تحوّلات الخطاب الأنثوي في الرواية النسوية في سورية - جامعة دمشق
تحوّلات الخطاب الأنثوي في الرواية النسوية في سورية - جامعة دمشق
تحوّلات الخطاب الأنثوي في الرواية النسوية في سورية - جامعة دمشق
- TAGS
- dahsha.com
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong><br />
<strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
الملخص<br />
*<br />
الدكتورة عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
يتناول البحث تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong>، وبخاصة<br />
من حيث صلتها بالرجل والمجتمع والعادات والتقاليد ، وقد بين البحث أن نضال<br />
المرأة على صعيد <strong>الرواية</strong> قد مر <strong>في</strong> ثلاث مراحل متعاقبة تبعا ً للمعطيات التي مرت<br />
بها البلاد منذ الخمسينات من القرن العشرين إلى اليوم، ونتيجة للإقبال المتزايد نسويا ً<br />
على كتابة هذا الجنس الأدبي. وتتلخص هذه المراحل والتحولات بما يلي:<br />
1- مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي التقليدي: وقد تجل ّت المطالب الأنثوية <strong>في</strong>ها بما كانت<br />
تسمح به العادات والتقاليد ضمن المجتمع الذكوري الصرف، فكانت المطالبة عادية<br />
ويسيرة ظاهريا ً، ولكنها ت ُفعل من خلال تقبل المجتمع للخطاب الأنثوي من جهة،<br />
وللإصلاحات التي نادى بها هذا <strong>الخطاب</strong> من جهة أخرى.<br />
2-مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الرومانسي التمردي: وتجلت <strong>في</strong>ها المطالبة الأنثوية<br />
بخرق العادات والتقاليد والقوانين الاجتماعية الضاغطة على المرأة، كما تتجلى <strong>في</strong>ها<br />
بعض الملامح الرافضة لفوقية الذكر ودونية الأنثى، ولكن <strong>الخطاب</strong> ظل بعيدا ً بعض<br />
الشيء عن الفاعلية الحقيقية للظروف الاجتماعية المعهودة، ولكن أثره كان <strong>في</strong> أنه<br />
تمهيد حقيقي لمرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> الجديدة.<br />
3- مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد: وتجلت <strong>في</strong>ها المطالبة الأنثوية بتعرية<br />
العلاقات الزائفة بين الذكر والأنثى، وتعرية الفساد الذي يهيمن على الطبقة<br />
البورجوازية، وتعرية فساد السلطة الذكورية الطاغية ، بما <strong>في</strong>ها سلطة المثقف<br />
الذكوري.<br />
*<br />
قسم اللغة العربية- كلية الآداب- <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />
15
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
<strong>الخطاب</strong><br />
1<br />
-لغة- مراجعة الكلام . أما <strong>الخطاب</strong> الأدبي <strong>في</strong> النقد المعاصر فهو<br />
مختلف باختلاف النصوص الإبداعية، ولكن كلمة "خطاب<br />
(discourse)<br />
تستقي<br />
مشروعيتها من طبيعة تصور المادة التي تعالجها والسياق الذي تندرج <strong>في</strong>ه، لأن<br />
<strong>الخطاب</strong> البلاغي <strong>في</strong> ذاته يتجه إلى أن يكتب طبيعة كلية شاملة تتجاوز الصبغة<br />
الجزئية التي غلبت عليه حين يقف عند حدود الكلمة والحالة المفردة، ويحاول تحليلها<br />
2<br />
بشكل مباشر مبتسر لا ينطلق من منظور شامل… والأدب خطاب نصب كلي .<br />
وبما أن الأدب خطاب نصي كلي، وبما أن الأنثى قد أسهمت <strong>في</strong> رسم صورتها<br />
وعلاقاتها بالرجل <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong>، فإننا سنتوقف <strong>في</strong> هذا البحث عند<br />
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> هذه <strong>الرواية</strong>.<br />
مر <strong>الخطاب</strong> النسوي بمراحل مختلفة ومتداخلة حت ّى صار على ما نراه عليه<br />
اليوم من جرأة <strong>في</strong> الطرح للمشكلات الأنثوية التي تعانيها الأنثى <strong>في</strong> المجتمع العربي<br />
<strong>في</strong> <strong>سورية</strong>، وبخاصة <strong>في</strong> صلتها بالرجل والمجتمع والعادات والتقاليد. ولا شك <strong>في</strong> أن<br />
نضال المرأة للوصول إلى أبسط حقوقها بعد أن وعت ذاتها والعالم الذي يحيط بها ذو<br />
تاريخ طويل، فقد كان هذا النضال <strong>في</strong> بداياته ينطلق من اللا ّمساواة بين الجنسين<br />
للوصول إلى حاجات عادية ويسيرة، كحق ّ التعليم والعمل، وحق ّ اختيار الزوج إلى<br />
غير ذلك، ووصف حالات الظلم الواقع على الأنثى. وقد ترافق ذلك بنبرة إصلاحية لا<br />
تتعدى الاستعانة بالرجل نفسه لرفع هذا الظلم. ثم انتقل <strong>الخطاب</strong> إلى حالة من<br />
المواجهة والتمرد على العادات والتقاليد <strong>في</strong> المرحلة الرومانسية بعد أن اكتمل وعي<br />
الأنثى بالعالم من حولها بوساطة التعليم والخروج من المنزل، ولكن هذا <strong>الخطاب</strong> ظلّ<br />
يت ّكئ <strong>في</strong> كثير من فقره على الرجل، فالأنثى المتمردة بحاجة إلى حماية، وهي لا<br />
تتخل ّى عنها، ولذلك فإن المساواة بين الجنسين ناقصة إلى أن تحول هذا <strong>الخطاب</strong> <strong>في</strong><br />
1 لسان العرب،مادة "خطب".<br />
2 فضل، د. صلاح، "بلاغة <strong>الخطاب</strong> وعلم النص"، سلسلة عالم المعرفة (164)، المجلس الوطني<br />
للثقافة والفنون والآداب، الكويت، آب<br />
،1992 ص .9-8<br />
16
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
<strong>الرواية</strong> المعاصرة إلى المساواة <strong>في</strong> الحقوق والواجبات بعد التحولات الاجتماعية<br />
والاقتصادية والسياسية التي شهدها القطر العربي السوري.<br />
إن القوانين الضاغطة على الأنثى <strong>في</strong> المجتمعات الذكورية كثيرة ومختلفة، وقد<br />
تتحول العادات والتقاليد إلى ما يشبه القوانين أحيانا ً، وتكاد النظرة إلى الأنثى تكون<br />
واحدة <strong>في</strong> مرحلة من المراحل لما يقدمه المجتمع من إفرازات تتحول إلى عادات بحكم<br />
القوة التي يفرضها المجتمع على الفرد، وإذا كان الأمر لا يخلو من استثناءات ولكن<br />
الاستثناء لا يشك ّل قاعدة. ربما أن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> ال<strong>سورية</strong> قد تدرج<br />
ضمن التحولات التي طرأت على هذا المجتمع منذ الخمسينيات من القرن العشرين<br />
إلى يومنا<br />
3<br />
فإن البحث يصن ّف هذه التحولات <strong>في</strong> ثلاث مراحل هي:<br />
-1<br />
-2<br />
-3<br />
مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي التقليدي<br />
مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الرومانسي (التمردي)<br />
مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد<br />
وبما أن موضوع بحثنا <strong>في</strong> تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong><br />
<strong>سورية</strong> عبر مراحل زمنية متعاقبة متداخلة فهذا يتطل ّب منا أن نستعين بالمنهج<br />
التطوري (التاريخي) ليكون دليلنا للوصول إلى نتائج مقبولة مع الاستعانة بالمنهج<br />
الوص<strong>في</strong> التحليلي للوقوف على النصوص الروائية التي كتبتها الأنثى <strong>في</strong> هذا المرحلة<br />
الممتدة من الخمسينيات <strong>في</strong> القرن العشرين زمن ابتداء <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> القطر<br />
العربي السوري إلى يومنا.<br />
3<br />
بدأت <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> ال<strong>سورية</strong> مع رواية "أروى بنت الخطوب" لوداد سكاكيني و"يوميات هالة" لسلمى<br />
الحفار الكزبري <strong>في</strong> عام 1950، وقد نشر <strong>في</strong> خمسينيات القرن العشرين خمس روايات بما <strong>في</strong>ها هاتان<br />
الروايتان، ثم عرفت <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> ال<strong>سورية</strong> ازدهارا ً <strong>في</strong> الستينيات، فصدرت اثنتا عشرة رواية، وكان<br />
عدد الروايات <strong>النسوية</strong> المنشورة <strong>في</strong> السبعينيات تسعا ً، وأخذ عدد هذه الروايات بالتزايد <strong>في</strong> الثمانينيات<br />
والتسعينيات من القرن العشرين. للمزيد من الاطلاع انظر: ثبت الروايات ال<strong>سورية</strong>، دراسات اشتراكية<br />
