22.07.2015 Views

أضغط على الرابط التالي - PDF - أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

أضغط على الرابط التالي - PDF - أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

أضغط على الرابط التالي - PDF - أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

٥٩٣٧١١٩١٦٣١٩٣٢٢٣مقدمةالفصل الأول:‏افهومالفصل الثاني:‏فلسفة التربية البرجمانيةالفصل الثالث:‏الإتجاه النقديالفصل الرابع:‏تربية للتحريرالفصل الخامس:‏اللامدرسيةخاةMMMM٢٢٩اؤلف في سطور


مقدمةمقدمةعندما انتهيت من دراسة الفلسفة <strong>على</strong> مستوىارحلة الجامعية الأولى واقتضت الظروفاستمرار مسيرة التعلم <strong>على</strong> طريق العلوم التربويةكان من العلوم التي لابد من دراستها ‏(تاريخ التربية)‏فلما أقبل أستاذنا وأعلن أن هذا العلم سندرسفيه ا^راء كبار مفكري العالم في اسائل والقضاياالتربوية مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو وجونلوك وجان جاك روسو...‏ إلخ شعرت بشيء منالاستخفاف بدراسة هذا العلم فقد سبق لنا دراسةسقراط والسوفسطائي مثلا في فصل دراسيكامل وكذلك بالنسبة لأفلاطون وأرسطو..‏ وهكذاو<strong>على</strong> أيدي أساتذة فلسفة كبار متخصص وفيمصادر ومراجع ذات عمق وثراء معرفي..‏ فماذاسيضيف هذا الأستاذ ‏(التربوي)‏ من جديد ودراسةكل واحد من هؤلاء افكرين لن تستغرق أكثر منمحاضرة?‏وعندما أخذ الأستاذ يتحدث إذا بي شيئافشيئا ازداد انتباها إليه وانجذابا إلى مايقولإنه يتحدث لغة غير شائعة في ذلك الوقت وفيحدود خبرتي في كلية الا^داب كما درست فيها.‏كان يبذل الجهد الواضح حتى ننتبه إلى صدقمقولة مؤداها أن فكر الفيلسوف مهما تفرد بنسيجخاص ومهما يز ببصمة شخصية تختلف كثيراعن غيره فهو بدرجة أ<strong>على</strong> يحمل بصمات جملة5


فلسفات تربوية معاصرةمتغيرات أساسية يز بنية اجملتمع والثقافة التي يعيش في كنفها الفيلسوفولم تكن دراستنا الفلسفية الأولى تهتم بذلك.‏ صحيح أن دراسة كل فيلسوفوكل فلسفة كانت تسبقها أحاديث عن النشأة والبيئة والظروف العامةلكن وقر في أذهاننا أن هذه الأحاديث هامشية وجملرد استكمال الشكل!‏وهكذا بدأنا نتعلم أن الفكر الفلسفي ليس سبحات عقل جامح يحلقفي أجواء التجريد دون قيود زمان ومكان.‏ثم جاءت فرصة أخرى كبيرة عندما بدأت في أوائل الستينيات دراسةالاتجاه العلمي/‏ التجريبي للفلسفة البراجماتية فقد تجلت في هذه الفلسفةأيضا حقيقة تلك اقولة اشار إليها ‏(اجتماعية اعرفة)‏ فكأن دور فلاسفةالبراجماتية كان هو الانفعال بالتكوين الاجتماعي والتاريخي والسياسيللشعب الأمريكي والوعي بهذا التكوين وخطوطه الرئيسية ليترجم هذاكله في أفكار فلسفية حتى ليمكن القول بلا مبالغة إنه ما كان لهذهالفلسفة أن تنشأ في مجتمع ا^خر غير اجملتمع الأمريكي وفي زمان ا^خرغير هذا الزمن الذي ظهرت فيه.‏وإذا كانت الفلسفة بناء <strong>على</strong> هذا في أحد جوانبها الرئيسية هياستجابة عقلية لجملة اتغيرات اجملتمعية الكبرى في أسسها وركائزهاالأساسية فإن هذا لا يعني أنها فقط ‏(انفعال)‏ ا هو قائم وإا لابد أنتستكمل مسيرة الجدل فتقوم بدور ‏(الفعل)‏ من حيث التوجيه والتغيير فيالفكر وفي اجملتمع وثقافته.‏وعندما نريد أن ننتقل من دائرة ‏(النظر)‏ و(الفكر)‏ إلى دائرة ‏(الفعل)‏و(السلوك)‏ فإننا ننتقل إلى دائرة ‏(التربية)‏ حيث إنها في لحمتها وسداهاكما سيتب لنا بالتفصيل فيما بعد هي القوة التنفيذية التي نسعى بها إلىتحويل الأفكار الفلسفية في أدمغة الفلاسفة إلى سلوك نراه ونلمسه ونتعاملمعه في حركة الحياة الإنسانية في واقع حياتنا.‏ومن هنا فكثيرا ما كنت أشعر بالدهشة ألا تحظى ‏(اجتماعية اعرفة)‏بالاهتمام الضروري في دراسة الفلسفة في الجامعة!‏ أقول هذا عن أواسطالخمسينيات فلرا تغير الوضع بعد ذلك.‏لكن من ناحية أخرى عندما رأيت أنه من الضروري أثناء دراسةالفلسفة البراجماتية وتربيتها أن أبحث أثر هذه التربية في عانا العربي6


مقدمةلأن مظاهر التأثر كانت بادية وواضحة للعيان فوجئت بأن الرواد الأوائل مع التقدير الكامل للجهد الخارق الذي قاموا به نقلوا النتائج من غيرتوقف عند اقدمات التي أدت إليها!‏لقد انشغلت التربية العربية بالاهتمام يول الطفل واستعداداتهوضرورة أن يجيء التعلم بالعمل وحاولات إغناء البيئة التربوية بالخبرةاربية الثرية وبضرورة النشاط وأهمية مشاركة التلاميذ في عمليتيالتعلم والتعليم...‏ إلخ دون أن يتوقفوا أمام الأصول الفلسفية التي ما جاءتهذه الأفكار التربوية إلا محاولات لتشخيص هذه الأصول واقعا سلوكيا.‏را كانت هناك بعض الوقفات أمام ‏(طبيعة الإنسان)‏ وعلاقة الفردباجملتمع وطبيعة اجملتمع اعاصر اتغيرة وغلبة النزعة التجريبية العلميةلكن لم يكن هناك توقف أمام ماهو أهم وأخطر من ذلك من أصولفلسفية تبدت في النظرية انطقية عند ديوي وفي نظرية اعنى عندبيرس واعرفة عند جيمس.‏ومن هنا شهدت تجربة التأثر سلبيات كثيرة وانتهت بنكسة أصابتتعليمنا بأضرار كبيرة.‏ ولو قد اجتهد الرواد في البصر بهذه الأصولالفلسفية لأيقنوا أن ما من ‏(نقل)‏ كان سبيلا خاطئا فوفقا لأصولالبراجماتية الفلسفية فإن ‏(الزرع التربوي)‏ له شروطه ومواصفاته التيتجعل من الضروري البصر ا ب أنواع ‏(التربة الحضارية)‏ من اختلافاتوتباينات وإلا أصيب الزرع بالضمور!‏وهكذا كان لابد من استثمار ما هيأته لنا الظروف من ‏(تأسس فلسفي)‏في ارحلة الجامعية الأولى و(التمهن التربوي)‏ بعد ذلك لكي ضي <strong>على</strong>طريق توثيق العلاقات ب التربية والفلسفة عن طريق هذا اجملال الشهير‏(فلسفة التربية)‏ الذي لا يحظى مع الأسف الشديد بالاهتمام الكافي فيكثير من برامج كليات التربية في الوطن العربي.‏ ومن سخرية القدر <strong>على</strong>سبيل اثال أن القسم الذي التحقت بالعمل به وهو اخملتص بدراسةفلسفة التربية حيث يعبر اسمه ‏(أصول التربية)‏ عن اختصار ل ‏(الأصولالفلسفية والاجتماعية للتربية)‏ لم يكن به أحد قد تخصص في ‏(الفلسفة)‏أو ‏(الاجتماع)!!‏ودراسة فلسفات التربية إذا كنا نرى أنها ضرورية للمثقف العربي7


فلسفات تربوية معاصرةالعام بصفة عامة وللمشتغل بأمر بناء البشر فكرا وتنفيذا بصفةخاصة إلا أنها مجرد خطوة أولى <strong>على</strong> الطريق هد لخطوة أهم وأكثرخطورة ألا وهي السعي للإجابة عن تساؤل كبير:‏ أين نحن من كل هذهالفلسفات?‏إن أحدا لا يستطيع أن ينكر أن لنا بصمات واضحة في هذه اللغةالعربية التي نتحدث ونكتب بها ولنا شخصيتنا وا^دابنا وفنوننا ولنا هويتنافي السلوك العام وفي جملة العادات والتقاليد ولنا نهج متميز في بنيةالقيم لكن هل نستطيع أن نقول إن لنا ‏(فلسفة للتربية)‏ تتميز بها هذهالأمة?!‏أخشى أن تكون الإجابة هي النفي!!‏بل إن الجهد ابذول <strong>على</strong> هذا الطريق ليس متواصلا وليس مكثفا!‏صحيح أن هناك ‏(استراتيجية لتطوير التربية العربية)‏ لكنها بحكم ظروفهاووضعها ومهمتها وعنوانها بعيدة عن أن ثل فلسفة للتربية للأمة العربيةورا تكون دراسة د.‏ عبدالله عبدالدا عن فلسفة التربية العربية هيالجهد النادر في هذا اجملال.‏إننا إذ نقدم هذه اجملموعة من الدراسات عن فلسفات التربية اعاصرةليحدونا الأمل أن يحفز هذا علماء التربية ومفكريها في الوطن العربي أنيتنادوا بينهم كي نضع معالم <strong>على</strong> الطريق.‏ فما استقام بناء أمة لا لكبوصلة التوجه!!‏ خريطته الفكرية وفي يقيننا أن فلسفة التربية هي الخريطةالفكرية التي تحدد لنا خصائص ونوع ووجهة ومسار البناء..‏ بناء الإنسان!!‏8


فلسفات تربوية معاصرةلكن هناك نقطة اختلاف بيننا وب كل من سقراط وفلاسفة التحليل:‏فنحن إذا كنا نؤمن مع سقراط بأن انحراف السلوك إا هو نتيجة لانحراففي الفكر فإننا لا نؤمن معه بأن تصحيح الفكر يؤدي حتما إلى تصحيحالسلوك.‏إننا جميعا نعلم ما الصدق?‏ وما أضراره?‏ وما فوائده?‏ ومع ذلك فكثيرمنا قل ألا يكذب.‏وكثير من الناس يعون قيمة الوقت ومع ذلك تراهم يتخلفون عن اواعيدويتأخرون.‏ولسنا في معرض مناقشة هذه القضية بحثا عن أسباب ذلك.‏ وإانحن نقرر واقعا معينا.‏وقد يتصور البعض أن الأمر مادام كذلك فما لزوم هذا الجهد للتوضيحوالتحليل?‏نعيد ونكرر أننا لم نر تلازما ضروريا ب حسن الفهم وسواء السلوكوإا الأمر أمر ‏(احتمال).‏ فهناك بعض غير قليل يصححون سلوكهم عندمايدركون ‏(الحقيقة).‏هذا فضلا عن أن مهمتنا هي ‏(تهيئة الأجواء)‏ التي تع <strong>على</strong> أن يكونالسلوك سويا لكننا لا نحمل الناس <strong>على</strong> ذلك.‏أما وجه اختلافنا مع التحليلي فهو أن تحليلنا للمفهوم لا يقف عندحد التحليل انطقي والتحليل اللغوي..‏ وإا تد ليصبح تحليلا ‏(اجتماعيا).‏و<strong>على</strong> سبيل اثال خذ مفهوما مثل مفهوم ‏(تكافؤ الفرص).‏ لقد كانأهم مظهر من مظاهر معناه في سنوات مضت أن يحصل الطالب <strong>على</strong>حقه في التعليم ‏(مجانا)..‏ لكنك تسمع الا^ن من كثيرين أن هذه اجملانيةتفرز إلى سوق التعليم أعدادا كثيرة من غير الجادين لأنهم لا يشعرون بأنالتعليم يكلفهم شيئا ما فلمَ‏ يتعبون ويكدون?‏ وعندما تلىء معاهد التعليمبأعداد غفيرة يتضاءل مستوى الخدمة التعليمية فيحرم كثيرون من الجادينمنها ويضطرون إلى البحث عنها في سوق الدروس الخصوصية ويستنتجونمن ذلك أن ‏(مجانية التعليم)‏ لا تؤدي إلى تكافؤ في الفرص التعليمية.‏اذا كان اعنى السابق?‏ واذا أصبح هذا اعنى الحالي?‏إن الإجابة تتضح في استقراء جملة اتغيرات الدولية والسياسية12


افهوموالاقتصادية والاجتماعية سواء <strong>على</strong> استوى العاي أو <strong>على</strong> استوى المحليوهكذا تتلون افاهيم وتتشكل وفقا وقعها <strong>على</strong> الخريطة الاجتماعية!‏التربية:‏وإذا كنا لم نطرق باب عرض ومناقشة اعاني اخملتلفة للفلسفة إانابأن هناك من هم أكثر تخصصا وب<strong>التالي</strong> أقدر <strong>على</strong> ذلك إلا أننا فيمايبدو سنكرر ارور السريع وإن شئنا الحقيقة ارور الأسرع <strong>على</strong> مفهومالتربية <strong>على</strong> الرغم ا كن أن نزعمه أننا من اتخصص فيها ا يتيحلنا الفرصة للاستفاضة في عرض ومناقشة الا^راء اخملتلفة بصدد معنىالتربية.‏ولعل السبب الرئيسي يكمن في أننا لا نواجه هنا مثل هذا الاختلافالحاد في الفلسفة.‏ صحيح أن هناك معاني مختلفة للتربية لكننا إذا دققناالنظر فسوف نجد أن ما قد يبدو ‏(اختلافا)‏ فإا هو نتيجة تغاير لفظيمن حيث الصياغة.‏ وفي أحسن الحالات فهي ‏(زوايا رؤية).‏ومن الأمثلة التي قد تشير إلى ذلك مايقدمه بعض اتخصص أواهتم ‏(بالبيولوجيا)‏ أو ‏(علم النفس)‏ أو ‏(الأنثروبولوجيا)‏ أو غير هذاوذاك من اختصاصات فغالبا ما يطل الاهتمام أو التخصص الأصلي منب السطور ليشير إلى غلبة هذه الزاوية أو تلك خاصة أننا نعلم أناشتغل بالتربية عادة ما ينتمون إلى حقول علمية بعينها أساسية ثمأضيفت إليها التربية فيما بعد فهذا تخصص ‏(جغرافيا)‏ وهذا ‏(تاريخ)‏وهذا ‏(فلسفة)‏ وهذا ‏(رياضة)...‏ إلخ.‏وبالإضافة إلى ذلك فهناك ‏(الظهير الثقافي والحضاري)‏ لكل منافهذا ظهيره ثقافة فرنسية وهذا إنجليزية وهذا أانية وهذا أمريكيةوهذا ظهيره الأساسي ثقافة دينية أو ثقافة قومية...‏ إلخ.‏مثل هذه اواقع اتعددة تنعكس بالضرورة <strong>على</strong> اعنى الذي يقدمهالكاتب للتربية لكنها كما قلنا قد لا تصل إلى حد الاختلاف في الجذور.‏وكما فعلنا بالنسبة للفلسفة فإننا نفعل الشيء نفسه بالنسبة للتربيةفنذهب إلى أننا نراها تلك العملية التي عن طريقها نقوم بتنمية جوانبالشخصية الإنسانية في مستوياتها اخملتلفة.‏13


فلسفات تربوية معاصرةذلك أنه شاع ب اتخصص أن للشخصية مستويات ثلاثة.‏استوى الأول هو مستوى الوعي والإدراك اعرفي.‏استوى الثاني:‏ مستوى العاطفة والوجدان.‏استوى الثالث:‏ مستوى الحركة والنزوع واهارة.‏وهكذا يتم تنمية الجانب اعرفي للإنسان عن طريق تزويده بكم مناعلومات واعاني وافاهيم والحقائق فضلا عما يرتبط بهذا من حيثطريقة التفكير ومنهج البحث وأساليب الربط والاستنتاج والاستنباطوالتحليل والنقد.‏أما استوى الثاني فهو أخطر استويات وفي الوقت نفسه أكثرهاصعوبة لأنه يتعلق ا هو ‏(داخل)‏ الإنسان..‏ إنه أشبه شيء ب ‏(الكهرباء)‏التي لا نراها ولكننا نرى ا^ثارها.‏ ومن هنا فهذا استوى الذي يشتمل <strong>على</strong>ايول والاتجاهات والقيم نتعرف عليه عادة بطرق غير مباشرة عن طريقملاحظة ‏(تجلياتها السلوكية).‏ ولأن الإنسان هو الكائن الحي الذي يستطيعأن يظهر غير ما يبطن كانت احتمالات الخطأ في الفهم والتقدير.‏والشيء نفسه بالنسبة لتربيته من هذا الجانب فأكثر الوسائل التينسلكها هي تلك التي تقوم <strong>على</strong> ‏«الكلام»‏ شفاهة أو كتابة لكنها تعتبرأضعف الوسائل لتربية الوجدان هذه التربية التي تحتاج إلى امتلاك تغيراتمواقف حياتية واقعية هي الأكثر فعالية في التأثير والتغيير وهي فيالوقت نفسه أكثرها صعوبة.‏أما استوى الثالث فهو مستوى حركي يتصل باهارات العملية اخملتلفةوالتي تقوم بالدرجة الأولى <strong>على</strong> حركة ‏(البدن)‏ كمهارة فلاحة الأرض وقيادةالسيارات وإصلاحها وما شابه هذا وذاك.‏هذه هي التربية.‏ فما علاقتها بالفلسفة?‏العلاقة بين الفلسفة والتربية:‏<strong>على</strong> الرغم من إاننا بأن هناك ‏«عروة وثقى»‏ لا انفصام لها بالفلسفة والتربية فإننا لا نستطيع أن ننكر أن هناك في كل جبهة منالجبهت من ينظر إلى الا^خر نظرة تفتقد الفهم الصحيح والتقديرالواجبولعل هذا يكون ناتجا غالبا من طبيعة عمل كل منهما:‏14


افهومفالنشاط الفلسفي هو بالدرجة الأولى ‏(نظري).‏والنشاط التربوي هو بالدرجة الأولى ‏(عملي).‏ومثلما نرى من مناظرات في التعليم ب التخصصات التي تسمى ‏(أدبية)‏وتلك التي تسمى ‏(علمية)‏ نرى شيئا قريبا من هذا ب اشتغل بالفلسفةواشتغل بالتربية.‏فهناك من اشتغل بالفلسفة من ينظرون من ‏(عل)‏ باعتبار أنهم همافكرون وأصحاب النظر والفهم والوعي والبصر.‏ هم أصحاب الجباهالعالية الذين يخططون ويرسمون الأهداف ويحددون اعاني ويضعونالنموذج أما التربويون فهم مجرد منفذين.‏التربويون في نظر هؤلاء مجموعة ‏(مدرس‏)‏ يقفون في فصل دراسيأمامهم ‏«تلاميذ»‏ ووراءهم سبورة كل مهمتهم أن ينقلوا ما يحملونه من‏(معرفة)‏ وهي عادة من ذلك النوع البسيط الذي يخلو من التجديد والابتكاروب<strong>التالي</strong> يقتصر جهد ‏(التربية)‏ <strong>على</strong> تعريف هؤلاء ادرس ب ‏(كيف ي ‏ُعل ‏ّمون)?‏ونحن لا كن أن ننكر أن التربية تهتم بتعليم ادرس كيف يدرسونلكننا نؤكد أن تلك جزئية من عمل كبير متعدد اجملالات والأطراف.‏ إنمهمة التربية لا تتجه فقط إلى ادرس باعتبارهم ‏(معلم‏)‏ وإا تتجهإليهم باعتبارهم ‏(مرب‏).‏ ومعنى ذلك أن اسألة لا تتوقف عند كيفية تعليماللغة أو الفيزياء أو التاريخ وإا هي كيفية بناء شخصية أبناء الأمة حتىيكونوا لبنات قوية في بنية اجملتمع الكلية.‏وسوف نب فيما بعد الأبعاد اتعددة التي تترتب <strong>على</strong> هذا من حيثالنظر إلى ‏(التربية)‏ <strong>على</strong> أنها عملية ‏(بناء أمة)‏ وليس مجرد تعليم تلميذحسابا أو جغرافيا أو علوما.‏أما التربويون فينظرون إلى اشتغل بالفلسفة <strong>على</strong> أنهم أناس كلبضاعتهم ‏«كلام»‏ يجيء من كلام لينتهي إلى كلام في حلقة مفرغة وكأنهمهم اعنيون ن يقولون ‏(تسمع جعجعة ولا ترى طحنا)!‏ويطول بنا اقام لو حاولنا تتبع قائمة الاتهامات التي يوجهها هؤلاء إلىاشتغل بالفلسفة <strong>على</strong> وجه العموم.‏ فالفلسفة تجنح إلى الغموض الذي يجهد القارىء أو السامع وكأنالغموض سمة من سمات التفلسف حتى إذا سيق الكلام بسيطا واضحا15


فلسفات تربوية معاصرةخرج من دائرة الفلسفة لأن الغموض كثيرا مايكون نتيجة التعقيد واضطرابالفكر.‏ وتربية الإنسان تحتاج إلى عكس ذلك تحتاج إلى سهولة الفهم وإلىالبساطة والوضوح.‏ والفلسفة تشيع الشك وتبذر الريبة بينما التربية إذ تبني السلوكفمثل هذه العملية تتطلب الاستناد إلى ‏«يق‏»‏ لأننا عادة نسلك وفقا انعتقد في صحته فإذا ما اعترانا شك توقف سلوكنا.‏ ويندرج تحت هذا أيضا رمي الفلسفة بأنها ترتبط بالإلحاد والجرأة<strong>على</strong> جعل ‏(الله)‏ موضوعا للمناقشات والتساؤل بينما الجمهرة الكبرى منأبناء الأمة العربية ‏(مؤمنون)‏ با أيا كان دينهم ومعظم اادة اقدمة إلىجماهير معاهد التعليم مبنية <strong>على</strong> هذا الإان بوجود إله.‏ كذلك يظن بعض التربوي أن الفلسفة تجنح إلى التعالي عن الواقعوالهروب من ضغط اشكلات الحياتية التي تحيط بالإنسان بحجة ‏«النظرالكلي»‏ و«البصر الشامل»‏ و«التنظير»‏ بينما التربية لابد أن تكون منفعلةبهذه اشكلات الحياتية فهي مادتها ووسائلها وتسعى إلى التغلب عليها.‏... ولا تخرج الاتهامات الأخرى عن هذه الحدود الإجمالية.‏ومن الاحظ أن معظم هذه الاتهامات إا هي ‏«شائعات تاريخية»‏ إذاصح هذا التعبير فإذا كان بعضها قد قام فإا عند عدد من الفلاسفةمحدود وكان في زمن مضى منذ عدة قرون فهي قد أصبحت مثلا منأمثلة ‏(أوهام اسرح)‏ التي حدثنا عنها فرانسيس بيكون الفيلسوف الإنجليزياعروف.‏إننا ننظر إلى التفلسف <strong>على</strong> أنه عملية إنسانية تصدر من إنسان لتتجهإلى بشر..‏ تقوم بتحليل ثقافتهم بحثا عن القيم واعتقدات الأساسية التيتقوم عليها بغية فحصها ونقدها بحثا عن الاتساق والتناغم ب ارتكزاتالفكرية للأمة.‏والذي يدرس اشكلات الفلسفية منذ أقدم العصور في إطارها اجملتمعيسوف يستطيع ملاحظة أن هذه اشكلات كانت مرتبطة شكلات الصراعالثقافي والتغير الاجتماعي.‏ولعل أصدق الأمثلة التي كن أن تساق <strong>على</strong> ذلك فلسفة سقراط.‏ وماكانت تلك القسمة إلى ‏(النظري)‏ و(العملي)‏ و(اثال)‏ و(الواقع)‏ في فلسفة16


افهومأفلاطون وأرسطو إلا انعكاسا لذلك الوضع الاجتماعي والاقتصادي فياجملتمع القد ب سادة يفكرون وينظ َّرون وب عبيد يعملون وينتجون.‏وهل نستطيع أن نغفل في هذا الشأن كيفية نشأة الفكر الخاص بالجبروالاختيار في بدايته منذ مسألة التحكيم ب علي بن أبي طالب ومعاوية بنأبي سفيان وما نشأ عن ذلك من مناقشات عن مرتكب الكبيرة والعدلوالتحس والتقبيح...‏ وهكذا?‏كذلك فإن كثيرا من كبار الفلاسفة عبر التاريخ كانوا يتوسلون بالتربيةلتشخيص أفكارهم الفلسفية في أرض الواقع ولعل أفلاطون في‏(الجمهورية)‏ كان من أوائل وأشهر من أبرزوا ذلك.‏ لقد أقام جمهوريته <strong>على</strong>أساس ‏(العدل)‏ الذي راح يناقشه من وجهات نظر مختلفة <strong>على</strong> لسان أستاذهسقراط مع تلاميذه مفندا وجهات النظر هذه منتهيا إلى مفهوم ارتأىأنه هو الصحيح.‏لكنه لم يكتف بتحديد افهوم تحديدا نظريا وإا راح يحاول الانتقالإلى الخطوة <strong>التالي</strong>ة وهي:‏ كيف يتحقق العدل في اجملتمع?‏ وكانت الإجابةعن طريق رسم معالم نظام تربوي تصور أن من شأنه أن يحقق هذا اثالارجو.‏ومن قبل ‏(أفلاطون)‏ كان السوفسطائيون وكان سقراط معلم يبثونا^راءهم ويبشرون باتجاهاتهم عن طريق تربية فئات من الأثيني إانامنهم بأن الأفكار الفلسفية لا تولد كي تحبس في الدماغ وإا لابد لها منأن تنتشر وتجد لها جمهورا يؤمن بها ويعتقد في صحتها ويصوبها وينميهافتتحول إلى كائنات حية من خلال ‏«سلوك بشري»‏ يتبدى عند هذا وعندذاك من بني البشر.‏وقل مثل هذا عن تلك القائمة الطويلة من الفلاسفة الذين أتوا بعدذلك..‏ حتى انتهينا منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرينإلى إمام من أئمة الفكر الفلسفي الحديث إذ يدعى لأن يرأس قسم الفلسفةفي جامعة شيكاغو بالولايات اتحدة الأمريكية فيشترط أن يتولى فيالوقت نفسه رئاسة قسم التربية لا عن رغبة في التملك واتجاه للاستحواذوالاحتكار وإا لإانه الذي عبر عنه في كثير من كتبه أن الفلسفة هي‏«النظرية العامة للتربية»‏ وأن التربية هي ‏«اعمل الذي تختبر فيه الأفكار17


فلسفات تربوية معاصرةالفلسفية»‏ ذلكم هو جون ديوي.‏وقد استند في مقولته تلك إلى أن الأفكار الفلسفية إذا لم تسع إلى أنتختبر وتجرب من خلال عملية التربية تظل مجرد ‏(تأملات)‏ لا يكفيلضمان صحتها ما قد يلجأ إليه صاحبها من إتقان البراه العقلية وإحسانالأدلة انطقية ذلك أن ما لا يقل عن ذلك أهمية أن يكون واقع الحال هوالحكم النهائي.‏وفي الفكر الإسلامي رأينا كذلك مفكرا مثل الغزالي وكذلك ابن سيناوابن خلدون وكثيرا من أصحاب التصوف يحرصون <strong>على</strong> أن يسوقوا منالا^راء والنظرات التربوية ما يكمل صورة فكرهم الفلسفي النظرية.‏لكننا لا نستطيع في الوقت نفسه أن ننكر وجود عدد ا^خر من ارباسلم الذين نفروا من النظر الفلسفي واقتصرت كتاباتهم <strong>على</strong> مسائلتربوية عملية بحتة كما رأينا عند ‏(القابسي)‏ و(ابن سحنون)‏ و(ابن جماعة)‏و(ابن حجر الهيثمي)‏ و(السمعاني)‏ وغيرهم وذلك لأن معظمهم كانوا منأصحاب ‏(الفقه)‏ ن لا يرون حاجة إلى التنظير الفلسفي بالنسبة للعقيدةالإسلامية وهذا <strong>على</strong> خلاف ما كنا نرى لدى فريق الفلاسفة واتكلموالصوفي‏.‏إن التربية بحكم طبيعتها إذ تتجه إلى ‏(إجراءات عملية)‏ و(خطواتتنفيذية)‏ فإن ذلك لابد أن يستند إلى ‏(وجهة نظر)..‏ إلى ‏(فكرة)...‏ إلى‏(فلسفة)..‏ إلى ‏(أيديولوجية)..‏ إلى ‏(إطار فكري)..‏ أيا كانت التسمية فهيكلها تعبر عن حالة ضرورة تكمن في ‏(خريطة فكرية)‏ إن صح هذا التعبيربناء عليها يجول اربي في دنيا السلوك البشري.‏وإن لنا هنا تشبيها كثيرا ما نردده في مناسبات عدة وفي مواقفمختلفة إذا جئنا إلى هذه القضية بالذات.‏يقول هذا التشبيه إن اربي أشبه قاول البناء..‏ هذا يبني حجراوذاك يبني بشرا..‏ واقاول رجل تنفيذي لا يستطيع أن يعمل إلا وفق‏(تصميم)‏ مع يقوم بوضعه مهندس التصميمات وفقا لطلب العميل..‏ يريدجسرا!?‏ عمارة?‏ فيلا?‏ قصرا?‏ طريقا?..‏ وهكذا.‏والفيلسوف هنا عامة وفيلسوف التربية خاصة هو ذلك اهندسالتصميمي الذي يرسم ويخطط بناء <strong>على</strong> حاجة اجملتمع وما <strong>على</strong> اربي18


افهومإلا الالتزام بهذا وذاك وهو ينفذ عن طريق العمل التربوي.‏وقد يتصور البعض أن عصرنا الحالي لم يعد عصر الأيديولوجيا بعدأن انهارت منظومة البلدان الاشتراكية والتي كانت ثل أحد طرفي الصراعالأيديولوجي مع منظومة البلدان الرأسمالية.‏ولسنا في مجال مناقشة هذه القضية تفصيلا وإا نود أن نشير إلىأن انهيار نظام كان يطبق نظرية ما قد لا يكون دليلا مؤكدا <strong>على</strong> خطأ هذهالنظرية إذ قد يكون سبب الانهيار هو في سوء الفهم والتطبيق.‏وحتى إذا سلمنا بأن انهيار ‏(النظام)‏ يستتبع انهيار ‏(النظرية)‏ فلا ينبغيأن يفهم أن هذا يعني انتصار نظرية أخرى مقابلة وقد يكون ذلك الانتصارمرحليا لكنه <strong>على</strong> أية حال يثبت أن اسألة ليست انهيارا طلق الأيديولوجياوإا هو انهيار لأيديولوجيا بعينها وب<strong>التالي</strong> فسوف يظل الإنسان متحركاوفق أيديولوجيا وسوف يظل اجملتمع البشري منطلقا من أسس أيديولوجيةأيا كان اسم هذه الأيديولوجيا.‏ولعلنا إذا نظرنا إلى التربية <strong>على</strong> أنها <strong>على</strong> الرغم من قولنا إنها عمليةتنفيذية لكنها ليست مجرد ‏(صنعة)‏ ضيقة اجملال محدودة الأفق هيبحكم الضرورة لا تستطيع إلا أن تكون عملية اجتماعية كما قدمنا.‏ وهي إذتكون كذلك فإنها تستمد مادتها من ثقافة اجملتمع وتتغيا بغاياته وطموحاتهوتنطلق ب<strong>التالي</strong> من فلسفته وإطاره الفكري العام.‏إن كثيرا من التخصصات العلمية الأخرى قد يستطيع صاحبها أنينغلق في دائرتها دون اهتمام ا يحدث في الدوائر الأخرى لكن اربيفي العصر الحاضر يستحيل عليه ذلك..‏ يستحيل عليه أن يربي إن لم يكن<strong>على</strong> وعي بسياسة اجملتمع وباقتصاده وبعقيدته وبتياراته الفكرية الفرعيةوجمل ا^دابه وأعرافه لكنه عملا لا يستطيع أن ينغمس في كل هذاومن هنا كان لابد له من الاستناد إلى ‏(خيط)‏ يربط ب ‏(حبات اسبحة)‏وما ذاك إلا من خلال الوعي بالركائز الأساسية للمنظومة الفكرية التييقوم عليها اجملتمع وتعيش بها وعليها الأمة.‏ولو تعمد أي واحد منا أن يرجع بذاكرته وقت أن كان طفلا فإن لمتسعفه الذاكرة فليسح بنظره ب <strong>أطفال</strong> صغار في محيط الأسرة أو الأقاربأو الجيران إذ سوف يجد نفسه أمام ‏«مشروع»‏ فيلسوف كبير..‏ فيلسوف19


فلسفات تربوية معاصرةيبدأ بذرة صغيرة يتصور وها وتطورها فإذا بها بفعل تربية غبيةمخربة توءد في اهد لينمو الإنسان مبرمجا <strong>على</strong> مجموعة أفكار ليس لهإلا أن يرددها دون نقد أو فحص واختبار إلا من عصم الله.‏إن <strong>أطفال</strong>نا بفطرتهم التي خلقهم الله عليها يلحون في التساؤل:‏ من أين جئنا?‏ ومن جاء بنا?‏ وكيف جئنا?‏ وإلى أين نسير?‏ واذا هذاوذاك?‏أسئلة فلسفية كبرى يسارع كثيرون إلى نهي الأطفال عن طرحها أوإلى الإجابة العامة أو غير الصحيحة.‏ولا يرى الأطفال أمرا من الأمور إلا ويغرمون بالتساؤل:‏ من هذا?‏ واذاحصل هذا?‏ بل يظل الواحد منهم يلاحق الكبار بالسؤال الشهير ‏(ليه?)‏ومهما أجبنا يظل يردد ‏(ليه?)‏ وكأنه يسعى إلى البحث عن ‏(العلل الأولى)‏ أوالبعيدة.‏لكن التربية غير الواعية تغلق هذا الباب لتضعف نزعة الطفل إلىالتساؤل هذه النزعة التي هي الطريق إلى النمو الفكري وهي الطريق إلىالتمايز والابتكار والإبداع.‏فلسفة التربية:‏أما وقد أوضحنا موقفنا من كل من ‏(الفلسفة)‏ و(التربية)‏ فلرا يكونأيسر لنا أن نتوقف وقفة قد تطول بعض الشيء في محاولة ناقشة هذهالقضية اركزية بالنسبة وضوعنا:‏ فلسفة التربية.‏وأول ما يستوقفنا هنا هو التساؤل:‏ هل هي فلسفة تربية أو فلسفاتتربية?‏ ونبادر إلى القول إن اسألة تختلف باختلاف زاوية الرؤية فإن كنانريد مناقشة ‏(اجملال)‏ أو ‏(النسق اعرفي)‏ فنحن بإزاء ‏(فلسفة التربية)‏لكننا إذا كنا بإزاء مناقشة ‏(مواقف)‏ رب وفلاسفة و(اتجاهات)‏ فنحنأمام ‏(فلسفات للتربية).‏ومن هنا فلأننا في هذا الجزء لا يعنينا التوقف عند هذا افكر أو ذاكعند هذا اذهب أو ذاك عنونّا هذا الجزء ب ‏(فلسفة التربية)‏ ولأن بقيةأجزاء الكتاب الحالي عن ‏(مواقف)‏ و(اتجاهات)‏ كان العنوان الرئيسيللكتاب هو ‏(فلسفات التربية).‏20


افهوموأبسط ما نستطيع تقده هنا من معان لفلسفة التربية هو أنهااستخدام الطريقة الفلسفية في التفكير والبحث في مناقشة اسائل التربويةإن هذا يعني أننا في فلسفة التربية نقوم بجهد عقلي ناقشة وتحليل ونقدجملة افاهيم الأساسية التي يرتكز عليها العمل التربوي وذلك مثل:‏ الطبيعةالإنسانية النشاط ادرسي الخبرة الحرية الثقافة اعرفة..‏ إلخ.‏وبالإضافة إلى مناقشة ‏(افاهيم)‏ ففلسفة التربية تقوم كذلك بتحليلونقد ‏(اشكلات التربوية)‏ بانهج نفسه وبالطريقة ذاتها.‏وفضلا عن هذا وذاك تسعى فلسفة التربية إلى مناقشة الافتراضاتالأساسية التي تقوم عليها نظريات التربية سواء من حيث:‏ التعلم/‏ طرقالتدريس/‏ تنظيم اناهج/‏ إدارة التعليم/‏ تخطيط التعليم/‏ اقتصادياتالتعليم/‏ نظم التعليم اخملتلفة وهكذا.‏وكما قلنا ونحن نناقش معنى الفلسفة فإننا نؤكد هنا أن عمليتي التحليلوالنقد تتمان في ضوء اتغيرات اجملتمعية.‏والقول باستخدام الطريقة الفلسفية إا يعني عدم التوقف عندالجزئيات والعلل القريبة وإا محاولة إدراك العلاقات ب عناصر اوقفالتربوي والغوص في أعماق مايتبدى لنا لنصل إلى الجذور والعلل البعيدة.‏فهناك <strong>على</strong> سبيل اثال مشكلة ‏(الدروس الخصوصية)..‏ كيف تتعاملمعها فلسفة التربية?‏ إذا كانت الأشياء تتمايز باضدادها فلنتساءل أولاعن الكيفية التي يتم بها تناول هذه اشكلة من زوايا أخرى.‏هناك من يفسرها بأنها ترجع إلى تدهور في أحوال طلاب الأجيالالجديدة ا جعلهم لا يلون إلى الاعتماد <strong>على</strong> النفس فأصبحوا يريدون‏(الاتكال)‏ <strong>على</strong> من ‏(يشر َّبهم)‏ اعلومات جاهزة?‏وهذا تفسير لا يصمد طويلا أمام اناقشة ذلك أن ما يتم في ‏(الدرسالخصوصي)‏ شبيه جدا ا يتم في قاعة الدرس.‏وهناك من يذهب إلى أن اسألة ترجع إلى ضعف في مرتبات ادرسا يجعلهم يبحثون عن مصدر ا^خر لرفع مستوى دخلهم فلا يجدونأمامهم إلا هذه الدروس.‏وقد يكون في هذا التفسير بعض الصحة لكنه لا يشفي غليلنا امافقد كانت ارتبات قدا أقل من الا^ن كثيرا ولم تكن هناك دروس خاصة21


فلسفات تربوية معاصرةا قد يشير إلى أن هناك متغيرا ا^خر أو أكثر.‏ ورا تبرز هنا بالذاتمتغيرات متعددة مثل ‏(القوة الشرائية)‏ للعملية استخدمة..‏ التزايد استمرفي طموحات اعلم وأبنائهم وتزايد احتياجاتهم مثلهم في ذلك مثلسائر الناس ا يفرض طلبا مستمرا <strong>على</strong> زيادة الدخل.‏لكننا نستطيع أن نلحظ معلم يزداد دخلهم عن طريق بعض الدروسلكنهم لا يكادون يقفون عند حد فكلما أخذوا قالوا:‏ هل من مزيد?‏وهناك من يفسر هذه اشكلة في هذا التكدس في أعداد الطلاب فيمدارس بعض الدول العربية بحيث يتدنى مستوى الخدمة التعليمية إلىحد كبير فلا يجد الطالب نفسه مستفيدا من الوقت الذي يقضيه في قاعةالدرس فيسعى إلى طلب درس خصوصي.‏وهذا تفسير معقول كذلك لكننا نرى في بعض قاعات التعليم العاليأعدادا أكثر دون أن يستشعر معظم الطلاب هنا حاجة للدروس الخصوصية.‏... وهكذا كن الإشارة إلى ما يفسره البعض بأنه ‏(ضعف في تكوينمعلمي اليوم)‏ أو خلل يعتور مناهج التعليم..‏ أو سوء إدارة في التعليم...‏ إلخ.‏وفلسفة التربية ترى أن كل هذه العوامل وابررات لا ينبغي أن تؤخذفرادى وإا هي منظومة متصلة تشير إلى خلل عام في منظومة التعليمالكلية ينتج أساسا من مصادر تتصل ب ‏(الاقتصاد)‏ وبخلل في منظومةالقيم اجملتمعية وا يحدث كثيرا من مظاهر ‏(تسييس التعليم)‏ فضلا عنجمود وعجز في الفكر التربوي في كليات ومعاهد إعداد اعلم‏.‏ففلسفة التربية <strong>على</strong> هذا تحرص <strong>على</strong> ‏(النظر الكلي)‏ وتحكيم ‏(البصرالاجتماعي)‏ وتأكيد أهمية ‏(الرؤية من داخل)‏ ونقصد بها تلك المحاولةللوعي بالمحركات الأساسية للعمل التربوي سواء من داخله هو أو من داخلالبنية اجملتمعية كل ذلك في إطار من ‏(التحليل)‏ و(النقد)‏ القائم <strong>على</strong>استخدام الأدلة العقلية والبراه انطقية والالتزام الدائم حكية الخبرةالتربوية <strong>على</strong> أرض الواقع.‏وهكذا نجد أنه كما أن الفلسفة يتسع نطاقها ليشمل عموم الخبرةالكونية والإنسانية فكذلك فلسفة التربية يتسع نطاقها ليشمل عموم الخبرةالتربوية وعلومها كلها فهناك علوم كما نعلم كل منها يختص بهذه الجزئيةأو تلك من عناصر الكون والإنسان:‏ نبات/‏ حيوان/‏ طب/‏ اقتصاد...‏ إلخ22


افهوملكن الفلسفة لا تتوقف عند ‏(النظرة ايكروسكوبية)‏ لكل جانب من هذهالجوانب.‏ إنها مهمة هذه العلوم لكن انظومة الكونية والبشرية في خطوطهاالعامة ومساراتها الرئيسية هي موضع اهتمام الفلسفة وهكذا الشأن بالنسبةلفلسفة التربية في التعامل مع عموم العملية التربوية.‏ولأن هناك ‏(علوما)‏ تربوية متعددة مثل ‏(اناهج)‏ و(طرق تدريس اوادالدراسية اخملتلفة)‏ و(التربية اقارنة)‏ و(الإدارة التعليمية)‏ و(علوم النفس)‏اتصلة بالعملية التربوية و(تاريخ التربية)...‏ إلخ ولكل من هذه العلومنظرات ومشكلات ونتائج.‏ولأن كل هذا بالضرورة لابد أن يصب في النهاية في مصب واحد هوشخصية اتعلم كان من اهم للغاية أن يكون هناك قدر من الاتساق بهذه اوارد اخملتلفة حتى لا يصاب اواطن باضطراب وتشتت.‏وهنا نجد أن هذه اهمة تقع <strong>على</strong> عاتق فلسفة التربية مهمة التنسيقب ما يرد من علوم التربية وما يتصل بها..‏ إنهم يشبهونها هنا ب ‏(ضابطالاتصال)‏ و(انسق).‏كذلك فنثرا لتلك العروة الوثقى ب التربية والفلسفة فإن فلسفةالتربية تسعى إلى الاستفادة من تلك الفلسفات الكبرى ومن النظرياتالفلسفية التي يبدعها هذا الفيلسوف أو ذاك بحيث تتساءل:‏ ماذا يعنيهذا النظر الفلسفي بالنسبة للتربية?‏إن هناك من أصحاب هذه اذاهب والنظريات الفلسفية من يقوم بذلكبنفسه كما رأينا عند أفلاطون مثلا وروسو..‏ لكن هناك من لا يتعدىالنظرة الفلسفية ليبحث عما قد تؤدي إليه عند محاولة النظر في قضية‏(التطبيق)‏ وهنا يتقدم فيلسوف التربية ليحاول ذلك.‏وإذا كان معروفا عن اسائل الفلسفية طبيعتها الخلافية فإن هذهالسمة نفسها تتبدى بدرجة أكثر وضوحا في فلسفة التربية ذلك أننا هنالا نكون فقط أمام تباين في العقول واختلاف في اشارب وتعدد فيالاجتهادات <strong>على</strong> استوى الفردي وإا بالإضافة إلى ذلك نكون أماماختلاف في الخبرة الثقافية في عمومها فمسائل التربية ليست مسائلعقلية مجردة كن أن تكون صورتها في هذا البلد مثل تلك وإا هيتتصل بسلوك أفراد من مجتمع بعينه وبفئات محددة لها أطرها الثقافية23


فلسفات تربوية معاصرةوالحضارية ومثل هذا وذاك يجعل التباين والاختلاف أكثر وضوحا وراأشد وطأة.‏صحيح أن فلسفة التربية را تكون أكثر حرصا <strong>على</strong> التناول ‏(العلمي)‏للمسألة التربوية ا قد يوحي بأن هذا كن أن يقلل من حدة التبايناتوالاختلافات لكنها من ناحية أخرى إذ تتصل بواقع بشري بعينه فإنالخبرة البشرية تتباين في اتجاهاتها وفي منطلقاتها وفي وسائل التعاملمعها.‏وقد يثير هذا الأمر تساؤلا يتعلق ا قد يبدو من تعارض أو تناقض بقولنا إن فلسفة التربية تقوم بعملية ‏(تنظير)‏ وقولنا في الوقت نفسه إنهالابد أن ترتبط بخبرة تربوية.‏والحق أنه لا تعارض ولا تناقض فالعلاقة ب ‏(النظر)‏ و(العمل)‏ ليستعلاقة تناقض..‏ إن بينهما اختلافا بطبيعة الحال لكنه اختلاف يستلزمالتكامل واسألة هنا أشبه ا يحدث في مسألة البحث العلمي فهو يبدأمن ملاحظة واقع ويفترض فروضا هي بطبيعتها ‏(نظرية)‏ لكنه يخضعهذه الفروض لاختبار في دنيا الواقع ويجري التجارب ويسوق الأمثلة منخبرة الظاهرة ادروسة لكنه لا يقف عند هذا الحد وإا لينتهي إلى‏(تعميم)..‏ إلى ‏(قانون)..‏ هذا التعميم وهذا القانون هو عملية ‏(تنظير).‏وهكذا يكون التنظير في العمل التربوي عملية وعي بالقواعد العامةوافاهيم الأساسية وبالعلاقات <strong>الرابط</strong>ة ب جزئيات الظاهرة التربويةاعايشة والتي نخبرها في واقع الحياة اليومية.‏كذك فإن قولنا إن فلسفة التربية تعني تطبيق الطريقة الفلسفية <strong>على</strong>تناولنا للمسائل التربوية قد يثير تساؤلا خاصا يتصل ا أسلفناه من أنالتربية تحتاج إلى ‏(يق‏)‏ بينما الطريقة الفلسفية تستند إلى الشك.‏والرأي هنا إا يتضح في تنبهنا إلى أن الطريقة الفلسفية إذا كانتتتطلب منا شكا فهذا لا يعني أن نظل في حالة شك دائم في كل اواقفوالأحوال وإا هو شك مؤقت نستهدف منه إخضاع الفكرة لمحك الفحصوالنقد والاختيار فإذا تأكدنا من صحتها زال الشك واستقر بنا الحال <strong>على</strong>يق كننا من السلوك القائم <strong>على</strong> الثقة والاطمئنان.‏بل إننا في التربية أشد حاجة إلى ‏(الشك)‏ ذلك أننا إذا كنا نسعى عن24


افهومطريق العمل التربوي إلى تصحيح مسار السلوك الإنساني وإلى بث الوعيالاجتماعي وإشاعة الاستنارة فإن هذا وذاك يستحيل أن يتحقق إلا بإخضاعكثير من قيمنا الشخصية والاجتماعية ومفاهيمنا لمحك النقد والتحليل.‏وما النقد في حقيقة الأمر إلا افتراض شك يستتبع بحثا وتفكيرا يفضيإلى قرار بالتحس أو التقبيح.‏وإذا كنا نقول إننا لكي ‏(نسلك)‏ فلابد من أن نستند إلى ‏(يق‏)‏ إلا أنهذا ليس معناه أن نسير مغمضي الع ‏(مسلّم( فهذا يق خادع بقيمالحياة الثقافية <strong>على</strong> أساس هش ويكون أشبه بخريطة خاطئة يستحيل أنتصل بالسائر إلى الهدف اطلوب.‏ويتصور بعض الناس أن فلسفة التربية إذا سلموا بأهميتها وضرورتهافي عصور مضت إلا أن عصرنا الحاضر هكذا يزعمون قد لا يتحملهابحكم توجهاته ومتغيراته.‏ومن الأمثلة التي يسوقونها للتدليل <strong>على</strong> صحة ما يقولون إن الغطاءالذي كان <strong>على</strong> الكون قد انكشف وأصبح التقدم اذهل للكشوف العلميةدليلا مستمرا <strong>على</strong> ضرورة ‏(التفريع)‏ و(التجزيء)‏ و(التخصيص)‏ حتى كنأن ندرس الظواهر اخملتلفة دراسة دقيقة متأنية.‏إن النظر ‏(ايكروسكوبي)‏ إلى الظواهر الكونية والإنسانية هو الطريقالعلمي الأساسي زيد من الوعي بالقوان والس الكونية والإنسانية التيكن الإنسان من مزيد من السيطرة والتسيد <strong>على</strong> هذه الظواهر.‏ونحن لا كن أن ننكر أهمية التقدم نحو ازيد من ‏(التفريع)‏ و(التجزىء)‏و(التخصيص)‏ لإحراز مزيد من الكشوف العلمية لكننا نستند إلى هذاابرر نفسه في القول باشتداد الحاجة إلى فلسفة التربية خاصة فهناكفرق يجب أن ننتبه إليه ب مهمة ‏(البحث)‏ ومهمة ‏(التربية)‏ فالبحث يكونأدق وأعمق كلما جزأنا لكن ‏(السلوك)‏ يكون أصوب كلما ‏(جمعنا).‏إن حركة عناصر الكون والإنسان إا تتم في صورة ‏(كليات)‏ فالإنسانيسلك بكليته وفي تناسق وتا^زر مدهش عجيب ب مكوناته وأجهزته اخملتلفةفلا الع تتحرك وحدها ولا الأذن ولا القلب ولا العقل..‏ وهكذا.‏وتربية هذا الإنسان يجب أن تستند إلى هذا السلوك ‏(الكلي)‏ ايوجب ‏(النظر الكلي).‏25


فلسفات تربوية معاصرةوحتى كن أن يكون توجيه السلوك الكلي توجيها سليما وقائما <strong>على</strong>قواعد صحيحة وس حقيقية فإن البحث العلمي مطالب بأن يتناول كلجزئية <strong>على</strong> حدة كي يصل إلى كل ما يتصل بها.‏ويرتبط بهذا بالضرور ما أصبح يطلق <strong>على</strong> عصرنا الحالي بأنه عصراعلومات فهذا التدفق اللامحدود للمعلومات يوجب ب الح والحوقفة لا لالتقاط الأنفاس فهذا مستحيل وإا للمراجعة والفحص والنقدوالحرص <strong>على</strong> ألا نفتقد الخيط الأساسي الذي يربط حبات اسبحةوهذا ماكن أن تقوم به فلسفة كل علم في مواجهة تدفق اعلومات فيمجاله.‏كذلك فإن تدفق اعلومات يتضمن تغيرا مستمرا فيما نعرف عن الظواهرالتربوية اخملتلفة والتغير كلما كان متسارعا اشتدت الحاجة معه كمانؤكد دائما إلى الإمساك بالإطار العام.‏ومن اعروف أن التسارع في معدلات التغير عادة مايكون له أثر سلبيفي بنية القيم في اجملتمع.‏ وهذا ماحدث في كثير من اجملتمعات فيالعقود الأخيرة ا جعل البعض يتصور أنه باهتزاز منظومة القيم وتراجعكثير منها يصبح الحديث عن فلسفة التربية وكأنه ‏(حلم يقظة)‏ ولسنا فيعصر يسمح بالإغراق في الأحلام.‏ونحن نقول إن هذا أدعى إلى أن يزيد من اهتمامنا بفلسفة التربيةفمع إقرارنا باهتزاز منظومة القيم وإصابتها بصور خلل واضحة إلا أننا لانستطيع أن نطمئن إلى تقدم اجتماعي دون الاستناد إلى بنية مجتمعيةمتماسكة قوية وما يجعل البنية اجملتمعية متماسكة هو أن تظللها مظلةقيمية سوية.‏ونحن لا نزعم أن فلسفة التربية هي التي ستقوّم الأخلاق وأنها هيالتي ستعيد القيم إلى عرشها ولكننا نزعم أن ذلك هدف رئيسي لها وجهدأساسي مطلوب منها مع وعي بأن ذلك لا يتحقق إلا في ظل بنية مجتمعيةأساسية سوية.‏فليست العملية التربوية كما نكرر دائما مجرد تعليم معلومات وإاهي أولا وبالدرجة الأولى عملية ‏«تنمية بشرية»‏ وكيف كن لنا أن نطمئنإلى تنمية بشرية سليمة إذا افتقدنا ‏(الشراع)‏ اوجه?‏ إذا افتقدنا بنية26


افهوممتماسكة من القيم السوية?‏وبالإضافة إلى كل ماسبق را نكون في حاجة إلى الكشف عن وجهالحاجة إلى فلسفة التربية بالنسبة لفئات بعينها من اشتغل بالعمل التربويحيث قد يسلم البعض بضرورة وأهمية فلسفة التربية ولكن بالنسبةللمتخصص فيها أما بالنسبة لسائر اشتغل بالتعليم فهذا ما قد يكونبعيدا عن التصور.‏ بل إننا لنذهب إلى ماهو أكثر من ذلك فنزعم لها أهميةوضرورة لا بالنسبة للمشتغل بالتعليم <strong>على</strong> وجه العموم وإا كذلك بالنسبةلفئات أخرى أساسية في اجملتمع ولنرى أولا فئات اشتغل بالتعليم.‏فهناك رجال الإدارة التعليمية من نظار ومديري مدارس ومديري الإداراتواناطق والقطاعات اخملتلفة فهؤلاء إذ يكونون مسؤول عن إدارة دفةالتعليم يصبح من الأهمية كان أن يكونوا <strong>على</strong> وعي كاف بالتوجهاتالعامة وبانطقات الرئيسية وبجملة افاهيم والقيم الأساسية فهي التيتحدد أسلوب الإدارة وأهدافها وهي التي تبرز اتجاهات الحل عند التعاملمع اشكلات وهي التي تع <strong>على</strong> الاختيار ب البدائل لأن الاختيار يقوم<strong>على</strong> معايير ومحكات وما فلسفة التربية إلا جملة من هذه اعايير والمحكات.‏وهناك مصممو مناهج التعليم هذا القطاع الذي يعد ‏(قلب)‏ العملالتربوي الأساسي فهو اخملتص بالإجابة عن السؤال الشهير:‏ ماذا نعلم?‏وبقدر قليل من التفكير نستطيع أن نتب أن الإجابة عن هذا السؤالتستحيل ما لم نكن <strong>على</strong> وعي أولا بالإجابة عن سؤال سابق وهو:‏ اذا نعلم?‏ففي ضوء هذا كن أن نحدد:‏ هل نعلم هذه اادة أو تلك?‏ وهل تجىء هذهاادة في مرحلة الأساس أم الثانوي?‏ وهل تقتصر <strong>على</strong> مرحلة واحدة أمتستمر طوال مراحل التعليم?‏ وأي وزن كن أن تحتله هذه اادة أو تلك منجملة الجدول ادرسي?‏ واشتغلون باناهج يعلمون جيدا أهمية دروسهومعرفة ‏(أسس)‏ اناهج أولا وما الأسس في الأغلب والأعم إلا فلسفةالتربية فضلا عن دراسات علوم النفس.‏ أما اعلمون فهم اسؤولون كما نعلم عن خط الإنتاج الأول..‏ عن تعلمالتلاميذ وهم بحكم هذه اسؤولية في حاجة ماسة إلى الوعي بطبيعةهذا اتعلم الذي يتلقى عنهم مقومات وعناصر العملية التربوية.‏ وهم بحكمتنفيذهم للمنهج بحاجة إلى الوعي بأسس هذا انهج وبأهداف اادة التي27


فلسفات تربوية معاصرةيقومون بتدريسها.‏واعلمون يقومون أثناء تنفيذ انهج وفي نهايته بتقو التلاميذ فهل لاتعدو مسألة التقو عملية ‏(امتحان)‏ نتأكد عن طريقها من مدى علم التلاميذا قد حصلوه لنحكم عليهم بالنجاح أو الفشل أم أنها عملية تتصل جملالعملية التربوية للقيام بعملية تغذية مراجعة نعيد فيها النظر في كل الأطرافبناء <strong>على</strong> نتاج التقو‏?‏ إن هذا أمر يتعلق أيضا بالغايات...‏ بالفلسفة.‏واعلمون هم ‏«وكلاء اجملتمع»‏ إن صح هذا التعبير ‏«ينشئون»‏ التلاميذصغارا حتى يتهيأوا للانخراط في اجملتمع كبارا وأمر مثل هذا يقتضيكذلك وعيا بفلسفة اجملتمع وبالاتجاهات واقومات الأساسية كثقافةوبنية القيم فيه.‏ ولا يعتبر ولي الأمر بعيدا عن هذا.‏فأيا كان عمله وأيا كان تخصصه إلا أنه مشارك أساسي في العمليةالتربوية فهو الأب أو الأم في أغلب الأحوال وهو الراعي من حيث التغذيةوالرعاية الجسدية والنفسية وهو انفق ماليا...‏ إلخ وهو بحكم كل هذا لاكن أن يسير في طريق معاكس لهذا الذي يسير عليه اعلمون ومصممواناهج ومديرو التعليم وب<strong>التالي</strong> فنحن وإن كنا لا نزعم ضرورة دراستهلفلسفة التربية إا نحن نؤكد ضرورة ‏«إامه»‏ و«تفهمه»‏ لبعض الخطوطالعامة حتى كن له أن يعمل في تناسق وانسجام مع كافة الأطراف اسؤولةعن تربية أبنائه.‏فإذا جئنا إلى بعض الأطراف الأخرى خارج نطاق العمل التربوي فسوفنجد أمامنا فئات ثلاثا أساسية.‏ هناك السياسيون خاصة من هم في موقع اسؤولية فغني عن البيانأن التربوي في مواقع اسؤولية إا ينفذون ‏(سياسة عامة)‏ و(فلسفةرئيسية للمجتمع)‏ هذه السياسة العامة بالذات لا يضعونها هم وإاتضعها ‏(القيادة السياسية).‏ وإذا كان التربويون ملزم بالوعي جيدا بهذهالسياسة العامة فلا يقل عن ذلك أهمية وعي السياسي بفلسفة التعليمحتى يستطيعوا أن يكلفوا مسؤولي التربية هام بعينها وحتى يستطيعوا أنيحاسبوا ويقيموا.‏بل إن السياسي هم الذين يحددون ‏(كم)‏ الإنفاق الكلي <strong>على</strong> التعليم28


افهومتلك العملية الأساسية التي قد تؤدي إلى الإسهام في إنجاح العملية التعليميةكما أنها قد تصيبها بالشلل.‏ أما الإعلاميون فمن اعروف أن دور الإعلام مشارك أساسي فيعملية التربية والتنشئة بصفة عامة بل أصبح معروفا أن تأثير الإعلام قديفوق تأثير ادرسة بحكم عوامل كثيرة ليس هنا مجال لعرضها خاصةبالنسبة للتليفزيون.‏وهذا الاشتراك في مسؤولية التربية والتنشئة يفرض كذلك وعيا بفلسفةالتعليم في خطوطها الرئيسية حتى يتوافر ماهو مأمول من اتساق وانسجاموإلا فيمكن أن يهدم الإعلام مساءً‏ ما اجتهدت ادرسة أو الجامعة في أنتبنيه صباحا.‏ كذلك نجد أن دعاة الدين مشاركون بدورهم في عملية بناء البشروخاصة في اجملتمع العربي الذي يلعب فيه الدين دورا رئيسيا في توجيهالسلوك وفي إرساء انطلقات وتحديد الأهداف والغايات بل وتوجيه السلوكسواء ب اواطن ونفسه أو ب اواطن وغيره من اواطن‏.‏ وفي هذهارحلة بالذات التي ارتبكت فيها كثير من افاهيم الدينية وشاع الهجومبالدين والهجوم عليه تصبح الحاجة ملحة إلى الوعي بفلسفة التربية عسىأن يسهم هذا في تصويب اسار عند التعامل دينيا مع الأطفال ومع الشباب<strong>على</strong> وجه العموم.‏وإذا كانت هذه هي ‏(مبررات)‏ الوعي بفلسفة التربية بالنسبة لأطرافعدة فإننا نجد أن هناك جملة من ابررات ‏«اشتركة»‏ وإن شئنا مزيدا منالوضوح جملة من ‏«الفوائد»‏ و«الإيجابيات»‏ التي لا تقتصر <strong>على</strong> فئة دونأخرى سواء بالنسبة للمتخصص أو غيرهم نذكر منها:‏ فنظرا للطبيعة الخلافية لفلسفة التربية فإن دراستها تؤدي في أغلبالأحوال إلى التيقن من أن ليس هناك ‏«رأي واحد»‏ فزوايا الرؤية مختلفةوالاجتهادات متعددة وب<strong>التالي</strong> فلا داعي لأن يتعصب هذا أو ذاك لرأيه ولاداعي لأن ‏«يكفر»‏ أحد أحدا سواء تكفيرا دينيا أم سياسيا.‏ ويترتب <strong>على</strong> ذلك التيقن من أن ‏(الحوار)‏ هو وسيلة التعامل الأساسيةالتحاور بالأفكار وباصطلحات وبافاهيم والحرص <strong>على</strong> أن تظل دائرةالحوار مقتصرة <strong>على</strong> ‏(اوضوع)‏ لا ‏(الشخص)‏ وما يقتضيه الحوار من لغة29


فلسفات تربوية معاصرةحديث أو كتابة تتسم بالطهر والنظافة والافتراق بعد الحوار دون تخاصم.‏ ودراسة فلسفة التربية من شأنها أن تكون اتجاها فكريا يل بالإنسانإلى ألا يقف من الأمور عند حد ما ‏(يبدو)‏ وما ‏(يظهر)‏ وإا يسعى إلىمحاولة الوصول إلى ‏(ااوراء)‏ ا يحمل في أغلب الأحوال التفسير الأقربإلى الحقيقة ومن ثم الإعانة <strong>على</strong> حسن الفهم.‏ ومن شأن محاولة تجاوز ‏(مايظهر)‏ للوصول إلى ‏(ااوراء)‏ أن تتيحالفرصة لإدراك ماب اتفرقات من علاقات.‏ سواء إذا كانت علاقات تأثيروتأثر أو علاقات تضمن أو احتواء أو ترادف وهذا الوعي بالعلاقاتالقائمة ب اتفرقات سبيل مهم لدقة الفهم.‏ ويل فلسفة التربية بدارسها إلى ألا يسلم ا يقرأ أو يسمع أو يرىفهو لا ل من طرح هذا التساؤل:‏ هل هذا صحيح?‏ وهو ما يشكل مانسميه بالنظرة النقدية تلك النظرة التي تساعد <strong>على</strong> إزالة معوقات النموالفكري وتغذية العقل بالجديد من الأفكار.‏ وإذا كانت دراسة فلسفة التربية تلح بسؤال ‏(هل هذا صحيح?)‏ فهيكذلك تلح بسؤال ا^خر مهم وهو ‏«‏اذا?»‏ فمن شأن الطرح استمر لهذاالسؤال أنه يعني ضرورة ‏«التعليل».‏ والتعليل هو الركن أو القدم الثاني معالنقد لطرح روح ‏(التسليم)‏ جانبا وب<strong>التالي</strong> فهما معا يحيلان الإنسان منعنصر ‏«منفعل»‏ إلى عنصر فاعل.‏ وليست اسألة هي فقط أن نتساءل:‏ هل هذا صحيح?‏ و«‏اذا?»‏ إنهاأكثر من ذلك اتساعا..‏ إنها بث روح التساؤل بصفة عامة بكافة أدواتالتساؤل اعروفة:‏ هل?‏ كيف?‏ أين?‏ من?‏ متى?..‏ وهكذا فكلما طرح تساؤلفمعنى ذلك جهد للإجابة وهذا يعني مزيدا من الوضوح أو مزيدا منإضافة أفكار جديدة أو زوايا أخرى ومن شأن هذا كله أن يغني الفكرويغذي العقل.‏ كذلك فإنها تساعد دارسها <strong>على</strong> أن يكون حريصا أشد الحرص <strong>على</strong>التحديد الدقيق للمفاهيم استخدمة سواء من جانبه هو أو من جانبا^خرين حتى يتوافر القدر الأساسي من الوضوح فكم من معارك نشبت لوحللناها تحليلا دقيقا فسوف نجد أن جزءا كبيرا منها إا يعود إلى عدمالاتفاق <strong>على</strong> الوضوح الفكري ونشير إلى الوضوح لا إلى تطابق افاهيم30


افهوملأن هذا احتمال قد يكون بعيدا في بعض الأحوال لكن ما لابد منه هو أنيعرف كل طرف اعنى الدقيق ا يقوله هو أو يقوله الطرف الا^خر.‏ وبعض الناس قد لا يحفلون سألة تحديد الهدف مقدما ا قديوقعهم في التخبط ويهدر كثيرا من الوقت والجهد بلا نتيجة ملموسة معأننا نعلم جيدا أن إحدى سمات الإنسان ككائن حي أنه قد وهب القدرة<strong>على</strong> تحديد الهدف وتصوره وتغييره واختيار الوسائل اناسبة وفقا لتغيرالظروف والأحوال والإمكانات اتوافرة.‏ونحن لا ننكر أنه في كافة اجملالات هناك تأكيد <strong>على</strong> ضرورة تحديدالهدف ولكننا نشير هنا إلى أن هذه اسألة بالنسبة لفلسفة التربية ‏(عملأساسي)‏ ومهمة رئيسة من مهامها.‏ ولا شك أن الحرص الدائم <strong>على</strong> تحديدالأهداف من شأنه أن يع الإنسان <strong>على</strong> تحديد اسار والإمكانات اطلوبةووسائل التنفيذ بل والتوقيتات اللازمة وكل هذا يؤدي من غير شك إلىالاقتصاد في الإنفاق اادي والإنفاق الإنساني.‏ والقدرة <strong>على</strong> تحديد الهدف تع غالبا الإنسان <strong>على</strong> الاختيار القيميوذلك الاختيار الذي قد يصيب الإنسان أحيانا بالتردد وقد يصل إلىدرجة التوقف:‏ هل يقدم هذه القيمة أم تلك?‏ وما حساب الخسائر والأرباح?‏ وكل ما سبق يساعد إلى حد كبير <strong>على</strong> إزالة مظاهر وصور التناقضالتي قد تفقد الحياة الثقافية صحتها وتبلبل العقول والخواطر وتبذر بذورالصراع والف‏.‏وبعد هذه الوقفة الطويلة نسبيا أمام ضرورة وأهمية دراسة فلسفةالتربية نجد عددا من القضايا التي تحتاج لا نقول إلى ‏(حسم)‏ وإا إلىعرض وجهة نظرنا منها:‏من أين نبدأ فلسفة التربية?‏ ذلك أن هناك بعضا يرى أن البداية تكونيذهب بعض ا^خر بينما والخبرات التربوية وتحليل اشكلات ناقشةإلى ضرورة أن نلجأ إلى اسائل واشكلات الفلسفية ثم نبحث عن دلالاتهاوتطبيقاتها التربوية.‏والسبيل الأول هو الأقرب إلى الواقعية وإلى إقدار فلسفة التربية <strong>على</strong>أن تكون قوة تغيير مجتمعي لا مجرد رياضة عقلية في مسائل تربوية.‏لكن هذا لا ينبغي أن يعني بالضرورة التغافل عن تلك النظرات والجهود31


