠٣، ص‎١٦٣‎‏.‏<br />

١٢٣


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

١ الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وسعيه لتطوير أسلحة بيولوجية وبناء برنامج<br />

لمثل هذه الحرب وبأن العراق على وشك أن يصنع أول قنبلة نووية.‏<br />

٢ اتهام العراق برعاية الإرهاب وبأنه يخطط لتزويد المنظمات الإرهابية وخاصة تنظيم<br />

‏"القاعدة"‏ بأسلحة دمار شامل يمكن أن تستخدم <strong>في</strong> تهديد الأمن العالمي بشكل <strong>عام</strong> وأمن الولايات المتحدة<br />

بشكل خاص.‏<br />

٣ تهديد العراق لجيرانه كالكويت وإيران وسورية وتركيا.‏<br />

٤ إسقاط صدام حسين بالقوة العسكرية من أجل منح ‏"الحرية"‏ للشعب العراقي وإقامة نظام<br />

‏"ديمقراطي"‏ على الطريقة الغربية يكون نموذجا ً يجب أن يحتذى به لدى العديد من دول الشرق الأوسط<br />

( ١٧ ).<br />

إذ سيصبح العراق ‏"واحة للديمقراطية"‏ <strong>في</strong> المنطقة<br />

ويتساءل الكاتب الأمريكي ميشيل راتنر <strong>في</strong> كتابه ضد الحرب <strong>في</strong> العراق<br />

(against war in Iraq )<br />

هل هناك دليل على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل؟ ويجيب عن هذا<br />

السؤال بقوله:‏ ‏"يجمع المحللون العسكريون بأن وضع نظام صدام حسين الآن أضعف بكثير من <strong>عام</strong><br />

١٩٩١ <strong>في</strong> حرب الخليج الثانية،‏ إذ هزمت جيوشه وترسانة العراق وقوته العسكرية أصبحت عاجزة<br />

بسبب وجود حظر على واردات السلاح ووجود مناطق الحظر الجوي على الطيران العراقي،‏ وقيام<br />

الطائرات الأمريكية و<strong>البريطاني</strong>ة بقصف مواقع القوات العراقية باستمرار.‏ ف<strong>في</strong> <strong>عام</strong><br />

٢٠٠٢ وحده<br />

ضربت القوات الجوية الأمريكية مواقع العراقيين أكثر من ست وأربعين مرة … ودخلت لجنة الأمم<br />

المتحدة للتفتيش عن الأسلحة<br />

(Unscom)<br />

والمرة الثانية من خلال بعثة الأمم المتحدة للتفتيش<br />

العراق لأول مرة <strong>عام</strong> ١٩٩١ وبقيت حتى <strong>عام</strong><br />

.١٩٩٨<br />

(Unmovic)<br />

من <strong>عام</strong> ٢٠٠٢ إلى ما قبل الحرب<br />

بأيام قليلة <strong>في</strong> آذار ٢٠٠٣ إلى جانب مفتشي وكالة الطاقة الذرية .(IAEA) وورد <strong>في</strong> تقرير الأمم<br />

المتحدة بعد مغادرتها العراق أن ٨١٧ صاروخا ً بالستيا ً سو<strong>في</strong>يتي الصنع بعيد المدى من أصل<br />

صاروخا ً يملكها العراق قد تم تدميرها فضلا ً عن تقرير هيئة الطاقة الذرية <strong>في</strong><br />

٨١٩<br />

٢٥ نيسان ٢٠٠٢ الذي<br />

أكد عدم وجود أي دليل على أن العراق يمتلك أي قدرة مادية على إنتاج كميات من المواد النووية التي<br />

يمكن استخدامها كسلاح<br />

."<br />

و<strong>في</strong>ما يتعلق بترسانة الأسلحة البيولوجية العراقية فإنها مجرد اقتراحات ومبالغات <strong>في</strong>شير<br />

تقرير(انسكوم)‏ <strong>في</strong> <strong>عام</strong> ١٩٩٨ إلى أنه:‏ ‏"إذا ما أخذت ظروف الأسلحة الكيماوية والذخيرة التي أنتجت<br />

( ١٧ )<br />

سمير صارم،ص <strong>–</strong> ١٦٧ ١٦٨، وميشيل راتنر،‏ ص ٢٣.<br />

١٢٤


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

<strong>في</strong> ذلك الحين ونوعيتها بالاعتبار،‏ نجد أنه ليس هناك احتمال بقاء أسلحة من هذا النوع منذ أواسط<br />

ثمانينيات القرن العشرين"‏<br />

( ١٨ )<br />

.<br />

و<strong>في</strong> جلسة استماع الكونغرس أعلن مفتش الأسلحة السابق التابع للأمم المتحدة سكوت ريتر بأن<br />

العراق أصبح منزوع السلاح كليا ً ولا يهدد الولايات المتحدة أو دول الشرق الأوسط وقال:‏ إن إدارة بوش<br />

لا تريد إعادة تفتيش العراق بل تريد الحرب . ) ١٩ (<br />

هذا وقد ثبت بطلان هذا الادعاء فبعد مضي أكثر من سنة على سقوط بغداد لم يعثر المحتلون<br />

على أي من أسلحة الدمار الشامل التي كانت إحدى ذرائع الحرب غير القانونية،‏ لا تزال المخابرات<br />

الأمريكية ترفض دفع ثمن الجدل حول تضخيم إدارة بوش للتهديد العراقي،‏ وأكد عضو <strong>في</strong><br />

الاستخبارات العسكرية لصحيفة واشنطن بوست انه أخذ علما ً بكامل التقارير السرية حول العراق<br />

وخلص إلى القول:‏ إن الشعب الأمريكي قد خ ُدع.‏ أما <strong>في</strong> لندن فقد أكدت وزيرة التنمية الاجتماعية<br />

السابقة كلير شورت التي استقالت احتجاجا ً على الحرب،‏ أن طوني بلير خدع البلاد بشأن الخطر الذي<br />

يمثله النظام العراقي السابق للمشاركة <strong>في</strong> غزو العراق.‏ و<strong>في</strong> برلين اتهمت وزيرة التنمية الألمانية هايدا<br />

<strong>–</strong> ماري <strong>في</strong>تشورك تسول <strong>في</strong> اجتماع للحزب الديمقراطي الاجتماعي الحاكم الذي انعقد بتاريخ<br />

-٦-١<br />

٢٠٠٣ أن الولايات المتحدة قامت بتضليل العالم بشأن الحجج التي استخدمتها لشن الحرب على العراق،‏<br />

وأن الحرب لم تكن بدافع وجود أسلحة دمار شامل،‏ وإنما بشأن النفط وهذا السبب الذي دفع الحكومة<br />

الألمانية إلى معارضتها هذه الحرب<br />

( ٢٠ ) .<br />

أما الادعاء الثاني بأن العراق له صلة بالمنظمات الإرهابية وتزويدها بأسلحة دمار شامل فهو<br />

إدعاء لا أساس له من الصحة،‏ وهي تقارير ‏"مضللة وخاطئة ومخالفة لتقارير مفتشي الأسلحة"‏ وليس<br />

هناك أي دليل على وجود علاقة بين النظام العراقي السابق وشبكة القاعدة،‏ فصدام حسين وحزب البعث<br />

<strong>في</strong> العراق ذوا توجه علماني مناهض للتطرف الديني والحركات الأصولية التي انبثق منها تنظيم<br />

القاعدة.‏ ولم يقدم الملف الذي كشفت الحكومة <strong>البريطاني</strong>ة النقاب عنه <strong>في</strong><br />

٢٤ أيلول<br />

٢٠٠٢ أي دليل عن<br />

وجود رابطة بين العراق والقاعدة".‏ وكما أن الوعود التي أطلقها المسؤولون الأمريكيون بمن <strong>في</strong>هم وزير<br />

الدفاع ‏(رامس<strong>في</strong>لد)‏ ومستشارة الأمن القومي<br />

( ١٨ )<br />

ميشيل راتنر،‏ المرجع السابق،ص <strong>–</strong> ٢٥ ٢٩.<br />

( ١٩ )<br />

نعوم تشومسكي،ص ٦٧.<br />

( ٢٠ )<br />

صحيفة البعث السورية،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ العدد رقم (١٢٠٨٥) تاريخ ٢-٦-٢٠٠٣ م.‏<br />

١٢٥


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

‏(كونداليزا رايس)‏ وسواهما بأنهم سوف يقدمون أدلة ناصعة على وجود هذه الرابطة قد ذهبت أدراج<br />

الرياح ولم تستطع أي وكالة مخابرات بما <strong>في</strong>ها CIA أو<br />

DIA إثبات مثل هذه العلاقة<br />

( ٢١ )<br />

.<br />

أما عن تهديد العراق لجيرانه وللمصالح الأمريكية لم يتوافر دليل موثق على وجود سياسة<br />

عراقية استهدفت المصالح الأمريكية أو أي دولة أخرى ذلك أن العراق لم يعد يشكل تهديدا ً لجيرانه ولم<br />

يعد يمتلك القدرة على تهديده الفعلي لأحد منذ انتهاء حرب الخليج الثانية،‏ لأن سنوات الحصار لمدة<br />

<strong>عام</strong>ا ً قد حدت من قدراته العسكرية والاقتصادية حتى البشرية ولم يعد قادرا ً على تهديد أحد.‏<br />

أما استبدال نظام صدام حسين بالقوة من أجل<br />

١٢<br />

"<br />

تحرير"‏ الشعب العراقي ومنحه"‏ الديمقراطية<br />

"<br />

فهو تكريس لعقيدة بوش الجديدة المتمثلة ب ‏(الحرب الاستباقية)‏ أي أن بإمكان الولايات المتحدة<br />

استخدام القوة ضد أي دولة تتصور الإدارة الأمريكية أنها معادية.‏ وهذا المبدأ انتهاك لمبدأ حظر اللجوء<br />