(عدد خاص ب<strong>الرواية</strong> ال<strong>سورية</strong> المعاصرة)، العددان 183-182 آذار- حزيران،<br />
،2000 ص - 513<br />
.544<br />
17
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
1- مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي التقليدي:<br />
هي مرحلة البدايات، وقد كان الصوت الأنثوي <strong>في</strong>ها ما يزال محبوسا ً إلا ّ من<br />
صرخة هنا وصرخة هناك، وهي صرخات إصلاحية، والاحتجاج <strong>في</strong>ها ضعيف، وأهم<br />
ما <strong>في</strong>ها أن ّها تحاول ضمن مجتمع ذكوري مهيمن هيمنة مطلقة أن تبين للآخر الذكر أن<br />
ر<strong>في</strong>قته الأنثى إنسان ودود مسالم و<strong>في</strong> يستحق الرحمة والشفقة، وأن عليه أن يكون<br />
وديعا ً <strong>في</strong> معاملته وسندا ً لها <strong>في</strong> هذه الحياة، وقد ارتفع <strong>في</strong> هذه المرحلة صوتا وداد<br />
سكاكيني <strong>في</strong> روايتيها<br />
"أروى بنت الخطوب" و"الحب المحرم" وسلمى الحفار الكزبري<br />
<strong>في</strong> روايتيها "يوميات هالة" و"عينان من إشبيلية".<br />
وبما أن العلاقة بين الذكر والأنثى لم تكن سليمة، وإن ّما كانت علاقة سيد بعبد أو<br />
مستعمِر بمستع مر،<br />
4<br />
"أي فتح وسيطرة من جانب، ورضوخ واستسلام من جانب آخر<br />
،فإن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> لم يكن قادرا ً <strong>في</strong> هذه المرحلة أن يشك ّل صوتا ً عاليا ً،<br />
لأن الأنوثة <strong>في</strong> الفكر التقليدي جنس أدنى من جنس الذكورة، فهي قد خ ُلقت لأغراض<br />
غير الأغراض التي خ ُلق من أجلها الذكر، وتقتصر وظيفتها <strong>في</strong> الحياة على الإنجاب<br />
وتربية الأطفال وخدمة الزوج، ويدلي محمد كرد علي بخلاصة رأيه <strong>في</strong> هذا المجال:<br />
"وبعد فقد كنت ُ، ولا أزال ظهيرا ً للمرأة، محبا ً لإنصافها، آسفا ً للاستعباد الذي حاق بها،<br />
محاولا ً تعليمها ، كلّ ما يرفع من شأنها، داعيا ً لإقناعها بحجابها الشرعي، ذاهبا ً إلى<br />
أن تخلف المرأة المسلمة عن الأخذ بحظ ّ من التهذيب قذف بالمسلمين من حالق المدنية<br />
إلى هاوية الانحطاط، وما طلبت إعطاء المرأة زيادة على حق ّها، وما جوزت لنفسي أن<br />
أخدعها، وأتمل ّقها، توق ّعا ً لرضاها، وكنت وما برحت على مثل اليقين أن من يعاون<br />
المرأة على مساواة الرجل يخدعها ويضحك منها"<br />
5<br />
.<br />
4<br />
5<br />
طرابيشي، جورج: "شرق وغرب، رجولة وأنوثة"، دار الطليعة، بيروت، ط<br />
كرد علي، محمد: "أقوالنا وأفعالنا"، دار إحياء الكتب العربية، مصر،<br />
،1982 ،3 ص .9<br />
،1946 ص .372<br />
18
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
إن الأنثى <strong>في</strong> هذا <strong>الخطاب</strong> مراقبة ٌ مراقبة ً شديدة، ومحاصرة ٌ حصارا ً منيعا ً، بل<br />
هي مبعدة عن عالم الذكورة، العالم الأعلى، ولا يجوز لها بحال من الأحوال الاقتراب<br />
منه، وجسدها عورة منذ ولادتها، ولذلك يتدخ ّل الأهل <strong>في</strong> شؤونها كافة، وبخاصة قبيل<br />
فترة المراهقة، للحفاظ على شرف الأسرة، وثمة ممنوعات عليها أن تلتزم بالابتعاد<br />
عنها، ومنها الحديث <strong>في</strong> شؤون الجسد والحب، والحديث إلى الرجال أو مجالستهم،<br />
والمجاهرة بإحساساتها، والحديث <strong>في</strong> السياسة، وما شابه ذلك مما يخص الرجال دون<br />
النساء، وأكثر ما يخشاه الأهل أن تظلّ الأنثى من دون زواج، فهي حمل ثقيل على<br />
الأسرة، وأهلها <strong>في</strong> انتظار العريس للخلاص من هذا العبء الثقيل، ولذلك تتصف هذه<br />
المرحلة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي بمرحلة اللامساواة بين الجنسين، فلكلّ منهما عالمه<br />
ووظيفته، ولكلّ منهما مكانته، وثمة سيد يأمر وينهى وثمة مسود يطيع وينف ّذ، وتحل ّل<br />
فاطمة أزرويل <strong>في</strong> بحثها "المرأة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> السل<strong>في</strong>" العلاقة بين الجنسين بقولها: "لا<br />
تحتلّ وضعية الأسرة والعلاقة بين الجنسين مساحة هامة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> السل<strong>في</strong> المعاصر<br />
لأنها المقياس الأساسي للحكم على مدى وتحضر وجاهلية المجتمع والشرط الأساسي<br />
لقيام مجتمع سليم يستلزم أسرة متضامنة متماسكة وهذا التماسك أو التضامن لا يتحق ّق<br />
إلا ّ إذا ارتكز على ترتيب صارم بين المرأة والرجل، بحيث ترفض كل فكرة<br />
للمساواة<br />
6<br />
.<br />
إن اللامساواة <strong>في</strong> المعاملة بين الجنسين تبدأ منذ الطفولة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي،<br />
فعلى البنت أن تضحي <strong>في</strong> سبيل أخيها الذكر، لأن ّه أساس الأسرة، وهو الذي سيحمي<br />
اسمها ويدافع عن وجودها وكرامتها وشرفها، <strong>في</strong> حين أن إقامة الأنثى <strong>في</strong> منزل<br />
الوالدين مؤقتة، ولذلك تعامل الأم فريزة ابنها سهيلا ً معاملة خاصة <strong>في</strong> رواية "الحب<br />
"صور نسائية" (فاطمة المرنيسي وآخرون)، تر.جورجيت قسطون، <strong>دمشق</strong>، د.ت، ص<br />
.172<br />
6<br />
19
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
المحرم" لوداد سكاكيني، فهي تستجيب لطلباته كل ّها، ولا تضيق منها، <strong>في</strong>أكل فوق<br />
نصيبه، <strong>في</strong> حين تبقى أختاه آخر من يشبع من الطعام<br />
.<br />
7<br />
والحب الذي يجاهر به المراهقون الذكور ممنوع ومحظور على المراهقات<br />
الإناث، وذلك لا تستطيع الأنثى أن تبوح بهذا المحرم على لسانها، فالعادات والتقاليد<br />
لا تسمح لها بذلك، ولذا فإن نديدة تكشف عن حبها للمفك ّرة التي كتبتها <strong>في</strong> غياب سهيل<br />
للدراسة <strong>في</strong> أوربة، فتكتب: "ولولا أن للقلم تعبيرا ً يمكن أن أكشف به عن سري<br />
المرهف وشعوري المكبوت الذي يسمى حبا ً، لما تجاسرت على تصويره بالكتابة، إذ<br />
ليس من عادتنا أن نستبيح ذكر هذه الكلمة، لأن الحب <strong>في</strong> مصطلح عاداتنا وتقاليدنا<br />
عيب وذنب، فأنا أخط ّ هذا اللفظ بقلمي، ولا أحرك به فمي"<br />
8<br />
.<br />
والأنثى <strong>في</strong> المجتمع التقليدي ضعيفة، وهي بحاجة إلى من يحميها من الرجال<br />
<strong>في</strong> مجتمع أشبه بمجتمع الذئاب، وبخاصة إذا كانت هذه الأنثى جميلة، فهي محط ّ<br />
أنظار القريبين والبعيدين، وهي معرضة للغزو، وت ُنسج حولها الشباك والأقاويل، وهذا<br />
هو مصير أروى بنت الخطوب <strong>في</strong> رواية وداد سكاكيني، فقد كان جمال أروى سبب ًا<br />
لمصائبها المتتالية منذ أن غادرها زوجها التاجر، وتركها <strong>في</strong> رعاية أخيه الذي حاول<br />
الاعتداء عليها لجمالها، ولما لم يفلح بذلك لف ّق لها تهمة كاذبة، وهكذا تنتقل أروى من<br />
اعتداء إلى آخر، وتظلّ صامدة محافظة على شرفها، وتتعرض للاتهام بالخيانة<br />
والسرقة، وت ُباع كجارية، وهي تتخل ّص من مضايقة لتقع <strong>في</strong> أخرى بسبب جمالها،<br />
وتتمنى لو أنها لم تخلق على هذا القدر من الجمال الذي سبب بها كلّ هذه التعاسة،<br />
وهذا ما بينه لها صديقها ال<strong>في</strong>لسوف "أرخانوس" حين شرح لها أن الجمال كالذهب، وقد<br />
تعب الرجال <strong>في</strong> طلبه، وأعيى المرأة الحفاظ ُ عليه، وحامل الذهب كحامل الجمال،<br />
سكاكيني، وداد: "الحب المحرم"، دار الفكر العربي، مصر، د.ت، ص<br />
المصدر نفسه: ص<br />
.8-7<br />
.58<br />
7<br />
8<br />
20
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
يلحق به اللصوص <strong>في</strong> البر والبحر، ويقت<strong>في</strong> أثره الطامعون، ولو اتخذ نفقا ً <strong>في</strong> الأرض<br />
أو سل ّما ً <strong>في</strong> السماء"<br />
9<br />
.<br />
وليست المرأة <strong>في</strong> المجتمع التقليدي غير خادمة عند الزوج، فهو سيدها، وعليها<br />
أن تطيعه وتلبي له طلباته، فلما دعي الطبيب سهيل وأهله إلى حفل أنفق عليه أهل<br />
العروس بعد الخطبة تلق ّته أمها بالمجاملة المعهودة <strong>في</strong> هذا المجتمع، قائلة: "هذه بنتي<br />
يا دكتور خادمة <strong>في</strong> بيتك و<strong>في</strong> عهدتك"<br />