فلسفات تربوية معاصرةالفكرية التي بذلها الفلاسفة إذ من الضروري ‏«الاستفادة»‏ بها والاستعانةبطريقة الفيلسوف في مواجهة اسألة التربوية.‏وفلسفة التربية إذ تبدأ من واقع اسألة التربوية فلكي تعيننا <strong>على</strong>فهمه ومواجهته لكن الهدف الأكبر من هذه العملية هو استشراف استقبلففلسفة التربية بطبيعتها إذن عملية ‏(مستقبلية)‏ فهي إذ تسعى إلى رسمصورة ا ينبغي أن يكون فإن ذلك يعني سعيها إلى رسم صورة للمستقبل.‏والبدء بالواقع ومواجهته والاشتباك مع همومه ومشكلاته يقتضي‏«العلمية».‏ وليست العلمية هنا تعاملا مع أجهزة بحث في معمل وإا هيعلمية انهج من حيث دقة استخدام افاهيم واصطلحات ومن حيثالاستناد إلى الخبرة في الحكم <strong>على</strong> مدى صحة الأفكار من حيث الاتساقانطقي وتوافر الدليل انطقي ومن حيث ارونة والاستعداد للتخلي عنالفكرة إذا ثبت عدم صحتها وهكذا ا هو معروف من أصول وقواعدالطريقة العلمية للتفكير.‏ونحن هنا لا نقر ذلك التقابل الذي يدرس كثيرا في بعض كتب الفلسفةلطلابنا ب ‏(الطريقة الفلسفية)‏ و(الطريقة العلمية)‏ في التفكير لا نقرهمن حيث الإيحاء بأن الدراسة الفلسفية ملزمة بالطريقة الأولى وأن الدراساتالأخرى هي اخملتصة بالثانية فمع التسليم بوجود ‏(‏ايز)‏ بينهما إلا أنهذا لا يستتبع بالضرورة اختيارا بينهما إما هذه وإما تلك.‏وب<strong>التالي</strong> فقولنا بضرورة ‏(علمية)‏ فلسفة التربية لا يعني أن تتخلى عن‏(التأمل)‏ كنهج أساسي فالتأمل ضرورة لا غنى عنها وليس التأمل دائماكما يتصور البعض مجرد ‏(سبحات خيال)‏ وإا هو سباحة عقلية تنطلقمن معطيات واقع صحيح..‏ أن تستخدم ‏(الخيال)‏ لكنه خيال مضبوطخيال الإبداع والابتكار وليس خيال أحلام النوم.‏والاعتراف بأهمية ‏(التأمل)‏ في فلسفة التربية يبرز لنا قضية مهمةذلك أن قولنا يبدأ فلسفة التربية من واقع الخبرة وبانتهاجها نهجا علمياإا يعني أنها لا تتعامل لا من قريب ولا من بعيد مع اسائل ايتافيزيقية.‏وإذا كانت مذاهب كثيرة قد نأت في العهود الأخيرة بالفعل عنايتافيزيقا فإن فلسفة التربية هي الأخرى بحكم وظيفتها قد لا تكونمعنية بطريقة مباشرة باباحث <strong>الخاصة</strong> بالكون وبأصل الوجود وخلقه32


افهومومصيره وتكوينه لكنها لا تستطيع أن تنعزل اما عن هذا فمهما خاصممفكرون ايتافيزيقا إلا أنهم بطريقة أو بأخرى لابد أن يكون لهم موقفمن هذه اسائل.‏ وبالنسبة لفلسفة التربية فقد لا تعنى هي بالبحث فيهذا لأنه يخرج عن نطاقها لكنها لا تستطيع إلا أن تستند إلى نظرةفلسفية في الكون/‏ الحياة/‏ الإنسان قد تكون هذه النظرة نظرة ‏(دين)‏بعينه وقد تكون نظرة مذهب أو مفكر وفقا ا سبق أن أكدنا بأن التربية لاتستطيع ألا تكون ‏«مؤدلجة»‏ أي منطلقة من ‏(أيديولوجيا)‏ ومن ضمن أركانالأيديولوجيا تحديد اوقف من مثل هذه القضايا.‏- ما موقع فلسفة التربية من علوم التربية?‏ وما موقعها من الدراساتالفلسفية?‏إذا كنا قد اتفقنا <strong>على</strong> عناية فلسفة التربية بتحديد انطلقات الأساسيةالتي يقوم عليها العمل التربوي يصبح هذا النسق اعرفي هو ‏«اايسترو»‏ إن صح هذا التعبير بالنسبة خملتلف تخصصات العلوم التربوية دون أنيعني هذا معنى من معاني الهيمنة والسيطرة.‏وفلسفة التربية تندرج عادة تحت مظلة مايسمى في العلوم التربوية ب‏(أصول التربية)‏ بل قد تتطابق عند البعض معها.‏والحق أن هذا اصطلح ‏(أصول التربية)‏ أصبح بحاجة إلى اواجعةفقد كان يعني:‏ الأصول الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخيةوالنفسية للتربية.‏وقد أصبح كل أصل من هذه الأصول ‏(علما)‏ قائما بذاته فصار هناك‏(اقتصاديات التعليم)‏ و(اجتماعيات التربية)‏ و(تاريخ التربية)‏ و(علوم النفس).‏وهكذا حيث لم يبق بالساحة إلا ‏(الأصول الفلسفية)‏ التي عنى بها كثيرون‏(فلسفة التربية).‏ومن ثم فيبدو أن الضرورة ملحة الا^ن لكي نتخلى عن مصطلح ‏(أصولالتربية)‏ كاسم نسق معرفي قائم بذاته لتبقى لنا ‏(فلسفة التربية)‏ نسقاقائما بذاته تشارك مع الأنساق الأخرى التي أشرنا إليها في تحقيق الهدفاراد من ‏(أصول التربية)‏ بحيث يصبح هذا اصطلح اسما ‏(جملال)‏ يضمعدة أنساق.‏أما بالنسبة للدراسات الفلسفية فإن فلسفة التربية تقع في نطاق33


فلسفات تربوية معاصرةماهو معروف في هذه الدراسات باسم ‏(فلسفات العلوم)‏ فهناك كما نعلمفلسفة للتاريخ وفلسفة للعلوم وفلسفة للاجتماع وهكذا.‏لكن هذا لا يعني تباعد فلسفة التربية عن بعض القطاعات الفلسفيةفهي بحكم وظيفتها تجد أنه لابد لها من الاستعانة باباحث الفلسفية فينظرية اعرفة حيث إن من مهام التربية الأساسية ‏(التعليم)‏ والتعليم يعنيموقفا من مصدر اعرفة ماهو?‏ وهل هي كنة أم لا?‏ وما درجة اليقفيها وبأي الوسائل تتم اعرفة?‏ وما طبيعتها?...‏ وهكذا.‏وكذلك فإن عملية التعليم لا تعنى ادة اعرفة ومحتواها فقط وإاتعنى كذلك بالطريقة وإذا قلنا ‏(الطريقة)‏ نجد أنفسنا قد طرقنا باب‏(انطق)‏ أياً‏ كان انحى الذي نتناوله به.‏أما ‏(الأخلاق)‏ فهي غنية عن البيان من حيث صلتها بالعمل التربويإلى الدرجة التي كن عندها أن نقول إنها من ‏(اناطق اشتركة)!‏- ماعلاقة فلسفة التربية بكل من فلسفة اجملتمع وسياسة التعليم?‏الحق أنه كن القول بأننا أمام هذه القطاعات الثلاثة نكون أماممستويات متدرجة:‏فإذا كانت فلسفة التربية تحدد انطلقات الفكرية للعمل التربوي فإنالعمل التربوي إا هو عمل منظومة فرعية من جملة انظومات اكونةللمنظمة اجملتمعية الكلية ا تشمله من منظومة سياسية ومنظومةاقتصادية ومنظومة ثقافية وهكذا.‏وانظومة التربوية <strong>على</strong> هذا الأساس لابد أن تعمل في تناغم واتساقمع سائر انظومات الاجتماعية ا يستتبع حتمية الاستناد إلى منطلقاتمجتمعية عامة هي التي تشكل ما نسميه بفلسفة اجملتمع.‏إنه إذا كان <strong>على</strong> كل أمة أن تحدد أهدافها الكلية وتطلعاتها استقبليةونهجها العام فإنه ا يخص العامل في القطاع التربوي أن يحددوا بناء<strong>على</strong> هذا..‏ ماذا تعني هذه الفلسفة اجملتمعية بالنسبة لهم?‏ أو عنى ا^خرما الدور الذي كن أن يقوم به النظام التربوي لتحقيق هذه الفلسفةالعامة?‏ وتكون الإجابة عن هذا السؤال من شق‏:‏الشق الأول يتمثل في صورة ‏«منطلقات تربوية»‏ تحدد افاهيم الأساسيةوالقيم الرئيسية وقواعد وأصول التناول النقدي شكلات التعليم وكيفية34


افهوممناقشة الافتراضات الأساسية للنظريات اتداولة في العمل التربوي ‏(وهذاهو ما اصطلحنا <strong>على</strong> تسميته بفلسفة التربية).‏الشق الثاني وهو يتمثل في صورة ‏(مسارات)‏ مقترحة و(توجهات)‏ توضعأمام انفذين وهي ما نسميه ب ‏(السياسة التعليمية)‏ فهي إذن تشكل استوىالثالث حيث ثل فلسفة اجملتمع ‏(استوى الأول)‏ وثل فلسفة التربية‏(استوى الثاني).‏ولذلك تكون سياسة التعليم معرضة للتغير من فترة لأخرى بعكسفلسفة التربية التي تتميز بقدر من الثبات النسبي فإذا كان لسياسة التعليمأن تتغير بتغير ‏«سلطة التعليم»‏ فإن فلسفة التربية قد لا تتغير إلا بتغيرالقيادة السياسية نفسها.‏- ما السبيل الأفضل لدراسة فلسفة التربية?‏الحق أنه من العسير أن نقول إن هناك سبيلا أفضل من غيره فهيسبل ومناح تنتهي إلى تحقيق الهدف نفسه من زوايا مختلفة.‏ أما هذهالسبل فهي غالبا ما تنحصر في ثلاث:‏- قد تتم دراسة فلسفة التربية عن طريق دراسة جملة الأفكار وافاهيمالأساسية كتحديد اوقف من ‏(طبيعة الإنسان)‏ الأهداف التربوية الحرية القيم.‏- وقد تتم عن طريق ‏(شخصيات)‏ تتمثل في عدد من فلاسفة التربية<strong>ذوي</strong> الأثر الواضح في هذا اجملال:‏ رسل/‏ ديوي/‏ فريري/‏كارنكو...‏إلخ.‏- وقد تتم عن طريق ‏(مدارس)‏ و(اتجاهات)‏ وهو السبيل الذي نتبناه فيكتابنا الحالي فندرسها عن طريق دراسة عدد من الفلسفات واذاهبذات الإسهام التربوي:‏ كالبراجماتية مثلا....‏ وهكذا.‏35


فلسفات تربوية معاصرةالمراجع1- Bowyer, C. H: Philosophical Perspectives for Education IIIinois, Scott, Foresman & Comp, 19702- Broudy, H.S: Building a Philosophy of Education, New Delhi, Printice-Hall, 1965.3- Dupuis, A.M & Nordberg, R.B: Philosophy and Education U.S.AThe Bruce Publishing Comp,1968.4- Kilpatrick, W.H: Philosophy of Education, W.Y, The Macmillan Company, 1951.5- Lucas, C.J: What is Philosophy of Education? London, The Macmillan Comp, 1969.6- Moore, T.W: Philosophy of Education, An Introduction, London, Routledge & Kegan Paul, 1982.7- Ozman, H&Craver, S: Philosophical Foundations of Education Columbus, Ohio, Charles E., MerrillPublishing Comp, 1976.8- Peterers, R.S (ed): The philosophy of Education, London, Oxford Unir Press, 1980.9- Strain, J.P: Modern Philosophies of Education, New York Rondm House, 1971. جون ديوي:‏ الدقراطية والتربية ترجمة متى عقراوي وزميله القاهرة لجنة التأليف والترجمةوالنشر ١٩٥٤. سعيد إسماعيل علي وا^خرون:‏ دراسات في فلسفة التربية القاهرة عالم الكتب ١٩٨١. صادق سمعان:‏ الفلسفة والتربية محاولة لتحديد ميدان فلسفة التربية القاهرة النهضةالعربية ١٩٦٢. فيليب فينكس:فلسفة التربية ترجمة محمد لبيب النجيحي القاهرة دار النهضة العربية.١٩٦٥ محمد الهادي عفيفي:‏ في أصول التربية الأصول الفلسفية القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٨٠. محمد لبيب النجيحي:‏ مقدمة في فلسفة التربية القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٦٧. نيللر.‏ ج.‏ ف:‏ مقدمة إلى فلسفة التربية ترجمة نظمي لوقا القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٧١. هاني عبدالرحمن صالح:‏ فلسفة التربية عمان مطبعة الجيش العربي ١٩٦٧.36


فلسفة التربية البراجماتية2 فلسفة التربية البراجماتيةأولا الأصول الاجتماعية والفلسفية١ الأصول الاجتماعية:‏تعد الظروف الاجتماعية التي اكتنفت ازدهارالتفكير الفلسفي في أمريكا الشمالية ظروفا فريدةفي التاريخ الإنساني اللهم إلا إذا قارناها بظروفالقرون الأخيرة للإمبراطورية الرومانية ف<strong>على</strong> أرضهذه القارة التقت جماعات من مختلف أصقاعالعالم وعولت <strong>على</strong> أن تشكل أمة جديدة.‏ وفيأرض هذه القارة بذرت معا بذور التقاليد الثقافيةالوافدة من أقصى الأقاليم وانحدرة من أبعدالعصور وسرعان ما أينعت ثمارها معا ومنالخامات استوردة نسج الفكر الأمريكي.‏وفي الحق أن ظروف تجارة أوروبا ذاتها كانتقد بدأت تتطور في ميادين نشاطها السياسيوالاقتصادي والاجتماعي والديني وترتب <strong>على</strong> ذلكظهور رغبة واضحة عند أعداد كبيرة نحو البحثعن مصادر الثروة وعن مظلات الحرية في خارجاليابس الأوروبي.‏ ومعنى ذلك أن الحاجة إلىالأوطان الجديدة غير اسكونة قد بدأت تجتذبأنظار هؤلاء الذين كانوا <strong>على</strong> قدم الاستعداد للرحيلإلى أوطان جديدة في الخارج.‏ وكن القول إن37


فلسفات تربوية معاصرة‏ُبعد أمريكا بصفة عامة جعلها غير معروفة حتى اشتدت الحاجة إلى أمثالهافدفعت اكتشف إليها.‏ وهكذا فتحت هذه الأوطان للراغب في اهاجرةمن أوروبا القدة اكتظة.‏ ويرى البعض أن تاريخ العالم العام كان لابد أنيتأثر كثيرا لو أن اكتشاف أمريكا قد منذ زمن بعيد قبل نجاح كوبس.‏ويرجحون أن مثل هذا الكشف را كان يؤدي إلى مضاعفة فترة العصورالوسطى من التاريخ العام ولكن يلوح في نظر الكثيرين أن هذا الاكتشاف<strong>على</strong> يد كوبس ومن جاء بعده حدث في الوقت اناسب ويتفق مع مطالبتطور الحياة في أوروبا ذاتها وأن التطور الطبيعي هو الذي دفع إليه (١) .وليس من شك أن بعد أمريكا والصعوبة في الوصول إليها قد ترتبعليهما وخاصة في مراحل استعمارها الأولى أن يجيء نوع اهاجر استعمرمنتخبا مختارا إلى درجة عظيمة.‏ ولكن هذه الظاهرة بدأت تختفي بالتدريجبعد أن استعمل البخار والكهرباء في النقل البحري وسهلت عملية اختراقهذا الحاجز اائي الكبير.‏ ودون شك لابد أنه كان يتوافر من الأسبابوالدوافع ما يحمل الرجال وعائلاتهم <strong>على</strong> نزع أنفسهم وسط مياه محيطعظيم الأسابيع والشهور <strong>على</strong> ظهور مراكب عتيقة غير ا^منة تحملهم إلىالشواطىء الجديدة كي يخضعوا وحشتها ويبنوا مساكنهم ويقيموا أدواتمعيشتهم في ظروف تكاد تكون مجهولة لهم.‏أما هؤلاء الذين كانوا يبحثون عن اعيشة في ظل الحرية الكاملةوالذين كانوا ينقبون عن ميادين جديدة نح حرية العبادة فهؤلاء كانوا منالكثرة في اراحل الأولى من الاستعمار حتى أنهم كادوا يطبعون طابعهمبوضوح <strong>على</strong> اهاجرة في هذه الفترة.‏ وإلى جانب هؤلاء كانت هناك وفوداخملاطرين وغير استقرين و<strong>ذوي</strong> العزائم القوية والروح الوثابة التي تدفعصاحبها نحو البحار اظلمة واليابس اجملهول.‏ كذلك كانت هناك طائفةالرأسمالي الذين كانوا <strong>على</strong> استعداد ليدفعوا برؤوس أموالهم عبر البحارفي استثمار موارد اجملهول وغير اعروف (٢) .فبعثات التبشير الإسبانية ومحاولة الفرنسي الاتصال بالهنودالأمريكي والاتجار معهم والحكومات اقدسة البيوريتانية وازارعالإيرلندية والإنجليزية واستيطان الرواد من شعوب عديدة أو ‏«الروحيون»‏الأفريقيون والفلسفات والتأملات الدينية الا^سيوية والفنون الجميلة للشرق38


فلسفة التربية البراجماتيةالأقصى واثالية الأانية والتجريبية والنظم الاستعمارية الإنجليزيةوالهندسة اعمارية واوسيقى الإيطالية والطوائف اليونانية والأرثوذكسيةومدارس الجزويت واذاهب اللاهوتية البروتستانتية وشريعة اليهودونبوءاتهم..‏ كل هذه وأكثر منها لعبت أدوارها في تشكيل الفكر الأمريكي (٣) .وليس تاريخ الأمريكي موغلا في القدم فهم سلالة ثلاثة قرون مناهاجرين الذين اعتمدوا <strong>على</strong> سواعدهم وصارعوا الطبيعة حتى استنبتوامنها الزرع واستخرجوا من باطنها اعادن ولم يعتمدوا <strong>على</strong> مال موروث أوأرض ذلول فهم أبدا في صراع مع الطبيعة يعولون في ذلك الصراع <strong>على</strong>استخدام أيديهم وسواعدهم وعقولهم.‏ وقد ورثت الأجيال اتأخرة عنرواد اهاجرين الجرأة والإقدام والاعتماد <strong>على</strong> النفس والتحرر من التقاليدومحبة الكشف واغامرة واستخدام العقل البشري في تسخير الطبيعةواحترام العمل اليدوي في كسب اعاش واعتبار النجاح اادي الموسدليلا <strong>على</strong> صحة السبل اتبعة.‏ وهذه الصفة الأخيرة هي جوهر فلسفتهماسماة بالبراجماتية باعتبار أن البراجماتية تعبر عن الروح الأمريكيةكما أن اثالية عنوان <strong>على</strong> الروح الأانية والتجريبية هي السمة الغالبةللعقلية الإنجليزية.‏ وهكذا ثم جاء افكرون الذين اصطلحنا <strong>على</strong> تسميتهمبالفلاسفة فصاغوا هذه الروح البراجماتية مذهبا متسقا.‏وقد أدى بحث التركيب الجنسي لسكان الولايات اتحدة إلى كثير منالنقاش أو الجدل وكان من الطبيعي أن يسأل الباحث:‏ ‏«هل تنجح الولاياتاتحدة في هضم وثيل هذه العناصر الجنسية اخملتلفة?».‏ وإذا كانتالحياة الأمريكية قد امتازت بظهور جاليات أوروبية كبيرة الأعداد قد وصلتإلى الولايات اتحدة في عصر حديث للغاية فقد ظلت <strong>على</strong> حالتها منالعزلة والانفرادية في وطنها الجديد.‏ وقد خشيت الولايات اتحدة أناضطرابات أوروبا وحروبها اتكررة سوف يترتب عليها أن تحاول جماعاتأوروبية جديدة ترك أوطانها الأصلية بحثا وراء وطن جديد هادىء وهربامن ذلك الأتون استعر.‏ ويضاف إلى ذلك أن الجاليات الأوروبية الجديدةكانت في كثير من مظاهر حياتها تغاير مجموع الشعب الأمريكي الأصيل أواهاجر القد من حيث نوع الحياة الاقتصادية والنظم الاجتماعيةومستوى اعيشة بصفة خاصة (٤) .39


فلسفات تربوية معاصرةوفي الوقت ذاته أدى البحث والنقاش إلى طرق موضوع افاضلة بالشعوب والأجناس الأوروبية وخاصة من حيث صلاحيتها وموافقتهاللاندماج في المحيط الأمريكي بسهولة?‏ هل تفضل العناصر الأنجلوسكسونية <strong>على</strong> غيرها من العناصر السلافية والشعوب اللاتينية?‏ هل يعطىساكن أواسط أوروبا الفرصة نفسها التي تعطى لساكن السواحل الغربيةمثلا?‏ هذه بعض أنواع الأسئلة التي شاعت وتناولها الكتاب بالبحث والجدلواناقشة وهل تقدر البوتقة الأمريكية <strong>على</strong> تحليل هذه العناصر اخملتلفةالتي وصلت إليها وتنجح في أن تخرج منها عجينة أمريكية سليمة منالناحية الجنسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية?‏إن الانعكاسات الكاملة التي أصبحت في ا^خر الأمر مشهورة خلالالثمانينيات من القرن الثامن عشر عن طبيعة ومعنى الشخصية والطباعالأمريكية الجديدة كانت في خطابات من فلاح أمريكي كتبها مهاجر فرنسييدعى ‏(ج هكتور سانت جون كريفكر)‏ كان يسأل ويجيب عن السؤال الذيساد الفكر الأمريكي عن نفسها وعن حب الاستطلاع الأوروبي عنالجمهورية الغربية عبر الأطلنطي:‏ ما الأمريكي هذا الرجل الجديد?‏كريفكير ذلك النبيل الفرنسي القليل الشأن الذي عاش في أمريكا لجيلقبل الثورة الأمريكية أجاب بأن الأمريكي كان خليطا غريبا من الدماءحيث إن جميع الأفراد هناك هم من كل الأوطان انصهروا وصاروا جنساجديدا من البشر الذي بوساطة أعماله وذريته سوف يحدث يوما تغيراتضخمة في العالم (٥) .فالأمريكي كان رجلا:‏ ترك خلفه نقائصه وعيوبه وسلوكه القدوتلقى بدلا منها سلوكا جديدا استوحاه من شكل الحياة الجديدة التياحتضنته والحكم الجديد الذي يطبقه واستوى الجديد الذي أمسك بهفالأمريكي رجل جديد يعمل وفق قواعد جديدة ولذلك فهو يجب أنيحتضن أفكارا جديدة ويكوّن ا^راء جديدة ومن موقع الكسل غير الإراديوالفراغ والاستسلام للعبودية والفقر ادقع والعمل غير النافع قد انتقلإلى مرحلة كدح مختلفة اما عن طبيعتها الأولى ويكافأ ورد رزق فسيح.‏أمريكي ا^خر هو ‏(جويل بارلو)‏ بعد إقامة بضع سنوات في الخارججاء ليرى أن شخصيته جديدة للغاية للناس قد تكون مفهومة ضمنا في40


فلسفة التربية البراجماتيةالثورت الأمريكية والفرنسية وفي مقدمة ملحمة شعرية حاولها في عام١٧٨٧ اسمها ‏(رؤية كوباس)‏ لاحظ ‏(بارلو)‏ أن اادة األوفة لحمة وطنيةفيها قصص بطولية عن ااضي غير ملائمة بشكل ما للولايات اتحدة.‏اوضوعات الأكثر نبوغا اللازمة لحمة أمريكية كما قال ‏(بارلو)‏ تنشأ منالعواقب ويجب أن تتمثل في العصور.‏ الحمة عندئذ هي قطار الأحداثالذي كن أن يقدم إلى ‏(كوباس)‏ عندما تخيل ا^مال البشرية في العالمالجديد لم يكن القصص ااضي لكنه استقبل العظيم هو الذي أثارالأمريكي للتفكير في مقاييس ملحمة اختباراتهم (٦) .وفي نطاق الجدل الذي قام حول الشخصية الجديدة واجملتمع الجديدأشار ‏(فرانكل‏)‏ إلى أن توافر الأرض وعدم وجود قيود العالم القد حولالسكان حيث ازداد عددهم <strong>على</strong> الأقل إلى ضعف مثيله في أوروبا لميعدل فقط في السكان ولكنه قد غير العادات والأساليب وافاهيمالشخصية وأن الأسر التي تعتمد <strong>على</strong> نفسها والتي تعمل بجدية أصبحتهي القاعدة والأساس أما العاطلون والكسالى والجامدون اتخلفون منكل الطبقات الذين لا عمل لهم في اجملتمعات الجامدة بأوروبا فلم يكنلهم وجود في استعمرات.‏ كذلك ضعف شأن الأعمال الحكومية الضخمةذات الصفة اركزية ا أنقذ الإدارة من أن تكون ملاذا لجيوش ‏«اوظف‏».‏كذلك فقد اختفت من هذا اجملتمع الضرائب الباهظة وأساليب الاستيلاء<strong>على</strong> امتلكات بطريقة تحكمية ا كان من شأنه أن يثبط الهمم ويبطىءمن فرق الإقدام <strong>على</strong> اشروعات اخملتلفة وسعي كل إنسان لتحس ظروفمعيشته (٧) .ومن يخالط الأمريكي العادي يجد فيه صفات لا بأس بها فهو أكثرمن الأوروبي بكثير في بساطته وكرمه وانفتاحه <strong>على</strong> الناس وب<strong>التالي</strong> ليسلديه عقدة اظهرية اوجودة في أوروبا فالأمريكي أقل الناس اهتمامابثيابه رجلا كان أو امرأة وأقلهم تصنعا وتكلفا.‏فقد عاش أحد الكتاب اصري (٨) مثلا في أحد بيوت أثرياء أمريكيوكان يجد أن الصبي إذا طلب شيئا قال له أهله:‏ إذن عليك بغسيل السيارةكل أسبوع ونعطيك كذا دولارا أو عليك بغسيل زجاج النوافذ والأبواب أواذهب إلى نادي التنس القريب.‏ حيث يحتاجون إلى أولاد يجمعون الكرات41


فلسفات تربوية معاصرةالتي يلعب بها اللاعبون فهو مهما كان حظ أسرته لابد أن يعرف أنالدولار له قيمة وأن له أن يستمتع ويلهو بقدر ما يعمل ويكسب.‏طبعا إذا دفعنا هذا الأسلوب في الحياة أو هذا انطق إلى نهايته فإنهقد ينقلب إلى شيء ا^خر مضاد وفي هذه الحالة مثلا كن أن يؤدي هذاانطق إلى أن تصبح القيم مادية اما القيمة الوحيدة فيها هي الدولاروهذا بالطبع صحيح ح نلقي نظرة شاملة <strong>على</strong> منطق الحياة في الولاياتاتحدة الأمريكية بصرف النظر عن الأفراد في حد ذاتهم.‏وأمريكا كمجتمع تتغير دائما تعيش اليوم فقط لا تنظر إلى الأمسأبدا كما قلنا حتى التاريخ الذي تجده في اجملتمعات القدة لا وجود لههناك.‏ إن الفتى من يقول:‏ ها أنذا وليس الفتى من يقول كان أبي!‏ومن هنا نجد هذه الروح البراجماتية هي التي لا تؤمن بالجبر بل إنظروف الحياة كن تحسينها بالتصميم <strong>على</strong> العمل الذي يسترشد بالعقل.‏والتي تعتقد أن التفكير يرتبط ارتباطا ملازما بالعمل.‏وأن النظريات واذاهب إا هي فروض للعمل تحن ا ينتج عنهافي اواقف الفعلية في الحياة.‏وأن اثل الأخلاقية فارغة عقيمة إذا انفصلت عن وسائل تحقيقها.‏وأن الحقيقة ليست ثابتة وليست نظاما كاملا بل الحقيقة عمليةجارية في تغير مستمر.‏وأن الإنسان ليس ألعوبة في يد قوة خارجية ولكنه يستطيع إعادةتشكيل الظروف التي تصوغ خبرته بعزمه وبإرادته.‏وأن الناس في استطاعتهم تنمية نشاطهم ومؤسساتهم ومبادئهم التيتنظم سلوكهم.‏هذه السمات والاتجاهات واواقف الفلسفية تصبح أكثر وضوحا وجلاءكلما أمعنا النظر في التطور السياسي والاجتماعي لهذا البلد:‏ فالأمريكي عندما جاء مهاجرا لؤه روح اغامرة ويندفع بدافع الفرديةالشديدة كان يبيد في طريقه شعبا ا^خر هو شعب الهنود الحمر أصحابالبلاد الأصلي فهو أخذ الأرض بذراعه وسلاحه وأخذها مخضبة بالدموليبرر لنفسه ذلك لابد أن يؤمن بفكرة أن الأقوى هو صاحب الحق.‏ ثم خطف العبيد من أفريقيا وجعلهم ملكا له كالدواب اما في42


فلسفة التربية البراجماتيةأمريكا كما أقام <strong>على</strong> أساس عبوديتهم زراعاته الواسعة وبوصفه مالكامطلقا لهم فإنه ضربهم بالسياط واستخدمهم في أشق أنواع العملووضعهم في حظائر كااشية واغتصب نساءهم وحكم بالإعدام <strong>على</strong> منرد منهم إلى ا^خر مانعرف من قصة الزنوج اأساوية في الولايات اتحدة.‏ ومع ذلك فقد هاجر هذا الأمريكي من أوروبا هربا من الاضطهاداتالدينية والفوارق الطبقية هاجر باحثا عن عالم مثالي في حريته ولكنالتجربة العملية أوقعته في هذا التناقض ولذلك قال أحد اؤرخ الأمريك‏«كان جيفرسون يقرأ إعلان حقوق الإنسان الذي انبثق عن الثورة الأمريكيةوحرب الاستقلال ضد إنجلترا وأمريكا غاصة لاي السود والأرقاءيرزحون في قيود العبودية!!‏ (٩) .كأنها أثينا القدة..‏ التي عرفت أوسع أنواع الحرية لأهلها ولكن قوتهاقامت <strong>على</strong> العبيد ‏«الذين ليست لهم أية حقوق».‏إن هذه التجارب ظلت كامنة في النفس الأمريكية تبدي نفسها فيصور متعددة تأتي في مقدمتها هذه الفلسفة الحالية.‏ورغم أنه قد أصبح من اسلم به ضرورة ربط الفلسفة بالبنية الاجتماعيةللفلاسفة موضوع الدراسة فإن ‏(جون ديوي)‏ أحد زعماء البراجماتية لميعجبه ماقام به برتراند رسل وهو يبرز الصلة الواضحة ب البراجماتيةوالبيئة الأمريكية (١٠) . فلقد بدا ل ‏«رسل»‏ أن الاعتقاد في القدرة الإنسانيةوعدم الرغبة في التسليم ب ‏«وقائع»‏ مستعصية ‏«قد ارتبطا بالأمل الذيتولد عن إنتاج الا^لة والتأثير العلمي البارع في البيئة الطبيعية.‏ هذا الرأيقد شارك فيه كثيرون من أنصار ديوي»‏ .إن منهج ‏(ديوي)‏ قد يعني ثورة في الفكر عند الطبقة الوسطى أشبهفي ضخامتها بالثورة في الصناعة في القرن ااضي».‏ وقد بدا ل ‏(رسل)‏أنه كان يقول الشيء نفسه ح كتب:‏ ‏«إن لديوي نظرة حيثما تتميز تتناغممع عصر الصناعة والعمل الجماعي.‏ وطبيعي أن فيه أعظم إغراءللأمريكي وكذلك أيضا العناصر التقدمية في أقطار كالص واكسيك».‏ولأسفه ودهشته أن الحكم الذي ظن كونه حميدا اما قد ضايقديوي الذي رد قائلا:‏ ‏«إن عادة ‏(رسل)‏ اؤكدة في ربط النظرية البراجماتيةفي اعرفة بالجوانب الذميمة للنزعة الصناعية الأمريكية..‏ هي أشبه ا43


فلسفات تربوية معاصرةلو كنت ربطت فلسفته باهتماماته الأرستقراطية الإنجليزية من ملاكالأراضي»‏ (١١) .ولم يكن ‏(رسل)‏ وحده في التفسير الذي ذهب إليه ف ‏(سنتيانا)‏ مثلايقول:‏ ‏«في ‏(ديوي)‏ كما في العلم والأخلاق ثمة ميل منتشر هيجلي إلىدرجة ما لتفكيك الفرد إلى وظائفه الاجتماعية مثلما يفككون كل شيءجوهري وواقعي إلى شيء ما نسبي انتقالي».‏كذلك تتجلى طبيعة الأصول الاجتماعية للبيئة الأمريكية في وصف‏(رسل)‏ لفلسفة ديوي بقوله (١٢) : ‏«فلسفته هي فلسفة القدرة وإن لم تكنكفلسفة ‏(نيتشة)‏ فلسفة القدرة الفردية فإننا نحس فيها بقيمة قدرةالجماعة.‏ هذا العنصر لقدرة الجماعة هو الذي كما يلوح لي يجعلفلسفة ‏(الأداتية)‏ البراجماتية فلسفة جذابة لأولئك الذين يتأثرون بسيطرتنا<strong>على</strong> القوى الطبيعية بدرجة أكبر من تأثرهم بالقيود التي مابرحت هذهالسيطرة تتعرض لها».‏٢ نشأتها:‏لقد لبثت الفلسفة دهرا طويلا تسبح في سماء الفكر اجملرد ولا تصغيبا^ذانها إلى الحياة العملية التي تعج بأصواتها أرجاء الأرض جميعا ولاتحفل بالواقع الذي تراه الأبصار إلا قليلا فقد قصرت مجهودها في الأعمالأغلب <strong>على</strong> جوهر الأشياء في ذاتها وأخذت تسأل:‏ ما اادة?‏ وما الروح?‏وما مبعثهما ولكنها باءت بعد طول الكدح والعناء بالفشل والإفلاس حتىجاءت هذه الفلسفة الأمريكية التي قت البحث النظري اجملدب العقيموأرادت أن تنحو بالفكر نحوا جديدا فلا يكون من شأنه كنه الشيء ومصدرهبل نتيجته وعقباه أو أن من المحتم أن يتخذ الإنسان من أفكاره وا^رائهذرائع يستع بها <strong>على</strong> حفظ بقائه أولا ثم <strong>على</strong> السير بالحياة نحو السمووالكمال ثانيا (١٣) .ومهما تختلف الا^راء في الفلسفة البراجماتية قبولا ورفضا فإن تلكالا^راء جميعا تلتقي عند نقطة يتفق عليها القابلون والرافضون <strong>على</strong> حدسواء وتلك هي أن البراجماتية إا جاءت تعبيرا عن عصرنا العلمي منبعض وجوهه وأنه ليتعذر بل يستحيل <strong>على</strong> اتعقب لثقافة هذا العصر44


فلسفة التربية البراجماتيةأن يغمض عينيه عن هذا التيار الفكري الذي لم يكد يتفجر ينبوعه <strong>على</strong> يد‏(تشارلز بيرس)‏ ١٨٣٩ ١٩١٤ حتى أخذت روافده تتدفق في سرعةوغزارة فأخصبت مختلف اطارح من دنيا الفكر والثقافة إذا كانت دراسةهذا التيار الفكري أمرا لازما <strong>على</strong> اثقف العام فهي ألزم للدارس اتخصصفي التربية لأن اذهب البراجماتي ب اتجاهات الفلسفة التربوية اعاصرةليس واحدا منها وكفى بل هو ركيزة رئيسية تلتف حول أطرافها وأركانهادراسات تربوية كثيرة وتطبيقات مختلفة.‏ظهرت هذه الفكرة إبان القرن التاسع عشر كرد فعل وجات الفلسفةاثالية التي كانت تطغى <strong>على</strong> الفكر الأمريكي والتي جاءت إليه من أوروباو<strong>على</strong> وجه التحديد من أانيا فقد أعجبت اثالية الأانية كما ظهرت<strong>على</strong> يد ‏(كانط)‏ و(هيجل)‏ نفرا من الشعراء والكتاب الذين أخذوا ينقلونهذه اثالية تلخيصا وتعليقا في شعرهم ونثرهم وكان ‏(إمرسن)‏ من أبرزهؤلاء.‏ و<strong>على</strong> الرغم من أن هذه اوجة اثالية تصدى لها فلاسفة تجريبيونبذلوا جهدا علميا فإنها عادت إلى الظهور مرة أخرى في أواخر القرنالتاسع عشر أقوى ا كانت وما كان ذلك ليكون إلا لأن الذين تشيعوا لهاهذه ارة لم يكونوا من الكتاب والشعراء إا كانوا من اتخصص فيالدراسات الفلسفية من أساتذة الجامعات الذين غذوها بالحجة انطقيةوالاستدلال العقلي والحجاج اللفظي.‏ وكان من أبرز هؤلاء الأساتذة الذينعملوا <strong>على</strong> إشاعة هذه الفلسفة اثالية ‏(جوزيا رويس)‏ الذي كان أستاذاللفلسفة في جامعة هارفارد (١٤) .وكان من استحيل أن يظل التفكير الفلسفي <strong>على</strong> اندفاعه نحو التطرففي اثالية واجملتمع الذي وجدت هذه الفلسفة <strong>على</strong> أرضه بهذه الصورةالتي ذكرناها بل كان يستحيل أن يظل التيار اثالي <strong>على</strong> قوته وعالم العصرالحاضر كان وج كله بسيل منهمر من الإنتاج العلمي الغزير ومن ثم كانلابد أن يحدث رد فعل عكسي يرمي إلى الأخذ بانهج العلمي لا يقتصرالأمر في ذلك <strong>على</strong> أن طائفة من النتائج العلمية قد انتهى إليها أمرالعلماءوما أدت إليه تلك ابادىء من تغير في أوضاع الحياة بل كان الأهم من هذاوذاك أن ازداد اعتماد الناس <strong>على</strong> العلم والعلماء في حل مشكلاتهم <strong>على</strong>اختلاف ضروبها وازداد ب<strong>التالي</strong> إقبال الناس <strong>على</strong> الدراسة العلمية وما45


فلسفات تربوية معاصرةكان ذلك ليحدث إلا نتيجة ا أدت إليه الثورة الصناعية وما لحقها فقدتحول الناس من زراع في الريف إلى صناع في ادن وأصبح الاهتمام كبيرابكيفية استغلال ما تعج به الطبيعة من موارد وإمكانات هائلة وكان شأنهذا كله أن يعلي من مقام ‏(العمل)‏ و(اليد)‏ (١٥) .لكن كيف هذا التحول?‏كان أحد أجنحة اثالية قد ازدهر سن قليلة في جامعة ‏(جون هوبكنز)‏وفترة أطول في جامعة ‏(ميتشجان)‏ ويسمي اؤرخون هذا الجناح درسةاثالية الدينامية.‏ وكان ‏«جورج سيلفستر موريس»‏ متخصصا في اللاهوتعندما ذهب إلى أانيا للدراسة فترك اللاهوت وانغمس في الفلسفة.‏وفي الفترة بدءا من سنة ١٨٧٨ وضح أنه قد حمل معه من أانيا حماسهللتأويل العملي للمقولات الكانطية ولطبع تصورات أرسطو عن الحركةوالنمو والنشوء والوجود بالفعل بطابع اثالية (١٦) .بهذا الإسهام من الواقعية الإبستمولوجية والإرادية الرومانسية حاول‏(موريس)‏ أن يقيم الفلسفة <strong>على</strong> أساس علمي دون أن يلحقها بعلوم أخرى.‏مثل هذا اشروع كان له شأن بوجه خاص في ‏(جون هوبكنز)‏ حيث أشيدبالعلوم التجريبية لأول مرة <strong>على</strong> أنها مركز البحث الأكادي.‏وفي تلك الأثناء كان زميله في ‏(جونز هوبكنز)‏ ‏«ش.‏ س.‏ بيرس»‏ عاكفا<strong>على</strong> مراجعته قولات كانط رابطا بينها وتصوره الخاص لبيولوجية الذهن.‏وح انضم ‏(ج.‏ ستانلي)‏ إلى ‏(جون هوبكنز)‏ بعد أن تدرب في معامل‏(فنت)‏ وغيره من علماء النفس الأان أدخل علم النفس التجريبيالفسيولوجي إلى أمريكا ونظر إلى ميتافيزيقا ‏(موريس)‏ و(بيرس)‏ <strong>على</strong>أنها معرفة في التأمل إلى الحد الذي لا كن معه أن تكون بيولوجية.‏ وقدأحس ‏(جون ديوي)‏ الذي جاء من ‏(فرمنت)‏ سنة ١٨٨٣ وتتلمذ أولا <strong>على</strong>موريس بقوة هذه الأشكال اتنافرة للبيولوجيا الفلسفية وإذ استخدمهاجميعها استخداما نقديا بدأ يعد مذهبه الخاص في ‏(علم النفس)‏ وهوالذي ظهر كنص سنة (١٧) ١٨٨٧ .وشعر جماعة من خريجي هارفارد بضرورة التوجه الجديد نحو ‏(الفعل)‏ونحو ‏(استقبل)‏ وما يستتبعه من مسؤولية كبيرة لابد أن يأخذوها <strong>على</strong>عاتقهم لتقليص اوجة اثالية التي طغت <strong>على</strong> مجتمعهم فاتفق هؤلاء46


فلسفة التربية البراجماتيةالنفر <strong>على</strong> أن يجتمعوا في منزل أحدهم يتناقشون ويتباحثون في اشكلاتالفلسفية يربطهم جميعا رباط واحد هو الإان نهج العلم التجريبيوبأنه هو منهج التفكير السليم وبأن الفلسفة إذا ما أرادت أن تخرج مننطاق الحلقة افرغة التي ما فتئت تدور فيها منذ الأزل لابد أن تقيمنسقها <strong>على</strong> أساس من العملية التي تقوم <strong>على</strong> العمل والخبرة والتجريبحتى كن أن تصبح مثل العلم أداة فعالة لخدمة اجملتمع البشري وكانتهذه الجماعة تتكون من (١٨) : ‏«بيرس C.S.Peirce نشونسي رايتWrightنيقولا جون جرين Green وليام جيمس W.James وفرانس أبوت Abbot وكانوايجتمعون في منزل ‏(بيرس)‏ مرة وفي منزل ‏(جيمس)‏ مرة أخرى.‏ ولعل مايوضح مدى نفور هذه الجماعة من اوجة اثالية ايتافيزيقية أن سمواجماعتهم ‏«النادي ايتافيزيقي»‏ وتلك سخرية واضحة من ايتافيزيقا.‏وقد عرض ‏(جرين)‏ في أحد الاجتماعات تعريفا لعالم نفس إنجليزيBainاسمه ‏(ب‏)‏ للاعتقاد بأنه ‏«ما <strong>على</strong> أساسه يكون الإنسان مستعداللسلوك».‏ وقد عرض جرين هذا التعريف للمناقشة (١٩) ولم يخف إعجابهبه وتقديره.‏ ودار ت اناقشات حوله.‏ وفي أثناء ذلك كان ‏(بيرس)‏ يدونملاحظاته <strong>على</strong> مايدور أمامه من مناقشات فلما فرغوا من ذلك أخذبيرس ينقح ما دوّنه ويزيد عليه وكان من نتيجة ذلك مقالان أولهما بعنوان‏(تثبيت الاعتقاد)‏ اbeliefe Theب Fixation of سنة ١٨٧٨ والثاني بعنوان ‏(كيفclear? How to Make our ideas سنة ١٨٧٩ اعتبرنجعل أفكارنا واضحة ?)البذور الأولى للبراجماتية.‏ولقد عرف بيرس كلمة Pragmatism من دراسته للفيلسوف الأاني كانطKant وهذا يعني أن البراجماتية قد تأثرت إلى حد ما لا بروح الحياةالأمريكية وحدها وإا ببعض اؤثرات الأوروبية وهذا طبيعي فقد رأيناالأمريكي أنفسهم في معظمهم ينحدرون من أصول أوروبية.‏ففي كتاب ‏«ميتافيزيقا الأخلاق)‏ ميز كانط ب ماهو براجماتي Pragmaticوماهو عملي Practical فالعملي ينطبق <strong>على</strong> القوان الأخلاقية التي يعتبرهاأولية ‏(قبلية)‏ بينما البراجماتي ينطبق <strong>على</strong> قواعد الفن وأسلوب التناولاللذين يعتمدان <strong>على</strong> الخبرة ويطبقان في مجال الخبرة.‏ أما وليام جيمسفيرى أن الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية Pragma ومعناها ‏(مزاولة)‏47


فلسفات تربوية معاصرةو(عملي).‏وقد كان بيرس تجريبيا مشبعا بعقلية اعمل ولهذا رفض أن يسمىمذهبه باذهب العملي كما اقترح بعض أصدقائه وكان بيرس كذلك رجلمنطق فاهتم بفن التفكير الحقيقي وطرائقه وخاصة فيما يتعلق بدورالطريقة البراجماتية في فن إيضاح ادركات العقلية أو ابتكار تعريفاتوافية وفعالة طبقا لروح الطريقة العلمية (٢٠) .وهكذا أقام بيرس النظرية القائلة إن ادلول العقلي لكلمة من الكلماتأو عبارة من العبارات إا يكون فقط في تأثيرها اقصود في مجرىالحياة ولذلك فإن الشيء إذا لم يكن ناجما من التجربة فلا كن أن يكونله أي تأثير مباشر في السلوك.‏ وإذا استطاع ارء أن يعرف بدقة كلالظواهر التجريبية اتصورة التي كن أن يتضمنها إثبات أو إنكار ادركاتالعقلية فإن ارء سيجد في هذا تحديدا كاملا عنى ادرك العقلي.‏لهذا كانت البراجماتية بعيدة عن أن تكون جيدا للعمل لذاته وهكذاأيضا نجد أن نظرية بيرس تناقض كل تحديد أو تقييد عنى ادرك فيحدود بلوغ غاية محدودة ناهيك عن تحقيق غاية شخصية وهي أشدمعارضة لفكرة وضع العقل في خدمة أي غرض مالي أو غرض في منتهىالضيق (٢١) .أما جيمس فقد أشار إلى ابدأ الذي وضعه بيرس والذي ظل مهملااما زهاء عشرين عاما ولم يحفل به أحد حتى قدر له أن يبعثه منمرقده ويخرجه ثانية إلى حيز الوجود ح قدمه في حديث ألقاه أمامرابطة الفيلسوف هوريسون الفلسفية في جامعة كاليفورنيا وطبقه تطبيقاخاصا <strong>على</strong> الدين وكان ذلك سنة ١٨٩٨. والطابع الغالب <strong>على</strong> اعنى الذيألبسه جيمس للبراجماتية هو طابع ‏(النفع)‏ إلى الدرجة التي فرح فيهاعندما عثر <strong>على</strong> اصطلاح ‏(القيمة الفورية)‏ ا Cash Value نصفه بأنه صادقوكأن العبارات الصادقة مثل السلع اطروحة في السوق قيمتها فيما يدفعفيها من ثمن لا في ذاتها (٢٢) . وزاد <strong>على</strong> ذلك بقوله إن الفكرة تظل صادقةمادامت لم يعترضها معترض ن نعاملهم <strong>على</strong> أساسها فهي كالذي يعاملالناس معتمدا <strong>على</strong> حسابه في البنك فالفكرة مثلها مثل ورقة النقد تصلحللتعامل إلى أن يعترضها معترض بحجة أنها باطلة (٢٣) . ومادامت الفكرة48


فلسفة التربية البراجماتيةسارية نسلك <strong>على</strong> أساسها فنحقق بسلوكنا ماينبغي من نتائج فهي فكرةصادقة.‏والسؤال الذي يتبادر للذهن هو:‏ هل هناك فرق ب رأي بيرس ورأيجيمس?‏ إن بيرس يؤكد هنا أن هناك فرقا مهما فنظريته نظرية فياعنى ونظرية جيمس نظرية في الصدق فإذا قلت إن بطارية سيارتيخالية من الشحنات الكهربائية فهذه الجملة عيار بيرس تعتبر ذات معنىواضح لأنه من السهل عليك أن تتوقع جملة الإجراءات السلوكية التي تترتب<strong>على</strong> خلو بطارية السيارة من الكهرباء حتى ولو كان الأمر من الناحيةالواقعية غير صحيح.‏ أي حتى ولو كانت البطارية حقيقة تحتوي <strong>على</strong>شحنة كافية من الكهرباء.‏ وهنا كن القول إن الجملة غير صادقة <strong>على</strong>الرغم ا لها من اعنى فاعنى <strong>على</strong> هذا لا يقتصر <strong>على</strong> ضرورة اطابقةالفعلية ب الكلام والواقع ولكنه يتعلق أيضا ب ‏(امكن)‏ الذي يحدث فيمابعد.‏ولعل هذا يوضح الفرق ب فلسفة بيرس وفلسفة وليام جيمس وكيفأنه من الظلم لبيرس أن نجمع معه جيمس <strong>على</strong> أساس أنهما من مدرسةفلسفية واحدة ثم نصب النقد العنيف عليها بناء <strong>على</strong> ما قاله جيمسوحده.‏ لقد كان بيرس يبذل الكثير من الجهد لكي تجيء ألفاظه ومصطلحاته<strong>على</strong> قدر كبير من الدقة في التعبير أما جيمس فقد كان رجلا جماهيريايغلب عليه كونه عاا نفسيا ورجلا متدينا يهمه كثيرا أن يجتذب عدداكبيرا من استمع والقراء ولو كان ذلك في بعض الأحوال <strong>على</strong> حسابما يستخدمه من مصطلحات فلسفية.‏ ومن هنا نجد بيرس نفسه يغضبمن تفسير جيمس ويسرع إلى إدخال تعديل في كلمة Pragmatism لتصبح:‏Pragmaticism ومن ثم يصبح تداولها <strong>على</strong> الألسن أقل شيوعا فيحميهابذلك من إساءة الاستعمال.‏ ولعل هذا يفسر لنا اذا نستخدم في اللغةالعربية أحيانا كلمة ‏(براجماتية)‏ وأحيانا أخرى كلمة ‏(براجماسية).‏أما جون ديوي الفارس الثالث للفلسفة البراجماتية فقد عرف اتجاهها يسمى ب ‏(الوسيلة)‏ Instrumentalism نسبة إلى ‏(وسيلة)‏ وأحيانا نسميهاب ‏(الأداتية)‏ نسبة إلى ‏(أداة).‏ والعرض الذي قدمناه لتونا لفلسفة جيمسيدلنا <strong>على</strong> أنه كان يعتبر التصورات الذهنية والنظريات مجرد أدوات49


فلسفات تربوية معاصرةتستطيع أن تساعد في تشكيل وقائع استقبل بطريقة محددة لكن جيمسقد اهتم في المحل الأول بالجوانب الأخلاقية لهذه النظرية بالتأييد الذيمنحه لفكرة ‏(التحس‏)‏ واثالية الأخلاقية والنتائج اترتبة عليها فيمايتعلق بالقيمة العاطفية وأثر مختلف النظم الفلسفية ولم يحاول مطلقاإنشاء نظرية كاملة تشمل الأشكال والبناءات والعمليات انطقية التي تقوم<strong>على</strong> هذا التصور.‏ فالوسيلة هي محاولة لتكوين نظرية منطقية دقيقةللمدركات العقلية والأحكام والاستنباطات في شتى صورها وذلك عنطريق البحث أولا في الكيفية التي يؤدي بها الفكر وظيفته في التحديدالتجريبي للنتائج استقبلة ومعنى هذا أنها تحاول إقامة ييزات وقواعدمنطقية تلقى تأييدا عاما عن طريق استخلاصها من وظيفة العقل منحيث هو وسيط ومن حيث هو بناء وتستهدف إقامة نظريته عن الأشكالالعامة للتصور العقلي والتفكير لا عن هذا الحكم الخاص أو ذاك منالأحكام اتصلة ضمونها (٢٤) .و<strong>على</strong> الرغم ا كانت تلقاه معظم الفلسفات الأوروبية من اهتمام باشتغل بالفلسفة داخل الولايات اتحدة فإن البراجماتية باعتبارها فلسفةأمريكية لم تحظ ا تستحقه من اهتمام خارج الولايات اتحدة بل لقدضرب عليها موقف عزلة وتعتيم عجيب حتى لقد شكا ‏(سيدني هوك)‏في بحث له بعنوان ‏(الفلاسفة الأمريكيون في حالة عمل)‏ من أن أمريكاظلت دولة مجهولة من الناحية الفكرية وخاصة بالنسبة لفلسفتهاالبراجماتية (٢٥) .ولقد دفع هذا اوقف واحدا مثل ‏(بيتر كاز)‏ عندما كان يدعى كضيفسنة ١٩٦٠ لحضور ‏(سمنار)‏ للفلسفة في جامعة هيدلبرج ثم عرض عليهأثناء إقامته أن يلقي كلمة أو كلمت في جامعة مجاورة وهي جامعة ‏(مينز)‏سرعان ما فطن إلى أنه لو تحدث عن ‏(ديوي)‏ أو ‏(رويس)‏ أو عن اوقفالسائد في الفلسفة الأمريكية فإن حديثه لن ينال غير قليل من الاهتمامفرأى بدلا من ذلك أن يدلي ببعض الأحاديث بالأانية عن ‏(كانط)!!‏الأصول الفلسفيةإذا كانت كل فلسفة لابد لها من تربية تحيلها من معان وأفكار في50


فلسفة التربية البراجماتيةأدمغة الفلاسفة إلى سلوك وإجراءات يسير وفقا لها الإنسان في حياته<strong>الخاصة</strong> والعامة فإننا لا نستطيع أن نفهم وجهات نظر البراجماتية التربويةما لم نقف <strong>على</strong> اعالم الرئيسية لنظراتهم الفلسفية.‏وأنه لأمر جد عسير عندما نحاول في صفحات قليلة أن نلخص اعالمالرئيسية للفلسفة البراجماتية خاصة أنها <strong>على</strong> الرغم من نظرة الناسإليها كإطار موحد بها تيارات وبها اتجاهات متعددة.‏ ومن هنا فإننا نستسمحالقارىء في أن ننحو نحوا منهجيا في الحديث عن هذه الفلسفة حيث إنهذه الفلسفة كما سنرى هي ‏«منهج»‏ في التفكير أكثر منها نظرية عامةتتكون من أفكار ومواقف تجاه موضوعات وقضايا فلسفية كالإنسان والقيمواعرفة مثلا.‏وسوف تكون الصورة شاملة ؤسسي البراجماتية الرئيسي وهم بيرسووليم جيمس وديوي.‏ التفسير الإجرائي للمعنى عند بيرس:‏<strong>على</strong> الرغم من تعدد وجهات النظر في اراد ب ‏«اعنى»‏ فإنها تلتقي كلهاعند معنى واحد وهو أن شيئا يرمز إلى شيء فقد يلاحظ الإنسان بظاهرت طبيعيت ارتباطات بحيث إذا ظهرت إحداهما تقع الأخرىكارتباط البرودة بالانكماش والحرارة بالتمدد.‏ فإذا سلطنا لهبا <strong>على</strong> قطعةمن الحديد توقعنا ددا في الحديد وعندئذ يكون ‏(معنى)‏ التمدد فيالحديد هو أن حرارة سلطت <strong>على</strong> الحديد و(معنى)‏ ارتفاع الزئبق فيالترموتر هو أن الشخص اع مريض...‏ وهكذا.‏وا كانت العلة ترتبط باعلول ارتباطا يجعلنا نتوقع ظاهرة إذا ما بدتظاهرة تكون بالنسبةلها نزلة العلة للمعلول جعلنا ‏«معنى»‏ العلة هنا هواعلول فإذا وجدت ورقة لدي <strong>على</strong> اكتب محترقة رغم أن أحدا في انزللم يحرقها وسألت:‏ ما ‏«معنى»‏ هذا?‏ فسوف يكون الجواب هو ذكر العلةالتي كانت سببا في حدوث الظاهرة التي أمامي (٢٦) .وكما أن العلة قد تكون ‏«معنى»‏ للمعلول فقد يكون اعلول ‏«معنى»‏ للعلةفلو قرأنا أن دولة استفزت إحدى جاراتها ثم رأينا في تلك الدولة اجملاورةاستعدادات عسكرية وسألنا ما ‏«معنى»‏ هذه الاستعدادات?‏ فسيكون الجواب:‏51


فلسفات تربوية معاصرةإن الدولة استفزة ‏(بكسر الفاء)‏ تريد أن تستثير القتال وهكذا...‏ معانمختلفة لكلمة ‏«معنى»..‏ تكاد تشير كلها إلى أن ‏«اعنى»‏ دائما هو أن شيئايرمز إلى شيء وكلا الشيئ يكونان من كائنات العالم الواقع.‏ومشكلة اعنى هذه كانت ومازالت من أهم اشكلات التي تداولعليها الفلاسفة منذ أقدم العصور حتى الا^ن يقلبونها <strong>على</strong> وجوهها اخملتلفة.‏وإن اختلفت الطريقة التي تناول بها القدامى من الفلاسفة هذه اشكلة عنتلك التي أرادها فلاسفة العصر الحاضر.‏ وأول فيلسوف بحث في ‏«اعنى»‏بحثا جديا كان سقراط بحيث كن القول إنه موجد فلسفة اعاني (٢٧) .فقد وجه جهده الأكبر ناقشة اعاني اخملتلفة للمبادىء العقلية الكامنةوراء الظواهر السلوكية للوقوف <strong>على</strong> اعنى الواضح السليم لتلك ابادىءوافاهيم التي يصدر الناس عنها في سلوكهم.‏ ذلك أننا كثيرا ما نتكلم أونسلك كلاما أو سلوكا قائما <strong>على</strong> مبدأ مع قد لا نكون <strong>على</strong> وعي به بلكثيرا ما نسلك وفق مبدأ كامن وراء سلوكنا فإذا تعرضنا لجدال بصددهمع أحد ننكره غير واع ا نقع فيه من تناقض فانظر مثلا إلى حاكممن الحكام لأ الدنيا حديثا عن الدقراطية ثم تراه يسلك في حكمهمعتمدا <strong>على</strong> أساليب دكتاتورية لا تخطئها ع‏!!‏واستمر الفلاسفة يتناوبون <strong>على</strong> مشكلة ‏«اعنى»‏ واتجه الرأي فيها عدةاتجاهات حتى جاء بيرس فأضاف إليها اتجاها جديدا هذه الاتجاهاتهي:‏أ ادرسة الشيئية:‏ تجعل اعنى حقيقة قائمة بذاتها في العالم الخارجيمثل الأفراد الجزئي اما فرذا كان معنى الإنسان أنه حيوان ناطق فإنهناك في عالم اثل مثالا حقيقيا لهذا اعنى وإذا كان هناك من فرق قائمافهو أن اعاني أو الأفكار اجملردة أو اثل قائمة في عالم عقلي غير هذاالعالم الفيزيقي الذي هو عالم الجزئيات اتغيرة وزعيمها أفلاطون.‏ب ادرسة التصورية:‏ وهي مدرسة أرسطو تجعل اعني تصورا ذهنياقائما في عقل الإنسان أو الذات العارفة يحصل عليه بعد أن يقوم بعمليةتجريد ا ب الأفراد الجزئية اتشابهة من صفات جوهرية مشتركة.‏ج ادرسة الاسمية:‏ تجعل اعنى كائنا في دلالة اللفظ <strong>على</strong> مسمياتهالجزئية دون ضرورة أن يكون هناك وجود خارجي قائم بذاته أو قائم في52


فلسفة التربية البراجماتيةذهن العارف.‏د ادرسة البراجماتية تجعل اعنى قائما في طريقة السلوك إزاءلفظ مع فإذا كان هناك تجريد فالتجريد يكون لطريقة السلوك وليسلصفات الأشياء (٢٨) .وهذا هو تفصيل رأي البراجماتية كما عبر عنه بيرس:‏أسهم بيرس إسهاما جديا في الدراسات اتعلقة نطق الرموز أو‏«السيميوطيقا».‏والرمز يعني أن شيئا يحل محل شيء ا^خر بحيث كن أن يكون ‏«رمزه».‏ويقرر بيرس أن للرمز صفة يسميها بالصفة الثلاثية Triad الرمز هو الحدالأول وموضوعه هو الحد الثاني أما الحد الثالث فهو ما يسميه بيرس ب‏«افسر»‏ Interpretant وهو الرمز الا^خر الذي يوضح الرمز الأصلي أو الرمزاللغوي (٢٩) .وقد صنف بيرس ‏«افسرات»‏ أصنافا عديدة (٣٠) يهمنا منها ‏«افسر»‏انطقي الذي يعرفه بأنه ‏«اعنى الذي يصل الرمز وضوعه».‏ ونستطيعأن نعبر عن ذلك بقولنا:‏ إن افسر انطقي لحد ما هو ذكر خصائصهوالخصائص اقصودة هنا هي الخصائص الحسية فحسب وذلك تبعا اينادي به بيرس في مبدئه البراجماتي ‏«تدبر الا^ثار التي يجوز أن يكون لهانتائج فعلية <strong>على</strong> اوضوع الذي تفكر فيه وعندئذ تكون فكرتنا عن هذهالا^ثار هي كل فكرتنا عن اوضوع»‏ (٣١) . والوصول إلى الخصائص الحسيةأو ‏«افسر»‏ لكلمة ما معناه إجراء عملي نقوم به ونصل منه إلى نتائجويتألف معنى التصور أو الفكرة من مجموعة تلك النتائج.‏وعنى ا^خر كن أن يقال إن الأفكار ماهي إلا خطط للسلوك العمليوالفكرة إذا لم تؤد إلى سلوك نسلكه في عالم الواقع عدت فكرة زائفةباطلة.‏ ولو أردنا أن نخلص لهذا ابدأ فإن ذلك سيساعدنا <strong>على</strong> التخلصمن عديد من اشكلات التي حفل بها تاريخ الفلسفة التي يرى بيرس أنهافي حقيقة أمرها ماهي إلا ‏«بناءات»‏ لا أساس لها من التفكير السليم;‏ ذلكلأنها قامت <strong>على</strong> ‏«أفكار»‏ غير ذات صلة بعالم الواقع الذي نخبره.‏لقد أنفق الإنسان سن عديدة محاولا أن يصل إلى حل ثل هذهاشكلات بيد أنه فشل في ذلك فلماذا?‏ هل لعجزه عن ذلك?‏ يرى بيرس53


فلسفات تربوية معاصرةأن الفلاسفة الذين كانت الإجابة لديهم بالإيجاب أخطأوا إلى حد كبيرفلم يكن ذلك لعجز لدى الإنسان وإا لأن هذه اشكلات يستحيل بحكمطبيعتها أن نصل إزاءها إلى حل (٣٢) وذلك لأنها قامت <strong>على</strong> أساس كلمات لامعنى لها مادامت لا تؤدي إلى سلوك فعلي في دنيا الواقع والخبرة.‏ويشن بيرس هجوما <strong>على</strong> هؤلاء الفلاسفة الذين يتناولون اسائل نفسهاالتي كان اليونانيون القدماء يناقشونها وبانهج العقلي التأملي البحت نفسهومن ثم لا تحرز مناقشاتهم تقدما ور السنون والقرون ولا خطوة إلىأمام ويقارن هذا ا يحدث في العلم..‏ إن العلم ضي قدما في طريقالتقدم يسبب طريقته في تناول الأمور فلنسأل أنفسنا مثلا اذا يتفقالناس <strong>على</strong> معنى كلمة مثل ‏«الصلابة»‏ عندما يعنون بها مادة صلبة مثل‏«الحديد»‏ مثلا?‏ السبب في ذلك أن الناس كن أن يشتركوا في مشاهدةالسلوك الذي تعنيه كلمة ‏«الصلابة»?‏ فالجسم ‏«الصلب»‏ يستطيع أن يخدشبقية الأجسام دون أن يصيبه خدش ما.‏ مثل هذه الخاصية كل إنسانيستطيع أن يراها ويلمسها تستطيع مثلا أن سك بقطعة من الصلبوتضغط بها <strong>على</strong> مادة أخرى وعندئذ ستجد خدشا في اادة اضغوطعليها.‏ هذا السلوك الذي قمت به للتحقق من خاصية اادة الصلبة هو‏«معنى»‏ هذه الخاصية اتعلقة ب ‏«الصلابة»‏ (٣٣) ولعلنا بعد هذا نستطيع أننفهم اذا لا يزال النزاع الجدلي مستمرا للوصول إلى اتفاق حول معانيكلمات مثل ‏(الحرية)‏ و(الدقراطية)‏ ولم ينته النزاع حول الاتفاق لا لشيءإلا لأنه لم يحدث اتفاق <strong>على</strong> السلوك الناتج عن أمثال هذه الكلمات.‏إن بيرس كان ينشد من الفلاسفة أن يترسوا خطى العلماء أي أنالفيلسوف إذا ما أراد أن يحدد معاني ألفاظه تحديدا يعينه <strong>على</strong> دقةالتفكير تخير له ألا يبدأ بالكلمة ثم يعقب عليها بتعريف بل أن يبدأبالصفة أو مجموعة الصفات التي يلاحظها ويريد لها اسمها يزها ثميطلق هذا الاسم ا^خر الأمر <strong>على</strong> ما قد لاحظه وبهذا يصبح تعريف الاسمهو الصفات التي كانت قد وقعت في حدود اشاهدة فإذا ما استخرجنابعد ذلك من هذا التعريف نتائج مترتبة عليه كانت هذه النتائج متطابقةمع حوادث الواقع اشهور (٣٤) .ويضرب لنا بيرس مثلا لهذه الطريقة الجديدة في زمنه في تعريف54


فلسفة التربية البراجماتيةالألفاظ لتوضيح معناها (٣٥) فالتعريف العادي لعنصر ‏«الليثيوم»‏ هو ماوزنه الذري يساوي (٧) تقريبا.‏ بيد أن بيرس يعرف ذلك العنصر كما يلي:‏‏«إذا بحثت ب الفلزات <strong>على</strong> فلز شفاف نوعا ما ينفذ منه الضوء ذو شكلرمادي أو أبيض صلب يلمع وله بريق لا يقبل الذوبان تعطي القطعة منهلونا قرمزيا لدخان غير مشتعل وكن أن يذوب نوعا ما في حامضاورياتيك إذا مزج مزجا جيدا بالجير ثم انصهر وإذا تبخر هذا المحلولووضع الراسب في حامض الكبريتيك نقي حالا كن أن يتحول إلىكلوريد الليثيوم.‏ كل هذه خصائص لعنصر الليثيوم إذا وقفت عليها فقدوقفت <strong>على</strong> تعريف هذا العنصر ومعناه السليم.‏ومن النتائج التي تترتب <strong>على</strong> مبدأ بيرس في اعنى أننا إذا وجدناأنفسنا إزاء فكرت اختلفتا لفظا وعندما نريد أن نقف <strong>على</strong> ما يترتبعليهما من نتائج سلوكية نجد اتحادا في النتائج فيمكننا وبلا تردد أننحكم بأن الفكرت لا يختلفان في اعنى (٣٦) أما إذا وجدنا أنفسنا إزاءفكرت اتحدتا لفظا بينما اختلفتا عندما خضعا للتحقيق التجريبي والتطبيقالسلوكي إذا حدث هذا فالفكرتان ليس بينهما تشابه في اعنى وإن كانبينهما مثل هذا التشابه في اللفظ (٣٧) . فافرض أن أحدا قال لك:‏ في هذااكان يوجد شبح وقال ا^خر:‏ كلا بل لا يوجد مثل هذا الشبح..‏ فكرتان أوعبارتان اختلفتا لفظا ولكن هل يختلف الواقع الإجرائي والسلوكي فيالحالة الأولى عنه في الحالة الثانية?‏ كلا بطبيعة الحال.‏ وإذن فلا خلافب الرأي‏.‏ ومادامت الفكرة لا تختلف في نتائجها من حيث الخطأ أوالصواب فهي فكرة زائفة (٣٨) .ويتصل شكلة اعنى عند بيرس رأيه في قضية ‏«الاعتقاد».‏ يقولبيرس إن الاعتقاد هو أن الإنسان قد اكتسب عادة سلوكية معينة يشعربوجودها ويستطيع ارستها إزاء هذا الذي يظن أنه صحيح ومن ثم قيلإن الفكرة التي نظن أننا فيها <strong>على</strong> صواب تعني أن لدينا استعدادا للسلوكالعملي إزاءها (٣٩) . ولتوضيح ذلك نسوق اثال الا^تي:‏لو أنك كنت سائرا في طريق زراعي ورأيت حقلا منزرعا بنبات‏«اعتقدت»‏ أنه قطن.‏ فما معنى هذا ‏(الاعتقاد)?‏ معناه مجموعة من القواعدتضبط بها سلوكك إزاءه فلو كنت جائعا فليس هذا النبات ا كن أن55


فلسفات تربوية معاصرةيغذيك ولو أردت الاستفادة ا يحمله من قطن فليس هذا حينه لأنهيستلزم عمليات أخرى يكون بعدها صالحا للاستعمال.‏ ولو رأيت به ‏«لطعا»‏من دود القطن وكنت صديقا لصاحب هذا الحقل فسوف تخبره ا رأيتوقد تشمر عن ساعديك ساعدته في تنقية الشجيرات من هذه الإصاباتوهكذا كل هذه نتائج عملية تترتب <strong>على</strong> ‏«اعتقاد»‏ لديك بأن ما تراه أمامكهو ‏«نبات القطن»..‏ وهكذا الشأن في كل ‏(اعتقاد)‏ لدينا عن العالم الخارجيا فيه من وقائع وأحداث فلا يكون الاعتقاد جديرا باسمه إلا إذا كان دالا<strong>على</strong> أاط من السلوك الإجرائي العملي نحو ذلك الشيء الذي يدور حولههذا الاعتقاد.‏وإذا ما اعتقدنا في أمر مع وسلكنا نحوه وفقا لهذا الاعتقاد ثموجدنا أن هذا السلوك لم يسر حسب ماهو متوقع نكون بهذا إزاء الوجهالا^خر للاعتقاد وهو الشك الذي يحدث كلما وجدنا اختلافا ب ما كنانتوقعه وما وقع فعلا (٤٠) . فإذا كنت هاويا لشرب القهوة غير المحلاة وطلبتما أنا أهواه فجاء لي فسأقبل عليه وأنا <strong>على</strong> اعتقاد بأنها قهوة محلاةحتى إذا أقبلت <strong>على</strong> ارتشافها ووجدت أنها غير ذلك فلن أستمر في سلوكيإزاءها ذلك لأن هناك اختلافا ب ماهو متوقع وماهو واقع ا يترتبعليه أن أشك في فكرتي السابقة بأن القهوة محلاة ولكن هل يقف الأمرعند ذلك?‏ كلا بل سيترتب عليه مثلا أن أطلب إرجاعها ليعد لي غيرهاوفق ما كان مطلوبا.‏ وإذا كنت <strong>على</strong> ‏(اعتقاد)‏ بأنني الا^ن وحدي في انزلومن ثم أخذت في كتابة هذا البحث ثم سمعت صوتا داخل انزل فسوفأتوقف عن سلوكي لشكي في الفكرة السابقة وينتج عن ذلك أن أقومبالبحث داخل انزل لأتحقق ا سمعته.‏إذن فالفرق ب الشك والاعتقاد هو فرق عملي (٤١) . هذا بالإضافة إلىأن هناك أيضا فرقا بينهما من حيث الشعور (٤٢) . وذلك أن الإنسان الذييكون في حالة شك نجده يعاني كثيرا من القلق والحيرة والتردد.‏ بعكسمايحدث في حالة ‏«الاعتقاد»‏ إذ نرى الإنسان هادئا مطمئنا قرير الع ولاشك أن الفرد منا لا يود أن تستمر لديه حالة الشك ا يصحبها من شعورالقلق والحيرة ولذلك نجد أن هذا الشعور يدفع بصاحبه إلى محاولة إزالةهذا الشك بالبحث والتمحيص والتنقيب ولذا قال بيرس إن الشك والقلق56