إلى القوة <strong>في</strong> العلاقات الدولية.‏ والمادة<br />

(٤٢)<br />

من ميثاق الأمم المتحدة تقول بأنه ‏(لا يسمح باستخدام القوة<br />

(*).<br />

إلا دفاعا ً عن النفس أو بتخويل من مجلس الأمن)‏ وتلك الحرب ‏<strong>–</strong>الحرب الاستباقية<strong>–</strong>‏ هي نظرية<br />

حرب اخترعتها إسرائيل وتتعارض مع قواعد الشرعية الدولية ومع المصلحة الدولية المشتركة المتمثلة<br />

أساسا ً <strong>في</strong> حفظ السلم والأمن وضمانهما لجميع الدول.‏ ) ٢٢ (<br />

ومن المهم هنا تأكيد مبدأ<br />

" نية العدوان "<br />

)<br />

بوصفه شرطا ً لقيام الحرب الاستباقية لا يمكن تبريره<br />

ولعل أوضح مثال على ذلك هو إدانة مجلس الأمن وبشدة لهجوم إسرائيل على المفاعل النووي العراقي<br />

١٩٨١. <strong>عام</strong> ( أوسيراك<br />

وانطلاقا ً مما سبق تعد الحرب الاستباقية على العراق عملا ً غير شرعيٍ‏ خاصة لأنها دون<br />

تفويض صريح من مجلس الأمن.‏ إن المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة لغزو العراق كلها واهية<br />

وتخ<strong>في</strong> داخل ثناياها خل<strong>في</strong>ات وأهدافا ً أخرى.‏<br />

.٢٣<br />

(١٤٨٣)<br />

( ٢١ )<br />

(*)<br />

ميشيل راتنر،‏ ص<br />

قرار مجلس الأمن رقم وتحديد دور الأمم المتحدة <strong>في</strong> العراق:‏ صد قرار مجلس الأمن رقم<br />

٢٠٠٣ ويقضي برفع العقوبات المفروضة على العراق وتمديد عمل برنامج النفط<br />

مقابل الغذاء،‏ وجعل هذا القرار مسؤولية النظام وإدارة العراق على عاتق سلطة التحالف،‏ بينما خصص<br />

للأمم المتحدة دورا ً حيويا ً <strong>في</strong> مجال الإغاثة الإنسانية،‏ والمساعدة <strong>في</strong> عودة اللاجئين وإعادة بناء مرافق<br />

البنية التحتية.‏<br />

١٤٨٣ <strong>في</strong> ٢١ أيار<br />

( ٢٢ )<br />

: محمد الهزاط<br />

الحرب الأمريكية <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong>ة على العراق والشرعية الدولية <strong>في</strong>:‏ المستقبل<br />

العربي <strong>–</strong> مركز الدراسات العربية لندن العدد ‎٢٩٢،٢٠٠٣‎‏،ص<br />

. ٨١<br />

١٢٦


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

أما الأهداف الأمريكية المستورة لغزو العراق فهي تندرج <strong>في</strong> سياق الأهداف<br />

الآتية المتمثلة <strong>في</strong>:‏<br />

أولا ً:‏ السيطرة على نفط العراق لأن العراق يملك أكبر مخزون احتياطي للنفط بعد السعودية إذ<br />

تتراوح احتياطاته النفطية ما يقرب من ٢٠٠ مليار برميل،‏ أي ما يعادل<br />

العالمية،‏ ويوفر للولايات المتحدة المحتلة <strong>للعراق</strong> ربحا ً قدره ١١٥ مليار دولار حتى <strong>عام</strong><br />

.<br />

١٥./ من كل الاحتياطات<br />

( )<br />

٢٠٠٤ فقط<br />

٢٣<br />

أي باختصار يشكل النفط والسيطرة عليه أهم مصدر للطاقة للولايات المتحدة على مدى عشرات<br />

السنين القادمة،‏ كما يتيح لها الهيمنة على العراق وإضعاف نفوذ الأوبيك<br />

(OPEC)<br />

والتحكم بأسعار<br />

النفط،‏ فضلا ً عن أن حلفاء أمريكا مثل روسيا وغيرها سيضطرون لمفاوضة أمريكا من أجل الحصول<br />

على النفط.‏ كذلك الصين واليابان يكونان بحاجة لعقد صفقات مع الولايات المتحدة لشراء النفط العراقي<br />

وعندئذ لا تكون الولايات المتحدة أقوى قوة عسكرية <strong>في</strong> العالم فحسب بل تسيطر على أهم موارد العالم<br />

وتتحكم بأسعار النفط وأسواقه.‏ وجاءت لتحرم العراق من موارده النفطية واستغلالها،‏ وهو ما تريده<br />

الجماعات المتصهينة <strong>في</strong> أمريكا وعن طريق إضعاف العراق،‏ وإعادته إلى نطاق الت<strong>عام</strong>ل بالدولار،‏ بعد<br />

أن انضم <strong>في</strong> السنوات الأخيرة إلى مجموعة المت<strong>عام</strong>لين باليورو،‏ وأوقف ت<strong>عام</strong>له مع الشركات الأمريكية<br />

ال<strong>عام</strong>لة <strong>في</strong> مجال النفط واتجاهه نحو روسيا وفرنسا وألمانيا.‏<br />

أما بريطانيا التي أبعدت لفترة طويلة عن العراق فهي تسدد الدين لأمريكا من مساعدتها لها <strong>في</strong><br />

حربها ضد الأرجنتين،‏ واستعادة جزر الفوكلاند،‏ إذ إنه لولا الولايات المتحدة لما تمكنت من الوصول<br />

إلى الجزر،‏ وتأمل بريطانيا أن تعود إلى نشاطها النفطي <strong>في</strong> العراق،‏ فبترول بحر الشمال قارب على<br />

النضوب.‏ فضلا ً عن تكاليف استخراجه العالية.‏<br />

ثاني ًا:‏ قيام أمريكا بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط لتتلاءم و مصالحها الخاصة وتكون <strong>في</strong>ها<br />

إسرائيل حجر الزاوية لتمكينها من ضرب انتفاضة الشعب الفلسطيني ف<strong>في</strong> سنة ١٩٨٣، قدم المستشرق<br />

والمؤرخ الأمريكي اليهودي برنارد لويس ‏(وهو من أصل بريطاني)‏ مشروعا ً إلى الكونغرس الأمريكي<br />

وافق عليه الكونغرس بالإجماع يقضي بتقسيم منطقة الشرق الأوسط كلها إلى دويلات بما <strong>في</strong>ها تركيا<br />

وإيران وأفغانستان كما أوصى <strong>في</strong> نهاية تقريره بأنه يجب على الأمريكيين أن يبذلوا كل جهدهم<br />

"<br />

لتحويل كل قبيلة <strong>في</strong> الجزيرة العربية إلى دولة".‏ وهو مشروع قديم متكرر،‏ وقد طرح جورج بوش<br />

الابن هذا المشروع من جديد <strong>في</strong> آذار ٢٠٠٤ باسم الشرق الأوسط الكبير ضمن هذا السياق.‏<br />

( ٢٣ )<br />

Der Spiegel: ٠٥,٠٥. ٢٠٠٣ S. ١٣١<br />

١٢٧


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

واستفادت الولايات المتحدة من خبرات بريطانيا الاستعمارية إذ جمع رئيس وزراء بريطانيا <strong>عام</strong><br />

(Kamble Panermann) ١٩٠٥<br />

كامبل بانرمان أخصائيين من مختلف الجامعات الأوروبية وطرح<br />

عليهم سؤالا ً واحدا ً:‏ ما هي الوسائل الك<strong>في</strong>لة بتأخير سقوط الإمبراطوريات الاستعمارية،‏ وبعد سنتين من<br />

ال<strong>بحث</strong> خلص هؤلاء إلى وضع تقرير سمي ‏(بتقرير كامبل بانرمان)‏ سنة ١٩٠٧ وكان من أبرز نقاط<br />

ذلك التقرير ما يلي:‏<br />

إن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط هي من أهم المناطق الاستراتيجية <strong>في</strong> العالم ومن<br />

يسيطر على هذه المنطقة يستطيع التحكم بالعالم.‏<br />

١<br />

٢ إن <strong>في</strong> هذه المنطقة شعبا ً واحدا ً له تاريخ واحد ولغة واحدة وثروات كبيرة غير متوافرة <strong>في</strong><br />

أي منطقة أخرى.‏<br />

يجب العمل بكل الإمكانات والطاقات على تفتيت هذا الشعب وتجزئته وتقسيمه لتسهل<br />

السيطرة عليه والتحكم بمقدراته البشرية والمادية.‏<br />

٣<br />

٤ يجب العمل بكل الإمكانات لفصل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي <strong>في</strong> المنطقة العربية،‏<br />

وإيجاد حاجز بشري قوي وغريب،‏ حليف للاستعمار وعدو لسكان المنطقة<br />

( ٢٤ )<br />

.<br />

ونخلص إلى القول:‏ إن احتلال العراق ما هو إلا حلقة <strong>في</strong> السلسلة الاستعمارية لتقسيم المنطقة<br />

من خلال رسم خارطة جديدة وحماية أمن إسرائيل.‏<br />

ثالثا ً:‏ استكمال بسط السيطرة العسكرية الأمريكية،‏ والتي تمتد من آسيا الوسطى حتى الخليج<br />

العربي وتهديد القوى الكبرى أو الناشئة مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية،‏ وتهديد دول أخرى لا<br />

تتماشى مع المشروع الأمريكي <strong>–</strong> الصهيوني <strong>في</strong> المنطقة كسورية ولبنان،‏ والتلويح بورقة الضغط<br />

العسكرية الأمريكية عليها لتمرير مخططاتها <strong>في</strong> المنطقة العربية.‏<br />

رابعا ً:‏ الاستفادة من الحرب <strong>في</strong> إنعاش الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من الركود والبطالة<br />

وارتفاع نسب الفوائد،‏ وللمحافظة على إنتاج مصانع الأسلحة وحماية الشركات الكبرى التي تعاني من<br />

الانهيار،‏ كما تغطي هذه الحرب على إخفاقات جهاز الأمن الأمريكي FBIالذي يعاني من مشكلات<br />