10<br />
.<br />
ونظرة المجتمع إلى الأنثى المتعل ّمة <strong>في</strong>ها الكثير من الريبة والخوف، فالمرأة<br />
ولدت، حسب العادات، للإنجاب لا للتعل ّم والتعليم والعمل، وخروج الأنثى من بيتها<br />
طعنة <strong>في</strong> كفاءة الزوج وذكوريته ومقدرته على حماية الزوجة، ناهيك عن أن تعليم<br />
الأنثى يخرجها من جنسها ويجعلها مسترجلة، ولذلك كان أبو سهيل وأم سهيل يؤمنان<br />
بأن وظيفة الأنثى <strong>في</strong> البيت"<br />
.<br />
11<br />
ولا تختلف طروحات رواية "عينان من إشبيلية" كثيرا ً عن طروحات وداد<br />
سكاكيني، ولكن المكان والشخصيات انتقلا إلى إسبانيا، وحافظت سلمى الحفار<br />
الكزبري على المقولة التقليدية، وهي أن الإنسان المهذ ّب لا بد من أن يكون من أصل<br />
نبيل، وهذا ما نجده <strong>في</strong> شخصية "كارمن" الفتاة الجميلة التي تفر من ظروف حياتها<br />
الأسرية القاسية، لتتزوج بعد ذلك من الدون روبرتو، ثم تتعرف بالمصادفة إلى خالها،<br />
وإذا هي كذلك من أصل ر<strong>في</strong>ع، وليس ذلك فحسب، وإن ّما أخذ خالها حين رآها وسمع<br />
رن ّة صوتها يبحث <strong>في</strong> وجه كارمن وصورتها عن وجه معروف له من قبل وصوت<br />
طالما سمعه، ولما عاد إلى صورة شقيقته أم كارمن التي فقدها <strong>في</strong> أثناء الحرب تعرف<br />
إليها، وتذكر والدها رفائيل الفاريس زميل والد روبرتو <strong>في</strong> المدرسة العسكرية<br />
.<br />
12<br />
.96<br />
9<br />
10<br />
11<br />
12<br />
سكاكيني، وداد: "أروى بنت الخطوب"، دار الفكر العربي، مصر، د.ت، ص<br />
"الحب المحرم": ص<br />
المصدر نفسه: ص<br />
الحفار الكزبري، سلمى: "عينان من اشبيلية"، دار الكاتب العربي، بيروت، د.ت، ص<br />
.218-212<br />
.126<br />
.32<br />
21
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
ولا ينتهي هذا <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الروائي عن فترة محددة ليبدأ خطاب آخر<br />
مختلف بعده، ولكن ّه قد يستمر <strong>في</strong> المرحلة الثانية، وقد يصل إلى المرحلة الثالثة، من<br />
ذلك مثلا ً رواية "بنات حارتنا" للروائية ملاحة الخاني الصادرة <strong>في</strong> أواخر التسعينيات<br />
من القرن العشرين، فالكاتبة ما تزال تعالج مشكلات الأنثى <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> التقليدي،<br />
وكأن العصر ما تقدم عما كان عليه <strong>في</strong> الخمسينيات من القرن العشرين، فسلمى بطلة<br />
<strong>الرواية</strong> تنشأ <strong>في</strong> أسرة يحكمها الذكر حكما ً مطلقا ً، فثمة سلطة الأب المقدسة، وثمة<br />
سيطرة الأخ الضعيف سامي، وليس عادل، وهو رمز المثق ّف المتفت ّح، أكثر انفتاحا ً<br />
على عالمه مع الأنثى، وهي "ترفض الانضواء منذ سنواتها الأولى تحت هيمنة العرف<br />
السائد وقيده الذهبي"<br />
13<br />
.<br />
والوظيفة الأولى والأخيرة للمرأة <strong>في</strong> هذا <strong>الخطاب</strong> هي الزواج فالإنجاب، وهم<br />
الأسرة الحصول على عروس ملائم، ولا يهم بعد ذلك إذا كان الفارق العمري كبيرا ً،<br />
لأن الفتاة مهددة بالعنوسة قبل سن العشرين، ولذلك ينبغي التخل ّص منها، حتى لو كان<br />
الزوج شبيها ً بزوج أخت سلمى الزوج الخائن الذي "لا يوف ّر كلبة <strong>في</strong> الشارع ولا<br />
يتورع عن قطة"<br />
14<br />
.<br />
ولا تجد سلمى بطلة <strong>الرواية</strong> متنف ّسا ً ضمن هذه البيئة القاسية، فتكتب <strong>في</strong> مراهقتها<br />
قصة بعنوان "حبيبين انتحرا" وذلك لأن المجتمع سد عليهما الأبواب والمنافذ جميعها،<br />
فآثرا الموت وحيدين ليعبرا برومانسية خالصة عن ظلم المجتمع وقساوته، وقد عبرت<br />
بطلة القصة عن احتجاجها بقولها:"الزواج ليس فراشا ً، وليست المشكلة أن ّها رفضت<br />
ابن عمها. بل إن ّها شقت عصا الطاعة<br />
على إرادة العشيرة"<br />
15<br />
،وكان الشرف هو<br />
الأهم <strong>في</strong> مثل هذه الأسرة، فقد طارت أم الفتاة المنتحرة من الفرح والسرور لأن<br />
الطبيب الشرعي أثبت براءتها.<br />
الخاني، ملاحة: "بنات حارتنا"، اتحاد الكتاب العرب، <strong>دمشق</strong>،<br />
المصدر نفسه: ص<br />
المصدر نفسه: ص<br />
،1998 ص .7<br />
.8<br />
.16<br />
13<br />
14<br />
15<br />
22
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
يواجه <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> هذه المرحلة عالما ً من الضغوط الرافض لفكرة<br />
المساواة بقوة، فالزوج زعيم الأسرة مهما يكن وضعه المادي أو العقلي، وذكوريته<br />
تؤهله لهذه الزعامة، فلا تستطيع الزوجة الخروج إلا ّ بإذن منه، وثمة عادات معروفة،<br />
فالأم التي تلد الذكور مكرمة يقتدى بها <strong>في</strong> المجتمع الأبوي، وتظلّ أم البنات محتقرة<br />
ولو ضمنيا ً، وعلى المرأة الطاعة مقابل نفقة الزوج، بل إن الزواج صفقة اقتصادية<br />
بين الزوج والولي، كما تذهب إلى ذلك فاطمة المرنيسي<br />
16<br />
، ولذلك كانت الأنثى تبحث<br />
عن رجل لحمايتها، فإذا فقدته (وفاة- سفر- طلاق) أصبحت بلا حماية، وأخذت تنوح<br />
عليه، لأن ّها فقدت الحامي والمعيل.<br />
هكذا نجد أن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> التقليدية تقليدي، فهي أولا ً رواية<br />
أحداث، والأحداث مترابطة منطقيا ً، وهي متسلسلة تسلسلا ً تصاعديا ً، وإن استعانت هذه<br />
الكاتبة أو تلك بالمصادفات <strong>في</strong> الوصل بين هذا الحدث أو ذاك، وهي رواية أفكار<br />
ثانيا ً، فالفكرة التي تنطلق منها هذه الكاتبة أو تلك تقوم على ترسيخ لقيم الذكورة<br />
ومبادئها وقوانينها، حتى إن هذه القيم والمبادئ تشمل اللغة الروائية نفسها، لتجعلها<br />
واحدة <strong>في</strong> الألفاظ والعبارات والخيال والحوار والأسلوب والبناء الفن ّي، وهي لغة<br />
ذكورية خالصة تستند إلى المتانة والفصاحة الذكوريتين، وكأن الأنثى تتكل ّم بلغة<br />
المذكر أو تستعيرها.<br />
ويعترف <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> هذه المرحلة - ولو ضمني ًا - باللا ّمساواة ولذلك<br />
يسعى هذا <strong>الخطاب</strong> إلى السلم وإلى أن ينال أبسط الحقوق لأنثى مهذ ّبة مطيعة من<br />
أصل ر<strong>في</strong>ع تتعرض للمضايقات <strong>في</strong> مجتمع قاسٍ لا يرحم، كما هي الحال <strong>في</strong> التراجيديا<br />
الإغريقية التي تتعرض شخوصها لحكم الأقدار، ولذلك فإن الأنثى لا تقيم حربا ً ضد<br />
القوانين والعادات والتقاليد والرجل، وإن ّما هي ترفع راية الاستسلام، وتتبن ّى القيم التي<br />
يتبن ّاها الطرف الآخر، ولكن ّها تطلب العدالة، ولذلك حظي هذا <strong>الخطاب</strong> بمباركة<br />
"صور نسائية": ص<br />
.130<br />
16<br />
23
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
ذكورية، لأنه لا يخرج عما يريده المجتمع التقليدي من الأنثى، فتعاطف مع هذا<br />
<strong>الخطاب</strong> وشجعه دون أن يدري ما يحمله هذا <strong>الخطاب</strong> من محاولات خ<strong>في</strong>ة لاختراق قيم<br />
الذكورة وحصونها، ومن هذه المحاولات الاعتراف بأن عقل الأنثى غير قاصر، وهي<br />
قادرة على الكتابة والإبداع، وهذا مجال الذكورة، كما كان معروفا ً <strong>في</strong> تلك المرحلة،<br />
وأن الشائع <strong>في</strong> تلك المرحلة أن وظائف الأنثى تقتصر على الحمل والإنجاب وخدمة<br />
الزوج، وأن الكتابة أمر لا يخرج إلا ّ عن الرجل، ولذلك ذهب محمد كرد علي إلى أن<br />
عقل المرأة لا يتناسب والإبداع، و"أن معظم ما عزي إلى المرأة من التآليف هو من<br />
صنع الرجال. وما عدا ذلك فكتابات متوسطة وشعر غث ّ"<br />
17<br />
-2<br />
،وعلينا ألا ّ ننسى أيضا ً<br />
ما <strong>في</strong> هذا <strong>الخطاب</strong> من خروقات أخرى لقيم الذكورة حين جعلت هذه الروائية أو تلك<br />
البطولة للأنثى، وأقامت الأحداث من حولها، وليس ذلك فحسب، وإن ّما كانت هذه<br />
الأنثى البطلة إيجابية، هي التي تحافظ على قيم الذكورة، <strong>في</strong> حين كان المجتمع أو<br />
الذكر بطلا ً سلبيا ً يحاول خرق هذه القيم بأساليبه الشريرة، فظهرت الأنثى حامية لكلّ<br />
ما هو نبيل وسامٍ.<br />
مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الرومانسي (التمردي):<br />
