Kolanas
Kolanas
Kolanas
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
إسرائيل واملسألة الدرزية....<br />
" أدت مشاركة عشرات اآلالف من أبناء الطائفة، بشيوخها وعلمانييها ، بجنودها ومعارضيهم، في المظاهرة<br />
الكبرى التي جرت في الرابع آب الجاري في تل ابيب إلى حشر الديماغوغية الصهيونية الرسمية في خانة " اليك"<br />
وتجريد صنّاعها، اليهود والدروز، من جميع عناصر التبرير والتمسكن التي اعتادوا على تجنيدها"<br />
جواد بولس<br />
قد تكون ردة فعل الطائفة املعروفية، العرب الدروز،<br />
ضد قانون أساس: "اسرائيل الدولة القومية للشعب<br />
اليهودي " هي احلدث "املختلف" األبرز واخلارج<br />
عن مألوف املشهد السياسي املتوقع والروتيين بني<br />
املواطنني العرب.<br />
أدت مشاركة عشرات اآلالف من أبناء الطائفة،<br />
بشيوخها وعلمانييها ، جبنودها ومعارضيهم، يف<br />
املظاهرة الكربى اليت جرت يف الرابع آب اجلاري يف<br />
تل ابيب إىل حشر الدمياغوغية الصهيونية الرمسية<br />
يف خانة " اليك" وجتريد صنّاعها، اليهود والدروز،<br />
من مجيع عناصر التربير والتمسكن اليت اعتادوا على<br />
جتنيدها يف معرض محالتهم الدعائية للدفاع عن<br />
السياسات العنصرية ضد مجيع املواطنني العرب.<br />
جنحت، يف العقود املاضية، القيادات احلزبية<br />
الصهيونية ومبساعدة مراكز قوى درزية مؤثرة،<br />
باخراج الطائفة من حضنها الطبيعي، حضن األقلية<br />
العربية، وربطها مبصري الدولة اليهودية وذلك<br />
بأواصر حلف اختار خمرتعوه الدمَ له صمغًا واملواطنة<br />
اإلسرائيلة املوهومة إناءً واملساواة حمفّزات كاذبة.<br />
لن نعاجل هنا تفاصيل هذه العالقة، لكننا نؤكد أنه<br />
رغم جناح رعاتها، بشكل نسيب وإىل حد بعيد،<br />
يف حماصرة أبناء الطائفة وتأطريهم يف قوالب ثقافية<br />
واجتماعية انفصالية وانعزالية، برزت بينهم<br />
جمموعات عرفت بتصدّيها الصارم لقضية التجنيد<br />
االجباري يف جيش االحتالل االسرائيلي وحملاوالت<br />
طمس هويتهم وتزييفها وتأكيدهم، باملقابل، على<br />
انتماء الدروز األصيل للعروبة ولنضاالت ابنائها<br />
وهمومهم.<br />
سترتك أصداء مقاومة العرب الدروز هلذا القانون أثرًا<br />
لن متحوه األيام املقبلة وشرخًا لن تدمله ترضيات<br />
احلكومة وأالعيبها، وال متويهات بعض قادتهم<br />
ووعودهم اخللب؛ مع هذا ورغم وضوح معامل اهلوة،<br />
بني "احللم" الدرزي وطبيعة الدولة كما كانت قبل<br />
قانون القومية وتأكدت بعده، رأينا أن معظم غري<br />
الدروز الذين تطرقوا لردة فعلهم بقوا أسرى ملساطر<br />
تقييماتهم التقليدية وتعاطيهم النمطي واملبين على<br />
ممارسات بعض جيوب الطائفة السلبية جتاه حمن<br />
أبناء شعبهم وقضاياه املصريية، واملعادية خاصة كما<br />
جتلت من خالل مواقعهم يف اجليش وأجهزة األمن<br />
االسرائيلية.<br />
مل تفت الفرصة بعد، فمعامل "املسألة الدرزية" يف<br />
إسرائيل باتت أشد وضوحًا وقد تكشفت حماورها ،<br />
يف هذه األزمة، حتى النخاع ، حتى أضحت فرص<br />
احتوائهم جمددًا، كأبناء لشعب واحد، ملحة ومن<br />
ضمن مسؤوليات مؤسسات اجملتمع العربي وقياداته<br />
النافذة ومسؤولية خنب الطائفة الواعية على حد<br />