عملائه <strong>في</strong> الاتحاد السو<strong>في</strong>يتي السابق.‏ ) ٢٥ (<br />

.٢٤ .٠٢ ،٢٠٠٣<br />

:<br />

(٢٤)<br />

ابراهام دده يان المستهدف ليس العراق وحده،‏ <strong>في</strong>:‏ الس<strong>في</strong>ر اللبنانية،‏ بيروت،‏<br />

( ٢٥ )<br />

سمير صارم،‏ المرجع السابق،‏ ص‎١٦٦‎‏،‏ نورمان ميلر:‏ لماذا أصرخ <strong>في</strong>:‏ مجلة ،Express أيار<br />

،٢٠٠٣ ص .١٢<br />

١٢٨


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

الأسباب الكامنة وراء انهيار النظام العراقي السريع:‏<br />

تمكنت القوات الأمريكية الغازية من احتلال بغداد احتلالا ً مفاجئا ً وسريعا ً لم يكن أحد يتوقعه فبعد<br />

واحدٍ‏ وعشرين يوما ً من بدء الحرب جاء اليوم الحاسم <strong>في</strong> حياة عاصمة الرشيد ‏(بغداد)،‏ يوم الأربعاء<br />

الموافق<br />

٩ نيسان<br />

٢٠٠٣، إذ سقطت دون قتال وطويت بذلك صفحة من تاريخ العراق لتبدأ صفحة<br />

جديدة لا يمكن لأحد أن يتنبأ بمستقبلها،‏ الأمر الذي أثار دهشة المحللين والخبراء العسكريين.‏<br />

واستغرابهم.‏ والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الانهيار السريع ولماذا لم<br />

تتمكن بغداد من الصمود ومن تنظيم مقاومة واسعة ومنظمة لمقاومة الاحتلال؟ كما فعلت مدنٌ‏ مثل أم<br />

القصر والبصرة والناصرية والكوفة التي أبدت مقاومة باسلة.‏<br />

سقطت بغداد <strong>في</strong><br />

٩ نيسان<br />

٢٠٠٣ دون قتال،‏ الأمر الذي أثار دهشة المحللين والخبراء<br />

العسكريين واستغرابهم،‏ والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الانهيار<br />

السريع ولماذا لم يتمكن العراقيون من تنظيم مقاومة واسعة ومنظمة لمقاومة الاحتلال ؟<br />

من الصعب الإجابة الجازمة عن هذا السؤال لأن <strong>بحث</strong> هذه الأسباب وتحديد خصائصها المميزة<br />

تحديدا ً كاملا ً يتطلب وقتا ً طويلا ً ربما يمتد إلى سنوات.‏ كما أننا نفتقر إلى المعلومات الأساسية عن نتائج<br />

الحملة الجوية التي شملت حتى التاسع من نيسان نحو ٣٤ ألف طلعة طيران،‏ منها نحو ١٣ ألف طلعة<br />

إغارة،‏ و ٦١٥٠ طلعة تزويد للطائرات بالوقود <strong>في</strong> الجو،‏ و ٦٥٠٠ طلعة جسور جوية،‏ وأكثر من<br />

٢٢٥٠ طلعة مخابرات واستطلاع استراتيجي وليس هناك معلومات تقديرية عن حجم الدمار الناتج عن<br />

المعارك من جراء إطلاق أكثر من ٧٥٠ صارخ كروز وما بين<br />

التصويب<br />

<strong>–</strong> ١٥<br />

(٢٦) .<br />

١٦ ألف وحدة ذخيرة دقيقة<br />

ومن المؤكد أن الولايات المتحدة استخدمت الحرب الإعلامية والنفسية لتحطيم نفسية جنود<br />

الجيش العراقي فألقت نحو ٤٣,٨ مليون منشور ما بين تشرين الأول ٢٠٠٢ و‎٩‎ نيسان<br />

٢٠٠٣ تطالب<br />

<strong>في</strong>ه الإدارة الأمريكية القوات المسلحة العراقية بالاستسلام.‏ وكذلك العمل الإعلامي المنظم لتفتيت الجبهة<br />

الداخلية العراقية،‏ فضلا ً عن استخدام وحدات الاستخبارات والقوات العراقية المعارضة التي دربت <strong>في</strong><br />

هنغاريا ولقبت ب ‏"قوات تحرير العراق".‏<br />

ويمكننا على ضوء ما أفرزته الحرب من نتائج أن نلخص الأسباب على النحو الآتي:‏<br />

( ٢٦)<br />

انتوني كوردسمان:‏ " الدروس الفورية<br />

"<br />

(٢٩٢)، حزيران<br />

‎٢٠٠٣‎‏،ص<br />

.١١٧<br />

لحرب العراق <strong>في</strong>:‏ مجلة المستقبل العربي،‏ لندن،‏ العدد<br />

١٢٩


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

١<br />

إن الجيش العراقي الذي أنهكته حروب العقود الثلاثة الماضية لم يستطع تجديد أسلحته<br />

بسبب الحصار المفروض على العراق منذ <strong>عام</strong> ١٩٩١، وحققت الهيمنة الجوية الأمريكية القدرة على<br />

شل سلاح الجو العراقي قائلا ً:‏ وضرب الدفاعات الجوية.‏ يذكر الجنرال العراقي غانم عبد االله عزاوي<br />

الذي شارك بالحرب <strong>في</strong> شرحه لأسباب الانهيار السريع للجيش العراقي قائلا ً:‏ عمليا ً لم يكن هناك دفاع<br />

جوي منذ <strong>عام</strong> ١٩٩١ عندما هزم العراق وأجبر على الانسحاب من الكويت،‏ ولم يقم أحد بإعادة بنائه،‏<br />

وأضاف إلى ما أشارت إليه بعض القنوات التلفزيونية بشأن تطوير العلماء لصواريخ جوية عراقية<br />

كانت كلها أكاذيب لا أساس لها من الصحة<br />

"<br />

٢<br />

دفاع جوي وأصبح صيدا ً للطيران الأمريكي.‏<br />

. ) ٢٧ ( كما قاتل الجيش العراقي دون غطاء جوي ودون<br />

تفوق السلاح والتكنولوجيا العالية التي استخدمتها القوات الأمريكية والحليفة من طائرات<br />

استطلاع الأواكس،‏ وطائرات بلا طيار،‏ والقوات الخاصة،‏ والمخابرات البشرية،‏ والحرب الإلكترونية،‏<br />

فهذه الحرب لم تكن متكا<strong>في</strong>ٔة تكنولوجيا ً،‏ وكانت أول حرب استخدمت بها الولايات المتحدة نظام ال<br />

GPS <strong>في</strong> العالم<br />

(Global Position System)<br />

فهذه الأجهزة تحدد بالضبط مكانك بوساطة الأقمار<br />

الصناعية عن طريق خطوط الطول والعرض والارتفاع عن سطح البحر،‏ وقبيل الحرب على العراق.‏<br />

وصل عدد أقمار أمريكا الصناعية لتحديد المواقع ٢٧ قمرا ً،‏ وبعد عشرة أيام من الحرب تم إطلاق قمر<br />

آخر ليصبح عدد الأقمار المشاركة <strong>في</strong> الحرب ٢٨ قمرا ً وهو ما فسره تحطيم صمود بغداد بوساطة<br />

الGPSومن خلاله تم توجيه القنابل الذكية عن طريق أجهزة ليزر وتزود القنابل بأجهزة توجيه تلفزيونية تبلغ<br />

قيمة القنبلة الواحدة ٣٠ ألف دولار . ) ٢٨ (<br />

٣ قطع خطوط الاتصالات بين القيادة العراقية والجيش العراقي <strong>في</strong> الميدان نتيجة القصف<br />

المتواصل من الطائرات بأوزان ‎٣‎و‎٧‎و‎٩,٥‎ طن من القنابل لشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية<br />

وخطوط الإمداد.‏ فالجيش كما هو معلوم مبني على أساس هرمي فعندما يفقد الجندي التوجيه من قيادته<br />

يصبح تائها ً لا يدري ماذا يفعل <strong>في</strong>ترك الميدان ولذا فقدت القيادة السيطرة على الجيش والأوامر لم تعد<br />

( ٢٩ )<br />

تصل للقطعات وعندما تفقد السيطرة كل يتصرف على حسب هواه .<br />

( ٢٧ )<br />

صحيفة الشرق الأوسط،‏ لندن،‏ ٢ أيار ٢٠٠٣.<br />

( ٢٨ )<br />

العميد محمد سليمان:‏ حول خصائص بعض أسلحة العدوان الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> على العراق<br />

٢٠) آذار (٢٠٠٣<br />

<strong>في</strong>:‏ الفكر العسكري،‏ العدد الخامس<br />

،٢٠٠٣ ص .٧٨<br />

( ٢٩ )<br />

العميد صبحي ناظم تو<strong>في</strong>ق:‏ ندوة المؤسسة العسكرية <strong>في</strong> العراق وآفاق المستقبل،‏ قناة الجزيرة ،<br />

٦-٥-٢٠٠٣ م.‏<br />

١٣٠


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

٤<br />

يعزو أحد كبار ضباط العراق الهزيمة إلى أسباب داخلية <strong>في</strong> الجيش العراقي لأن الجيش<br />

العراقي لم يعتمد على المتطوعين أي المحتر<strong>في</strong>ن اعتمادا ً كبير ًا ‏(ما عدا الحرس الجمهوري)‏ بل اعتمد<br />

على ظاهرة التجنيد الإلزامي فالعسكري الإجباري كانت تطول مدة خدمته أحيانا ً إلى عشر سنوات،‏<br />

فضلا ً عن تدني مرتباته التي لا تك<strong>في</strong> لدفع أجرة المواصلات بين القطعات وموطنه الأصلي،‏ فكان العديد من<br />

الجنود يتسولون <strong>في</strong> سبيل أن يكون لديهم مبلغا ً من المال ليعودوا إلى أهاليهم <strong>في</strong> وقت الإجازة<br />