عرفت <strong>سورية</strong> تحولات سياسية واجتماعية وثقا<strong>في</strong>ة متلاحقة <strong>في</strong> الخمسينيات من<br />
القرن العشرين نتيجة للتأثر بنكبة فلسطين من جهة، وللانقلابات العسكرية المتتالية من<br />
جهة ثانية، ثم إن انتشار الأحزاب السياسية التي حاولت استقطاب أكبر عدد من<br />
المواطنين، ومنهم المرأة، قد أدى إلى تغيرات سريعة <strong>في</strong> بنية المجتمع، وكان لصعود<br />
الطبقة البورجوازية دور <strong>في</strong> ذلك أيضا ً، فبدأت الأسر <strong>في</strong> أواخر عقد الخمسينيات<br />
تتساهل <strong>في</strong> قضية تعليم الأنثى، واستطاعت المرأة المتعل ّمة أن تشارك مشاركة بسيطة<br />
<strong>في</strong> الحياة السياسية، وأن تعي ذاتها والعالم من حولها، وأن تعرف ما لها وما عليها،<br />
فتمردت أولا ً على أوامر الأسرة، ورفضت أن تكون شبيهة بجدتها أو أمها تنتظر<br />
"أقوالنا وأفعالنا": ص<br />
.361-360<br />
17<br />
24
لا"<br />
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
العريس قابعة <strong>في</strong> منزلها، وهي المرأة التي خرجت إلى ال<strong>جامعة</strong> والحياة، أما تقاليد<br />
المجتمع التقليدي وعاداته فما عادت تنظر إليها، وكأن ّها أوامر ليست موجهة لها، ولا<br />
هي تعنيها من قريب أو بعيد، وإن ّما هي أوامر موجهة إلى الأنثى القابعة <strong>في</strong> المنزل أو<br />
الأنثى التي لم تخرج إلى الحياة، والحقيقة أن عدد هؤلاء الإناث كان ضئيلا ً جدا ً<br />
بالقياس إلى ما <strong>في</strong> المجتمع، ولكن هذه الأنثى قد رجت بسلوكها العادات والتقاليد رجة<br />
قوية، فكانت الأنثى ال<strong>سورية</strong> المتشبهة بالأنثى الأوروبية، ولذلك سميت بالأنثى<br />
المخملية المتمردة على سلطة الأسرة والمجتمع <strong>في</strong> آن معا ً، وهي الأنثى التي جاهرت<br />
بأن ّها حرة <strong>في</strong> أقوالها وتصرفاتها وهي تعيش كما تشاء، وهي التي تختار العريس،<br />
وترفض أن تكون سلعة أو دمية أو غرضا ً غزليا ً، وقد أصبح لهذه الأنثى قلب يحب<br />
جهارا ً، <strong>في</strong> حين كان الحب من المحظورات على الأنثى التقليدية، بل هو شيء معيب<br />
لها ولأسرتها ومجتمعها.<br />
تتمثل صورة هذه الأنثى <strong>في</strong> شخصية "ريم غالي" بطلة رواية "أيام معه" لكوليت<br />
خوري، فهي أنثى من الطبقة البورجوازية ال<strong>دمشق</strong>ية، وقد نالت قسطا ً لا بأس به من<br />
التعليم، وهي أنثى جميلة ومدل ّلة، على نقيض الفتيات <strong>في</strong> الأسر ذات التربية التقليدية،<br />
وليس ذلك فحسب، وإنما هي تكتب الشعر، وتتحدث اللغتين الفرنسية والإنكليزية،<br />
وهي <strong>في</strong> ذلك تختلف أيضا ً عن الفتاة السابقة التي لا يجوز لها أن تكتب الشعر<br />
وتتحدث عن إحساساتها، وبالرغم من أن والدها انصاع للعادات والتقاليد <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
<strong>في</strong> تلك الفترة، وحال دون أن تذهب ابنته إلى ال<strong>جامعة</strong>، فإن ريم رفضت أن تكون<br />
كالأخريات ممن ينتظرن العريس بين أربعة جدران<br />
18<br />
!<br />
.وقررت أن تواجه مصيرها<br />
بالتمرد والإصرار إلى أن حققت المطلب الأول، وهو الدراسة بالمراسلة:<br />
أنا لم أوجد فقط لأتعل ّم الطهي ثم أتزوج فأنجب أطفالا ً ثم أموت! إذا كانت<br />
هذه هي القاعدة <strong>في</strong> بلدي فسأشذ ّ أنا عنها… أنا لا أريد أن أتزوج! أنا أريد أن أعيش<br />
"أيام معه"، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، ط4،<br />
،1967 ص .22-21<br />
18<br />
25
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
حياتي، لا أن ت ُرسم حياتي! أريد أن أحصل على شهادات عالية.. أريد أن أدرس<br />
الموسيقى.. أن أتعلم الغناء.. أن أكتب الشعر.. أن أرسم.. أن أعمل.. أن أشتغل.. أن<br />
.. أريد .. أسافر.. أريد<br />
أريد.. وكم وكم يريد طموح السابعة عشرة! (…)<br />
حاولت بجميع الطرق أن أقنع والدي كي يتنازل عن رأيه، غضبت.. ثرت..<br />
حزنت.. مرضت.. وأخيرا ً، رضخ للأمر مستاء، وقبل أن أدرس ولكن.. بالمراسلة.<br />
ومع أنني لا أؤمن بطريقة الدراسة هذه، فقد وجدت <strong>في</strong>ها عزاء بسيطا ً، ومنفذا ً ولو<br />
ضيقا ً، أنفث <strong>في</strong>ه بعض طموحي. وبقيت <strong>في</strong> البيت، أهرب من جفاف أوراق الحقوق،<br />
لأرتمي <strong>في</strong> نداوة الشعر"<br />
19<br />
.<br />
المصدر نفسه، ص<br />
.23-22<br />
19<br />
26
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
وريم ذات طموحات كبيرة، فهي تطمح إلى أن تكون الأنثى مساوية للذكر <strong>في</strong><br />
مجتمع يخنق طموحاتها من المهد إلى اللحد، ولذلك كان تمردها على قوانين هذا<br />
المجتمع وعاداته عاصفا ً، فريم تنتقي أصدقاءها من الرجال، ولا تتوقف عند هذا الحد،<br />
وإن ّما تحاول أن تخترق المألوف، وتتجاوز العادات، فلا تكت<strong>في</strong> بمرافقة زياد <strong>في</strong><br />
شوارع مدينة <strong>دمشق</strong>، وإن ّما تتوقف أمام مقهى من مقاهيها الخاصة بالذكور، وتحاول<br />
أن تدخل مع هذا الرجل الغريب إلى هذا المقهى<br />
20<br />
، ولكن عيون الرجال تخترق<br />
جسدها، وهي تصيح جائعة، <strong>في</strong>ضطر زياد إلى أن يدعوها إلى أن يشربا فنجان القهوة<br />
<strong>في</strong> منزله أو منزلها، و<strong>في</strong> حين تصب ريم جام غضبها على البلد الذي لا يؤمن حرية<br />
مطلقة لإناثه، فتقول: "أنا حرة، أستطيع الذهاب مع زياد إلى أي مقهى أشاء، ولكن<br />
المقهى الذي أتوق إليه، والذي يذهب إلى من يشاء، من الرجال والنساء، ليأخذوا بكلّ<br />
بساطة، فنجانا ً من القهوة، أو كأسا ً من "البوظة" دون أن تلتهمهم العيون وتلوكهم<br />
الألسن، هذا المقهى "الطبيعي"، للأسف، تفتقده بلدتي"<br />
.<br />
21<br />
وتصل الجرأة بريم إلى أن تجمع بين خطيبها ألفريد وحبيبها زياد <strong>في</strong> حفلة تقام<br />
<strong>في</strong> منزلها تضم الأهل والأصدقاء، وهكذا لا تقيم ريم الأنثى البورجوازية المتمردة أي<br />
وزن للعادات والتقاليد، بل تضرب تلك القيم البورجوازية، وهي التستر على الفضائح<br />
بعرض الحائط، ثم هي تجلس بينهما: "أنا.. بينهما.. بين فورة الشباب واندفاعه<br />
..<br />
وحياة أثقلتها سنون التجارب بين جبين شمخ بالطموح والآمال.. وصدغ خطت عليه<br />
الذكريات أسطرا ً بيضا ً.. بين قلب يخفق بصمت خلف أسوار كبريائه.. وقلب أنهكه<br />
الاستهتار، ليدميه أخيرا ً الندم … بينهما، بين عاطفة عميقة، لكن أنانية، تحجب عن ّي<br />
الهواء، وتنكر علي حق ّ الحرية والفردية.. وعاطفة عابرة، تنكر علي معنى الكرامة،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
.133-132<br />
.133<br />
20<br />
21<br />
27
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
فتباع وتشرى بخصر مياد، أو بشفتين مكتنزتين، أو بنهدين متمردين، وتذلني! بينهما..<br />
بين خطيبي.. وحبيبي.."<br />
وإيناس بطلة رواية<br />
22<br />
.<br />
"الحب والوحل" للدكتورة إنعام المسالمة متمردة أخرى على<br />
العادات والتقاليد، وهي فتاة ري<strong>في</strong>ة حاول ذووها أن يجعلوها شبيهة بالأخريات <strong>في</strong><br />
مجتمعهم، لكنها كانت مثل ريم غالي بطلة رواية "أيام معه"، فتحدت عادات المجتمع<br />
التقليدي، وأصرت على أن تتعل ّم، فأنهت دراستها الثانوية بتفوق كبير، ثم وقفوا مرة<br />
أخرى إزاء ذهابها إلى ال<strong>جامعة</strong> <strong>في</strong> المدينة، ولكن ّها تواجههم بقوة وتذهب إلى المدينة،<br />
وتتفوق مرة أخرى على الشبان، حتى إنها جعلت أهل بلدتها يقولون بينهم وبين<br />
أنفسهم: "إن ّها تفوق الشباب، ليت شبابنا كانوا فتيات مثلها"<br />
.<br />
23<br />
وإيناس الفتاة الجامعية التي تدرس الطب تتمرد على إرادة الأهل <strong>في</strong> تزويجها<br />
من ابن عمها، وتتمرد على التقاليد القبلية المعهودة، ولما لم تجدِ محاولاتها <strong>في</strong> رفضه<br />
وإقناعهم بالعدول عن الفكرة، وصرخت <strong>في</strong> وجوههم قائلة: "لن يكون ذلك.. لا لن<br />
يكون.. تزوجوه أنتم! فأنا أعرف تاريخ ابن عمي، وأفكار ابن عمي المتعجرف<br />