فلسفة التربية البراجماتيةيؤديان بالإنسان إلى ‏(البحث)‏Self - evidentObviousness وأظهر. (٤٣) Inquiryمشكلة ‏«الصدق»‏ عند وليم جيمس:‏ما الذي يجيز لنا أن نصف عبارة بأنها صادقة أو كاذبة?‏ أو بعبارةأخرى:‏ ما الشروط الواجب توافرها في العبارة أو الفكرة حتى تتصفبالصدق?‏ لقد انقسم الفلاسفة وهم بصدد الإجابة عن هذا السؤال عدةفرق ثل كل فرقة اتجاها معينا فجاءت الفلسفة البراجماتية و<strong>على</strong> رأسهاوليم جيمس لتعيد النظر في اسألة من جديد فإذا بها تضيف بنفسهافرقة جديدة ثل اتجاها ا^خر.‏ و<strong>على</strong> الرغم من أن هذا الاتجاه يحمل فيطياته بعض اعالم من الأفكار السابقة فإننا نستطيع بالنظر الفاحصالدقيق أن نلحظ فيه جدة وطرافة جعلتا منه اتجاها جديدا يحمل سمةالفلسفة البراجماتية.‏أما الاتجاهات الثلاثة اشار إليها فهي (٤٤) :أ الاتجاه الأول يقول به أصحاب نظرية ‏«الواضح بذاته»‏فالأفكار الواضحة عندهم هي التي تفرض صدقها بحيث يتعسر أن تجدثغرة تتيح لك الشك فيها ويسمى اقياس الذي يستخدمونه في الحكم<strong>على</strong> الأفكار بصدقها أو كذبها قياس الوضوحالفلاسفة امثل لهذا الاتجاه الفيلسوف الفرنسي ‏«ديكارت».‏ب الاتجاه الثاني يرمي إلى الاعتقاد بأن مرجع ‏«الصدق»‏ بالنسبةللفكرة أو العبارة يكمن في مدى اتساق هذه الفكرة أو العبارة مع غيرهامن أفكار أو عبارات.‏ ويسمى اقياس الذي يتخذه أصحاب هذا الاتجاهقياس ‏«الاتساق»‏ Consistency وأظهر الفلاسفة امثل له ‏«أرسطو».‏ج - الاتجاه الثالث:‏ ويرجع أصحاب هذا الاتجاه إلى الواقع للنظر فيماإذا كان مطابقا للفكرة أو العبارة التي جاءت تتحدث عنه ويسمى أحياناهذا ابدأ بدأ ‏«التحقيق»‏انطقية من أبرز امثل لهذا الاتجاه.‏أما وجهة نظر جيمس فتتضح لنا من خلال مناقشته ا يسمى فيالفلسفة شكلة ‏(الحق)‏ إذ تصور كثير من الفلاسفة الذين بحثوا عن‏(الحق)‏ أن في دنيا الواقع صفة معينة قائمة هناك أو علاقة معينة قائمةPrinciple of Verification ويعد أصحاب الوضعية57


فلسفات تربوية معاصرةب الأشياء نفسها اسمها ‏«الحق»‏ من أجل هذا نجدهم يصرفون صفة‏«الحق»‏ إلى الأشياء الخارجية وإلى العالم بصفة عامة بيد أن ماهو واقعواقع.‏ ولا معنى لوصفه بأنه حق أو باطل وإا الذي يوصف بالحق أوبالبطلان هو ‏«الاعتقاد»‏ أو الرأي الذي يحمله الواحد منا عن أمور الواقع (٤٥) .من هنا فإن ‏(جيمس)‏ لا يرى أن نصف وقائع العالم وما بينها منعلاقات بالحق أو بالباطل إن أحكامنا عن هذه الوقائع وما بينها منعلاقات هي التي تتصف بهذه الصفة أو تلك سواء كانت حقا أم باطلا (٤٦) ويعبر جيمس عن هذه الحقيقة فيقول إن البراجماتي عندما يتكلمون عنالحق أو الصدق فإا يتكلمون عن الأفكار أما غيرهم فإنهم يعنون بهصفة تصف الأشياء (٤٧) .وهو لكي يوضح لنا فكرته يفترض مثلا أنه فقد في غابة وأصابهالجوع ثم وجد مايشبه حظيرة البقر.‏ إن الذي يهمه هنا هو أن يستدل منذلك <strong>على</strong> وجود بشر وراء هذه الحظيرة وسيترتب <strong>على</strong> استدلاله هذا أنهسيستمر في السير فينقذ نفسه (٤٨) .ثم يشرح مغزى هذا اثال فيقرر أن تفكيره هذا صادق وقد أتى صدقتفكيره هنا من أنه تفكير قد أدى إلى منفعة فهو تفكير مفيد ولذلك فلأنهمفيد كان صادقا.‏ وكنك أن تعكس القضية فتقول إنه مفيد لأنه صادقوسوف يكون اعنى واحدا لأن جيمس يعتبر صفتي ‏(الصدق)‏ و(انفعة)‏مترادفت يقول في ذلك ‏«إني أسمي الفكرة صادقة ح أبدأ بتحقيقهاتجريبيا فإذا ما انتهيت من التحقيق وتأكدت من سلامة الفكرة أسميتهانافعة.‏ إن الصدق أ<strong>على</strong> مراحل التحقيق والفائدة أ<strong>على</strong> مراحل الصدق»‏ (٤٩) .ويتردد جيمس كثيرا ب هذين اعني للصدق اعنى الذي يقول:‏ إنهيكمن في مطابقة الفكرة ا جاءت تصوره والثاني اعنى الذي يقول:‏ إنانفعة هي التي تحدد صدق الفكرة أو كذبها وإذا كان جيمس في النصالسابق قد أدمج هذين اعني معا إلا أننا نراه في نص ا^خر يغفل جانبانفعة ويقصر معيار الصدق <strong>على</strong> ما تؤديه الفكرة من تصور لإجراءاتسلوكية معينة تقودك إليها الفكرة لو كانت صادقة.‏ مثال ذلك لو قلت لك:‏‏(يوجد شيء ما)‏ أصادقة هذه القضية أم كاذبة?‏ اذا تجيبني?‏ لو قلت لي:‏‏(أي شيء تقصد)?‏ وأجبتك:‏ ‏(كتابا ما)‏ ولو سألتني:‏ ‏(أين هو?)‏ وأشرت58


فلسفة التربية البراجماتيةبيدي إلى مكان ما ولو سألتني مرة أخرى ‏(أيوجد هذا الكتاب بالذات ثمقمت وأمسكت به وهززته ووجدته أنت كما وصفت لك..‏ لو قلت لك ذلكإذن فالقضية صادقة!!‏ (٥٠)فهنا من الواضح أن الفكرة الصادقة هي الفكرة التي توجهنا إلى إجراءاتسلوكية محسوسة ويتفق هذا الصدق إذا ارتبط حدان:‏ حد أول تبدأ منهاعرفة وهو الذات الشاعرة.‏ وحد أخير يجب أن تنتهي إليه اعرفة هواوضوع الجزئي المحدد.‏ولا يكتفي جيمس بربط فكرة الصدق ب ‏(انفعة)‏ وإا يربطها أيضابفكرة أخرى هي الرضا والقبول عنى أن الفكرة لابد أن تحقق للإنساننوعا من الرضا والقبول حتى تكون فكرة صادقة.‏ واثال الذي يوضح هذهالفكرة نظرة جيمس إلى مشكلة ‏«تدبير الكون»‏ فقد ألف الناس أن العالميسير وفق نظام محكم دقيق لا يخضع للهوى أو لأي نوع من أنواع الفوضىا أوحى بأن هناك نوعا من ‏(التدبير)‏ من كائن أ<strong>على</strong> لهذا الكون حتىجاء دارون فأدخل ‏«اصادفة»‏ في مجرى تنظيم الكون و<strong>على</strong> الرغم من أنجيمس يؤمن بعدم وجود ‏(تدبير)‏ إلا أنه يقول إن اعتناق مثل هذه الفكرةنح الإنسان الأمل والاطمئنان والرضا والقبول ذلك لأن الاعتقاد فيالتدبير يذهب عنا الخوف من استقبل ومن ثم فهذه الفكرة صادقة (٥١)لأنها ببعثها <strong>على</strong> الأمل والرضا وتوفير الطمأنينة للإنسان نحه القدرةوالفرصة <strong>على</strong> العمل والنشاط بينما كل القلق والخوف يكاد يقعد الإنسانعن ذلك.‏والطريق الصحيح لتحقيق ‏«الرضا والقبول»‏ ينبغي أن تسلك فيه الفكرةأو الفرض سلسلة من الخبرات الجزئية اوصلة إلى نتيجة معينة تدركإدراكا حسيا إذ إن الفكرة إذا لم تسلك مثل هذا الطريق فسوف تضلالطريق إلى النتيجة التي تحقق للإنسان الرضا انشود ولنضرب مثالايوضح ذلك (٥٢) :افرض أنك جالس في مكتبة الكلية.‏ لا شك أن لها صورة في ذهنك.‏ولو سألتك:‏ ما اكتبة التي لديك صورة عنها ولم تخبرني بشيء أو لمتنجح في الإشارة إليها أو أن تقودني إليها أو افرض أنك قدتني إلى مكتبةوشككت أنها هي اوجودة في ذهنك حينئذ سوف أنكر أن لديك معرفة59


فلسفات تربوية معاصرةبهذه اكتبة حتى لو تشابهت اكتبة مع صورتها الذهنية عندك بعضاشابهة.‏ ولكن لو كنت من اقتيادي إلى اكتبة وإخباري ببعض من تاريخهاومنافعها الحاضرة وإذا وقفت فيها وأحسست أن فكرتك عنها قادتكإليها..‏ وأصبح وصولك إليها هدف فكرتك وإذا كانت الأشياء اقترنةبالصورة الذهنية واكتبة الفعلية متسقة أي إذا كان كل حد في صورتكمطابقا لكل حد في اكتبة كلما سرت فيها إذن أصبحت فكرتك هنامدركة ‏(بكسر الراء)‏ للواقع وأن ما وصلت إليه مدرَك ‏(بفتح الراء)‏ حسيوكان ذلك عن طريق الانتقال من خلال تجارب متوسطة مترابطة متصلة.‏أما إذا لم تتوسط هذه التجارب التي انتقل خلالها فلن توجد معرفةكنك من إشباع حاجتك إلى الوصول إلى نتيجة معينة ا يحقق لك أينوع من الرضا والقبول.‏ وهنا نجد أن الرضا لا يقتصر أمره <strong>على</strong> شعورنفسي يحسه الإنسان ولكنه مرتبط بالتجريب والتحقيق (٥٣) .وهكذا يتب لنا كيف أن جيمس الذي حاول أن يجعل التجربة أساسالفلسفته لم يرد أن يبني نظريته في ‏(الصدق)‏ <strong>على</strong> تصورات فكرية مجردةذلك لأن مثل هذه التصورات الفكرية اجملردة إا تجعل ‏(الصدق)‏ تصورالفظيا فارغا من اضمون بينما تتيح له التجربة فرصة التمتع ا فيالواقع من حيوية وأصالة وثراء.‏ولا شك أن ربط الصدق بالتجربة يستتبع نتيجة مهمة إذ إنه مادامتكل تجربة محددة فليس ثمة فكرة كن أن يقال إنها صادقة صدقا مطلقاولا ينبغي أن تقلقنا هذه الحقيقة فالصدق اطلق هو ضرب من الخيالالذي لعب بكثير من اناطقة وهو ليس بذي قيمة في الحياة العملية (٥٤) .بيد أن البعض من اثالي يعترضون <strong>على</strong> جيمس هنا بأنه إا يضعالعربة أمام الحصان.‏ فالفكرة ليست صادقة لأننا تحققنا منها ولكننااستطعنا التحقق منها لأنها فكرة صادقة.‏ وهم في هذا يستندون إلى نظرتهمإلى الصدق واعتباره علاقة ثابتة كلية خالدة ليست من صنع البشر.‏ ومنثم فهو سابق <strong>على</strong> كل بحث وتجريب.‏ ففي القضيت اتعارضت‏:‏ ‏«الكوكبمارس يسكنه الناس»‏ و«الكوكب مارس لا يسكنه الناس»‏ يدلنا العقل أوالحدث أن إحدى القضيت صادقة والأخرى كاذبة دوا حاجة إلى تحقيقوتثبت وهو صدق ثابت مهما تغيرت الظروف كأن تتغير أحوال الكوكب60


فلسفة التربية البراجماتيةمارس فستظل القضية اعبرة عما كان في مارس قبل التغيير صادقة.‏والحق أن هذه نظرة أفلاطونية مثالية للصدق لأنها تراه مفروضا <strong>على</strong>الأفكار بينما الصدق لا يعبر عن علاقة أ<strong>على</strong> من التجربة وإا يعبر عنعلاقة خاصة جزئية تحدث في دنيا الواقع ومن ثم فالصدق جزء لا يتجزأمن التجربة وليس علاقة تصورية مجردة (٥٥) . إن الصدق ماهو إلا اسمجمع لعمليات تحقق كالثروة والصحة والقوة.‏ فكما نصنع نحن الثروة والصحةوالقوة نصنع نحن أيضا الصدق إن أحدا لا يستطيع أن يزعم أن ما تلكه‏(س)‏ أو ‏(ص)‏ أو ‏(ع)‏ من كبار الأغنياء من ثروة إا هي منحة منحتهم إياهاالطبيعة بالفطرة وإا ‏(الثروة)‏ اسم يطلق <strong>على</strong> محصلة نتائج لعملياتكثيرة طويلة قام بها بعض الرجال.‏ وكذلك الأمر في الصحة:‏ من يستطيعأن يزعم أنها منحة ينالها الكائن الحي?‏ أليست اسما جملموعة من عملياتمثل:‏ الهضم والنوم وتنشيط الدورة الدموية وغيرها من وظائف إذا أديت<strong>على</strong> الوجه الأكمل اكتسبنا الصحة (٥٦) وهكذا الأمر في الصدق اسم يطلق<strong>على</strong> سلسلة من العمليات التجريبية الجزئية المحددة تقودك من الفكرةإلى موضوعها وليس الصدق غير هذه العمليات (٥٧) .وقد أدت دراسة جيمس للصدق به إلى أن يدرس مشكلة فلسفية أخرىهي مشكلة ‏(العلاقات)‏ ولكي نفهم وجهة نظره نلفت النظر بادىء ذي بدءإلى أن ما نقصده ب ‏«العلاقات»‏ ليس العلاقات انطقية مثل الذاتيةوالانعكاس والتماثل والتعدي وعلاقة واحد بواحد وواحد بكثير وكثيربكثير إلى غير ذلك من علاقات منطقية (٥٨) وإا نقصد من العلاقات:‏العلاقات اكانية والزمانية والكمية والكيفية والعلية (٥٩) .واثاليون يعتقدون أنا مايكون حقيقة الشيء هو ما لهذا الشيء منمفهوم وفكرة في ذهني ومن ثم فهم عندما يهتمون بدراسة العلاقاتيحصرونها فيما يكون ب الفكرة والأخرى لا ب الشيء الواقعي والا^خر.‏والعلاقات ب الأفكار لا تتخذ الصورة التي تتخذها إذا كانت ب الأشياءفنحن نستطيع أن نقول إن الكتاب فوق اكتب أو بداخله أو أنه بجانبالمحبرة وغير ذلك من علاقات مكانية وهذا شيء مستحيل بالنسبة للعلاقاتب الأفكار.‏ فماذا تكون إذن ‏«العلاقات»‏ إذا كانت لا تقوم إلا ب الأفكار?‏افرض أننا قلنا عمرو ‏(بن)‏ العاص ‏«فها هنا علاقة تربط ماب ‏«عمرو»‏61


فلسفات تربوية معاصرةو«العاص»‏ فأين نجد هذه العلاقة وهي علاقة البنوة?‏ يقول اثاليون إننا إذاحللنا طبيعة ‏«عمرو»‏ فسنجد أن جزءا حقيقيا هو أنه ‏«ابن العاص»‏ ومن ثمفهم يعتبرون العلاقة هنا ‏«داخلية»‏ وليست جزءا من اشاهدة التي تأتيعن طريق الحواس (٦٠) . وعنى ا^خر كن القول إن العلاقات ب الأفكارإا تكون في تضمن بعضها لبعض والاستدلال <strong>على</strong> بعضها من بعضهاالا^خر وهكذا.‏أما التجريبيون التقليديون فهم الذين يردون اعرفة إلى أصولها الحسيةفي دنيا الخبرة والواقع ومن ثم فهي ليست مرهونةباستدلال عقلي بسلسلةمن الاستدلالات ا يكوَّن لي نسقا استنباطيا ثم أزعم بعد هذا أن هذاالنسق يصور أمور الواقع.‏ ومغزى هذا بالنسبة إلى العلاقات هو أنه مادمنانعلق اعرفة <strong>على</strong> ما تتلقاه الحواس من انطباعات حسية فسوف يترتب<strong>على</strong> هذا استحالة الاعتماد <strong>على</strong> فرض وجود شيء ا لا ندركه بالحواس.‏افرض أنني قلت لك:‏ ‏(الطالب بجوار الأستاذ).‏ إن كل ما تستطيع حواسيأن تعرفني به هنا هو مجموعة من الانطباعات الحسية التي تكون فيمجموعها مايسمى ب ‏(الأستاذ)‏ ولكن كيف عرفت أن هذا بجوار ذاك?‏ هلعلاقة التجاور هنا ا كن أن تنبئني به الحواس?‏ وكيف كن أن يكونذلك وهي ليست شيئا قائما بذاته ا ‏«يخبر»‏ و«يحس»?‏تلك مشكلة قابلت التجريبي فمنهم من غض البصر عنها وأصر <strong>على</strong>مبدئه التجريبي بأننا لا نتلقى سوى انطباعات حسية ولا نستطيع أن نعرفإلا هذه الانطباعات مثل الفيلسوف الإنجليزي ‏(دافيد هيوم)‏ (٦١) ومنهم مناضطر إلى أن يقول إن الذهن أو العقل هو الذي يركب ما تتلقاه الحواسمن انطباعات حسية في تشكيلات مختلفة تكون معنى الوقائع ادرَكة‏(بفتح الراء)‏ مثل الفيلسوف الإنجليزي ‏(جوك لوك).‏أما جيمس فيقول إننا مادمنا نقول إن صدق الفكر لا يكون إلا إذاقادتنا الفكرة إلى تجربة واقعية جزئية تتصل بواقعة جزئية أخرى وهذهبثالثة وهكذا حتى ننتهي إلى موضوع فكرتنا فسوف يترتب <strong>على</strong> ذلكالنظر إلى هذه الخبرات أو التجارب اتوسطة التي تصل ب فكرتناوموضوعها <strong>على</strong> أنها جزء لا يتجزأ من واقع الخبرة وب<strong>التالي</strong> فإدراكه يكونعن طريق الإدراك الحسي.‏ وما يربط هذه التجارب أو الخبرات اتوسطة62


فلسفة التربية البراجماتيةأو هذه الوقائع هي الأخرى ليست شيئا ا^خر غير الوقائع إنها جزء كذلكمن الخبرة (٦٢) . يقع عليه فعل الإدراك الحسي.‏ ولأن هذه العلاقات تصلب الوقائع الجزئية التي تتخلل عملية وصول فكرتنا إلى موضوعها فقدأطلق عليها اسم ‏«العلاقات الواصلة»‏ ومن أنواعها:‏ علاقات التشابهوالاختلاف والفاعلية والعلاقة الأخيرة تتضمن ظاهرات مثل:‏ ‏(التغيرواقاومة وايل والارتباط السببي)‏ (٦٣) وإذا كان أرسطو وكانط قد نظراإلى اكان والزمان والوحدة والكثرة والكم والكيف كقوالب أو مقولاتذهنية تؤلف ب الأشياء إلا أن جيمس ينظر إليها كمعان مستمدة منالتجربة ومن ثم فيمكن كذلك إدراكها إدراكا حسيا.‏ولكن كيف يتم ذلك?‏ وماذا فعل جيمس بإزاء تلك العقبة التي صادفهااثاليون?‏ لقد اكتفى بأن يسد الثغرة التي صادفت التجريبي فقال إنالعلاقات تجريبية تدرك إدراكا حسيا بيد أنه لم يب كيف كن أن يتمذلك.‏ ولو استقرأت كل كتبه فلن تجد جوابا شافيا.‏النظرية المنطقية عند ديوي:‏من أهم السمات التي تتسم بها النظرية انطقية هي أنها تحليل فاهيمالعلم وطرائقه تحليلا يبرز صورها ومن ثم كان الارتباط وثيقا ب النظريةانطقية والأساس الذي يقوم عليه العلم في العصر اع فاتأمل مثلاللفكر العلمي في العصر اليوناني يجد أنه كان يتسم بالصورة الرياضيةباعنى الذي يجعله دائما يسير من مبدأ مفروض إلى النتائج التي تتولدعن ذلك ابدأ (٦٤) . وكل ماهو مطلوب هو أن تتسق النتائج مع ما تولدت عنهمن مقدمات دون ضرورة أن تتفق هذه اقدمات مع الواقع الخبري.‏ لذلكنجد أن أرسطو حينما أراد أن يرسم الطريق الذي رأى أنه لابد أن يتبعحتى يكون التفكير قائما <strong>على</strong> أسس سليمة نجد أن منهجه قد اتسم كذلكبالصورة الرياضية الاستنباطية فكان أن ظهرت نظريته انطقية عاكسةلهذا النهج من التفكير الذي يجري مجرى استنباطيا لا يهمه إلا اتساقالنتائج مع اقدمات غير عابىء ا هو كائن في مجرى الخبرة وضرورةأن يجيء كلامنا <strong>على</strong> أساس هذا الواقع الخبري.‏فإذا تغير الأساس الذي يقوم عليه العلم في العصر الحاضر وجب أن63


فلسفات تربوية معاصرةيتغير معه منطق التفكير.‏ وقد قام ديوي بهذه المحاولة <strong>على</strong> أساس مابرهن عليه من أنه لا انفصام ولا اختلاف ب مجال الأمور الإنسانيةومجال الأمور الطبيعية وإذا كان هناك اختلاف فهو اختلاف في الدرجةوليس اختلافا في النوع بحيث يجعل لكل منهما منهجا خاصا تعالج بهمسائله فكانت نظريته في ‏(البحث)‏ باغيا بها أن يوائم ب مسائل انطقومناهج البحث والبحوث العلمية التجريبية بحيث تصلح هذه النظريةعالجة كافة اوضوعات سواء كانت خاصة بالنواحي الإنسانية أم بالنواحيالطبيعية يقول ديوي:‏‏«إن مشكلة ثقافتنا اعاصرة أن نحل التكامل محل الانقسام وطريقناإلى ذلك لا يكون إلا بوسيلة منطقية موحدة نتخذها فيما نتناوله ونجربهولن نتمكن من ذلك إلا إذا اعترفنا ا يوجد في بناء البحثوحدة سواء كان هذا البحث بحثا في مجال الأمور الإنسانية أو في مجالالأمور الطبيعية وأن نعتبر ما قد يكون بينهما ناتجا عن أن لكل منهمامنطقا خاصا به (٦٥) .ولكن من أين لديوي أن يحكم بصلاحية هذه النظرية عالجة كل هذهالأمور الإنسانية بالرضافة إلى معالجة أمور العلم اخملتلفة?‏ أليس للأمورالإنسانية منهج تعالج به يلائمها وهو غير هذا انهج الذي تعالج به الأمورالطبيعية?‏للإجابة عن ذلك يقوم ديوي بتحليل تاريخي لأصل التفرقة ب اجملال‏:‏فلقد تعود الإنسان منذ أقدم العصور أن يسلك في حياته طريقمتفاوت في السمو والرفعة من حيث مدى القدوة والفعالية في تحقيق مايبغيه من شعور بالأمن.‏ فأما الطريق الأول (٦٦) فهو استرضاء القوى طبيعيةكانت أم فائقة <strong>على</strong> الطبيعة بالابتهال والتضحية وأداء الطقوس والشعائرالدينية وخشوع القلب ومحاولة الاتصال بالقوى الخفية لاسترضائهاوتسخيرها.‏ وفي تلك الطريقة يقف الإنسان من ظواهر الطبيعة موقفاسلبيا كما أنه لا يلجأ كثيرا إلى عمل يده وإا التأمل وإعمال الفكرهوالوسيلة وهو السمة التي يتسم بها هذا الطريق.‏أما الطريق الا^خر فهو اختراع الفنون والصناعات بغية تسخير قوىالطبيعة كي تعمل لصالح الإنسان كأن يبني ملاجىء يلوذ بها وينسج اللباسInquiry من64


فلسفة التربية البراجماتيةويتخذ من النار صديقا إلى غير ذلك من وسائل وفنون.‏ وفي هذا الطريقلا نجد الإنسان يقف من الطبيعة موقفا سلبيا بل يغيرها بالأفعال كما أنالطريقة الأولى هي تغير النفس بالانفعال (٦٧) .وقد اعتبرت طريقة الفنون والصناعات أدنى مرتبة من الطريقة الأولىالقائمة <strong>على</strong> النشاط الفكري لأنها قائمة <strong>على</strong> العمل والعمل تحفه دائمااخملاطر ومن ثم لا يتحقق للإنسان بها الأمن انشود.‏ هذا بالإضافة إلىأن الطريقة القائمة <strong>على</strong> النشاط الفكري ترتبط بالفراغ ولا تتطلب جهداكبيرا أو معاناة عمل بينما النشاط العملي يتطلب مجهودا لا يبعث <strong>على</strong>السرور ومن ثم ألقي معظمه <strong>على</strong> كاهل العبيد والخدم وألقي النشاطالفكري <strong>على</strong> كاهل السادة من الأحرار فزاد هذا الارتباط ب نوع النشاطوالطبقة الاجتماعية التي ارسه من تأكيد ما لحق بالنشاط العملي منسمة سيئة لازمته طوال العصور ااضية في الوقت الذي اكتسب فيهالنشاط الفكري ما اشتهر به من سمو ورفعة (٦٨) .وقد ساعد <strong>على</strong> ذلك أن النشاط العملي يتعلق واقف فردية وفريدةلا تتكرر بالضبط أبدا ولذلك فهو لا يصل بالإنسان إلى الأمن واليقانشودين هذا إلى أن النشاط يتطلب التغير وتغير الشيء دليل حاسم<strong>على</strong> افتقاره إلى ‏(الوجود)‏ الصادق أو الكامل لأن ماهو موجود ‏«موجود»‏فإذا لم يكن به نقص أو خلل فكيف كن أن يتغير?‏ أما النشاط الفكريالذي يقوم به العقل فيمكن أن يظفر ب ‏«الوجود»‏ الكلي وهذا الوجود مادامكليا فهو ثابت لا يتغير وهكذا اندفع الإنسان بدافع من عدم الثقة في نفسهإلى محاولة الارتفاع عن نفسه إلى ما وراءها متوهما أن اعرفة النظريةالخالصة وسيلة مواصلات سهلة تذهب به إلى هناك..‏ إلى التسامي <strong>على</strong>نفسه حيث الأمن واليق (٦٩) .لقد تبع ذلك أن ورث الفكر الفلسفي فكرة وجود منهج كل منهمايلائم مجالا معينا:‏ منهج عقلي استنباطي تعالج به موضوعات الدراسةا يحتويها مجال الفكر الخالص ومنهج تجريبي استقرائي تعالج بهموضوعات الدراسة ا يحتويها مجال الواقع وما فيه من أمور طبيعية.‏وإذا كان ذلك مستساغا في العصور القدة والعصور الوسطى حيث اتسمعالم الواقع والخبرة والعمل بخلوه من العنصر العقلي واتسم عالم الفكر65


فلسفات تربوية معاصرةبانفصامه عن الخبرة والواقع فإن ذلك ليس مستساغا في العصور الحديثةحيث قلب العلم فكرتنا عن الخبرة والعقل وأوضح ألا تعارض بينهما.‏إن النظرة الحديثة إلى الخبرة تنظر إليها <strong>على</strong> أنها عملية تفاعل بالكائن الحي والبيئة وعنى ا^خر تجعلها عملية عمل ومعاناة مادام الكائنالحي وخاصة الإنسان الذي ثل الطرف الأ<strong>على</strong> في سلسلة الكائناتالحية يؤثر في بيئته ويغير منها ثم تعود هذه التغييرات التي حدثت فيالبيئة نفسها بسبب هذا الكائن تعود فتؤثر بدورها هي الأخرى فيه وفيضروب نشاطه ولا شك أن عملية التكيف تتطلب من الكائن بصرا وذكاءحتى ينتقي أنسب الاستجابات الائمة لتكيفه كما أن معاناته لعواقبسلوكه تجعله يفكر دائما في عواقب الخبرات السابقة عندما يقبل <strong>على</strong>خبرة جديدة ويحاول أن يربط الوسائل بالغايات وينظم الخبرة تنظيمايكفل لها تحقيق أحسن تكيف كن.‏ إن كل ذلك يفرض أن يلعب التفكيردورا مهما في عملية الخبرة بحيث نستطيع أن نقول إن الخبرة دون تدخلالتفكير تعود إلى ما كانت عليه حيث كانت مجرد تكديس للمعلوماتوالإحساسات.‏ والتفكير هنا لا يأتي من مصدر خارج وإا ينبع هو الا^خرمن مجرى الخبرة ذاته.‏ إنها هي التي تقترحه وهي التي تختبره وتجربه.‏والعقل بهذا اعنى ليس ملكة منفصلة عن الخبرة وإا هو هذا التوجيهالذكي الناتج عن الخبرة اوجه لها في ا^ن واحد (٧٠) .وبالاعتراف كانة الفكر الفعال الذي يضع الخطط داخل عملياتالخبرة ذاتها ثم تكسبه هي حيصا وصقلا وثراء..‏ إن الاعتراف بهذايحطم تلك الحدود التي أقيمت لتحديد مجال للمعرفة الإنسانية:‏ مجالالأمور العقلية ومجال الأمور الواقعية عالم العقل وعالم الخبرة وب<strong>التالي</strong>فليس هناك منطق خاص يتميز به مجال الواقع أو الخبرة أو الأمور الطبيعيةيقوم <strong>على</strong> التجريب والاستقراء.‏ولا نظن أننا في مجال يسمح بتفصيل نظرية ديوي انطقية التييحاول فيها تقد ذلك النهج الذي يصلح عالجة اجملال وإا يكفيناهنا أن نقف <strong>على</strong> ما يقع من هذه النظرية موقع الأهمية وموضع الارتكازوهو:‏الطبيعة الإجرائية للقضايا:‏ يعد اناطقة ‏«القضية»‏ وحدة التفكير عنى66


فلسفة التربية البراجماتيةأنك لو حللت جزءا من مجرى الفكر وليكن فقرة من هذه الدراسة فستجدأن الوحدات التي ينتهي إليها التحليل هي ما يسميها بالقضايا.‏ والقضيةفي العرف انطقي هي العبارة التي كن أن توصف بالصدق أو الكذبوتطبيقا لهذا ابدأ يخرج اناطقة من حسابهم العبارات التي لا تحملخبرا حيث إن الخبر هو الذي كن أن يوصف بالصدق أو بالكذب أماالعبارات التي من قبيل الأمر والاستفهام والتعجب فلا تعد من القضايالأنها ليست ا كن وصفه بصدق أو بكذب فإذا سألت:‏ أين الكتاب?‏فلا كن أن تقول عن هذا إنه صادق أم كاذب وإذا أمرتك بإغلاق النافذةقائلا:‏ ‏«أغلق النافذة»‏ فأنا هنا لا أقرر أمرا واقعا في دنيا الخبرة بحيثأقابل بينه وب تلك العبارة بحيث أحكم عليها بالصدق أو الكذب (٧١) .هذا ما كان ولا يزال شائعا في عالم انطق حتى جاء ديوي فقلبالأمر رأسا <strong>على</strong> عقب فليس ادار في شأن القضية هو أن توصف بالصدقأو بالكذب وإا ادار هو مدى مايكون لها من قوة إجرائية وقدرة <strong>على</strong>إعادة التغيير والسير بالعمل إلى النجاح والفلاح انشودين (٧٢) .إننا لا ينبغي أن نسأل هل هذه العبارة صادقة أم كاذبة وإا ينبغي أننسأل:‏ هل هي وسيلة لإحداث أثر عملي في الوجود الخارجي من شأنه أنيزيل الأشكال عن موقف مشكل أم لا?ومن ثم فما كن أن أقوله عنالقضية هو ما إذا كانت مؤدية للغرض اقصود أو غير مؤدية إليه وأنهامضيعة أو مقتصدة وأنها س صميم اوضوع أو ليست لها به صلةوب<strong>التالي</strong> فمعيار التفرقة في هذه الحالات جميعا هو في العواقب التي كانتالوسائل وسائل نهائية وفي مدى قدرتها <strong>على</strong> التغيير.‏إننا لا نبالغ كثيرا في التشبيه إذا قلنا إن القضايا مثلا مثل الخريطةالجغرافية (٧٣) فمتى كن أن تكون الخريطة ذات نفع وفائدة وجدوى?‏ إنهاتكون كذلك لو كانت صالحة لتوجيه السائر في طريق من شأنه أن يؤدي بهإلى الغاية التي يهدف إليها فإذا نظرت إلى خريطة أو عنى أصح إلىمصور ولم تجد إلا خطوطا هنا وهناك تتخذ شكل الخريطة دون أن تؤديبك فعلا إلى تعرف اسالك والخطوات التي تود سلوكها فلا كن بأيحال أن تقول إن هذا اصور خريطة صحيحة.‏ وهكذا الأمر في القضيةوالعبارة اللغوية لابد أن تكون وسيلة وخطة للسلوك.‏67


فلسفات تربوية معاصرةلقد كان انطق التقليدي يقبل قياسا مثل:‏النجوم تضيء العالم ليلا.‏‏(س)‏ من امثل نجم.‏.. ‏(س)‏ من امثل يضيء العالم ليلا.‏ووالصدق هنا صوري عنى أن النتيجة تلزم عن اقدمات.‏ وديوييرفض مثل هذا القياس لا جملرد أنه كاذب عيار الواقع ولكن لأنه يفتقدهذه الطبيعة الأداتية للقضايا.‏الصور انطقية تنبت من الخبرة والواقع:‏ إذ يرى أغلب اناطقة أنانطق علم يبحث في صور الفكر بعد تفريغ هذا الفكر من مادته ليقارنب هذه الصور مقارنة تب حقائقها فلو أخذنا عبارت مثل:‏ ‏(مصرعربية)‏ و(كينيا أفريقية)‏ واستبدلنا ادتهما رموزا خالصة تنتج لنا هذهالصور في كلتا الحالت س ‏(ص)‏ أي أن شيئا ما هو عضو في فئة معينةولو أخذنا عبارت مثل ‏(الكتاب إما موجود أو مفقود)‏ و(المحاضرات إمامستمرة أو انتهت)‏ وجردناهما من مادتهما تنتج لنا الصورة الا^تية في كلتاالحالت‏:‏ س ‏(ص)‏ أو ‏(م)‏ وهكذا وجاء ديوي ليب استحالة أن تكون هذهالصور صورا خالصة ذوات وجود مستقل غير ذات صلة بالواقع.‏ويخطىء من يظن أن الصور انطقية منقطعة الصلة بعالم الواقعوالخبرة كل ما هنالك أن الأسس الوجودية لهذه الصور قد تغيرت وهجرتفي ضوء العلم الحديث فخيل لبعض اناطقة أنها متعالية ثابتة وأنها سيديجب تكييف الواقع وفق مشيئته إذ العكس هو الصحيح وهو أنها خادميساعد <strong>على</strong> تقدم البحث وهدايته للوصول إلى حل يفض إشكالا يكتنفموقفا.‏إن ديوي يؤكد أن كل الصور انطقية ‏(بكل ما لها من خصائص يزة)‏إا تنشأ داخل مايقوم به الباحث من إجراءات وهذه الإجراءات تع <strong>على</strong>ضبط عملية البحث بصورة يستطيع بها الباحث أن يصل إلى نتائجمرضية (٧٢) بيد أن قول ديوي هذا يثير إشكالا:‏ فهل كن للباحث خلالقيامه ا يتطلبه من إجراء أن يخرج اعايير والصور انطقية التي تعودبدورها فتستلزم من خطوات البحث <strong>التالي</strong>ة أن تخضع لها?‏ يجيب ديوي عنهذا بأن ذلك ليس بالأمر الصعب العسير إذ إن ذلك هو مايحدث بالفعل68


فلسفة التربية البراجماتيةويوضح ذلك باثال الا^تي:‏هل يستطيع أحد أن يدعي أن التقدم في فن التعدين ‏(<strong>على</strong> سبيل اثال)‏قد جاء نتيجة لتطبيق معيار خارجي غير ذي صلة بذلك الفن نفسه?‏ كلا.‏ذلك لأن ما يتخذ اليوم من ‏(معايير)‏ في فن التعدين قد تفرعت عن العملياتالتي كانت تؤدي فيما مضى لاستخراج اعادن من مناجمها فقد كانتهنالك حاجات شعر الإنسان بوجوب سدها ونتائج لابد من بلوغها وبعدأن عرف الإنسان كيف يحقق تلك النتائج وجد أن اجملال انفسح أمامهبحاجات وإمكانات جديدة ومن ثم شعر بأن عمليات البحث القدة بحاجةإلى إعادة تشكيل حتى لا تفقد قدرتها <strong>على</strong> سد هذه الحاجات والإمكانات.‏ومجمل القول إن الخبرة قد أثبتت نجاح بعض طرق البحث حيث إنهانجحت في الوصول إلى الهدف ارجو بينما فشلت طرق أخرى فأهملتواحتفظ بالناجحة حيث زيد نطاقها (٧٥) .ومعنى ذلك أن ما نتخذه من ‏«معايير»‏ و«صور»‏ إا ينشأ من مجرىالبحث ذاته ومادام البحث دائم التغير والتطور فسوف تعود هذه اعاييروالصور إلى توجيه مجرى البحث فإذا نجحت احتفظ بها الإنسان وصارت‏«معايير»‏ و«صورا»‏ صالحة لتوجيه ما يستجد من بحوث وخبرات (٧٦) .النمط اشترك للبحث:‏ يحدد ديوي معني البحث بقوله:‏ ‏«البحث هوالتحويل انضبط أو اوجه وقف غير متع تحويلا يجعله من التعي فيصفاته اميزة له وفي علاقاته الداخلة ب أجزائه بحيث تنقلب عناصراوقف الأصلي لتصبح كلا موحدا»‏ (٧٧) . أما هيكل البحث الذي يصلح عالجةالأمور الإنسانية وكذلك اوضوعات الطبيعية فهو هيكل البحث العلمينفسه من حيث بدؤه وقف لا متع يشعر الإنسان فيه بأنه إزاء مشكلةلابد من تحديد أبعادها ومعاها فيدفعه هذا إلى البحث عن حل لها فيماب يديه من بيانات ووقائع واختبار ما يصل إليه من ا^راء وهو ماسوفنفصله بعض الشيء في أحد أجزاء القسم القادم.‏ولعلنا بعد هذا العرض للأسس الفلسفية للتربية البراجماتية نستطيعأن نفتش ونبحث عن قسمات هذه التربية وموقفها من بعض القضاياوافاهيم.‏وبالطبع تعرضت البراجماتية من الزاوية التي عبر عنها وليم جيمس69


فلسفات تربوية معاصرة لانتقادات مريرة نشير إلى بعضها في إيجاز شديد.‏فبرتراند رسل يشير إلى ما فيها من صعوبات عقلية كثيرة فهي تفترضأن الاعتقاد يكون صادقا ح تكون ا^ثاره خيرة.‏ وإذا لزم أن يكون هذاالتعريف مفيدا وإذا لم يلزم فهو مقضي عليه طبقا عيار جيمس فيجبعلينا أن نعرف أولا ما الخير.‏ وثانيا ما ا^ثار هذا الاعتقاد أو ذاك ويجبأن نعرف هذه الأشياء قبل أن يكون في وسعنا أن نعرف أن أي شيء‏(صادق)‏ مادمنا لا يحق لنا أن ندعوه صادقا إلا في حالة واحدة فقط هيبعد أن نقرر أن ا^ثار اعتقاده خيرة.‏ والنتيجة تعقيد لا يصدق.‏ هب أنكتريد أن تعرف ما إذا كان ‏(كولومبوس)‏ عبر الأطلنطي سنة ١٤٩٢ فلا ينبغيلك مثلما يفعل غيرك من الناس أن تنقب عن ذلك في كتاب.‏ يتع عليكأولا أن تبحث ما ا^ثار هذا الاعتقاد وكيف أنها تختلف عن ا^ثار الاعتقاد فيأنه أبحر سنة ١٤٩١ أو سنة ١٤٩٣ وهذا صعب ا يكفي (٧٨) .وقد عبر جوزيارويس تعبيرا واضحا عما تتصف به وجهة نظر جيمسمن ذاتية فيما يلي:‏ لنفرض أن شاهدا من شهود أحد المحاكم لم يعجبهالقسم اعروف وأصر <strong>على</strong> أن تقبل المحكمة قسمه الخاص الذي يعبر عنفلسفة جيمس في ‏(الصدق)‏ ووافقته المحكمة <strong>على</strong> أن يقسم مايلي تبعاا أراد:‏ ‏«اقسم أن أقول ماهو نافع ولا شيء إلا ماهو نافع فلتعني <strong>على</strong>ذلك تجربتي استقبلة».‏ هنا يسأل ‏(رويس)‏ جيمس:‏ هل تظن أن هذا قدعبر تعبيرا ملائما عن تلك النظرة الطبيعية الحقيقية التي ترغب حقا فيأن يجعلها الشاهد في ذهنه?‏ بالطبع لو كان براجماتيا وذجيا.‏ وستبتهجأيضا أن تستمع إلى شهادته في مكان الشهود أو في أي مكان ا^خر.‏ ولكنهل ستقبل هذه الصيغة?‏لكننا من ناحية أخرى نجد في الحياة العملية أن الجمهرة الكبرى منالناس تتبع دون أن تدري أصول البراجماتية بل وفي صياغات جيمسنفسه فهم ينتقون لأنفسهم من الا^راء مايع <strong>على</strong> تحقيق أغراضهم التييقصدون إليها أو ما يعمل <strong>على</strong> رقي الإنسانية وتقدم البشر بصفة عامةولقد قال ‏(موسوليني)‏ يوما إنه يدين لوليم جيمس بكثير من ا^رائه السياسيةوأنه بتأثيره لا يحتكم في سياسته إلى نظريات العقل اجملرد إا يسلكمن السبل مايراه أقوم وأدنى إنتاجا.‏ وإن ‏(نيتشة)‏ ليذهب في هذا الاتجاه70


فلسفة التربية البراجماتيةإلى أقصاه فيقرر أن الباطل إذا كان وسيلة ناجعة لحفظ الحياة كان خيرامن الحقيقة فبطلان الرأي لا نع قبوله مادام عاملا من عوامل بقاءالفرد وحفظ النوع فلرب أكذوبة أو أسطورة تدفع الحياة إلى الأمام اتعجز عنه الحقيقة اجملردة العارية (٧٩) .ثم هناك فارق أساسي ب نظرة ‏(جيمس)‏ الدينية ونظرة أتقياءالناس فجيمس يعنى بالدين كظاهرة إنسانية ولكنه يبدي اهتماما ضئيلاباوضوعات التي يتأملها الدين.‏ وهو يريد للناس أن يكونوا سعداء فإذاكان الاعتقاد في الله يجعلهم سعداء فهذا الاعتقاد ‏(صادق)‏ وهذا بقدرما نزعة للخير فقط وليس فلسفة.‏ ويغدو فلسفة ح يقال إذا كانالاعتقاد يجعل الناس سعداء فهو ‏«صادق»‏ وليس هذا مقنعا للإنسانالذين يرغب في موضوع يعبده فهو لا يعنيه أن يقول:‏ ‏«إذا ا^منت باللهفسأكون سعيدا»‏ وإا يعنيه أن يقول:‏ ‏«إنني أومن بالله ومن ثم فأنا سعيد»‏لأن الله عنده كائن حقيقي واقعي وليس مجرد فكرة إنسانية لها ا^ثارخيرة (٨٠) .وسوف نضرب صفحا عن الإشارة إلى نقد البراجماتية كما عبر عنهاكل من بيرس وديوي لسبب‏:‏أولهما لأن رأي بيرس لم يكن إلا مبدأ منطقيا لا نظن أن الرأي كنأن يختلف حوله ولم يتطرق إلى الإدلاء با^راء في قضايا الفلسفة اعروفة.‏ثانيهما:‏ أن ديوي في ظل مبدئه نفسه كن أن يناقش من خلال ا^رائهوتطبيقاته التربوية حيث قصد بالتربية أن تكون معملا لاختبار مدى صحةا^رائه الفلسفية أو خطئها وهو ما نتركه للصفحات القادمة حيث إنه دونبيرس وجيمس وهو فيلسوف التربية البراجماتية الأكبر.‏الإيقاع المتسارع للتغير:‏لقد نظر البعض إلى بعض اجملتمعات <strong>على</strong> أنها جامدة غير متغيرةولكن الأمر نسبي <strong>على</strong> أية حال فالتغير يحدث في جميع اجملتمعات <strong>على</strong>حد سواء ولكنه يختلف في سرعته وفي عمقه وفي اتساعه (٨١) ولقد كانتاجملتمعات القدة تعيش <strong>على</strong> ط واحد مستقر نقلته عبر الأجيال اخملتلفةدون تغيير يذكر واستمر ما تحت الشمس ثابتا لا يعتريه التغير وسارت71


فلسفات تربوية معاصرةالحياة مجراها العادي دون أن يحدث للثقافة تغيير يذكر.‏ ولقد رأى أفرادهذه الثقافات القدة تغيرات من نوع مع‏.‏ ولم تكن تلك التغيرات تحدثاختلافا في طرق الحياة.‏ ولقد كانت هذه الاختلافات كالزواج وايلادوالشيخوخة وارض والحوادث.‏ ولم يكن موجودا ذلك النوع من التغيرالذي نعني به التراكم التقدمي للثقافة ثم ظهر العلم الحديث وغيره منالأفكار الجديدة واخملترعات الحديثة في جميع نواحي الحياة وبدا التغيرمقوما مهما من مقومات حياتنا في العصر الحاضر وأصبح عامل التغيرالعامل الذي يعم جميع نواحي حياتنا الحاضرة (٨٣) .ولقد أدى الإان الواضح عند فلاسفة البراجماتية بحقيقة التغيروتسارع إيقاعه إلى نظرة جديدة للكون والحياة والإنسان.‏ فلقد أصبحالكون مفتوحا في حالة تشكل دائم ا يحتم <strong>على</strong> الإنسان إذا أراد أنيعرف حقيقته أن يتطلع دائما إلى الغد وإلى مابعد الغد لكنه إذا حبسنفسه في الأمس فسوف يخطىء الفهم.‏ويرى ‏(كلبا تريك)‏ أن أهم عامل ساعد <strong>على</strong> أن يوصف العصر الحديثبأنه عصر التغير هو ما يسميه ب ‏«الفكر اخملتبر»‏ ويقصد به ذلك النوع منالفكر الذي يخضع للاختبار وتكون نتيجة الاختبار هي الحاكمة في عمليةالقبول أو الرفض فمثل هذا انطق يؤدي إلى اراجعة الدائمة والتجديداستمر.‏ وهو في هذا الشأن يستشهد ا قام به جاليليو من إخضاع رأيلأرسطو للاختبار وبعد أن ظل العالم قرونا ثابتا <strong>على</strong> رأي أرسطو دوناختباره إذا بجاليليو يثبت خطأه فيفتح الباب بذلك لتدفق في الفكر العلميالذي أدى بدوره إلى الكثير من صور التغير (٨٣) .ولم يكن تراكم الأفكار اوثوق بها وحده هو العامل الذي أدى إلى خلقالعالم الحديث وإا صاحب هذا التراكم ميل إلى تطبيق هذه الأفكارلتحس الحياة الإنسانية.‏ حقا إن الأمر لم يسر <strong>على</strong> هذا انوال دائماففي بلاد الإغريق لم يكن للتطبيق العملي شأن يذكر ولم يكن هدفا يسعىإليه.‏ أما الا^ن فإن ايل إلى تطبيق الفكر يبلغ أقصاه أن بعض مظاهر هذاالتطبيق العملي تلقى معارضة من بعض الأوساط ولكننا لا ننشد هنا بيانقيمة التطبيق وإا ننشد الإشارة إليه فقط.‏ويرصد فيلسوف التربية البراجماتي كلباتريك ثلاثة ا^ثار بعيدة ادى72


فلسفة التربية البراجماتيةلشيوع ‏(الفكر اخملتبر)‏ كان لها أثرها في التغير كماً‏ ونوعاً:‏١ النظرة العقلية اتغيرة (٨٤) : فقد ظهر في ميدان الفكر اتجاه جديدمخالف ا كان سائدا خاصة في أوروبا العصور الوسطى فما قبلها هذاالاتجاه هو الإان الإيجابي بقدر ما كن إثباته بالاختبار ففي الطريقةالعلمية نوع جديد من الطمأنينة وإحساس بها.‏ ومن هذه الزاوية تنظرالعقلية الحديثة دون أن يخالجها اضطراب إلى تفتيت الذرة أو إلى نبذقانون نيوتن وتعتبر هاتان الحالتان نصرا إيجابيا للفكر اخملتبر بدلا مناعتبارها هزة له.‏ لقد أثبتت هذه الطريقة ‏(العلمية)‏ نفسها عن طريقالاختبار بوسائل أدق.‏ وا كان الإنسان هو الذي قام بذلك فقد أثبتنفسه.‏ومن الخصائص البارزة التي يز الاتجاه الجديد ميلنا إلى نقد أنظمتناوميلنا اتزايد إلى تغييرها وفقا لنتائج هذا النقد.‏ وحتى العقليات العاديةقد أخذت تدرك أن الأنظمة يصنعها الإنسان لنفسه وهي لذلك يجب أنتتغير عندما تبدو غير صالحة.‏ وهذا اتجاه عام لا استثناء فيه.‏ ويبلغ هذاالاتجاه درجته اتطرفة عند بعض الشعراء وكتاب القصة واسرحيات فيالعصر الحاضر الذين يبدو أنهم قد استقروا <strong>على</strong> أن الناس سوف يقومونحتما بتعديل مفهوماتهم اتوارثة عن التنظيمات الدينية والأسرية والأخلاقبصفة عامة وعن النظام الصناعي والكية والحرب ونظام الدولة ذاتها.‏وفي الحقيقة أن شيئا من هذه الأنظمة لا يستثنى من هذه القاعدة لسببتقديس البعض له فكل شيء يوضع موضع الاختبار وأيا كان رأينا كأفرادحول بعض الانتقادات التي توجه للأنظمة القائمة ومهما كان مدىخلافاتنا حول مزايا التحسينات اقترحة إلا أنه من الواضح وضوحا كافياأن هنالك ميلا شاملا للنقد (٨٥) .٢ النتائج الاجتماعية لحركة التصنيع:‏ إن هذه النتائج عديدة وبعيدةادى.‏ وقد وردت قصتها كثيرا لدرجة تجعل الكاتب يتردد حتى في مجردالإشارة إليها ومع ذلك فتكامل عرض الفكرة يحتاج إلى إبراز بعض النقاط:‏- فمن أوضح نتائج التصنيع الناس التكامل الاجتماعي اطرد النمووما يترتب عليه من ازدياد حاجة اجملتمعات إلى بعضها البعض.‏- أما الاتصال وهو الجانب الفكري لعملية التكامل ذاتها فقد زاد 73


فلسفات تربوية معاصرةبدرجة أعظم وخاصة في ميدان سهولة انتشار الأفكار وسرعته.‏- تزايد الاتجاه نحو التجميع فاصنع الصغير يكبر في الحجم لأسباباقتصادية وتتحد اصانع في منظمات صناعية وتزداد الضخامة تضخمافتنشأ حول اصنع مدينة صناعية وتتضاعف اصانع فتكبر ادينة وينتقلإليها الناس من الريف وتؤدي الهجرة إلى تضخم عدد السكان وفي الوقتذاته فيمكن الإنتاج اتزايد من سد حاجة عدد أكبر من السكان وبذلكيزداد عدد التنظيمات في مختلف النواحي ويصبح اجملتمع محكوماؤسساته لا بأفراده (٨٦) .٣ الاتجاه الدقراطي:‏ وهو يقوم <strong>على</strong> احترام الناس وأن لكل فردشخصيته وأنه يجب أن يعامل <strong>على</strong> هذا الأساس.‏ وهذا الاتجاه كان ضروريالإيجاد التوازن اطلوب في ظل الاتجاه السابق الذي يشير إلى تزايد الاعتماد<strong>على</strong> حكم اؤسسات والتنظيمات حتى لا تطغى <strong>على</strong> الفرد وتقهره.‏إن العالم بأنظمته وموارده ملك للإنسان وهو موجود من أجل وهومساعدته <strong>على</strong> أن يعبر عن وجوده وا كان الإنسان لا يصبح إنسانا إلا فيمجتمع كان لابد للإنسان أن ينمو وأن يعبر عن وجوده بصورة تسمحللجميع بأن ينموا وأن يعبروا عن وجودهم ولا تسمح لأي شخص أن ينمو<strong>على</strong> حساب الا^خرين (٨٧) .لكن:‏ هل من امكن أن يظل الاستقرار الاجتماعي قائما مع التزايداطرد في سرعة التغير?‏ وبعبارة أخرى:‏ إذا كان معدل سرعة التغير سيزدادبغير حدود ألا يأتي حتما في النهاية وقت تصبح عنده سرعة التغير بالغةدرجة تؤدي إلى انحلال اجملتمع?‏ بالطبع كن أن يحدث هذا لكنه تحديدفع علماء السياسة والاجتماع والنفس والتربية إلى مواجهته بكل السبل.‏وفضلا عن ذلك فالتقدم نادرا مايكون منتظما ويؤدي هذا الوضع غيراتزن إذا استمر <strong>على</strong> هذا النحو إلى الشعور بالتوتر.‏ ورا كان أهم أمثلة<strong>على</strong> هذه الحالة هو ما ترتب <strong>على</strong> التقدم التكنولوجي من ظهور طرقجديدة للحياة بينما ظلت وجهة النظر الاجتماعية الخلقية وأساليب السلوكانتظمة للحياة متخلفة عنها (٨٨) . وهذا أيضا من اسائل التي فرضتنفسها بصفة خاصة <strong>على</strong> فلسفة التربية لكي تعمل أدوات البحث والتحليلللخروج من هذا اأزق.‏74


فلسفة التربية البراجماتيةالمعرفة:‏يبدأ ديوي مثله مثل معظم الفلاسفة بتوضيح وجهة نظره بنقد الفكرالسابق عليه تجاه اعرفة.‏فالنظرية التقليدية التي لا تزال سائدة عند البعض حتى اليوم تزعموجود عيوب ذاتية في الإدراك والاحظة كوسيلت للمعرفة وذلك بالإشارةإلى اوضوع الذي يقدمانه وطبقا للرأي القد‏:‏ هذه اادة هي بالذاتخاصة جدا وتبلغ من التغير والحدوث ما لا سبيل معه أن تسهم في‏(اعرفة)‏ فهي إا تفضي إلى الظن ومجرد الاعتقاد.‏ أما في العلم الحديثفلا توجد في الحواس إلا عيوب ‏(عملية)‏ هي بعض التحديد في البصرمثلا ا كن أن يصحح ويكمل بوسائل متعددة مثل استعمال العدساتوكل نقص في الاحظة يدفع إلى اختراع ا^لة جديدة تكمل النقص ‏(ويبعث<strong>على</strong> ابتداع وسائل غير مباشرة كالحساب الرياضي الذي نتغلب به <strong>على</strong>قصور الحواس).‏ ونشأ في مقابل هذا تغيير في مفهوم الفكر وعلاقتهباعرفة فقد زعموا في القد أن اعرفة السامية يجب أن يقدمها الفكرالخالص وهو خالص لأنه بعيد عن الخبرة مادامت الخبرة تتطلب تدخلالحواس أما الا^ن فمن اسلم به أن الفكر <strong>على</strong> الرغم من أنه لا غنى عنهفي معرفة الوجود الطبيعي لا كن بذاته أن يقدم هذه اعرفة.‏ ولا غنىعن الاحظة سواء في تقد اادة الأصلية التي تشتغل عليها أو فياختيار النتائج وتحقيقها تلك النتائج التي نصل إليها بالبحث النظري.‏ ولاغنى للعلم عن خبرة متخصصة بدلا من كل خبرة تضع حدا لإمكان العلمالصحيح (٨٩) .وهناك مقابل موضوعي لهذا التغيير فقد كانت الحواس والخبرة فيالنظرية القدة عوائق للعلم الصحيح لأنها داخلة في التغير الطبيعيوكان موضوعها الائم لها والذي لا مناص منه هو الأمور اتنوعة واتغيرةواعرفة عناها الكامل الصحيح إا تكون كنة إذا كانت علما بالثابتاللامتغير.‏ وهذا وحده هو جواب البحث عن اليق‏.‏ وبالنسبة للأمور اتغيرةالظن والتخم وحدهما هما امكنان كما أن تلك الأمور من جهة العملهي منبع الخطر.‏ويعقب ديوي بأن فكرة علم طبيعي في نظر العالم وفي صيغة ا75


فلسفات تربوية معاصرةيفعله في البحث ينبغي أن تولي ظهرها للتغيير الحاصل في الأشياءوالأحداث لهي فكرة غير مفهومة فما يهم العالم أن يعرفه وأن يفهمه هوبالضبط التغييرات الحاصلة تلك التي تصنع له مشاكله وهذه اشكلاتتحل ح تترابط التغييرات بعضها بالا^خر.‏ وعندئذ تبرز الثوابت واتغيراتالنسبية ولكنها علاقات ب التغييرات وليست مكونات لعالم أ<strong>على</strong> منالوجود.‏كانت اعرفة في النظرية القدة كما كان العلم تدل بالضبط وبالإطلاق<strong>على</strong> الانصراف من التغير إلى اللامتغير.‏ أما في العلم التجريبي الجديدفإننا نحصل <strong>على</strong> اعرفة بطريق مغاير لذلك اما نعنى بوساطة تنظيممدبر لطريق محدود مخصص للتغير.‏ وطريقة البحث الطبيعي هي إجراءبعض التغيير لنرى أي تغيير ا^خر ينشأ عن ذلك والترابط ب هذه التغييرات ح تقاس بسلسلة من الإجراءات يكون اوضوع المحدد واطلوبللمعرفة (٩٠) .وانتقد ديوي كذلك الفيلسوف الأاني ‏(كانط)‏ الذي زعم أنه أحدث فيالفلسفة ثورة مثلما أحدث كوبررنيق في علم الفلك وهذا الزعم حرصديوي <strong>على</strong> تفنيده (٩١) فأن يرجع كانط اعرفة إلى الذات العارفة ويجعلهاهي المحور الذي تدور عليه ليس ثورة كوبرنيقية بل رجوعا إلى نظريةبطليموس أو <strong>على</strong> حد تعبير ديوي:‏ إنه عود إلى نظام بطلمي متطرف.Ptolemaicالثورة الكوبرنيقية هي كذلك لأنها نزعت عن حركة الأجرام السماويةما لها من صفة ذاتية طبيعية فيها.‏ وقد أخذ كانط هذا الجانب الوحيدمن الثورة الكوبرنيقية وطبقه <strong>على</strong> اعرفة الإنسانية وقال إن الأشياء ليسلها في ذاتها حقيقة تعرف وإا اعرفة تنبع من أنفسنا ح تصاغالأشياء الخارجية في قوالب أو مقولات عقلية.‏ ويفسر ديوي هذا الصنيعمن جانب كانط بأنه لم يفعل شيئا أكثر من أنه أنزل الفلسفة من عرشالتعالي في عالم منفصل إلهي إلى عرش العقل اوجود في الإنسانفاعرفة مستمدة بالفطرة من هذا العقل وهي أولية سابقة <strong>على</strong> التجربة.‏أما رأي ديوي فهو <strong>على</strong> عكس هذا.‏اعرفة ليست أولية ولا سابقة <strong>على</strong> التجربة بل إنها نابعة من التجربةUltra76


فلسفة التربية البراجماتيةنفسها من الخبرة وهي ثمرة لها.‏إن اعتماد اعرفة <strong>على</strong> اقولات اوجودة في العقل أو إن شئنا الدقةبحسب تعبير كانط مقولات الفهم يضفي عليها هات الصفت اميزتللعلم وهما العموم والضرورة.‏ ونحن نذكر أن تحليل هيوم وإنكاره الصلةالسببية هو الذي أيقظ كانط من سبات الاعتقادات فأقام مذهبه للرد<strong>على</strong> مزاعم هيوم (٩٢) .بيد أن العلم الحديث اجتاز مرحلة الحتمية التي أرادها له مذهبنيوتن فأصبح لا يزعم عموما ولا ضرورة.‏ إنه حادث وأصبح يقوم <strong>على</strong>الاحتمالات وتتغير القوان كلما تغيرت الظروف والشروط.‏ ليست القوانوهي الغاية النهائية من العلم أزلية ثابتة وإا هي تصوير للعلاقات اتبادلةب الظواهر هذه الظواهر اتغيرة بحسب الظروف والأحوال.‏وديوي يؤكد أنه هو لا كانط صاحب ثورة كوبرنيقية في اعرفة ذلكأن مركز الفلسفة في تراثها القد كان الذهن الذي يعرف قتضى ما لهمن قدرات موجودة بداخله أما في الفلسفة التي ينادي بها فاركز هو‏(التفاعل)‏ استمر في مجرى الطبيعة ب ذهن الإنسان والأشياءالطبيعية (٩٣) . وهذا التفاعل يجري طبقا لعمليات مقصودة توجهنا نحونتائج جديدة وفي ضوء هذه النظرية ليس العالم هو اركز ولا الذاتوليست الطبيعة الخارجية ولا النفس الإنسانية هي اركز وإا هو عالمواحد متصل يشتمل <strong>على</strong> الطبيعة و<strong>على</strong> الإنسان ونفسه وعقله وذكائهباعتبار أن هذه الأمور كلها أجزاء من الطبيعة نفسها والكل في حركةمتصلة وجريان دائم وإن شئنا أن نع مركزا ‏(في هذا العالم اتصلاترابط فهو ‏«الخبرة»).‏وتؤدي ثورة ديوي اعرفية إلى بعض النتائج (٩٤) :ففي اذاهب التقليدية كان الذهن يقف من الأشياء الخارجية موقفاتفرج يراها من خارج ولا يتدخل في أحداثها ولا شأن له بتوجيهها ولايشارك في مسرح مأساتها.‏ إنه مجرد متفرج يسجل مايجري من أحداثأما في مذهب ديوي فلابد من مشاركة الذهن في مجرى الحياة.‏وكان الإنسان في ظل الفلسفات التقليدية يكسب اعرفة فيتغير لأنهيستنير من حصوله عليها فيصبح عارفا بعد أن كان جاهلا ولكنها معرفة77


فلسفات تربوية معاصرةأشبه ب ‏(الحلية)‏ التي تضاف إلى الشيء لتكسبه رونقا فيصلح للزينة أمااعرفة عند ديوي فهي ذلك النوع الذي يغير العالم لأنه يتدخل فيه ويوجهه.‏القيم:‏وإذا كانت ‏(القيم)‏ تحتل منزلة رفيعة في الفكر الفلسفي فإنها تحتلمكانة متميزة في فلسفة التربية بصفة خاصة من حيث إنها موجهة لسلوكالإنسان نحو هذا السبيل أو ذاك.‏ وكان اهتمام ديوي بهذه القضية نابعابالإضافة إلى هذا وذاك أي بالإضافة إلى وضعه كفيلسوف ودوره كمرب من إنه يضع ‏(الدقراطية)‏ وذجا ينسج اجملتمع الأمريكي فكره وسلوكهوفقا له.‏ ومادام للأفراد في النظم الدقراطية حق اشاركة في تكييفأغراض الجماعة وفي تقرير شؤونها فمن اهم أن يعرفوا اقياس الذيكن بوساطته الحكم <strong>على</strong> هذه الشؤون والتمييز ب ماهو صالح وماهوغير صالح من الأغراض (٩٥) .والإجابة عن هذا التساؤل في البراجماتية خاضع للمبدأ البراجماتيالعام فإذا كانت الأشياء والأعمال تستمد قيمتها من النتائج التي تترتبعليها في خبرة الأفراد والجماعات فإن ما يؤدي إلى نتائج غير مرغوبفيها هو شر فاصدر النهائي للقيم يقع في نطاق الخبرة الحسية بالرغباتوالارتياح الناشىء عن تحقيقها (٩٦) ومن هنا تأتي أهمية النزعات الطبيعيةوايول التي هي مصدر الرغبات في فلسفة ديوي.‏ولكن ليس معنى هذا أن كل شعور بالارتياح لإرضاء رغبة يكوّن قيمةوليس معناه أن تخضع للنزعات وايول أيا كانت وأن تساير التربية كل ميلعارض يظهره الطفل فايول والنزعات ليست سوى اادة الخام التي تتألفمنها الحياة الطيبة وينبغي أن تخضع هي نفسها للمقياس التجريبي أيأن تحكم عليها <strong>على</strong> أساس أثر النشاط الذي تدفع إليه في خبرة الأفرادوالجماعات فالنزعات التي لا ينتج عنها إلا نشاط يجلب ارتياحا وقتياعارضا والرغبات التي يعوق تحقيقها رغبات أثبت منها وأبعد أثر فيحياة الإنسان ليست بذات قيمة ثم إن رغبات الأفراد قد يتعارض بعضهامع بعض كما تتعارض رغبات الفرد الواحد فلا كن اعتبارها كلها قيما.‏أما النزعات ذات القيمة فهي النزعات ذات الأثر الثابت التي ينتج عنها78


فلسفة التربية البراجماتيةنشاط اجتماعي يؤدي إلى النمو (٩٧) .وقد ظهرت مدرستان للإصلاح الاجتماعي إحداهما تقول إن الأخلاقتنبع من الباطن وإننا إذا شئنا تغيير النظم الإنسانية فيجب أن نعتمد <strong>على</strong>تطهير النفس وتصفية القلب.‏ والأخرى تقول إن الإنسان ثمرة البيئة وأنتغيير النظم يؤدي إلى تغيير الطبيعة الإنسانية أما مذهب ديوي فيقول إنالسلوك تفاعل ب الإنسان والبيئة ب ماهو طبيعي وماهو احتماليفهناك قوى داخل الإنسان وقوى خارجية عنه والخير في التلاؤم البصيرب الجانب واقصود بالتلاؤم البصير تدخل الروية Delibration في توجيهالسلوك (٩٨) .وليست ‏(الروية)‏ حساب الأفعال من جهة ما تؤدي إليه من مكسبوخسارة في استقبل كما يزعم أصحاب مذهب انفعة.‏ ومن الواضح تباينهذه الفكرة مع الواقع إذ ليست وظيفة الروية أن تؤدي إلى الفعل بإبرازأقصى نفع كن الحصول عليه بل وظيفتها حل مشكلات العمل الراهنوأن تعيد إليه الاتصال وترد له الانسجام وأن تستخدم الدوافع الضائعةوتوجه العادات نحو الطريق الصحيح.‏ ولتحقيق هذه الغاية تنقطع الرويةإلى ملاحظة الشروط الراهنة وتذكر اواقف السابقة.‏ تبدأ الروية منموقف مضطرب وتنتهي باختيار مسلك للعمل تشق طريقها فيه.‏ويستمر ديوي في نقد النظرية الحسابية Calculative Theory في الأخلاقفيقول إن الحقيقة الأساسية الأولى هي أن الإنسان كائن حي يستجيب فيالعمل ؤثرات البيئة وهذه الحقيقة تتعقد في ‏(الروية)‏ ولكنها لا تنمحيبكل تأكيد.‏ ونحن نستمر في الاستجابة وضوع خيالي كما نستجيب للأشياءالتي نلاحظها.‏ والطفل لا يتحرك نحو صدر أمه نتيجة تقدير يزاتالدفء والطعام التي تفوق ا^لام اجملهود.‏ ولا يبحث البخيل عن الذهب ولايكافح اهندس اعماري لعمل الرسوم ولا يعمل الطبيب <strong>على</strong> مداواة الجروحنتيجة لحساب اميزات واساوىء النسبية»‏ (٩٩) .والفرد في تكوينه للقيم الخلقية ر رحلت متتابعت في ارحلةالأولى تكون الأخلاق مفروضة <strong>على</strong> الفرد عن طريق الجماعة وفي ارحلةالثانية فإنه <strong>على</strong> الرغم من أن الفرد يكون قد تأثر بالقيم الأخلاقية التيفرضتها عليه الثقافة فإنه يبدأ في أن يسلك سلوكا كن أن نعتبره خاصا79