(٣٠ )<br />

.<br />

٥<br />

كان النظام العراقي يحكم العراق بالطغيان والخوف وكان لا يؤمن<br />

بالحريات والمشاركة السياسية وغياب الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان ولم يكن<br />

هناك دليل على تأييد شعبي واسع لصدام حسين والشعب العراقي أراد التخلص من<br />

ظلم الحكم الديكتاتوري وقهره دام مدة قدرها ٢٥ <strong>عام</strong>ا ً ولم يكن المناخ الاجتماعي<br />

والاقتصادي والعسكري العراقي مناسبا ً لمثل هذه الحرب.‏<br />

لهذا لم تصمد الجبهة الداخلية ولم يتمكن العراقيون من تنظيم مقاومة واسعة ومنظمة لقوات العدو<br />

( ٣١ ) .<br />

٦ عزا المؤرخ <strong>البريطاني</strong> تشارلز تريب<br />

(Charles Tripp)<br />

أسباب الانهيار إلى أن دولة<br />

العراق الهرمة ماتت <strong>في</strong> الثمانين دون أن تبلغ مرحلة الشباب إذ إن المقابر الجماعية التي عثر عليها لا<br />

تعود إلى عصر هولاكو بعد غزوه لبغداد سنة ١٢٥٨ م،‏ بل لفترة تمتد أكثر قليلا ً من عشرين <strong>عام</strong>ا ً<br />

وهي فترة تسلم صدام حسين للرئاسة <strong>عام</strong> ١٩٧٩ أي أن طغيان صدام وجرائمه تراكمت على مدى ربع<br />

قرن فكانت أحد أسرار الهزيمة<br />

( ٣٢ )<br />

.<br />

٧<br />

فشل العراق <strong>في</strong> استخدام العوائق المائية إن تحرك العراق <strong>–</strong> بسبب لا يعلمه أحد حتى الآن<br />

<strong>–</strong> ببطء شديد لاستخدام العوائق المائية لنسف عدد قليل من الجسور ونحج بذلك نجاحا ً جزئيا ً فقط<br />

وأخفق <strong>في</strong> الدفاع ضد إقامة الجسور وعمليات العبور على نحو فعال كما كان يتوقع له أن يفعل<br />

( ٣٣ )<br />

.<br />

( ٣٠ )<br />

اللواء بشار محمود أيوب:‏ ندوة المؤسسة العسكرية،‏ <strong>–</strong> ٦ ٥ <strong>–</strong> ٢٠٠٣ م.‏<br />

( ٣١ )<br />

سمير الخليل:‏ جمهورية الخوف عراق صدام،‏ القاهرة ١٩٩١ م،‏ ص‎٢٧‎ <strong>–</strong> ٤٥.<br />

( ٣٢ )<br />

صحيفة الشرق الأوسط العدد ) ٨٩٥٨ )، ٨ <strong>–</strong> ٦ <strong>–</strong> ٢٠٠٣، ص ١٥، دراسة حول كتاب المؤرخ<br />

<strong>البريطاني</strong> تشارلز تريب:‏ تاريخ العراق،‏ كمبريدج<br />

( ٣٣ )<br />

انتوني كوردسمان،‏ المرجع السابق،‏ ص ١٢٦.<br />

٢٠٠٣ م.‏<br />

١٣١


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

٨<br />

يعزو بعض المراقبين سقوط بغداد والعراق إلى صفقة جرى <strong>في</strong>ها اتفاق سري لتسليم بغداد<br />

دون قتال وهذه الصفقة جرت بين الأمريكيين وكبار قادة الحرس الجمهوري على تسليم بغداد دون<br />

مقاومة مقابل نقل كبار القادة <strong>في</strong> الحرس الجمهوري (٢٠٠ شخص وعائلاتهم)‏ إلى خارج العراق،‏ وقد<br />

عقد صدام اجتماعا ً مع بقايا قواته <strong>في</strong><br />

٨ نيسان ٢٠٠٣ بمسجد "<br />

" أم الطبول<br />

ببغداد عقب دخول القوات<br />

الأمريكية مطار بغداد وعنفهم بقسوة وطالب بإخراج القوات الأمريكية بأي ثمن من المطار،‏ وتساءل<br />

كيف تصمد مدن <strong>في</strong> الجنوب ولا تصمد بغداد المحمية بفرق الحرس الجمهوري،‏ والواقع أن الوحيد من<br />

القادة الكبار <strong>في</strong> الحرس الجمهوري وهو اللواء سيف الدين الراوي رئيس أركان الحرس الجمهوري قد<br />

صفاه صدام حسين يوم ٨ نيسان بعد اكتشاف وجود الصفقة حيث لم يستطع الراوي اللحاق برفاقه<br />

( ٣٤ )<br />

.<br />

٩<br />

يفسر بعض المحللين العسكريين العرب السقوط السريع لبغداد واختفاء رموز النظام<br />

والقوات العراقية النظامية وغير النظامية بهذه الصورة المفاجئة والسريعة والمريبة بأنه<br />

لو جمعت "<br />

الأخطاء الاستراتيجية التي حدثت من كل القادة العسكريين والسياسيين <strong>في</strong> الحروب الماضية منذ هتلر<br />

حتى الآن،‏ نجد أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين جمع كل هذه الأخطاء التي حدثت <strong>في</strong> كل<br />

الحروب <strong>في</strong> فترة قيادته السياسية <strong>للعراق</strong>،‏ فترة كلها أخطاء منذ البداية وحربه مع إيران وما بعدها<br />

اجتياحه للكويت ولم يستفد أو يتعلم شيئا ً مما حدث.‏ ومن المؤكد لولا الأساليب الأخرى مثل عقد<br />

الصفقات أو الخيانة،‏ لما نجحت الإدارة الأمريكية <strong>في</strong> تحقيق ما هدفت إليه وذلك لأن الاستراتيجية<br />

العسكرية الأمريكية اصطدمت بعقبات كبيرة والتي لا تسمح بالنجاح وحدها<br />

( ٣٥ ) .<br />

١٠<br />

لا شك <strong>في</strong> أن الحرب الإعلامية والنفسية التي شنتها أمريكا وحلفاؤها وخاصة إسرائيل<br />

كان له الأثر السلبي <strong>في</strong> مجمل المعركة <strong>في</strong> الجانب العراقي،‏ فالحرب الأمريكية على العراق كانت<br />

حرب إعلام ودعاية وتضليل تمت <strong>في</strong> أثناء عملية الاحتلال وبعدها.‏ وكما هو معروف إن أفضل طريقة<br />

للفوز بالحرب هي فصل الجيش عن شعبه لذا كان أول المواقع التي استهدفها القصف الأمريكي هي<br />

أجهزة الإرسال التلفزيوني وأجهزة الاتصالات.‏ فهذا الدور الإعلامي لا يقل أهمية بأي حال عن دور<br />

المجهود العسكري.‏ وأصبحت الصحافة أكبر قوة <strong>في</strong> الولايات المتحدة و<strong>في</strong> العالم الغربي،‏ وهي أقوى<br />

( ٣٤ )<br />

ايهاب فتحي:‏ الصفقة،‏ أسرار الاتفاق السري لتسليم بغداد دون قتال <strong>في</strong>:‏ آخر ساعة المصرية،‏<br />

٧ أيار القاهرة<br />

‎٢٠٠٣‎‏،ص<br />

.١٢<br />

.٢٧<br />

( ٣٥ )<br />

اللواء محمود خلف:‏ هذه هي أسباب سقوط بغداد <strong>في</strong>:‏ النور،‏ لندن العدد ١٤٤ أيار ٢٠٠٣ م،‏ ص<br />

١٣٢


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

من السلطة التشريعية والتن<strong>في</strong>ذية والقضائية،‏ ويسيطر اليهود الصهاينة <strong>في</strong> أمريكا على وسائل الإعلام<br />

فالمجلات الإخبارية الثلاث الكبرى التايم<br />

(Time)<br />

ونيوزوي ك<br />

(Newsweek)<br />

(U.S. News and World Report)<br />

وي واس ني وز ان د وورد ريب ورت<br />

والصحف الكبرى كنيويورك تايمز وواشنطن بوست وول<br />

ستريت جورنال يملكها اليهود،‏ ويهيمن اليهود الصهاينة على شبكات تلفاز أميركية<br />

NBC و CBS و<br />

( ٣٦ ) .<br />

ABC<br />

وكان هذا القطاع الإعلامي موظفا ً <strong>في</strong> معظمه لمصلحة الحرب الغاشمة ضد العراق وإقناع<br />

المقاومة العراقية سلفا ً بعجزها عن المواجهة والمقاومة ونشر الشائعات الكاذبة كشائعة هروب طارق<br />

عزيز واستسلام لواء عراقي مع فرقته.‏ و<strong>في</strong> سياق هذه الحرب الإعلامية أعلن شاحاك رئيس الأركان<br />

السابق <strong>في</strong> جيش الاحتلال الصهيوني بأن ‏"الأمريكيين كثفوا <strong>في</strong> هذه الحرب من استخدام أساليب الحرب<br />

النفسية أكثر مما حدث على مر التاريخ المعاصر كله ". وبدأت إسرائيل تروج لمحطة تلفزيونية<br />

أميركية باللغة العربية<br />

أيلول<br />

" الحرة "<br />

١<br />

لفتح جبهات جديدة <strong>في</strong> المنطقة ضد ‏(سورية وإيران)‏ ولمواجهة<br />

المحطات الإخبارية العربية.‏ ومن جملة الحرب الإعلامية قصف مكاتب قناتي الجزيرة وأبو ظبي<br />

الفضائيتين <strong>في</strong> أثناء الحرب،‏ وقصف مكتب وكالة رويتر للأنباء،‏ وقصف فندق فلسطين الذي كان يقيم<br />

<strong>في</strong>ه المراسلون الأجانب ومصرع عدد من الصح<strong>في</strong>ين.‏ ) ٣٧ (<br />

رابعا ً:‏ نتائج الاحتلال الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong>:‏<br />

<strong>في</strong> إطار ما سبق،‏ تظهر أهمية مناقشة تداعيات <strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>للعراق</strong> من جميع جوانبه،‏<br />