المدل ّل. وارتعدت أمي خوفا ً.. واستنكر والدي ولم يرضخوا.. هددتهم بالانتحار!<br />
واستعاذوا باالله من شر الشيطان.. ومن ّي.. فقد كنت شيطانا ً أكثر من الشيطان ذاته..<br />
الشيطان الذي لم يستطع مرة إرغامهم على شيء يكرهونه.. وسكتوا مكرهين.. فقد<br />
خافوا الفضيحة.. وصرفوا النظر مؤقتا ً كما قالوا.. لقد نسوا أنهم كانوا <strong>في</strong>ما مضى<br />
ينتظرون أن يأتي إليهم فتى.. فتى يكون هو سيد نفسه.. فجئت أنا.. وأنا هي التي<br />
ستقرر متى يجب أن أتزوج!"<br />
.<br />
24<br />
إن الأنثى <strong>في</strong> هذا <strong>الخطاب</strong> الرومانسي غدت محصنة بذاتية متضخ ّمة فهي لا<br />
تنظر إلى الخارج حيث العادات والتقاليد والمجتمع الذكوري الضاغط بقوة، وإن ّما هي<br />
المصدر نفسه، ص 367-366.<br />
المسالمة، د. إنعام: "الحب والوحل"، دار الثقافة ب<strong>دمشق</strong>،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
،1963 ص .82<br />
.85<br />
22<br />
23<br />
24<br />
28
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
تستمد مبادئها وقوانينها من داخلها، وهي لا تسير بقوة القوانين والعادات، وإنما تسير<br />
بقوة الإحساسات والعاطفة، وهي لا تلتفت إلى المصاعب التي تواجهها، وإنما تلتفت<br />
إلى قناعتها الخاصة، وهذا ما نتلمسه عند بطلة رواية "<strong>في</strong> الليل" لهيام نويلاتي، فهي<br />
تنقاد لقلبها، وتخرج إلى منزل الموسيقي الغريب مع أختها دون أن تحسب أي حساب<br />
لما سيجري من جراء ذلك، بل هي تتمرد على حياة المنزل وتعده سجنا ً، ثم هي تزور<br />
زميلاتها، وتذهب وحيدة إلى السينما<br />
25<br />
، ويصل الأمر بهذه البطلة إلى أن تسعى إلى<br />
الفضيحة لمواجهتها، وكأن التمرد صار غاية عندها، وكأن ّها تريد أن تنتقم من المجتمع<br />
الذكوري وعاداته وتقاليده، وهي تبحث عن الحرية المطلقة <strong>في</strong> مجتمع يقيد الأنثى<br />
بقيود ثقيلة، ولكن هذه الأنثى تتبع قناعاتها قائلة: "ولكن.. ألست راضية عن سلوكي..<br />
ألست مقتنعة به.. ألست ُ واثقة من نفسي.. يك<strong>في</strong>ني شعوري هذا الطبيعي، ولو كنت ُ<br />
على رأي غيري مخطئة"<br />
26<br />
.<br />
إن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> مرحلة الستينيات من القرن العشرين خطاب التمرد على<br />
الأوضاع الاجتماعية السائدة <strong>في</strong> المدن ال<strong>سورية</strong> الكبيرة فالأنثى <strong>في</strong>ه ما زالت <strong>في</strong> عيون<br />
المجتمع إنسانا ً ناقصا ً، وهو ينظر إليها على أنها مخلوق دون الذكر مكانة ومنزلة،<br />
وهو يراقب تصرفاتها ويقمع أي محاولة للخروج على أنظمته الذكورية، مع أن الأنثى<br />
غدت واعية لذاتها، وهي تعرف ما لها وما عليها، ولا سيما أن ّها خرجت من المنزل<br />
إلى ال<strong>جامعة</strong>، وقد عرفت بعض البطلات مدنا ً عربية أخرى كبيروت والقاهرة، أو<br />
عرفت مدنا ً أوروبية، وعرفت ما تتمت ّع <strong>في</strong>ها الأنثى من حرية <strong>في</strong> تصرفاتها، فبطلة<br />
رواية "ذهب بعيدا ً" لجورجيت حنوش تتمرد على واقع المجتمع التقليدي <strong>في</strong> مدينة<br />
حلب المحافظة، فتخرج مع حبيبها كما وحيدين، ولما حاول أن يقبلها دار هذا الحوار<br />
بينهما:<br />
نويلاتي، هيام: "<strong>في</strong> الليل"، مطبعة الصرخة، ط1،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
،1959 ص 77 وص .110<br />
.110<br />
25<br />
26<br />
29
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
-<br />
-<br />
-<br />
كمال اعقلْ نحن <strong>في</strong> مقهى.<br />
ثم استدرت ُ ألتفت ُ يمنة ً ويسرة ً خائفة، أُفت ّش عن عين فضولية، فابتعد كمال<br />
مرغما ً، وهو يقول:<br />
نسيت ُ أننا <strong>في</strong> حلب، وأن القبلة علنا ً، تعد استهتار ًا.<br />
ليس فقط استهتارا ً يا كمال. بل هي نوع من الدعارة، تحاسب عليه بشدة. تصور<br />
لو أن أحدا ً من الموجودين <strong>في</strong> المقهى لمحك، وأنت تقبلني.. لكانت فضيحة<br />
تعاقب عليها أمام القانون. لقد اعتدنا يا كمال أن نعمل <strong>في</strong> الخفاء نرتكب<br />
المحرمات، إن ّما <strong>في</strong> السر. وحلب كغيرها من المدن <strong>في</strong> هذه الناحية، مستنقع<br />
للخبث، والنفاق"<br />
27<br />
.<br />
وتتمرد نادية ابنة الضابط الكردي <strong>في</strong> الجيش الفرنسي سابقا ً على اختيار الزوج،<br />
وهي بطلة رواية "الوطن <strong>في</strong> العينين" لحميدة نعنع، ونادية أنثى بورجوازية مثقفة<br />
وشاعرة، كما هي حالة ريم غالي بطلة "أيام معه"، وهي متمردة على العادات<br />
والتقاليد، وهي شبيهة أيضا ً ببطلة رواية "<strong>في</strong> الليل" لهيام نويلاتي <strong>في</strong> أن داخلها هو<br />
الذي يتحك ّم <strong>في</strong> سلوكها الخارجي، فهي تتبع هوى قلبها، ولا تحسب أي حساب للعالم<br />
المحيط بها، وهي تقول: "إن العالم ينبثق من داخلي، ويتوزع على خيوط النور <strong>في</strong><br />
الوقت الذي أشاء، هذا ما منحني لفترة طويلة إحساسا ً بالتفرد يقترب من النرجسية<br />
المطلقة <strong>في</strong> لحظات خطرة من عمري"<br />
28<br />
.<br />
إن بطلة "الوطن <strong>في</strong> العينين" متمردة على سلطة العادات والتقاليد، فهي تكتب<br />
القصائد، وترفض العريس الثري الذي جاء به الأهل، وترفض أن يكون مصيرها<br />
كمصير أخواتها المتزوجات، <strong>في</strong>ضربها اخوتها الذكور حتى يسيل دمها، بل هي تلتحق<br />
بالمقاومة الفلسطينية، وتشارك <strong>في</strong>ها، وتتعرف إلى عدد من الرجال (أبو مشهور<br />
- خالد<br />
حنوش، جورجيت: "ذهب بعيدا ً"، دار الأندلس، بيروت، ط1،<br />
نعنع، حميدة: "الوطن <strong>في</strong> العينين"، دار الآداب، بيروت،<br />
،1961 ص .169-168<br />
،1979 ص .9<br />
27<br />
28<br />
30
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
- عصام - نايف)، وتنتقل من مكان إلى آخر إلى أن تصل إلى باريس، وت ُقيم هناك<br />
علاقات مع الآخر الأوروبي المتمث ّل بشخصية فرانك مقابلا ً للموقع الذي كانت تحتله<br />
الأنثى الأوروبية <strong>في</strong> بعض الروايات الذكورية العربية، وهي تعيش معه بالرغم من أن<br />
له زوجة ومنزلا ً، وهي تناجيه: "يا رجلا ً بحثت <strong>في</strong> جسده عن النسيان فعجز <strong>في</strong><br />
جراحي.. يا رجلا ً بحثت <strong>في</strong> عينيه عن وطن ألجأ إليه فأعادني إلى مدني. يا فرانك يا<br />
غربتي.. يا غربتنا معا ً. أنا وأنت ماضٍ يعيش ورأسانا ذلك الماضي"<br />
29<br />
.<br />
ومع ذلك تظلّ نادية رغم كلّ ما قامت به تحلم بالعودة إلى الوطن الذي<br />
سيتخلص من عاداته وتقاليده، ويتخل ّص من هيمنة العقول القديمة، ولذلك هي تخاطب<br />
الآخر الأوروبي فرانك بقولها: "عليك أن تتخذ قرارك وحيدا ً. لا تقصد الآباء. كل ّهم<br />
ذوو بطون منتفخة، ويخطئون، وأنت أخطأت أيضا ً"<br />
30<br />
.<br />
إن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> الرومانسية التمردية هو خطاب الأنثى المثقفة<br />
البورجوازية التي ترى العالم كل ّه من خلال ذاتها، وهذا ما رأيناه عند بطلة<br />
"أيام معه"<br />
ريم غالي التي واجهت العالم المحيط بها والتي ترفض أن تكون كسواها من الإناث<br />
امرأة للحمل والإنجاب ليس غير، هي تريد أن تتعل ّم وأن تسافر وأن تعيش حرة كما<br />
تشاء، وهذا ما جاء <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي عند إيناس بطلة رواية "الحب والوحل" التي<br />
ترفض أن تتزوج كما تتزوج الأخريات <strong>في</strong> بيئتها، وهذا أيضا ً شأن بطلة<br />
"<strong>في</strong> الليل"<br />
وبطلة "الوطن <strong>في</strong> العينين"، وإذا كان <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> التقليدية ينطلق من<br />
المحافظة على القيم الذكورية المعهودة، فإن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> الرومانسية<br />
جاء حربا ً على هذه القيم وعلى العادات والتقاليد من خلال تضخ ّم<br />
"أنا" البطلة ورؤيتها<br />
أن الحق ّ كل ّه ما تقوم به، وأن الآخر - الأسرة - العادات - التقاليد..<br />
(المجتمع<br />
إلخ)<br />