فلسفات تربوية معاصرةبه إذ يصبح سيد أخلاقه.‏ وفي ارحلة الأولى وهي ارحلة التي تفرضفيها الجماعة <strong>على</strong> الفرد نوع الأخلاق التي يجب أن يتعامل بها تعمل هذهالجماعة <strong>على</strong> أن يكتسب هذا الفرد وأن يقبل أنواعا من السلوك <strong>على</strong> أنهاواجبات ولذلك يجب القيام بها وأنواعا أخرى من السلوك <strong>على</strong> أنها أخطاءولذلك يجب الابتعاد عنها.‏ والأخلاق في هذه ارحلة هي أخلاق خارجيةوفي اجملتمعات الراكدة التي مازالت ر رحلة حضارية بدائية تكونهذه الأخلاق الخارجية هي النمط السائد ويخضع لها الفرد خضوعاتاما وبذلك ينعدم أو يقل الصراع ب الفرد والتقاليد ولو أننا نظرنا إلىكثير من الناس في العصر الحديث لوجدنا أنهم مازالوا في هذه ارحلة (١٠٠) .أما ارحلة الثانية من مراحل تكوين الأخلاق فهي التي تصبح فيها هذهالأخلاق مسؤولية فردية وإنجازا فرديا أي أنها تنتقل من مجرد سلوكتوافقي مع حاجات الجماعة وقيمها إلى إان بهذا السلوك ومسؤوليةعنه وعلي هذا الأساس أيضا ينتقل تكوين الضمير من مجرد سلطة خارجيةإلى أن يصبح سلطة داخلية تقوم <strong>على</strong> الإقناع والاقتناع.‏والقيم الخلقية بهذا اعنى تكتسب صفة اوضوعية في ضوء العلاقةب سلوك الإنسان ونتائج هذا السلوك في بيئته وفي الا^خرين فالأخلاقالتي تصوغ أحكامها القيمية <strong>على</strong> أساس النتائج يجب أن تعتمد بطريقةأوثق <strong>على</strong> نتائج العلم لأن اعرفة بالعلاقات ب التغيرات معرفة كننا منربط الأشياء كأسباب ومسببات هي العلم ومن هنا تسقط الفواصل بالقيم العليا والسلوك حيث يقاس هذا السلوك في ضوء نتائجه وفي ضوءهذه القيم ومن هنا كذلك يتصل السلوك الخلقي باستقبل حيث إنهيهدف إلى تعديل الظروف والاختيار من بينها <strong>على</strong> ضوء معرفة الخيروالشر.‏ بل إن تعديل السلوك يتطلب تغيرا في الظروف اوضوعية التيتتدخل في تكوين عادات الإنسان وخلقه.‏ وبهذا كن أن تصبح الأخلاقعلمية مادامت تخضع لقياس موضوعي ح نقيس هذه الظروف اوضوعيةفالأخلاق ليست ذاتية مغلقة <strong>على</strong> نفسها كما ذهب بعض فلاسفة الأخلاقحينما عزلوا بعض أنواع السلوك <strong>على</strong> أنها فاضلة أو مرذولة من ا^فاقالسلوك الواسعة تلك التي تتصل بحياة الإنسان مثل الصحة والقوة واهنةفقد يؤدي هذا الانفصال إلى نتائج كثيرة <strong>على</strong> رأسها ‏(النفاق)‏ اتمثل في80


فلسفة التربية البراجماتيةالعمل العلني <strong>على</strong> غير مايبطنون ويؤمنون وكذلك ‏(الرضا)‏ اتمثل فيالاستسلام واسايرة ا هو سائد مهما كان سيئا (١٠١) .ثانيا:‏ بعض ملامح الفكر التربوي البراجماتيالأهداف:‏<strong>على</strong> الرغم من الأهمية التي تحتلها ‏(الأهداف)‏ في العمل الإنسانيبصفة عامة والعمل التربوي بصفة خاصة فإننا نجد أنها في حاجة إلىتعريف يساعد <strong>على</strong> تب حدودها ومداها وأثرها وأنواعها ففي اجملالالتربوي مازالت الأهداف تستخدم كما تستخدم في اجملالات الأخرى وارامي واقاصد والأغراض والأهداف الغايات فهناك كثيرة رادفاتويبدو للبعض أنها جميعا تؤدي وظيفة واحدة وتحمل معني واحدا (١٠٢) .ولسنا في مجال يسمح لنا ناقشة الفروق ب هذه اصطلحات وكلما نريد أن نوضحه هنا أنه مهما كانت صياغة الأهداف والعبارات التيتدل عليها فإنها تتضمن دافعا يحس به الفرد أو الجماعة يتحول إلىرغبة ثم إلى تفكير في تحقيق هذه الرغبة عن طريق تغيير الظروفاوضوعية وتبديلها بالوسائل اناسبة إلى ظروف جديدة تجسد هذهالرغبة (١٠٣) .وهذا الدافع ثم الرغبة ثم التفكير في تحقيقها واختيار السلوك أواسار اناسب للوصول إليها كل هذا ينشأ وسط مشكلة أو موقف يتطلبمواجهة أو حلا ا يتفق و(تطلعات)‏ تنقل اشكلة أو اوقف إلى وضعجديد يحقق فيه الفرد أو الجماعة القدر الأكبر من التكيف والنمو.‏ فشيوعالأمية وسط الأمة العربية مثلا يشكل مشكلة أساسية للبلاد العربيةوتتكون هذه اشكلة من التناقض ب شيوع هذا الجهل وحق الأمة فيحسن التعامل مع متغيرات الكون والحياة.‏ ومن هذا التناقض ينشأ الدافعثم الرغبة في حل هذه اشكلة حو الأمية وب<strong>التالي</strong> ينشأ التفكير فيتنظيم الوسائل الكفيلة بذلك والانتقال من الدافع إلى التفكير إلى استنباطالوسائل اناسبة للوصول إلى ‏(التطلعات)‏ الجديدة التي تبدل اشكلة وقفجديد..‏ كل هذه الخطوات تكون عملية ذكية تجعل من الرغبة هدفا ومنالهدف خطة عملية.‏ و<strong>على</strong> ذلك فإن ‏«الهدف يدل <strong>على</strong> نتيجة أي عملية81


فلسفات تربوية معاصرةطبيعية <strong>على</strong> مستوى الوعي بحيث تحيله عنصرا في تقدير الاحظة الراهنةوفي اختيار طرق التصرف.‏ وفحواه أن النشاط قد أصبح ذكيا وبصفةخاصة فره يعني تدبر العواقب من حيث نتائجها المحتملة اترتبة <strong>على</strong>تصرف ما في موقف مع بطرق مختلفة والإفادة ا هو متوقع لتوجيهالاحظة والخبرة»‏ (١٠٤) .ولعلنا الا^ن نستطيع أن نطبق نتائج هذا افهوم <strong>على</strong> النظر في اعاييرالتي رأى ‏(ديوي)‏ أنها هي التي تحدد الأهداف الصالحة (١٠٥) :١ يجب أن يكون الهدف وليد الظروف الراهنة مبنيا <strong>على</strong> الأمور الجاريةفعلا و<strong>على</strong> مافي الوضع من وسائل أو صعاب.‏ فما أكثر ما تغرق هذا ابدأنظريات التربية والأخلاق اتعلقة بالهدف الصحيح لأعمالنا فنفرض غاياتخارجة عنها وغريبة عما يتألف منه الوضع المحسوس ومستقاة من معخارجي.‏ وهكذا تصبح اشكلة توجيه أعمالنا لتحقيق هذه الغايات التينزودها من الخارج تزويدا وهي أشياء ينبغي لنا أن نعمل من أجلها ومهمايكن الأمر فإن مثل هذه الأهداف تقيد الذكاء ولا تعبر عن العقل في تدبرهوملاحظته واختياره لأفضل الحلول المحتملة.‏ وهي تقيد الذكاء لأنها إذتقدم جاهزة لابد أن تفرضها سلطة خارجية عنه فلا يبقى له إلا مجردالاختيار الا^لي للوسائل.‏٢ ينبغي أن يكون الهدف مرنا قابلا للتغيير حتى يلائم الظروف وهذالا يحدث عندما يكون الهدف مفروضا من خارج إذ من طبيعته في هذهالحال أن يكون جامدا لأنه ا كان مقحما أو مسلطا من الخارج لا يفرضفيه وجود علاقة عملية بينه وب ظروف الوضع المحسوس فما يحدث فيأثناء سير العمل لا يؤيده أو يفنده أو يغيره.‏ بل لا نستطيع إزاء هدف كهذاإلا التمسك به.‏ وما قد يصيبه من فشل بسبب قلة تكيفه يعزى إلى إعوجاجالظروف ليس غير لا إلى أن الهدف ليس معقولا في تلك الظروف.‏ أماالهدف اشروع فقيمته <strong>على</strong> النقيض من ذلك في قدرتنا <strong>على</strong> اصطناعهلتبديل الظروف فهو أسلوب نعالج به الظروف لنحدث فيها ما نريده منالتغييرات.‏ وكل هذا معناه أن الهدف شيء تجريبي ومن ثم فإنه ينمو وامطردا أثناء امتحانه واختباره بالعمل.‏٣ ينبغي أن ثل الهدف دائما إطلاق فعاليات الإنسان وتحريرها.‏82


فلسفة التربية البراجماتيةوفي القول الاصطلاحي ‏(وضع الغاية نصب عينيه)‏ مايشعر بذلك لأنهينصب أمام العقل نهاية أو خاة لعملية ما فما من وسيلة نستطيع أننجد بها العمل إلا إذا وضعنا نصب أعيننا الأشياء التي ينتهي بها كأنيكون هدف ارء في الرمي هو الرمي.‏ ولكن يجب أن نذكر أن الشيء ليسإلا علامة أو إشارة يع بها العقل العمل الذي يرغب في تحقيقه.‏ وإذاتوخينا الدقة في التعبير قلنا إن الغاية اوضوعة نصب الع ليست ارمىنفسه بل إصابته.‏ وما الأشياء اخملتلفة التي يفكر فيها ارء إلا وسائللتوجيه العمل.‏وبناء <strong>على</strong> هذه اعايير كن أن نشرع في الإشارة إلى بعض الصفاتالتي تتميز بها الأهداف الصالحة في التربية (١٠٦) :١ يجب أن يبنى هدف التربية <strong>على</strong> الفعاليات الذاتية للفرد اربي افي ذلك استعداداته الفطرية وعاداته اكتسبة ومن هنا كان من الخطأالاستجابة إلى ذلك ايل العام إلى الأخذ باعتبارات محببة إلى الكبارونصبها أهدافا دون نظر إلى استعدادات اتعلم‏.‏٢ ينبغي أن يكون الهدف قابلا للتحول إلى طريقة للتعاون مع فعالياتاتعلم أي ينبغي أن يشعرنا بنوع البيئة اللازمة لتحرير استعداداتناوتنظيمها.‏ وما لم يؤد الهدف إلى وضع أساليب معينة للعمل وما لم تساعدهذه الأساليب <strong>على</strong> امتحاناته وتصحيحه وتوسيعه لم يبق للهدف قيمةفبدل أن يساعد مهمة التعليم <strong>الخاصة</strong> نراه يحول دون القيام بالأحكامالبسيطة في ملاحظة الأوضاع وتقديرها إذ يعمل <strong>على</strong> إبعاد معرفة كلشيء إلا ما اتفق مع الهدف انصوب.‏ إن كل هدف جامد بحكم تلقينا إياهجامدا ينفي في الظاهر لزوم الاهتمام بالأوضاع الموسة فإذا كان تطبيقهواجبا في كل حال فما جدوى ملاحظة التفاصيل التي ليس لها في الأمرعدّ‏ ولا حسبان?‏ (١٠٧) .٣ ينبغي للمرب أن يحذروا من الأهداف التي يزعم أنها عامة أونهائية فلا شك أن كل عمل مهما بلغ من التحديد هو عام ا يتفرع عنهمن العلاقات لأنه يفضي إلى ما لا حصر له من الأشياء و<strong>على</strong> قدر ماتجعلنا الفكرة العامة أشد يقظة لتلك العلاقات لا كن أن تكون عامةإلى حد بعيد.‏ ولكن ‏(العام)‏ قد يستعمل أيضا عنى ‏(اجملرد)‏ أو انفصل83


فلسفات تربوية معاصرةعن كل قرينة معينة.‏ ومثل هذا التجريد معناه البعد ا يعود بنا مرة أخرىإلى اعتبار التعليم والتعلم مجرد ذرائع نبلغ بها غرضا منقطع العلاقةبالوسائل (١٠٨) .الأساس الخبري للتعليم:‏أي مصدر كن أن نعتمد عليه ونثق فيه لنستمد منه مواد التعليم?‏لم يكن ا يرضي فلاسفة اليونان أن يعتمدوا في أمر مثل هذا <strong>على</strong>الواقع الخبري حيث إن مجاله لم يتعد عندهم الشؤون العملية البحتة التيتدل <strong>على</strong> النقص والحاجة والرغبة ا يجعلها غير قادرة <strong>على</strong> الاكتفاءبذاتها أما اصدر الذي كانوا يعدونه أهلا للثقة والاعتماد عليه فهو أنتقوم مواد التعليم <strong>على</strong> مجموعة من ابادىء والأصول العامة الثابتة اجملردةا لا تستطيع أن نلتمس له وجود في العالم الخبري فلديك من ‏«العقل»‏ما كنك أن تضرب به في عالم اثل أو الصور اجملردة لتستمد منه قوامما تود تعلمه (١٠٩) ذلك لأن هذه الأمور وما اثلها موجودة لذاتها مبرأةعن أي اعتبار ا يجعلها أشرف وأرفع من الأمور العملية.‏ هذا بالإضافةإلى حاجة الأمور العملية إلى الجسم من حيث هو أداة لها بينما يعد‏(العقل)‏ ذلك العنصر اللامادي السامي أداة للمبادىء والأصول العامةالثابتة اجملردة.‏ وهذا هو أساس مايعرف بالثنائية اعروفة ب العملواعرفة (١١٠) . فليس لك أن تعد ما تتعلمه من الأمور العملية ‏«معرفة»‏ إنها‏«ظن»‏ و«اعرفة»‏ لابد أن تستند إلى يق واليق لا يلتمس إلا في الأمورالعقلية البحتة ومن هنا أيضا قامت مواد التعليم <strong>على</strong> أساس نظري عقليصوري بحت.‏ ونبذت الأساس الوجودي الخبري الواقعي.‏فإذا جلونا الخبرة ونفينا ما كان لاحقا بها من سوء الفهم والاعتباربحيث تب لنا أن المحك الذي يب قيمة أي فلسفة هو مدى اعتمادها <strong>على</strong>مثل هذه الخبرة (١١١) كان علينا أن ننظر في كيفية قيامها كأساس تقومعليه التربية وكمحور تدور حوله عملية التعليم.‏وأول ما نحب أن نلفت إليه النظر هو أن ننفي ما قد يتبادر إلى الأذهانمن اعتبار كل ماهو خبري صالحا لأن يدخل في العملية التربوية إذ إنهناك بعض الخبرات التي تلحق بالعملية التربوية ضررا أكثر منه نفعا84


فلسفة التربية البراجماتيةفقد تكون الخبرة بحيث تؤدي إلى التبلد مثلا كما قد نع الحساسيةوتضعف من القدرة <strong>على</strong> الاستجابة اوفقة ومن ثم تقلل من إمكان أنيحصل <strong>على</strong> خبرات أغنى في استقبل (١١٢) .وقد تكون الخبرات من التفكك فيما بينها بدرجة تجعلها غير متكاملةبينما تكون كل منها في حد ذاتها ا يؤدي إلى تبديد طاقة الفرد وإلىتشتيت فكره.‏ وهنا يجدر بنا أن نسجل أن التربية التقليدية لم تهمل الخبرةكلية وإا عيبها أنها كانت تقوم <strong>على</strong> خبرات من النوع السيىء الضارفكثير من الطلاب من تبلدت أفكارهم وفقدوا الحافز <strong>على</strong> التعلم من جراءالطريقة التي خبروا بها التعلم.‏ وكثير من الطلاب اكتشفوا الهوة الكبيرةالتي تفصل ب ماتعلموه داخل ادرسة ومواقف الحياة التي يخبرونها الا تتيح لهم أي قدرة <strong>على</strong> التحكم فيها فليس الأمر إذن وجود الخبرات أوعدم وجودها وإا اهم كذلك أن يقترن هذا الاهتمام بنوع ما يقدم منخبرات.‏ويضع لنا ديوي شرطا مهما نستع به في اختيار نوع الخبرة وهومايكون للخبرة من تأثير في الخبرات <strong>التالي</strong>ة:‏ إن ذلك يفرض <strong>على</strong> اربي أند التلميذ بخبرات تستغرق ضروب نشاطه مع ضرورة ألا تكون منفرةحتى تشجعه <strong>على</strong> الحصول <strong>على</strong> خبرات أخرى مرغوب فيها في استقبلويسمي ديوي هذا الشرط ‏«استمرار الخبرة»‏ (١١٣) The Continuity of Experienceبيد أن الأمر ليس مرهونا بتطبيق معايير وشروط بل لابد أن يقرن هذاالشرط بالاهتمام ب ‏«طريقة»‏ تطبيقه.‏ إن اغالاة في تدليل الطفل خبرةلها أثر مستمر فهل يجيز لنا أن نقبلها?‏ الا^ثار السيئة لخبرة مثل هذهمعروفة ومن هنا كان قولنا إن ‏«الطريقة»‏ التي نطبق بها شرط الاستمرار لاتقل أهمية عن هذا الشرط نفسه (١١٤) .وحقيقة الاستمرار أو مايسمى ب ‏«تواصل الخبرة»‏ترتبط بها حقيقة أخرى وهي أن الخبرة لا تحدث في الفراغ Continuumبل إن هناك مصادر خارج الفرد تنشأ عنها وتنبع من معينها <strong>على</strong> الدواموهي البيئة وهل يستطيع أحد أن ينكر أن الخبرة الذي يكتسبها طفل فيبيئة مثقفة تختلف عن تلك التي تتميز بالجدب الثقافي?‏ وأن خبرة الطفلالذي ينشأ في القرية تختلف عن خبرة التي ينشأ في ادينة?‏ إن ذلكExperimental85


فلسفات تربوية معاصرةيفرض <strong>على</strong> اربي أن يكيف الخبرة الحقيقية عن طريق الظروف المحيطةبها دون أن يقف عند حد ذلك بل لابد أن يضع في الحسبان كذلك أيعوامل البيئة كن استغلاله للحصول <strong>على</strong> خبرات تؤدي إلى النمو.‏ وهذاالتنظيم الفعال لظروف الخبرة اوضوعية يتيح فرصا أنجح لقيام تفاعلمفيد ب هذه الظروف وهذه الحاجات الداخلية ا يوفر للخبرة شرطارئيسيا ا^خر يكسبها القدرة <strong>على</strong> أن تكون خبرة مربية.‏ وقد كان تأكيدالتربية التقليدية <strong>على</strong> ظروف الخبرة الخارجية وحدها هو الذي أكسبهاماعرفت به من شكلية وجمود ذلك لأن ‏(التفاعل)‏ لابد أن يراعى فيهالجانب معا:‏ جانب الظروف الخارجية اوضوعية وجانب العواملالداخلية (١١٥) .إن الخبرة حينما نراعي فيها هذه الشروط ننأى بها عما أخذناه <strong>على</strong>النظريات والا^راء السابقة من أوجه الخطأ والنقص فهي في هذه الصورةالجديدة تنظر إلى الطفل لا <strong>على</strong> أنه يقف من الأشياء موقفا سلبيا يتلقىمنها الانطباعات اخملتلفة وعن طريق هذه الانطباعات يتعلم وتختبر هذهالأشياء وإا تنظر إليه من حيث إنه يتعلم ما يتعلمه عن هذه الأشياء عنطريق استعماله لها وما يترتب <strong>على</strong> هذا الاستعمال من عواقب ونتائج (١١٦)أو عنى ا^خر تنظر إليه من حيث إنه يتعلم عن طريق سلوك هذه الأشياءوالأشخاص (١١٧) .وليس من شك أننا عندما ننظر إلى الخبرة والعمل هذه النظرة إانضع التفكير في موضعه الصحيح من حيث هو عملية ملتحمة بالعملوالخبرة ومن ثم لا يعدو العمل وعاءً‏ فارغاً‏ من التفكير يستحق ما لحق بهمن ازدراء وتحقير.‏ إنه بهذا كن أن يصبح سبيلا للتعلم والحصول <strong>على</strong>اعرفة إن لم يكن هو السبيل الوحيد.‏ والخبرة بناء <strong>على</strong> هذا ليست مجردتلخيص ا من الأشياء وبذلك يكتسب كل ماحدث لنا من الأشياء وماقمنا نحن به من عمل بهذه الأشياء خصبا وغنى وثراء ويذهب عن التجريبما لصق به من اندفاع وشعوذة ويصبح موجها عن طريق هدف معوتسيره طرق ومقاييس خاصة فيكتسب ب<strong>التالي</strong> العنصرالعقلي الذي يقفبه في مواجهة كل من التجريبية التقليدية واثالية العقلية (١١٨) .أما النتائج التي كن استخلاصها من كل ماسبق بالنسبة للعملية التربوية86


فلسفة التربية البراجماتيةفتتلخص فيما يلي:‏١ إنه مادامت العلاقات الفعالة التي تقوم ب الإنسان وبيئته الطبيعيةوالاجتماعية هي التي تكون قوام الخبرة (١١٩) كان <strong>على</strong> ادرسة أن تهيىءبيئة تتسم بالحيوية والواقعية كن أن يحدث فيها مثل هذا التفاعل وحتىكن للتلميذ أن يكتسب نتيجة هذا التفاعل اعاني اهمة اللازمة لزيادة‏«خبرته وتعلمه».‏ إن رفض مدارسنا أن تكون أماكن للحياة إا هو نزلةانتحار أخلاقي للمجتمع الذي نعيش فيه.‏ إننا نساعد بهذا <strong>على</strong> قيامالعملية التربوية <strong>على</strong> أسس علمية صحيحة إذ يخبرنا علماء النفس بأنالتعلم يستند إلى مبدأين مهم‏:‏أولا:‏ إن ما نتعلمه يجب أن ارسه.‏وثانيا:‏ أننا لا نتعلم كل شيء ارسه فنحن نتعلم فقط الشيء الذيننجح في أدائه (١٢٠) .٢ لقد لحق بأوجه النشاط اخملتلفة في الحياة الاجتماعية اليوم منالتغيرات ما يجعل من اليسير النظر العلمي السليم إلى العمل واعتبارهالطريق الصحيح إلى التعلم واعرفة فقد أدى تغلغل العلم التطبيقي فيكل جانب من جوانب حياتنا وما شهده من تطور سريع وعميق بحيثتعددت اخملترعات والا^لات وابتكرات وتعقدت وأصبحت تتطلب مقدرة لايستهان بها من العلم والبصر والذكاء واهارة الفنية أدى كل هذا إلى عدمقصر ما يتصل باليد من أعمال <strong>على</strong> العبيد والخدم كما كانت الحال أياماليونان والعصور الوسطى ومطلع العصور الحديثة (١٢١) إذ إن الأعمال التيكانت تؤدى في هذه العصور كانت تتم بالرتابة والسذاجة والبساطة وعدمالحاجة إلى كثير من اعرفة وإعمال الفكر والذكاء ا أساغ لكثير منارب الإعراض عنها واعتبارها غير صالحة لتنمية الذكاء أما وقد تغيرتالأوضاع والأحوال فإن هذا يفرض <strong>على</strong> ادرسة أن تصطنع من الأعمالوالخبرات مايع الأجيال الناشئة <strong>على</strong> اكتساب الفهم والإدراك اللازمفي هذا العصر بالذات ولا شك أن هذا يحتم <strong>على</strong> الأفراد ب<strong>التالي</strong> ألايسيروا في أعمالهم كالعميان بل يقوموا بأعمالهم مستنيرين بهدي الفكروإرشاد الذكاء (١٢٢) .٣ وإذا كانت طريقة العلم التجريبية قد أظهرت سخف ماكان شائعا من87


فلسفات تربوية معاصرةفصل ب النظر والعمل ب الخبرة واعرفة فإن من أهم الاعتبارات التييجب أن تضعها التربية نصب عينيها هي أنه لا وجود عرفة حقة أو فهممثمر إلا أن يكون نتاجا للعمل.‏ إن هذا يعني أن القياس الصحيح دى ماأحرزه التلميذ من تقدم في عملية التعلم لا يكون ا يقوم به من ‏«تسميع»‏داخل الفصل وإا دى قدرته <strong>على</strong> العمل والنشاط والسلوك القائم <strong>على</strong>البصر والذكاء ولذلك يقول ديوي إن إعمال الفكر وحده لا كن أن يتيحللمرء قدرة <strong>على</strong> تحليل الحقائق وإعادة تنظيمها عرفتها وتفسيرهاوتصنيفها بل لابد من التمرس بالأشياء لو أردنا أن نعرف عنها شيئا‏.‏هكذا تدلنا طريقة اعمل التجريبية وهذا هو مايجب <strong>على</strong> التربية أنتضعه نصب عينيها (١٢٣) .٤ ومادمنا نريد أن نقيم العملية التعليمية <strong>على</strong> أساس خبري فلابد منالتخلص من هذه النظرة اتعسفة التي تضع هوة ب خبرة التلميذ منناحية ومختلف اواد الدراسية من ناحية أخرى <strong>على</strong> أساس أنهما مختلفاننوعا (١٢٤) . وكيفية ذلك تكون بالعمل <strong>على</strong> أن تتمثل خبرة التلميذ في داخلهاالعناصر والأحداث والحقائق التي تدخل في تشكيل مواد الدراسة وكذلكالاتجاهات والنزعات وايول التي تكو َّن وتنظم مادة الدراسة.‏ هذا منناحية الخبرة أما من ناحية اادة الدراسية فيجب تفسيرها <strong>على</strong> أنهاقوى لازمة لتنمية حياة التلميذ واكتشاف الخطوات التي تلائم ب خبرتهالحاضرة وما تتضمنه هذه الدراسات من نضوج أكثر غنى (١٢٥) . إن الأحداثوالحقائق التي تدخل في خبرة التلميذ الحاضرة وتلك اتضمنة في موادالدراسة.‏ إا هي العلاقات والحدود النهائية لحقيقة واحدة فمعارضةإحداها بالأخرى هي اعارضة ب الطفولة والبلوغ في الحياة الناميةنفسها.‏ إنه وضع الاتجاه اتحرك والنتيجة النهائية للعملية نفسها الواحدمنهما ضد الا^خر واعتبار طبيعة التلميذ واتجاهاته في حرب مع بعضهاالبعض (١٢٦) .ولكن هل معنى أن التربية ينبغي أن تأخذ مادتها من الخبرة الحاضرةأن نتجاهل ااضي?‏ كلا.‏ ولقد وقعت بعض ادارس التقدمية في هذاالخطأ وخيل إليهم أن فصل الحاضر عن ااضي أمر كن.‏ إن تراثااضي دنا بوسيلة ناجحة حتى نستطيع فهم الحاضر (١٢٧) . وكما يجد88


فلسفة التربية البراجماتيةارء نفسه مجبرا <strong>على</strong> أن يفتش في ماضيه حتى يفهم ماهو فيه منظروف كذلك فإن ما تسفر عنه الحياة الاجتماعية الحاضرة ومشاكلهاوثيق الصلة بااضي بصورة لا كن معها أن نعد الطلاب لفهم هذه اشاكلأو توجيههم إلى أحسن الطرق لعلاجها إلا بالبحث عن جذورها في أرضااضي.‏ ومعنى ذلك أن القول إن أهداف التعليم توجد في استقبل وأنمواده اباشرة توجد في الخبرة الحاضرة هذا القول يكون مبدأ سليما إذامددنا الخبرة الحاضرة ووصلناها بااضي (١٢٨) .ذلك هو التعليم الذي يقوم <strong>على</strong> أساس من الخبرة.‏ بيد أن هناك منيقول إن التعلم عن طريق الخبرة إا د التلميذ بشؤون وأمور جزئيةومهما أحرزت العلوم اخملتلفة من تقدم وو فإنها لا تستطيع أن تصل بالتلميذ ومعرفة الحقيقة ككل.‏ إنها ده بالنظرة الجزئية الضيقة بينمايحتاج الإنسان إلى نظرة ومعرفة الوجود ككل حتى يسترشد بهذه اعرفةوهذه النظرة في حياته (١٢٩) . والفلسفة البراجماتية تعترف بصحة هذاالنقد وهو أن التعلم عن طريق الخبرة لا يقف بنا إلا <strong>على</strong> أمور العالمالجزئية.‏ بيد أنها تعترض <strong>على</strong> النتيجة استخلصة من هذه الحقيقة وذلكلأنها تعتبر أن هذه الشؤون وهذه الأمور الجزئية هي حقيقة هذا العالموليس هناك من حقيقة أخرى تكمن وراءها.‏ إن الوجود هو هذه الجزئيةوتلك هو هذه الحادثة وتلك هو هذا التغير الذي نحسه ونشاهده.‏تطبيع العقل:‏وقد لبث الإنسان أحقابا طويلة ينظر إلى نفسه ككائن له اعتبار وسموعن سائر الكائنات التي تحفل بها هذه الدنيا وهذه الطبيعة.‏ وكيف لا يكونذلك كذلك والإنسان لك جوهرة ثمينة لا لكها سائر الكائنات.‏ إنه ذوعقل وبقية الكائنات لا عقول لها.‏ إنه وإن كان لك جسما يشترك فيطبيعته مع مافي الطبيعة من أجسام إلا أن ما لكه من ‏(عقل)‏ شيء تازبه عن سائر الكائنات.‏وقد عكس الإنسان هذه الفكرة عن نفسه <strong>على</strong> الطبيعة والكون كلهفتخيل فيما يذكر فلاسفة البراجماتية الكون ذا عنصرين:‏ طبيعة ماديةيكمن فيها أو وراءها أو فوقها عقل كبير يسيرها ويدبرها كما يسير عقل89


فلسفات تربوية معاصرةالإنسان جسده ويدبره (١٣٠) والطبيعة التي هي من عنصر مادي متغير وسيلةمعرفتها هي الحواس التي تطور استخدامها فابتكرت لها الأجهزة والا^لاتالعلمية وصنفت لها الطرق واقاييس وماذلك إلا لتقترب قدر الإمكان مناعرفة التي موضوعها العنصر الثاني من الطبيعة العنصر العقلي الثابتاللامادي فهذه اعرفة لا تعتمد <strong>على</strong> الحواس التي كثيرا ما تخدعنا وإاتعتمد <strong>على</strong> العقل ومن ثم فإذا كنا نعتمد في معرفة الطبيعة اادية للكون<strong>على</strong> منهج علمي تجريبي فإننا لا نستطيع أن نعتمد <strong>على</strong> انهج نفسه فيمعرفة الطبيعة الروحية والأمور اثالية التي تكون الشطر الثاني من الكون.‏وتحت تأثير النظريات والاتجاهات العلمية التي ظهرت منذ منتصفاعتبر البراجماتيونالقرن التاسع عشر وحتى أوائل القرن العشرين (١٣١)أنه من الخطأ الادعاء بوجود عنصر منفصل وقوة خفية اسمها العقل.‏وسندهم في ذلك ماذهب إليه دارون من أن الإنسان كغيره من الكائناتالحية إا هو حلقة في سلسلة التطور وأنه كغيره من تلك الكائناتنتيجة لعوامل الانتخاب الطبيعي الذي حو ما ليس يصلح للبقاء فياعركة الدائمة ب الطبيعة من ناحية وصنوف الكائنات الحية من جهةأخرى (١٣٢) هذه اعركة التي تعتمد الحرب فيها <strong>على</strong> القدرة <strong>على</strong> حسنالتكيف والتغير الائم لتغير الظروف وتدبر النتائج وتوجيه التفاعل القائمب الكائن وبيئته توجيها قائما <strong>على</strong> بصر وذكاء ولا تعتمد <strong>على</strong> عنصر خفياسمه العقل.‏ إن العقل كما استنتجوا هو هذا التوجيه الذكي لضروبالتفاعلات ب الإنسان وبيئته (١٣٣) . والتفاعل هو الخبرة والخبرة جزء منالطبيعة بحيث نستطيع القول إن العلم قد انتهى إلى مايسمى ب ‏«تطبيعالعقل»‏ أي إلى جعل العقل جزءا من الطبيعة وظاهرة من ظواهرها (١٣٤) .ما معنى هذا الذي أسلفناه من أن العقل قد صار جزءا من الطبيعة ولميعد عنصرا مفارقا لها?‏ إن معناه أن ليس أمامنا في دراسة الظواهر إلامنهج واحد هو انهج العلمي.‏ بل ماشئت عن اختلاف الظواهر الإنسانيةعن الظواهر الطبيعية فمهما قلت.‏ فلن تستطيع أن تبلغ بهذا الاختلافحداً‏ يجعلهما مختلف في النوع وإا الاختلاف كل الاختلاف هو فيالدرجة ليس إلا.‏ إن أي موضوع تتناوله بالدراسة هو نظر إلى الطبيعة منإحدى نواحيها وليس هناك من اختلاف يز موضوعات طبيعية90


فلسفة التربية البراجماتيةوموضوعات إنسانية كلها متضمن في الخبرة ولا فرق ب خبرة وخبرةمن حيث علاقتها بالإنسان وقابليتها للبحث والنظر.‏والقارىء لكتاب وليم جيمس ‏«أصول علم النفس»‏ الذي أصدره عام١٨٩٠ يجد صدى واضحا لهذا الاتجاه إذ اعتبر العقل طا معينا منالسلوك يعالج به الإنسان بيئته <strong>على</strong> نحو يعينه <strong>على</strong> الحياة فالعلامة الدالة<strong>على</strong> وجود العقل في أية ظاهرة سلوكية هي أن نلحظ فيها استهدافالغايات مستقبلة واختيارا للوسائل اؤدية إلى بلوغ تلك الغايات (١٣٥) .وأخذ ديوي هذه الفكرة التي ذكرها وليم جيمس وغذاها حتى تخللتكل كتاباته وجعلت فلسفته تتميز عن سائر الفلسفات بتأكيدها الدائم <strong>على</strong>محو ما كان من ثنائيات مثل:‏ الجسم والعقل اادة والروح...‏ إلخ بل دعاإلى أن نستبدل بكلمة ‏«العقل»‏ Reason كلمة ‏«الذكاء»‏ Intelligence لأن العقليتميز في الفلسفة التقليدية بالضرورة والكلية والسمو <strong>على</strong> التغيروالسلطات <strong>على</strong> الحادث وفهم اتغير أما الذكاء فمرتبط بالحكم أيبانتخاب وسائل وترتيبها لتحقيق نتائج معينة وباختيار ما نتخذه أهدافالأنفسنا.‏ وليس الإنسان ذكيا بسبب حصوله <strong>على</strong> العقل الذي يدرك الحقائقالأولى البينة بذاتها <strong>على</strong> ابادىء الثابتة لكي يستنبط منها الجزئيات المحكومةبها بل بسبب قدرته <strong>على</strong> تقدير الاحتمالات في موقف وسلوكه طبقا اقدره.‏ وبوجه عام الذكاء عملي والعقل نظري وحينما يعمل الذكاء يحكم<strong>على</strong> الأشياء من جهة دلالاتها <strong>على</strong> غيرها من الأشياء (١٣٦) .وقد لعب هذا الاتجاه دوره بالنسبة للتربية وللحرية الإنسانية (١٣٧) فمادام‏(العقل)‏ إا هو ‏(ذكاء)‏ قائم <strong>على</strong> إجراء تجارب وتوجيه ناشط الإنسانتتضح اهمة الأساسية التي ألقاها العلم الحديث <strong>على</strong> كاهله..‏ إن مهمتهبناء <strong>على</strong> ذلك هي أن يحرر الإنسان من عبوديته للماضي والتي ما نشأتإلا بسبب الجهل واصادفات التي تبلورت فصارت عادات وعرفا.‏ إنه بذلكيبشر ستقبل أفضل ويعاون <strong>على</strong> تحقيق هذا استقبل وهو بهذا اعنىأيضا يكسب الإنسان قدرة <strong>على</strong> الإبداع وثقة بنفسه وشجاعة لا تقف بهوجلا أمام ظروف الطبيعة فهو بوضعه الخطط والأفكار وإخضاعها لمحكالخبرة والتجريب يلقي <strong>على</strong> الإنسان مسؤولية تحمل نتائج أعماله.‏ ثم إنذلك يدرب الإنسان <strong>على</strong> حرية التفكير التي لا تجعله أسيرا لاعتقادات91


فلسفات تربوية معاصرةوا^راء قطعية وإا <strong>على</strong> العكس من ذلك يكون الإنسان مستعدا لأن يتخلىعن أفكاره لو أثبتت التجربة خطأ الخطط والأفكار اوضوعة.‏ فما يضعهالإنسان من مخططات وما يصوغه من مبادىء ينبغي الاهتداء بها في ضوءما تؤدي إليه من نجاح أو فشل في هداية خبرتنا العملية الهداية اللازمة (١٣٨)وتتضح لنا تلك القيمة التي تفضي إليها فكرتنا عن العقل باعتبارهتوجيها ذكيا للأفعال كامنا فيها غير متعال عليها إذا قابلنا بينها وب ماكانت تؤدي إليه النظرية القدة عن العقل افارق للتجربة.‏ فتلك النظريةقد مالت بالعقل إلى الإهمال والغرور وعدم الاكتراث للمسؤولية.‏ وإلىالجمود وإذا كان علم النفس قد كشف لنا عن ‏«حيل عقلية»‏ نتذرع بها دونوعي منا بذلك لجعل سلوكنا يبدو في نظر أنفسنا سلوكا حسنا بينما هوغير ذلك في الحقيقة.‏ فكذلك لجأت بعض اذاهب الفلسفية إلى اتخاذ‏(العقل)‏ وسيلة للتبرير والدفاع فمن تعاليمها أن عيوب الخبرة الواقعية أوشرورها تختفي وتفنى في ‏«الكل العقلي»‏ للأشياء وأن الأشياء لا تبدوشرورا إلا لأن من طبيعة الخبرة أن تكون جزئية ناقصة أو كما لاحظبيكون أن العقل يزعم ‏(في الأشياء)‏ بساطة ليست بها كما يزعم لها اطراداوتعميما ويفتح للعلم طريقا سهلا زائفا.‏ إن هذا الطريق يؤدي إلى عدماسؤولية العقلية وإلى الإهمال.‏ فيؤدي إلى عدم اسؤولية لأن اذهبالعقلي يفترض أن مدركات العقل الكلية ذات اكتفاء ذاتي وأنها فوقمتناول الخبرة.‏ بل إنها ليست بحاجة إلى تأييد من قبلها.‏ ويؤدي إلىالإهمال لأن هذا الافتراض نفسه يجعل الناس لا يعبأون بالاحظات الجزئيةولا بالتجارب العملية فاحتقار الخبرة هذا أدى إلى انتقام مروع فيالخبرة نفسها فنتج عنه إهمال الحقائق وعدم الاكتراث لها إهمالا دفعناثمنه فشلا وأحزانا وحروبا (١٣٩) .وإذا كان الذكاء له هذا الدور الفعال في إعادة تكوين الظروف التييعيش فيها الإنسان وتحويلها إلى أدوات وموضوعات تفيد في تنظيم حياتهالإنسانية وب<strong>التالي</strong> يعني قدرة الفرد <strong>على</strong> التنبؤ واستخدام الأشياء والتحكمفيها وتوجيهها (١٤٠) إذا كان هذا صحيحا فإن التربية نتيجة لهذا تجدنفسها ملزمة بأن تعمل <strong>على</strong> تنمية هذا الذكاء بإتاحة الفرص اتنوعةللمتعلم الذي يجد فيها من الخبرات الحية اخملتلفة مايساعد <strong>على</strong> توجيه92


فلسفة التربية البراجماتيةوه توجيها بناء سليما (١٤١) . ولعل ماهو أخطر من هذا هو الافتراض الذييقوم عليه هذا الرأي من النظر إلى العقل أو الذكاء <strong>على</strong> اعتبار أنه لا يوجدفطريا عند الإنسان (١٤٢) . وإا هو يتعلمه ويكتسبه من خلال مار به منخبرات ومواقف يتوسل فيها الإنسان ا تحتويه بيئته من عناصر لتحقيقأهداف يسعى إليها.‏فإذا ما كان الأمر كذلك فما السبيل الذي يتخذه السلوك حتى يصبحسلوكا عاقلا أو عنى ا^خر سلوكا ذكيا?‏الحق أننا لو رجعنا إلى ماسبق قوله من أن العقل ماهو إلا هذا التوجيهالذكي ناشط الإنسان بحيث تؤدي إلى تحقيق حاجاته أو حل ماقد يكونقائما أمامه من مشكلات فسنجد أنه من حيث هو شيء كائن ليس إلاالقدرة <strong>على</strong> فهم الأشياء بوساطة استعمالها.‏ والعقل الاجتماعي هو القدرة<strong>على</strong> فهم هذه الأشياء بوساطة استعمالها في أوضاع مشتركة والعقل بهذااعنى هو طريقة السيطرة الاجتماعية.‏ومن ثم لزم أن نتب كيفية فهم الأشياء وب<strong>التالي</strong> طريقة السيطرة عليهاحتى كننا أن نجيب عن سؤالنا السابق.‏ فلو كان أمامنا مثلا حجر أوبرتقالة أو شجرة...‏ إلخ فكيف عرفت وفهمت أنها هي هذه الأشياء وليستغيرها?‏ لقد قيل خطأ إن الشيء يحمل إلى العقل مايصدر منه من انطباعاتحسية حتى إذا اجتمعت بعضها إلى بعض كان لنا اعنى الذي يتميز بهالشيء والذي يتيح لنا به فهمه والصحيح في نظر البراجماتية أن الاستعمالالذي تاز به الشيء بالنظر إلى صفاته <strong>الخاصة</strong> هو الذي يعطيه مايقترنبه من اعنى.‏ولتوضيح ذلك نقول إننا إذا سمعنا صوتا فأسرعنا لجلب ااء وأطفأناالنار فقد أجبنا عن وعي وفهم ذلك لأن الصوت كان معناه النار والنارمعناها أنها بحاجة إلى إطفاء ومن هنا كن القول إننا نعني ما نفعله إذاكان للأشياء معنى عندنا أما إذا كانت مثل هذه الأشياء فارغة من اعنىفلا كن أن نعد سلوكنا نحوها ذا صبغة عقلية بل سيصبح سلوكا أعمىيخلو من الشعور والتفكير وكلما اكتسب الإنسان قدرا سليما من اعانيكان سلوكه قائما <strong>على</strong> وعي وبصر (١٤٣) .ولا شك أن الوقوف <strong>على</strong> معاني الأشياء باستعمالها يتيح لنا فرصة93


فلسفات تربوية معاصرةمعرفة نفعها لنا والقدرة <strong>على</strong> الحكم <strong>على</strong> قيمة نتائجها فإذا لنا ذلكأمكن أن نحكم السيطرة عليها وتوجيهها التوجيه الذكي البصير ولذلكفلا كن ا نتلقاه من إحساسات فقط عن شيء أن نكون فكرة عنه وإاتتكون هذه الفكرة عن طريق الاستجابة لهذا الشيء بالنظر إلى وضعه فيخطة شاملة للعمل.‏ وبعبارة أخرى تتكون الفكرة عندما نستطيع أن نقومبحساب دقيق لاتجاه فعل هذا الشيء وما يترتب من نتائج نتيجة فعلنا فيهوفعله فينا.‏والنظر إلى العقل هذه النظرة التي تجعله صفة تصف السلوك الهادفالذكي ا يكتسبه من اعاني وما يرمي إليه من التوجيه والسيطرةالاجتماعية يتيح لنا ثقة كبيرة في التربية.‏ بيد أن التربية لن تكون جديرةبهذه الثقة إلا إذا راعت ما يترتب <strong>على</strong> تلك النظرة من مطالب تفرضعلينا تجهيز ادرسة بشتى وسائل العمل والأدوات واواد وتعديل أساليبالتعليم والإدارة بحيث يتيسر للطلاب استخدام الأشياء استخداما مباشرادون أن يعني ذلك التقليل من أهمية اللغة بل لابد من تأكيدها حيث إنهاتلخص بأساليبها التي لا تحصى اعاني التي تعبر لنا عن نتائج أحداثالحياة الاجتماعية وتبصرنا بوجوه النظر الاجتماعي (١٤٤) .بل إن أهم ما تفرضه هذه النظرة هو ألا تبتعد ادرسة عما يحدثفي البيئة الخارجية من ظروف تربوية فالتلميذ يقوم بعمل ما تعلمه فيمنزله ويستخدمه في ادرسة كما كنه أن يطبق ما تعلمه في ادرسةأثناء حياته انزلية.‏ وفي هذا تحطيم للعزلة ب ادرسة والحياة ووسيلةللربط بينهما إذ يأتي التلميذ إلى ادرسة بخبراته التي عاش فيها خارجهاويتركها ولديه شيء كن استخدامه في حياته اليومية.‏طريقة التفكير العلمي،‏ طريقة التربية السليمة:‏لم يكن ا يعني التربية التقليدية في قليل أو في كثير أن تقيم عمليةالتربية <strong>على</strong> أساس من التفكير العلمي السليم (١٤٥) . وبدلا من ذلك نجد أنهاكانت توجه جهودها لإقامة هذه العملية <strong>على</strong> أساس من التحفيظ والتسميعوالنقل والتكرار والتقليد ا أدى إلى قتل روح الابتكار لدى التلاميذوتحولهم إلى نوع سيىء من اواطن ذلك النوع الذي لا يصلح إلا لكي94


فلسفة التربية البراجماتيةيؤمر فيطاع أو توضع له الخطط فينفذ لأنه يعيش وهو يفكر <strong>على</strong> فتاتأفكار الا^خرين فكان ما كان من إعاقة عملية التقدم انشودة.‏ ولقد تنبهفلاسفة البراجماتية إلى هذه الحقائق فاعتنوا بأمر التفكير ومحاولة إقامته<strong>على</strong> أسس من التجريب العلمي وجعله عنصرا أساسيا في العملية التربويةبل نظروا إليه <strong>على</strong> أنه هو الهادي لها (١٤٦) وهو قبس النور أمامها ليضيءلها الطريق حتى تحسن اسير.‏وبصدد ما قصده البراجماتيون من التفكير يذهب ديوي إلى أن التفكيرإن هو إلا محاولة تتم عن قصد ووعي بهدف الكشف عن الروابط بأفعالنا وما يترتب عليها من نتائج (١٤٧) وأنه ليس مجرد مرا^ة تعكس أحوالالواقع اوجود بل هو عملية مشاركة يتم خلالها إعادة تنظيم وتجديدظروف الواقع حتى تكون أنسب ولتحقيق رغبات وأهداف الإنسان والسيطرة<strong>على</strong> البيئة (١٤٨) .ولعلنا نستطيع أن ندرك هذا اعنى بصورة أكثر وضوحا لو تأملنا معديوي صورة التفكير بشكله البسيط كما يجري لدى الأطفال فأول ما يبدأالطفل الصغير يتوقع حدوث شيء تراه يبدأ في استخدام بعض مايجريأمامه دليلا <strong>على</strong> ما سيعقبه أي أنه يعطي حكما مهما كان هذا الحكمبسيطا ذلك بأنه يتخذ شيئا من الأشياء دليلا <strong>على</strong> شيء ا^خر وبهذا يدركعلاقة بينهما وكل و فكري عند الطفل بعد ذلك مهما بلغ من التعقيدليس إلا توسيعا وصقلا لهذا النوع البسيط من الاستدلال.‏ وكل ما يستطيعأحكم الحكماء أن يفعله هو أن يلاحظ مايقع ب يديه ملاحظة أوسع وأدقمن الطفل فيكون أكثر منه حيطة في أن يختار ا يلاحظه العناصر التيتشير إلى ماقد يحدث من الأمور.‏وكن بناء <strong>على</strong> ماسبق أن يز في التفكير اميزات واعاني الا^تية:‏١ التفكير ضرب من السلوك ومرحلة من سلوك متصل الحلقات (١٤٠) .٢ للتفكير من حيث هو عملية عقلية أدوات يستخدمها وهذه الأدواتهي مايعرف باعاني وما يقابلها في اللغة من ألفاظ.‏٣ لا يثار التفكير إلا إرضاء لحاجة أو رغبة (١٥٠) وإذا كانت الحاجة أمالاختراع فإنه كن أن يقال دون مغالاة إن الحاجة هي أم التفكير لأنه منأهم وسائل حل اشكلات وأسرعها (١٥١) .95


فلسفات تربوية معاصرة٤ يقتضي التفكير لكي يكون تأمليا أن يكون الفكر يزا من محتوياتهومن موضوعات التفكير دون أن يعني استقلالا تاما للذات افكرة وموضوعالفكر لأن ما نقصده هنا من يز الفكر عن موضوعاته إا هو من حيثما يتصف به من ‏«رمزية»‏ ومهما بلغ من رمزية فلا ننسى أصل نشأته وهوالخبرة والواقع.‏ويشرح ديوي كيف ينشأ التفكير فيقول إن كل عملية من عملياته تنشأعن وجود عمل أو حدث مستمر هو في وضعه الراهن ناقص لم يصل إلىختامه بعد ويتمثل معناه فيما سيصير عليه في النهاية.‏ وعنى ا^خر أنالتفكير لا ينشأ إلا عندما تكون الأشياء غير محققة وفي موضع شك (١٥٢)ذلك أن الشيء الكامل اع مضمون محقق لا يستثير التفكير وإا الذييستثيره هو ما ينتابنا ح نواجه مواقف تتسم بالحيرة والتردد والغموضفي فهم عناصر اوقف (١٥٣) .والتفكير بهذا إا هو عملية ‏«بحث»‏ ومن الخطأ أن نقصر كلمة ‏«البحث»‏Inquiry <strong>على</strong> العلماء بناء <strong>على</strong> هذا كما أننا إذا أخذنا بهذا اعنى فمعناه أننتائجه ‏(أي التفكير)‏ يجب أن تظل فروضا مؤقتة حتى تثبت الوقائع والحوادثصدقها (١٥٤) .بيد أن هذا لا ينبغي أن يفهم <strong>على</strong> أن التفكير لا يبنى إلا <strong>على</strong> الدوافعالشخصية فقط.‏ إنه <strong>على</strong> الرغم ا أسلفنا قوله يجب أن نبعد عن التحزبأو التعصب وألا نسمح لأهوائنا بالتأثير في تفكيرنا (١٥٥) . وإلا خرجنا عنالروح العلمي السليم بل إن ما نبغيه من ترق لشخصياتنا لا يكون إلا بقدرما نبذله من جهد لجعل تفكيرنا يشمل ما يجاوز مصالحنا فترتقي بذلكعواطفنا الاجتماعية وهنا يبرز الدور الخطير الذي ينبغي <strong>على</strong> التربية أنتقوم به وهو تنمية هذه العواطف حتى تساعد الفرد <strong>على</strong> تنمية قدرته <strong>على</strong>التحرر إلى حد كبير من عواطفه الشخصية كلما واجه موقفا يستدعيمنه التفكير.‏وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يعنى البراجماتيون حاولة رسم معالمللعملية التعليمية بحيث تسير في خطواتها وفقا لخطوات السير في الطريقةالعلمية وهذا ماكن بيانه من خلال تتبع هذه الأسس التي رسمها ديويا ينبغي أن تقوم عليه عملية التعليم:‏96


فلسفة التربية البراجماتيةأولا:‏ أن يجد الطالب نفسه في وضع خبرة حقيقي تنبعث منه مشكلةتكون نزلة حافز إلى التفكير.‏ ولن يتم هذا الشرط إذا اتسم العمل الذييوحي به الوضع بالرتابة أو الاندفاع بالهوى الوقتي فلابد أن تؤدي الخبرةاتاحة إلى ميدان جديد لم يألفه الطالب من قبل حتى تنشأ اشاكل التيتشكل الدافع إلى التفكير (١٥٦) . ولا يترك ديوي الأمر <strong>على</strong> عواهنه بل يضعمعايير يز بها ب اشاكل الصحيحة واشاكل ازيفة حتى لا نقع فيماوقع فيه كثيرون من ‏«افتعال»‏ اشاكل حتى يتم التفكير ومن هنا فلنسأل:‏أ هل صدرت اشكلة صدورا طبيعيا من وضع يقوم <strong>على</strong> الخبرةالشخصية أم هي غير ذلك مشكلة يراد بها تعليم موضوع دراسي فقط لاغير?‏ وهل هي من نوع تلك المحاولات التي تدفع بالتلميذ إلى القياملاحظات وتجارب خارج ادرسة?‏ب هل هذه اشكلة تخص الطالب نفسه أم هي مشكلة معلم أو كتابتحولت إلى مشكلة للطالب لأنه لا يستطيع أن ينال الدرجات اطلوبة أوينتقل من فرقة إلى فرقة أو يكسب رضا اعلم ما لم يقم بحلها?‏ثانيا:‏ ومادام التفيكر يتخذ من الأعمال والحقائق والحوادث مادة لهفلابد أن يستند الإنسان في معالجة ما يواجهه من صعاب إلى مثل هذهالوقائع والحقائق (١٥٧) وإن لم تكن كل الصعاب ا كن أن يفعل ذلك.‏ إذإن كثيرا من الصعاب ما يعمل <strong>على</strong> توقف التفكير وتيئيس الإنسان منحلها.‏ وقد وقعت التربية التقليدية في خطأ الظن بأن مواجهة التلميذشكلات تنطوي <strong>على</strong> صعوبة بالغة ا بشحذ التفكير ويستثيره.‏ إن هذالبهتان مب‏!‏ وأكثر منه أن نقع في الجانب اقابل بأن نعرض التلميذ لأمورتبلغ من اليسر حداً‏ لا يجد معه مشقة في التغلب <strong>على</strong> ما قد تنطوي عليهمن صعاب ومشكلات والسبيل السليم هو أن تكون اشكلات التي يتعرضلها التلاميذ ا يكو َّن لهم من خبراتهم ااضية والحالية ماكن أنيستخدموه في معالجتها.‏ولكن هل يعني ذلك أن يقتصر الطالب <strong>على</strong> مالديه في خبرته الشخصيةالحاضرة أو ااضية من وقائع وحقائق لحل ما يواجهه من مشكلات?‏ كلاإذ ليس هناك ما نع بل لابد من أن ينتفع بخبرات غيره إذ إن ذلكيساعده <strong>على</strong> توسيع نطاق خبرته الشخصية وتعميقها دون أن يجعلنا ذلك97


فلسفات تربوية معاصرةنفرط في الاعتماد <strong>على</strong> مثل هذا النوع من الخبرات وإلا فسوف يتعودالتلميذ الاعتماد <strong>على</strong> غيره والاعتماد <strong>على</strong> الكتب فيما يستمده من وقائعوحقائق ويضعف قدرته <strong>على</strong> التفكير والاستدلال.‏ثالثا:‏ ثم إن البحث العلمي مهما كانت الوقائع ضرورية له فإنه ينشدشيئا غير موجود إذ إن هذه الوقائع تثير لنا اقتراحات تتخطى ماهو كائنفي الوقت الحاضر وماهو بالفعل في الخيرة من حقائق وهي تنبئنا ايحتمل من نتائج أي بالأشياء التي كن عملها لا بالحقائق وهي الأشياءالتي سبق عملها (١٥٨) ومن هنا كان لزوم الخيال للباحث العلمي ولزومهكذلك للعملية التربوية فيه نقفز من الوقائع التي أمامنا إلى عوالم جديدةحيث الاختراع والابتكار.‏ ولا ينبغي أن يتبادر إلى الأذهان أننا هنا نتنكرللاتجاه العلمي ذلك لأن هذا الانتقال ا هو موجود إلى ماهو غير موجوديعد عملية استدلال ومعنى هذا أن تعتبر التربية التفكير مبتكرا مادامفهما لاعتبارات لم تكن مفهومة قبل ذلك ومن ثم وجب أن نعمل <strong>على</strong> أنتكون الظروف ادرسية ا يشجع <strong>على</strong> التعلم عنى الاكتشاف والابتكارلا عنى تكديس اعلومات.‏رابعا:‏ أن الأفكار تظل ناقصة مادامت أفكارا ومن هنا فهي مؤقتة ومنقبيل الاقتراحات والتطبيق وحده هو محك اختبارها وهو الذي يلبسهالباس الحقيقة ويكسبها كمال اعنى (١٥٩) ومن ثم كان من الضروري أننُغني الحياة ادرسية بكثير ا كن أن يكون فرصا لتجريب الأفكارواعلومات واختبار صحتها وإلباسها لباس الحقيقة والواقع كأن تجهزادارس باعامل والحقائق والورش وبكثير من استعمال الحفلات ا فيهامن روايات وفنون التمثيل والألعاب.‏إن تنمية عادات التفكير بالطريقة التي أسلفنا ذكرها شيء مهم وضروريبالنسبة إلى التربية وهي لكي تقوم بهذه اسؤولية لابد لها من أن تزودالتلاميذ باتجاهات مثل (١٦٠) :١ العقلية اتحررة .Open - Mindness ويعنى بها التحرر من التعصبوالانحياز وألا توصد عقول التلاميذ دون ما يستجد من مشكلات وا^راءوإن كان هذا لا يعني أن تفتح عقول التلاميذ <strong>على</strong> مصراعيها لكل جديدقادم بغير نقد واختبار ومن ثم فإن العقلية اتحررة هي التي تكون لديها98


فلسفة التربية البراجماتيةالرغبة الحقيقية في الاستماع إلى وجهات النظر والالتفات إلى جمع الحقائقمهما كان مصدرها وحساب جميع الاحتمالات والاعتراف بجواز الوقوعفي الخطأ.‏ كل ذلك دوا تحيز إلى جانب أو حقيقة أو احتمال <strong>على</strong>حساب ا^خر.‏ إن ذلك نح تفكيرنا حياة وحركة وقدرة <strong>على</strong> القيام بأيمجهود عقلي يتطلبه ما قد يبرز أمامنا من مشكلات.‏ ومثل هذا الأمر ليسسهلا هينا فكثيرون منا قد تدفعهم اخملاوف اللاشعورية إلى أن يتخذواموقفا دفاعيا من كل جديد (١٦١) . وادرسة كن أن تسهم في إزالة هذهالعقبات بأن تعرض التلاميذ واقف تنمي فيهم حب الاستطلاع وكيفيةإشباع ذلك بالنشاط انتج.‏٢ الإخلاص .Whole-heartedness وهل ينكر أحد منا أنه عندما يشعربانجذاب إلى شيء ما واهتمام به ينصرف إلى التفكير فيه بكل جوارحه?‏إن هذا يؤكد صدق القول إن الاهتمام اشتت عدو خطير للتفكير والتفكيريتعرض ثل هذا التشتت إذا لم يقم <strong>على</strong> ايل والرغبة والتعاطف.‏ ومنأسف أن ادرسة كثيرا ماتكون عاملا في تشتيت اهتمام التلميذ وانتباههومن ثم في إضعاف مقدرته <strong>على</strong> التفكير فيما يعرض له من أمور داخلادرسة.‏ وذلك عندما تقيم برامجها وموادها الدراسية <strong>على</strong> أسس بعيدةبعدا تاما عن ميول التلاميذ وحاجاتهم.‏ صحيح أنه في معظم هذه الأحوالنجد التلاميذ منصرف با^ذانهم وعيونهم إلى أساتذتهم وهم يشرحون بيدأن عقولهم لا كن أن تكون داخل الفصل مادامت هناك أمور أخرى تستقطباهتمامهم وميولهم وهم إا يضطرون إلى مثل هذه الاتصالات لا لشيءإلا لخوفهم ا قد يلقونه من عقاب أو إلى شعورهم بضرورة حفظ مايقال حتى كن لهم أن روا في امتحاناتهم بسلام.‏٣ اسؤولية .Responsbility وقد يتبادر إلى الأذهان أن مثل هذا الاتجاهيفيد في النواحي الأخلاقية ولا صلة له بأمر عقلي كالذي نحن بصددهولكن هذا غير صحيح فاسؤولية الأخلاقية إذا كانت تعني أن ينتبه الإنسانإلى عواقب كل خطوة يخطوها وألا يخطو خطوة إلا إذا كان <strong>على</strong> وعيبنتائجها وبقدرته <strong>على</strong> تحمل مايترتب <strong>على</strong> هذه النتائج من مسؤولية فإنمثل هذا الاتجاه ضروري لتنمية عادات التفكير السليمة فكثير من الناسيعتنقون مبادىء ثم يهربون عندما تواجههم بنتائجها (١٦٢) ولا كن بأي99


فلسفات تربوية معاصرةحال من الأحوال أن يعد هذا طريقا سليما للتفكير.‏ وادرسة تسهم فيإيجاد مثل هذه العادة السيئة لدى التلاميذ عندما تقدم لهم مواد دراسيةبعيدة عن خبراتهم وواقعهم أو فوق مستوى مداركهم ذلك لأنهم حينمايواجهون مثل هذا اوقف سيتعودون <strong>على</strong> استخدام مقياس للقيم والحقائقداخل ادرسة لا يستخدم في خارجها ومن ثم فإنهم يشعرون باضطرابوزق فكري.‏ومن اعروف أن ‏«طريقة اشروع»‏ كانت من أبرز التطبيقات في عالمالتربية للفلسفة البراجماتية <strong>على</strong> وجه العموم ولوجهة نظرهم <strong>الخاصة</strong>بقضية التفكير <strong>على</strong> وجه الخصوص.‏ ونحن نحيل القارىء إلى الكتباتخصصة في اناهج وطرق التدريس فسوف يجد فيها الكثير عن هذهالطريقة.‏التوجيه الاجتماعي للتربية:‏ولعل ذلك الإلحاح الحوظ لدى البراجماتي لإيضاح وتوثيق الصلةب الفلسفة والتربية مظهر يريدون من خلاله أن يبينوا أنهم كانوا <strong>على</strong>وعي بوظيفة الفلسفة الاجتماعية وما اختيارهم للتربية كمعمل لاختبارصحة الا^راء وابادىء الفلسفية إلا تأكيد لقدرة التربية <strong>على</strong> التغيير والتحويلفي عالم يكاد الفكر فيه يعجز عن ملاحقة مايحدث من تغير وتحول (١٦٣) .وهذا هو جون ديوي فيلسوف التربية البراجماتية يقول (١٦٤) :١ إن التربية ظاهرة طبيعية في الجنس البشري قتضاها يصبح ارءوريثا ا كونته الإنسانية من تراث ثقافي.‏٢ وبالتقليد والمحاكاة تتم هذه التربية بطريقة لا شعورية بحكم معيشةالفرد في اجملتمع ومن ثم تتاح للحضارة الإنسانية النقلة من جيل إلىا^خر.‏٣ التربية اقصودة تتطلب دراية بنفسية الطفل من جانب وحاجاتاجملتمع من جانب ا^خر.‏ومن هنا يتضح وجوب اعتماد التربية <strong>على</strong> جانب‏:‏ جانب نفساني وجانباجتماعي دون أن نخضع أحدهما للا^خر.‏ وتفسير ذلك أننا لو أقمنامجهوداتنا التعليمية غافل مراعاتها لنشاط الطفل الخاص وقواه فسوف100


فلسفة التربية البراجماتيةتنقلب التربية إلى عملية قسر وضغط من الخارج.‏ ويؤدي بنا كذلك فقدانالوعي بالبناء النفسي للفرد ونشاطه إلى أن تتسم العملية التربوية بالعشوائيةوالتعسفية هذا من جانب ومن جانب ا^خر نجد أن الوعي ا يكون عليهاجملتمع من أحوال وظروف وا تقوم عليه الحضارة من أسس ومبادىءوما تنتهي إليه من نتائج وأفكار شرط جوهري يوفر لنا القدرة <strong>على</strong> فهموتفسير قوى الطفل تفسيرا علميا سليما ذلك أن الطفل له من الغرائزوايول التي لن تقف <strong>على</strong> ما تدل عليه إلا عندما نعرف ما مقابلاتهاالاجتماعية والتي لابد لنا من تتبع جذورها في أرض ماضيها الاجتماعيوتفهمها <strong>على</strong> أنها ميراث ماقام به الجنس البشري من نشاط في فترةسابقة وأخيرا لابد أن تكون لدينا صورة كن أن نرى فيها هذه الغرائزوايول في أحوالها استقبلة وإلى أي هدف ستصير إليه (١٦٥) .وإذا كان البعض يعترض بأن التربية في جانبها النفسي مجدية وشكليةمن حيث إنها تنمية القوى العقلية دوا فكرة عن استخدامها وبأن التربيةفي جانبها الاجتماعي كذلك عندما تصبح مجرد تهيئة الفرد للتوافق معالحضارة تصبح عملية قسرية برانية وتعمل <strong>على</strong> إخضاع حرية الفردلأحوال اجتماعية وسياسية قد قررت من قبل إلا أن هذه الاعتراضاتواخملاوف لا تكون كذلك إلا إذا اقتصرنا <strong>على</strong> جانب واحد دون الا^خر إذ إنالتكامل ب الاثن يؤدي إلى تلافيها بل إن هذا التكامل ليعد أمرا جوهريا لأنه من استحيل بالنسبة لنا أن نعرف أي قوة نفسية إلا إذا عرفنا غايتهاأو منفعتها أو وظيفتها وهذا لا كن أن يكون إلا بإدراك الفرد في حالةنشاطه متصلا بالعلاقات الاجتماعية ومن ناحية أخرى فإن ماكن أننقدمه للطفل من توافق في ظل الظروف القائمة هو ذلك التوافق الذييتأتى عندما يستخدم الطفل كل قواه (١٦٦) .وقد ب ديوي اجتماعية التربية بعملية ييز أوضح معناها ب الكائناتالحية والكائنات الجامدة أولا ثم في داخل سلسلة الكائنات الحية نفسهاب الإنسان والحيوان ثانيا.‏ وبيان ذلك هو أننا نستطيع أن نفرق ب الكائناتالجامدة <strong>على</strong> أساس أن الأولى تستطيع أن تحافظ <strong>على</strong> كيانها بينما الثانيةلا تستطيع ذلك فأنت تستطيع مثلا أن سك بالحجر أو قطعة الخشبفتفتتهما دون أن لكا من أمر نفسهما شيئا كي يحافظا <strong>على</strong> كيانهما أما101


فلسفات تربوية معاصرةالكائن الحي فهو مهما تعرض لقوى تحاول تحطيمه وإماتته إلا أنه يبذلالجهد لتلافي ذلك محافظة منه <strong>على</strong> كيانه بالإضافة إلى ما يبذله منجهد لتكييف نفسه وفق بيئته (١٦٧) . ولكنا نجد أن الكائن الحي مهما أفلتمرة تلو الأخرى من خطر الدمار واوت إلا أنه لابد أن يفنى مع الزمنووت.‏ فالكائن الحي بحكم طبيعته لا يستطيع أن يجدد نفسه إلى ما لانهاية بيد أن عملية الحياة تسير وتتولد في تعاقب مستمر (١٦٨) ومن هناقيل بحق إن الحياة تجدد نفسها بالنقل.‏وإذا كان هذا صحيحا بالنسبة إلى الجماعة عناها البيولوجي فهوصحيح أيضا بالنسبة إليها باعنى الثقافي وهنا تختلف الجماعة الا^دميةعن غيرها من جماعات الحيوانات اخملتلفة فعملية النقل لأنها تتم بالطريقالبيولوجي فقط عند الحيوانات نجد أن شكل جماعاته هو هو لم يتغيرعبر الأجيال والعصور.‏ أما الجماعة الا^دمية فهي ليست مجرد مجموعةمن الذوات الا^دمية ذات الطبائع الفسيولوجية البيولوجية اعينة فحسبوإا هي مجموعة من الأفراد الذين تربطهم وحدة اكان والثقافة وماتتضمنه هذه الوحدة من علاقات متبادلة ومصالح مشتركة أو ما تتطلبهمن تبادل تام في الفكر ووحدة نامية في التعاطف الوجداني (١٦٩) هذا إلىجانب أن البيئة التي بوساطتها يحيا الفرد وتعيش الجماعة لا تقتصر <strong>على</strong>الناحية اادية وإا هي من جانب ا^خر اجتماعية وهي في هذا الجانبلا تقل أهمية عن الجانب اادي من حيث مد الفرد والجماعة قوماتالحياة والدوام والبقاء.‏إن الفرد في أي جماعة يدرك ام الإدراك أن نشاطه مرتبط بنشاطغيره ومن ثم فلا يتوقف نجاحه في تحقيق ماينزع إليه أو يهدف <strong>على</strong>نشاطه وحده بل إن الفرد بحكم طبيعته يسعى إلى أن يكيف مناشطهتبعا ا ارتضته الجماعة لنفسها من معايير ومقاييس وأهداف ومثل;‏ لأنهيريد أن يشعر برضاء الجماعة عنه وباعتزازها به وتقديرها له كعضو نافعومهم بالنسبة إليها فتلك حاجة اجتماعية لا يستطيع الفكاك منها.‏ ومنهنا كان القول إن أعمال اجملتمع ومناشطه تعد عنصرا أساسيا من عناصربيئة الفرد يؤثر في نشاطه وخبراته ويوجهها فمشاركة الفرد في حياةالجماعة تثير فيه نزعات ودوافع تدفعه إلى نشاط له أغراض معينة يتمثلها102