السياسية والاقتصادية،‏ انعكاساته على الأوضاع <strong>في</strong> العراق،‏ وذلك <strong>في</strong> ضوء الرؤية الاستراتيجية<br />

الأمريكية الواردة <strong>في</strong> نظرية بوش الأمنية،‏ باعتبار أن عملية غزو العراق هي أهم تطبيقاتها وأدق<br />

اختباراتها.‏<br />

نتائج <strong>الغزو</strong> السياسية:‏<br />

يتجلى الهدف الأمريكي السياسي من وراء غزو العراق بوضوح أكثر،‏ وهو تسوية أرض<br />

المنطقة العربية وتمهيدها دون مقاومة أو ممانعة تعاند واشنطن <strong>في</strong> مرحلة ما بعد الحادي عشر من<br />

٢٠٠١ وإيجاد<br />

‏"الشرق الأوسط الكبير"،‏ هدفه تطبيع إسرائيل <strong>في</strong> المنطقة بعد فشل مشروع الشرق<br />

( ٣٦ )<br />

دي<strong>في</strong>د ديوك:‏ الصحوة <strong>–</strong> النفوذ اليهودي <strong>في</strong> الولايات المتحدة،‏ ترجمة إبراهيم الشهابي دار الفكر،‏<br />

ط‎١‎‏،‏ <strong>دمشق</strong><br />

٢٠٠٢، ص‎١٦٢‎‏.‏<br />

( ٣٧ )<br />

مصطفى بدر:‏ الإعلام <strong>في</strong> الحرب على العراق <strong>في</strong>:‏ النور،‏ العدد ١٤٤ أيار ٢٠٠٣، ص‎١٠٠‎‏.‏<br />

١٣٣


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

أوسطية بمعارضة قوية من سورية والعراق وإيران.‏ وضرب العراق هو أولا ً تعبير عن السخط وفراغ<br />

الصبر من عدم خضوع المنطقة كليا ً للإرادة الأمريكية،‏ وثانيا ً حماية أمن إسرائيل ودعمها وتبرير<br />

سياساتها وتو<strong>في</strong>ر التغطية الدبلوماسية لكل ما تقوم به هو الوجه الآخر للمصالح القومية الأمريكية<br />

( ٣٨ ) .<br />

ولا شك <strong>في</strong> أن موقف العراق من القضية الفلسطينية كان داعما ً ومشرفا ً،‏ لذا كان الكيان الصهيوني<br />

أكبر محرض على حرب العراق.‏<br />

وباجتياح العراق واحتلال أرضه وإسقاط نظامه السياسي تكون أمريكا قد خطت خطوتها<br />

الحاسمة نحو تفكيك الكيان العراقي وحل الجيش والشرطة وإنهاء الدولة وإحداث فراغ سياسي <strong>في</strong>ه،‏<br />

وسماح قوات الاحتلال لعمليات السلب والنهب وإحراق الدوائر الحكومية والوزارات(ما عدا وزارة<br />

النفط)‏ والمتاحف والمكتبات والجامعات تعني شيئا ً واحدا ً هو مصادرة الدولة وتحطيم الكيان السياسي<br />

<strong>للعراق</strong> واستنزافه ومنعه من النهوض بدوره القومي وتدمير كل هياكل الدولة ‏(المؤسسات العلمية<br />

والثقا<strong>في</strong>ة).‏<br />

وتهدف الإدارة الأمريكية بمساعدة ‏(الموساد)‏ الإسرائيلي،‏ الذي أقام قواعد له <strong>في</strong> العراق.‏ أن<br />

تخلق حالة من التوجس والاحتقان بين <strong>في</strong>ٔات الشعب العراقي ودفعهم للاقتتال الداخلي وإشعال حرب<br />

طائ<strong>في</strong>ة بين العراقيين وتقسيمه إلى دويلات متنافرة ومتصارعة وغير قادرة على حماية نفسها وتعيش<br />

تحت الخطر المزعوم وهذا ما يجعلها دائما ً بحاجة لحماية أجنبية،‏ ومن ثم يصبح الاحتلال الأجنبي <strong>في</strong><br />

العراق ضرورة ومطلبا ً<br />

( ٣٩ ) .<br />

وبمناسبة مرور <strong>عام</strong> على الاحتلال أشارت تقديرات لمركز أبحاث مستقل إلى أن عدد المدنيين<br />

العراقيين الذين قضوا منذ الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق يتراوح بين<br />

/٨٤٠٠ و<br />

( ٤٠ )<br />

١٠٣٠٠ شخص .<br />

على أن الأمر الذي يخفف تداعيات <strong>الغزو</strong> الأمريكي السياسية على العراق جاء من الوقفة الرائعة<br />

للشعب العراقي ومن قدرة النخب والناشطين على تمثيل القواسم المشتركة بين <strong>في</strong>ٔات الناس،‏ <strong>في</strong> وعيهم<br />

بوطنهم ومصالحهم وعدم فقدان البوصلة <strong>في</strong> تحديد الأهداف ورفضهم الأمان للاحتلال ومطالبته<br />

بالرحيل،‏ والقيام بأعمال المقاومة الشاملة ضد المحتلين <strong>في</strong> بغداد والفلوجة والرمادي وغيرهم.‏<br />

( ٣٨ )<br />

خالد الحروب:‏ تداعيات <strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>للعراق</strong> على خريطة القوى بالمنطقة <strong>في</strong>:‏ شؤون عربية<br />

<strong>–</strong> القاهرة العدد ،٢٠٠٣ ،١١٣ ص .١٦<br />

عبد الإله بلقزيز:‏ المشروع الممتنع:‏ التفتيت <strong>في</strong> <strong>الغزو</strong>ة الكولونيالية <strong>للعراق</strong> <strong>في</strong>:‏ المستقبل العربي،‏<br />

العدد<br />

صحيفة تشرين السورية،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ العدد<br />

) ٨٨٨٣ ( ١١ آذار .٢٠٠٤<br />

٢٩١ أيار ٢٠٠٣، ص‎٢٥‎‏.‏<br />

( ٣٩ )<br />

( ٤٠ )<br />

١٣٤


‎٢‎<br />

مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

بعد<br />

ولا شك <strong>في</strong> أن مواجهة أمريكا للشعب العراقي نقلها إلى الموقف الأضعف،‏ ذلك لأن قوتها<br />

تتجلى عندما تكون المواجهة بينها وبين دولة وجيش نظامي،‏ أما عندما تواجهها الجماهير فهنا تكمن<br />

نقاط ضعف القوات المحتلة.‏<br />

وقد اعترف الجنرال دا<strong>في</strong>د ماكيرنان قائد القوات الأمريكية البرية <strong>في</strong> العراق بأن<br />

"<br />

"<br />

الحرب لم تنته<br />

وأن الأمريكيين حققوا نجاحا ً ضئيلا ً <strong>في</strong> مواجهتهم للمقاومة ويزداد شعور مخيف بأن المعركة<br />

الحقيقية إنما قد تكون بعد <strong>في</strong> بدايتها على حسب تعبير كاتب أمريكي <strong>في</strong> مجلة النيوزويك الأمريكية<br />

( ٤١<br />

) .<br />

النتائج الاقتصادية للحرب:‏<br />

تؤكد الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة على العراق أن ثمة برنامجا ً سياسي ًا<br />

واقتصاديا ً لدى اليمين المتطرف <strong>في</strong> الإدارة الأمريكية ولوبي الصناعة العسكرية،‏ والشركات الاحتكارية<br />

الكبرى أرادوا تن<strong>في</strong>ذها،‏ وبدأ باحتلال العراق والسيطرة على نفطه وتأمين منابعه وخطوط نقله وإمداداته.‏<br />

وكل ما يقال عن نشر<br />

"<br />

الحرية والديمقراطية<br />

"<br />

يفتقر إلى دليل حقيقي تظهره الممارسات اليومية لقوات<br />

الاحتلال الأمريكية <strong>في</strong> العراق،‏ إذ استولت هذه القوات على جميع آبار النفط من أم قصر والفاو<br />

والبصرة جنوبا ً حتى كركوك والموصل شمالا ً،‏ وأمنت حراستها حراسة جيدة.‏ كما سمحت بأعمال<br />

النهب والسرقة <strong>في</strong> كل الوزارات والمنشآت الحكومية <strong>في</strong> العاصمة بغداد ما عدا وزارة النفط التي<br />

وضعت عليها حراسة مشددة منذ اليوم الأول للاحتلال،‏ ودخل وزارة النفط العراقية <strong>في</strong> بغداد بحراسة<br />

الجنود الأمريكيين غراي فوغلر(‏Vogler (Gray المدير السابق لشرطة نفط اكسون<br />

(EXXON)<br />

وصعد إلى الطابق الثالث وجلس على مكتب وزير النفط العراقي السابق <strong>عام</strong>ر محمد رشيد،‏ وأخذ يفتش<br />

وثائق وزارة النفط العراقية،‏ وهو الآن المسؤول عن هذه الوزارة،‏ وعلى عكس حرب الخليج الثانية<br />

<strong>عام</strong> ١٩٩١ بقيت منشآت النفط العراقية <strong>في</strong> حرب ٢٠٠٣ سليمة.‏ وينوي الأمريكيون أن يوجهوا ضربة<br />

قوية لمنظمة أوبيك بأن يرفعوا سقف إنتاج النفط العراقي مستقبلا ً بعد الإصلاحات <strong>في</strong> منشآته إلى<br />

ملايين برميل نفط يوميا ً،‏ هذا الحلم قد راود السياسيين وأصحاب شركات النفط منذ أزمة النفط<br />

٦<br />

١٩٧٣<br />

<strong>في</strong> أعقاب حرب تشرين،‏ بأن يكسروا تحكم أوبيك بالأسعار وأن يباع النفط <strong>في</strong> السوق الحرة وفق قانون<br />

ص<br />

( ٤١ )<br />

سكوت جونسون:‏ الحلف غير المقدس،‏ نيوزويك،‏ الطبعة العربية العدد ‎١٥٧‎‏،حزيران ٢٠٠٣،<br />