على خطأ، وذلك رمت وراء ظهرها كلّ ذلك، ومن هنا كان المجتمع الذكوري ضد<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
.44<br />
.200<br />
29<br />
30<br />
31
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
هذا <strong>الخطاب</strong> جملة وتفصيلا ً، فلم يقبل به، على نقيض ما جاء <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong><br />
<strong>الرواية</strong> التقليدية، وبخاصة أن بطلات هذه الروايات قد رك ّزن على الخلاص الفردي<br />
أكثر مما رك ّزن على الخلاص الجمعي، ومع ذلك يظلّ هذا <strong>الخطاب</strong> التمردي ضرورة<br />
ملحة ومرحلة لا بد منها لولادة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد.<br />
-3<br />
مرحلة <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد:<br />
بدأت الحياة تتغير تغيرا ً سريعا ً لانفتاح العالم بعضه على بعض بوساطة تطور<br />
وسائل الاتصالات <strong>في</strong> النصف الثاني من القرن العشرين، وبدأت العلاقات الأسرية<br />
والقبلية تتحل ّل شيئا ً فشيئ ًا من القيم والعادات المتوارثة نتيجة للاستقلال الفردي وتعق ّد<br />
وسائل الحياة واعتماد الفرد على ذاته، وهذا ما خف ّف من السلطة الذكورية، وبخاصة<br />
أن العصر استبدل القوة العقلية بالقوة العضلية، ناهيك عن أن الحركات النسائية <strong>في</strong><br />
العالم والوطن العربي و<strong>سورية</strong> قد أخذت تظهر على الساحة بقوة وبدعم من الحكومات<br />
نفسها، وهذا ما أثر <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد الذي تجل ّى بقوة مطالبا ً بالمساواة التامة<br />
بين الأنثى والذكر <strong>في</strong> الحقوق والواجبات <strong>في</strong> المجالات السياسية والاجتماعية والثقا<strong>في</strong>ة،<br />
فأخذ <strong>الخطاب</strong> الأنثوي يتزايد حدة وجرأة شيئا ً فشيئا ً منذ الستينات إلى اليوم، وبخاصة<br />
<strong>في</strong> النصوص الروائية، ووصل الحد أحيانا ً إلى الانتقال من مجابهة القيم التقليدية<br />
الذكورية إلى مجابهة الفحولة الزائفة، والمجاهرة بالحاجات الجسدية الأنثوية <strong>في</strong> بعض<br />
الروايات ال<strong>سورية</strong> المعاصرة.<br />
بدأت الأنثى <strong>في</strong> هذا الشرق، وبخاصة الأنثى المتعل ّمة العاملة، تعي أنها إنسان<br />
كامل، وهذا ما تبنته الدولة نفسها، فأخذت تسير <strong>في</strong> طريق التحرر الاجتماعي<br />
والاقتصادي، وقد استيقظت على واقع مرير وماضٍ أسود، ولذلك ذهبت الباحثة ناديا<br />
حجاب إلى القول: "إذا كانت المرأة واعية حقوقها، فلن تتمك ّن أي حكومة جديدة، أو<br />
سلطة مطلقة، أن تنتزعها منها"<br />
31<br />
، ولذلك غدت العلاقة بين الحياة <strong>الخطاب</strong> الروائي<br />
31<br />
حجاب، ناديا: "المرأة العربية" - دعوة إلى التغيير، رياض الريس للنشر، لندن، د.ت، ص<br />
.249<br />
32
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
متبادلة، وقد أثر المجتمع الجديد تأثيرا ً بالغا ً <strong>في</strong> الرؤى الثورية التي نجدها <strong>في</strong> روايات<br />
هذه المرحلة، ولا سيما <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> وقد عبر عن هذه العلاقة الدكتور طه وادي<br />
بقوله: "<strong>الرواية</strong> الواقعية <strong>في</strong> الغالب الأعم تقدم صورة المرأة إيجابية متفاعلة.. تتصل<br />
حركتها الذاتية بحركة المجتمع ككلّ"<br />
32<br />
.<br />
وانتقلت البطولة الإيجابية انتقالا ً يكاد يكون كاملا ً <strong>في</strong> الروايات الأنثوية من الذكر<br />
إلى الأنثى، فأصبحت البطلة الأنثى تستبدل قيما ً بقيم، وهي تسوق الأحداث للتعبير عن<br />
أفكارها ورؤاها وتجاربها، وليس ذلك فحسب، بل غدت تجاهر بما كان محظورا ً عليها<br />
الاقتراب منه، وغدت <strong>الرواية</strong> الأنثوية تقترب من السيرة الذاتية، فبطلات الروايات<br />
صور عن الكاتبات، وهذه إحدى الروائيات المعاصرات <strong>في</strong> <strong>سورية</strong> تقول <strong>في</strong> شهادتها:<br />
"المرأة هي البطلة الرئيسية الأولى <strong>في</strong> رواياتي خاصة. هي المحرك وهي الأصل.<br />
خلا ّقة فاعلة حتى وهي <strong>في</strong> أضعف مواقفها. تقف إلى جانب بطلها دائما ً وتدفعه إلى<br />
المشاركة التي تأخذ وتعطي. لكن ّها المتفوقة <strong>في</strong> العطاء. حتى ليبدو <strong>في</strong> النهاية أن ّها هي<br />
التي كانت تتقدم على البطل منذ البداية"<br />
33<br />
.<br />
ولنبدأ أولا ً من <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> رواية "ليلة واحدة" لكوليت خوري، فالأحداث<br />
تدور حول شخصية رشا بطلة هذه <strong>الرواية</strong>، فهي تواجه أولا ً سلطة الذكر <strong>في</strong> شخصية<br />
الأب التقليدي القاسي الذي تصفه البطلة بقولها:"كن ّا نخشاه، كان قاسيا ً"<br />
34<br />
، وكانت<br />
التقاليد هي التي توجه هذا الأب، ومنها يستمد سلطته، فهو لا يفهم أن من الممكن أن<br />
يكون للأنثى طموح غير الزواج، فهي ولدت لتتزوج لا لتدرس مهنة اختص بها<br />
الرجال<br />
35<br />
،ثم هي تنتقل بزواجها التقليدي من سلطة الأب إلى سلطة الزوج، ولذلك<br />
هي لا تساوي <strong>في</strong> نظره أكثر من قطعة أثاث ثمينة <strong>في</strong> منزله، وهي تخاطب زوجها<br />
1980، ص234.<br />
32<br />
33<br />
وادي، د .طه: "صورة المرأة <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> المعاصرة"، دار المعارف بمصر، ط2،<br />
الخش، أميمة: "شهادة <strong>في</strong> التجربة الروائية"، دراسات اشتراكية وعدد خاص ب<strong>الرواية</strong> ال<strong>سورية</strong><br />
المعاصرة، ع 183-182، آذار- حزيران<br />
خوري، كوليت: "ليلة واحدة"، منشورات زهير البعلبكي، بيروت،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
،1970 ص .23<br />
2000 ص .410<br />
.25<br />
34<br />
35<br />
33
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
بهذه المرارة: "لأنك لم تستطع <strong>في</strong> حياتك أن تنظر إلي كامرأة<br />
قطعة ضرورية متحركة من أثاث البيت"<br />
..<br />
36<br />
.<br />
كنت زوجتك أي<br />
رشا امرأة <strong>دمشق</strong>ية تزوجت سليما ً الرجل الثري منذ عشر سنوات، وهو رجل<br />
شرقي قصير بدين، ومع ذلك لم ينظر إليها على أن ّها إنسان يشاركه الحياة والمصير<br />
و<strong>الرواية</strong> <strong>في</strong> مجملها رسالة اعتراف تكتبها هذه الزوجة لزوجها من أحد فنادق باريس<br />
وإن كانت هذه الرسالة لم تصل، وهي تلخ ّص قصة حياة كاملة عاشتها رشا <strong>في</strong> ليلة<br />
واحدة، فقد زوجها أهلها، وهي ذات خمس عشرة سنة رجلا ً يكبرها بثماني عشرة<br />
سنة، وعاشت مع زوجها <strong>في</strong> فراغ قاتل، وهي تسافر إلى باريس للمعالجة كي تنجب<br />
له ذكرا ً، وتتعرف <strong>في</strong> القطار إلى شاب يدعي كمال، وهو من أصل سوري يسكن <strong>في</strong><br />
باريس، وتعيش معه على سرير واحد، وت ُصاب بمفاجأة حين يخبرها الطبيب أن ّها<br />
امرأة طبيعية، فتكتشف أن زوجها عقيم، ولذلك هو يرفض إجراء الفحوصات الطبية<br />
له وتصدمها سيارة <strong>في</strong> أثناء عودتها إلى مرسيليا لمواجهة زوجها بالحقيقة، فتنقل إلى<br />
المستشفى، وتكون سعيدة بهذه النهاية: "كانت حياتي.. كلّ حياتي.. ليلة واحدة"<br />
37<br />
.<br />
ورشا تفرق <strong>في</strong> رسالتها إلى زوجها بينه وبين كمال الذي التقته مصادفة، فهو قد<br />
أهملها وأهمل إحساساتها لأنه رجل ذو عقلية قديمة، ولا يدرك ما قيمة الإحساسات<br />
الأنثوية، فلما ارتدت ثوبها الزيتي الأنيق <strong>في</strong> <strong>دمشق</strong>، وأرادت أن تفاجئ زوجها به كان<br />
موقفه سلبيا ً، لأنه يكشف عن بعض مفاتنها، ولكن كمال حين رآها ترتدي ذلك الثوب<br />
قال لها بإعجاب: "ما أجملك.. إن عينيك زمردتان.. ينعكس بريقهما على الثوب..<br />
<strong>في</strong>غرقه.. أنت رائعة"<br />
.<br />
38<br />
وكانت رشا أنثى جريئة وصريحة، فلم تستطع أن تخون<br />
زوجها مع رجل غريب، وتصمت على ذلك، كما يجري عادة <strong>في</strong> المجتمعات التقليدية،<br />