فلسفة التربية البراجماتيةأي أنها تؤدي إلى تكوين اتجاهات نفسية معينة لديه توجه سلوكه وتشكلشخصيته ومن هنا أيضا كانت اجتماعية التربية وكان اعتماد اجملتمععليها كوسيلة لاستمرار كيانه ووجوده وذلك بنقل عادات العمل والتفكيروالشعور من الكبار إلى الناشئ (١٧٠) وذلك دون أن يعني هذا أن يقفالأمر عند حد نقل التراث الثقافي كما تركته الأجيال السابقة بل لابد منتطويره وتنقيته ا عسى ألا يكون متوافقا مع ما جد من ظروف وأحوال.‏ولا تتضح اجتماعية التربية فيما تقوم به عملية النقل والتطوير للتراثالثقافي فحسب ولكنها تتضح كذلك فيما نلاحظ من اختلاف الا^دميعن سائر الكائنات الحية الأخرى في اتساع الهوة ب خبرة الصغار وخبرةالكبار الراشدين (١٧١) . ففي الحيوانات نجد أن الفرق ب خبرة صغار القطط مثلا وكبارها ضئيل إلى الحد الذي لا يتطلب من هؤلاء الصغار إلا أيامامعدودة حتى يتم نضج أعضائها الحسية فتستطيع بذلك مشاركة حياةالكبار في يسر وسهولة.‏ وهذا أمر لا نجده عند الإنسان إذ يحتاج الطفلإلى سنوات عديدة يظل فيها عاجزا يعتمد <strong>على</strong> الكبار الراشدين والتربيةهي السبيل إلى تقريب ماب كبار الجماعة وصغارها من شقة.‏ولعل طبيعة العصر الذي نعيش فيه الا^ن تعد من أقوى الدعائم التيكن الاستناد إليها في توجيه التربية التوجيه الاجتماعي السليم.‏ فعصرنااليوم عصر تغير جذري وسريع بفضل ما اصطنعه الإنسان من وسائلالتجريب العلمي التي كشفت لنا عن نتائج لا نظن أن أحدا كان قد حلم بهامن قبل فقد حلت الا^لة مكان الأيدي البشرية وقامت الصناعة الثقيلةوالخفيفة وتدفقت جموع الناس من القرية إلى ادينة وتأثرت الزراعةمن حيث إنتاجها وأساليبها وحجمها ا استعمل فيها من وسائلتكنولوجية (١٧٢) . وزاد الإنتاج وتضخم رأس اال وتعددت مصادر الثروةواشتد التخصص في العلم والعمل وتشابكت أجزاء العالم وأطرافهوتحطمت العزلة ب الشعوب والأ بحيث أصبحت الحدود السياسيةوكأنها خطوط <strong>على</strong> خريطة من الورق كن أن تتغير وتتبدل في أي لحظةوبكل سهولة (١٧٢) . وكثرت وسائل النقل والاتصال السريع..‏ إلى غير ذلك منصور التغير الاجتماعي.‏وإذا كانت اسألة كما يقول ‏«لينتون»‏ هي ما من اختراعات واكتشافات103


فلسفات تربوية معاصرةخملتلف العدد والا^لات فكثير من الا^لات ابتكرت واخترعت منذ قد الزمانوإا اسألة في هذا التقدم مسألة ما ابتكره الإنسان من حيث منهجالاختراع بحيث لم يعد التقدم التكنولوجي خاضعا لعوامل اصادفةوإا الضبط العلمي سبيله وديدنه (١٧٤) . وإذا كان الأمر هكذا فإن السبيلإلى غرس أصول ومبادىء مثل هذا انهج في تضاعيف عقول وقلوب الناشئةإا هو التربية.‏ثم إن ما يحدث من تقدم في اجملال التكنولوجي والاجتماعي لا يسيرانكما هو معروف بطريقة متوازية فدائما مايحدث أن يسبق التقدمالتكنولوجي التقدم الاجتماعي ا يسبب مايسمى ب ‏«الهوة الثقافية»‏(١٧٥) Cultural lag التي تسبب كثيرا من ضروب سوء التكيف الاجتماعي.‏ ثمإن هذه السرعة اذهلة في التغير بصفة عامة تزعزع كثيرا من اعتقداتواثل التي يل الإنسان بطبيعته إلى أن يتخذ منها أرضا ثابتة يحيا عليهاويعيش أو يسعى قتضاها في حياته الاجتماعية (١٧٦) فهذه الأسباب وغيرها تبرز الدور الطليعي القى <strong>على</strong> عاتق التربية لخدمة اجملتمع.‏والتربية لكي تتمكن من تأدية هذه الوظيفة الاجتماعية يجب أن تجعل منالحياة الاجتماعية نفسها مركزا تقوم عليه العملية التربوية حيث إنها هيالتي تقدم لجميع جهود الطفل وغاياته وحدتها اللاشعورية وأساسها (١٧٧) .وقد أدت هذه النظرة الاجتماعية إلى التربية بفلاسفة التربية البراجماتيةإلى أن يفصلوا القول في وظيفة ادرسة من حيث إنها الأداة التي تعالتربية <strong>على</strong> تحقيق وجهتها فأوجبوا ضرورة تخلي ادرسة عن صورتهاالتقليدية حيث كانت معدة ل ‏«صب»‏ اعلومات واعارف وحشرها في عقولالتلاميذ وأدمغتهم لتتحول إلى وذج تتمثل فيه الحياة الحاضرة الحياةالتي تشبه في واقعيتها وأهميتها للطفل حياته في البيت أو البيئة اجملاورةأو الفناء الذي يلعب فيه.‏ويرى ديوي أن خير وسيلة تع ادرسة<strong>على</strong> ذلك هي أن تكون مثلالورشة أو اعمل تحوي الأدوات واعدات التي كن أن يبنى بها الطفلويخلق ويبحث بنشاط.‏ ‏«فادرسة هي صورة لحياة اجملتمع تتركز فيها كلتلك الوسائط التي تهيىء الطفل للمشاركة في ميراث الجنس ولاستخدامقواه <strong>الخاصة</strong> لتحقيق الأهداف الاجتماعية (١٧٨) . ومن طريف مايذكره ديوي104


فلسفة التربية البراجماتيةبهذا الصدد أنه عندما أنشأ مدرسته التجريبية ذهب يبحث عن ‏«تخت»‏وكراسي تناسب حاجات التلميذ من حيث النواحي الفنية والصحية والتربويةفوجد صعوبة بالغة في العثور <strong>على</strong> طلبه هذا وأخيرا أبدى له صاحبمحل يبدو أنه كان أذكى من السابق ملاحظة مهمة وهي أنه لن يجد مايريده لأنه يريد شيئا يصلح لأن يعمل عليه التلاميذ وينشطون بينما سائرالتخت والكراسي اعدة في السوق إا أعدت للاستماع (١٧٩) .وادرسة حيث تتخذ من نفسها صورة للحياة الاجتماعية كن لهابشيء من التوجيه أن كن التربية من أن تصبح بحق الطريقة الأساسيةللتقدم والإصلاح الاجتماعي ذلك أن كل إصلاح لا يعتمد إلا <strong>على</strong> قوةالقانون أو الرهبة من بعض العقوبات أو التغيير في التنظيم الخارجي أوالا^لي هو إصلاح عارض ليس له أية قيمة!‏إن ادرسة إذا استطاعت أن تحقق ماهو مفروض منها في الحياة فيواقع اجملتمع شاكله وبتطلعاته نحو استقبل (١٨٠) وإذا استطاعت أنتدرب كل طفل <strong>على</strong> أن يكون عضوا داخل جماعته الصغيرة يعمل <strong>على</strong>خيرها وفلاحها وأن تنشئه مشبعا بروح الخدمة العامة وأن ده بالأدواتالتي يستطيع بها أن يحسن توجيه نفسه فإننا كن أن نطمئن إلى أنناسنظفر باجملتمع الذي نصبو إليه لأن ادرسة عندئذ لن تقتصر <strong>على</strong> أداءما كان يظن بها من أنها وسيلة للمحافظة <strong>على</strong> التراث فقط بل ستؤكدوظيفتها التجديدية الإبداعية (١٨١) .المنهج الجديد:‏وانهج اقصود هنا هو ‏(انهج ادرسي)‏ والذي ثل ‏(قلب)‏ العمليةالتعليمية ومحتواها ليس باعتباره ‏(مقررا)‏ يحتويه كتاب مدرسي وإاباعتباره مجموعة خبرات ربها التلميذ داخل ادرسة وخارجها تحتتوجيه وإشراف ادرسة.‏والذي دعا البراجماتي إلى التفكير في منهج جديد هو أننا نواجهمواقف جديدة باستمرار وتظهر لنا أهداف جديدة.‏ ومعرفتنا القدةوعاداتنا األوفة تزج دائما بالظروف الجديدة فتظهر نتائج جديدة.‏ وهكذاتتراكم الثقافة:‏ فمعارف جديدة تكتشف وفروق جديدة تتميز واتجاهات105


فلسفات تربوية معاصرةجديدة تتكون وأساليب جديدة تتقن.‏ وهكذا تزيد الكفاية وينمو الذكاءالاجتماعي.‏ ويجب والحالة هذه أن ينمو ذكاء الفرد عن طريق مشاركتهفي المحصول الثقافي الجديد (١٨٢) .وفي وسط الظروف اتجددة أبدا تظهر أهمية التفكير لأن العاداتاألوفة لم تعد تكفي واجهة اواقف الجديدة.‏ فكل موقف جديد ينطوي<strong>على</strong> مشكلة تتطلب الدراسة والتفكير وهنا نجرب أحسن مافي جعبتنامن خطط التفكير ونلاحظ مدى فائدتها وجدواها في هذا اوقف.‏ وهكذافكل برنامج جديد هو نزلة تجربة فنحن وسط الظروف اتغيرة نحياحياة تجريبية ولا مفر لنا من ذلك ولم تعد التربية والحالة هذه مجردعملية تحصيل لأشياء متوارثة وهكذا أصبحت التربية هي الأخرى عمليةتجريبية.‏ومن أهم ملامح انهج الجديد أن يتقدم الطفل في نظر البراجماتياادة الدراسية وهذا هو النقد الذي يوجهونه إلى انهج القد فقد وضعانهج القد اادة الدراسية قبل الطفل ثم يتم ثني الطفل بل كسره كلمااحتاج الأمر ليناسب انهج (١٨٣) . والطريقة الوحيدة لتقد الطفل هي أننهتم في المحل الأول بحياته الحاضرة حتى تكون حياة ناشطة سعيدةوحتى تتهيأ للتلاميذ الفرصة واجهة الحياة ذاتها ا يلائم أعمارهموحالتهم كما يتراءى لهم ومتى واجهوا مواقف الحياة <strong>على</strong> هذا النحوفإنهم يتعلمون معالجة هذه اواقف بشكل بنائي بالقدر الذي يساعدهم<strong>على</strong> أن يتعلموه.‏ أما اادة الدراسية إذا وجد بنا الحرص عليها فإنهاستلعب دورها بهذه الطريقة بشكل أفضل وسيرد منها قدر أكبر وإن كانمن نوع ا^خر غير الذي يوجد في ادرسة التقليدية وبترتيب ا^خر أيضا.‏ومن هذا فلنا أن نتساءل:‏ مامغزى هذا بالنسبة لبناء انهج وبصفةخاصة ما الوحدة التي ينبني منها منهج ادرسة?‏ذهبت الطريقة القدة إلى أن انهج يتكون من مواد دراسية وأن كلمادة تنقسم إلى دروس ولهذا كانت وحدة بناء انهج عبارة عن قطعة مناادة الدراسية تقدم للفصل من أجل استيعابها.‏ و<strong>على</strong> هذا النحو كانتادرسة إعدادا للحياة حقا إن الطفل كان يعيش في أثناء وجوده كتلميذإلا أن ادرسة كانت تهتم بالحاضر كفترة تحصيل انتظارا ستقبل كن106


فلسفة التربية البراجماتيةأن تستخدم فيه هذه اادة التي حصلها الطفل.‏ وفي الحق أيضا أن كثيرامن ادرس امتازين قد حاولوا أخيرا أن يعلموا موادهم الدراسية بحيثتساعد الأطفال <strong>على</strong> النمو في الحاضر إلا أن انهج واهتمام ادرسأيضا بصفة عامة كان موجها أولا وأخيرا تبعا للمقتضيات الرسمية نحواادة الدراسية.‏ وإذا كان لابد أن يخضع أحد الطرف للا^خر فقد كان هوالتلميذ وليس انهج وهذا هو المحك:‏ من الذي يجب أن يخضع لحاجاتالا^خر في النهاية:‏ التلميذ أم انهج?‏إن هذا انهج القد كان يؤيده علم نفس يؤكد الاستيعاب والتدريبويقلل من التفكير الابتكاري بل إنه كان يتشكل في أن معظم الناس يستطيعونأن يفكروا إطلاقا.‏ وكان التعلم يعتبر أساسا مسألة تكرار والتشويق وهيكلمة بغيضة نشأت من أن اادة مكروهة بطبيعتها وسيلة لجعل التكرارمستساغا (١٨٤) .أما التربية الجديدة فإنها تلتمس وحدة انهج فيها في ضوء علمالنفس الحديث الذي يبدأ بالحياة كعملية سعي وراء أغراض وأهداف.‏و<strong>على</strong> ذلك فإن خبرة تربوية مرغوبا فيها توجد حيثما يواجه شخص ماموقفا من اواقف يتحداه فيتصدى هو واجهته.‏ ومثل هذه الخبرة تحتوي<strong>على</strong> عناصر جديدة بالنسبة له ويجب أن يعالجها بطريقة ابتكارية.‏ وسيتعلممن جميع النواحي في سياق استغراقه بكل قلبه فيما يعمل في اوقف.‏ أمادورنا فهو أن نوجه تلاميذنا حتى تزداد دائما قدراتهم <strong>على</strong> توجيه أنفسهمفي مواجهة مواقف الحياة.‏ولقد اضطرب بعض الذين كانوا يفكرون في انهج <strong>على</strong> أنه مادة محددةعندما رأوا أنه يوصف في كتابات البراجماتي بأنه عملية معيشة.‏ ويعتبرهذا التحول من النظرة الجامدة للمنهج <strong>على</strong> أنه مادة إلى النظرة الديناميكيةله <strong>على</strong> أنه عملية معيشة جزءا من اتجاه شامل ساد تطور الفكر دة ثلاثةقرون تقريبا.‏وبناء <strong>على</strong> هذا فإننا نبدأ بالحياة <strong>على</strong> أنها عملية تفاعل متطور بالكائن الحي وبيئته.‏ وأمامنا هنا جانبان لهذه العملية:‏ الجانب الأول هوالطفل النامي.‏ والجانب الثاني هو الجماعة المحيطة والحياة الثقافيةالتي ينمو الطفل في وسطها والتي يسهم فيها باطراد متزايد والتربويون107


فلسفات تربوية معاصرةالذين يهتمون بالجانب معا يتمنون بالنسبة للطفل أن يعيش وهو ينموبالتدريج عيشة كاملة وسعيدة ويتمنون بالنسبة للجماعة أن يسهم الطفلإسهاما مثمرا مصحوبا بالشعور باسؤولية في تقدم الحياة الاجتماعيةاشتركة (١٨٥)وعندئذ يصبح انهج عبارة عن حياة الطفل كلها تلك الحياة التيتضطلع ادرسة سؤوليتها.‏ وهناك أغراض معينة توجه نشاط ادرسةفي اجملتمع الدقراطي الحديث.‏ فنحن نهدف إلى أنه كلما كبر <strong>أطفال</strong>نازاد ذكاؤهم وزادت قدرتهم <strong>على</strong> استخدام هذا الذكاء في توجيه أنفسهموزادت شخصياتهم قوة وخصبا ونحن نريد لهم أيضا أن يسهموا إسهامامطردا منتجا في حياة الجماعة <strong>على</strong> أساس الاعتبار الكافي صالح الا^خرين.‏وعندما نظر البراجماتيون إلى انهج <strong>على</strong> أنه عملية معيشة اعترضالبعض لخشيتهم أن تضيع بعض الحاجات الأساسية التي كن رؤيةأهميتها مقدما كالقراءة والكتابة والهجاء والحساب وغيرها في سياقعملية تعلم تبدو لهم أنها عشوائية وهم يخشون أيضا أن تضيع بعضالقيم القدة التي لا تزال ضرورية مثل الإتقان واستمرار عملية التعلموالترتيب انطقي للمادة (١٨٦) .ويكرر البراجماتيون القول إن عملية الحياة أبعد ماتكون عن أن تكونعشوائية وأنها <strong>على</strong> عكس ذلك تتضمن كثيرا من التوجيه فعملية متابعةالغايات نفسها تحقق بدرجة ما يبذل فيها من جد وتحمس نوعا منالتربية س اعرفة بالشيء موضوع اتابعة وبالقدرة <strong>على</strong> متابعة الأشياءالشبيهة به وما العبارات التي تستعمل في هذا اعرض مثل ‏(تعلم بالخبرة)‏و(تعلم بالعمل)‏ إلا تعبيرات دارجة لحقائق مشاهدة تؤيد هذا اذهب.‏وإذا ذهبنا إلى أبعد من ذلك فإننا نجد أن حياة الجماعة المحيطةبالفرد تضيف دائما تأثيرها الانتقائي ادعم فالفرد الذي ينمو وسطجماعة ما يتشرب إلى أكبر حد ما يسود هذه الجماعة من اتجاهات وتقاليدفإن أي والد يدرك أهمية موافقة الأصدقاء أو عدم موافقتهم <strong>على</strong> سلوكالناشئ و<strong>على</strong> ذلك فمهما عظم أثر هذا التوجيه الضمني فإن أحدا لايدعي أنه كاف وقد وجدت ادارس بالضبط لعدم كفاية مثل هذا التوجيه.‏ومن هذه النقطة يبدأ اعتراض أولئك الذين يعارضون فكرة انهج كعملية108


فلسفة التربية البراجماتيةحياة فهم يتساءلون عما إذا كان هذا النوع من انهج يحقق بدرجة كافيةالقدر الضروري من التعلم.‏ و<strong>على</strong> حد قولهم:‏ هل تدرس اادة الدراسيةارغوب فيها كلها?‏ وهل يتحقق ما هو ضروري من إتقان اادة وتنظمها?‏ويجب كلباتريك عن هذه الأسئلة بأنه يتوقع تحصيل قدر أكبر من اادةالدراسية وبإتقان وتنظيم أفضل.‏ ويتوقع بالإضافة إلى ذلك بناء عقولأفضل وميول أكثر خصوبة ورقيا وشخصيات أحسن تكيفاً‏ وأرقى خلقاً.‏ومع ذلك فإن التساؤل هنا منصب أولا <strong>على</strong> اادة الدراسية ودرجة تنظيمهاوإتقانها (١٨٧) .أثر التربية البراجماتية في التربية في العالم العربي:‏واستقرىء لأحداث ووقائع التطور التربوي في العالم العربي ابتداءمن الربع الثاني من هذا القرن لا كن أن يغفل عن ذلك الأثر الكبير الذيتركته الفلسفة البراجماتية <strong>على</strong> التربية العربية فكراً‏ وتطبيقاً(‏‎١٨٨‎‏)‏ . وذلكمن خلال عدد من الرواد الأوائل للتربية في مصر مثل إسماعيل القبانيومحمد فؤاد جلال وغيرهما وكان مسرح الأحداث هو معهد التربية الذيأنشىء عام ١٩٢٩ ‏(كلية التربية بجامعة ع شمس الا^ن).‏ فقد اطلع القباني<strong>على</strong> تجارب البراجماتي التربوية وأعجب واقتنع بها فبذل جهودا ضخمةللسير <strong>على</strong> منوالها في مصر وبحكم موقعه في اعهد وأحيانا في السلطةالتعليمية طير البعوث واستقدم الأساتذة والخبراء وحث تلاميذه <strong>على</strong> ترجمةبعض الكتب التي كتبها البراجماتيون حتى أصبح صوت هؤلاء يعلو <strong>على</strong>غيره من الأصوات في ساحة التربية في مصر ومنها انتقل التأثير إلىمختلف البلاد العربية.‏والدارس للإنتاج الفكري التربوي اصري منذ ذلك الوقت يستطيع أنيلمس ذلك بوضوح فلم يحظ فيلسوف <strong>على</strong> سبيل اثال بترجمة عدد كبيرمن كتبه إلى اللغة العربية مثلما حظي جون ديوي.‏ ولم يكن رجال التربيةوحدهم في هذا بل شاركهم كذلك عدد من أساتذة الفلسفة في الجامعاتاصرية ولعبت مؤسسة أمريكية للنشر كانت تدعى ‏«فرانكل‏»‏ دورا ضخمافي تيسير سبل نشر الفكر الأمريكي في صورة طوفان ملحوظ استمر حتىخلال تلك السنوات التي كان اد الاشتراكي فيها قد بدأ يتضح في الساحة109


فلسفات تربوية معاصرةاصرية في أوائل الستينيات وحيث كانت العلاقات السياسية ب مصروالولايات اتحدة تشهد أسوأ عهودها.‏وكانت ادارس النموذجية مثل ‏(النقراشي)‏ و(الأورمان)‏ وغيرهما معملاضخما طبقت وجربت فيه العديد من الا^راء البراجماتية يستطيع القارىءأن يطلع عليها من خلال كتابات إسماعيل القباني مثل ‏«دراسات في مسائلالتعليم»‏ و«التربية عن طريق النشاط».‏ وفي كتابه الثاني هذا بالذات يصرحالقباني بأن طريقة اشروعات وهي الطريقة البراجماتية اشهورة هيخير الطرق التي كن أن تتبع في التربية.‏ ويدافع القباني عن هذه الطريقةضد الذين هاجموها بحجة أنها في اهتمامها بالنشاط والفاعلية من قبلالتلاميذ تكاد أن تهمل اواد الدراسية التي تعد محور العملية التربويةالرئيسي.‏ بل إنه في الفصل الأخير من هذا الكتاب يوضح أثناء دفاعهعن طريقة اشروعات أنها مؤسسة <strong>على</strong> فلسفة جون ديوي.‏كذلك كن أن نخرج بالنتيجة نفسها إذا تفحصنا كتابي ‏«التربية القومية»‏و«اتجاهات في التربية الحديثة»‏ لمحمد فؤاد جلال.‏والغريب حقا أنه حينما أظل الفكر الاشتراكي ساحة الثقافة فيالستينيات وبدا أنه من غير استساغ ولا اقبول أن يبدو أحد متأثرابالفكر الأمريكي بدأنا نرى الأفكار البراجماتية وقد تزيت بالزي الجديدوهو الاشتراكية مع ماهو معروف من التباين الفلسفي الكبير بينهما وإندل هذا <strong>على</strong> شيء فإا يدل <strong>على</strong> أن الروح البراجماتية قد دخلت رجالالتربية حتى النخاع إلى الدرجة التي جعلت البعض منهم يقولون بأفواههمما ليس في قلوبهم تبريرا لضرورة وأهمية النجاح في الحياة العملية وكأنصيحة وليم جيمس قد أتت أكلها في مصر ا يفوق ما ا^تته في الولاياتاتحدة نفسها!!‏ولعل هذا يوضح سببا مهما من أسباب فشل التربية في مصر في أنتواكب عملية التغيير الثوري في اجملتمع اصري منذ الخمسينيات فقدكانت القوان والقرارات والأحداث تسير في اتجاه سياسي واجتماعيواقتصادي يتباين مع ما كان يقر في العقول والقلوب التربوية التي كان لهاسلطة التعليم والتربية وإعداد اواطن‏.‏ بل لعلها توضح بعدا من أبعادمأساة قاسى منها اواطن اصري حيث كان كعربة يجرها حصانان واحد110


فلسفة التربية البراجماتيةإلى وا^خر إلى يسار وهو بينهما لا لك من أمر نفسه شيئا لأن كلاالسائق كان سك بالسياط يلهب بها ظهور من يريد أن يعترض ويناقش?!‏111


فلسفات تربوية معاصرةهوامش١ محمد عبدانعم الشرقاوي:‏ الولايات اتحدة أرضا وشعبا ودولة القاهرة النهضة اصرية١٩٥٦ ص .٩٢٢ ارجع السابق ص ٩٣.٣ هربرت شنيدر:‏ تاريخ الفلسفة الأمريكية ترجمة محمد فتحي الشنيطي القاهرة ١٩٦٤ص‎٥‎‏.‏٤ الولايات اتحدة أرضا وشعبا ودولة ص ١٠٥.٥ رالف كيتشام:‏ ثورة الفكر الأمريكي ١٧٥٠ ١٨٢٠ ترجمة ثابت رزق الله القاهرة النهضةاصرية د.ت ص ٢٣٤.٦ ارجع السابق ص ٢٤٣.٧ ارجع السابق ص ٣٦٩.٨ أحمد بهاء الدين:‏ حضارة اسدس والدولار مجلة العربي الكويت العدد ٢٦١ أغسطس١٩٨٠ ص .٧٩ ارجع السابق ص ٢٣٤.١٠ برتراند رسل:‏ تاريخ الفلسفة الغربية الكتاب الثالث الفلسفة الحديثة:‏ ترجمة محمدفتحي الشنيطي الهيئة اصرية العامة للكتاب القاهرة ١٩٧٧ ص ٤٨٦.١١ يقول ديوي هذا لأن ‏(رسل)‏ كان من الطبقة الأرستقراطية الإنجليزية.‏١٢ تاريخ الفلسفة الغربية الكتاب الثالث ص ٤٨٧.١٣ أحمد أم وزكي نجيب محمود:‏ قصة الفلسفة الحديثة.‏ القاهرة لجنة التأليف والترجمةوالنشر ١٩٣٦ ج٢‎ ص ٦٢٣.١٤ زكي نجيب محمود:‏ برتراند رسل سلسلة نوابغ الفكر الغربي القاهرة دار اعارف ص ٣٢.٣٣١٥ Printice Hall, Inc, Englewood .Blau, Joseph, L: Men ana Movements in America Philoso phyCliffs, N.J,p229١٦ شنيدر:‏ تاريخ الفلسفة الأمريكية ص ٣١٠.١٧ ارجع السابق ص ٣١١.١٨ Cambridge, Weiner, Philip: Evolution and the Founders of Pragmatism, Harvard University Press,1949, p.19١٩ p.97 Buchler, Justus: Charles Peirce’s Empircism, Kegan Paul Trench Trubner, London, 1939,٢٠ جون ديوي:‏ و البراجماتية الأمريكيةفي ‏(فلسفة القرن العشرين)‏ نشرها داجوبرت د.‏رونز.‏ ترجمها عثمان نويه.‏ القاهرة مؤسسة سجل العرب ١٩٦٣ ص ٢٣٢.٢١ ارجع السابق.‏٢٢ p.255-256 Men and Movements,112


فلسفة التربية البراجماتية(23)James, W: Pragmatism, Longmans Green and co.,N.Y,1943,p.207.٢٤ و البراجماتية الأمريكية ص ٢٤٤.٢٥ بيتر كاز:‏ تاريخ الفلسفة أمريكا خلال ٢٠٠ عام ترجمة حسني نصار القاهرة الأنجلواصرية ١٩٨٣ ص ٣٧٠.٢٦ زكي نجيب محمود:‏ نحو فلسفة علمية الأنجلو اصرية القاهرة ١٩٥٨ ص ١١٦.٢٧ يوسف كرم:‏ تاريخ الفلسفة اليونانية لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة ١٩٤٦ ص ٥٣.٢٨ زكي نجيب محمود:‏ مقدمة الترجمة العربية لكتاب جون ديوي انطق نظرية البحث داراعارف القاهرة ١٩٦٠ ص ٣١.٢٩ and ritchards, I.A.: The Meaning of Meaning, Kegan Paul, Trench, Trubner & Co .Ogden, C.KLondon, 1938 p.280.٣٠ p.282 Ibid(31)Peirce, C.S.: How to Make our Ideas Clear, in: The Philosophy of Peirce, Selected ed Writings, byJustus Lachler, Harcourt, Brace and Company N.Y.1940p.30٣٢ زكي نجيب محمود:‏ خرافة ايتافيزيقا الأنجلو اصرية القاهرة ١٩٥٣ ص‎٬٣‎ ٤.٣٣ Buchler, Charles Peirce’s Empericism, P113٣٤ زكي نجيب محمود:‏ نحو فلسفة علمية:‏ ص‎٨‎‏.‏٣٥ p114. Peirce’s Empericism٣٦ p.240 Blau, L.: Men and Movements in American, Philosohy,٣٧ p.240 Ibid,James, : Pragmatism, p.45٣٩ p.55. Peirce’s Empericism,٤٠ P.8. Peirce: Fixation of Belief In: The Philosophy of Peirce‎٣٨‎٤١ زكي نجيب محمود:‏ حياة الفكر في العالم الجديد ص ١٦٠.٤٢ p.248. Blau,٤٣ p.10. Fixation of Belief,٤٤ توفيق الطويل:‏ أسس الفلسفة النهضة اصرية القاهرة ١٩٥٥ ص ٧٩.٤٥ زكي نجيب محمود نحو فلسفة علمية ص ٢٥٥.٤٦ محمود زيدان:‏ وليم جيمس سلسلة نوابغ الفكر الغربي (١٠) دار اعارف القاهرة ١٩٥٨ ص.٦٥٤٧ James, William: Meaning of Truth, Longman Green, N.Y.1914p.XL٤٨ p.203 James: Pramatism,٤٩ p.204 IbidMeaning of Truth, p.217 - ٥٠٥١ p.115 Pragmatism,٥٢ p.103-106 Meaning of Truth,٥٣ محمود زيدان:‏ وليم جيمس ص ٦٩.٥٤ جود:‏ فصول في الفلسفة ومذاهبها:‏ ترجمة عطية محمود هنا وماهر كامل.‏ النهضة113


فلسفات تربوية معاصرةاصرية القاهرة ص ٢٦٧.٥٥ محمد فتحي الشنيطي:‏ وليم جيمس القاهرة الحديثة ١٩٥٧ ص ١١٨. ٬١١٧٥٦ p.216 James: Pragmatism,٥٧ محمود زيدان:‏ وليم جيمس ص ٧٨.٥٨ ارجع السابق ص ١٠٧.٥٩ زكي نجيب المحمود:»‏ انطق الوضعي الأنجلو اصرية القاهرة ١٩٦١ الفصل السادس.‏٦٠ زكي نجيب محمود:‏ حياة الفكر ص ١٨٧.٦١ زكي نجيب محمود:‏ دافيد هيوم سلسلة نوابغ الفكر الغربي (٧) دار اعارف القاهرة ١٩٥٧ص ٧١.٦٢ p.254 Blau,٦٣ محمود زيدان:‏ وليم جيمس ص ١١٧.٦٤ زكي نجيب محمود:‏ مقدمته للترجمة العربية لكتاب ديوي ‏(انطق نظرية البحث)‏ ص ١١.٦٥ p.79 Dewey: Logic, the Theory of Inquiry٦٦ p.7 Dewey: The Quest for CertaintyIbidp.7 ٦٧٦٨ p.8-9 Ibid,٦٩ p.10 Ibid,٧٠ New York 1917, p.7-14,8,12. ,.Dewey and Others: Creative Intelligence, Henry Holt and Co٧١ Ibidp59.٧٢ لعل هذه الوجهة من النظر تعد نتيجة منطقية لاعتبار ديوي التفكير نوعا من النشاط الذيلا يقل ‏(طبيعية)‏ عن الأكل والتنفس.‏Edmon, Irwin: John Dewey, His Contribution to The American Tradition, The Bobbs-Merril Company,New York, 1955, p. 29.٧٣ Pressp.50-57. Dewey, John: Essays In Experimental Logic, Chicago, University of Chicago 1916٧٤ p.3-4. Dewey: Logic, the Theory of Inquiry,٧٥ Ibidp.6٧٦ 1933p.71-75 Dewey, John: How We think, DÆCÆHeath, and Company, W,Y٧٧ ديوي:‏ انطق نظرية البحث الترجمة العربية ص ٢٠٠.٧٨ تاريخ الفلسفة الغربية ج٣‎ ص ٤٧١.٧٩ قصة الفلسفة الحديثة ج٢‎ ص ٦٢٥.٨٠ تاريخ الفلسفة الغربية ج٣‎ ص ٤٧٥. ٬٤٧٤٨١ محمد لبيب النجيحي:‏ الأسس الاجتماعية للتربية القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٧١ ص.٢٥٢٨٢ New York, 1951, p60 .Kilpatrick, WÆH: Philosophy of Education, Macmillan Co٨٣ وليم كلباتريك:‏ ادنية اتغيرة والتربية ترجمة عبدالحميد السيد وا^خرين القاهرة مكتبةمصر ١٩٥٨ ص ١٢.٨٤ ارجع السابق ص ١٧.114


فلسفة التربية البراجماتية٨٥ ارجع السابق ص ١٩.٨٦ ارجع السابق ص ٢٤.٨٧ ارجع السابق ص ٤٧.٨٨ ارجع السابق ص ٤٢.٨٩ جون ديوي:‏ البحث عن اليق ترجمة أحمد فؤاد الأهواني القاهرة عيسى البابي الحلبي١٩٦٠ ص ١٠٦ .١٠٧٩٠ ارجع السابق ص ١٠٨.٩١ الفصل الحادي عشر ص ٣١٥.٩٢ ارجع السابق ص ٥.٩٣ ارجع السابق ص ٦.٩٤ ارجع السابق ص ٧.٩٥ إسماعيل القباني:‏ التربية عن طريق النشاط القاهرة مكتبة النهضة اصرية ١٩٥٨ ص.١٥٣٩٦ .Childs, John L: in ch xiv of the Philosophy of John Dewey, edited by P.A Schipp٩٧ التربية عن طريق النشاط ص ١٥٤.٩٨ أحمد فؤاد الأهواني:‏ جون ديوي القاهرة دار اعارف سلسلة نوابغ الفكر الغربي ١٩٥٩ ص.١٣٧٩٩ جون ديوي:‏ الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني ترجمة محمد لبيب النجيحي القاهرةمؤسسة الخانجي ١٩٦٣ ص ٢١٩.١٠٠ محمد لبيب النجيحي:‏ مقدمة في فلسفة التربية القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٦٧ ص ٣٧٠.١٠١ محد الهادي عفيفي في أصول التربية الأصول الفلسفية القاهرة الأنجلو اصرية ١٩٨٠ص ٢٩٨.١٠٢ ارجع السابق ص ٣٣.١٠٣ ارجع السابق ص ٣٩.١٠٤ ارجع السابق ص ٤٠.١٠٥ جون ديوي:‏ الدقراطية والتربية ترجمة متى عقراوي وزميله.‏ القاهرة لجنة التأليفوالترجمة والنشر ١٩٥٤ ص ١٠٨.١٠٦ ارجع السابق ص ١٠٩.١٠٧ ارجع السابق ص ١١٢.١٠٨ ارجع السابق ص ١١٣.١٠٩ Harris, Errole E.: Nature, Mind and Modern Science, George Allen and Unwin, 1954, p93١١٠ London, 1929, Chaps VI - VII .Dewey, John: Experience and Nature, George Allen and Unwin١١١ New York, 1962, p.18 ,.Roth, Robert J.: John Dewey and Self Realization, Prentice Hall, Inc١١٢ Dewey, John: Experience and Education, the Macmillan Company, New York, 1939, p13١١٣ p.16 Ibid114-Ibid.,p.30-31.١١٥ p.18 Blewett, John: John Dewey, His Thought and Influence, Fordham University Press 1960115


فلسفات تربوية معاصرة١١٦ p.37 Dewey, Creative Intelligence,١١٧ N.Y.1941p.314 Dewey, John: Democracy and Education, The Macmillan Company,١١٨ Ibidp.319.١١٩ كلباتريك وليام هيرد:‏ ادنية اتغيرة والتربية ترجمة عبدالحميد السيد وا^خرين مكتبةمصر القاهرة ١٩٥٨ ص ٨٩.١٢٠ New York 1965, p244 .Kilpatrick, William: Philosophy of Education, Macmillan Co١٢١ Childs, John: Education and The Philosophy of Dewey: Democarcy and Education, p321Applenton - Century Company N.Y1931p.164 .Experimentalism, D١٢٢ N.Y1956.p.195. ,.Childs, John: American Pragmatism and Education, Henry Holt and Company,١٢٣ p321-322 Dewey: Democracy and Edcation,١٢٤ p.15 Dewey, John: The Child and Curriculum, The University of Chicago Press, 1913,١٢٥ Ibid, p16١٢٦ Ibid, p17١٢٧ Dewey: Exprience and Education p93١٢٨ Ibidp.23١٢٩ p.101 Child: Education and Philosophy of Experimentali sm١٣٠ Kilpatrick: Philosophy of Education p181١٣١ Harris, Nature, Mind and Modern Science, p27١٣٢ p.27 Roth, John Dewey and Self Realization,١٣٣ Heath and Com Bostom 1940. p224 Dode, Boyd H.: How we Learn, D.C١٣٤ زكي نجيب محمود:‏ حياة الفكر في العالم الجديد الأنجلو اصرية القاهرة ١٩٥٦ ص ٢٤٤وما بعدها.‏١٣٥ 2.p.1 James, William: Principles of Psychology, Dover Publications Inc, 1950 Vol١٣٦ جون ديوي:‏ البحث عن اليق ترجمة أحمد فؤاد الأهواني دار إحياء الكتب العربيةالقاهرة ١٩٦٠ ص ٢٤.١٣٧ p.97. Bode: Progressive Education at the Crossroads, New York, 1938,١٣٨ جون ديوي:‏ تجديد في الفلسفة ترجمة أم مرسي قنديل الأنجلو اصرية ص ١٨٢.١٣٩ ارجع السابق ص ١٨٣ ١٨٤.١٤٠ محمد الهادي عفيفي:‏ التربية والتغير الثقافي الأنجلو اصرية القاهرة ١٩٦٤ ص ١١٨.١٤١ Childs: American Pragmatism and Education, p66١٤٢ p.68 Ibid١٤٣ Childs: Education and the Philosophy of Exoerimentalism 79١٤٤ p72-73 Dewey, John: School and Society, Th University of Chicago Press, 1942,١٤٥ Hotckiss, E.A: The Project Method in Classroom, Ginn and Company, Boston, 1924, p21١٤٦ thinkp.39 Dewey: How we١٤٧ Childs: American Pragmatism and Education p66١٤٨ Dewey, John: Essays In Experimental Logic, p30116


فلسفة التربية البراجماتية١٤٩ p79-80 Childs: Education and the Philosophy of Experimentalism١٥٠ Kilpatrick: Philosophy of Education p179١٥١ 81. Childs: Education and the Philosophy of Experimentalism p١٥٢ p.68-70 Dewey: Experience and Nature,١٥٣ Dewey: Essays in Experimentalism١٥٤ Child: Education and the Philosophy of Experimentalism p79١٥٥ p.180 Kilpatrick: Philosophy of Education١٥٦ p.15 Dewey: Experience and Education١٥٧ IncN.Y.1933,p.186. Kilpatrick, W.H.The Education Frontier, D. Appleton Century Company,١٥٨ p.186 Democracy and Education١٥٩ p.189. Ibid١٦٠ p.30 How we think١٦١ p.31. Ibid١٦٢ p32-33 Ibid,163-chilpp, P.A(ed) : The Philosophy of John Dewey, tude Publishing Company, N.Y1951.p.419١٦٤ N.Y.1941.p.3. Dewey, John: Education today, George Allen and Unwin,١٦٥ Ibidp.4-5١٦٦ Ibidp.50١٦٧ Schilpp.420١٦٨ p.1 Democracy and Education١٦٩ School and Society, p11١٧٠ p.3 Democracy and Education,١٧١ p.38 Kilpatrick: Philosophy of Education١٧٢ محمد الهادي عفيفي:‏ التربية والتغير الثقافي ص ٤.١٧٣ p.6 School and Society,١٧٤ Co.p.235 Lippman, Walter: A Preface to Morals, The Macmillan175- Ogburn, W.F .:Social Change, B.WHuebsch, Inc.1928 p.202-203.١٧٦ Lippman: p317Education Today, p.9-١٧٧١٧٨ p.6. Ibid,١٧٩ . p31-32 The School and Society,١٨٠ p.15 Education Today,١٨١ N.Y1962.p.192 Brubacher, J.S.: Modern Philosophies of Education,Mac Graw Hill and Company,١٨٢ وليم ه.‏ كلباتريك:‏ أصول انهج الجديد ترجمة أبوالفتوح رضوان وزميله القاهرة الأنجلواصرية ١٩٥٩ ص .٣٥١٨٣ ارجع السابق ص ٥٤١٨٤ ارجع السابق ص ٥٦117


فلسفات تربوية معاصرة١٨٥ ارجع السابق ص ٧٣١٨٦ ارجع السابق ص ٨٧١٨٧ ارجع السابق ص ٨٨١٨٨ إسماعيل القباني:‏ التربية عن طريق النشاط النهضة اصرية القاهرة ١٩٥٨ الفصلالثالث.‏118


الاتجاه النقدي3 الاتجاه النقديمقدمة:‏ليس في الإمكان أبدع ا كان!!‏عبارة تتردد <strong>على</strong> ألسن البعض لكنها تلخصفلسفة كاملة تتصور أن ‏(الاستقرار)‏ هو اثل الأ<strong>على</strong>الذي ينبغي <strong>على</strong> التربية أن تسعى إلى تحقيقه ولايتأتى لها هذا إلا عن طريق ‏(المحافظة <strong>على</strong> الثقافةالقائمة).‏ولعل من أبرز ما يعبر عن مضمون هذه الفلسفة‏(سلفية)‏ جامدة ضيقة الأفق قصيرة النظر ترىفي ‏(الأمس)‏ خيرا ا تراه في اليوم وترى ‏(الأوائل)‏خيرا من ‏(الأواخر)‏ دون تدقيق ودون فرز وبغيرييز ب هذا وذاك.‏ومع ذلك فالتغير قائم والتطور حادث...‏ اذا?‏صحيح أن هذه هي ‏(سنة الله في خلقه)‏ لكننانضيف إلى هذا أيضا أن تحقيق هذه السنة يتطلبدائما ً نفرا من أصحاب الوعي الذين يبصرون صورالخلل القائمة ويفتشون عن أسبابها وينبهون إليهاويرسمون ويحلمون ويفكرون فيما يجب أن يكونعليه الوضع الأفضل بل ويناضلون عمليا في سبيلهذا وذاك.‏نقطة البداية إذن هي تعرية الواقع ازري119


فلسفات تربوية معاصرةوالكشف عن صور الجمود.‏ وتلك مهمة نقدية.‏وهي بهذا يستحيل كما قد يتصور البعض أن تكون من منجزاتالقرن العشرين وإا هي مهمة بشرية ملازمة للوجود والتطور البشري.‏لكن قولنا هذا لا يعني بأي حال من الأحوال النظر إليها في تطورها<strong>على</strong> أنها استمرت بإيقاع واحد من السرعة و<strong>على</strong> درجة متشابهة من الفعاليةوبألوان متقاربة من التوجه ذلك أن التطور البشري نفسه لم يكن كذلكولا كن أن يكون كذلك.‏المعنى والأهمية:‏نقصد بالاتجاه النقدي ذلك ‏(التوجه)‏ الذي يتناول افكر والباحث منخلاله مجموعة قضايا تشكل إطارا نظريا لنقد النظام الاجتماعي القائمأو الكشف عن تناقضاته بحثا عن نظام اجتماعي تنتفي فيه هذه التناقضات.‏وفي هذا الإطار توجد صلة عضوية ب النظرية النقدية والنظريةالسوسيولوجية العامة الأولى تعتبر نسقا فرعيا من الأخيرة وتؤدي وظيفةمخالفة وكلتاهما تعكس الحالات التي ينبغي أن يكون عليها النسقالاجتماعي.‏ وإذا كانت بعض اذج النظرية السوسيولوجية تحاول إدراكالنسق الاجتماعي من منطق كونه نسقا مستقرا ومتكاملا باعتبار أن حالةالاستقرار والتكامل النسبي هي الحالة الأساسية للنسق فإن النظرية النقديةتحاول استكشاف مواطن التناقض بهدف إيجاد تكامل جديد (١) .ويكشف تأمل حركات النقد الاجتماعي عن وجود مستوي لهذا النقدفي استوى الأول يعبر النقد الاجتماعي عن حركة احتجاج اجتماعي شامليستهدف تأكيد ضرورة التغيير الأساسي والجوهري للأاط الحضاريةالقائمة.‏ وإذا كان هذا النقد يبدأ بتحليل سلبي فإن التغيير يتطلب توافرشروط ثلاثة (٢) :الشرط الأول يتمثل في تخلق تناقضات متنوعة ب العناصر اشكلةلهذا الواقع بحيث تفقده تكامله من ناحية وتجعله من ناحية ثانية عاجزاعن إشباع الحاجات الأساسية للإنسانية وأيضا عن الوفاء باتطلباتالأساسية للمجتمع باعتباره تجمعا إنسانيا.‏ويتمثل الشرط الثاني في امتلاك الحركة النقدية لتصور مثالي ا120


الاتجاه النقديينبغي أن يكون عليه اجملتمع بحيث يصبح هذا التصور اثالي هو الإطارارجعي لتفنيد ماهو قائم وأيضا اكتشاف الا^ليات التي تحكم عمليةالانتقال.‏ويتصل الشرط الثالث بضرورة امتلاك الحركة النقدية لقوى اجتماعيةتصبح هي العامل الثوري الذي ينتقل باجملتمع ا هو كائن إلى ما ينبغيأن يكون.‏و<strong>على</strong> خلاف ذلك تتحدد مهمة استوى الثاني من النقد الاجتماعيبدرجة أقل راديكالية وشمولية ذلك لأن النقد من هذا النمط يصبح نقداثقافيا وتنويريا فقط إذ يستهدف الذين يؤكدون هذا النمط من النقدعملية التغيير الثقافي والتنويري لتشكيل توجهات ثقافية وقيمية جديدةتحكم التفاعل الكائن في الواقع الاجتماعي والحضاري ومن هنا تستهدفإيجاد ثقافة جديدة تقود التفاعل والعمل داخل إطار اؤسسة القائمة (٣) .وتكمن أهمية دراسة النظرية النقدية للمجتمع وتحليل الاتجاهاتالتربوية الغربية التي تأثرت بها في أنها تضع ب أيدي مفكري التربيةواهتم بالبحث التربوي طرقا بديلة للتفكير في مفهوم ‏(العلم)‏ و(طبيعةالنظرية)‏ وخصائص ‏(انهج العلمي)‏ والأهم من ذلك أنها تساعد فياستيضاح العلاقة ب البحث العلمي وا^لياته وب الحياة الاجتماعيةوتطورها.‏ وتزودنا دراسة النظرية النقدية ببدائل نظرية ومنهجية للأوذجالأساسي العلمي السائد الذي يبدو أنه لم يساعدنا بقدر كاف <strong>على</strong> حلمشاكلنا التربوية وتوجهنا كذلك إلى تلمس إرهاصات نظرية نقدية ‏(عربية)‏للتربية (٤) .لكن هذا لا يعني فيما تنبه إليه كمال نجيب الزعم بشرعية اتخاذالنظرية النقدية إطارا فكريا للبحث التربوي العربي الناقد أو تبني استخدامالأوساط العلمية الراديكالية الغربية وخصوصا الأمريكية للنظرية النقديةفي تحليل مختلف أنشطة البحث التربوي العلمي هناك (٥) .النشأة والتطور:‏إذا كنا قد أشرنا في مقدمة هذا الجزء إلى أن التوجه النقدي قدقدم الفكر البشري وخاصة لدى عمالقة افكرين أمثال سقراط وأفلاطون121


فلسفات تربوية معاصرةوغيرهما ن جاءوا بعدهما إلا أن هذا لا ينفي أن تبلوره ‏(كنظرية)‏عملية لها أسانيدها وأسسها ومنهجها وأهدافها إا يرجع إلى النصفالأول من القرن العشرين نتيجة أزمات عنيفة واجهت اجملتمع الغربي.‏وكثيرا ما يوصف علم الاجتماع بأنه ‏(علم الأزمة)‏ ويعني هذا أنه ظهرمن خلال الأزمات الثقافية والاجتماعية التي صاحبت اختفاء النظام القدوظهور الرأسمالية الصناعية والتي صاحبت نشأة تيارات سياسية جديدةثائرة <strong>على</strong> النظام القد‏.‏ واختفاء النظام القد وظهور التيارات السياسيةالجديدة الثائرة <strong>على</strong> النظام يشير إلى تحولات اقتصادية وسياسية لم تتمفي فراغ وإا أذكتها ثورتان غيرتا وجه أوروبا في القرن الثامن عشروالتاسع عشر ولا يزال تأثيرهما عالقا بالفكر السياسي والاجتماعيوالاقتصادي وما يقابل ذلك من مستويات إمبريقية حتى يومنا هذا:‏ الثورةالصناعية والثورة الفرنسية (٦) .وهنا ظهرت الحاجة إلى فلسفة جديدة.‏ لقد بدأ اجملتمع يتوق إلىكهانة جديدة تستطيع أن تفي بوظائف الكنيسة التي بدأت تتقلص (٧) .ويذهب جولدنر Gouldner إلى أن الجيل الجديد الذي قدم هذه الفلسفةهو جيل فصل نفسه عن أي من التيارات الفكرية ولم يجذبه إلا العلموحده وبدأ هذا الجيل يتأثر بتطور العلم السريع ويطالع الكثير من اجمللاتالعلمية.‏ ولقد كان هذا الجيل يتصف بسمت‏:‏ القدرة <strong>على</strong> الانفصال عنالأطر الفكرية السائدة من ناحية والاستعداد للتأثر بنسق فكري جديد منناحية أخرى.‏ لقد أحس هذا الجيل بالحاجة إلى أيديولوجية تضفي <strong>على</strong>العالم صورة رومانسية وتتفق في الوقت نفسه مع النظرة العلمية الجديدة.‏إنها حاجة إلى بديل جديد لخريطة العالم الاجتماعي التي حطمتها الثورةوالتي لم تستطع الطبقة الوسطى حاملة مشعل هذه الثورة أن تقدمه.‏هذا الجيل الذي يتحدث عنه جولدنر هو الذي قدم الفلسفة الوضعيةوالتي ظهر من خلالها علم الاجتماع فمن خلال هذا الجيل ظهر أوجيستكونت مؤسس الوضعية.‏ لقد حاول كونت أن يسعى بنظريته إلى تحقيقحالة من الاتساق العام في اجملتمع فالنظام لا كن أن يقوم إلا <strong>على</strong>أساس نوع من الاشتراك في الأفكار ب أولئك الذين يكونون اجملتمع منحيث إن الاتساق العام هو الحقيقة الأساسية في النظام الاجتماعي (٨) .122


الاتجاه النقديوكانت ا^راء دوركا ونظرياته السوسيولوجية امتدادا وحيصا للفلسفةالوضعية إزاء ظروف بنائية وفكرية أثارت من جديد مشكلة النظام وفرضت<strong>على</strong> دوركا أو فرض عليها دوركا حلا معينا لهذه اشكلة.‏واستقراء ا^راء دوركا في ضوء التاريخية والفكرية التي كتب فيهاأعماله تب أن أعماله كانت تناقض اذهب النفعي الفردي وكذلكاذهب الاشتراكي وتجنح نحو الاتجاه المحافظ.‏ وقد تشكل حله شكلةالنظام من خلال هذا انطلق وهو حل يركز <strong>على</strong> التضامن والالتزام بالقيمواعايير في علاقة تعاون ب الفرد واجملتمع.‏ وليس حلا مفروضا منالدولة <strong>على</strong> أفراد لهم مطلق الحرية (٩) .وقد صاحبت نشأة علم الاجتماع في أوروبا <strong>على</strong> يد أوجيست كونتمعركة فكرية كبرى ب الوضعية باعتبارها أيديولوجية الطبقات البرجوازيةالمحتكرة للسلطة في اجملتمعات الأوروبية وب الاشتراكية باعتبارهاأيديولوجية الطبقة العاملة التي كانت قد أخذت تتزايد في حجمها ويثقلوزنها مع اتساع نطاق الثورة الصناعية وتحول اجملتمعات الزراعية إلىمجتمعات صناعية (١٠) .نشأ علم الاجتماع إذن وسط معركة ضارية وقد تركت هذه اعركةبصماتها عليه و<strong>على</strong> التطورات اللاحقة في ميدانه حتى كن القول إنه لاكن فهم التيارات الحديثة واعاصرة في علم الاجتماع بغير الاستعانةبانهج التاريخي لإعادة تكوين صورة اجملتمع الأوروبي طوال القرن التاسععشر.‏وتعبر ا^راء كونت ودوركا عن اتجاه ‏(التوازن)‏ الذي لم يبدأ فقطبوضعيتهما وإا من قبل ذلك في ا^راء ‏(بولاند)‏ و(ميستير)‏ منذ منتصفالقرن ١٨ حتى أوائل القرن ١٩ واستمر إلى الصيغة اعاصرة من الوضعيةونعني بها ادرسة الوظيفية التي يعد ‏(تالكوت بارسونز)‏ و(روبرت ميرتون)‏من أعلامها البارزين في علم الاجتماع الأمريكي (١١) .ومن ناحية أخرى نجد القطب اضاد لاتجاه التوازن وهو اتجاه الصراعوهذا الاتجاه مثل أساسا فكر الاشتراكية العاية كما ظهر <strong>على</strong> وجهالخصوص في مؤلفات ماركس وإنجلز ومن بعدهما الطابور الطويل منافكرين الاشتراكي العاي‏.‏123


فلسفات تربوية معاصرةويكمن أحد الأسباب الرئيسية وراء إحياء الاهتمام بااركسية في فترةسابقة في أن نظرية ماركس تتعارض في كل عناصرها اهمة مع النظريةالوظيفية التي أثرت بشدة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتي ظهرقصورها بشكل متزايد.‏ ف<strong>على</strong> ح تركز الوظيفية <strong>على</strong> التناغم الاجتماعيتركز ااركسية <strong>على</strong> الصراع الاجتماعي وبينما تهتم الوظيفية بالثباتوباستمرارية الأبنية الاجتماعية تقدم ااركسية نظرة تاريخية وتؤكدالاهتمام بالبناء اتغير للمجتمع وبينما تركز الوظيفية <strong>على</strong> تنظيم الحياةالاجتماعية من خلال القيم واعايير تركز ااركسية <strong>على</strong> اختلاف اصالحوالقيم داخل كل مجتمع و<strong>على</strong> دور ‏(القسر)‏ في الحفاظ <strong>على</strong> النظامالاجتماعي العام فترة قد تطول وقد تقصر (١٢) .ولا يعني هذا أن ااركسية هي النظرية الوحيدة التي تعطي وزنا للصراعالاجتماعي وللطبيعة التاريخية اتغيرة للمجتمعات البشرية فقد أسهمباحثون ا^خرون بعد ماركس بعناصر جديدة في نظرية الصراع الاجتماعيوالتغير الاجتماعي وأدخلوا تعديلات وإضافات <strong>على</strong> بعض القضايا التيطرحها ماركس وانتقدوا هذه القضايا من عدة وجوه.‏وظهر علم الاجتماع الجديد منذ عدة سنوات ولكونه قد نشأ منإسهامات س.‏ رايت ميلز W.Mills أساسا فقد ارتبط من خلاله عتقداتوحركات اليسار الجديد في نهاية حقبة الستينيات غير أنه مثلما االيسار بسرعة كبيرة واستبدل بحركات اجتماعية مازالت أكثر جدة فقدحدث ذلك بالنسبة لعلم الاجتماع الجديد أيضا فقبل أن يتمكن من تأسيسنفسه بشكل ملائم كأسلوب متميز في التفكير الاجتماعي نجده قد نحيجانبا بوساطة محاولات أكثر نح العلم توجها منعشا ومن ثم ففي أقل منعشر سنوات أصبح لدينا علم الاجتماع النقديالاجتماع الراديكالي (١٣) .وكن اعتبار هذا التكاثر والتتابع السريع للمذاهب بسهولة إشارةلأزمة عقلية تصاحب أزمة في الحياة الاجتماعية أو تكشف عن نفسها فيالحركات اتنوعة للاحتجاج واعارضة وقد شخص ‏(برنباوم)‏هذا اوقف بقوله (١٤) :‏«تقع الأزمة النظرية أو اذهبية في النسق الفكري حينما تتوافر أي منCritical Sociology وعلمM.Birnbaum124


الاتجاه النقديمجموعتي الظروف اجملردة حيث تستنفد إمكانات النمو الداخلي للنسقنفسها في إحدى الحالات وتصبح مقولات النسق عاجزة عن التحول وتصبحاناقشة التي أسسها النسق مدرسية Scholastic باعنى السيىء لهذااصطلح.‏ وفي الحالة الأخرى تتغير الحقائق التي أدركها النسق عن صورتهاالأصلية بقدر كبير حتى تصبح مقولات النسق عاجزة عن مواجهة الظروفالجديدة ومن الواضح أن مجموعتي الشروط هات وقعتا غالبا بصورةمتزامنة وخاصة بالنسبة للأنساق التي تهتم بالحركة التاريخية للمجتمع».‏مدرسة فرانكفورت:‏ونظرا للدور الكبير الذي لعبته مدرسة فرانكفورت في الفكر النقديكان لابد من التوقف بعض الشيء عندها ثم مواصلة اسيرة مع تطورالاتجاه النقدي.‏إن مدرسة فرانكفورت هي التيار الذي تحقق في فرانكفورت عندإنشائها بقرار من وزارة التربية بتاريخ ٣ فبراير عام ١٩٢٣ بالاتفاق مع‏(معهد الأبحاث الاجتماعية)‏ (١٥) .ومنشأ اعهد هو مبادرة من فليكس ج.‏ فاي Weil ابن تاجر قمحكان قد جمع ثروة في الأرجنت وهو دكتور في العلوم السياسية وقد نظمأول أسبوع عمل ماركسي في ‏(إيلمونو)‏ خلال صيف ١٩٢٢ وقد شارك فيه<strong>على</strong> الأخص لوكاشWittfogel وكان عليه أن يبرر مفهوم ااركسية ‏(الصافية)‏ وولدت هناكفكرة مؤسسة دائمة <strong>على</strong> شكل معهد مستقل للأبحاث وكان أول مدير لهكارل جرونبرج K.Grunberg وكان الافتتاح الفعلي في ٢٢ يونيو ١٩٢٤.ومنذ عام ١٩٣١ أنشىء ملحق للمعهد في جنيف بناء <strong>على</strong> إيعاز من ألبير.JLucacs وكورش Korsch وبولوك Pollock وفيتفوجلتوماس A.Thomas مدير منظمة العمل العاية بينما حولت أمواله ‏(اعهد)‏إلى جمعية مستقرة في هولندا.‏ وفي فبراير ١٩٣٢ استقر في جنيف مكتبمن ٢١ عضوا صار اركز الإداري للمعهد الذي أغلقه النازيون وافتتحبشكل مواز ملحقان أصغر من الأول في باريس وفي لندن (١٦)ومنذ سبتمبر ١٩٩٣ لم تعد مدرسة فرانكفورت فرانكفورتية فمجلتهاتصدر في فرنسا ومقرها الرئيسي في سويسرا واستمرت هذه الغربة125


فلسفات تربوية معاصرةحتى أغسطس ١٩٥٠ التاريخ الذي استعاد فيه اعهد عمله في أانيا مستحقامن جديد ولكن بعد انقطاع دام سبعة عشر عاما صفتة الفرانكفورتيةوفي غضون ذلك كان اعهد قد ارتبط في الواقع بالولايات اتحدة وكاناعهد قد ارتبط بجامعة كولومبيا منذ عام ١٩٣٤ حتى أنه احتفظ بفرعنيويورك بعد العودة إلى فرانكفورت (١٧) .إن هذا يشير إلينا بصلة ادرسة بهذا الحدث ‏(اؤسساتي)‏ إذ من دوناعهد لم تكن هناك مدرسة ولكنه لم يكن إلا ‏(اناسبة)‏ و(الحامل)‏ ااديلهذه الظاهرة الفكرية ومع ذلك ينبهنا مارتن جايلكل منهما حتى ١٩٥٠ إلى التمييز بينهما:‏ ‏«علينا أن نفهم جيدا أن فكرة‏(مدرسة نوعية)‏ لم تتم إلا بعد أن كان اعهد مجبرا <strong>على</strong> ترك فرانكفورت»‏ويذكر لنا بالإضافة إلى ذلك أن عبارة ‏(مدرسة فرانكفورت)‏ نفسها لمتستعمل إلا بعد عودة اعهد إلى أانيا عام ١٩٥٠.والقارىء لبيان ١٩٣١ الذي صاغه ماكس هوركهيمرلتنظيم معهد البحوث الاجتماعية يلمس نوعا جديدا من الفلسفة هو‏(الفلسفة الاجتماعية)‏ وهو الأمر الذي يفسر للقارىء هذا الحديثاستفيض لنا عما يقع في دائرة ‏(علم الاجتماع)‏ ونحن بصدد دراسات عن‏(فلسفة التربية)‏ ففي مثل هذه الفلسفة نجد مزجا للعلم الاجتماعيوالأخلاق وفلسفة التاريخ والثقافة وعلم النفس الاجتماعي والاقتصادالسياسي (١٨) .مدرسة فرانكفورت إذن هي الشعار الذي يستعمل للدلالة <strong>على</strong> حدث‏(إنشاء اعهد)‏ ومشروع علمي ‏(الفلسفة الاجتماعية)‏ و<strong>على</strong> مسار ‏(النظريةالنقدية)‏ و<strong>على</strong> تيار أو تبعية نظرية متصلة ومتنوعة في ا^ن معا ‏(متكونة منأفراد مفكرين)‏ وبكونها هذا فهي أكثر منه ظاهرة أيديولوجية تنتج بشكلغريب معايير اثلها <strong>الخاصة</strong> من سيرورة توالدها (١٩) .وإذا كانت هناك فصائل أساسية قد أسهمت في إبراز الاتجاه النقديإلا أن اوقف النقدي الذي طورته مدرسة فرانكفورت قد أثر في الخريطةالعامة للنقد الاجتماعي لأربعة اعتبارات يلخصها علي ليلة فيما يلي (٢٠) :أ ويتمثل في استناد ادرسة إلى النظرية ااركسية خاصة في مقولاتهاالفلسفية بحيث أغفلت ادرسة اقولات الاقتصادية للماركسية وقد تطورMartin Jay اؤرخ الكبيرMax Horkheimer126


الاتجاه النقديالأمر بحيث أصبح التنظيم الذي قدمته مدرسة فرانكفورت هو الإطارارجعي لأغلبية النقد الذي طورته جماعات اليسار الجديد فيما يتعلقباجملتمع الرأسمالي اتقدم.‏ب تنتقد الصفوة الفكرية للمدرسة ذات الطبيعة البرجوازية النظامالرأسمالي وقد تكشف عن تناقضاته غير أن ذلك لا يتم بهدف التعجيلبانهياره والقضاء عليه كما تسعى ااركسية ولكن بهدف إصلاحه لخلقاجملتمع العظيم وهي الطبيعة أو اوقف الفكري الذي تغلغل وانتشر لكييشكل اوقف الأيديولوجي لغالبية فصائل النقد الاجتماعي.‏ج إنه من ناحية الأسبقية التاريخية نجد أن مدرسة فرانكفورت هيأول جماعات النقد الاجتماعي حيث كان هدفها تطوير الفكر النقديللماركسية في طابعه الإنساني غير أنها تخلت عن هذه الاستراتيجيةوتبنت استراتيجية خاصة للنقد تستند إلى مقولات غير تلك التي تستندإليها ااركسية ولقد كان لأسبقيتها التاريخية من ناحية ومارساتها النقدالاجتماعي وفق منطق مخالف من ناحية أخرى دورهما في شيوع أفكارهالدى اتجاهات أخرى للنقد الاجتماعي.‏ومن الاحظ <strong>على</strong> غالبية أعضاء ادرسة أنهم كانوا من اليهود وقدلعب هذا الانتماء دورا في نوعية القضايا التي تصدوا لها بالبحث والدراسة.‏كذلك فإنهم كانوا ينتمون إلى تخصصات متنوعة تبدأ من الفلسفة إلىالاجتماع إلى علم الاقتصاد وعلم النفس وكذلك الأدب والسياسة ومن ثمفقد توافرت لهم الرؤية اتكاملة الزوايا لذات الواقعة ولقد أدى هذاالتكوين إلى نتيجت‏:‏ الأولى اتجاههم إلى البحث الاجتماعي الذي تتعاونفيه أنساق معرفية عديدة والثانية استيعاب إطارهم في النقد الاجتماعيتغيرات غير اتغيرات الاقتصادية الثقافية والسيكولوجية (٢١) .ويلخص علي ليلة ارتكزات الأساسية درسة فرانكفورت في القناعات<strong>التالي</strong>ة (٢٢) .- إن أفكار البشر هي نتاج للمجتمع الذي يعيشون فيه وذلك لأن فكرالبشر يتحدد اجتماعيا وهنا نلاحظ خروجا <strong>على</strong> اقولة الطبقية.‏- إن <strong>على</strong> اثقف ألا يتبنوا موقف الحياد اوضوعي إذ لا ينبغي أنيفصل اثقف الحقيقة عن متضمناتها القيمية و<strong>على</strong> اثقف أيضا أن127


فلسفات تربوية معاصرةيقفوا موقفا نقديا من اجملتمع موضع الدراسة وفي ذلك خروج <strong>على</strong> الإطارالوضعي ورفض له واقتراب من ااركسية واثالية النقدية.‏- إن <strong>على</strong> اثقف أن يقفوا باثل موقفا نقديا من فكرهم.‏ عليهم أنيوضحوا علاقة هذا الفكر باجملتمع القائم وباعرفة التي أبدعت اجتماعيا.‏- أنه إذا كانت ااركسية هي نظرية اجملتمع الصناعي في مرحلةالنشأة الأولى الرأسمالية فإن اجملتمع الصناعي طرأت عليه تحولاتعديدة فرضت ضرورة إعادة فحص كفاءة النظرية ااركسية في ضوءاتغيرات الجديدة.‏- أنه إذا أردنا الوصول إلى فهم حقيقي فإن ذلك ينبغي أن يتحقق منخلال إدراك العلاقة اتبادلة ب البناء الاقتصادي للمجتمع والنمو النفسيللفرد والظواهر الثقافية السائدة.‏ويرى اؤرخون لعلم الاجتماع الراديكالي أنه قد ظهر بقوة في الولاياتاتحدة نظرا لعوامل عدة سادت اناخ السياسي والاجتماعي في هذا البلدأهمها فقدان الشباب لثقتهم في النظام الأمريكي واكتشافهم لزيف ادعاءاتالقوى الحاكمة عن أنها تهدف للتقدم والسلام والرخاء والعدالةالاجتماعية (٢٣) .لقد رأى الشباب كيف أن كل ما تفعله القوى الحاكمة مضاد امالادعاءاتهم فالبطالة تتزايد والتفاوت الطبقي يتزايد وقمع اعارض للحكميتخذ أعنف الصور حتى ليصل إلى الاغتيال السياسي والسياسة الخارجيةتعتمد <strong>على</strong> إبادة الجنس البشري في فيتنام و<strong>على</strong> التدخل اسلح في أمريكااللاتينية وا^سيا.‏ وبدأ اثقفون وخاصة الطلبة يثيرون أسئلة لم تكن تثارمن قبل حول الطبيعة السياسية للمؤسسات التعليمية التي كانت تدعي أنمهمتها الأساسية كشف الحقيقة وإجراء البحوث الحرة (٢٤) .ولعل أبرز الأمثلة التي تب كيفية استخدام العلوم الاجتماعية في اجملتمعالأمريكي لخدمة الأهداف الاستعمارية مشروع ‏(كاميلوت).‏ وقد ولد اشروعأولا في مكتب رئيس قسم البحث والتنمية في إدارة الجيش الأمريكي ثمتبناه بعد ذلك ‏(مكتب أبحاث العمليات <strong>الخاصة</strong>office والذي يرمز له بالحروف الأولىS.O.R.O والتابع للجامعة الأمريكيةبواشنطن التي صممت البحث بناء <strong>على</strong> عقد مبرم بينها وب إدارة الجيشSpecial Operations Research128