.١٧<br />

١٣٥


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

العرض والطلب،‏ ولن تسمح الإدارة لأمريكية لمنظمة أوبيك باستبدال دولارها باليورو الأوروبي،‏ وهي<br />

لن تتوانى عن نسف هذه المنظمة من جذورها إذا اقتضى الموقف ذلك<br />

( ٤٢ ) .<br />

ومما لا شك <strong>في</strong>ه أن معظم ما تم تدميره <strong>في</strong> العراق لم يكن بسبب عسكري استراتيجي بل بهدف<br />

اقتصادي بحت وهو إعادة اعماره وتتسابق كبرى الشركات الأمريكية للحصول على عقود إعادة<br />

المرافق المهمة <strong>في</strong> العراق وإدارتها.‏ وإن أرباحا ً فلكية تحققت وذهبت إلى خزائن من يعرفون بأثرياء<br />

الحروب و<strong>في</strong> مقدمتهم الرئيس جورج بوش شخصيا ً إذ إنه كان مديرا ً لشركة نفط سابقا ً،‏ وإلى شركات<br />

لوبي المجمع الصناعي العسكري وعلى رأسها شركات لوكهيد مارتن.‏ ونائب الرئيس الأمريكي ديك<br />

تشيني كان رئيسا ً لمجلس إدارة شركة هالبيرتون للخدمات النفطية من <strong>عام</strong> ١٩٩١ حتى <strong>عام</strong><br />

،٢٠٠٠<br />

<strong>في</strong> حين كانت مستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس تشغل منصب ًا إداريا ً ر<strong>في</strong>عا ً <strong>في</strong> شركة شيفرون<br />

النفطية لمدة ٩ سنوات،‏ وإن وزير الدفاع دونالد رامس<strong>في</strong>لد شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة<br />

جنرال انسترومنت وقبلها مجموعة شركات بكتل.‏ وقد أناطت إدارة بوش بالوكالة الأمريكية للتنمية<br />

الدولية مسؤولية إعمار العراق بعد احتلاله.‏ وبدأت معركة العقود أو ‏(معارك البيزنس)‏ وانكشف الأمر<br />

المستور عن حقيقته باحتكار مجموعتي هالبيرتون وبكتل لعملية إعادة الاعمار،‏ فقد حصلت مجموعة<br />

هالبيرتون على عقود تصل إلى ٧ مليارات دولار خلال ال<strong>عام</strong>ين الحالي والقادم،‏ أبرزها عقود مبرمة<br />

مع شركات كيلوغ براون اندروت التي كان تشيني مديرها التن<strong>في</strong>ذي،‏ وتصل قيمتها قبل اندلاع الحرب<br />

مع سلاح الهندسة بقيمة ٧٥٠ مليون دولار لإصلاح آبار النفط وتشغيلها،‏ وأبرمت عقود مع وزارة<br />

الدفاع بنحو ٤٥٠ مليون دولار لتقديم خدمات إمداد الجيش وتموينه <strong>في</strong> أثناء الحرب.‏ أما المجموعة<br />

الثانية هي شركات بكتل ومديرها الحالي جورج شولتز ‏(وزير خارجية <strong>في</strong> عهد ريغان)‏ وله علاقات<br />

وثيقة مع رامس<strong>في</strong>لد حصلت على عقود لاعادة البناء والبنى التحتية وإنشاء محطات كهرباء ومياه وطرق<br />

بقيمة ٦٨٠ مليون دولار<br />

( ٤٣ ) .<br />

أما العقود الأخرى ستعطى للدول الحليفة كبريطانيا وإسرائيل وأسبانيا واستراليا،‏ ثم الشركات من<br />

الجنسيات الأخرى على حسب مواقفها من الحرب.‏<br />

ولا يقتصر الضرر الاقتصادي الذي حل بالعراق على النفط فقط وإنما على الديون هذه المشكلة<br />

كبيرة إذ إن احتياطات القطع الأجنبي العراقي قد نفدت بفعل توالي الحروب والعقوبات الدولية.‏ وكان<br />

( ٤٢ )<br />

انظر مجلة دير شبيغل الألمانية<br />

٤٥، العدد<br />

( ٤٣ )<br />

عبد الناصر ناصر:‏ دوافع شركات الإدارة الأمريكية وراء احتلال العراق <strong>في</strong>:‏ أبيض وأسود،‏<br />

‎٢٠٠٣-٦-١٦‎‏،ص<br />

.٢٠<br />

١٣٦


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

إجمالي الديون على العراق <strong>في</strong> نهاية <strong>عام</strong> ١٩٩٠ يقف عند حد ١,٤٨ مليار دولار وأصبح <strong>في</strong> نهاية<br />

/١٨٠ / ٢٠٠٢<br />

مليار دولار،‏ وما يزيد على ثلث هذا الدين هو ديون مستحقة لدول الخليج العربي،‏<br />

و<strong>في</strong> المقدمة الكويت والسعودية،‏ ثم بعد ذلك روسيا ولها ٨ مليارات دولار تراكمت جميعها قبل <strong>عام</strong><br />

١٩٩١. ويعاني العراق من ورطة الديون التي قد تنقضي أعمار أجيال من أبناء العراق دون أن يقدر<br />

العراقيون على أن يروا شيئا ً من ثروة بلادهم،‏ وهو ما يعني أن أمريكا وبريطانيا وحدهما المست<strong>في</strong>دتان<br />

من النفط المتدفق إلى الخارج<br />

( ٤٤ )<br />

.<br />

والقراءة السريعة لقرار مجلس الأمن رقم<br />

(١٤٨٣)<br />

تاريخ<br />

<strong>–</strong> ٥ <strong>–</strong> ٢٢<br />

٢٠٠٣ حول رفع<br />

العقوبات الاقتصادية عن العراق يتبين لنا السيطرة الأمريكية على ثروة العراق النفطية واحتكار عملية<br />

إعادة الاعمار.‏ ولم ينص القرار على تحديد مدة لإنهاء الاحتلال الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong>.‏ وعلى<br />

المدى المنظور سيبقى الشعب العراقي يعاني من تداعيات الحرب أكثر من الماضي إذ لا دولة ولا أمن،‏<br />

ولا مقومات للحياة الاجتماعية والمعيشية مع ازدياد البطالة بعد حل الجيش والشرطة وتسريح ال<strong>عام</strong>لين<br />

<strong>في</strong>هما ‏(حوالي ٤٠٠ ألف شخص)،‏ وتوقف مسار الحياة الاقتصادية.‏<br />

٣ النتائج الثقا<strong>في</strong>ة للاحتلال الأمريكي <strong>للعراق</strong>:‏<br />

يستدعي سقوط بغداد الثاني <strong>في</strong> يد المحتلين الأمريكيين <strong>عام</strong> ٢٠٠٣، من الذاكرة،‏ استرجاع سقوط<br />

بغداد الأول على يد جيش المغول <strong>عام</strong> ١٢٥٨ م بقيادة هولاكو الذي دمر المدينة العظيمة،‏ وأعمل القتل<br />

<strong>في</strong> سكانها،‏ وانتقم من عاصمة الحضارة <strong>–</strong> عاصمة الرشيد <strong>–</strong> و<strong>في</strong>ها مكتبة بيت الحكمة،‏ وألقى كتبها <strong>في</strong><br />

نهر دجلة الذي بقيت مياهه لأيام عدة مصطبغة بلون الحبر لكثرة ما ألقي <strong>في</strong>ه من كتب.‏ و<strong>في</strong> أعقاب<br />

احتلال بغداد نهبت المتاحف التاريخية الأثرية وسرقت الوثائق والمخطوطات داخل متاحف بغداد<br />

ناهبين ومحطمين القطع الأثرية،‏ والجنود الأمريكيون يتفرجون على ما يجري وكأنه لا يخصهم،‏ لقد<br />

كان المتحف القومي العراقي <strong>في</strong> بغداد ضحية هجوم مخطط بعناية فاللصوص الذين أخذوا معظم الآثار<br />

القيمة جاؤوا مستعدين بتجهيزات لرفع أثقل الأشياء،‏ ولم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية حين جردت<br />

المتاحف الأوروبية بصورة منظمة أن ارتكبت جريمة كهذه.‏ لقد كانت جريمة منظمة لأن الأمريكيين<br />

يعرفون قيمة المتاحف وقيمة الجامعات وقيمة مكتباتها ومخابرها.‏ وكان البروفسور جيبسون من <strong>جامعة</strong><br />

( ٤٤ )<br />

جوزيف بردو:‏ العراق الجديد،‏ عرض كامل يوسف <strong>في</strong>:‏ الاتجاه الآخر،‏ العدد ٧-٦- ١٢٠،<br />

،٢٠٠٣ ص .٨٥<br />

١٣٧


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

شيكاغو ضمن مجموعة التقت مسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية ‏(البنتاغون)‏ عدة مرات وقدمت لهم<br />

قائمة بالمواقع الأثرية التي يتعين حمايتها وخاصة المتحف القومي العراقي <strong>في</strong> بغداد<br />

( ٤٥ )<br />

.<br />

وقد ن ُهب المتحف وسرق ١٧٠ ألف قطعة من معروضات الآثار التي تعود إلى آلاف السنوات<br />

منها آنية زهور من المرمر يعود تاريخها إلى ٣٥٠٠ <strong>عام</strong> ق.‏ م.‏ وتقدر قيمة هذه الآثار ببلايين<br />

الدولارات.‏ كذلك سرقت قطع ذهبية ولوحات ومخطوطات نادرة.‏ كما ن ُهبت <strong>جامعة</strong> الموصل ومتحف<br />

الموصل و<strong>جامعة</strong> البصرة،‏ وغير ذلك من المراكز الثقا<strong>في</strong>ة والعلمية العراقية.‏ وتشير هذه الحملة المنظمة<br />

إلى نيات خطيرة لدى قوات الاحتلال،‏ تتمثل بتدمير الهوية الثقا<strong>في</strong>ة لبلد له تاريخ حضاري يزيد على<br />

