The Diabetologist #24+25
طبيب السكري - العدد 24+25
طبيب السكري - العدد 24+25
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
هوامش سكرية<br />
عن غيره. فلكل منا رائحة تختلف عن اآلخر، حتى إنه ليمكننا القول بأن<br />
كل إنسان له بصمة كيميائية تتمثل في أن جسده يفرز مواد محددة<br />
تختلف عن أي إنسان في العالم، وتبقى هذه الرائحة مرافقة له في عرقه<br />
مثال منذ والدته وحتى املوت.<br />
ويقول علماء ثالثة من جامعة هارفارد األمريكية وهم,Corey Liman,<br />
: and Dulac أن هنالك جزيئات تدعىTRP2 تتموضع على<br />
اخلاليا العصبية، وعندما تأتي املواد الكيميائية التي يطلقها إنسان<br />
آخر فإنها تندفع عبر اجلزيئات TRP2 وتسبب تغيرا في توتر اخللية<br />
)الطاقة الكهربائية املختزنة في اخللية(، وبالتالي ترسل اخللية إشارات<br />
كهربائية إلى الدماغ يحللها الدماغ مثل رسالة بريد إلكتروني.<br />
وهنالك مواد كيميائية يطلقها اإلنسان وتؤثر على سلوك اآلخرين، ويطلق<br />
عليها العلماء اليوم مصطلح "ذاكرة الرائحة" للداللة على وجود تقنيات<br />
في دماغ اإلنسان تستطيع تذكر الروائح والتفاعل معها، بل وتستطيع<br />
هذه الروائح إحداث تغييرات فيزيولوجية في اإلنسان.<br />
وتؤكد الدكتورة Linda Buck من جامعة هارفارد أن الروائح<br />
تستطيع التأثير في سلوك البشر، وتستطيع الروائح تنشيط مناطق<br />
كثيرة في الدماغ فتجعل اإلنسان يتذكر أشياء ارتبطت برائحة املادة<br />
التي يشمها، ويستطيع اإلنسان تذكر أشياء مضى عليها عشرات<br />
السنني ويربطها بهذه الرائحة.<br />
والذي الشك فيه هو إن عملية شم الروائح وحتليلها عند اإلنسان عملية<br />
معقدة جدا ال يزال العلم يبحث في بعض أسرارها، وإن مركز الشم<br />
يرتبط بالعديد من أجزاء الدماغ مثل الرؤية، أي أن هنالك عالقة بني<br />
الرائحة التي يشمها اإلنسان وبني ذكرياته وما يراه وما يؤثر على مركز<br />
الرؤية في الدماغ.<br />
يؤكد العلماء وجود عالقة بني الروائح التي يشمها اإلنسان وبني الكثير<br />
من مناطق الدماغ مثل التذكر والرؤية وحتى تغير السلوك اإلنساني.<br />
أي أن الرائحة التي يشمها اإلنسان قد تؤثر في القسم األمامي من<br />
الدماغ واملسؤول عن السلوك والقيادة واتخاذ القرارات.<br />
ولذلك من املمكن علميا أن تتعطل منطقة ما من مناطق الدماغ بسبب<br />
معني، ثم تأتي رائحة تذكر ذلك الشخص بالسبب الذي أدى حلدوث هذا<br />
التعطل وبالتالي تنشيط هذا اجلزء املعطل وإعادته لصورته الطبيعية.<br />
وبالعودة إلى قصة سيدنا يوسف .. نأتي إلى اآلية الكرمية ونتأملها<br />
من جديد على ضوء هذه االكتشافات، فقد أحضر إخوة يوسف قميصه<br />
وفيه رائحته، هذه الرائحة انتقلت مع الريح لتصل إلى أنف سيدنا<br />
يعقوب قبل أن تصل القافلة.<br />
ومبا أن البشر كانوا ميلكون قدرة كبيرة على حتليل اإلشارات الكيميائية<br />
أو الروائح، فإن سيدنا يعقوب استطاع تذكر رائحة ابنه الذي مضى<br />
على غيابه عشرات السنني، بينما بقية أفراد العائلة لم يصدقوا ذلك، إذ<br />
أن اجلميع يظن بأن يوسف قد أكله الذئب، ولذلك قالوا له: )قَالُوا تَاللَ ّهِ<br />
إِنَ ّكَ لَفِي ضَالَ لِكَ الْقَدِ ميِ( [ يوسف: 95[.<br />
إذن ما جاء في القرآن موافق للمنطق العلمي وللمكتشفات اجلديدة<br />
وال يناقضها أبدا، وإذا تذكرنا بأنه قبل آالف السنني لم يكن هنالك<br />
أي تلوث، فإن أي رائحة مميزة ستنتشر بشكل أفضل من انتشارها<br />
في عصرنا هذا بسبب التلوث الكبير للهواء. وإذا علمنا أيضا أن<br />
العلماء يؤكدون قدرة اإلنسان على تذكر الروائح لفترات طويلة من<br />
الزمن، وتذكرنا مبا يقوله العلماء حول تأثير هذه الروائح على السلوك<br />
اإلنساني، فيمكننا عندها أن نقتنع بقصة سيدنا يوسف وأن سيدنا<br />
يعقوب عليه السلالم قد شمّ رائحة قميص ابنه وقد أعادت هذه الرائحة<br />
له البصر.<br />
ولو تأملنا قصة سيدنا يعقوب عليه السالم عندما ابيضَ ّت عيناه بسبب<br />
حزنه على ولديه يوسف وأخيه، جند أن العمى حدث نتيجة صدمة<br />
نفسية، أي أن السبب نفسي وليس عضويا. وبكلمة أخرى لم يكن هنالك<br />
خلل في العني بل إن اخللل حدث في الدماغ في منطقة الرؤية.<br />
ورائحة قميص يوسف أو كما سمَ ّاها )ريح يوسف( قد أثرت ونشَ ّطت<br />
هذه املنطقة من الدماغ أي منطقة الرؤية، وتذكَ ّر على الفور ابنه يوسف<br />
وتأكد أنه ال يزال حيا، وبالتالي فإن السبب الذي أدى إلى اخللل في<br />
الرؤية قد انتفى، مما أدى إلى تصحيح اخللل في الرؤية.<br />
رأينا أيضا كيف أن دماغ اإلنسان يقرأ الروائح كما يقرأ الرسائل<br />
املكتوبة، أي أن سيدنا يعقوب كان ينتظر هذه الرسالة ليتعرف من<br />
خاللها أن ابنه ال زال حيا يُرزق، وبالتالي ستكون سببا في رد بصره<br />
إليه. وهذا ما قاله يوسف إلخوته عندما أمرهم أن يأخذوا قميصه ألن<br />
فيه رائحة سيدنا يوسف التي سيتعرف عليها األب مباشرة حتى قبل<br />
أن يصل القميص إليه : )اذْهَبُوا بِقَمِ يصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْ هِ أَبِي يَأْتِ<br />
بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْ مَعِ نيَ( [ يوسف: 93[.<br />
ولذلك لم يقل سيدنا يعقوب: )إني ألشم ريح يوسف(، بل قال: )إني<br />
ألجد ريح يوسف(، ألن سيدنا يعقوب قد وجد فعال هذه الرائحة، وتعرَّف<br />
عليها جيدا ألنه كان يبحث عنها طوال سنوات، وهذا يدل على الثقة<br />
الكبيرة لسيدنا يعقوب بهذه الرائحة، وأن يوسف ال يزال حيا.<br />
سكرية هوامش<br />
135<br />
العدد )25/24( < سبتمبر / أكتوبر 2013