بل واجهته بالأمر <strong>في</strong> رسالتها، وبينت له أن وجودها معه أمر غريب، لأن ّها كانت<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
.160<br />
.235<br />
.162<br />
36<br />
37<br />
38<br />
34
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
تحس بغربتها معه <strong>في</strong> تلك الغرفة، وكأن ّها صنم أو تمثال جليدي، على حين كانت مع<br />
حبيبها عروقا ً تتفتح وامرأة تعطي وإذا كانت هي خائنة، فإن خيانتها مشروعة، لأن ّها<br />
كانت تخون نفسها معه، وهي الآن تخونه مع عشيقها<br />
.<br />
39<br />
وهكذا انتقمت رشا مرة<br />
واحدة من ماضيها الذي لم يكن لها من يد <strong>في</strong> اختياره، وظل ّت صامتة إزاء مصيرها<br />
إلى أن انفجرت دفعة واحدة أمام حقيقتين جاءتا <strong>في</strong> وقت متقارب: لقائها بالإنسان<br />
الجديد كمال، واكتشافها أن ّها امرأة طبيعية صالحة للإنجاب وأن زوجها هو العقيم،<br />
وهو يغش ّها ويخونها <strong>في</strong> جسدها الذي تحول إلى متعة خاصة به وخادمة لمنزله.<br />
وإذا كانت هذه حالة رشا فإن صورة أخرى للمرأة الجديدة <strong>في</strong> رواية "أيام<br />
مغربية" لقمر كيلاني، فسمر ال<strong>دمشق</strong>ية المدرسة تقرر بنفسها السفر إلى المغرب<br />
للمشاركة هناك <strong>في</strong> تدريس اللغة العربية، وهي تشارك أبناء المغرب <strong>في</strong> البحث عن<br />
خلاص من الاستعمار الفرنسي، وهي شخصية وطنية تنتمي إلى جميع أقطاره، وهي<br />
أنثى تسهم كالرجال <strong>في</strong> المهرجانات الأدبية والندوات، وتشترك <strong>في</strong> تحرير المجلات<br />
. هناك<br />
40<br />
ويعج عالم رواية "ليلة المليار" لغادة السمان بالشخصيات والأحداث التي تبدأ <strong>في</strong><br />
بيروت زمن القصف الإسرائيلي <strong>في</strong> حزيران، وتنتقل الأحداث ببعض أشخاصها إلى<br />
أوروبة هربا ً من الجحيم المشتعل <strong>في</strong> لبنان، وهناك كان المتاجرون العرب بالأسلحة<br />
وعالم المخدرات والسهر والدسائس للوصول إلى المال والأنثى، ويمكننا أن نتوقف هنا<br />
عند شخصية صاحب المليار وعاشق الذهب الذي فقد كل صلة بالإنسانية، وظن أن<br />
العالم وزوجات الآخرين طوع يديه، ولذلك كان يطمح دائما ً إلى أن يحق ّق الربح الكبير<br />
للوصول إلى امتلاك المليار، وهو يعوم وسط بركة ذهبية ليشفى مما <strong>في</strong> جسده من<br />
عيوب:<br />
.188-187<br />
39<br />
40<br />
المصدر نفسه، ص<br />
كيلاني، قمر: "أيام مغربية"، دار الكاتب العربي، بيروت،<br />
1965، ص99.<br />
35
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
"كم يحب أن يسترخي هنا.. هنا لا يعود جسدا ً نصف مترهل تفترسه الشراهة..<br />
ضغطه الشرياني لم يعد مرتفعا ً. قلبه لا يهدد بالتوقف. قامته ليست قصيرة. لم يعد<br />
رغيد الزهران. لم يعد <strong>في</strong> الستين من عمره. ليس مصابا ً بالسكري إلى جانب أمراضه<br />
الأخرى. عيناه ليستا مهددتين بالعمى. لم يشترِ كلية رجل آخر ولا يعيش بأعضاء<br />
مستعارة"<br />
41<br />
.<br />
وتحاول غادة السمان أن تفضح عالم الرجال على لسان ليلى التي لم تجد منهم<br />
سوى القساوة والخبث والكذب واحتقار المرأة، فقالت: "ما أقسى عالم الرجال على<br />
اختلاف أفكارهم وأهوائهم ومشاربهم. إن ّهم يت ّفقون على شيء واحد: الاحتقار الضمني<br />
للمرأة. البروليتاريا وجدت من يدافع عنها، أما المرأة فقد وجدت من يوظ ّف عذابها<br />
للدفاع عن ذكور البروليتاريا حتى إذا ما نجحت الثورة، قطفها الرجل وأعيدت المرأة<br />
إلى صناديقها. حتى تثوير المرأة خدعة. كلّ شيء خدعة، والحلّ البسيط هو <strong>في</strong> أن<br />
أعمل كرجل، وأحب كما يحب الرجال.. والرجل لا يحب المرأة إلا ّ <strong>في</strong> أوقات فراغه،<br />
وخارج فترات بناء مستقبله، وأنا كذلك"<br />
42<br />
.<br />
أما سلمى بطلة رواية "زهرة اللوتس" لأميمة الخش ّ فهي تخرج على طاعة<br />
الأسرة وتعاليمها حين تدعو ماجدا ً وهو <strong>في</strong> المرحلة الثانوية، وهي لا تزيد على اثني<br />
عشر عاما ً إلى المنزل بغياب أهلها ليجلسا ويتغازلا معا ً، وهذا ما اكتشفه والدها رشاد<br />
وأثار غضبه، وحاول استجوابها لمعرفة حقيقة ما جرى بينهما <strong>في</strong> ذلك اللقاء، وكان<br />
يتخبط كالأعمى، فسألته ابنته:<br />
-<br />
-<br />
لكن ..ماذا فعلت ُ يا أبي؟<br />
عاوده الغضب أشد من ذي قبل، فانقض عليها كالمجنون، وبدأ يهزها من جديد:<br />
ماذا فعلتِ؟! جلبت العار لنا جميعا ً، ثم تسألين ماذا فعلت؟!<br />
السمان، غادة: "ليلة المليار"، منشورات غادة السمان بيروت، ط2،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
1991، ص36.<br />
.342-341<br />
41<br />
42<br />
36
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
وبصوت خافت بريء قالت:<br />
-<br />
-<br />
وأي عار جلبته يا أبي؟<br />
العار أن تفك ّري <strong>في</strong> حب شاب، والعار أن تحبيه فعلا ً، والعار أن تلتقي به على<br />
انفراد. فمن الذي يضمن ما حصل بينكما أيتها الفاجرة؟<br />
43<br />
ويدبر لها الأب رشاد بعد عدد من السنوات زواجا ً بالإكراه من كمال بك الرجل<br />
الذي لا يعرف سوى مصالحه وشهواته، ولما عجزت سلمى زوجته عن إشباع رغباته<br />
اتصل بحضورها بدلال لتنوب عنها بهذه المهمة<br />
44<br />
، ولكن أحمد الإنسان الجديد<br />
يستطيع أن يعيدها إلى الحياة مرة أخرى، وهو الذي يدعوها زهرة اللوتس التي<br />
احتفظت بنقائها، لأن ّها رغبت <strong>في</strong> الانعتاق<br />
.<br />
45<br />
وتتجرأ نازك بطلة رواية "امرأة من طابقين" لهيفاء بيطار على سلطة المثق ّف<br />
الذكوري، وثقافته هش ّة لأنها لا تستند إلى قيم عليا، وهو يستخدمها <strong>في</strong> سبيل مصالحه<br />
كبقية الذكور، فالقيم التي يطرحها الروائيون الذكور مثالية، ولكن ّها حين تقترب من<br />
هؤلاء، وهي الشابة الجميلة المثقفة الكاتبة تجد أن القول شيء والسلوك شيء آخر،<br />
فالرجل الشرقي مازال هو هو، سواء أكان جاهلا ً أم متعل ّما ً أم مثق ّفا ً، إنه مسكون بالقيم<br />
التقليدية والخداع، وإذا تخلصت الأنثى من سلطة الرجل الجاهل <strong>في</strong> المنزل بالطلاق أو<br />
ما شابه ذلك فإن المجتمع الذكوري يواجهها بكل صلابة، والمثقفون <strong>في</strong> رواية "امرأة<br />
من طابقين" ذئاب جائعة لجسد نازك، وهي امرأة جميلة مطل ّقة <strong>في</strong> العقد الرابع من<br />
عمرها تبحث عن مكان للحب والقيم <strong>في</strong> عالمنا الموبوء، وتنصرف إلى الكتابة<br />
الروائية، وتنخرط <strong>في</strong> عالمها، فتكتشف أن عالم المثق<strong>في</strong>ن صورة مكثفة عن القذارة<br />
والمقايضات، وعليها<br />
- إذا هي رغبت بالشهرة - أن تقايض بجسدها، فالشهرة<br />
يصنعها الكت ّاب القدامى الذين وصلوا إلى الشهرة والنجومية، ولكنها ترفض أن تكون<br />
الخش، أميمة: "زهرة اللوتس"، دار المستقبل، <strong>دمشق</strong>، ط1،<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
1993، ص73.<br />
.164<br />
.279<br />
43<br />
44<br />
45<br />
37
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
سلعة، وهي امرأة نرجسية<br />
46<br />
(Narcissism) ترى أن موهبتها فوق موهبة كاتب البلاد<br />
الشهير الذي ابتسم له الحظ بالمصادفة، وهي ترسل إليه بعض إنتاجها، ولكن ّه يماطلها،<br />
وهي تدرك ما يخبئه لها: "لكنني متأكدة أن ّه لن يمد لي يد المساعدة، <strong>في</strong> أعماقه يخشى<br />
انطلاقي، يخاف أن أحق ّق ذاتي وأطغى عليه، يا له من أناني بخيل وسافل، تذك ّرت<br />
كيف يميل لتعهير الأديبات، واستعدت الكلمات والقصص التي حكاها لي عن أديبات<br />
مشهورات، صرخت بحنق وقد اتخذت قرارا ً لا رجعة <strong>في</strong>ه: بتر علاقتي كل ّيا ً مع<br />
الكاتب، والمطالبة برسائلي، اللعنة على الشهرة إن كانت ستكون عن طريقه، إن ّه يريد<br />
أن يعهرني قبل أن يشهرني! هذا إذا صدق بوعده بأن ّه سيعرفني بناشره وسيفتح لي<br />
آفاقا ً عديدة إن ّما <strong>في</strong> الوقت المناسب"<br />
47<br />
. ثم إن هذا الكاتب الذي يؤهل نفسه لجائزة<br />
نوبل لا يستحق ّ من وجهة نظرها لذلك، وهي تضع كتابتها فوق ما يكتب، وتردد بينها<br />
وبين نفسها: "أنا الكتابة والكتابة أنا"<br />