خمسة آلاف <strong>عام</strong>،‏ فالعراق قدم للعالم الكتابة السومرية قبل الميلاد بثلاثة آلاف <strong>عام</strong>،‏ وقدم للإنسانية أولى<br />

الملاحم ‏(ملحمة جلجامش)،‏ وتشريعات حمورابي القانونية،‏ و<strong>في</strong> بابل بنيت إحدى عجائب الدنيا السبع<br />

‏(حدائق بابل المعلقة)،‏ و<strong>في</strong> العصر العباسي أُسست أعظم مكتبة علمية <strong>في</strong> التاريخ بعد مكتبة الإسكندرية<br />

وهي بيت الحكمة أيام الخليفة المأمون<br />

( ٤٦ ) .<br />

وتتجه أصابع الاتهام إلى المجلس الأمريكي للسياسة الثقا<strong>في</strong>ة ،(ACCP) وهو مؤسسة تضم <strong>في</strong><br />

صفوفها مجموعة من جامعي القطع الأثرية والفنية ورجال القانون وبائعي التحف الفنية.‏ بسبب تشجيعها<br />

على سرقة الإرث الثقا<strong>في</strong> العراقي.‏ وقد بدأت القطع الأثرية المسروقة واللوحات الفنية تصل إلى أوروبا<br />

وأمريكا وتجاوزت حدود الشرق الأوسط لتباع <strong>في</strong> لندن ونيويورك.‏ وكان لعمليات النهب والسرقة التي<br />

تعرضت لها مدن العراق تأثيرات كبيرة <strong>في</strong> الأوساط الثقا<strong>في</strong>ة العالمية ومنها استقالة ثلاثة أعضاء من<br />

اللجنة الاستشارية للممتلكات الثقا<strong>في</strong>ة <strong>في</strong> البيت الأبيض الأمريكي وعلى رأسهم رئيس اللجنة ‏(مايكل<br />

سوليفان)‏ احتجاجا ً على ما حصل <strong>في</strong> العراق.‏ وقد ذكر سوليفان <strong>في</strong> خطاب استقالته أنه يترتب على<br />

الرئيس بوش التزام الأخلاقي لمنع أعمال النهب والسلب والتدمير،‏ ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية لاهاي<br />

قضت بحماية التراث الإنساني لكن أمريكا وبريطانيا لم توقعا عليها.‏ ) ٤٧ (<br />

ولم تقتصر النتائج الثقا<strong>في</strong>ة للغزو الأمريكي على العراق على الكنوز التاريخية فحسب بل امتد<br />

إلى طبقة المثق<strong>في</strong>ن من العلماء العراقيين إذ إن ١٨ ألف عالم ومهندس وطبيب مطلوبون <strong>في</strong> قوائم الإدارة<br />

( ٤٥ )<br />

آن تالبوت:‏ الحكومة الأمريكية متورطة <strong>في</strong> سرقة مدبرة للكنوز الفنية العراقية <strong>في</strong>:‏ المستقبل<br />

العربي،‏ العدد<br />

،٢٩١ أيار ،٢٠٠٣ ص . ٨٥<br />

( ٤٦ )<br />

عادل فريجات:‏ تدمير الهوية الثقا<strong>في</strong>ة <strong>للعراق</strong> <strong>في</strong>:‏ صحيفة تشرين،‏ العدد ٨٦٠٦،<br />

- ٤<strong>–</strong> ٢٠<br />

٢٠٠٣ م،ص<br />

( ٤٧ )<br />

صحيفة تشرين السورية،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ <strong>–</strong> ١٩ ٤ <strong>–</strong> .٢٠٠٣<br />

.٨<br />

١٣٨


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

الأمريكية بتهمة مشاركتهم <strong>في</strong> صناعة العلم العراقية،‏ و‎٣٥٠٠‎ مطلوب استجوابهم بشأن مشاركتهم <strong>في</strong><br />

صناعة التسليح العراقية،‏ و ٥٠٠ مطلوب رأسهم لمعرفتهم خبايا برامج أسلحة الدمار الشامل المزعومة<br />

<strong>في</strong> العراق.‏ والمطلوب تفريغ العراق من علمائه قبل أن يبتعد عن دوامة التخلف،‏ فالعراق كغيره من<br />

الدول النامية ممنوع أن يتجاوز الخط الأحمر للإفلات من عجلة التخلف.‏ وقد حقق العراق إنجازات<br />

كبيرة على صعيد ال<strong>بحث</strong> العلمي وإيفاد الشباب العراقيين لجامعات الغرب للحصول على الخبرات التي<br />

يمكن استثمارها <strong>في</strong> التصنيع والتكنولوجيا وقد أفرز ذلك نخبة من العلماء تخصص بعضهم <strong>في</strong><br />

اختصاصات علمية نادرة.‏ وبعد انتهاء الحرب الباردة تنبهت جامعات الغرب ومنعت طلاب البعثات<br />

باختصاصات نادرة كال<strong>في</strong>زياء النووية والكيمياء وعلوم الحياة حتى بعض مجالات الطب والهندسة،‏<br />

وخلال سنوات<br />

<strong>–</strong> ١٩٩٠<br />

١٩٩٩ تمكن رغم المنع <strong>في</strong> <strong>جامعة</strong> جورجيا ١١٢ عراقيا ً من نيل شهادة<br />

دكتوراه <strong>في</strong> العلوم والهندسة.‏ وكانت الولايات المتحدة قد فتحت أبوابها للعلماء العراقيين كلاجئين<br />

سياسيين منذ <strong>عام</strong> ١٩٩١، ولكن لم يخرج من علماء العراق إلا القليل.‏ وعمليا ً بعد هروب خضر حمزة<br />

الدكتور <strong>في</strong> ال<strong>في</strong>زياء النووية <strong>عام</strong> ١٩٩٤ لم يهرب أي عالم من العراق فبقي العلماء العراقيون غصة <strong>في</strong><br />

الحلق الأمريكي،‏ ولم تستطع استقطابهم.‏ و<strong>في</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٢ أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون<br />

هجرة العلماء العراقيين وإعطاء ٥٠٠ عالم عراقي<br />

(Green Card)<br />

مقابل أن ‏"يتعاونوا تعاونا ً كاملا ً مع<br />

( ٤٨ )<br />

كل ما تطلبه حكومة الولايات المتحدة وبكل إخلاص وصدق وبشكل غير محدود"‏ .<br />

ولم يستجب العلماء العراقيون لهذه الاغراءات لذا لم يبق أمام الولايات المتحدة سوى تص<strong>في</strong>تهم.‏<br />

ويؤكد هذا جنرال فرنسي متقاعد من معلومات مؤكدة لديه أن قوات كوماندوز صهيونية تضم<br />

عنصرا ً دخلت الأراضي العراقية بالفعل تن<strong>في</strong>ذا ً لخطة اغتيال الكفايات العراقية تضم قائمة ب<br />

١٥٠<br />

٢٠٠٠<br />

عالم من أمثال العالمة العراقية رحاب طه وعبد الناصر هنداوي وحازم علي ومهدي عبيد وجعفر<br />

ضياء وسعد خضر وفايز بيرقدار وغيرهم الكثيرون.‏ وبذلك تتكرر مع العرب وأمام صمت دولي<br />

مريب مأساة ضرب مفاعل تموز العراقي <strong>في</strong> <strong>عام</strong> ١٩٨١ واغتيال العالم يحيى المشد المصري <strong>في</strong><br />

باريس.‏<br />

٤ النتائج على صعيد البيئة:‏<br />

تعد البيئة من أكثر القطاعات تأثرا ً بالحروب،‏ وعانى العراق من كوارث بيئية بتأثير الحروب<br />

المتوالية <strong>في</strong> هذه المنطقة بدءا ً من الحرب العراقية <strong>–</strong> الإيرانية ومرورا ً بحرب الخليج الثانية وانتهاءً‏<br />

ب<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣، فقد تم إلقاء ٢٥ ألف صاروخ هذا فضلا ً عن آلاف الأطنان<br />

( ٤٨ )<br />

مجلة أبيض وأسود:‏ العلماء العراقيون،‏ العدد ٢٨-٤-٢٠٠٣ ٣٩،<br />

١٣٩


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

من متفجرات القنابل،‏ هذه الأسلحة ضربت كل أنواع الحياة داخل العراق وأثرت <strong>في</strong> البيئة من حيوان<br />

ونبات وتربة ومياه و كان تأثير هذه الكارثة البيئية فادحا ً إلا أن آثارها سوف تمتد لعشرات السنوات.‏<br />

<strong>في</strong> حرب الخليج الثانية ١٩٩١ وصل عدد الآبار المحترقة <strong>في</strong> حقول الرميلة بالكويت إلى<br />

٧٤١<br />

بئرا ً،‏ وإن ناتج حريق النفط الذي يسمى بالزخام الأسود إذ تتشبع به الأمطار التي تصل إلى التربة<br />

والمياه الجو<strong>في</strong>ة وتتأثر به النباتات والحشرات والحيوانات.‏ وقد وصلت آثار حريق آبار النفط الكويتية<br />

إلى جبال الهميلايا <strong>في</strong> الهند.‏ وتسببت <strong>في</strong> نفوق أعداد كبيرة من الأغنام والجمال <strong>في</strong> منطقة الخليج كلها.‏<br />

إن تدمير المنشآت الاقتصادية <strong>في</strong> العراق ستكون له أبعاد طويلة الأمد مثل<br />

قصف مصانع البتروكيماويات،‏ فضلا ً عن تدمير البنى التحية مثل محطات المياه<br />

والكهرباء،‏ واضطر بعدها العراقيون إلى شرب مياه الأنهار الملوثة.‏ وأدت الحرب إلى<br />

التأثير <strong>في</strong> الثروة النباتية <strong>في</strong> شمال العراق وهذه المنطقة تتميز بأشجار الاستبس،‏<br />

وأدت إلى اختفاء الحيوانات الثديية كالذئاب وكذلك اندثار النباتات الطبية <strong>في</strong> المناطق<br />

المجاورة لإيران،‏ وتدمير ملايين أشجار النخيل بسبب استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ً<br />