سواء .<br />
مل يكن نشيد الدروز ، بعد صدمة القانون، متناغمًا<br />
وموحدًا، ورغم طغيان نشوز من نادوا، بانتهازية<br />
مستفزة، بضرورة الغاء القانون ألنه مييز بني<br />
"اخوة السالح" تبقى وقفتهم هذه املرة مغايرة عن<br />
احتجاجاتهم املطلبية يف بعض املواجهات املوضعية<br />
السابقة ؛ فعندما خرجوا للدفاع ضد مصادرة<br />
أراضيهم يف موقع ما اقتصرت حدود"املعركة" على<br />
ذاك املكان وحول مصري تلك األرض حتديدًا، وذلك<br />
متاما كما يف مواجهاتهم ضد هدم البيوت غري<br />
املرخصة يف عدة قرى يسكنونها .<br />
مل يربز يف مجيع تلك القضايا العينية، بشكل<br />
ال يقبل الغمغمة وال التدوير أو التربير ، دوافع<br />
"دولتهم" وإصرار قادتها على إقصائهم اجلمعي،<br />
كطائفة كادت تُقنع، بالتضليل، أنها من نفس<br />
"العرق" املميز الذي ينتمي اليه "شركاؤهم" أبناء<br />
شعب اهلل املختار.<br />
جاءت ضربة "السيّد األعلى" فأصابت أفواجًا جديدة<br />
منهم بربكة الصحوة وموضعتهم يف مرتبتهم الطبيعية<br />
مع سائر األغيار الذين خلقوا خلدمة أصحاب الوعد<br />
والرعد وحكام السماء واألرض، كما يؤمن السادة.<br />
كرر كثريون مشاتتهم على ردة فعل أبناء الطائفة<br />
العربية الدرزية وذلك ملا أبدته الدولة من "جحود"<br />
حبق من خدموها طيلة سبعة عقود ومنهم من فقد<br />
أبناءه فداءً للعلم ولشراكة الدم؛، وتبع آخرون<br />
حدسهم فراهنوا على أن قيادات الدولة ستنجح،<br />
هذه املرة أيضً ا، يف إحتواء األزمة ومترر، مبساعدة<br />
بعض القيادات الدرزية التقليدية، صفقة مقايضة<br />
جديدة وفقها سيحصل الدروز على بعض االمتيازات<br />
واملكاسب املادية مقابل ابقائهم يف اخلنادق ينشدون<br />
"هتكفا" ويعيشون يف واقع من املرايا املهشمة وبظل<br />
هوية جرحية وكسرية.<br />
قد تكون مشاعر مجيع املنتقدين مربرة، فمواقف قادة<br />
الطائفة العربية الدرزية بعد إقامة إسرائيل أنتجت<br />
أسباب ذلك التنابذ وشكلت أرضًا خصبة ملشاعر<br />
الشماتة وعدم الثقة ؛ مع هذا ال بد من رصد مسرية<br />
التغيريات احلاصلة داخل اجملتمعات الدرزية يف<br />
البالد.<br />
كان اجليش ومصلحة السجون اإلسرائيلية، يف<br />
البدايات، املشغّلني الرئيسيني البناء الطائفة اليت<br />
تشكلت باألساس من جمتمعات فقرية تقليدية<br />
وحمافظة، أمّا اليوم فمعامل كثرية من تلك اهلياكل<br />
قد اندثرت وبدأت تتشكل بنى جديدة وتأخذ<br />
مكانتها االجتماعية والريادية يف معظم التجمعات<br />
السكنية الدرزية .<br />
لقد تأثر العرب الدروز ، كغريهم من املواطنني<br />
العرب، بوتائر التطورات االجتماعية واالقتصادية<br />
احلاصلة يف الدولة واليت أدت بطبيعة احلال إىل منو<br />
خنب جديدة وشرائح وازنة من املثقفني واألكادمييني<br />
ورجال األعمال واملهنيني الناشطني يف جمتمعات<br />
أصبحت أكثر انفتاحًا على العامل وجاهزية للتعاطي<br />
مع حتديات العصر، واستعدادًا ملواجهة خملّفات<br />
املاضي، واصرار ًا من أجل السعي وراء أحالم<br />
ملستقبل آمن يظلل أبناءه بهوية واضحة القسمات<br />
غري مشوهة أو هشّة .<br />
لن تكفي هذه الرقعة لإلحاطة بتفاصيل تلك<br />
التطورات، ولكن ليس من املعقول أن تستمر وشائج<br />