48<br />
، وهي تقيم علاقات مع نخبة من هؤلاء<br />
المثق<strong>في</strong>ن بدءا ً بالرجل الكاتب الكبير الذي تجاوز العقد الثامن عمره إلى المحرر <strong>في</strong><br />
المجلة الثقا<strong>في</strong>ة الأكثر شهرة، وهو <strong>في</strong> العقد السادس إلى أحد المثق<strong>في</strong>ن الذي نشر ما<br />
يزيد على خمسة عشر كتابا ً،ولذلك هي تستخدم أنوثتها لإذلال كاتب البلاد الشهير، فتقتحم<br />
عليه منزله، وتغويه لتهزمه وتهزم شيخوخته، وهدفها إذلال هذا الكاتب وقهره،<br />
لتكون سعيدة: "أسعدني، وربما أرضى غروري أن أحس شهرته تجثو عند ركبتي"<br />
49<br />
.<br />
46<br />
النرجسية هي "الشذوذ الجنسي الذي يجعل المرء غارقا ً <strong>في</strong> عشق ذاته بحيث لا يكون للمرء إلا<br />
شيء واحد يتأمله ويشتهيه، وهو نفسه". انظر: صليبا، د. جميل، "المعجم الفلس<strong>في</strong>"، دار الكتاب اللبناني<br />
ومكتبة المدرسة، بيروت 1982، الجزء الثاني، ص<br />
بيطار، هيفاء: "امرأة من طابقين"، مكتبة بالميرا، اللاذقية، ط2، د.ت، ص67. صدرت <strong>الرواية</strong> أول<br />
مرة عام<br />
المصدر نفسه، ص<br />
المصدر نفسه، ص<br />
.462<br />
.15<br />
.45<br />
.1999<br />
47<br />
48<br />
49<br />
38
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
-1<br />
هكذا كانت المرحلة الجديدة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي مرحلة مواجهة وهجوم، أو هي<br />
مرحلة البطولات الأنثوية، فهي لا تقتصر على مواجهة القيم التقليدية، وإنما تجاوزت<br />
ذلك إلى مواجهة الرجل نفسه وما يدعيه غالبا ً من فحولة وقوة، حتى بات هذا الإنسان<br />
<strong>في</strong> بعض <strong>الخطاب</strong>ات الأنثوية الجديدة ضعيفا ً يستحق ّ الرحمة والشفقة، وهكذا تحول<br />
<strong>الخطاب</strong> الأنثوي من الشفقة على الأنثى الضعيفة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي التقليدي إلى<br />
الشفقة على الذكر الضعيف <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد.<br />
هكذا نخلص إلى القول:<br />
إن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> التقليدية تقليدي، وهو لا يختلف <strong>في</strong> أسلوبه<br />
وبنائه عن أسلوب <strong>الرواية</strong> الذكورية وبنائها، لأنه يستعير اللغة الذكورية<br />
بمتانتها وفصاحتها، ولكنه من جهة أخرى يرفع قضية الأنثى التي ظلت<br />
معلقة <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الذكوري، وحاول هذا <strong>الخطاب</strong> أن يرسخ قيم الذكورة<br />
ومبادئها وقوانينها، كالشرف ونبالة الأصل والأخلاق، ولكنه <strong>في</strong> الوقت ذاته<br />
يخ<strong>في</strong> ضمنه قضية مهمة، وهي الاعتراف بأن عقل الأنثى غير قاصر على<br />
الأمور التي خصها بها المجتمع التقليدي، فهي إنسان قادر أيضا ً على العطاء<br />
والإبداع، وهذا هو الخروج الأهم على ما كان متعارفا ً عليه <strong>في</strong> تلك<br />
المرحلة.<br />
2- وإن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> المرحلة الرومانسية قد اختلف اختلافا ً ظاهرا ً، فهو<br />
أولا ً خطاب الأنثى البورجوازية المثقفة التي تمردت على العادات والتقاليد،<br />
ورفضت أن تكون شبيهة بجدتها أو أمها، بل خرجت إلى ال<strong>جامعة</strong> والحياة،<br />
وتمردت على القوانين، ولكن المشكلة ظلت عالقة لأن نضال هذه الأنثى ظل<br />
ذاتيا ً، وظل خلاصها فرديا ً، فهي لم تتقبل المجتمع، وتشبهت بعض بطلات<br />
روايات هذه المرحلة بالمرأة الأوروبية، كما هي الحالة مثلا ً عند بطلة رواية<br />
39
تحولات <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> <strong>النسوية</strong> <strong>في</strong> <strong>سورية</strong><br />
(أيام معه) وبطلة رواية (الوطن <strong>في</strong> العينين)، ولذلك وقف المجتمع الذكوري<br />
جملة وتفصيلا ً ضد هذا <strong>الخطاب</strong>.<br />
3- وإن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي الجديد يطرح فكرة المساواة التامة <strong>في</strong> الحقوق<br />
والواجبات <strong>في</strong> المجالات كافة بين الأنوثة والذكورة، ولذلك ارتفع صوت<br />
الأنثى يجاهر بالحاجات الجسدية وقدمت <strong>الرواية</strong> البطلة الإيجابية التي<br />
اخترقت عالم المحظورات كما اخترقت سلطة المثقف الذكوري وهي مرحلة<br />
البطولات الأنثوية من جهة، ومرحلة المواجهة من جهة ثانية وما تزال هذه<br />
المرحلة <strong>في</strong> طور التشكيل.<br />
إن الاختلاف <strong>في</strong> طرح مشكلات المرأة قوة وضعفا ً، صراحة ومواربة يعود إلى<br />
ظروف خارجية وظروف داخلية أولا ً وأخيرا ً، فالتحولات <strong>في</strong> <strong>الخطاب</strong> الأنثوي تعود<br />
إلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبخاصة التحولات الجيلية نسبة إلى<br />
الجيل التي طرأت على المجتمعات العربية، ومنها المجتمع العربي <strong>في</strong> <strong>سورية</strong>، ولا<br />
شك <strong>في</strong> أن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين يختلف<br />
عن <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> الثمانينات والتسعينيات منه، فالمعطيات متغيرة هنا وهناك،<br />
فكان <strong>الخطاب</strong> الأنثوي <strong>في</strong> الخمسينيات حييا ً خجولا ً يطالب بالقليل من الحقوق الأنثوية،<br />
ثم بدأت المطالبة بالتزايد شيئا ً فشيئا ً إلى أن غدت كلية: حرية المرأة <strong>في</strong> العلم والعمل<br />
والزواج والجنس والكتابة واستقلال إرادتها استقلالا ً يكاد يكون تاما ً.<br />
40
مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong> – المجلد 21- العدد (2+1) 2005<br />
عاطفة <strong>في</strong>صل<br />
-<br />
-<br />
-<br />
-<br />
1<br />
2<br />
3<br />
4<br />
5<br />
6<br />
7<br />
المصادر والمراجع<br />
-بيطار، هيفاء: "امرأة من طابقين"، مكتبة بالميرا، اللاذقية، ط2، د.ت.<br />
-حجاب، ناديا: "المرأة العربية - دعوة إلى التغيير"، رياض الريس للنشر، لندن،<br />
د.ت.<br />
الحفار الكزبري، سلمى: "عينان من إشبيلية"، دار الكاتب العربي، بيروت د.ت.<br />
-حنوش، جورجيت: "ذهب بعيدا ً"، دار الأندلس، بيروت، ط1، 1961م.<br />
الخاني، ملاحة: "بنات حارتنا"، اتحاد الكتاب العرب، <strong>دمشق</strong>، 1998م.<br />
الخش، أميمة: "زهرة اللوتس"، دار المستقبل، <strong>دمشق</strong>، ط1، 1993م.<br />
الخش، أميمة: "شهادة <strong>في</strong> التجربة الروائية"، دراسات اشتراكية (عدد خاص<br />
2000م.<br />
ب<strong>الرواية</strong> ال<strong>سورية</strong> المعاصرة) العددان<br />
-خوري، كوليت: "أيام معه"، المكتب التجاري للطباعة والنشر، بيروت، ط4،<br />
1967م.<br />
-خوري، كوليت: "ليلة واحدة"، منشورات زهير البعلبكي، بيروت، 1970م.<br />
10- سكاكيني، وداد: "أروى بنت الخطوب"، دار الفكر العربي، مصر، د.ت<br />
11- سكاكيني، وداد: "الحب المحرم"، دار الفكر العربي، مصر، د.ت.<br />
السمان، غادة: "ليلة المليار"، منشورات غادة السمان، بيروت، ط2، 1991م.<br />
13- طرابيشي، جورج: "شرق وغرب-رجولة وأنوثة"، دار الطليعة،بيروت، ط3،<br />
1982م.<br />
كرد علي، محمد: "أقوالنا وأفعالنا"، دار إحياء الكتب العربية، مصر، 1946م.<br />
كيلاني، قمر: "أيام مغربية"، دار الكاتب العربي، بيروت، 1965م.<br />
المرنيسي، فاطمة (وآخرون): "صور نسائية"، ترجمة جورجيت قسطون،<br />
<strong>دمشق</strong>، د.ت.<br />
المسالمة، د. إنعام: "الحب والوحل"، دار الثقافة ب<strong>دمشق</strong>، 1963م.<br />
نعنع، حميدة: "الوطن <strong>في</strong> العينين"، دار الآداب، بيروت، 1979م.<br />
نويلاتي، هيام: "<strong>في</strong> الليل"، مطبعة الصرخة، ط1، 1959م.<br />
وادي، د. طه: "صورة المرأة <strong>في</strong> <strong>الرواية</strong> المعاصرة"، دار المعارف بمصر،<br />
ط2، 1980م.<br />
183-182 آذار-حزيران،<br />
.<br />
8<br />
9<br />
-12<br />
-14<br />
-15<br />
-16<br />
-17<br />
-18<br />
-19<br />
-20<br />
تاريخ ورود البحث إلى مجلة <strong>جامعة</strong> <strong>دمشق</strong><br />
.2003/12/11<br />
41