الاتجاه النقديالأمريكي وقد نص العقد <strong>على</strong> أن الهدف منه ‏«القيام ببحوث في مجالالعلوم الاجتماعية والسلوكية لتدعيم اهام التي يقوم بها الجيش»‏ (٢٥) .ومشروع كاميلوت كما وصفته إحدى نشرات الجيش الأمريكي عبارةعن ‏«مشروع اجتماعي أساسي عن الظروف امهدة للصراعات الداخليةوا^ثار هذه الظروف في أي قرارات للحكومات الوطنية فيما يتعلق بالتخفيفمن حدة هذه الصراعات أو مجابهتها أو حلها».‏ويقرر الباحث الأمريكي ‏(جيدون سويبرج)‏ الذي اعتمد عليه السيدياس في دراسته أنه ليس من قبيل التعسف استخلاص الهدف الرئيسيللمشروع من كونه يبحث مشكلة كيفية مجابهة الثورات الوطنية وذلكباعتبار أنه ينهض <strong>على</strong> افتراض أساسي مؤداه أن اعرفة اتزايدة التيكن تجميعها بهذا الصدد من شأنها أن كن الجيش الأمريكي من مجابهةالثورات الداخلية في مختلف الدول التي توجد للولايات اتحدة مصالحفيها.‏بيد أن الانتقادات العنيفة التي وجهت للمشروع أتيح لها أن تتبلور فيشكل حركة احتجاج رسمية قام بها جناح تقدمي في علم الاجتماع الأمريكيوهو الجناح الذي تسلم الشعلة من جيب رايت ميلز وإريك فروم وغيرهمامن أصحاب مدرسة النقد الاجتماعي.‏وقد قدم ثلاثة من علماء الاجتماع البريطاني تصورا لأهم خصائصالتوجه الاجتماعي الراديكالي كن تلخيصها فيما يلي (٢٦) .١ تؤكد النظرية الراديكالية <strong>على</strong> حقيقة أن قدرات الإنسان غير محدودةوأن بإمكانه دائما تغيير الواقع اادي والاجتماعي الذي يعيش فيه وكذلكتغيير نفسه ليصبح أكثر إنسانية.‏٢ أن هذا الواقع دائم التغير وأنه لا يتسم بالسكون أو الثبات كما تدعيالنظريات المحافظة وب<strong>التالي</strong> فإن مهمة النظرية الاجتماعية تقد فهمعلمي سليم للقوان التي تحكم هذا التغيير بحيث يستطيع الإنسان أنيحدث هذا التغيير في مجتمعه وفقا لها.‏٣ مادامت هناك مصالح متعارضة ومتضاربة داخل اجملتمع فإنه لابدأن يكون هناك صراع وأن فكرة الإجماع القيمي والاتفاق الجمعي خرافة.‏٤ النظرية الإجماعية يجب ألا تقنع أبدا جرد الوصف للأوضاع129


فلسفات تربوية معاصرةالقائمة ولكن عليها أن تقدم أساليب عملية لتغيير اجملتمع إلى الصورةاثلى التي توصلت إليها من خلال تحليل اجملتمعات القائمة.‏٥ النظرية الاجتماعية يجب أن تكون موجهة لتلك اجملموعات والفئاتالاجتماعية التي من مصلحتها إحداث التغيير في اجملتمع وليست تلكاجملموعات استفيدة من الأوضاع القائمة.‏وليس من الضروري أن تكون هذه اجملموعات هي البروليتاريا فقط كماتؤكد ذلك ااركسية ولكن كن أن تشمل كل الفئات اقهورة ‏(النساءوالون والأقليات عموما..‏ إلخ)‏ (٢٧) .وكان لابد أن يختلف تناول الراديكالي للقضايا التربوية عن تناولالوظيفي وهذا ا كن أن يتضح لنا من مقارنة موجزة (٢٨) .فبينما يؤكد الوظيفيون العلاقة ب عدد سنوات التعليم التي ر بهاالفرد بنجاح ومستوى الوظيفة والدخل واكانة الاجتماعية التي يحصلعليها فإن الراديكالي يؤكدون أن التعليم ماهو إلا عامل واحد من مجموعةمن العوامل التي تحدد مستوى الوظيفة والدخل واكانة الاجتماعية التييحصل عليها الفرد ومن هذه العوامل سمات الشخصية والجنس واللونواستوى الاقتصادي الاجتماعي.‏ وفي الوقت نفسه يرى الوظيفيون أنالتعليم وسيلة أساسية للحراك الاجتماعي من الطبقات أو استوياتالاقتصادية الدنيا إلى الطبقات أو استويات الاقتصادية الاجتماعية العلياأما الراديكاليون فينظرون إلى التعليم <strong>على</strong> أنه وسيلة للثبات الاجتماعيوالمحافظة <strong>على</strong> الوضع الاجتماعي وانتقال اللامساواة من الا^باء إلى الأبناءعن طريق توفير فرص التعليم ومن ثم العمل لأبناء الطبقات العليا واتوسطةوحرمان أبناء الطبقات الدنيا منها.‏ وفيما يتعلق بالعلاقة ب الفرد والنظاميؤكد الوظيفيون أن ‏(النظام)‏ اتمثل في القوان والقواعد هو الصحيح وأن<strong>على</strong> أفراد اجملتمع أن يسايروه ويسلكوا طبقا لقواعده وقوانينه وإذا حدثخلل ب النظام والفرد فإن هذا الخلل يرحع إلى الفرد نفسه ومن ثميؤكد الوظيفيون <strong>على</strong> فكرة أن اللوم يقع <strong>على</strong> الضحية أما الراديكاليونفيؤكدون فكرة أن النظام وضع لخدمة الفرد وإذا حدث خلل ب النظاموالفرد فإن الخطأ يرجع إلى النظام ووسائل تطبيقه ومن ثم يتحتم تغييرهلكي يساير حاجات الفرد وأهدافه.‏130


الاتجاه النقديوفي الوقت الذي يهتم فيه الوظيفيون بدراسة التربية كنظام في علاقتهبالنظم الاجتماعية الأخرى فإن الراديكالي يهتمون بدراسة نوعية هذهالعلاقة وكيف تحدث وكيفية تغيرها باختلاف الزمن.‏ وبينما يؤكد الوظيفيوندراسة عملية التنشئة الاجتماعية كعملية تساعد <strong>على</strong> وحدة اجملتمع ككلفإن الراديكالي ينزعون إلى دراسة هذه العملية <strong>على</strong> أساس أنها تختلفمن طبقة اجتماعية إلى أخرى (٢٩) .ويشكل النقد الاجتماعي انبثق عن أوضاع العالم الثالث أحد الاتجاهاتالفعالة خلال عقدي الستينيات والسبعينيات إضافة إلى قدرة هذا الاتجاه<strong>على</strong> تطوير تنظيم قادر <strong>على</strong> التشخيص الدقيق واوضوعي لظواهر العالمالثالث وأيضا طبيعة العلاقات التي تربطها بالقوى العاية اتقدمة.‏ فممالا شك فيه أن استقلال مجتمعات أفريقيا وا^سيا وأمريكا اللاتينية لم يكنكاملا بل فرضت التبعية والهيمنة <strong>على</strong> هذه اجملتمعات من قبل القوىالعاية اتقدمة الأمر الذي دفع إلى نشأة الحركات التي مارست النقد فياتجاه‏:‏ الأول نقد القوى العاية التي تفرض الاستعمار أو التبعية أوالهيمنة بهدف الحفاظ <strong>على</strong> الاستقلال والهوية الوطنية أو القومية جملتمعاتالعالم الثالث.‏ والثاني نقد القوى المحلية اتحالفة مع القوى العاية ضدمجتمعاتها أو التي تعمل بقيمها وسلوكياتها <strong>على</strong> تشويه الذات الوطنية (٣٠) .وتشكل ا^راء ‏(فرانتز فانون)‏ Fanon الجزائري الأصل مثالا للنقدالخاص بالعالم الثالث ففي مؤلفه الشهير ‏(معذبو الأرض)‏ نجده يذهبإلى أن ‏(العنف)‏ هو السبيل الوحيد للقضاء <strong>على</strong> الاستعمار فالعالمالاستعماري الذي قام <strong>على</strong> العنف لا كن الخلاص منه إلا بالعنف.‏والجماهير استعبدة تشعر بهذه الحقيقة شعورا قويا ولكن شعورها هذالا يتحول إلى كفاح مسلح والسبب الرئيسي في ذلك أن الأحزاب البرجوازيةتستبعد فكرة العنف بل تخشاها.‏ هي إذن عنيفة في أقوالها معتدلة فيمواقفها (٣١) .كذلك أوضح فانون أنه إذا كانت البرجوازية الوطنية في أوروبا هي التيحققت الوحدات القومية فيها فإن البرجوازية الوطنية في الدول اتخلفةلا تهتم إلا صالحها <strong>الخاصة</strong> ولا تستطيع أن توظف هذه اصالح فيخدمة بناء مجتمع جديد.‏ بل إن فانون قد أكد بجلاء أن البرجوازية الوطنية131


فلسفات تربوية معاصرةفي البلاد الأفريقية التي استقلت حديثا قد أيقظت الخلافات الإقليميةوانازعات القبلية وفتتت الوحدة القومية من أجل الحفاظ <strong>على</strong> مصالحها.‏ويستنتج فانون من ذلك حقيقة أساسية هي أن ‏«الوحدة الأفريقية لا كنأن تتحقق إلا باندفاع الشعوب أي برغم أنف البرجوازية ومصالحها»‏ (٣٢) .ويصيح فانون:‏ ‏«نحن ‏(شعوب العالم الثالث)‏ بحاجة إلى مثال إلى قدوةولكن كثيرا منا يفتنه النموذج الأوروبي أكثر من أي وذج ا^خر ولقد رأيناكيف أن هذه المحاكاة ستقودنا إلى الإخفاق.‏ ويجب ألا تغرينا بعد الا^ن ‏(إلاأن تفقدنا توازننا)‏ الإنجازات الأوروبية..‏ إنني ح أبحث عن الإنسان فيالعالم الأوروبي لا أرى إلا سلسلة من الإنكارات للإنسان إلا مواكب منجرائم قتلة الإنسان.‏ فلنقرر ألا نحاكي أوروبا ولنوجه عضلاتنا وعقولنا فياتجاه جديد فلنحاول أن نخلق الإنسان الكلي الذي عجزت أوروبا عنتحقيق الانتصار له..»‏ (٣٣) .رايت ميلز والمنهجية العلمية:‏يلاحظ البعض <strong>على</strong> عدد من ا^راء ميلز (١٩١٦ ١٩٦٢) أنها ذات رؤيةبرجاماتية ورا نتج هذا من نشأته الأمريكية فالأفكار والنظريات ليسلها قيمة في ذاتها لأن الذي يحدد قيمتها ما تستطيع أن تفعله في الواقعولهذا كان يربط دوما ب الحقائق وقواعد العمل وأساليبه التي يجباتخاذها كان يصف ويحلل العمليات والعلاقات الإنسانية ويقدم في الوقتنفسه حلولا للمشكلات الخطيرة التي يتعرض لها البناء الاجتماعي للمجتمعالأمريكي (٣٤) .ودعا ميلز في كتاباته إلى ضرورة الأخذ بالنظرة الشاملة في الدراسةبحيث يكون تركيز الباحث <strong>على</strong> مستويات ثلاث هي:‏ الإنسان واجملتمعوالتاريخ;‏ فاشكلات الأساسية التي يعاني منها الناس هي نتاج شكلاتالبناء الاجتماعي العام وهما معا يرتبطان شكلات التاريخ وفي هذايقول ميلز:‏ عندما تصاغ مشكلات العلوم الاجتماعية صوغا حقيقا لابدأن تتضمن كلا من اتاعب والقضايا..‏ التاريخ الشخصي للأفراد وأيضاالتاريخ العام ومجال العلاقات اعقدة القائمة بينهما لأن حياة الفردوتكوين اجملتمعات كليهما يجريان في نطاق هذا اجملال (٣٥) .132


الاتجاه النقديوطالب ميلز بضرورة أن يتسلح الباحث ا أسماه ‏(الخيالالسوسيولوجي)‏ حتى يتسنى إدراك أبعاد مشكلات اجملتمع فهذا الخيالكفيل بأن يساعد الباحث <strong>على</strong> إدراك الفرد كجزء من بناء اجتماعي وأنالبناء الاجتماعي جزء ومرحلة من مراحل التاريخ وب<strong>التالي</strong> يجب إدراكسياق اشكلات وأنه سياق بنائي وليس فرديا أو شخصيا ذاتيا (٣٦) .وكانت البحوث االاجتماعية في الولايات اتحدة قد اتجهت منذ نهايةالحرب العاية الأولى وجهة إمبريقية خالصة فابتعد الباحثون عن معالجةالقضايا النظرية وانصرفوا عن دراسة اوضوعات التي تتصل بالحياةالاجتماعية ككل واتجهوا إلى دراسة اشكلات الجزئية التي ترتبط بحاضراجملتمع والتي تقبل اشاهدة الحسية لتعر ُّف كل دقائقها وتفاصيلهاوالوصول إلى قضايا تتعلق بواقع الحياة الاجتماعية (٣٧) .ولعل أفضل سبيل للتعريف بالاتجاه الإمبريقي من حيث فلسفتهوإجراءاته انهجية أن نرجع إلى ما كتبه عنه ‏(بول لازار سفيلد Lazarsfeld P.وهو من أكثر اتحمس لاستخدام النماذج الرياضية والأساليب الإحصائيةفي البحوث الاجتماعية فقد كتب يقول (٣٨) :ثل الإمبريقية نقطة تحول حقيقية من مرحلة الفلسفة الاجتماعيةإلى ارحلة العلمية التجريبية وتتسم موضوعات الدراسة في البحوثالإمبريقية بالسمات الأربع <strong>التالي</strong>ة:‏١ دراسة السلوك الواقعي للأفراد بدلا من التركيز <strong>على</strong> دراسة تاريخالنظم والأفكار.‏٢ عدم الاقتصادر <strong>على</strong> دراسة قطاع واحد من قطاعات الحياة الإنسانيةوالعناية بربط كل قطاع بغيره من القطاعات.‏٣ الاهتمام بدراسة اواقف واشكلات الاجتماعية اتكررة بدلا منالتركيز <strong>على</strong> دراسة اواقف واشكلات التي لها طابع فردي متميز.‏٤ دراسة الظواهر اعاصرة بدلا من التركيز <strong>على</strong> دراسة الوقائعالتاريخية.‏ ويرجع هذا الاتجاه اللا تاريخي إلى نوع من التفضيل اعرفيحيث إن الباحث يستطيع أن يحصل <strong>على</strong> البيانات التي يريدها عن الظواهراعاصرة بسهولة ويسر.‏وينقد ميلز هذه الأفكار فيؤكد أن الواقع العملي يشير إلى أن البحث133


فلسفات تربوية معاصرةالإمبريقي لا يتخذ من السلوك الواقعي للأفراد وحدة للدراسة وإا يلإلى ماكن تسميته ب ‏(النزعة السيكولوجية)‏ Psycholagism كما أن الباحثيبتعدون عن دراسة اشكلات اتصلة ب ‏(الوسط الاجتماعي)‏. (٣٩) Milieuأما بالنسبة للنقطة الثانية فلا يعتقد ميلز أن ذلك القول صحيح.‏ويكفي للتدليل <strong>على</strong> ذلك أن نقارن ب كتابات الرواد الأوائل من أمثالماركس وسبنسر وفيبر وكتابات أنصار الاتجاه الإمبريقي فالكتابات الأولىكانت تهتم عالجة الظواهر والنظم الاجتماعية في ترابطها وتساندهاالوظيفي <strong>على</strong> ح أن الدراسات الإمبريقية لا تعنى إلا بإيجاد الارتباطاتالإحصائية.‏وقد يفهم من العبارة الواردة في البند الثالث أن الإمبريقي يتجهوناتجاها بنائيا حيث إن التكرارات أو الانتظامات التي تحدث باجملتمع ترتكز<strong>على</strong> الوحدات التي يتألف منها البناء الاجتماعي العام.‏ فلو نظرنا إلىالحملات السياسية في الولايات اتحدة مثلا نجد أنها ترتبط بتركيبالأحزاب القائمة بالأسس الاقتصادية التي ترتكز عليها وبالأدوار التيتؤديها في الحياة الاجتماعية ولذا فإن الدراسة البنائية لتلك الحملاتتستلزم دراسة التنظيمات الحزبية والصلات القائمة بينها وب مختلفالتنظيمات الاقتصادية والاجتماعية غير أن لازار سفيلد لا يعني ذلكمطلقا وإا يعني أن الانتخابات عملية متكررة ويشترك فيها أشخاصكثيرون ونتيجة لعمومية هذه الظاهرة وتكرارها فإن من امكن دراسةسلوك الأفراد في مجال التصويت دراسة إحصائية متكررة (٤٠) .أما الفكرة الرابعة فيرى ميلز أن هذا التحيز اعرفي يتعارض مع صياغةمشكلات مهمة لها دلالتها في العالم الاجتماعي ذلك لأن الوقائع التاريخيةتقدم مادة أساسية ولازمة للدراسة في العلوم الاجتماعية ولا كنالاستغناء عنها بأي حال من الأحوال.‏ومن حيث تفسير الوقائع الاجتماعية يرى ميلز أن لازارسفيلد يهبطبالحقائق السوسيولوجية إلى مستوى اتغيرات السيكولوجية ويقتصر<strong>على</strong> اتغيرات التي تفيد في البحث الإحصائي ويستدل <strong>على</strong> ذلك بأنلازارسفيلد يقول إن ثمة شيئا ما في شخصيات وخبرات واتجاهات الناسSocial134


الاتجاه النقديتجعلهم يتصرفون بأساليب مختلفة في اواقف التي تبدو متماثلة.‏ ثمضي ميلز إلى القول إن النظرية الاجتماعية وفقا للنظرة الإمبريقية تصبح في جملتها مجرد تجميع منظم للمفاهيم واتغيرات التي تفيد فقطفي تفسير البيانات الإحصائية وهذا الاتجاه من شأنه أن يجعل منهجالبحث غاية في ذاته بدلا من أن يكون وسيلة للحصول <strong>على</strong> حقائق تفيد فيإغناء النظرية الاجتماعية (٤١) .ومن اوضوعات التي تب منهج ميلز البحثي دراسته عن ‏(صفوة القوة)‏Power Elite في الولايات اتحدة ذلك الجانب الذي يغيب غالبا منالدراسات التربوية مع أنه هو الذي كن أن يلقي الضوء <strong>على</strong> ما تعانيهالنظم التربوية في العالم الثالث بصفة خاصة من موقع متدن في خريطة‏(القوة)‏ في اجملتمع.‏ ودراسة ميلز هذه توضح في مجتمع واحد كيفكن أن تترابط جماعات الصفوة الأساسية ترابطا مطردا.‏ متفقة <strong>على</strong>أهداف السياسة العامة وكيف تنحدر هذه الجماعات من طبقات بعينها.‏أما القضايا الرئيسية التي طرحها ميلز فإنها تلخص فيما يلي:‏ أولا أنالتغيرات التكنولوجية فضلا عن التغيرات في النظم الاجتماعية قد أنتجتتركزا للقوة لم يسبق له مثيل ووسعت ب<strong>التالي</strong> من الهوة التي تفصل بالصفوة والجماهيرية.‏ثانيا:‏ أنه لا كن الحكم <strong>على</strong> طابع صفوة بعينها و<strong>على</strong> سياستها العلميةمن مجرد النظر إلى الأصول الاجتماعية لأعضائها ‏(<strong>على</strong> الرغم من أنتلك حقيقة مهمة)‏ ولكن يجب أن يدرسا أيضا في علاقتهما بتشكل نظرةأعضاء الصفوة من خلال التدريب والخبرة وبالإطار التاريخي والنظاميالذي يوجدان فيه (٤٢) .وكن تحديد طابع الصفوة الإدارية بصورة مبدئية من خلال مقارنتهابالأاط الأخرى لجماعات الصفوة فهي تختلف عن جماعات الصفوةالأخرى في كونها صغيرة نسبيا ومحددة بدقة ومتجانسة ‏(كنتيجة للتدريباشترك وارسة اهنة)‏ ومتماسكة.‏ وفضلا عن ذلك فإنها تنخرط مباشرةفي ارسة القوة السياسية وهي تتميز بذلك من عدد من الجماعاتالأخرى التي قد تلك هيبة اجتماعية عالية ولكن تنقصها القوة.‏ وتختلفالصفوة اكونة من القادة السياسي وهي التي تهتم بالقوة بشكل مباشر135


فلسفات تربوية معاصرة عن الصفوة الإدارية في كونها أقل وضوحا في حدودها وأقل ترابطاحيث نجد في اجملتمعات الحديثة جماعات سياسية فرعية متنافسةومتصارعة ‏(أحزاب سياسية متعارضة أو تكتلات داخل حزب واحد).‏ أماصفوة اثقف فإنها أكثر صعوبة في تعريفها فهي أقل تنظيما وأقلترابطا وأقل قوة باعنى الدقيق للكلمة من معظم جماعات الصفوةالأخرى أما الصفوة العسكرية فإنها تتشابه من وجوه عديدة مع الصفوةالإدارية ولكنها تستبعد عادة من امارسة اباشرة للقوة السياسية (٤٣) .وتظهر صعوبات عديدة عندما نتجاوز هذا التحليل اقارن لنحددبدقة وبشكل مباشر مدى يز واتساق صفوة بعينها.‏ ورغم ذلك فإنه منامكن تحديد بعض الشروط الائمة التي كن قيامها من ناحية ابدأمثال ذلك تحكم الجماعة في أسلوب توافد الأعضاء إليها وتشابه الأعضاءفي الخلفية الاجتماعية الثقافية ومدى التفاعل ب الأعضاء داخل النطاقالمحدد لنشاط الجماعة وخارج هذا النطاق والروابط التكاملية ‏(مثلالقرابة)‏ ب الأعضاء كما كن أيضا تحديد بعض اعايير التي كن منخلالها الحكم <strong>على</strong> تضامن الجماعة:‏ درجة التشابه في مفاهيم الأعضاءعن الجماعة ومظاهر التعبير عن روح الجماعة وغير ذلك من اعايير.‏ وإذاما حاولنا الحكم <strong>على</strong> الصفوة الإدارية وفقا لهذه اعايير فإنها سوفتكشف عن درجة عالية من التماسك (٤٤) .التعليم وأزمة التبعية:‏النظام الرأسمالي نظام عاي واحد وينقسم هذا النظام إلى مجموعتمن الدول:‏ دول اركز ودول الأطراف المحيطة.‏ ودول اركز نعني بها الدولالرأسمالية اتقدمة فيقوم اقتصادها <strong>على</strong> وسائل الإنتاج الإنتاج للاستهلاك.‏أما دول الأطراف المحيطة باركز فنعني بها تلك الدول النامية التياندمجت في النظام العاي <strong>على</strong> مر التاريخ الرأسمالي دون أن تنمو وتتحولإلى مراكز ويقوم اقتصادها <strong>على</strong> الاستخراج والتصدير ولك واستهلاكمنتجات وصناعات دول اركز وهذا التقسيم يعني نوعا من التبعيةالاقتصادية والسياسية من دول المحيط لدول اركز (٤٥) .ولهذا التقسيم الدولي للعمل نتائج تربوية إذ ينعكس التقسيم العاي136


الاتجاه النقديللعمل <strong>على</strong> النظم التعليمية في شكل تقسيم متخصص في التربية فيدورالتعليم في دول اركز حول اعارف الإنتاجية أي اعارف ذات الأهميةالوظيفية فى الإنتاج بينما نجد التعليم في دول الأطراف التابعة يدور حولاعرفة الاستهلاكية أي اعرفة ذات الأهمية الوظيفية في الاستهلاك.‏إن معنى ذلك أن بنية سوق العمل في العالم الثالث هي مسألة ناتجةعن تشوه التنمية في دول الأطراف نتيجة موقعها في سوق العمل الدولي.‏وهذا التشوه هو الذي دفع أو شكل بنية النظم التعليمية حتى تتوافق معالبنى الاجتماعية اخملتلفة ؤسسات الإنتاج القائمة في اجملتمع (٤٦) . وبشكلعام تصبح التربية من حيث هي كذلك لا تخدم سوى القوى استفيدة منعملية التنمية اشوهة في الداخل والقوى الصناعية في الخارج في دولاركز.‏وقد حاولت القوى الاستعمارية عن طريق التعليم إعداد أبناء الشعوباستعمرة للقيام بأدوار تبقي <strong>على</strong> العلاقة بينهما وتقبلت الدول التياستعمرتها فكرة أن التعليم هو الطريق إلى التحضر والارتقاء إلى مستوىاستعمرين.‏ وقد كانت الرأسمالية في فترة تاريخية قوة ثورية تقدميةتحرر اجملتمع من العلاقات الإقطاعية ا فيها من علاقات العداءواللاعقلانية.‏ وكانت ادارس قوة محررة لأنها تساعد كل جيل ليعمل فيالبنى الرأسمالية القائمة ومن ثم نقل العالم الثالث نظام التعليم الغربي<strong>على</strong> أساس أنه سيقوم بالدور نفسه الذي سبق أن أداه في تاريخ الغربلكنه فيما يؤكد مارتن كارنوي Carnoy كان بعيدا كل البعد عن كونه أداةتحرير وإا جاء إلى معظم البلدان النامية كجزء من الإمبريالية متسقامع مراميها وهي السيطرة الاقتصادية والسياسية <strong>على</strong> الشعب كله في بلدمن البلدان والسيطرة <strong>على</strong> الطبقة الحاكمة في بلد ا^خر.‏ ولم يساعدالتعليم الناس <strong>على</strong> أن يتخطوا الهرمية القائمة في اجملتمع وإا عمل <strong>على</strong>تطويعهم لحاجات هذه الهرمية سواء صلحتهم أو لغير مصلحتهم.‏ وبدلامن نشر التعليم كانت مهمته أن يعقلن ما لا يقبله العقل بحيث يتقبلون البنىالتي تستبعدهم.‏ وبدلا من تنمية الدقراطية والفكر الناقد لعب التعليمدوره في إسكان الناس والرضا ببنية القوة في مجتمعهم من غير اعتراضوهذا هو الجانب الاستعماري في التعليم (٤٧) .137


فلسفات تربوية معاصرةوفي عام ١٩٧٤ نشر البنك الدولي دراسة بعنوان ‏(ورقة عمل لقطاعالتعليم)‏ حدد فيها سياسته في ميدان التعليم وشكلت تلك الورقة خلاصةأخرى لكارنوي لكي يبرز لنا ا^راءه من خلال مناقشته لدور اؤسسات الدوليةبالنسبة لسياسات التعليم في دول العالم الثالث بصفة خاصة (٤٨) .إن هناك عددا من الافتراضات حول كيف تكون اؤسسات الدولية ‏(‏افيها تلك اؤسسات اوجودة في الدول اتقدمة التي تقدم عونا دوليا)‏مهتمة بهذا القدر بشؤون التعليم الدولي واذا?‏ و<strong>على</strong> وجه الخصوصكيف توجد أاط معينة من الإصلاحات التعليمية واذا?‏ لقد قيل إنالدول ‏(اتلقية)‏ تطلب أنواعا معينة من الخبرة أو الحلول شكلات معينةوأن الدول ‏(اانحة)‏ واؤسسات الدولية تتجاوب مع تلك اطالب.‏ و<strong>على</strong>سبيل اثال فإن مشكلة تزويد تعليم ابتدائي وثانوي بتكاليف منخفضةوجودة عالية في الوقت نفسه قد أدى إلى نوع من التجاوب الذي ثل فيالوسائل التعليمية ‏(التلفزيون والراديو)‏ وقد أدت الحاجة إلى تعليم ريفيمناسب إلى العناية بالتعليم غير النظامي.‏ ولكن ما يستحق الجدل هنا مايتصل باؤسسات من حيث إنهاوحدها التي تتجاوب مع اطالبالجماهيرية وأن هذه اطالب تعكس احتياجات مجتمعات الدول النامية (٤٩) .ومن ناحية أخرى فقد قيل إن الدول اانحة ووكالات اعونة الفنيةتتميز بروح الخبرة عنى أن خبراء دولي لديهم اعرفة التي اكتسبوهامن خبرات قومية متعددة ينظمون إصلاحات تعليمية قومية في الدول ذاتالدخول اخملتلفة من خلال الحكومة المحلية لأنهم أقدر بطريقة أفضل <strong>على</strong>تقد وتقو التغيرات الناجحة في النظم التعليمية أكثر من اخملططالتعليمي المحلي‏.‏ وهكذا فإن الخبرة تركز <strong>على</strong> استوى الدولي وهذهالخبرة تكون في وضع أفضل لاقتراح التغيير أكثر من السياسي أوالتكنوقراطي الأقل معرفة.‏ويرى كارنوي أن دور الوكالات الدولية في إحداث التغيير في الدولذات الدخول انخفضة هو بغرض توجيه هذا التغير في اتجاهات معينةتتماشى مع مصالح البرجوازية الدولية اتقدمة والبرجوازيات في الدولالتابعة نفسها كذلك فإن التوصيات التي توضع ونوعيات التمويل اتاح منأجل التعليم يتحتم عليها أن تتماشى مع مفهوم الرأسمالي الدولي عن138


الاتجاه النقديالتقسيم الدولي للعمل ‏(اكان الذي يتم فيه الإنتاج وكيفية الإنتاج)‏ وكذلكيتوجب أن تكون متمشية مع افهوم القومي للبرجوازي بالنسبة لدورهمفي اشاركة في الفائض.‏ ويخضع كل من افهوم للصراع من أجل سطوةالطبقات السائدة في الدول ذات الدخل انخفض والظروف اتغيرة للسلطةفي الدول الصناعية.‏ ولكن رد فعل الوكالات بالنسبة لتلك الصراعات ينزعلأن يكون هادئا عنى أنه يبقي نفسه <strong>على</strong> هامش الصراع ولا يدخل فيقلب الصراع نفسه.‏ وتحول تلك الوكالات دفع اجملتمعات في اتجاهاتللتغيير لا تحول السلطة بطريقة جذرية من الطبقات المحلية السائدةاتحالفة مع البورجوازي انتم للعواصم الكبرى وبذلك تحاول أن تسيطر<strong>على</strong> التغير بطريقة معينة فالوكالات تدخل في الصراع ولكنها لا تبقىمحايدة:‏ فهناك وضع تعضده وتستخدم خبرتها الفنية التي تدافع عنها‏(ومواردها)‏ لكي تؤكده (٥٠) .ومنذ زمن ليس ببعيد ذهب معظم القادة واخملطط في البلاد التييسود فيها ‏(اقتصاد السوق)‏ إلى أن حل مشكلة الفقر يتوقف <strong>على</strong> التوسعالسريع في الإنتاج الاقتصادي.‏ ولكن هذا الحل لم يتحقق لسبب‏:‏ أحدهماأنه ثبت أن زيادة الإنتاج أعسر ا يتصور والا^خر أن النصف الأفقر منالسكان لم يصبح أحسن حالا <strong>على</strong> الرغم ا دلت عليه الإحصاءات منزيادة دخل الفرد في تلك البلاد.‏ وفيما مضى ذهب القادة وصانعو السياسةإلى أن التعليم هو من اتغيرات الأساسية في زيادة الإنتاج وحل مشكلةالفقر وأن التنمية الاجتماعية والاقتصادية لن تلبث أن تتحقق متى ارتفعمعدل التعليم ومحو الأمية وزاد عدد سنوات التعليم ب صفوف القوةالعاملة.‏ وتوسعت بلاد اقتصاد السوق في أنحاء العالم في النظم التعليميةولكن التنمية الاقتصادية لم تحدث بالضرورة.‏ وإنك لتجد الا^ن في كثير منالبلاد أن القوة العاملة أصبحت أكثر تعلما والدخل الفردي أشد ارتفاعاا كان عليه في العقد السادس ولكن الفقر ادقع ب جمهور السكانوارتفاع معدل البطالة لا يزالان <strong>على</strong> ماهما عليه.‏ وقد أضيفت إلى ذلكظاهرة جديدة هي ارتفاع مستوى التعليم بصورة محسوسة ب العاطل (٥١) .وإزاء هذه الظروف أخذ القادة واخملططون يدركون بالتدريج أن النموالاقتصادي وحده لن يحل مشكلة الفقر حلا سريعا يكفي واجهة الضغط139


فلسفات تربوية معاصرةالسياسي الداخلي وأصبح توزيع الإنتاج في بداية هذا العقد ‏(السبعينيات)‏ضرورة ملحة من ضرورات التنمية كما وجب أن يكون للتعليم دور أساسيفي إعادة توزيع الدخول كما كان له في عملية النمو الاقتصادي.‏ ولكنالعلاقة ب التعليم وتوزيع الدخول أقل وضوحا من الارتباط بينه وبالنمو الاقتصادي ذلك الارتباط الذي ترجع قوته إلى استثمار رأس االالبشري في عملية النمو وإن كان العائد الاقتصادي لاستثمار رأس االالبشري أقل ا يظن في الأصل (٥٢) .وفي الإمكان أن نفهم أن الأفراد الذين نالوا حظا أوفر من التعليميتقدمون من الناحية الاقتصادية <strong>على</strong> من عداهم.‏ وبإمكاننا أيضا أن نتصورأنه إذا تساوت الظروف وتلقى أبناء الفقراء قدرا من التعليم أكبر ا تلقاهأبناء الأسر ذات الدخل اتوسط أو العالي فإنه لن ر عشرون سنة حتىيتحول الفقراء إلى أغنياء والأغنياء إلى فقراء.‏ وهذا هو مفهوم ‏(الانتقال)‏في توزيع الدخول ودور التعليم في ذلك لا لبس فيه ولا غموض فمن نالنصيبا من التعليم نال نصيبا من الدخل بشرط أن توزن أقدار الرجالبعلمهم لا بشرف ا^بائهم واشكلة فيما يتعلق بانتقال الدخول أنها قلماتنتقل بالقدر الكافي للقضاء <strong>على</strong> الطبقات الاجتماعية الدائمة ‏(السببفي ذلك أن أبناء الأغنياء يحصلون بفضل أموالهم <strong>على</strong> حظ من التعليمأوفر من حظ أبناء الفقراء وهكذا يصبح التعليم أداة للإبقاء <strong>على</strong> الأوضاعالاجتماعية والاقتصادية القائمة وانتقالها من جيل إلى جيل بدلا من أنيكون أداة لانتقال الدخول من طبقة إلى أخرى وهذا لم يصدق <strong>على</strong>اجملتمعات الرأسمالية فحسب بل أيضا <strong>على</strong> اجملتمعات الاشتراكية ولكنبدرجة أقل.‏وهذا الدور الذي يقوم به التعليم هو دور مقصود إلى حد ما وبيانذلك أن اجملتمع الذي تسيطر فيه اصالح الرأسمالية من داخلية وخارجية<strong>على</strong> أقدار الدولة لا يتيح للفلاح والعمال من فرص التعليم أكثر ا يتيحلأبناء البرجوازي والطبقة الوسطى.‏ ولكن شطرا من هذه اشكلة يتمثلفي أن الا^باء <strong>ذوي</strong> الدخول العالية ن أصابوا حظا أوفر من التعليم واشتغلوابالأعمال العقلية يحرصون <strong>على</strong> أن يكون أبناؤهم أوفر حظا من العلم منأبناء العمال والفلاح (٥٣) .140


الاتجاه النقديومن هنا كان من العسير تحقيق اساواة في الدخول ب جميع الطبقاتالاجتماعية عن طريق التعليم في مجتمع يتفاوت فيه توزيع الدخل تفاوتاكبيرا.‏ بيد أن هناك مجالا ا^خر للمساواة في الدخول وهو التقريب بالحد الأدنى والحد الأ<strong>على</strong> من الدخول في اجملتمع.‏ فإذا تحقق ذلك قلتالفروق ب الطبقات بصورة ملحوظة وإذا تحقق النمو الاقتصادي حصلأصحاب الدخول الدنيا <strong>على</strong> نصيب أوفر ا يحصلون عليه في الاقتصادالذي يتفاوت فيه توزيع الدخول.‏والسؤال الا^ن:‏ ما دور التعليم في التقليل من تفاوت الدخول?‏هناك ا^راء نظرية أنه متى تكافأت فرص التعليم ب السكان تكافأتوزيع الدخول ومتى ارتفع مستوى التعليم ومستوى الدخل الفردي أصبحتوزيعهما أقرب إلى اساواة ولكن هناك مايدعو إلى الشك في صحة هذهالا^راء (٥٤) . وأبرز ماكن سوقه هنا أن توزيع رأس اال البشري لا يؤثر فيأحسن الأحوال إلا في توزيع الأجور وارتبات التي لا ثل <strong>على</strong> أكثر تقدير٦٠% من الدخل القومي أما النسبة الباقية فهي ثل عائد رأس االوالأرض وهو موزع بطريقة أبعد عن العدالة من توزيع رأس اال البشريوأقل خضوعا لإعادة التوزيع في البلاد الرأسمالية من التعليم والتدريبولذلك فإن تغير توزيع الأجور وارتبات عن طريق إحدى السياسات التعليميةلا يؤثر إلا في أقل من ثلاثة أخماس توزيع الدخل الكلي.‏كذلك فيما يشير كارنوي فإن الأبحاث الإمبريقية في الولايات اتحدةالأمريكية التي أجراها أصحاب نظرية رأس اال البشري ستلقي ظلالامن الشك <strong>على</strong> الاعتقاد القد القائل إن زيادة التعليم تؤدي تلقائيا إلىزيادة اساواة في الأجور وارتبات.‏ ويرى كل من ‏(منسر)‏ و(تشزويك)‏ أنأهم عامل يفسر تفاوت الأفراد في الولايات اتحدة من ١٩٣٩ إلى ١٩٦٩ لميكن هو تفاوت التعليم بل كان هو البطالة الدورية.‏ وقد أوضح ‏(أديلمان)‏و(موريس)‏ أن توزيع الدخول في البلاد النامية يزداد تفاوتا كلما ازدادتدخول عدد كبير من الأفراد وأن البلاد ذات الدخول العالية والتوزيع غيراتكافىء توجد فيها قوى عاملة ذات مستوى عال من التعليم اتوسط (٥٥) .وهكذا لم يعد في وسع صانع السياسة أن يسلم بالحقيقة القائلة إنارتفاع مستوى التعليم ب السكان يؤدي ا^ليا إلى اساواة في توزيع الدخول141


فلسفات تربوية معاصرةوأن اسألة ترتبط أكثر بانتهاج سياسات أخرى اقتصادية وسياسيةواجتماعية.‏<strong>على</strong> وجه التحديد أنوقد أوضحت أبحاثمجهودات الإصلاح والتوسيع في التعليم لم تؤد إلى إزالة فقر <strong>أطفال</strong>العمال والأقليات.‏ وأوضحت أبحاث Collins, Hurn أن الخلفية الاجتماعيةللطفل هي التي تؤثر في مستواه الاقتصادي والاجتماعي في الكبر حتىوإن أكمل تعليمه وحينما يتساوى استوى التعليمي فإن اتغير الاجتماعيهو الذي يؤثر في وضعية الفرد الاجتماعية والاقتصادية والعائد الاقتصاديلفرد ما من التربية يتحدد بطبقته الاجتماعية وأن الاختلافات ب البيضوالسود في الولايات اتحدة الأمريكية فيما يتعلق بعائد التعليم قد يزولحينما يتساويان في مستوى الطبقة الاجتماعية (٥٦) .وأوضحت الأبحاث الإمبريقية التي قام بهاأن العلاقة ب التربية ادرسية ومستوى أداء العمل في حقول الإنتاج هيعلاقة غير وطيدة ومازالت ثل مشكلة في مجال البحث التربوي أيأنها ليست ثل تلك البساطة التي تقدمها لنا اذج علم اجتماع التربيةالتقليدي.‏ ولقد استعرض Collins نتائج كم كبير من الأبحاث الإمبريقيةليؤيد دعواه في أن ما يعلم في ادرسة من مهارات معرفية ليس له صلةبتحس إنتاجية العمل.‏ وكذلك فعل كل من Squires Robert وذهب إلى ماهو أبعد من ذلك فيؤكد أن ما يتعلم في ادرسة من مهارات معرفية قديكون في بعض الأحيان معوقا لإنتاجية العمل ذاتها ويدلل كولنز أيضا <strong>على</strong>أن التغريب والتعليم الفني <strong>على</strong> وجه الخصوص يستفاد من خبرة العملالفعلية أكثر ا يستفاد من التعليم ادرسي.‏ وأثارت الأبحاث الإمبريقيةالتي أجراها كل من Beird, Berg التساؤل حول علاقة التربية ادرسيةوالتحصيل الدراسي من جهة والإعداد للعمل من جهة أخرىAl Berg Bedrosain .Jencks Et. (٥٧)Levin, Coleman, Jencksالتعليم يعاود إنتاج النظام الاجتماعي القائم:‏وحاول اجتماع التربية أن يب أن الالتحاق بادرسة رغم ظاهر الأمرلا يجعل حظوظ الأطفال من التعليم متساوية.‏ وقد قامت استقصاءاتعديدة حاولت أن تثبت العلاقة اوجودة ب انشأ الاجتماعي الثقافي142


. (٥٨)الاتجاه النقديللطلاب من جهة وب إيقاع النمو لديهم وجدوى ادرسة من جهة أخرى.‏وسواء تناولت هذه الاستقصاءات مرحلة رياض الأطفال أو عنيت عاهدالتعليم الابتدائي أو التعليم الثانوي أو عنيت ببعض اواد <strong>الخاصة</strong> أوبحث موضوع النجاح في التعليم العالي أو اهتمت بجملة اراحل التعليميةفإنها تصل إلى تقرير نتيجة واحدة وهي أن اعدل اتوسط للنمو منذالسنوات الأولى للعمر يتغير تبعا ستوى البيئة المحيطة بالطالب وأنالأثر الجيد لهذه البيئة يتجلى منذ دخول ادرسة ثم يرسخ ويتأكد خلالاراحل <strong>التالي</strong>ة اتعاقبة ومستوى الأداء الذي يقدمه الطالب متوقف <strong>على</strong>مستوى ذلك ‏(القوام)‏ أو ‏(الجوهر)‏ الذي وفرته البيئة منذ البداية والذييقوى وكن لنفسه باستمرار بحيث تكون سرعة التقدم حتى نهاية الدراسةتابعة له وهذه العوامل تلعب دورا مهما أيضا لدى العائلات الريفية تلكالعائلات التي تجد عسرا في ثل القيم ادرسية والتي تهب الصدارةللأعمال اليدوية <strong>على</strong> حساب الأعمال الفكريةلقد كشفت دراسات متعددة في فرنسا وفي انجلترا وفي السويد عن أنالهوة ب توزع الطبقات الاجتماعية وب مدى كونها ثلة في مؤسساتالتعليم تزداد عمقا في اراحل اتقدمة من التعليم وتبلغ أوجها في التعليمالجامعي ا يؤدي إلى تباين في حظوظ الانتساب إلى اهن التي تتطلبتأهيلا طويلا والتي نح مسؤولية أ<strong>على</strong>.‏ والفارق ابدئي في مدى التحسسبقيمة الثقافة يتزايد عبر مراحل الدراسة وهيهات أن تقضي عليه تلكالدراسة.‏ صحيح أن فرضيات متباينة تقدم من أجل هذه الظواهر إذتعزى إلى العوامل الاقتصادية أو اوقع الجغرافي أو إلى مستوى الطموحأو إلى الفجوة القائمة ب بنية لغة الحديث بنية لغة ادرسة أو إلىالانفصام القائم ب الاهتمامات التي جدها المحيط اليومي تلك التييحترمها اعلم ويتطلبها أو أخيرا إلى ما نجده لدى الطبقات العماليةوالريفية من ألفة للنتاج الفكري الذي تيسر معرفته اسبقة النجاح فيادرسة.‏ ولكن أيا كانت التفسيرات فإنها تقود إلى القول بأن ادرسة لمتكن كافية لتحقيق الدوقراطية في اجملتمعومن هنا فقد أكد كل من بورديو باسرون Bourdieu-Passeron <strong>على</strong> أنالتعليم يسهم في إعادة إنتاج النظام الاجتماعي القائم فيساعد بذلك <strong>على</strong>. (٥٩)143


فلسفات تربوية معاصرةتثبيته واستمراره فكيف يكون ذلك (٦٠) .في رأي بورديو باسرون أنه لا كن فهم أية ظاهرة تعليمية كتمثيلالفئات الاجتماعية اخملتلفة في مراحل التعليم أو ثيل الجنس أو نسبةاتخرج‏...‏ الخ ما لم توضع هذه الظاهرة ضمن ‏«أنظمة العلاقات التيتتعلق بها»‏ وبشكل عام ما لم يتم إرجاعها إلى ‏«نظام التعليم وبنية العلاقاتالطبقية»‏ ذلك أن أية ظاهرة تعليمية إا تظهر فيها دائما بنية نظامالتعليم في فرنسا عند أبناء العمال الزراعي من ١&١% إلى ٧&٢% وعندأبناء العمال من ٣&١% إلى ٤&٣% وعند أبناء الفلاح من ٤&٣% إلى٠&٨% بينما ازدادت هذه الفرص من ٠&٣٨% إلى ٧&٥٨% لدى أبناءالكوادر العليا واهن الحرة ومن ٤&٥٤% إلى ٥&٧١% لدى أبناء الصناعي‏.‏إن هذه الزيادات اجملردة والخام لا تعنى بحد ذاتها أن التعليم العاليينحو إلى تحقيق علاقات اجتماعية أكثر دوقراطية.‏ ولابد من تحديدكامل معناها الاجتماعي للوقوف <strong>على</strong> الوظيفة الاجتماعية للتعليم العالي.‏من هذه الزاوية كن القول إن زيادة الفرص التعليمية عند أبناء العمالوإن كانت بنسبة ١٥٠% لا كن أن يكون لها اعنى نفسه الذي تتخدهالزيادة الحاصلة في فرص أبناء الصناعي وإن لم تتعد الأخيرة نسبة٤٠% ذلك أن الزيادة التي يز الفرص الجامعية لأبناء العمال رغم ارتفاعهالم تجعل بعد من التعليم العالي مستقبلا معقولا أو محتملا بالنسبة لهذهالفئة الاجتماعية.‏ أما الزيادة الحاصلة عند أبناء الصناعي خاصة إذاأضفنا إليها استئثار هذه الفئة بادارس الكبرى وببعض أنواع الدراساتالعالية <strong>الخاصة</strong> كالسينما واسرح والتصوير وهي غير محسوبة فيالإحصاءات السالفة فتنحو إلى تحقيق شيء من الإشباع التعليمي بالنسبةلهذه الفئة الاجتماعية.‏ثم إن حساب الفرص اشروطة للدخول إلى الكليات اخملتلفة يظهر أنزيادة ثيل الطبقات الدنيا اقتصرت <strong>على</strong> كليات الا^داب والعلوم دون أنتصاحبها أية زيادة في ثيلهم في الكليات الأخرى الأكثر قيمة كالطبوالصيدلة والهندسة.‏ و<strong>على</strong> العكس فإن زيادة ثيل أبناء الطبقات الدنيافي كليات الا^داب والعلوم صاحبه تحول أبناء الطبقات العليا أكثر فأكثرعن هذه الكليات وتوجههم بنسب أ<strong>على</strong> فأ<strong>على</strong> باتجاه الكليات الأكثر مردودا144


الاتجاه النقدياقتصاديا اجتماعيا.‏وهكذا كن الاستنتاج بأن الزيادات الحاصلة لا ثل أية دوقراطيةتعليمية بقدر ما تشكل نوعا من ‏(الإزاحة إلى أ<strong>على</strong>)‏ لبنية الفرص الجامعيةعند مختلف الفئات الاجتماعية وبذلك يكون نظام التعليم قد كرس منخلال منطقه الخاص الامتيازات الثقافية للفئات السائدةولا عجب إذن أن يعتبر ‏(بورديو)‏ و(باسرون)‏ دون اعلم في معاودةالإنتاج الاجتماعي دورا مركزيا فاعلمون <strong>على</strong> شاكلة تلاميذ أيام زمانوطهم التقليدي لهم من خبرتهم التربوية الكلية ما يجعلهم متأهبللعمل من أجل دومة نظام القيم الذي يرتكز عليه رأسمالهم الثقافيوهم ب<strong>التالي</strong> لا يتورعون عن تقدير التلاميذ الذين يبدون في سلوكهم تلكالقيم بالذات.‏ ولذلك يثبط اعلمون همة الطلاب ويبخسونهم حقهم في أنيكونوا ما هم عليه ويحملونهم <strong>على</strong> الاعتقاد بأهمية محاولتهم للفوزبالرأسمال الثقافي ذاتهوا يؤيد حكمة التحليل الذي قام به ‏(بورديو)‏ و(باسرون)‏ هو أن اعلميعتقدون عموما بقيمة التربية التي يقدمونها للطلاب بحد ذاتها وذلكشاهد واقعي صريح <strong>على</strong> فعالية استعدادهم للعمل في ذلك اضمار معالعلم أن اعلم يقرون بأهمية التربية من حيث توزيعها للحظوظ الحياتية<strong>على</strong> الناس ويعترفون بأن بعض الأولاد يأتون إلى ادرسة وهم متزودونا يؤهلهم للاستفادة من النظام التعليمي أكثر من غيرهم ولكن اعترافاعلم هذا لا يزعزع ثقتهم عادة بقيمة ما يدرسونه في حد ذاته.‏ ومن هناتتضح أهمية شهادة ‏(التبريز)‏ Agregation أو شهادة الأستاذية في فرنسامع أنها من الناحية التقنية ليست مؤهلا أفضل من ‏(الدكتوراه).‏ ولكنالناس تعودوا أن يجروا في أثرها ويتكبدوا اشاق للفوز بها لأنها تؤمنللفائز وظيفة في نظام التعليم الثانوي وب<strong>التالي</strong> نحه النفوذ ليؤثر فيالطلاب ويعيد عملية الإنتاج الطبقي لإعادة مستقبليةويعتبر اكتشاف الدور الذي تقوم به ‏(علاقة الاتصال البيداجوجي)‏ فيإعادة إنتاج بنية الثقافة السائدة وتحليل بنيتها وتفسير وظيفتها منالإسهامات اهمة التي قدمها بوردو إلى علم اجتماع التربية.‏ وفي ضوءهذا الكتاب يوضح بورديو أن الا^ليات التي يعمل من خلالها النظام التعليمي. (٦١). (٦٣). (٦٢)145


فلسفات تربوية معاصرة<strong>على</strong> تثبيت وإعادة إنتاج بنية الثقافة واجملتمع القائم لا تكمن في محتوىالعملية التربوية ‏(أي اقررات الاجتماعية للاتصال البيداجوجي)‏Social TheRelation of The pedagogical Communication أي في طريقة غرس أو تدريسالمحتوى الدراسي نفسه لذلك يقول بورديو إنه إذا أردنا أن نحدد عواملالنجاح في العمل التربوي فإن علينا أن نتجه إلى تحليل التنوعات الاجتماعيةوالأكادية للمتلقى أي التلميذ ومصطلح ‏(العلاقة الاجتماعية للاتصال البيداجوجي)‏ عند بوردو يشيرإلى مركب من العلاقات يتكون من ‏(رأس اال الثقافي)‏ أي مجموعة التمكناتالثقافية واللغوية واعاني التي ثل الثقافة السائدة والتي اختيرت لكونهاجديرة بإعادة إنتاجها واستمرارها ونقلها خلال عملية التربية ومجموعةعلاقات القوى السائدة ب الجماعات الاجتماعية ‏(كما تبدو في بنية الفرسالنسبية لكل طبقة اجتماعية)‏ وهذا اركب العلائقي الذي يتكون من رأساال الثقافي وعلاقات القوى التي تتم من خلالها العملية التربوية الذيأسماه بوردو ‏(العلاقات الاجتماعية للاتصال التربوي)‏ هو ما يكون بالفعلالعلاقات البنيوية اوضوعية داخل نظام تعليمي ماوفي ضوء هذا الفهم لفعالية الاتصال التربوي نجد بورديو شديد الانتقادلتلك الدراسات والبحوث التي تحاول تحديد سبب النجاح أو الاخفاقالدراسي ‏(فعالية العملية التربوية)بعوامل منفصلة مثل الخلفية الاجتماعيةللتلاميذ أو الجنس أو الإقامة أو كفاءة اعلم...‏ أو غير ذلك من العواملاخملتلفة.‏ فبالنسبة لبوردو وكما هو وا ضح فإن الفشل أو النجاحأو حتى الانخراط في نوع من التعليم لا كن إرجاعه بطريقة ميكانيكيةإلى أي من هذه العوامل خارج إطار النظام التربوي التربوي أو داخله.‏ إنعوامل النجاح أو الفشل إا ترجع إلى جملة من العوامل التي تعمل جميعهافي كل واحد كنسق من العوامل السببية البنيوية التي تؤثر تأثيرا غير مرئيفي سلوك الطلاب واتجاهاتهم ومن ثم في نجاحهم أو رسوبهم أو انقطاعهمكلية عن مواصلة التعليم بعد فترة معينةومن هنا ذهب بورديو باسرون إلى أنه لا شيء يخدم النظام القائم أكثرمن الاختبارات الامتحانات التي لا يرقى إليها الشك أو العيب والتي قدتدعي قياس قدرة الشخص عند نقطة معينة من الزمن <strong>على</strong> القيام بوظائف. (٦٥). (٦٦). (٦٤)146


الاتجاه النقديمهنية معينة وإا ننسى أن هذه القدرة مهما اختبرناها باكرا في حياةالفرد إن هي إلا حصيلة التعليم والتعلم بأوصاف اجتماعية معينة.‏ كماأننا نغفل أن اقاييس الأكثر قدرة <strong>على</strong> التنبؤ هي بالضبط اقاييس الأقلحيادية من الناحية الاجتماعية.‏ والواقع أن الامتحان ليس فقط عبارة عنأوضح صيغة تتجلى فيها القيم الأكادية والخيارات الضمنية التي يحتويهاالنظام:‏ عن طريق فرض تعريف اجتماعي للمعرفة جدير بالتقدير الجامعيمع تبيان كيفية إظهار تلك اعرفة بل إن الامتحان هو إحدى الوسائلالأكثر فعالية من أجل تشريب الثقافة اسيطرة وتشريب قيمة تلكالثقافة (٦٧) . أو كما عبر ماركس عن ذلك تعبيرا موجزا بقوله إن الامتحانهو ‏(تعميد)‏ اعرفة معمودية بيروقراطية والاعتراف الرسمي بنقل اعرفةادنسة ا هي عليه وتحويلها إلى معرفة مقدسة.‏ويجادل بورديو باسرون من زاوية أن فرنسا تدفع ثمنا باهظا لقاءالمحافظة <strong>على</strong> الوضع القائم الذي يقضي بإعطاء الأولوية للثقافة العلميةوالأدبية من حيث وظائفها الاجتماعية بالأفضلية <strong>على</strong> الكفاءات منحيثوظائفها التقنية وذلك الثمن هو إهمال مطالب النظام الاقتصادي الواضحةوضوحا بدهيا.‏ ولاشك في أن هذا اأخذ الذي يشرحه بورديو باسرون لهما يبرره وهو يدين مجتمعات عديدة عن حق.‏ وا^ية ذلك ما جرى ويجريفي استعمرات الفرنسية السابقة وهذا مثل واضح <strong>على</strong> أنه كان منواجب الأنظمة التعليمية في تلك البلدان النامية أن تتوجه بطريقة عقلانيةإلى إنتاج اوظف اتزودين باؤهلات العملية والفنية بدلا من أن تتوجهكما جرت العادة إلى إكساب اتعلم ثقافة الصفوة الفرنسية اسيطرةاوصوفة سابقا وأن تخلق ب<strong>التالي</strong> طبقة جديدة من الناس ‏(اتطورين)‏ أيصفوة محلية تتمتع بنفس الرأسمال الثقافي الفرنسي وتعمل <strong>على</strong> استمراربقائهاإن أي نظرة نقدية سألة الثقافة ادرسية السائدة في اجملتمعاتالحديثة تكشف بالضرورة عن التناقضات الاقتصادية والاجتماعية العميقةالقائمة ضمن هذه اجملتمعات وفيما بينها.‏ والاتجاهات الأيديولوجيةاخملتلفة التي أفرزتها البلدان الرأسمالية إزاء هذه اسألة هي في التحليلالأخير تعبير مباشر عن مصالح الطبقات الاجتماعية اخملتلفة من خلال. (٦٨)147


فلسفات تربوية معاصرةعملية الصراع الاجتماعي الذي تخوضه حول ادرسة. (٦٩)الإصلاح التربوي وتناقضات الحالة الاقتصادية:‏وهكذا نجد أن ‏(النغمة)‏ السائدة في كل ادارس والاتجاهات النقدية<strong>على</strong> وجه التقريب تتمثل في تلك اقولة التي تذهب إلى أن بنية العلاقاتالاجتماعية القائمة في اجملتمع هي التي تهيمن <strong>على</strong> النظام التربوي فيهوتتم الهيمنة مباشرة أو غير مباشرة فأما الهيمنة اباشرة فنلاحظها فيعلاقة التناظر أو التوافق القائمة ب بنية النظام التربوي وب بنية علاقاتالإنتاج القائمة الطبقية في اؤسسات الإنتاجية في اجملتمع وذلك منخلال فعل اجتماعي مباشر من قبل القوى الاجتماعية اسيطرة.‏ وثمةصورة واضحة تجسد علاقة التناظر ب التربية وبنية العلاقات الاجتماعيةفي اجملتمع فبنية التفاوت الطبقي والبيروقراطية تنعكس في ذلك التفاوتفي الفرص التعليمية وفي التسهيلات في اصادر التربوية ب مناطقالحضر والريف وب اناطق الغنية والفقيرة كما تنعكس بنية التفاوتالطبقي أيضا في صور التشعيب والازدواجية في بنية النظم التعليميةحيث يحظى أبناء الطبقات العليا بأاط تعليمية راقية متميزة عن تلكالأاط أو الشعب التعليمية التي تترك لأبناء العامة.‏ كما تنعكس بنيةالتفاوت الطبقي أيضا في اختلاف ط العلاقات الاجتماعية السائدة فيكل ط من أاط التعليم بل في كل مرحلة من مراحله من حيث درجةالضبط والبيروقراطية والتسلطيةأما الهيمنة غير اباشرة التي ارسها بنية العلاقات الاجتماعية فياجملتمع <strong>على</strong> النظم التربوية فهي تلك الهيمنة التي تتم من خلال هيمنةثقافة الطبقات الاجتماعية السائدة في اجملتمع <strong>على</strong> النظام التعليمي نفسها سنبينه فيما بعد.‏ولعل أبرز من حلل هذا الجانب أو تلك اقولة عنى أصح من منظوراقتصادي ‏(باولز)‏ و(جينتس)‏ S.H.Gintis في كتابهماin Capitalist America ففي ردهما <strong>على</strong> عدد من صور النقد التي وجهت إلىالأفكار الواردة في الكتاب قالا...‏ والرسالة الأساسية التي يحملها كتابناللناس هي:‏ ‏(أن السياسة التربوية وحدها لا تستطيع أن تعالج مشكلاتناSchooling. (٧٠).Bowles& H148


الاتجاه النقديالاجتماعية ولكن عليها أن تكون جزءا من استراتيجية سياسية إجماليةتدك أسس اللامساواة الاقتصادية والتشويه الذي أصاب النماءالشخصي)‏ (٧١) .ويسلم الكاتبان بأن التعليم أداة للسيطرة الاجتماعية <strong>على</strong> مجال الاقتصادسواء في اجملتمعات الرأسمالية أو الاشتراكية لأن الاقتصاد ينتج الناسويعتبر إنتاج السلع شيئا قليل الأهمية إلا إذا كان مدخلا ضروريا في إنتاجالناس.‏ لكن في الاقتصاد الرأسمالي تتفاقم اشكلات في استخدام التعليمكا^لية للسيطرة والسبب في هذا بسيط ذلك أن عملية إنتاج الناس فيسوق العمل وفي سوق ادارس تحكمه عوامل الربح والسيطرة أكثر اتحكمه عوامل إنسانية.‏ والحاجة الضرورية للحصول <strong>على</strong> عمل يجبر ارء<strong>على</strong> أن يكون أقل ا كان كن أن يكون عليه.‏ أن يكون أقل حرية وأقلأمنا باختصار أقل مادية وبهذا فإن نظام الاقتصاد الأمريكي يعتبر فيشكله شموليا تتحكم فيه القلة في الكثرة لكن تلك الشمولية وههاالدوقراطية وتخفف منها معايير اساواة والعدالة واشاركةفلماذا يبقى الوضع <strong>على</strong> ما هو عليه رغم هذا التناقض ب النظامالسياسي والنظام الاقتصادي?‏يجيب الكاتبان بأنه لن يكون للنظام الاقتصادي استقرار إلا إذا كانوعي الناس في الشرائح والطبقات الاجتماعية اخملتلفة متسقا مع العلاقاتالاجتماعية التي يحددها شكل الإنتاج.‏ ويتطلب دوام البنية الطبقية أن يعادالتقسيم الهرمي ‏(التراتبي)‏ للعمل في وعي الناس والنظام التعليمي إحدىالا^ليات اتعددة للإنتاج من خلاله تحاول الصفوة اسيطرة تحقيقأغراضها.‏ تلك هي العلاقة الحقيقية ب التعليم والاقتصاد لا العلاقةالتي تقوم <strong>على</strong> تزويد التعليم للطلاب باهارات التي يحتاجها أصحابالأعمال ويدفعون لهاوفي معرض ردهما اشار إليه ا^نفا يدافع بولز وجينتس عن الفكرةالقائلة ‏«إن <strong>على</strong> الجميع أن يناضلوا ولاسيما اشتغل بالتغيير التربويالثوري ويواجهوا الرجعية المحافظة من أجل زيادة اكاسب التي حصلناعليها في مجال التربية الأمريكية»‏ ورا تثير ‏(اكاسب)‏ اشار إليها دهشةإذ تصدر من اثن خصصا كتابا مهما للهجوم الحاد <strong>على</strong> التربية الأمريكية. (٧٢). (٧٣)149


فلسفات تربوية معاصرةباعتبارها وذجا للتربية الرأسمالية السيئة لكن بولز وجينتس يؤكدان أننقدهما لا يعني بحال من الأحوال إنكار بعض صور التقدم التربوي فياجملتمع الأمريكي.‏إن الطابع التقدمي الجزئي في التربية الأمريكية ينشأ من كونه نتيجةنجمت عن التناقضات القائمة في مجتمع رأسمالي <strong>على</strong> شيء من التقدميةوقد أكد أن التربية الأمريكية بوجوهها اهمة نتجت عن الديناميكياتالتاريخية للمجابهة الطبقية.‏ ولاشك أن ادارس ليست بكل بساطة عبارةعن تجسيد مادي للتفكير اثالي الصادر عن الطبقة الرأسمالية وحلفائهامن افكرين فلو كان للنخبة اسيطرة مطلق الحرية في التصرف لظهربلا ريب مقدار أكبر من الفئوية ومقدار أقل من تكافؤ الفرص وتوافقأكثر ب العلاقات الاجتماعية وما كنا نجد تيارا نقديا في كليات التربية.‏إن اظاهر التقدمية للمدارس أمور حققها الناس عن طريق النضال ولذلكفهي لا ينبغي أن تصرف أنظارنا عن الظلم القائم في مواقع العمل ‏«أنالتربية حلية من أكثر الحليات جدوى للضغط من أجل التغير الاجتماعيويجب ألا ينتقص من أهميتها»‏ (٧٤) .إن موقف بولز وجينتس اشتق من دراستهما التربية يدعو إلى أن نبني<strong>على</strong> الوجوه اتقدمة للرأسمالية عن طريق توسيع نطاق الدوقراطيةواساواة ونقلهما من اجملال السياسي حيث لا يتعديان بالبداهة واقعالحريات الشكلية إلى مجال الاقتصاد بحيث كن أن تكون كل منالدوقراطية السياسية والاقتصادية ذات معنى.‏ وذلك يعني في واقعامارسة أنه يجدر بنا أن نتعامل مع الاشتراكية لأن هذا هو هدفهما كامتداد انتقائي للمبادىء الليبرالية لا كنقض كلي لها فالليبرالية ليستمجرد زائدة مضرة نجمت عن أيديولوجية الشركات الكبرى كأيديولوجيةغريبة عن مصالح العمال واواطن وجهادهم بل إنها نفسها تكونت بشكلهاالحاضر من خلال الصراع الطبقي.‏ وارء ينظر إلى انشأ التاريخيللرأسمالية ويفتش دون جدوى عن أفكار تتصل بالدوقراطية السياسيةوتحرر الطبقة العاملة أو بالتزام اساواة الاقتصادية في أي شكل منالأشكال إن هذه الأمور لم تكن موجودة إا تطورت تدريجيا مع والطبقة العاملة وتزايد ضغط القوى في أوروبا وأمريكا <strong>على</strong> التقليد الليبرالي150


. (٧٥)الاتجاه النقديوإلزامه تحت طائلة الإفناء بقبول التمثيل السياسي الكامل والتدابير اضادةللعبودية وأخيرا اساواة في الفرص وإلى حد ما النتائج الاجتماعيةوالاقتصادية كمقومات ترتكز عليها برامجه.‏ ولكن لا كن تحقيق هذهالأمور في ظل الرأسمالية ومن جهة أخرى نجد هذه التناقضات ذاتهامتجسدة في ادارس اليوموهكذا نجد أن كتاب ‏(التعليم في أمريكا الرأسمالية)‏ سيكون له أثره فيتطور الفكر التربوي.‏ أنه يسعى لتعي موقع التعليم في الإطار الاجتماعيوالاقتصادي في اجملتمع الرأسمالي ويحاول مؤلفا الكتاب أن يقدما وصفاشاملا لدور ادارس في بنية الاقتصاد الأمريكي كما ينتقدان أن الجهودالتي بذلت لتغيير أوضاع ادارس أو إصلاحها ويشيران إلى أن معظمالجهود قد باءت بالفشل.‏ وفي بعض الأحيان يقول الكتاب أن هناكإصلاحات تحققت ولكنها كانت إصلاحات خاطئة لأنها حاولت تعزيز النظامالرأسمالي.‏ وفي حالات أخرى يقول الكتاب إن هناك إصلاحات لم تتحققلأنها حاولت العكس أي إلى مزيد من التحرر واساواة.‏ وعلاوة <strong>على</strong> ذلكيعتبر اؤلفان أن تلك الجهود القليلة التي نجحت في جعل بعض وجوهالتعليم ادرسي أكثر ليبرالية وأدنى إلى اساواة كانت بدورها فاشلة لأنهاكانت عبارة عن مستحضرات لتجميل وجه الرأسمالية اتناقض ومنعه منالظهور بكامل بشاعته.‏ إن الإصلاح ادرسي.‏ في نظرهما يخفق لسبب‏:‏إما لأنه ينجح في القيام ا يطلبه منه الاقتصاد وإما لأنه ينجح فيالقيام بعكس ذلك فالنجاح في الإخفاق قائم في كلا النمط لأنه يلبيحاجات الرأسماليةومن اا^ثر التي أسهم بها بولز وجينتس إسهاما حقيقيا أنهما يحملانالفكر التربوي في الولايات اتحدة اليوم من جديد <strong>على</strong> مناقشة علاقةالتعليم ادرسي بالخلق الاجتماعي ونقول ‏(من جديد)‏ نظرا لأن بولز وجينتسيبدوان بشكل ما أقرب إلى التقاليد القدة في اخملاطبة التربوية في هذاالشأن منهما إلى اناقشات الدائرة حول الاستحقاق وقد تخلل القرنالتاسع عشر مناقشات ومناظرات حامية الوطيس ب مختلف الفئاتالأمريكية حول التعليم ادرسي ونوع الخلق الاجتماعي الذي يجب أوكن أن تخلقه ادارس ثم طغى <strong>على</strong> هذه اناقشات حول الخلق مفهوم. (٧٦)151