عالقاتنا أسرية لفرضية تقول ال فائدة من دروز<br />
بالدنا ، وذلك كما آمن وما زال الكثريون بيننا.<br />
هنالك كم هائل من الدراسات الواقعية حول ما<br />
أمسيته "باملسألة الدرزية" يف اسرائيل، ويكفي أن<br />
نتابع ما كتبه بعض أعالمها من املثقفني يف األسابيع<br />
األخرية كي نرى كيف تفاعلت تلك النخب مع<br />
قضية تشريع قانون القومية وخبالف واضح مع<br />
مواقف معظم القيادات التقليدية ومبا قد ينسف<br />
صحة الفرضية املذكورة.<br />
سنقرأ مثالً عن حتذير ابن قرية "يركا" الربوفيسور<br />
أمل مجال من انتهازية القيادات الدرزية وذلك يف<br />
مقالة هامة له ( نشرها يف الثاني من آب اجلاري<br />
يف جريدة هآرتس( حيث قال فيها " ال ميكن أن<br />
ينحصر نضال الدروز يف مسألة إبطال أو تغيري قانون<br />
القومية؛ جيب أن يكون النضال أعمق وأمشل من<br />
ذلك. جيب أن يكون على صورة الدولة بشكل عام<br />
وعلى معنى املواطنة فيها" .<br />
مل يكتف بذلك بل مضى مشككًا بنوايا تلك<br />
القيادات ألنها كانت على اطالع بعملية التشريع<br />
قبل أجنازها؛ فمن يرضى " حبصر مطالبه يف قضية<br />
عينية وربطها باخلدمة العسكرية والوالء األعمى<br />
يعكس فشالً قيميًا وسياسيًا على حد سواء؛ هذه<br />
اللغة تناسب فرق املرتزقة وال تناسب مواطين دولة<br />
تدعي أنها دميقراطية". كالم يف منتهى احلزم.<br />
تزامنًا مع املقال املذكور نشر احملامي شكيب علي<br />
يف موقع "واينت" مقاالً بعنوان " أصالً ، من والّ كم<br />
قادة للطائفة الدرزية؟ " وفيه جييب باستقامة وجرأة<br />
تعكسان إنبعاث روح جديدة تعبعب يف صدور أجيال<br />
اليوم، فيقول : " انها املؤسسة اليت تولّي على<br />
الطائفة قيادة ضعيفة ومنبطحة وعاجزة " ثم يعلن<br />
،بتحد شغوف، أن " انتفاضة شباب الطائفة ، أبناء<br />
"التطبيقات" وحكماء "غوغل" اثبتت بأن املسرحية<br />
قد انتهت وبأن عصر تعيني امللك املريح للمؤسسة قد<br />
وىلّ وانتهى ، فما هو جيّد للملك املوىلّ ليس بالضرورة<br />
جيد لشباب الطائفة فعصر االكاذيب واملسرحيات قد<br />
انتهى وعلى احلكومة واملؤسسات أن تعامل الدروز<br />
باحرتام كامل ومبساواة حقيقية " .<br />
انها لغة جديدة؛ لغة أجيال تزورها احلقيقة يف<br />
املخادع، ولن يقدر أحد يف هذا العصر على تزويرها<br />
أو حجبها .<br />
يف املاضي صرخت جمموعات صغرية عربية درزية<br />
مؤكدةً : حنن عرب يا عرب، فصدقتهم قلة من<br />
العرب وقلة أقل من الدروز ؛ أما اليوم فما زال أولئك<br />
يصرخون على العهد ومعهم يصرخ عشرات املثقفني<br />
واألكادمييني بصوت جديد وعال ؛ هو صوت من<br />
أفاقوا على هول اخلديعة ووقع احلقيقة بأنهم ليسوا<br />
أكثر من عرب وال أقل من دروز .<br />
أمامنا تهب رياح التغيري والعاصفة ويرفض الكثريون<br />
بيننا رؤيتها، لكنين على قناعة بأن قيادة مسؤولة<br />
وحكيمة سرتفع الراية.<br />
فقريبًا سنسمع نداء حممد بركة، رئيس جلنة املتابعة<br />
العليا للجماهري العربية، وهو يدعو األبناء ليعودوا<br />
اىل حضن أمهم وذلك بعد أن "اشتاقت البالد إىل<br />
أهاليها". إنه أكثر من تنبؤ وحدس، فهو يقيين<br />
ولننتظر.<br />
132الجمعة 17 اب 2018