كاليورانيوم المخصب.‏<br />

وأكد تقرير الاتحاد العربي للشباب والبيئة الذي أرسل إلى الأمم المتحدة وجود الانتهاكات البيئية<br />

التي سببها <strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>للعراق</strong> إذ ارتفعت نسبة أكسيد الكربون والنتروجين <strong>في</strong> الجو بتأثير القنابل<br />

والصواريخ،‏ وحذر من خطورتها على صحة الشعب العراقي.‏ وأكد التقرير أن العدوان الأمريكي على<br />

العراق هو حرب ضد بيئة ومن المعروف أن الولايات المتحدة رفضت التوقيع على بروتوكول<br />

‏(كيوتيد)‏ واتفاقية تغير المناخ وهي أكثر دول العالم ملوثة للبيئة<br />

خاتمة:‏<br />

( ٤٩ ) .<br />

عرض هذا ال<strong>بحث</strong> <strong>–</strong> بشيء من التفصيل <strong>–</strong> النتائج الأولية التي وصلت إلينا بعد مرور ال<strong>عام</strong><br />

الأول على <strong>الغزو</strong> الأنكلو <strong>–</strong> أمريكي <strong>للعراق</strong>.‏ وهذا ال<strong>بحث</strong> ما هو إلا مقدمة لأبحاث تاريخية لاحقة<br />

تنتظر ظهور معلومات جديدة عن خل<strong>في</strong>ات الحرب على العراق وأسرارها وصفقاتها الخ<strong>في</strong>ة وتطرق<br />

ال<strong>بحث</strong> إلى مقدمات العدوان وأهدافه المعلنة والخ<strong>في</strong>ة،‏ وأجاب وفق المعطيات الحالية عن لغز الانهيار<br />

ص<br />

( ٤٩ )<br />

ممدوح رياض:‏ كارثة تهدد العراق <strong>في</strong>:‏ روز اليوسف،‏ العدد ٢٦، القاهرة <strong>–</strong> ٢٦ ٤ <strong>–</strong> ٢٠٠٣،<br />

.٣٨<br />

١٤٠


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

السريع <strong>في</strong> العراق،‏ وإلى التداعيات السياسية والاقتصادية والثقا<strong>في</strong>ة والبيئية التي جرتها الحرب الكارثة<br />

على الشعب العراقي خاصة وعلى المنطقة العربية <strong>عام</strong>ة.‏ والمهم هو التشديد على ضرورة مواجهة<br />

النتائج والتحديات الراهنة وما تتطلبه من مقاومة وتشكيل أوسع الجبهات محليا ً وعربيا ً وعالميا ً لكسر<br />

الهجمة التي يتعرض لها وطننا العربي.‏<br />

١٤١


<strong>الغزو</strong> الأمريكي <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong> <strong>للعراق</strong> <strong>عام</strong> ٢٠٠٣ م <strong>بحث</strong> <strong>في</strong> الأسباب والنتائج<br />

١<br />

المصادر والمراجع<br />

المصادر والمراجع باللغة العربية:‏<br />

ابراهام دده يان:‏ المستهدف ليس العراق وحده،‏ <strong>في</strong>:‏ الس<strong>في</strong>ر اللبنانية،‏ بيروت،‏ ٢/ / ٢٤<br />

.٢٠٠٣<br />

٢ انتوني كوردسمان:‏ " الدروس الفورية لحرب العراق،‏ <strong>في</strong>:‏ مجلة المستقبل<br />

العربي،‏ لندن،‏ العدد<br />

٣ آن تالبوت:‏ الحكومة الأمريكية متورطة <strong>في</strong> سرقة مدبرة للكنوز الفنية العراقية،‏<br />

<strong>في</strong>:‏ المستقبل العربي،‏ العدد<br />

ايهاب فتحي:‏ الصفقة،‏ أسرار الاتفاق السري لتسليم بغداد دون قتال،‏ <strong>في</strong>:‏ آخر<br />

ساعة،‏ المصرية،‏ القاهرة،‏<br />

٥ بشار محمود أيوب:‏ ندوة المؤسسة العسكرية <strong>في</strong> العراق وآفاق المستقبل،‏ <strong>في</strong>:‏<br />

قناة الجزيرة الفضائية بإدارة محمد كريشان،‏<br />

بشير عبد الفتاح:‏ الجيش العراقي والوضع السياسي <strong>في</strong> عراق ما بعد الحرب،‏<br />

<strong>في</strong>:‏ السياسة الدولية،‏ القاهرة،‏ العدد<br />

دي<strong>في</strong>د ديوك:‏ الصحوة <strong>–</strong> النفوذ اليهودي <strong>في</strong> الولايات المتحدة،‏ ترجمة إبراهيم<br />

الشهابي،‏ دار الفكر <strong>–</strong> <strong>دمشق</strong>،‏ الطبعة الأولى،‏ <strong>دمشق</strong><br />

٨ سمير خليل:‏ جمهورية الخوف،‏ عراق صدام،‏ القاهرة<br />

سمير صارم:‏ انه النفط يا الأبعاد النفطية <strong>في</strong> الحرب الأمريكية على<br />

العراق،‏ دار الفكر<br />

شريف بسيوني:‏ الحرب الأمريكية <strong>في</strong> العراق،‏ مشروعية استخدام القوة <strong>في</strong>:‏<br />

السياسة الدولية،‏ القاهرة،‏ العدد كانون ثاني<br />

١١ صبحي ناظم تو<strong>في</strong>ق:‏ المؤسسة العسكرية <strong>في</strong> العراق،‏<br />

١٢ عبد الإله بلقزيز:‏ المشروع الممتنع،‏ التفتيت <strong>في</strong> <strong>الغزو</strong>ة الكولونيالية <strong>للعراق</strong>،‏<br />

<strong>في</strong>:‏ المستقبل العربي،‏ العدد<br />

١٣ مجموعة باحثين:‏ المفصل <strong>في</strong> تاريخ العراق المعاصر،‏ دار الحكمة،‏ بغداد<br />

١٤ مجموعة باحثين:‏ <strong>الغزو</strong> العراقي للكويت،‏ سلسلة عالم المعرفة،‏ العدد<br />

الكويت آذار<br />

.٢٠٠٢/<br />

،(١٩٥)<br />

.٢٠٠٣ / ٥ / ٦<br />

.٢٠٠٢ /<br />

.١٩٩١ /<br />

.٢٠٠٣ /<br />

.٢٠٠٣/٥/٦<br />

"<br />

(٢٩٢)، حزيران /٢٠٠٣ م.‏<br />

،٢٩١ أيار .٢٠٠٣/<br />

٧ ‏/أيار/‏ .٢٠٠٣<br />

،١٥٢ نيسان .٢٠٠٣/<br />

(…)<br />

<strong>–</strong> <strong>دمشق</strong> / .٢٠٠٣<br />

( ١٥١ )<br />

،(٢٩١) أيار / .٢٠٠٣<br />

.١٩٩٥/<br />

٤<br />

٦<br />

٧<br />

٩<br />

١٠<br />

١٤٢


مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> <strong>–</strong> المجلد ٢٠- العدد (٣+٤) ٢٠٠٤<br />

محمد أحمد<br />

١٥<br />

محمد أحمد النابلسي:‏ الحرب النفسية <strong>في</strong> العراق،‏ مركز الدراسات النفسية،‏<br />

طرابلس،‏ لبنان<br />

محمد الهزاط:‏ الحرب الأمريكية <strong>–</strong> <strong>البريطاني</strong>ة على العراق والشرعية الدولية،‏ <strong>في</strong>:‏<br />

المستقبل العربي،‏ مركز الدراسات العربية،‏ لندن،‏ العدد<br />

محمد حسن العيدروس:‏ دراسات <strong>في</strong> الخليج العربي،‏ الجزء الثالث،‏ دار الكتاب<br />

الحديث،‏ الكويت<br />

١٨ محمود خلف:‏ هذه هي أسباب سقوط بغداد،‏ <strong>في</strong>:‏ النور،‏ ندوة العدد<br />

،(١٤٤)<br />

،(٢٩٢) حزيران .٢٠٠٣/<br />

.٢٠٠٣ /<br />

.٢٠٠٠ /<br />

أيار/‏ ٢٠٠٣.<br />

١٦<br />

١٧<br />

١٩<br />

مسعود ضاهر:‏ الحملة العسكرية على العراق،‏ <strong>في</strong>:‏ تاريخ العرب والعالم،‏ العدد<br />

- لندن،‏<br />

،(٢٠٣) أيار / .٢٠٠٣<br />

٢٠<br />

مسلم شلتوت:‏ آليات الحرب الإلكترونية،‏ <strong>في</strong>:‏ المجلة<br />

العدد<br />

مصطفى بدر:‏ الإعلام <strong>في</strong> الحرب على العراق،‏ <strong>في</strong>:‏ النور،‏ العدد<br />

أيار<br />

ميشيل راتنر:‏ ضد الحرب <strong>في</strong> العراق،‏ ترجمة إبراهيم الشهابي،‏ <strong>دمشق</strong>،‏ دار<br />

الفكر،‏ الطبعة الأولى /٢٠٠٣.<br />

٢٣ نعوم تشومسكي:‏ الحرب الأمريكية على العراق،‏ ترجمة ناصر يونس،‏ <strong>دمشق</strong>،‏<br />

دار الفكر،‏ الطبعة الأولى<br />

المراجع باللغة الألمانية:‏<br />

،( ١٤٤)<br />

١- Der Spiegel Nr. (١٩١), ٢٠٠٣, ٠٥,٠٥,٢٠٠٣.<br />

.٢٠٠٣ /<br />

.٢٠٠٣/ ،(١٢١٦ )<br />

. ٢- Siegwart Gunther:Vor dem dritten Golfkrieg, Berlin, ١٩٩٨.<br />

.٢٠٠٣/<br />

٢١<br />

٢٢<br />

تاريخ ورود ال<strong>بحث</strong> إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />

.٢٠٠٣/٦/٢١<br />

١٤٣

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!