فلسفات تربوية معاصرةاقتصادي ضيق الأفق لا^ثار التعليم يهتم بالنواحي اعرفية والأكادية منذأواسط القرن الحالي ومنذ ذلك الوقت بدأ الناس يتحدثون عن الا^ثاراعرفية التي تحدثها ادارس وكيف يرتبط التعليم ادرسي بالأعمالاستقبلية ولكنهم قلما عالجوا التأثير الذي كن أن يخلفه التعليم ادرسيفي الأخلاق الاجتماعية للطلابلقد ركز معظم التاريخ التربوي الحديث في الغرب بصفة عامة وفيالولايات اتحدة بصفة خاصة <strong>على</strong> مايلي:‏ كيف إحداث التغيير?‏ ومتى ذلك?‏ وأكثر هذه المحاولات تازة فقد اتضحت لنا الا^ن صورة ااضيالتربوي وأضحت أغنى بكثير ا كانت عليه منذ عقد من الزمان ولكنالقليل من اؤرخ عكف <strong>على</strong> تبيان أسباب التغيير بدقة ووضوح.‏ فقدنحا اؤرخون إلى أن يكونوا غير نظري حتى السنوات الحديثة ااضية<strong>على</strong> الأقل وهذا من حيث ابدأ النظري ما يجعل من الأسلوب ااركسيجذابا مغريا فهو يقول:‏ إن التغيير يحصل لأن بعض الناس يريدون أنيحافظوا <strong>على</strong> نفوذهم السياسي والاقتصادي أو يعززوه ولا يخامرنا الشكفي أن هذا الأمر هو جزء من القصة التي أهملها مؤرخو التربية السابقون.‏كما أن هناك يزات وحسنات أخرى للأسلوب ااركسي من حيث ابدأالنظري فالأسلوب ااركسي يشدد <strong>على</strong> الخصوصية التاريخية لكل حقبةولذلك يعتبر مضادا للأسلوب غير التاريخي وللنوع من الكتابة الحديثةالذي يتضمن مفارقات تاريخية والنوع الذي يجمع الوجوه كلها في حقبةزمنية معينة في مركب يدعى ‏(النخبة).‏ ومن ثم يفترض أن تلك النخبةتعمل وتتصرف كما تتصرف النخبة في أيامنا اما.‏ ومن زاوية ثانية يلتزمالنموذج ااركسي باستكشاف ألوان النزاع والتناقضات.‏ ولذلك يتمتع بإطاروإمكانات تسمح له بأن يفسر الحروف ادرسية التي جرت في ااضي.‏ومن زاوية ثالثة لابد من الإصرار <strong>على</strong> مسألة النفوذ وترسيخها في الذهنكلما تفحصنا البيانات وهذا أمر ضروري بصفة دائمةوقد انطلق بولز وجينتس محاول أن يحللا فترتي الإصلاح الأساسيتفي الولايات اتحدة:‏ الحملة من أجل ادرسة العامة والحركة التقدمية‏(كرد <strong>على</strong> التناقضات التي تنشأ عن التوسع الرأسمالي وعن الحاجة إلىإدخال جماعات جديدة في عداد أفراد الطبقة العاملة اأجورة)‏ وهما. (٧٨). (٧٧)152


الاتجاه النقدييجادلان <strong>على</strong> أساس أن الإصلاح نجم عن جهود الرأسمالي التقدميالذين كانوا يسيطرون <strong>على</strong> القطاعات الاقتصادية الرئيسية ففي أوقاتالأزمات طالب العمال بتوزيع التربية واستجاب الرأسماليون الكبار لطلباتهم.‏لكن هؤلاء حاولوا أن يكيفوا التعليم ادرسي لكي يعود إنتاج اللامساواةالقائمة في نظام الإنتاج والأهداف الرأسمالية اتمثلة في الفعالية والشرعيةوالسيطرة.‏وإذن يختلف بولز وجينتس عن معظم اجملددين التعديلي في قضيةمعينة وهي أنهما يفسران التغير التربوي كنتيجة ناجمة عن النزاع الطبقيلا عن سيطرة النخبة ولا يصبح التعليم ادرسي ضمن هذه النظرية عبارةعن مؤامراة تنفذها النخبة بل إن هناك جدلية تعمل والجماعات البشريةتشد الحبل وتتدافع وتتخاصم فالعمال شدوا إلى الأمام وحصلوا <strong>على</strong>التعليم ادرسي لأبنائهم لكنهم دفعوا ثمن ذلك النصر جزئيا لأن مصالحالحكام حددت إلى حد كبير شكل ذلك التعليم ومحتواه وكفلت السيطرةعليه (٧٩) .وفي النهاية فلعله من افيد أن نختم هذا الجزء ا ختم به بولزوجينتس اناقشات التي دارت بينهما وب بعض اعلق واعقب والناقدينلكتابهما فقد قالا إنهما حاولا إلقاء بعض الضوء <strong>على</strong> إمكان خلق الظروفاادية من أجل قيام ما يسميانه تربية حميدة وهذه فيما يقولان عمليةثورية في العمق وليس من اليسير تسطير مثل هذا الكتاب خارجا عنإطاره أي في غياب حركة ثورية قوية فالضعف البديهي في الكتاب منهذه الناحية ناشىء مباشرة عن غياب نشاط ثوري محسوس في اجملتمعالأمريكي ولا يستطيع ارء أن يكتب سيرورة ثورية في فكره.‏ وقد حاولا أنيضعا الخطوط الكبرى لتلك السيرورة في الفصل الأخيرة.‏ وإذا أخفقا فيتقد حل واقعي لتلك السيرورة فذلك لأن السيرورة لم تكد تبدأ (٨٠) .التعليم طريق للهيمنة:‏الصلة ب التعليم والأيديولوجيا حقيقية لا يستطيع أن ينكرها إلا هؤلاءالذين يقفون غالبا عند ما هو ظاهر دون العناية حاولة تعمق هذاالظاهر بحثا عما يشكله ويحركه.‏ وهي حقيقة ومن هنا كان الحرص أشد153


فلسفات تربوية معاصرةما يكون <strong>على</strong> الإمساك بزمام التعليم بهدف فرض الأيديولوجية ارادة.‏ماهي الأيديولوجيا?‏إنها عند افكر الإيطالي ‏(انطونيو جرامشي)‏ تساوي الفلسفة وتساويالنظرة الكونية الشاملة وتساوي السياسة أي مجمل الأفكار التي تحركمجتمعا ما أو تكون أساسا لوجوده وحركته وهي لا تشمل فقط النظرياتوالأفكار العامة بل تشمل كذلك كل أنساق القيم واعتقدات.‏ولقد أعطى جرامشي الأيديولوجيا والبناء الفوقي استقلالية وقدرة<strong>على</strong> التأثير في البناء التحتي مثله في ذلك مثل افكر اجملرى ‏(لوكاش)‏ إلاأنه زاد عليه و<strong>على</strong> ا^خرين بالقول بأن الأيديولوجيا ليست تعبيرا عن النظامالاقتصادي ومن هنا ميزها عن البناء الفوقي فهوم ماركس ووصل إلىأن الأيديولوجيا ليست طبقية فقد اعتبر جرامشي الأيديولوجيا بناء مكونامن العديد من العناصر اتناسقة اشدودة بعهضا إلى بعض في وحدةبنائية واحدة تتمحور حول عنصر أيديولوجي طبقي هو العنصر الأساسيالطبقي الذي لا تقدمه سوى طبقة أساسية في اجملتمع.‏ أما باقي العناصرالأيديولوجية فليست في الأصل ذات طبيعة طبقية ولكنها تأخذ سمتهاالطبقية من حورها حول العنصر الأيديولوجي الأساسيوالعناصر الأيديولوجية الأخرى اكونة للأيديولوجيا التي سبق القولبأنها ليست في ذاتها ذات طبيعة طبقية كن إما ألا يكون لها علاقةبالوضع الطبقي وب<strong>التالي</strong> تدخل في أكثر من أيديويوجية كما هي أو تكونأحد التعبيرات الطبقية في أيديولوجية أخرى.‏ ويجرى الصراع لضمها إلىالمحور الأيديولوجي الا^خر بأساليب مختلفة منها تغيير محتواها.‏ وب<strong>التالي</strong>فإن الأيديولوجيا في اجملتمع الطبقي هي أيديولوجية مجتمع وليستأيديولوجية طبقة من حيث بناؤها وإن كانت تتمحور حول محور أيديولوجيتقدمه الطبقة اعنية.‏ وب<strong>التالي</strong> فليس هناك أيديولوجية بروليتارية نقيةوأخرى برجوازية نقية.‏ والصراع الأيديولوجي هو عملية تحليل أو تفكيكوإعادة تركيب للعناصر الأيديولوجية حول عنصر أيديولوجي أساسي ذيطبيعة طبقية.‏إن الصراع يجري في اجملال الفكري والسياسي والقيمي والأخلاقيمن خلال الأجهزة الأيديولوجية وفي مقدمتها أجهزة التعليم وب<strong>التالي</strong> كن. (٨١)154


. (٨٢)الاتجاه النقديأن تتحقق السيطرة الأيديولوجية اعبرة عن ارحلة التاريخية الجديدةقبل الوصول إلى السلطة بل ويساعد ذلك <strong>على</strong> الوصول إلى السلطة لأنالأيديولوجيا ليست أيديولوجية طبقة تفرضها بالقوة عن طريق استخدامأجهزة الدولة.‏ وجرامشي في ذلك يختلف عن لين ولوكاش اللذين يعتبرانأن السيطرة الأيديولوجية تتم بعد الوصول إلى السلطة لأن الأيديولوجياالسائدة تعبر عن الطبقة التي في السلطةويعتبر مفهوم ‏(الهيمنة)‏ مفهوما عاما ومركزيا في فكر جرامشي وتجمعالهيمنة ب الفلسفة والسياسة والأيديولوجية والثقافة النظرية وامارسةوأيا كان الأمر فإن أيا منها إا يعبر عن اكتشاف أهمية البنى الفوقيةودورها في قيادة حركة الواقع وبالفعل نجد افهوم عند جرامشي بهذهالدلالات كلها مؤكدا أحيانا <strong>على</strong> أولوية ‏(الثقافة)‏ في التأثير في الجماهيروفي حركة الثورة أو تأخيرها.‏ ويصل الرأي الشائع عند الدارس اليومإلى أن ‏(الهيمنة)‏ هي افهوم الشامل للدولة أي السياسة + الثقافة إذ إنالدولة كي تعيد إنتاجها وتضمن استمرارها وتطور طرق سيطرتها <strong>على</strong>الجماهير تلجأ إلى وسيلت‏:‏ القمع والإقناع وهذا ما يلخصه جرامشيفي تعريفه لكلمة ‏(الهيمنة)‏ عناها الكامل اتضمن فعل‏:‏ القيادةوالسيادة (٨٣) .وتفسير ذلك أن الدولة لا تعتمد فقط <strong>على</strong> جهازها القمعي اكون منالبوليس والجيش والتشريعات القهرية بل ‏(وفي هذه النقطة تأتي مساهمةجرامشي الأساسية)‏ في خلقها ‏(ثقافة)‏ تضمن إخلاص اواطن حتىلأهداف متناقضة مع مصالحهم الحقيقة فإلى جانب دورها القمعي ينبغيأن تقوم الدولة بدور تربوي:‏ ‏(اهمة التربوية التشكيلية للدولة التي تستهدفدائما اذج مدنية جديدة وأكثر وا وأن توفق ب ‏(ادنية)‏ وأخلاقياتالجماهير الشعبية الأوسع وب حاجات النمو الدائم للجهاز الاقتصاديللإنتاج)‏وقد اهتم جرامشي بوصف ا^ليات الإقناع مثل ادرسة الكنيسة التيلها مكانة خاصة في مجتمعه الإيطالي وسائل الإعلام التربية العسكرية..‏الخ.‏ وهناك مفكر ا^خر اهتم ثل هذه الا^ليات ووصفها بالتفصيل وهوافكر الفرنسي ‏(التوسير)‏ في مقاله الشهير ‏(الدولة وأجهزة الدولة. (٨٤)155


فلسفات تربوية معاصرةالأيديولوجية).‏وفي هذا الإطار نجد بيرديو وباسرون بريان في مفهوم الثقافة واعاييرالتي تقوم عليها الحلقة اركزية التي يتم بواسطتها الانحياز الاجتماعيللمدرسة لصالح الفئات البورجوازية اثقفة وهذه الوظيفة الاجتماعيةللثقافة ادرسية جزء لا يتجزأ من دورها في معاودة إنتاج التوازن الاجتماعيالقائم والأيديولوجية السائدة (٨٥) . وفي رأيهما أن الثقافة ادرسية ليستبالثقافة الأم لأي الطبقات الاجتماعية وإا هي أقرب ما تكون إلى الثقافة<strong>الخاصة</strong> بالبورجوازية وأبعد ما تكون عن الثقافة الشعبية وفي ذلك يقولان:‏‏«إن الأسرة تنقل إلى أبنائها سواء بطرق مباشرة أو غير مباشرة نوعا منرأس اال الثقافي ومن التراث الإثني وهما يشكلان أخيرا نظاما من القيمالضمنية استبطنة بشكل عميق والتي تساهم في تحديد اواقف اخملتلفةمن رأس اال الثقافي الذي تشترطه ادرسة.‏ إن هذا التراث الثقافي الذييختلف في مظهريه بحسب الطبقات الاجتماعية هو اسؤول عن اللامساواةالقائمة ب الأولاد تجاه الاختبار ادرسي..‏ويرى بورديو وباسرون أن التشديد الخاص الذي تبديه الثقافة ادرسيةالرأسمالية <strong>على</strong> أهمية التعبير اللغوي اللفظي والإنشائي <strong>على</strong> حسابالأاط اعرفية الأخرى ‏(وبشكل عام مجمل اعايير اعرفية التي يزالثقافة ادرسية شكلا ومضمونا كالذوق والأسلوب والجمال)‏ هي التيتسمح للفئات البورجوازية اثقفة بأن تعيد إنتاج نفسها باستمرار عن طريقالتعليم وفي ذلك يقول بورديو:‏ ‏«إن نظام التعليم ينحو إلى إعطاء الأفضليةالإضافية لأبناء الأوساط ايسورة لأن نظام القيم الضمنية التي يفترضهاوينقلها والتراث التربوي الذي يشترطه ويستمر في تكريسه حتى مضمونالثقافة وشكلها الذي يبثها ويفرضها هي أكثر ما تكون التصاقا بالقيموالتقاليد والثقافة السائدة لدى الطبقات ايسورة...»‏إن هذا ما جعل بعض الباحث ينبه إلى خطورة ما أسماه ‏(بالأهدافالضمنية)‏ التعليم ذلك أن التعليم إذا كانت له أهداف معلنة يهتدى بهافهناك أخرى خفية توجه كثيرين من بينهم ا^لاف اعلم وأهداف التعليماسطورة في دستور اطبوعة في تشريعات حدودها واضحة ومعاهايسهل التعرف عليها إلا أن مكامن الخطورة في أهداف ضمنية يصعب. (٨٧). (٨٦)156


. (٨٩)الاتجاه النقديالاهتداء إليها في ح أنها تحرك لا شعوريا كثيرا من منظمات وأفراد (٨٨) .وا يزيد الأمر تعقيدا أن عامل في التعليم إدارة وتدريسا ينهجونوفقا لهذه الأهداف الضمنية.‏ صحيح هم يعلمون أبناء الكثرة إلا أنهم لاشعوريا يعملون صلحة أولاد القلة فهم أكثر انحيازا لهم في تدريسهمومعاملاتهم داخل الفصل.‏ والأخطر من ذلك أن بعض العامل في حقلالتعليم يشكون من قدرات أبناء الكادح فهؤلاء الأطفال أقرب للتأخرالدراسي نتيجة عوامل وراثية لا ظروف ثقافية فيما يدعون وأنه لهذافمن غير اجملدي أن نبذل جهدا إضافيا معهمووزارة التربية مثلا مازالت تعتبر البيئات الريفية والنائية حقل اختبارللمعلم ابتدىء وبعد سنوات من اران ينقل بنتائج خبراته إلى مدن كبرىوأحياء راقية وفقا لطلبه وأحيانا بناء <strong>على</strong> أوامر الوزارة خدمة دارسجيدة وكلما كانت تقديرات اعلم أ<strong>على</strong> أسرعت الوزارة تنفيذا لطلباتهوفي نفس الوقت انحيازا لا شعوريا لفئات جعلتهم هدفا وضد فئاتجعلتهم حقل تجاربها (٩٠) .وإذا كان النقديون قد طرحوا قضية إعادة إنتاج الثقافة أو إعادة إنتاجالعلاقات الاجتماعية للعمل والتفاوت الطبقي فإن فريقا ا^خر منهم يطرحونالقضية من زاوية التأثير الخبيث للمنهج الخفي فهم يرون أن انهج الخفيللمدرسة اعاصرة يتضمن ميولا ونزعات خبيثة منافية للانسانية وضدالحرية وينطلقون من فرضية أساسية مؤداها أن انهج الخفي يرتبطبالجوانب السلبية للتعليم ادرسي (٩١) .والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:‏ هل الاعتراض <strong>على</strong> انهج الخفييرجع إلى كونه خفيا أم إلى الرسالة التربوية والثقافية التي ينقلها?‏ورا تكون الإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظر النقدي أن الاعتراضيكون <strong>على</strong> الرسالة وليس <strong>على</strong> انهج الخفي في حد ذاته فأي نظام لهمنهج خفي وب<strong>التالي</strong> فهم را ينشدون تغيير الرسالة التي يقدمها انهجالخفي (٩٢) .157


فلسفات تربوية معاصرةهوامش الفصل الثالث١- علي ليلة:‏ موقع مدرسة فرانكفورت <strong>على</strong> خريطة النقد الاجتماعي قضايا فكرية القاهرة دارالثقافة الجديدة الكتاب التاسع والعاشر ص ١٥٩.٢- ارجع السابق ص ١٥٢٣- ارجع السابق نفس الصفحة٤- كمال نجيب:‏ النظرية النقدية والبحث التربوي مجلة التربية اعاصرة القاهرة العدد الرابع١٩٨٦ ص .٧٣٥- نفس ارجع السابق نفس الصفحة٦- أحمد زايد:‏ علم الاجتماع ب الاتجاهات الكلاسيكية والنقدية القاهرة دار اعارف ١٩٨٤ص ٥٨.٧- ارجع السابق ص ٧٤٨- ارجع السابق نفس الصفحة٩- ارجع السابق ص ٩٢١٠- السيد ياس‏:‏ الصراع والتوازن في النظرية الاجتماعية مجلة الفكر اعاصر القاهرة العدد(٨٠) أكتوبر ١٩٧١ ص ١٨١١- ارجع السابق ص ٢٠١٢- بوتومور:‏ علم الاجتماع والنقد الاجتماعي ترجمة محمد الجوهري وا^خرين دار اعارفالقاهرة ١٩٨١ ص ٨٦١٣- ارجع السابق ص ٤٩١٤- ارجع السابق ص ٥٠١٥- بول لوران ا^سون:‏ مدرسة فرانكفورت ترجمة سعاد حرب بيروت اؤسسة الجامعية للدراساتوالنشر والتوزيع ١٩٩٠ ص ٧.١٦- ارجع السابق ص ٨١٧- ارجع السابق ص ٩١٨- ارجع السابق ص ١١١٩- ارجع السابق ص ٢٦٢٠- ارجع السابق ص ١٦٤٢١- ارجع السابق ص ١٦٦٢٢- ارجع السابق ص‎١٦٦‎٢٣- سمير نعيم أحمد:‏ النظرية في علم الاجتماع القاهرة دار اعارف ١٩٨٢ ص‎٢٤٥‎٢٤- ارجع السابق ص‎٢٤٦‎٢٥- السيد ياس‏:‏ علم الاجتماع ب الثورة والثورة اضادة مجلة الكاتب القاهرة الهيئة اصريةالعامة للتأليف العدد ١٢٠ مارس ١٩٧١ ص ٤٦158


الاتجاه النقدي٢٦- سمير نعيم ص ٢٥١٢٧- ارجع السابق ص ٢٥٢٢٨- علي الشخيبي:‏ علم اجتماع التربية..‏ كيف بدأ?‏ وإلى أين?‏ مجلة دراسات تربوية القاهرةعالم الكتب الجزء الرابع سبتمبر ١٩٨٦ ص ١٨٣٢٩- ارجع السابق ص ١٨٤٣٠- علي ليلة مرجع سابق ص ١٦٢٣١- السيد محمد الحسيني وا^خرون:‏ دراسات في التنمية الاجتماعية القاهرة دار اعارف١٩٧٧ ص ١٣٨٣٢- ارجع السابق ص ١٣٩٣٣- ارجع السابق ص ١٤٠٣٤- عبد الباسط عبد اعطي اتجاهات نظرية في علم الاجتماع سلسلة عالم اعرفة الكويتاجمللس الوطني للثقافة والفنون والا^داب أغسطس ١٩٨١ ص‎٢٢٣‎٣٥- ارجع السابق ص ٢٢٤٣٦- ارجع السابق ص ٢٢٧٣٧- عبد الباسط محمد حسن:‏ تشارلز رايت ميلز وفلسفة البحث في علم الاجتماع مجلة عالمالفكر الكويت اجمللد ٦ العدد الثاني.‏٣٨- ارجع السابق ص ٢٧٢٣٩- ارجع السابق ص ٢٧٨٤٠- ارجع السابق ص ٢٧٩٤١- ارجع السابق ص ٢٧٩٤٢- بوتومور مرجع سابق ص ١٧٤٤٣- ارجع السابق ص ١٧٤٤٤- ارجع السابق ص ١٧٥٤٥- حسن البيلاوي:‏ الإصلاح التربوي في العالم الثالث القاهرة عالم الكتب ١٩٨٨ ص ١٥.٤٦- ارجع السابق ص ١٧٤٧- عبد السميع سيد أحمد:‏ جدوى نظرية القهر في اجتماع التربية دراسة تحت النشر <strong>على</strong>الا^لة الكاتبة.‏٤٨- مارتن كارنوي:‏ اؤسسات الدولية والسياسة التعليمية مجلة مستقبل التربية القاهرة مركزمطبوعات اليونسكو٤٩- ارجع السابق ص ٢٠٥٠- ارجع السابق ص ٣٤٥١- كارنوي:‏ هل كن أن تؤدي السياسة التعليمية إلى اساواة في الدخول?‏ مجلة مستقبلالتربية القاهرة مركز مطبوعات اليونسكو العدد الأول ١٩٧٨ ص ٢٥٢- ارجع السابق ص ٣٥٣- ارجع السابق ص ٣٥٤- ارجع السابق ص ٤٥٥- ارجع السابق ص ٤159


فلسفات تربوية معاصرة١٤٢٥٦- حسن البيلاوي:‏ تحرير الإنسان في الفكر التربوي الكتاب السنوي في التربية وعلم النفسالقاهرة دار الفكر العربي اجمللد الثالث عشر ١٩٨٧ ص ٣٨٨٥٧- ارجع السابق ص ٣٨٨٥٨- غي أفانزيني:‏ الجمود والتجديد في التربية ادرسية ترجمة عبدالله عبد الدائم بيروت١٩٨١ دار العلم للملاي ص ٣٥٩.٥٩- ارجع السابق ص ٣٦٠٦٠- جميل إبراهيم:‏ دوقراطية التربية أواقع هي أم وهم?‏ مجلة الفكر العربي بيروت معهدالإاء العربي العدد ٢٤ ديسمبر ١٩٨١ ص ٩٣٦١- ارجع السابق ص ٩٤٦٢- بورديو وباسرون:‏ معاودة الإنتاج في التربية واجملتمع والثقافة مراجعة:‏ تريسيا برودفوتالفكر العربي مرجع سابق ٣٥٥.٦٣- ارجع السابق ص ٣٥٦٦٤- حسن البيلاوي:‏ التربية وبنية التفاوت الاجتماعي الطبقي دراسة نقدية في فكر بير بوردومجلة دراسات تربوية القاهرة عالم الكتب الجزء الثالث يونيو ١٩٨٦ ص ١٣٧٦٥- ارجع السابق ص ١٣٨٦٦- ارجع السابق ص ٤١٦٧- معاودة الإنتاج مرجع سابق ص ٣٥٦٦٨- ارجع السابق ص ٣٥٧٦٩- جميل إبراهيم:‏ نظرة نقدية للثقافة ادرسية مجلة الفكر العربي مرجع سابق ص ٦٥٧٠- حسن البيلاوي:‏ الإصلاح التربوي في العالم الثالث ص ٢٣٧١- ندوة حول التعليم ادرسي في أمريكا مجلة الفكر العربي مرجع سابق ص ٣٣٥٧٢- عبد السميع سيد أحمد مرجع سابق ص ٨٧٣- ارجع السابق نفس الصفحة٧٤- ندوة حول التعليم ادرسي في أمريكا ص ٣٣٦٧٥- ارجع السابق ص ٣٣٧٧٦- ارجع السابق ص ٢٨٨٧٧- ارجع السابق ص ٣١٦٧٨- ارجع السابق ص ٣١٨٧٩- ارجع السابق ص ٣١٩٨٠- ارجع السابق ص ٣٤٣٨١- <strong>على</strong> مختار:‏ إشكالية العلاقة ب الأيديولوجية والعلوم الاجتماعية أحمد خليفة وا^خرون:‏إشكالية العلوم الاجتماعية في الوطن العربي بيروت دار التنوير ١٩٨٤ ص ١٣٦٨٣- أمينة رشيد:‏ انطونيو جرامشي والهيمنة ب الأيديولوجي والسياسي قضايا فكرية مرجعسابق ص ١٤١٨٤- ارجع السابق ص٨٥- جميل إبراهيم:‏ نظرة نقدية للثقافة من زاوية تكافؤ الفرص التعليمية مجلة الفكر العربي160


الاتجاه النقديمرجع سابق ص ٦٢٨٦- ارجع السابق ص ٦١٨٧- ارجع السابق ص ٦١٨٨- حسان محمد حسان:‏ في فلسفة ادرسة الابتدائية في الكتاب السنوي في التربية وعلمالنفس القاهرة دار الثقافة للطباعة والنشر ١٩٨١ ص ٧٨٩- ارجع السابق ص ٧٩٠- ارجع السابق ص ٨٩١- فكري شحاتة أحمد:‏ إشكالية انهج الخفي مدخل لنقد التعليم ادرسي مجلة دراساتتربوية القاهرة عالم الكتب الجزء العاشر يناير ١٩٨٨ ص ٧٨٩٢- ارجع السابق ص ٧٨161


فلسفات تربوية معاصرة162


تربية للتحرير4 تربية للتحريرالعالم الثالث يضيف إلى الفكر التربوي:‏<strong>على</strong> الرغم ا شهدته الساحة السياسيةالعاية منذ عام مضى حتى الا^ن من تفكك وانهيارفي منظومة العالم الاشتراكي الذي كان يشكل <strong>على</strong>وجه التقريب ما كن تسميته ‏(بالعالم الثاني)‏ فيمقابل العالم الأول الذي كان يعبر عن منظومة العالمالرأسمالي ا يفرض إعادة النظر في هذاالتصنيف فإننا نستطيع ولو إلى حد ما أن نستمرفي استخدامه <strong>على</strong> أساس أن مصطلح العالم الثالثلم يطرأ عليه تغيير ثل هذه الحدة التي شهدتهامنظومة الدول الاشتراكية.‏ووجه الأهمية أننا قد درجنا <strong>على</strong> أن نستقبلمعظم أفكارنا التربوية الحديثة إما من العالمالرأسمالي أو من العالم الاشتراكي فهناك يتم‏(إنتاج الفكر)‏ الذي يضيف جديدا إلى بنية الفكرالتربوي وما <strong>على</strong> شعوبنا إلا أن ارس وظيفتهااعتادة في الوقوف عند حد استهلاك الفكر انتجوالا^تي من العالم الغربي بجناحيه:‏ الرأسماليوالاشتراكي.‏لكن الحق الذي يقال إن دول العالم الثالث ليستخالية اما من الإنتاج الفكري الجيد الذي كن163


فلسفات تربوية معاصرةأن يضيف وإا هي مشكلة مجتمعات هذه الدول ا عبر عنه ابن خلدونبقوله إن اغلوب مولع دائما بتقليد الغالب.‏ولقد أتيح لواحد من مفكري العالم الثالث أن يحصل <strong>على</strong> مكانةمرموقة في عالم الفكر التربوي ألا وهو اربي البرازيلي ‏(باولو فرير)‏الذي استطاع أن يخرج بفكر انفعل بشدة بظروف قاسية وضغوط طاحنةعانى منها اجملتمع البرازيلي كواحد من اجملتمعات التي وقعت كثيرا فيبراثن الاستغلال والفقر والتبعية فيجيء فكرا أصيلا يسعى إلى تغييرالواقع الاجتماعي لا ليكون مجرد نسخة مقلدة للنموذج الغربي وإالتحرير الإنسان وبنائه وفق احتياجاته واحتياجات الجماعة التي ينتميإليها.‏لقد ولد ‏(باولو فرير)‏ في عام ١٩٢١ في ‏(ريسايف)‏ وهي واحدة من أكثراراكز ثيلا للبؤس والفقر في دول العالم الثالث وذلك ما جعله يحسبهذه اشكلة إحساسا مباشرا.‏ وا أخذت الأزمة الاقتصادية العاية عام١٩٢٩ تحدث أثرها في البرازيل أثرت في اسك أسرة ‏(باولو)‏ وسرعان ماوجد نفسه يشارك معذبي الأرض مأساتهم وعذابهم الطويل.‏ ولقد فعلتهذه الأزمة فعلها في نفسه لاسيما ح خبر ا^لام الجوع وتأخر في دراستهبسبب الفقر وقد جعله هذا الواقع يقسم بينه وب نفسه وا يزل بعدفي الحادية عشرة من عمره.‏ أن يكرس حياته للنضال ضد الجوع حتى لايتعرض غيره من الأطفال إلى ما تعرض له ولقد ساعدته خبرته في عالمالفكر أن يكتشف ما أسماه ب ‏«ثقافة الصمت»‏ التي ارسها اقهورون (١) .لقد أدرك أن جهل هؤلاء ونومهم استمر إا هو نتيجة لظروف السيطرةالاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتسلط الأبوي الذي أصبحوا ضحاياهفبدلا من أن يشجعوا ويعدوا واجهة حقائق العالم ااثلة أمامهم فإنهممستغرقون في وضع يستحيل معه الوعي والاستجابة بصورة فعالة.‏ وهكذابدا لباولو فرير أن النظام التعليمي بأسره مكرس لخدمة ‏(ثقافة الصمت)‏وا أدرك هذه الحقيقة وجه اهتمامه إلى مجال التعليم وبدأ العمل فيهوخلال الفترة التي قضاها في الدرس والتأمل استطاع أن يبدع ما أضافجديدا لفلسفة التربية فمن خلال نضاله اباشر من أجل تحرير الرجالوالنساء لإيجاد عالم جديد وصل بتجربته وفكره إلى كنه اواقف وفلسفتها164


تربية للتحريراتداخلة وكما قال فإنه استفاد من ‏(سارتر)‏ و(إريك فروم)‏ و(التوسير)‏و(ماو)‏ و(تسي جيفارا)‏ و(أونامونو)‏ و(مارتن لوثر كنج)‏ ح كون نظرته<strong>الخاصة</strong> في التعليم.‏ولقد عبر ‏(باولو فرير)‏ عن فكره وفلسفته في التعليم أول مرة في عام١٩٥٩ من خلال رسالته للدكتوراه التي قدمها لجامعة ‏(ريسايف)‏ ثم برزتأعماله مرة أخرى خلال عمله كمدرس في فصول محو الأمية في ادينةنفسها (٢) .ولعل أهم كتابات باولو فرير كتابه ‏(تعليم اقهورين)‏ وهو نتيجةملاحظاته خلال ست السنوات التي عانى فيها ظروف النفي السياسيبعد عام ١٩٦٤ حيث كان قد أودع السجن سبع يوما سمح له بعدهاغادرة البلاد إلى ‏(شيلي)‏ حيث قضى خمس سنوات يعمل مع اليونسكوواعهد الشيلي للإصلاح الزراعي وبرامج تعليم الكبار.‏ وهكذا كن القولإن ‏(تعليم اقهورين)‏ لم يخرج نتيجة الدراسة والتفكير وحدهما ذلك أنهمبني <strong>على</strong> أوضاع حقيقية فهو يصف موقف العمال زراعا كانوا أمصناعا وموقف الطبقة الوسطى التي لاحظها بصورة مباشرة أو غيرمباشرة خلال تجربته التعليمية (٣) .اجملتمع هو الذي يشكل التربية لا العكس:‏الفكرة المحورية التي ينطلق منها باولو فرير مغايرة إلى حد كبير ا هوشائع حتى الا^ن ب التربوي فهؤلاء يظنون أن التربية هي التي تشكلاجملتمع وخاصة التربية النظامية ا يجعل منها قوة كفيلة بتغيير الواقعأو الأوضاع الراهنة.‏ وكان فرير نفسه يبدو مشاركا في هذا الاعتقاد ولكنه كتب بعد ذلك (٤) : أنه لا يشارك في هذا الاعتقاد ‏«فقد تأكد من أنالتربية لا تشكل اجملتمع وإا اجملتمع هو الذي يشكل التربية وفقا صالحأولئك الذين سكون بزمام السلطة فيه».‏ويذهب باولو إلى أن السبب في أن التربية لا تشكل اجملتمع يرجع إلىأنها لا تستطيع تشكيله فانحصرت مهمتها في السهر <strong>على</strong> مسيرته وتطورهفي الاتجاه السليم.‏ وصحيح أن التربية تسهم في صيانة اجملتمع ومراقبتهوأن رجالها لا يحققون نتائج متماثلة في هذا الشأن ولكن لا هذا ولا ذاك165


فلسفات تربوية معاصرةيبرر الاعتقاد بأنها لك من القوة ما كنها من إقامة أي مجتمع كان كماأنها ليست أقوى ولا أ<strong>على</strong> قدرا منه.‏ولم يكن النظام التربوي البرجوازي مثلا هو الذي أوجد البرجوازيةفقد نبعت البرجوازية من أوضاع تاريخية معينة.‏ وليس صحيحا كذلك أنهلو لم يكن البرجوازيون في الحكم ا وجد النظام التربوي البرجوازي ولكنتغيير النظام التربوي تغييرا جذريا أمر مرتهن بتغيير جذري أيضا فياجملتمع نفسه إذ يعتبر اجملتمع هذا النظام تعبيرا عنه وأداة لازمة ولكننظرا لأن التغييرات الاجتماعية ما هي إلا حدث من الأحداث التاريخية فيمجال الأعمال البشرية فإنها تعتبر إجراء من الإجراءات ادروسة اتصلةبالنظام التربوي بالضرورة.‏ولا يزال عدد كبير من الناس يعتقد أن النظام التربوي انهجي كفيلبتغيير شكل أي مجتمع وتطويره ولكن الحقيقة هي أن مهمته في مجتمعيسوده القهر والقمع هي حمايته والإبقاء عليه فقد نبع منه ثم فرض عليهحمايته ومن ثم فإنه لا أساس من الصحة لاعتبار هذا النظام التربوي أداةللتحرير دائما أو أنه لك القوة اللازمة لتحقيق هذا الغرض.‏وثمة أمران يشير إليهما باولو أولهما هو اجملهود التربوي الذي يستهدفتحرير مجتمع يعاني من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ومن اتناقضاتواضطهاد الطبقات اسيطرة للطبقات اسيطر عليها والأمر الثاني مجهودتربوي أيضا ولكنه في مجتمع رأسمالي <strong>على</strong> مستوى عال من التمدن غيرأنه لا يخلو من اتناقضات التي قد يصعب رؤيتها والإحساس بها كما يخلومن محاولات خطيرة لإخفاء الحقائق وحجبها عن الأنظار.‏ ويلاحظ فيهذه الحالة أكثر من الحالة الأولى ولأسباب واضحة أن النظام التربويتشوبه مغالطات كثيرة تعرقل تنفيذ مهمته في الإشراف <strong>على</strong> التطورالاجتماعي وتنميته (٥) .وهناك شيء ا^خر أيضا يتعلق باجملهود السالف الذكر أي اجملهودالتربوي لتحرير اجملتمع ولكنه هنا وفي هذه ارة يعمل داخل مجتمع طرأعليه تغيير جذري في ح أنه في الحالة الأولى أي في حالة مجتمع لميتعرض لتغيير جذري أو ثوري ولا لتغيير طبقي يبقي طابع طبقاته أوطوائفه كما كان دون أي تبدل.‏166


تربية للتحريرولقد كانت مهمة التربية في اجملتمع القد المحافظة <strong>على</strong> الوضع الذيكان قائما فيه أما الا^ن فيجب أن تكون التربية عنصرا جوهريا من عناصرحركة التحرير.‏ ثم إنه لا كن إنكار الطابع السياسي الذي تتسم بهالتربية الا^ن كما اتضح أن بعض مشكلات التعليم الأساسية متصلة بابادىءواثل العليا.‏واشكلة التي تواجه رجال التربية الذين يريدون الإسهام في تحريراجملتمع ببذل جهود داخله هو وداخل النظام التربوي وخارجه <strong>على</strong> السواء‏(خارجه تخطيطا وداخله تنفيذا)‏ هي مشكلة معرفة ماذا وكيف ومع منوضد من وصلحة من يعملون?‏وهكذا لابد لكي تستطيع التربية أن تقوم بالدور اأمول منها أن تبدأحركة التغيير في اجملتمع كله.‏لا تنمية بإنسان مقهور:‏غداة استقلال عديد من بلدان العالم الثالث اندفع قادة هذه البلداناستقلة إلى طريق التنمية لكن بغير أن يدركوا انطلقات الأساسية للتنمية.‏انطلق هؤلاء جميعا في مشاريع تنمية طنانة ذات بريق ووجاهة قائمة<strong>على</strong> دراسات ومخططات جزئية لم تتجاوز السطح معظم الأحيان كيتنفذ إلى دينامية البنية اتخلفة من ناحية أو إلى التكوين النفسي والعقليللإنسان اتخلف الذي أريد تطويره من ناحية ثانية.‏ وضعت خطط مستوردةعن اذج طبقت ونجحت في بلدان صناعية ولكن مسيرة هذه الخطط لمتذهب بعيدا.‏ فلقد اختفت التجارب استوردة واشاريع الصقة من الخارجكما فشلت اشاريع ذات الطابع الدعائي الاستعراضي في تحريك بنيةاجملتمع ككل وفي الارتقاء بإنسان ذلك اجملتمع (٦) .كان السبب الرئيسي في هذا الإخفاق أن إنسان هذه اجملتمعات لميؤخذ بع الاعتبار عنصرا أساسيا ومحوريا في أي خطة تنمية هذا فيالوقت الذي تؤكد فيه الدراسات العلمية والتجارب أن التنمية مهما كانميدانها س تغيير الإنسان ونظرته إلى الأمور في اقام الأول ا يوجبوضع الأمور في إطارها البشري الصحيح وأخذ خصائص الفئة السكانيةالتي يراد تطوير ط حياتها بع الاعتبار ولابد ب<strong>التالي</strong> من دراسة هذه167


فلسفات تربوية معاصرةالخصائص ومعرفة بنيتها وديناميتها (٧) .ويتلخص وجود الإنسان اتخلف في وضع يحاول في سلوكه وتوجهاتهوقيمه ومواقفه مجابهته ومحاولة السيطرة عليه بشكل يحفظ له بعضالتوازن النفسي الذي لا كن الاستمرار في العيش دونه.‏ هذا الوضع هوأساسا وضع القهر الذي تفرضه عليه الطبيعة التي تفلت من سيطرتهوارس عليه اعتباطها وامسكون بزمام السلطة في مجتمعه الذينيفرضون عليه الخضوع ولذلك فإن سيكولوجية التخلف الإنسانية تبدو لنا<strong>على</strong> أنها أساسا سيكولوجية الإنسان اقهور.‏ تنبث علاقات القهر والتسلطمن ناحية ورد الفعل عليها من خضوع أو رد من ناحية ثانية في كل ثناياوجود الإنسان اتخلف لأنها تكاد تكون من الناحية البنيوية <strong>الخاصة</strong>الأساسية للمجتمع اتخلف (٨) .ولوضعية القهر ا^ثار مدمرة <strong>على</strong> التكوين النفسي والعقلي للإنسان لعلأبرزها هو ايل إلى التخلي عن استقلال النفس الفردية ودمج النفس فيشخص ا^خر خارج النفس للحصول <strong>على</strong> القوة التي تنقص النفس الفرديةأو إذا عبرنا عن هذا <strong>على</strong> نحو ا^خر قلنا إنه البحث عن ‏(روابط ثانوية)‏جديدة كبديل عن الروابط الأولية التي ضاعت.‏وأشد الأشكال اميزة لهذا الأثر نجدها في الرغبة في الخضوعوالهيمنة أو كما يفضل أن نعبر عنه في الرغبات اازوكية والسادية اوجودةبدرجات متفاوتة في الأشخاص السوي والعصابي <strong>على</strong> السواء (٩) .إن أشد الأشكال تكرارا التي تظهر فيها الرغبات اازوكية هي مشاعرالدونية والعجز واللاجدوى الفردية.‏ إن تحليل الأشخاص المحاصرين بهذهاشاعر يب أنه <strong>على</strong> ح أنهم يشكون شعوريا من هذه اشاعر ويريدونالتخلص منها فإن قوة ما داخلهم تدفعهم لا شعوريا إلى الشعور بالدونيةواللاجدوى.‏ هؤلاء الأشخاص يظهرون ميلا إلى التقليل من أنفسهم للقوىالتي هي خارج أنفسهم تبعية للشخص أو اؤسسات أو الطبيعة.‏ وهم لايلون إلى تأكيد أنفسهم ولا إلى فعل ما يريدون بل يلون إلى الخضوعلأوامر هذه القوى الخارجية سواء كانت هذه الأوامر واقعية أو مختلقة (١٠) .وبجانب هذه ايول اازوكية نجد أن ايول عكسها اما ألا وهيايول السادية توجد عادة في النوع نفسه من الأشخاص.‏ ونحن نجد ثلاثة168


تربية للتحريرأنواع من ايول السادية مترابطة بشدة بشكل ما.‏ النوع الأول هو الذييجعل الا^خرين يعتمدون <strong>على</strong> ارء وتكون لهم قوة مطلقة غير مقيدة عليهمحتى أنها لا تجعل منهم سوى ا^لات تجعل منهم ‏(صلصالا في يد صانعالا^نية)‏ والنوع الثاني لديه دافع لا ليهيمن <strong>على</strong> الا^خرين بهذه الطريقة اطلقةبل لاستغلالهم والسرقة منهم واستنزافهم وقضم أي شيء كن أكله فيهمإن جاز هذا التعبير وهناك نوع ثالث هو الرغبة في جعل الا^خرين يعانونأو أن يروهم يعانون وكن لهذه اعاناة أن تكون جسمانية ولكنها فيالغالب تكون معاناة ذهنية هدفها أن تؤذي الا^خرين اما وأن تذلهم وأنتربكهم أوتراهم في مواقف مذلة ومربكة (١١) .ونصل الا^ن إلى السؤال الرئيسي:‏ ما جذر كل من الانحراف اازوكيومعالم الشخصية اازوكية بل أبعد من هذا ما الجذر اشترك لكل منالرغبات اازوكية والسادية.‏إن الاتجاه الذي يسير فيه الجواب أن كلا من الرغبات اازوكية والساديةيل إلى مساعدة الفرد <strong>على</strong> الهرب من شعوره الذي لا يطاق بالوحدةوالعجز.‏ إن الفرد يجد نفسه ‏(حرا)‏ باعنى السلبي أي يجد نفسه وحيدامع نفسه وهو يواجه عاا مغتربا ومعاديا.‏ وفي هذا اوقف ونحن نقتبسوصفا له دلالته من رواية دوستويفسكي ‏(الإخوة كرامازوف)‏ ليست لديه‏«حاجة أكثر إلحاحا من الحاجة إلى أن يجد إنسانا يستسلم له بأسرعماكن هدية الحرية التي ولد بها هو اخمللوق التعس».‏ إن الفرد اذعوريبحث عن شخص ما أو شيء ما يربط نفسه به.‏ إنه لا يستطيع أن يتحملأن يستمر في أن يكون نفسه الفردية وهو يحاول مسعورا أن يتخلص منهاوأن يشعر بالأمان مرة أخرى بالتخلص من حمله:‏ نفسه بقول ا^خر:‏ التخلصمن عبء الحرية (١٢) .و<strong>على</strong> الرغم من أن طابع الأشخاص الذين تسود عندهم الدوافع اازوكية السادية كن يزه بالطابع اازوكي السادي فإن مثل هؤلاء الأشخاصليسوا بالضرورة عصابي‏.‏ وا كان مصطلح ‏(اازوكي السادي)‏ مقترنابأفكار الانحراف والعصاب فمن افضل التحدث عن الشخصية اازوكية السادية خاصة عندما لا تكون عصابية بل سوية <strong>على</strong> أنها الشخصية‏(التسلطية الاستبدادية).‏ وهذا اصطلح مبرر لأن الشخص اازوكي السادي169


فلسفات تربوية معاصرةيتميز دائما وقفه نحو السلطة.‏ إنه يعجب بالسلطة ويل إلى الخضوعلها لكنه في الوقت نفسه يكون هو نفسه سلطة ويكون عنده ا^خرونيخضعون له.‏وهناك أمر ا^خر جملتمع القهر ألا وهو ‏(التدميرية).‏ ويجب تفرقة النزعاتاازوكية السادية وييزها عن التدميرية <strong>على</strong> الرغم من أن النوعتزجان معا.‏ التدميرية مختلفة من حيث إن هدفها ليس هو التكافلالإيجابي أو السلبي بل هدفها استئصال موضوعها لكنها أيضا كامنة فيعدم القدرة <strong>على</strong> تحمل العجز والعزلة الفردي‏.‏ إنني أستطيع أن أهربمن الشعور بعجزي إزاء العالم الذي هو خارجي بتدميره.‏ وتأكد أنه إذانجحت في إزالته فإنني أظل وحيدا معزولا ولكن عزلتي عزلة محببة لاتسحقني فيها قوى الأشياء اهيمنة اوجودة خارجي.‏ تدمير العالم هو ا^خرالمحاولات وأشدها بأسا لإنقاذ نفسي من كوني مسحوقا منه.‏ الساديةتهدف إلى تجسيد اوضوع التدميرية تهدف إلى إزالته.‏ السادية يلإلى تدعيم الفرد بالهيمنة <strong>على</strong> الا^خرين والتدميرية يل إلى تدعيمهبغيبة أي تهديد من الخارج (١٣) .وإذا كنا قد افترضنا أن التدميرية هي هرب من الشعور غير المحتملبالعجز حيث إن هدفها هو محو جميع اوضوعات التي يقارن بها الفردنفسه إلا أنه في ضوء الدور الهائل الذي تلعبه النزعات التدميرية فيالسلوك الإنساني لا يبدو أن هذا التفسير كاف فالظروف ذاتها ظروفالعزلة والعجز مسؤولة عن مصدرين ا^خرين للتدميرية:‏ القلق وانجرافالحياة بالنسبة لدور القلق لا حاجة إلى كثير يقال عنه.‏ إن أي تهديد ضداصالح الحيوية ‏(اادية)‏ و(العاطفية)‏ يخلق القلق وايول التدميرية أشيعرد فعل <strong>على</strong> مثل هذا القلق (١٤) .أما بالنسبة ا يسميه ‏(فروم)‏ بانجراف الحياة فيبدو أن قدر التدميريةاوجود في الأفراد متناسب مع القدر الذي يتقلص عنده توسع الحياة.‏ لايشير بهذا إلى الإحباطات الفردية لهذه الرغبة الغريزية أو تلك بل يشيرإلى انجراف الحياة كلها وانغلاق باب تلقائية النمو والتعبير عن قدراتالإنسان الحسية الانفعالية والعقلية.‏ إن للحياة ديناميتها الباطنية <strong>الخاصة</strong>بها إنها يل إلى النمو وإلى أن يجري التعبير عنها وإلى أن تعاش.‏ ويبدو170


تربية للتحريرأن هذا ايل إذا كان ينجرف فإن الطاقة اوجهة نحو الحياة تقوم بعمليةتفكك وتتحول إلى طاقة موجهة نحو التدمير.‏ بكلمات أخرى:‏ الدافعللحياة والدافع للعداء ليسا عامل مستقل بل هما في تبعية متداخلةمعكوسة فكلما ازداد الدافع نحو الحياة انجرافا ازداد الدافع نحو التدميرقوة كلما تحققت الحياة قلت قوة التدميرية.‏ التدميرية هي نتاج الحياةغير اعيشة.‏ إن تلك الظروف الفردية والاجتماعية التي تسهم في كبحالحياة تنتج انفعالا للتدمير يشكل إذا جاز لنا القول خزانا تتغذى منهايول العدوانية <strong>الخاصة</strong> إما ضد الا^خرين أو ضد النفس (١٥) .ومن الأساليب الأخرى التي يلجأ إليها الفرد للتغلب <strong>على</strong> القهر الواقععليه كن ملاحظته جيدا في اجملتمع الحديث فهذا اجملتمع يتكونغالبيته من الأفراد الأسوياء.‏ ولكي نوضح ما نقصد بإيجاز نقول إن الفرديكف عن أن يصبح نفسه إنه يعتنق اما نوع الشخصية اقدم له منالنماذج الحضارية ولهذا فإنه يصبح اما شأن ا^خرين وكما يتوقعون منهأن يكون.‏ إن الهوة ب ‏(الأنا)‏ والعالم تختفي ويختفي معها الخوفالشعوري بالوحدة والعجز.‏ وكن مقارنة هذا الأسلوب بالطريقة التيتلون بها بعض الحيوانات جسمها طلبا للحماية.‏ إنها تبدو اثلة امالمحيطها حتى أنه يصعب ييزها.‏ والشخص الذي يتنازل عن نفسه الفرديةويصبح ا^لة متطابقا مع ملاي الا^خرين من الا^لات المحيطة به لا يحتاج إلىأن يشعر بأنه وحيد وقلق بعد هذا.‏ و<strong>على</strong> أية حال فإن الثمن الذي يدفعهغال إنه فقدان نفسه (١٦) .البذور التربوية للقهر:‏ومن اهم أن ننظر كيف أن حضارتنا تغذي هذا ايل إلى التطابق <strong>على</strong>الرغم من أنه لا توجد فسحة إلا لأمثلة بارزة قليلة.‏ إن كبت اشاعر التلقائيةوب<strong>التالي</strong> كبت تطور الفردية الأصيلة يبدأ مبكرا مع التدريب ابكر للطفلولا يعني هذا أن التدريب يجب أن يفضي بشكل حتمي إلى كبت التلقائيةإذا كان هدف التربية الحقيقي هو تدعيم استقلال الطفل الباطني وفرديتهووه وتكامله.‏ إن القيود التي قد يفرضها مثل هذا النوع من التربية <strong>على</strong>نحو الطفل ليست إلا وسائل انتقالية تدعم بالفعل عملية النمو والتوسع.‏171


فلسفات تربوية معاصرةو<strong>على</strong> أية حال إن التربية في حضارتنا كثيرا ما تفضي إلى استئصالالتلقائية وإحلال مشاعر وأفكار ورغبات مفروضة <strong>على</strong> الأفعال النفسيةالأصيلة.‏ ويختار ‏(فروم)‏ مثالا يعد من أقدم الفروض عن ‏(اشاعر)‏ التيتخص العداوة والكراهية (١٧) . إن معظم الأطفال لديهم قدر مع من العداوةوالتمرد نتيجة صراعاتهم مع العالم المحيط الذي يل إلى سد الطريق فيوجه توسعهم ومن ثم يل الأضعف منهم إلى هذين الشعورين ومن الأهدافالجوهرية للعملية التربوية استئصال رد الفعل اعادي هذا والوسائلمختلفة إنها تختلف من التهديدات والعقوبات التي ترغب الطفل إلى الوسائلاللبقة للرشوة أو ‏(التفسيرات)‏ التي تشوش الطفل وتجعله يقلع عن عداوته.‏ويبدأ الطفل بالتنازل عن التعبير عن شعوره وأحيانا ما يتنازل عن شعورهنفسه.‏ومن جهة أخرى يجري تعليم الطفل في بداية تربيته <strong>على</strong> أن يكونلديه مشاعر ليست <strong>على</strong> الإطلاق مشاعره ‏(هو)‏ وخاصة أنه يجري تعليمهأن يحب الناس وأن يكون ودودا معهم بشكل غير نقدي وأن يبتسم وما لميبتسم فإنه يحكم عليه بنفس في ‏(الشخصية ارحة)‏ وتكون محتاجا أنيكون لك شخصية مبتهجة إذا أردت أن تبيع خدماتك سواء كمدرسخصوصي أو بائع متجول كطبيب.‏ وأولئك الذين هم في سفح الهرمالاجتماعي الذين لا يبيعون شيئا سوى عملهم الجسماني وكذلك أولئكالذين في القمة العليا لا يحتاجون إلى أن يكونوا أشخاصا ‏(بهيج‏)‏بصفة خاصة.‏ إن اودة والحفاوة وكل شيء من افروض أن تعبر عنهابتسامة ماتصبح كلها استجابات ا^لية يديرها الإنسان ويغلقها كافتاحالكهربائي (١٨) .وتكمن العلة في الوطن العربي كما في العديد من أقطار العالم الثالثفي نوعية التعليم ومدى تأثيره في تغيير العقلية.‏ يبدو أن التعليم لم يكاملفي الشخصية بل ظل في الكثير من الأحوال قشرة خارجية تنهار عندالأزمات لتعود الشخصية إلى نظرتها الخرافية.‏ إن العلم لا يشكل بالنسبةللعقل اتخلف أكثر من قشرة خارجية رقيقة كن أن تتساقط إذا تعرضهذا العقل للاهتزاز.‏ إن العلم مازال في ارسة الكثيرين لا يعدو أن يكونقميصا أو معطفا يلبسه ح يقرأ كتابا أو يدخل مختبرا أو يلقي محاضرة172


تربية للتحريرويخلعه في سائر الأوقات.‏ فهناك إذن نوع من الازدواجية في شخصيةالإنسان اتخلف ب دور التعليم ودور الإنسان امارس حياتيا إذ مازالالانفصال أو الانشطار هو السائد ففي الحياة اليومية نرى التقليد وانتشارالخرافات والنظرة اتخلفة إلى الوجود ‏(‏ا فيها من اعتباط وتسلط ولامنهجية)‏ هي السائدة أما في اناسبات العلمية فنرى الواحد من هؤلاء أوبعضهم يحلق في الأجواء العليا ولو للحظات (١٩) .إن أسباب هذه الظاهرة متعددة من أهمها تعرض الطفل منذ الصغرلتأثير الأم الجاهلة معظم الأحيان والتي نظرا لوضعيتها اقهورة تتأثرإلى درجة خطيرة بالتفكير الخرافي وتتسلط عليها معتقدات لا علمية‏(الجن والشعوذة والشياط‏...‏ إلخ).‏ وموطن الخطورة هنا أنها تنقل هذهالأفكار إلى طفلها ا يجعل نظرته إلى العالم منذ البداية خرافية ولاعلمية.‏ وليست الأم فقط هي التي تغرس هذه العقليةاتخلفة في أعماقالطفل بل أيضا الإطار الحياتي العام الذي يعيش فيه قبل سني الدراسةوالذي تتفشى فيه الأفكار البائدة وامارسات الخرافية والنظرة الغيبية‏(من غول وعفاريت وجن وأشباح وأرواح).‏ ومن النادر أن يجيب هذا المحيطعن تساؤلات الطفل بعد الثالثة من العمر حول أسرار الوجود وقوانظواهره اخملتلفة إجابة علمية رصينة.‏ إن هناك ما يشبه اؤامرة استمرةعليه من خلال الكذب والتخويف يكذبون عليه في إجاباتهم حتى لا يجشمواأنفسهم عناء الشرح أو حتى يغطوا جهلهم أو يخوفونه بالأشباح والعفاريتحتى يقيدوا حركته من خلال الأوهام (٢٠) .هذا اعيش الخرافي وما يستتبعه من ارسات علمية يحمله الطفلمعه إلى ادرسة.‏ وتتفاقم اشكلة لأن ادرسة ببرامجها الحالية لا تستطيعأن تقتلع هذه الأفكار وامارسات.‏ هذا إذا لم يقع الطفل <strong>على</strong> معلم يتابعنهج الأهل وللأسباب نفسها.‏ وفي أحسن الحالات تزج اعلومات القنةبالأفكار الخرافية أو أنها تأتي لتكون قشرة خارجية تسقط عند أولاختبار أمام الأزمات الحياتية بينما تظل التجربة الخرافية للوجود متأصلةفي الأعماق وبالطبع لا يساعد هذا مطلقا <strong>على</strong> اكتساب العقلية العلميةانهجية (٢١) .ويعتبر التعليم التلقيني من أخطر الصور اناخية التي تشيع وتدعم173


فلسفات تربوية معاصرةالقهر ذلك أن أهم ما يز هذا التعليم هي لهجته اتعالية وعدم قدرته<strong>على</strong> إحداث التغيير:‏ \ ٥ ٥ = ٢٥ عاصمة كذا هي كذا أما الطلاب فينحصردورهم في الحفظ والتذكر وإعادة الجمل التي سمعوها دون أن يتعمقوامضمونها وليس من هدف التعليم التلقيني سوى تعويد الطلاب أسلوبالتذكر ايكانيكي لمحتوى الدرس وتحويلهم إلى ا^نية فارغة يصب فيهااعلم كلماته.‏ وكلما كان اعلم قادرا <strong>على</strong> القيام بهذه اهمة كان ذلك دليلا<strong>على</strong> كفاءته وكلما كانت الأواني قادرة <strong>على</strong> الامتلاء كان ذلك دليلا <strong>على</strong>امتياز الطلاب وهكذا أصبح التعليم ضربا من الإيداع تحول الطلاب فيهإلى بنوك يقوم الأساتذة فيها بدور اودع فلم يعد الأستاذ وسيلة منوسائل اعرفة والاتصال بل أصبح مصدر بيانات ومودع معلومات ينتظرهالطلاب في صبر ليستذكروا ما يقوله ثم يعيدوه ذلك هو افهوم البنكيللتعليم الذي تحدد فيه دور الطالب كمستقبل للمعلومات لأ بها رأسهويخزنها دون وعي (٢٢) . ولا شك أن هناك من ينجح بهذه الوسيلة في أنيصبح جامعا للمعلومات أو كتالوجا لها ولكن تبقى الحقيقة العارية وهي أنالذي خزن بالفعل ليست هي اعلومات وإا هو عقل الإنسان الذي حرمبهذا الأسلوب غير ارفق في التعليم من فرص الإبداع والتطوير إذ كيفكن للإنسان أن ارس وجوده الحق دون أن يتساءل ودون أن يعمل.‏وفي ضوء ذلك فليس من استغرب أن يعتبر افهوم البنكي كائناتمتأقلمة وسهلة القيادة والحقيقة هي أنه كلما تأكدت حقيقة أن الطلابمجرد مخازن للمعلومات قل وعيهم بالعلم انوط بهم تغييره فقبولهم لهذاالدور السلبي افروض عليهم يعني بالضرورة تأقلمهم استمر مع الواقعافروض عليهم واعرفة ابتسرة التي أريد لها أن لأ عقولهم ومن هنايتضح أن مهمة التعليم البنكي تتركز في تقليل القدرة الإبداعية عند الطلابأو إلغائها اما من أجل خدمة أغراض القاهرين الذين لا يرغبون في أنيصبح العالم مكشوفا لهؤلاء أو أن يصبح موضوعا للتغيير فالقاهرونيتصرفون بغرائزهم ضد أي محاولة في التعليم تستهدف تنمية القدرةالنقدية وترفض النظرة الجزئية للعالم بحقائقه وتجدهم في ذلك يحفلونبالإنسان الذي يريد أن يتأقلم مع ظروف القهر ولا يحفلون باواقف وب<strong>التالي</strong>مع السيطرة والاستغلال لأجل ذلك يشجع القاهرون مفهوم التعليم البنكي174


تربية للتحريرويفرضون سيطرة أبوية <strong>على</strong> النظام الاجتماعي الذي يتلقى فيه اقهورتعليمه فهم يعتبرون أمثال هؤلاء اقهورين حالات فردية أو أناسا هامشيلا يحق لهم التمتع زايا الصلاح والنظام والعدل الاجتماعي فهؤلاء الناسفي نظرهم هم الجزء اريض في جسم اجملتمع صحيح البنيان ويحتمواجبهم أن يتحملوا مسؤولية عدم الكفاءة والكسل حتى يؤقلموا أنفسهمويغيروا من عقلياتهم ليصبحوا جزءا مندمجا في جسم اجملتمع الذيأخطأوه ولكن الحقيقة التي تؤكد نفسها هي أن اقهورين ليسوا رجالاهامشي أو رجالا يعيشون خارج حدود اجملتمع فهم كانوا عندما مورسضدهم الاستغلال في اجملتمع الذي حولهم إلى أشياء (٢٣) .ويتضح من مفهوم التعليم البنكي أن التعليم مجرد منحة يتفضل بهاأولئك الذين يعتبرون أنفسهم مالك للمعرفة <strong>على</strong> أولئك الذين يفترضونأنهم لا يعرفونها.‏ غير أن إضفاء صفة الجهل <strong>على</strong> الا^خرين هو في حقيقتهمن مخلفات فلسفة القهر التي تجرد التعليم واعرفة كليهما من خاصيتهماكعمليتي بحث مستمر من أجل اكتساب الحرب.‏ وفي إطار التعليم البنكييقدم اعلم نفسه للتلاميذ <strong>على</strong> أنه الصورة اضادة لهم.‏ وهو بإضفائهصفة الجهل عليهم يبرر وجوده كأستاذ لهم وعند هذه ارحلة يتم تغريبالتلاميذ واستعبادهم وبحسب انظور الهيجلي للدياليكتيك فإن اعترافالتلاميذ بجهلهم هو أيضا تبرير لوجود الأستاذ بينهم و<strong>على</strong> غير مايكونالعبيد فإن هؤلاء التلاميذ لا يكتشفون مطلقا أنهم يعلمون الأستاذ (٢٤) .وكننا أن نقول إن نظام التعليم البنكي ا يشتمل عليه ينطلق ضمنيا من افتراض بوحدة العالم والإنسان فالإنسان في نظر دعاة هذا النوعمن التعليم يوجد داخل العالم وليس معه كما يوجد ضمن الا^خرين وليسمعهم.‏ وفي نظر هؤلاء فإن الإنسان مجرد مشاهد غير قادر <strong>على</strong> إبداعدوره وفي هذا السياق لا يكون الإنسان ضميرا يحس بهذا العالم بل هوعقل فارغ مفتوح لتلقي مايودع فيه.‏ ويتبع ذلك منطقيا أن دور اعلم يكمنفي صب اعرفة في داخل عقل التلاميذ من أجل ملئه ودعات يعتقدأنها ثل اعرفة الحقيقية وما ظل الطلاب يتعاملون مع العالم بهذهالطريقة السلبية فإن هذا النوع من التعليم يزيد في سلبيتهم يجعلهم أكثرتأقلما مع الواقع الذي يعيشون فيه (٢٥) .175


فلسفات تربوية معاصرةوهكذا ارس عملية التلق بالضرورة من خلال علاقة تسلطية:‏ سلطةاعلم لا تناقش ‏(حتى أخطاؤه لا يسمح بإثارتها وليس من الوارد الاعترافبها)‏ بينما <strong>على</strong> الطالب أن يطيع وتثل.‏ هذه العلاقة اللاعقلانية تعززالنظرة الانفعالية للعالم لأنها نع الطالب من التمرس بالسيطرة <strong>على</strong>شؤونه ومصيره وهي مسؤولة إلى حد كبير عن استمرار العقلية اتخلفةلأنها تشكل حلقة من حلقات القهر الذي ارس <strong>على</strong> مختلف استوياتفي حياة الإنسان اتخلف.‏ فمن حيث استويات فإن اواد الدراسية تظلإجمالا غريبة عن الإطار الحياتي للتلميذ.‏ إنه يتعلم عموما إما محتوياتدراسية مستوردة من خارج اجملتمع ‏(نظريات وعلوم الغرب مطبقة <strong>على</strong>ظواهره)‏ في اراحل العليا وإما مواد لا ت إلى واقع التلميذ ب الفئاتالشعبية في اراحل الابتدائية واتوسطة.‏ معظم اناهج التي تعالج تإلى حياة الطبقة اسيطرة وتغرس في الطفل اثل العليا السائدة لهذهالطبقة والتي لا كنه عمليا وواقعيا ارستها في حياته اليومية يظلالعلم إذن مسألة نظرة لا يعالج واقع الطالب في العالم اتخلف لا يتيح لهفرصة التصدي له وتفسيره بشكل علمي.‏ هناك تجاهل مستمر لهذاالواقع وانفصام عنه في ادرسة التي تفرض <strong>على</strong> الطالب حالة من الاغترابعن قضاياه اعايشة ولذلك فإنه يلبس ثوب العلم في ادرسة يتعاملبشكل لفظي محض مع العلم وقوانينه بينما هو يتعامل مع واقعه بأسلوبانفعالي خرافي تقليدي (٢٦) .وفي البيت نجد ارأة تفرض <strong>على</strong> <strong>أطفال</strong>ها هيمنتها العاطفية كوسيلةتعويضية عما لحق بها من غ باسم الأمومة اتفانية إنها تغرس فينفوسهم التبعية من خلال الحب تشل عندهم كل رغبات الاستقلال ‏(يجبأن يظلوا ملكيتها <strong>الخاصة</strong>)‏ وتحيطهم بعالم من الخرافات واخملاوف فينشأالطفل ب<strong>التالي</strong> انفعاليا خرافيا عاجزا عن التصدي للواقع من خلال الحسالنقدي والتفكير العقلاني (٢٧) .ثم يأتي الأب ا يفرضه من قهر <strong>على</strong> الأسرة من خلال قانون التسلطوالخضوع الذي يحكم علاقتها ليكمل عمل الأم فيغرس الخوف والطاعةفي نفس الطفل ويحرم عليه اوقف النقدي ا يجري في الأسرة منالوالدين وما ثلانه من سلطة ‏(تحت شعار قدسية الأبوة وحرمة الأمومة)‏176


تربية للتحريرويتعرض الطفل باستمرار لسيل من الأوامر والنواهي باسم التربية الخلقيةوباسم معرفة مصلحته وتحت شعار قصوره عن إدراك هذه اصلحة (٢٨) .ا^ليات القاهرين في تربية المقهورين:‏صحيح أن البنية الكلية جملتمع القهر تفرز بطبيعتها مايشكل سلوكاقهورين إلا أن هناك بعضا من الوسائل والا^ليات التي يلجأ إليها القاهرونيريدون بها إام صياغة الشخصية اقهورة التي تكون لبنة تازة فياجملتمع اقهور اطلوب وهذا ما يوجزه لنا باولو فرير فيما يلي:‏١ الغزو:‏ وكن أن نسميه ‏(الاستلاب)‏ فالقاهرون لا يؤمنون بأسلوبالحوار ومن ثم نجد أن القاهر لا يستهدف في علاقته مع الا^خرين سوىهزتهم بكل الوسائل اتاحة العنيفة واهذبة القامعة والأبوية.‏ وكما هومعلوم فإن الغزو بطبيعته يستوجب قطب أحدهما غاز والا^خر مغزو أوبتعبير ا^خر فإنه يستوجب سالبا ومستلبا أو هازما ومهزوما.‏ ويعمد الغازيفي كل طرف إلى فرض أهدافه <strong>على</strong> اغزو حتى يجعله جزءا من تلكاته<strong>الخاصة</strong> ولكي ارس اغزو حياته فإنه يستبطن شخصية الغازي فيداخله وبذلك ارس وجودا يحوله من طبيعته الإنسانية إلى مجرد شيءأو إلى جثة هامدة بلا حياة (٢٩) .ولأجل أن يتحقق الغزو فإن القاهر يجنح إلى تحطيم قدرة الجماهيرفي ييز العالم.‏ ونظرا لأن القاهرين لا يستطيعون تحقيق ذلك كاملا فهميجنحون إلى خلق إحساس خرافي بالعالم حيث يقدمون للمقهورين عاامن الخداع يزيد من سلبيتهم واغترابهم ويتبعون في تحقيق هذه الغايةأساليب كثيرة من أجل أن يجعلوا العالم يبدو في نظر اقهورين وكأنه كتلةجامدة واجبهم الأساسي هو التأقلم معها وتحقيق هذه الغاية كما سبقأن نوهنا يتم عن طريق التضليل الذي يودعه القاهرون في عقولاقهورين (٣٠) .٢ فرق تسد:‏ ويعتبر هذا ابدأ من ابادىء اهمة في العمل القهريويرجع تاريخه إلى بداية القهر ذاته ويتلخص في أنه مادامت الأقلية فيمجتمع اقهورين هي التي تخضع الأغلبية لسيطرتها فإن سبيل بقائها فيالحكم رهن قدرتها <strong>على</strong> تفريق كلمة اقهورين.‏177


فلسفات تربوية معاصرةويتخذ القاهرون لإنجاز هذه الأهداف وسائل شتى تتراوح ب مستوىالقهر البيروقراطي والتضليل الثقافي الذي يوحي للناس أن القاهرينيقومون ساعدتهم ولعل أخطر وسائل القهر هو مايقوم به بعضاتخصص الذين يركزون فكرهم في قضايا جزئية وجانبية يحجبون بهاالناس عن رؤية الواقع في صورته الشاملة.‏ ومن أبرز مظاهر التغريبوالعزب الثقافي ذلك الذي ارس تحت شعار تنمية اجملتمع حيث تقسمانطقة إلى مجتمعات محلية دون دراسة عميقة لطبيعة هذه اجملتمعاتككل متكامل في إطار واقعها الخاص من جهة وكجزء من اجملتمع الكبير منجهة أخرى.‏ إن هذه امارسة هي ضرب من التجزئة التي تبقي <strong>على</strong> الناسمتفرق حتى لا يدركوا مشاكلهم الكبرى.‏ وكننا أن نقول إن التركيز <strong>على</strong>قضايا محددة في شريحة من شرائح اجملتمع ثم تجسيد هذه الشريحةعمل يستهدف إعاقة اقهورين وعزلهم عن رؤية اشاكل التي يواجهها بقيةأفراد اجملتمع (٣١) .ولقد يكشف التحليل السيكولوجي أن الكرم الزائف للقاهرين إا هوتعبير عن الإحساس بالذنب فبهذا الكرم الزائف لا يحاول القاهر فقطالحفاظ <strong>على</strong> نظام غير عادل ويت وإا يحاول إيجاد السلام لنفسهولكن السلام لا يشترى بهذا الأسلوب لأن السلام إا يستشعر عن طريقالتماسك والحب الذي لا كن أن يكرس في ظروف القهر وبذلك فإنالوعي الديني الزائف في نظرية تربية اقهورين هو في حقيقته تأكيد لأهممقومات هذه التربية أي الحاجة إلى الغزو ومادامت هنالك فئة ترىضرورة تقسيم الناس من أجل الحفاظ <strong>على</strong> وضعها كطبقة قاهرة فإن هذهالفئة تجهد في ألا يرى اقهورون استراتيجية قهرهم لذلك تجدهم يحاولونإقناعهم بأنهم حماتهم ضد الأعمال الشيطانية وضد اتطرف واشاغبوأعداء الله.‏ وهكذا لأجل أن يقسم القاهرون الناس ويربكوهم فإنهميسمون أنفسهم ‏(بناة)‏ بينما يعتبرون ‏(البناة)‏ الحقيقي هدام وأعداء (٣٢) .٣ الاستغلال:‏ والاستغلال مثل ‏(فرق تسد)‏ وسيلة من وسائل الغزوالذي هو المحور الأساسي في تعليم اقهورين فبوسيلة الغزو تحاول الطبقةاتسلطة أن تجعل الجماهير تتوافق مع أهدافها وبقدر ما تكون الجماهيرغير ناضجة تسهل عملية استغلالها بوساطة هؤلاء الذين يريدون الاستمرار178


تربية للتحريرفي تسلطهم.‏ ولقد قالها بصراحة حاكم من حكام مصر السابق اتسلطوهو الخديو سعيد عندما قرر أن ‏(الأمة الجاهلة أسلس قيادا من الأمةاتعلمة).‏ويستدل القاهرون من خلال عملية الاستغلال توجيه الناس إلى أنواعمزورة من التنظيم أو شكلية تجنبهم التهديدات المحتملة لو توافر للجماهيرتنظيم واع فعال نابع حقيقة منهم ذلك أن مثل هذا التنظيم يقود اقهورينإلى تحقيق حرياتهم لكن الإخفاق يؤدي بهم إلى عكس ذلك اما (٣٣) .وكما هو الأمر بالنسبة للغزو فإن الاستغلال أيضا هو محاولة لتحييدالناس وصرفهم عن التفكير في الواقع وذلك أن التفكير في الواقع يؤديبهم إلى القيام بالعمل الحقيقي.‏ وأيضا من أساليب الاستغلال والسيطرةمحاولة جر الأفراد إلى نزعة تحقيق النجاح الفردي وهي نزعة سائدةعند البرجوازي وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة فإن اتسلط يتخذونالقادة الجماهيري هدفا لذلك وكما يقول ‏(ويفرت)‏ فإن هؤلاء القادةعندما يخضعن لهذا النوع من التسلط يعملون كوسطاء ب الطبقةاتسلطةوالجماهير.‏ وا كان ظهور هؤلاء القادة في الأساس مرتبطا بظهور طبقةاقهورين فإن وضعهم الجديد يجعلهم ارسون نوعا من الازدواج تتميزفيه نفوسهم بخصائص اقهورين والقاهرين في ا^ن واحد (٣٤) .٤ الغزو الثقافي:‏ وفي هذه الظاهرة يخترق الغزاة الواقع الثقافيلجماعة من الناس متجاهل إمكانات هذا الواقع ومحاول فرض تصورهمالخاص للعالم <strong>على</strong> أولئك الخاضع من أجل تعطيل قدراتهم <strong>على</strong> الإبداعوالتعبير وبصرف النظر عما إذا كان الغزو الثقافي متحضرا أم همجيافإنه مظهر من مظاهر العنف موجه ضد فئة من الناس من أجل إضاعةأصالتها وتهديدها بالزوال وكأي عمل قهري فإن الغزاة ارسون دوراؤلف وامثل في هذه العملية وأما الذين يتم إخضاعهم فيشكلوناسرح الذي ينجزون فيه مثل هذا العمل.‏وقد يكون الغزو الثقافي ظاهرا أو قد يتنكر في بعض الأحيان في ثوبالتمويه وذلك بالطبع ح يتظاهر الغزاة بأنهم أصدقاء.‏ و<strong>على</strong> الإجمالفإن الغزو ضرب من السيطرة الاقتصادية والثقافية وقد ارسه دولمتمدينة <strong>على</strong> مجتمع ضعيف وقد ارسه طبقه ما <strong>على</strong> طبقة أخرى في179


فلسفات تربوية معاصرةإطار اجملتمع الواحد.‏ وفي جميع الحالات فإنه يؤدي إلى طمس حقيقةأولئك الغزاة فالغزاة من أجل تنفيذ رغباتهم في السيطرة وتغيير الا^خرينكي تتوافق مع واقعهم يحسون بدافع عميق عرفة الطريقة التي ينظر بهااغزون للعالم وذلك من أجل إحكام السيطرة عليهم ذلك أن نظرية الغزوالثقافي تقوم <strong>على</strong> أن ينظر اغزوون إلى واقعهم من خلال نظرة الغازيلهم وبقدر ما يقلدون الغزاة بقدر ما يتأمن وضع الغزاة.‏ ولأجل أن يتحققهدف الغزو فلابد أن يقتنع اغزوون أو بدونيتهم لأن في اقتناعهم بالدونيةاعترافا بعلوية الغزاة.‏ وفي هذا الاعتراف يكمن التحول الذي يؤدي باقهورينإلى ثل خطى الغزاة في طرائق مشيهم ولبسهم وسلوكهم الاجتماعيوبذلك يتحقق الازدواج في شخصياتهم.‏ وهذا الازدواج هو الذي يوضحاذا يتعايش اقهورون في بعض اراحل مع قاهريهم.‏ ولا كن لهذا الازدواجأن ينتهي إلا إذا نزع اقهور نفسه بعيدا عن قاهره حتى يتمكن من ييزه<strong>على</strong> البعد وبذلك يدرك التناقض القائم ب شخصية القاهر وشخصيتهففي هذا العمل يدرك أي ظروف لا إنسانية يعيش فيها.‏ وبهذا التغييرالنوعي وحده في النظرة يتأتى تغيير العالم عن طريق النضال (٣٥) .وفي فكرنا العربي الحديث نجد أن قضية القهر والقاهرين قد استأثرتباهتمام مفكر مثل ‏(عبدالرحمن الكواكبي)‏ فكان كتابه الصغير صفحاتالرائع فكرا وعمقا واسمى ‏(طبائع الاستبداد)‏ فاستبد القاهر عندهأشبه بالوصي الخائن <strong>على</strong> أيتام أغنياء يتصرف في أموالهم وأنفسهم كمايهوى ماداموا قاصرين فكما أنه ليس من صالح الوصي أن يبلغ الأيتامرشدهم كذلك ليس من غرض استبد أن تتنور الرعية بالعلم (٣٦) ويرىالكواكبي أن استبد لا يخشى علوم اللغة اقومة للسان إذا لم يكن وراءاللسان حكمة حماس تعقد الألوية أو سحر بيان يحرك الجيوش.‏ وكذلك لايخاف استبد من العلوم الدينية اتعلقة باعاد لاعتقاده أنها لا ترفع غشاوةوإا يتلهى بها اتهوسون للعلم فإذا نبغ فيهم البعض ونالوا شهرة بالعوام لا يعدم وسيلة لاستخدامهم في تأييده بسد أفواههم بلقيمات منفتات مائدة الاستبداد ويقال بالإجمال إن استبد لا يخاف من العلوم كلهابل من التي توسع العقول وتعرف الإنسان ما الإنسان وما حقوقه وهل هومغبون وكيف الطلب وكيف النوال وكيف الحفظ ‏«استبد عاشق للخيانة180


تربية للتحريروالعلماء عواذله.‏ استبد سارق ومخادع والعلماء منبهون محذرون وللمستبدأعمال وصوالح لا يفسدها عليه إلا العلماء (٣٧) .ويستنتج الكواكبي من هذا أن ب الاستبداد والعلم حربا دائمة وطرادامستمرا.‏ يسعى العلماء في نشر العلم ويجتهد استبد في إطفاء نورهوالطرفان يتجاذبان عامة الناس.‏ ومن هم عامة الناس هم أولئك الناسالذين إذا جهلوا خافوا وإذا خافوا استسلموا.‏ وهم الذين متى علمواقالوا ومتى قالوا فعلوا.‏<strong>على</strong> طريق التحرير:‏لا كن أن يكون التعليم محايدا.‏إذا ما أردنا أن نتخطى التفسيرات الساذجة الشكلية للمهمة الإنسانيةللتعليم فإن هذه النقطة يجب أن تكون نقطة الانطلاق نحو التفكير الانتقاديالجدلي.‏ ولأننا نفتقد هذه الروح الانتقادية فإننا نعجز عن إدراك الدورالحقيقي للتعليم أو حتى إذا ما أدركنا فإننا نجعله متخفيا.‏ إننا يل إلىتجاهل أو إغفال دور التربية كعمل اجتماعي وهو الدور الذي سيظل فيخدمة الإنسان لتطويعه أو لتحريره (٣٨) .وفي أوقات أخرى عندما لا يكون ثمة مناص من الاختيار ب التعليمكعملية للتأهيل والتعليم كعملية للتحرر فإننا نبحث عن سبيل ثالث لا وجودله أصلا.‏ إننا نعلن أن التعليم عملية محايدة تستهدف نفسها وكأنها ليستضرورة إنسانية وكأن الإنسان لم يكن مخلوقا بشريا له جذوره في التاريخوكأن اصادفة الغالية لعملية التعليم ليست عملا يقرر عدم الالتزام بحيادهاوبالإضافة إلى كل ذلك فإن كل ما نفعله كي نؤكد هذا الحياد هو اختيارالتطويع الذي ما نلبث أن نطمس معاه ونخفيه.‏فالتعليم المحايد لا كن في الحقيقة أن يوجد.‏ومن الأمور الأساسية أن نعرف أننا عندما نعمل في محتوى انهجالتعليمي وعندما نناقش الطرق والعمليات التعليمية وعندما نخطط نرسمالسياسات التعليمية نكون منغمس في أعمال سياسية تنطوي <strong>على</strong> اختيارأيديولوجي وسواء كان هذا الاختيار غامضا أو واضحا فليس ذلك بالأمراهم.‏ ولكي نعترف بأن التعليم المحايد غير حيوي فإن ذلك يستلزم أسلوبا181


فلسفات تربوية معاصرةمن التفكير الانتقادي ومن إدراك الحقائق كما يتطلب ارسة مستمرةومتزايدة لهذا اللون من التفكير الذي يهذب نفسه باستمرار ساعيا دائماإلى التغلب <strong>على</strong> التفكير اضاد وهو ذلك الأسلوب الساذج من التفكير.‏ إنهذا الأسلوب من التفكير الانتقادي هو الذي يحتاج إلى أن يتخطى اظاهرالخادعة باحثا عن سبب وجود الحقائق وعن العلاقات ب الحقائقاخملتلفة التي تنتظم في مجموعها تحت حقيقة واحدة.‏ ومع ذلك فإن تأكيدأن التعليم محايد ليس حيويا يجب ألا يقف فقط عند مستوى إدراك هذهالحقيقة إذ إن مجرد الوعي بها لا يعني اعرفة التامة بها.‏ بل إنه منالضروري أن ننفذ داخل الواقع الذي تكون الحقيقة أحد أبعاده وبهذاكن عن طريق اعرفة الدقيقة لهذه الحقيقة وعن سبب وجودها أننرتقي ونسمو بهذه الفكرة (٣٩) .والقارىء ثل هذا الجزء من أفكار فرير مقارنة بادرسة النقدية كماعرضنا لها من قبل يستطيع أن يلمس مايقرب من التطابق ولعل اثال الذييسوقه لبيان زيف دعوى حيادية التعليم تؤكد هذا الهدف الذي كثيرا مانسمعه وهو أن العملية التعليمية يقصد بها ‏(صيانة الثقافة)‏ <strong>الخاصة</strong>باجملتمع ذلك أن العقل الانتقادي يرى في عبارة ‏(صيانة الثقافة)‏ تعبيراغامضا ومبهما ويخفي وراءه شيئا يحتاج إلى إيضاح.‏ وحقيقةالأمر أنغموض تعبير ‏(صيانة الثقافة)‏ كن التعبير عنه ا هو أكثر دقة بأنهتخليد لقيم الطبقات اسيطرة التي تنظم التعليم وتقرر أهدافه فبهذااعنى يقوم التعليم انظم بتشكيل البناء العلوي ويحافظ <strong>على</strong> التركيبالداخلي الذي أوجده ومن هنا يصبح حياده غير حيوي وعندما يوجهالتعليم نحو هذا الاتجاه وهو صيانة الثقافة ولا يكون اربون دائما <strong>على</strong>درجة من الوعي بهذا الأمر فإن وظيفته تنحصر في ملائمة الأجيالالجديدة للنظام الاجتماعي الذي يخدمه التعليم وهو النظام الذي كنإصلاحه ويجب تجديده ليكون متمشيا مع روح العصر ولكنه لا يتغير تغيراجذريا (٤٠) .إن نقطة الانطلاق من هذا التعليم للتطويع وهي النقطة التي تتطلبإبعاد انطق عن الفكر يجب أن تكون من انطق اوجود ب العقل أوعنى ا^خر من العلاقة ب الإنسان والعالم ومن العجيب أن نلاحظ أن182


تربية للتحريرمحاولة تلخيص الفكر من سيطرة انطق ومن الهبوط به إلى مستوىالبساطة والسذاجة يجب أن يكون لها ذلك اصدر الأساسي اوجود فيالقوى الجدلية التي هي أساس التعليم وقاعدته.‏ وليس هناك مهرب لأيمن هذه الأشكال اتضاربة من التعليم أو العمل الثقافي من انطق الواعيرغم أن ارستها متعارضة اما مع هذا انطق.‏ وبناء عليه فإن التعليمأو العمل الثقافي من أجل التطويع محتم عليه أن يفصل العقل الواعي عنالعالم وأن يعتبر العقل الواعي مكانا فارغا داخل الإنسان يجب ملؤهحتويات.‏ وهذا الانفصال الذي يؤدي إلى اعتبار العقل الواعي والعالمكيان منفصل متضادين يتضمن انتفاء القوة الانعكاسية للعقل الواعيالتي تتحول إلى هذا الفراغ الذي أشرنا إليه والواقع أن ‏(العالم)‏ و(العقلالواعي)‏ ليسا متضادين بل إنهما مرتبطان منطقيا داخل وحدتهما الأساسيةالأصلية ومن أجل هذا فإن الصدق اوجود في أحدهما يكتسب عن طريقالا^خر فالصدق لا نح بل يفتح الا^فاق لنفسه ويصنع نفسه.‏ إنه اكتشافوابتكار في وقت واحد.‏إن ارسة نظرية اعرفة وانطق في العمل الثقافي أو التعليمي منأجل التطويع يفصل التعليم عن التعلم العلم عن العمل التفكير عن التطبيقالتلق عن الصياغة استعادة اعلومات اوجودة عن خلق معلومات جديدةوفي هذا اجملال تصبح اعرفة هي تقبل اعلومات أو ‏(تكديسها)‏ (٤١) .وهكذا فإن شكل الفعل يتسم ولا يفقد هذه السمة بأنه مجرد عمليةنقل اعلومات وفي هذه العملية ينقل اعلم أي الفرد الذي يعلم اعرفةاوجودة لديه إلى اتعلم وهو ذلك الفرد الذي لا يعلم.‏ وفي أثناء هذهامارسة تكون اعرفة مجرد حقيقة وليست عملية دائمة تستلزم تدريبالبشر.‏ وفي هذه الفلسفة <strong>الخاصة</strong> باعرفة وانطق لا يوجد هدف محددولكن معرفة تامة تلكها اعلم وعليه أن يحول ويوصل ود ويعطيويناول هذه اعرفة التي لكها إلى اتعلم ‏(الجاهل)‏ وبهذه الطريقةتصبح الصفة الإيجابية للعقل والفكر عندما يكون هدفه هو اجملتمعالبشري صفة سلبية.‏ إن هذه الصفة الإيجابية هي التي توضح من ناحيةقدرة الإنسان <strong>على</strong> ‏(إعادة معرفة)‏ اعلومات اوجودة فعلا ومن ناحيةأخرى قدرته <strong>على</strong> ابتكار معلومات جديدة.‏183


فلسفات تربوية معاصرةوالتعليم من أجل التحرير عكس التعليم من أجل التطويع.‏ إنه خياليمتفائل بكمال بشري ويسعى إلى السعادة.‏ هو عمل للمعرفة ووسيلة لتحويلالواقع الذي يجب أن يحقق ذاته.‏ إن بؤرة الانتباه لفلسفة الفكر وانطقتتغير جذريا من إنسان إلى ا^خر من الألوان اتعارضة للتعليم أو للفعلالثقافي (٤٢) .وبينما لا كن للمرء في التعليم من أجل التطويع أن يتكلم عنموضوع معروف ولكن فقط عن اعرفة الكاملة وهي التي تلكها اعلموينقلها إلى اتعلم نجد أنه في التعليم من أجل التحرر ليس هناك معرفةكاملة تلكها اعلم وإا هناك موضوع معروف يتوسط ب اعلم واتعلمكفردين في عملية اعرفة وينشأ الحوار خلال العلاقة الفلسفية القائمة<strong>على</strong> اعرفة وانطق ب عضوي عملية اعرفة.‏ليس هناك ‏(أنا أفكر)‏ التي تنقل تفكيرها ولكن هناك ‏(نحن نفكر)‏ التيلها الفضل في وجود ‏(أنا أفكر)‏ فاعلم ليس هو الذي يعرف وإا هو الذييدرك القدر الضئيل الذي يعرفه.‏ ولذلك فهو دائب السعي عرفة ازيدبالاشتراك مع اتعلم الذي يعرف بدوره أنه ببداية معرفته الضئيلة كنهمعرفة ازيد وهنا لا يوجد انفصال ب اعرفةوالعمل ليس هناك مكانللفصل ب عالم الذين لا يعرفون وعالم الذين يعملون.‏وبينما نجد أنه من خلال ارسة التعليم للتطويع يعلم اعلم دائمااتعلم نجد أنه من خلال ارسة التعليم للتحرر يجب أن ‏(يفنى)‏ كمعلمللمتعلم كي ‏«يولد»‏ مرة أخرى كمتعلم للمتعلم.‏ وفي الوقت نفسه يجب أنيقترح <strong>على</strong> اتعلم أن ‏(يفنى)‏ كمتعلم للمتعلم كي ‏(يولد)‏ مرة أخرى كمعلمللمعلم.‏ وهذا الطريق في حركة دائمة إلى الأمام وإلى الخلف وهي حركةمتواضعة مبدعة و<strong>على</strong> اعلم واتعلم أن يقوما بها (٤٣) .إن الحرية ليست شيئا إضافيا يودع في عقول اواطن بل هي ارسةأو استجابةواعية نحو العالم من أجل تغييره ولذلك فإن هؤلاء الذينيستهدفون تحرير الإنسان حقا لا كنهم أن يقبلوا انهج الا^لي الذي يحولالإنسان إلى إناء يتوجب ملؤه كما يا كنهم أن يقبلوا افهوم البنكي باسمالحرية وهكذا فإن اؤمن حقا بتحرير الإنسان يرفضون دائما افهومالبنكي ويستعيضون عنه فهوم ا^خر يعترف بإحساس الإنسان تجاه العالم184


تربية للتحريرالذي يعيش فيه وأمام هؤلاء أن يقلعوا عن جعل التعليم وسيلة للإيداع وأنيجعلوه بدلا من ذلك وسيلة لتسليط الأضواء <strong>على</strong> مشاكل الإنسان مع هذاالعالم الذي يعيشون فيه ذلك أن التعليم الذي يتناول قضايا الإنسان معهذا العالم الذي يتناول قضايا الإنسان الفعلية يرفض أسلوب البياناتويستعيض عنها بأسلوب الحوار (٤٤) .وفي ضوء ذلك يتضح لنا أن التعليم الذي يعالج اشكلات هووحدهالقادر <strong>على</strong> حل اتناقضات التي تحول دون تحقيق الحرية ففي هذا النوعمن التعليم ينتفي وجود مدرس الطالب وطالب ادرس ويحل مكان هذهالعلاقة علاقة أخرى جديدة هيعلاقة ادرس والطالب والطالب وادرسمعا في حل اشكلات ففي هذه العلاقة لن يصبح ادرس هو وحده الذييدرس لأن ادرس في العلاقة الجديدة يتعلم أيضا من خلال حواره معالطلبة كما أن الطلبة لا يدرسون فقط بل إنهم يعلمون أيضا ويبدو منذلك أن كلا من الطلبة وادرس يشتركون في عملية نامية واحدة.‏وهكذا فالطلبة الذين يواجهون خلال عملية التعلم بسيل متصل مناشكلات الواقعية يشعرون بنوع من التحدي كما يشعرون سؤوليتهم فيمواجهة ذلك التحدي ومن هنا يبدأون عملية الاتصال بواقع حياتهمفقدرتهم <strong>على</strong> مواجهة التحدي تبعث في نفوسهم مزيدا من الشعور واجهةتحديات جديدة ا يفتح أمامهم مزيدا من الفهم والالتزام وهكذا فإنمفهوم التعليم كخبرة من أجل الحرية والذي يختلف عن مفهوم التعليمكوسيلة للسيطرة يرفض معاملة الإنسان كوجود شبحي منعزل عن هذاالعالم الذي يعيش فيه كما يرفض الاعتراف بحقيقة وجود العالم بعيداعن وعي الإنسان به.‏وهنا يبدو أن منهج طرح اشكلات أساسه اعتبار الناس كائنات فيمرحلة الصيرورة أي أنهم ارسون وجودا غير مكتمل وهذه ظاهرة يزالإنسان عن سائر الكائنات في لكة الحيوان التي لك بدورها وجوداغير مكتمل فالكائنات في هذه املكة لا لك وجودا تاريخيا لأنها لاتعيكالإنسان حقيقة عدم كمالها فالإنسان يعترف بأنه غير كامل وهذا مايدعوه لأن يتخذ التعليم وسيلة من أجل تطوير نفسه وانطلاقا من ذلكفإن التعليم ماهو إلا عملية إعادة صنع من أجل تحويل الكينونة إلى صيرورة185


فلسفات تربوية معاصرةكما هي الحال في افهوم ‏(البرجسوني)‏ (٤٥) .والتعليم اؤهل للتحرير هو التعليم القائم <strong>على</strong> الحوار.‏ والحوار كلمةوالكلمة اقصودة هنا هي التي ببعدي الرؤية ‏(الفكر)‏ والفعل..‏ إنها الكلمةالصادقة ذلك أن الكلمة الصادقة هي القادرة <strong>على</strong> تغيير العالم أما حتجرد الكلمة من أحد البعدين اشار إليهما فإنها تصبح عاجزة عن القيامبدورها وتتحول إلى مجرد ثرثرة فارغة المحتوى وبالقدر نفسه فإن قيمةالكلمة تحتوي <strong>على</strong> مافي داخلها من رؤية فالعمل من غير رؤية يلغي الحوارولا يتحقق به شيء <strong>على</strong> الاطلاق.‏ وينبني علي هذا أن العيش إنسانيا يعنيمعرفة العالم والعمل <strong>على</strong> تغييره.‏ وعندما يل فرير إلى الرأي القائل إنالكلمة وحدها هي التي تقود إلى العمل الذي يغير العالم يؤكد في الوقتنفسه أن هذه الكلمة ليست حكرا <strong>على</strong> طائفة معينة من الناس وإا هيملك للناس جميعا وذلك يعني أن الكلمة الصادقة لا كن أن يقولهاشخص واحد سواء كان ما يقوله لنفسه أو للا^خرين فإصرار مثل هذاالشخص <strong>على</strong> إسماع كلمته وحدها يعني تجريدا للا^خرين من فرصتهم فيأن يقولوا كلمتهم أيضا (٤٦) .إن تسمية العالم التي هي في الحقيقة إبداع لا كن لها أن تتم فيغياب الحب الذي هو أساس الحوار بل لعله هو الحوار نفسه و<strong>على</strong> العكسمن ذلك فإن السيطرة هي بالضرورة ا^فة ضد الحب لأنها في الحقيقةنزعة سادية ارسها القاهرون وماسوكية يتمثلها اقهورون وا كان الحبموقفا شجاعا لا يحفل بالخوف فإنه يعترف بالا^خرين وحقهم في الحياةوهو حق يتمثل في تحقيق الحرية لهم وا أن الحب موقف شجاع فإنه لاكن أن يقوم <strong>على</strong> مبدأ الاستغلال بل يجب أن يولد في الا^خرين الرغبةفي تحقيق الحرية.‏ ودون هذا الهدف لا يكون الحب حقيقة ويؤكد هذا أنإلغاء القهر هو وحده الذي يحقق الحب لأن القهر يعارض الحب بالضرورةفإذا لم أستطع أن أحب العالم والحياة والناس فلن يكون في مقدوري أنأقيم معهم أي نوع من الحوار (٤٧) .ومن اناسب في منهج طرح اشكلات أن يحاول الفرد تجميع العناصراخملتلفة إلى بعضها ليكون منها صورة متكاملة فبهذا اوقف وحده يستطيعالإنسان تحديد موقفه من حقيقة اجملتمع وهو موقف سيكون قوامه الصحة186


تربية للتحريروالعمق ولا ريب.‏ وفي الحالة التي يستطيع الناس فيها رؤية الحقيقة بسببتعقيدها وكثافتها وعدم القدرة <strong>على</strong> تبنيها فإن أفضل سبل البحث هوالتجريد ولا يعني ذلك أن يتحول التجسيد إلى صورة مجردة بل يعني أنيتعاون اجملسد مع اجملرد في منهج جدلي لتكوين الرؤية اطلوبة وهذهالحركة الجدلية في الفكر تتجلى في أبهى صورها عندما ينتقل الإنسانفي جدله من اجملرد إلى المحسوس أي ح يرتقي من الجزئي إلى الكليوالعودة مرة أخرى إلى الأجزاء أو عنى ا^خر ح يحاول أن يتب نفسهمن خلال اعقول واضعا في اعتباره أن الفعل موقف مقحم عليه من أناسا^خرين فهذا انهج يؤدي في النهاية إلى سيادة انهج التجريدي القائم<strong>على</strong> نقد المحسوس الذي توقف عن أن يكون كثيفا وغامضا وغير نافذ إلىالرؤية الشاملة (٤٨) .ا^ليات التربية التحريرية:‏ومثلما وجدنا القاهرين يستندون إلى وسائل وا^ليات بعينها لصياغةالإنسان اقهور فإنه من الجوهري للقائم بأمر التربية كعملية لتحريرالإنسان أن يستندوا إلى وسائل وا^ليات مغايرة سواء من حيث طبيعتهاوفلسفتها أو أهدافها من ذلك:‏١ التعاون:‏ إذا كنا قد رأينا في نظرية تعليم اقهورين ‏(العمل اللاحواري)‏أن الامتلاك أو الغزو بصفتهما حجر الأساس في تلك النظرية يتضمنانوجود فاعل وهو الغازي ومفعول به وهو اغزو وهو الذي يحوله هذا الغازيإلى مجرد شيء فعكس هذا نجده في نظرية العمل الحواري أو التربيةللتحرير ذلك أن الفاعل يلتقون جميعا في علاقة تعاونية من أجل تطويرالعالم.‏ وإذا كان ‏(الأنا)‏ اللاحوارية تحول ‏(الأنت)‏ إلى مجرد شيء فإن‏(الأنا)‏ الحوارية كما يقول ‏(مارتن بوبر)‏ تدرك أن ‏(الأنت)‏ قد أدركت واقعهاوأن المحتم أن تدخل مع ‏(الأنا)‏ في علاقة جدلية من أجل تغيير العالم.‏وهكذا فلا تحتمل نظرية العمل الحواري وجود جماعة يقتصر دورها <strong>على</strong>السيطرة وتستخدم في ذلك حقا غير شرعي في الامتلاك كما لا تحتملوجود ا^خرين يقتصر دورهم <strong>على</strong> الانقهار وإا تتضمن هذه النظرية أناسالهم هدف واحد يسيرون إليه هو تطوير العالم بعد ييزه وإذا لم يستطع187


فلسفات تربوية معاصرةهؤلاء الأناس لأسباب تاريخية أن يقوموا بدورهم انوط بهم فإن طرحواقعهم عليهم كمشكلة قد يساعد <strong>على</strong> تبصيرهم بهذا الدور ولا يعنيماتقدم أنه في نظرية العمل الحواري ينتفي دور القادة بل يعني ماذهبناإليه أنه لا يحق لهؤلاء القادة رغم أهمية دورهم والحاجة إليهم أن تلكواالناس أو يوجهوهم بطريقة عمياء نحو الخلاص لأن مثل هذا الخلاصسيكون مجرد منحة من القادة إلى الناس وبذلك يتحول الناس من مشاركفي العمل التحريري إلى مجرد موضوع له ولهذا فإن التعاون كركيزة منركائز العمل الحواري لا كن أن يتم إلا ح يتشارك الجميع رغم الاختلاففي التخصصات وأهميتهم ولا تتم هذه اشاركة بالحوار (٤٩) .٢ الوحدة من أجل التحرير:‏ إن التفرقة هي عمل من صميم أيديولوجيةالقهر وأما الوحدة فهي عمل ثقافي يتأتى للمقهورين وجبه أن يعرفواكيف?‏ واذا?‏ وهذا ما يجعل العمل من أجل الجماهير ليس مجرد شعار بلهو عمل من أجل انبثاق الشخصية الكاملة للفرد واجملموع ذلك أن هدفالعمل الحواري من أجل الحرية لا يعني تحرير الجماهير من واقع معلتقييدهم بواقع ا^خر وإا يعني انطلاق هذه الجماهير من أجل تغييرالوضع غير العادل الذي ظلوا ارسونه.‏ ومادامت وحدة اقهورين تتطلبالتماسك بينهم بصرف النظر عن واقعهم فإن مثل هذه الوحدة تحتاجبالضرورة إلى وعي طبقي ويعني ذلك ب<strong>التالي</strong> أن الانغماس في القهر الذيظل ارس ضد فلاحي العالم الثالث يستوجب مرحلة منالإحساس الفرديبالقهر قبل أن يتجسد مثل هذا الإحساس في عمل جماعي.‏ ولو أردنا <strong>على</strong>سبيل اثال أن نقول لفلاح أوروبي إنه فرد له كينونة خاصة به فرا بداله هذا الأمر غريبا ولكن مثل هذا القول لا يبدو غريبا عند فلاحي العالمالثالث الذين يعيشون في عالم لا يستطيعون أن يزوا فيه أنفسهم عنالحيوانات والأشجار ورجال مثل هؤلاء لابد لهم أن يكتشفوا أنفسهمكأفراد حيل بينهم وب الكينونة (٥٠) .٣ التنظيم:‏ إن التنظيم هو الرد الحاسم <strong>على</strong> نزعة الاستغلال.‏ و<strong>على</strong>الرغم من أن التنظيم يرتبط دائما بالوحدة فإنه في حقيقته تطور طبيعيلها لذلك فإن سعي القادة لتحقيق الوحدة هو في حقيقته سعي من أجلالتنظيم الذي به تتحقق أهداف الحرية وهو دليل <strong>على</strong> التواضع والشجاعة188


تربية للتحريرواشاركة في العمل الجماعي حيث يتفادى الناس به الوقوع في أخطاءالعمل اللا حواري وهذا الدليل قد يختلف أسلوبه بحسب الظروف التاريخيةالتي يعيشها الشعب.‏ولابد أن نضع في الحسبان أن النماذج الثورية الصادقة تضع في اعتبارهادائما احتمال الإخفاق في كسب الجماهير إلى صفها ولكن يجب ألا يؤديذلك إلى التقاعس لأن عملها ذو طبيعة ديناميكية.‏ وإذا كان العمل اللاحوارييحيد الجماهير ليبسط سيطرته عليها فإن العمل الحواري يقضي <strong>على</strong>الاستغلال بالتنظيم.‏ وإذا كان الاستغلال في العمل اللاحواري يخدم أغراضالامتلاك فإن الجرأة والحب اللذين يتميز بهما العمل الحواري يخدمانأهداف التنظيم.‏ وبالنسبة للصفوة اتسلطة فإن التنظيم عندها يعني تنظيممصالحها وأما بالنسبة لقادة التحرير فإن التنظيم يعني تنظيم أنفسهم معالناس (٥١) .٤ التا^لف الثقافي:‏ إن العمل الحواري يستهدف احتواء اتناقضاتوبذلك يتمكن من تحقيق حرية الناس أما نظرية العمل اللاحواري فإنهاتبقي <strong>على</strong> هذه التناقضات لكي تحول دون تحقيق التطور اللازم لتحريرالناس.‏في نظرية الغزو الثقافي يستمد امثلون ‏(اسيطرون)‏ نظريات أدوارهممن قيمهم وأيديولوجيتهم <strong>الخاصة</strong> حيث يبدأون من عاهم الخاص يغزونبه عالم اقهورين وأما في نظرية التا^لف الثقافي فإن امثل الذين يأتونمن عالم مختلف ويدخلون عالم الجماهير لا يدخلونه كغزاة أو معلم أومبشرين بل يدخلونه كمتعلم مهمتهم تتركز في أن يعرفوا عن الناسكذلك في الغزو الثقافي لا يحتاج امثلون إلى الاتصال بالجماهير وقديكتفون بالوسائل التقنية يفرضون بها أنفسهم <strong>على</strong> الناس الذين يقومونبدور اشاهد فحسب.‏ أما في نظرية التا^لف الثقافي فإن امثل يندمجونمع الناس ليصبحوا مشارك لهم في العمل الذي يقومون به معا تجاهالعالم (٥٢) .189


فلسفات تربوية معاصرةهوامش الفصل الرابع١ مقدمة الطبعة الإنجليزية لكتاب باولو فرير:‏ تعليم اقهورين ترجمة يوسف نور عوضبيروت دار القلم ١٩٨٠ ص ١٤.٢ ارجع السابق ص ١٥٣ ارجع السابق ص ٢١.٤ مستقبل التربية العدد الأول ١٩٧٦ القاهرة ص ٦٨.٥ ارجع السابق ص ٧٠.٦ مصطفى حجازي:‏ التخلف الاجتماعي سيكولوجية الإنسان اقهور بيروت معهد الإاءالعربي ١٩٨٦ ص ٧.٧ ارجع السابق ص ٨.٨ ارجع السابق ص ٨.٩ إيريك فروم:‏ الخوف من الحرية ترجمة مجاهد عبدانعم مجاهد بيروت اؤسسة العربيةللدراسات والنشر ١٩٧٢ ص ١١٧.١٠ ارجع السابق ص ١١٨.١١ ارجع السابق ص ١١٩.١٢ ارجع السابق ص ١٢٥.١٣ ارجع السابق ص ١٤٥.١٤ ارجع السابق ص ١٤٦.١٥ ارجع السابق ص ١٤٨.١٦ ارجع السابق ص ١٥٠.١٧ ارجع السابق ص ١٩٤.١٨ فروم ص ١٩٥.١٩ مصطفى حجازي ص ٧٧.٢٠ ارجع السابق ص ٧٧.٢١ ارجع السابق ص ٧٨.٢٢ باولو فرير:‏ تعليم اقهورين ص ٥١.٢٣ ارجع السابق ص ٥٣.٢٤ ارجع السابق ص ٥٢.٢٥ ارجع السابق ص ٥٥.٢٦ ارجع السابق ص ٧٨.٢٧ مصطفى حجازي ص ٨٢.٢٨ ارجع السابق ص ٨٢.٢٩ تعليم اقهورين ص ١٠٣.190


تربية للتحرير٣٠ ارجع السابق ص ١٠٤.٣١ ارجع السابق ص ١٠٦.٣٢ ارجع السابق ص ١٠٩.٣٣ ارجع السابق ص ١١٠.٣٤ ارجع السابق ص ١١١.٣٥ ارجع السابق ص ١١٤.٣٦ ارجع السابق ص ٢٦.٣٧ الكواكبي ص ٢٨.٣٨ باولو فرير:‏ التربية أتطويع هي أم تحرير?‏ مستقبل التربية العدد الثاني ١٩٧٣ ص ١٨٨.٣٩ ارجع السابق ص ١٩٠.٤٠ ارجع السابق ص ١٩١.٤١ ارجع السابق ص ١٩٢.٤٢ ارجع السابق ص ١٩٥.٤٣ ارجع السابق ص ١٩٦.٤٤ تعليم اقهورين ص ٥٨.٤٥ ارجع السابق ص ٦١.٤٦ ارجع السابق ص ٦١٤٧ ارجع السابق ص ٦٨.٤٨ ارجع السابق ص ٧٨.٤٩ ارجع السابق ص ١٢٥.٥٠ ارجع السابق ص ١٢٩.٥١ ارجع السابق ص ١٣٢.٥٢ ارجع السابق ص ١٣٦.191


فلسفات تربوية معاصرة192


اللامدرسية ?5 اللامدرسيةلماذا اللامدرسية؟لو أن واحدا حاول أن يحصي ما كتب عن‏(ادرسة)‏ تقديراً‏ وأهمية ووظيفة وقيمة فلرااحتاج إلى الألوف اؤلفة من الصفحات ا قدتنوء بحمله طاقاته الزمنية والبدنية ذلك أنهاحظيت ا لم تحظ به مؤسسة اجتماعية منالتقريظ حتى أن شاعرنا عندما أراد أن دح‏(الأم)‏ التي أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أنالجنة تحت أقدامها لم يجد هذا الشاعر أكثرقيمة وأهمية وتأثيرا من ‏(ادرسة)‏ كي يشبهها بها.‏وفي مجال التمييز ب اجملتمعات اخملتلفةواجملتمعات اتقدمة نجد أنه من ب العديد مناعايير يجيء مدى انتشار ادارس في اقدمةحتى أن البعض يكاد يكتفي بهذا اعيار مؤكدا أنالتعليم الذي تقوم به هو الذي يكفل القضاء <strong>على</strong>سائر النوائب والبلايا كالفقر وارض.‏ وأكد بعضا^خر أننا كلما فتحنا مدرسة فإننا نكون بذلك قدأغلقنا سجنا أو <strong>على</strong> الأقل ألغينا فرصة افتتاحسجن جديد <strong>على</strong> أساس ما تقوم به ادرسة منغرس القيم الأخلاقية والتنوير الاجتماعي والوعيالقانوني.‏193


فلسفات تربوية معاصرةلكن هذا التقدير الذي يكاد أن يكون بلا حدود ‏(للمدرسة)‏ يأبى القرنالعشرون أن يطوي صفحاته دون أن يصب <strong>على</strong> رؤوسنا دلواً‏ بارداً‏ منالأفكار التي أراد بها أصحابها أن يزعزعوا ً عددا من اعتقدات التي استقرتفي العقل الإنساني عبر قرون وذلك بدعوتهم إلى أن تصبح مجتمعاتنا‏(بلامدارس)‏ علما بأن اقصود ‏(بادرسة هنا كل مؤسسة تعليمية نظاميةأقامها اجملتمع سواء سميت ‏(مدرسة)‏ أو ‏(معهدا)‏ أو ‏(كلية)‏ أو ‏(جامعة)‏ أوغير هذا وذاك من تسميات.‏ومع ذلك فمن الإنصاف أن ننبه إلى أن موجة الهجوم <strong>على</strong> ادرسةكانت لها إرهاصاتها في القرن الثامن عشر و<strong>على</strong> يد افكر الشهير ‏(جانجاك رسو)‏ ‎١٧٧٨‎م/‏ فقد رأى أن التعليم النظامي الذي تقدمهمعاهد التعليم يفسد الأطفال ا يبثه فيهم من قيم اجتماعية هي فيمعظمها لا تشكل صفاء الحياة الاجتماعية من الكذب والغش والنفاقوالاتكالية واداهنةوالخداع وأن أفضل ما كن أن نؤديه من خدمة لأطفالناأن ندعهم يواجهون الطبيعة مباشرة فهم بطبيعتهم الخيرة وهي بطبيعتهاالجميلة ستنتج طفلا مستقل الذات يعتمد <strong>على</strong> نفسه يسلك وفق ما ليهعليه نوازعه الطيبة التي لم تدنسها مفاسد اجملتمع.‏وقبل أن ضي لنكشف عن صور ومظاهر الهجوم اعاصر والحديث<strong>على</strong> ادرسة علينا ألا ننسى ‏(اسرح الاجتماعي)‏ الذي ظهر عليه أصحابهذا الهجوم فالنظر إلى اتغيرات اخملتلفة التي تشكل هذا اسرح يبرزالأسباب وابررات ومن ثم يحمل التفسير والتحليل فاجملتمعات الصناعيةاتقدمة إذا كانت تشهد من مظاهر وصور التقدم ما هو مذهل حقا كماً‏ونوعاً‏ فهي تجلب معها أيضا من صور ومظاهر الخلل ما يفزع الفلاسفةوافكرين الذين يأخذون <strong>على</strong> عاتقهم مهمة دق أجراس الخطر وفي غمرةهذا تنبعث أصوات هنا وهناك بالنقد اللاذع للحضارة الغربية ومحاولةالبحث عن الأسباب التي أدت إلى صور الخلل.‏وقد تعددت بطبيعة الحال أسباب الخلل بتعدد زوايا الرؤية واجتهاداتالفلاسفة وافكرين والظروف المحيطة ومن ب هذه الأسباب تصورالبعض منهم أن ‏(ادرسة)‏ هي اتهم الرئيسي الذي يجب أن سك بتلابيبه.‏وقد أمسك هؤلاء بتلابيب هذا اتهم بالفعل وحاكموه ولم يتضمن حكمهم١٧١٢ 194


اللامدرسية ?عليه أية محاولة لإصلاح شأنه وتعديل حاله كما يفعل مع الكثيرين منانحرف واجملرم وإا كان الحكم القاطع بضرورة الإعدام!!‏وإذا كان ثل الادعاء الرئيسي هنا هو ‏(إيفان إيلتش)‏ إلا أنعددا ا^خر مهد له أو ا^زره في نفس الدعوى نذكر منهم:‏ ‏(نيل)‏Neill و ‏(ب.‏جودمان)‏ P.Goodman و(أ.‏ رر)‏ E.Reimer و(ج.‏ دينسون)‏هولت)‏والغريب حقا أن كثيرا من صور الهجوم إا استثاتها فكرة تعدهااجملتمعات والأ ‏(أملا)‏ يسعون إلى تحقيقه ورفع حده الأ<strong>على</strong> ونعتبرهجميعا معيارا من معايير التقدم ألا وهي فكرة ‏(التعليم الإلزامي)‏ <strong>على</strong>أساس أن ‏(اواطنة)‏ في عصرنا الحاضر تستلزم قدرا مشتركا ب أبناءالوطن هو أحد من افاهيم واعارف واهارات والاتجاهات فمثل هذاالقدر اشترك هو الذي ييسر سبل الاتصال والتواصل ب أبناء اجملتمعوهو السبيل إلى وحدة اوقف اطلوبة في كثير من الأمور والشؤون.‏ وكلماارتقت الحياة الاجتماعية اتسعت مساحة القدر اشترك اطلوب.‏ ومنهنا حرصت معظم اجملتمعات <strong>على</strong> أن ثل تعليم ارحلة الأولى الوعاءالأساسي والسبيل الرئيسي لتقد هذا القدر اشترك وبدأت بعضاجملتمعات تزيد من فترته بحيث لاتكتفي بأن تكون ست سنوات كما هوشائع.‏وموضع الهجوم عند هذا النفر من افكرين الذين نشير إليهم هو ماينطوي عليه هذا من ‏(إكراه)‏ و ‏(إرغام)‏ فها هنا تطل علينا الفلسفة الليبراليةوالنزعة الرأسمالية لتتمثل في عالم التربية والتعليم في صورة حرية الفردفي أن يقرر بنفسه هو متى وأين وكيف يتعلم!!‏ تنطلق هذه الصيحة فيأغلب الأحوال بعد منتصف القرن العشرين وبصفة خاصة في ثلثه الأخيرفي مجتمعات تشبعت بالتعليم وبتعدد لا مثيل له في وسائل ووسائط التثقيفحتى أصبحت هذه اجملتمعات ا يُطلق عليه ‏(اجملتمع اتعلم اعلم)‏ بحيثكن للإنسان دون الاعتماد <strong>على</strong> وسائط التعليم النظامي أن يحصل<strong>على</strong> الكثير ا هو بحاجة إليه من مهارات ومعلومات واتجاهات ليحسنالتعامل مع اعطيات اجملتمعية اخملتلفة.‏لكن ماذا عن مجتمعات العالم الثالث اتخلفة في معظمها?‏ إنهامجتمعاتIvan IllichG.Dennison و(ج.‏.W.Glasser و(و.جلسر)‏ J.Holt195


فلسفات تربوية معاصرةغير متعلمة وغير معلمة وإا <strong>على</strong> العكس من ذلك كن أن تكون تربةخصبة لغرس قيم التخلف والجمود الفكري والتفكير الخرافي والعديد منصور القهر والاستغلال فضلا عن فقرها ادقع في اعرفة والثقافة ومنهنا كانت إشارتنا إلى أهمية التنبه دائما ونحن نتعرف <strong>على</strong> مثل هذهالاتجاهات إلى طبيعة ‏(اسرح الاجتماعي)‏ الذي ظهرت عليه.‏وا كان تطبيق الإلزام يحتاج إلى ‏(سلطة)‏ تفرضه وتوقع العقاب ن لايلتزم بهذا الحد من التعليم هاجمه ‏(دينسون)‏ <strong>على</strong> أساس ‏«أنه ليس مجردقانون يفرض <strong>على</strong> الشبان بل هو أيضا فعل تسلطي يفرض <strong>على</strong> حياة الناسجميعا (١) . يضاف إلى ذلك سوء الحال الذي نلاحظه اليوم بالنسبة للفصولادرسية من حيث ما ثله الفصل من بيئة كئيبة فقيرة الإمكانات واثيراتا يجعل الطالب يكره مكان التعلم ويحلم باللحظة التي يغادره فيها.‏ ولوكان الأمر عكس ذلك أي لو أن أمكنة التعليم ثل بيئة جميلة منظمةبهيجة متنوعة ثرية الإمكانات فهنا كن أن يصبح فعل ‏(الإلزام)‏ محتملا.‏وهكذا يؤكد هؤلاء افكرون أهمية التخلي عن إكراه الطلاب <strong>على</strong> التعلمفهذا هو ‏(هولت)‏ يقول:‏ ‏«إننا لانستطيع أن نوفر تعليما حقيقيا في ادرسةما دمنا نفكر بأن من واجبنا وحقنا أن نفرض <strong>على</strong> الطلاب ما ينبغيتعلمه»‏ (٢) . إن علينا ألا نقدم درسا إلا إذا كان موضوعه يستجيب لرغبةالطالب.‏ ذلك الطالب الذي لك من النضج ما يتيح له أن يتمناه ومايجعل من حقه أيضا أن يرفضه.‏إن مثل هذه اقدمات لا تؤدي بالضرورة إلى تلك النتيجة التي انتهىإليها ‏(اللامدرسيون)‏ أي اطالبون بإلغاء ادرسة ذلك أن النقد هنا منصب<strong>على</strong> فكرة ‏(الإلزام)‏ وهي فكرة حديثة التطبيق ومع ذلك فوجود ادرسةأمر شهده التاريخ منذ عصور سابقة طويلة.‏ ونحن نعرف أن هناك مثلا دولا عربية كاملكة العربية السعودية لاتعرف تشريعا للإلزام ومع ذلكفحركة انتشار مؤسسات التعليم هناك قائمة <strong>على</strong> قدم وساق <strong>على</strong> أساسأن اهتمام الناس بالتعليم والإقبال عليه وطلبه قد بلغ درجة لا تستوجب‏(إجبارهم)‏ عليه.‏كذلك فإن تعليم الطلاب ‏(مايرغبون في تعلمه)‏ مبدأ سبق أن نادى بهمفكرون كثيرون و<strong>على</strong> رأسهم ‏(فروبل)‏ و ‏(بستالوتزي)‏ و ‏(ديوي)‏ وهو أمر196


اللامدرسية ?لايستتبع بالضرورة أيضا إلغاء ادرسة فالحوادث التي تجري للسيارات مثلا والطائرات لا تستوجب إلغاءها وإا تستحث التفكير في سبلمبتكرة زيد من الطمأنينة <strong>على</strong> الطريق أو في الجو.‏ورا لا يجد الإنسان مفراً‏ من التسليم مع النقاد للمدارس بعدد غيرقليل من النقود في مقدمتها ذلك الطابع التكراري النمطي امل للحياةادرسية من توزيع منتظم لساعات الدروس ومن خطة دراسية محددةسلفا وتجرى <strong>على</strong> شاكلة واحدة مطوحة برغبات الأفراد ومن وظائفإجبارية ومن درجات مدرسية من شأنها أن تحيي من جديد ضروب الذلالتي فرضت من قبل و ‏(الشهادات)‏ التي ترسل إلى أولياء الأمور لتخبرهمبنتائج تحصيل أبنائهم ومن إعداد للامتحانات بكل ما تحمله من مظاهرالقلق والخوف والتوتر.‏إنه من الخطأ غير اله الظن بأن الفن التعليمي كن أن يُصبح واحدالشكل و<strong>على</strong> ط واحد رغم ما ب الشخصيات الفردية من تفاوت ولكنإذا كان من الصحيح أن مدى العمل الفكري متناسب مع الرغبة في التعلمفإن التقنيات التعليمية مهما يكن شأنها لا كن أن تحل محل هذه الرغبةوأي تنميط يتجاهل إيقاع كل فرد وما يبديه من مقاومة لا كن أن يكونمجديا وفعالاً‎ فليست التقنيات هي التي تستطيع في حال من الأحوال أنتزيد من البواعث أو أن تجود الأداء (٣) .وإذا كنا قد أشرنا إلى مفكرين نادوا بضرورة إقامة العمل التعليمي<strong>على</strong> رغبات الطلاب وميولهم إلا أن ‏(دينسون)‏ يخشى من أن تستغل ميولالطلاب ورغباتهم في الوصول بهم إلى أهداف أخرى حددها غيرهم منالكبار ومعدة سلفا وهو احتمال راجح لأن العمل التعليمي يهدف إلى الإعدادللحياة أو التكيف مع اجملتمع ذلك الهدف الذي يسخر منه ‏(دينسون)‏ <strong>على</strong>أساس أن يحول الطلاب إلى مجرد أدوات ووسائل تحقيق حياة اجتماعيةتقوم <strong>على</strong> التحكم وهو إذ يقول هذا يضع نصب عينيه مجتمع الولاياتاتحدة الأمريكية وما يقوم عليه من سيطرة عدد من اؤسسات اهيمنةالتي توهم الأفراد بأنها تعمل من أجلهم بينما هي تعمل من أجل أصحابها.‏وا كن أن يلاحظه ارء بغير صعوبة عند استقراء مثل هذه الأمثلةللنقد الذي وجه إلى ادرسة وهناك بالطبع غيرها ا سنأتي إلى بعضه197


فلسفات تربوية معاصرةفي فقرات تالية أننا لا نجد عند هؤلاء افكرين ملامح مذهب شاملينطلق من نقد الواقع إلى رسم صورة للبدائل التي كن أن تتلافى مواطنالنقد وتدفع بالعمل التربوي إلى خطوات تقدمية مثلما رأينا عند مفكرينوفلاسفة سابق بغض النظر عما إذا كنا نقتنع بالبدائل اطروحة أم لامادامت تجيء في صورة مذهب شامل تتسق عناصره بعضها مع البعضالا^خر وتجيء النتائج كخطوة ضرورية لازمة عن مقدماتها.‏النشأةويعتبر ‏(إيفان إيلتش)‏ بحق الزعيم الأشهر للاتجاه الذي أصبح يعرفباسم ‏(اللامدرسية)‏ وهو الاتجاه الذي يعني في صورته اعتدلة عدمالاعتماد <strong>على</strong> اؤسسات التعليمية النظامية في القيام همة التربية والتعليمواستثمار كافة القوى واؤسسات التي كن أن يكون لها دور في تربيةالإنسان أما في صورته اتطرفة التي نركز عليها هنا فهي اناداة بإلغاءهذه اؤسسة النظامية ليكون اجملتمع كله هو ادرسة الكبرى للجميع.‏وإذا كان إيلتش قد أصاب الكنيسة الكاثوليكية بصفة خاصة بكثير منسهام نقده فإنه ما يثير الدهشة حقا هو دراسته اتعمقة للاهوت بلواشتغاله بالعمل الكنسي فقد ولد في عام دينة ١٩٢٦ ‏(فيينا)‏ بالنمساثم درس اللاهوت والفلسفة في الجامعة الجريجورية دينة روما بإيطالياثم توجه إلى سالزبورج ليحصل <strong>على</strong> الدكتوراه في جامعتها في التاريخوفي عام ١٩٥١ توجه إلى الولايات اتحدة حيث عمل قسا في نيويورك فيمنطقة تعج واطن أيرلندي وبورتريكي وقد أهله هذا العمل لأنينتقل إلى ‏(بورتريكو)‏ نفسها مديرا مساعدا للجامعةالكاثوليكية في ادةمن ‎٥٦‎ ١٩٦٠ وكان نشطا للغاية فأنشأ مركزا كبيرا لتدريب القساوسةالأمريكي في الثقافة الأمريكية اللاتينية.‏ وساهم إيلتش كذلك فيتأسيس ‏(مركز توثيق الثقافات الأمريكية اللاتينية.‏ وساهم إيلتش كذلكفي تأسيس ‏(مركز توثيق الثقافات اتداخلةDocumentation في ‏(كيرنافاكا)‏ باكسيك.‏ولم يكن إيلتش وحده في تزعم الدعوة الجديدة فقد شاركه أيضا‏(إيفرت رر).‏Center For Intercultural198


اللامدرسية ?وكان رر يعمل أيضا في بورتريكو وتنبه إلى أن ‏(ادرسة)‏ إن هي إلاأداة في يد الطبقات البورجوازية لكي تحكم سيطرتها <strong>على</strong> اجملتمع عنطريق تسييد ثقافتها وقيمها ومعاييرها وأصدر رر كتابه اعروف ‏(وفاةأما إيلتش فقد سمى أشهر كتبه ب ‏(مجتمع بلامدارس Deschooling Society ترجمه إلى العربية يوسف نور عوض وزميله.‏ويدين إيلتش بالفضل في اهتمامه بقضية التعليم العام إلى ‏(رر)‏حيث لم يكن يخامره شك حول قيمة التوسع في التعليم الإلزامي كي يعمكافة الجماهير وذلك قبل أن يتلقيا في بورتريكو عام ١٩٥٨ إلى أن بدأيراجع مثل هذه الأفكار مراجعة جذرية.‏وكتاب ‏(مجتمع بلا مدارس)‏ يشمل الدراسات التي ناقشها إيلتش معرر في مركز كيرنافاكا عام ١٩٧٠ أما فصله الأخير فقد أداره حولتأملات عنت له بعد مناقشة جرت بينه وب ‏(إيريك فروم).‏كان إيلتش منذ عام ١٩٦٧ يلتقي بانتظام مع رر في مركز توثيقالثقافات اتداخلة وكانت تشترك في الحوار مع كليهما ‏(فالنت بوران)‏مديرة اركز التي ظلت تحث إيلتش <strong>على</strong> اختيار أفكاره في ضوء ظروفأمريكا اللاتينية وأفريقيا وكانت ترى أن ‏(أخلاقيات)‏ اجملتمع وليسمؤسساته هي التي يجب أن ينهى ‏(‏درسها)‏ Schoolging لقد وضح اماأن التعليم الإلزامي هدف يستحيل تحقيقه عن طريق ادرسة وسيكون مناستحيل أيضا تحقيقه بواسطة مؤسسات بديلة تقوم <strong>على</strong> نظرية ادارسالحالية نفسها (٤) .فخلاف ا تدعيه الأيديولوجيةالرسمية لم تقم ادرسة الإلزاميةأصلا من أجل خير الأطفال بل قامت بسبب الظروف الاقتصادية التيسادت في الغرب إذ استلزم العصر الصناعي الذي بدأ في القرن التاسععشر انطلاقة تجعل اواطن قادرين <strong>على</strong> تلبية اطالب التقنية والتكنولوجيةاتزايدة ولكن دون أن يبلغوا مستوى عاليا من التأهيل.‏ وا كان التعليم قدعمم هذه الغاية وحدها فمن الطبيعي ألا يكون وسيلة للمساواة الاجتماعيةالحقة ومن هنا كان فشله صارخا إذ إن ١٠% من الطلاب <strong>على</strong> أحسنتقدير وهم أولئك الذين ينتسبون إلى بيئات محظوظة مفضلة هم الذينيبلغون خاة اطاف في التعليم ادرسي الإلزامي والقول بأن هنالكادرسة)‏Dead School is199


فلسفات تربوية معاصرةفرصا متكافئة يستوي فيها الجميع أمام التعليم هوقول يعتبره إيلتش قولاكاذبا.‏ونحن إذا حاولنا أن نقف <strong>على</strong> مثل هذا في بلد مثل مصر فسوف نجدأنه من ب ما يقرب من مليون طفل يلتحقون درسة التعليم الأساسيلايصل منهم إلى التعليم العالي أكثر من ثمان ألفا <strong>على</strong> وجه التقريب أيبنسبة تصل إلى ١٢٬٥% تقريبا.‏ لكننا مرة أخرى لانستطيع أن نساير إيلتشفي استنتاجه بأن هذا يعني استحالة أن تحقق ادرسة الإلزامية دوقراطيةالتعليم وإا <strong>على</strong> العكس من ذلك فمادامت هي التي تعلم أكبر عدد منأبناء الناس وقدرا مشتركا من التعليم فهي إذن التي تتحقق فيها دوقراطيةالتعليم.‏ وإذا كان لايصل من جملة طلابها إلى التعليم العالي إلا هذهالنسبة الضئيلة فهذا لايقلل من دوقراطيتها بل من دوقراطية ارحلت<strong>التالي</strong>ت‏:‏ الثانوية والعالية.‏ وإن كان البعض يرفع حجة لها وجاهتها بأنه إذاكان من الضروري لكل الناس أن تتعلم هذا القدر اشترك الذي تقدمهمرحلة التعليم الأولي فليس من المحتم <strong>على</strong> الجميع أن يحصلوا <strong>على</strong> القدر<strong>التالي</strong> إلا بالنسبة التي يحتاج إليها اجملتمع.‏ولم يكن هجوم إيلتش <strong>على</strong> ادرسة يستهدف هذه اؤسسة وحدها فيحد ذاتها وإا كان ذلك في إطار عام من النقد للاتجاه ‏(اؤسسي)‏ فياجملتمع الغربي الصناعي.‏ إننا في مجتمعات العالم الثالث نتحرق شوقاإلى أن يظلل هذا الاتجاه حياتنا بحيث لاتترك الأمور للأهواء الذاتيةوالنزعات <strong>الخاصة</strong> والعلاقات القرابية والوسائط واصالح الشخصيةولن يتم هذا إلا بالقدر الذي تنحو فيه حياتنا الاجتماعية نحوا موضوعيايكون فيها الحكم للقانون واؤسسات لكن هذا الاتجاه فيما يبدو قد بولغفي أهميته وضرورته فهذا إيلتش يؤكد أن مناخا مؤسسيا مثل هذا إايسحق الحرية الفردية ويبتلع شخصية اواطن.‏إن اجملتمع الغربي الصناعي اتقدم الذي تحكمه اؤسسات يتحول فينهاية الأمر إلى تحكم فئات قليلة تبتكر العديد من الوسائل الشيطانيةباسم العلم والتكنولوجيا لتوهم الإنسان أنه هو الذي يختار وهو الذي يقرربينما هي التي تشيع مناخا يلعب دورا ً في تحديد الاختبارات وصياغةالعقول.‏ واتأمل في مؤسسة ‏(الإعلام)‏ <strong>على</strong> سبيل اثال يستطيع أن يلمسً حاسما200


اللامدرسية ?كيف أن وكالات الأنباء وما يشبعها تتحكم بطريقة غير مباشرة فيما نحبونكره فيما نرى ونقرر.‏ وما ادرسة إلا ‏(أخطبوط)‏ معاصر يقوم بنفسالدور ويشاركها في ذلك مؤسستان أخريان وهما:‏ الكاثوليكية والصحة أوالهيئات التي تقوم بوظائفها.‏يذهبإايلتش إلى أن كثيرا من الطلاب و<strong>على</strong> وجه الخصوص الفقراءمنهم يدركون بالسليقة ما تعنيه ادرسة في حياتهم إذ هم يتعلمون كيفيخلطون ب ‏(العملية)‏ و ‏(محتواها)‏ وح يصابون بالضبابية يبدأون منطقاجديدا وهو أنه كلما كثرت اعالجة تحسنت النتائج أو يؤدي التصعيدبالضرورة إلى النجاح.‏ وهكذا ‏(يُمدَ‏ ‏ْرس)‏ الطالب حتى يخلط ب ‏(التدريس)‏و ‏(التعليم)‏ وب التقدم في الدرجات و ‏(التعليم)‏ وب الدبلوما والكفاءة.‏لقد مَدرْ‏ ‏َس خياله كي يقبل الخدمة بدلا من ‏(القيمة)‏ مثل إقناع الإنسانبالذهاب إلى استشفى حتى لو لم تقدم له العلاج الناجع.‏ ويتم بهذا الأسلوبالخلط ب اعالجة الطبية والعناية الصحية وب العمل الاجتماعي وتحسحياة اجملتمع وب الحماية البوليسية والأمن وب سباق الفئران والعملالإنتاجي.‏ وأصبح تعريف الصحة والتعليم والكرامة والاستقلال والمحاولاتالإبداعية لا يتعدى في معظم الحالات امارسات التي تقوم بها اؤسساتالتي تدعي أنها تخدم تلك الأغراض بل أصبح تطوير هذه الأغراض يعتمدفي الأساس <strong>على</strong> زيادة اخملصصات اقررة لإعانة استشفيات وادارسوسائر ارافق الأخرى (٥) .ويبدو أن معرفة إيفان إيلتش الوثيقة بالكنيسة الكاثوليكية وهي منأهم اؤسسات في العالم الغربي هي التي جعلته يفطن إلى طبيعةاؤسسات خاصة تلك التي تعد الخلاص الديني أو العلماني.‏ كما دفعتهمعرفته بالقساوسة الأمريكي إلى إدراك حقيقة فئات ‏(المحترف‏)‏والبيروقراطية.‏ إن التشابه من وجهة نظره يبدو واضحا ب قسيسالعصور الوسطى الذي يعد بالحياة بعد اوت وادرس الحديث الذي يعدبحياة طيبة بعد ادرسة.‏إن تزايد اعتماد الإنسان <strong>على</strong> اؤسسات يعني تزايد استهلاكه ا تنتجهوب<strong>التالي</strong> تحديد الفقر بأنه قلة استهلاك ما تنتجه اؤسسات أو ما يوفرهاجملتمع من خدمات فالفقير يحدد مثلا بأنه من لم يحصل <strong>على</strong> ‏(أو201


فلسفات تربوية معاصرةيستهلك)‏ ثلاث سنوات من التعليم في اكسيك واثنتي عشرة سنة فينيويورك ويزيد اطراد الاعتماد <strong>على</strong> اؤسسات من ضعف الفقراء بلويصيبهم بالعجز النفسي فحرمانهم من الخدمات التي تقدمها اؤسساتوالتي تصبح ذات أهمية ودلالة اجتماعية يشل قدرتهم <strong>على</strong> الدفاع عنأنفسهم ومن ذلك <strong>على</strong> سبيل اثال أن الحرمان من التعليم ‏(أو بعبارةأدق من الخدمات التي تقدمها ادرسة)‏ يزيد من حدة التباين الاجتماعيوالتحيز ضد الفقراء (٦) .ويربط إيلتش ب التحرر من ادرسة وإزالة الاستلاب الثقافي وبرفض التصنيع افرط وسيطرة حياة ادينة وإحالة الشخص إلى مجردأداة للعمل وقلبه إلى محض دولاب من دواليب الإنتاج أيا كان مستوىكفاءته وأيا كان وضعه.‏ وهو يرفض الإنتاجية العمياء والتعقد والتكاثرالبيروقراطي كما يرفض الطبقية والإرستقراطية والعلاقات القائمة <strong>على</strong>التبعية والقسر تلك العلاقات التي تجد في الحياة ادرسية صورة لهاواستباقا لها في نفس الوقت وهو يرفض ااركسية والرأسمالية <strong>على</strong> حدسواء.‏ إنه يتهكم من فكرة ‏(اليسار)‏ ويرى أن اقتصاديي البلدان الاشتراكيةوالرأسمالية يفعلون الشيء نفسه ويتوفرون سواء بسواء <strong>على</strong> العبادة الجنونيةللنمو عنى الزيادة والوفرة.‏لقد أصبحت ادارس عقيدة عند البروليتاريا المحدثة وهي في نفسالوقت ني الفقراء في العصر التقني بوعود كاذبة وقد تبنتها الدولة.‏ولكن انتظام اواطن جميعهم في نظام متدرج يقود إلى الشهادة الدراسيةلايختلف في شيء عن نظام الطقوس والهرطقة الذي كان ارس فيالعصور القدة إذ قامت الدولة الحديثة بفرض النظام الذي وضعهرجال تربيتها واستخدمت في ذلك موظف يتميزون بالانضباط والفعاليةكما كان ملوك الإسبان يفرضون أحكام رجال الدين بواسطة المحارب اماومحاكم التفتيش.‏ولكن تبقى الحقيقة الأساسية وهي أن غالبية الناس يحصلون <strong>على</strong>معظم معارفهم خارج النظام ادرسي ولا ينفي ذلك أنهم يحصلون <strong>على</strong>بعض معارفهم في ادرسة اؤسسة التي أصبحت تستخدم في كثير منالدول الغنية كمكان لاعتقال التلاميذ جزءا متزايدا من حياتهم وكننا أن202


اللامدرسية ?نقول إن معظم التعليم يتم بطريقة عشوائية وحتى ذلك التعلم لايحدثعادة نتيجة التدريس ابرمج كما نلاحظ أن الأطفال العادي يتعلمونلغتهم الأولى بطريقة عشوائية ولا ننكر أنهم يتعلمون بسرعة إذا ما اهتمبهم أولياء أمورهم.‏ ومع ذلك هناك مهارات كثيرة يستطيع الطالب أنيتعلمها إذا كانت لديه الدوافع في عدد قليل من الشهور حتى بالطريقةالتقليدية.‏ ويصدق <strong>على</strong> هذا معرفة الشفرات وفك الرموز كما يصدق <strong>على</strong>تعلم اللغة الثانية أو الثالثة وتعلم القراءة والكتابة واللغات <strong>الخاصة</strong> كالجبروبرمجة الكومبيوتر والتحليل الكيميائي واهارات اليدوية مثل الطبع <strong>على</strong>الا^لة الكاتبة وصناعة الساعات والسباكة وتوصيل الأسلاك وإصلاحالتلفزيون وقيادة السيارات والقفز إلى ااء.‏لقد ظهرت حاجة في عام‎١٩٥٦‎ لتعليم اللغة الأساسية بسرعة من أجلخدمة عدة مئات من ادرس والعمال الاجتماعي واطارنة في نيويوركحتى يتمكنوا من التخاطب مع البورتريكي فأعلن صديق لإليتش منخلال إذاعة بالإسبانية أنه يحتاج إلى متحدث أصيل لهذه اللغة من حيهارلم واصطف في اليوم <strong>التالي</strong> حوالي مائت من الصبية أمام مكتبةاختار من بينهم ثمانية وأربع وكان معظمهم من الذين رسبوا في ادارس.‏لقد بدأ تدريبهم <strong>على</strong> استخدام كتيب التمارين الإسباني الخاص باعهدالأمريكي للخدمة الخارجية وهو الكتيب الذي أعده عدد من اللغويلاستخدامه بوساطة الخريج وبعد أسبوع كان ادرسون يقومونجهودهم الشخصي إذ أصبح كل منهم مسؤولا عن أربعة نيويوركي منالذين يريدون أن يتكلموا باللغة الإسبانية وانتهت اهمة خلال ستة أشهرفأي برنامج مدرسي كن أن يواكب هذا?‏إن هذا الذي يذهب إليه إيلتش معروف وملموس في مواقع عدة عندمايكون الأمر أمر تدريب <strong>على</strong> مهارات عملية واجهة حاجات ومتطلبات سوقالعمل.‏ فنحن نلاحظ <strong>على</strong> سبيل اثال مراكز ومكاتب ثقافية أجنبية مثلالجامعة الأمريكية بالقاهرة واجمللس الثقافي البريطاني واركز الثقافيالفرنسي تنظم برامج قصيرة لتعليم اللغة الإنجليزية أو الفرنسية بحيثكن للملتحق به أن يتعلمها في عدة شهور بينما نلاحظ أن الطالب فيمدارسنا يتعلم اللغة الإنجليزية طوال سنوات الإعدادية والثانوية أي ست. (٧)203


فلسفات تربوية معاصرةسنوات ومع ذلك يتخرج من الثانوية العامة دون أن يستطيع التحادث باللغةالأجنبية.‏إن هذا دليل حقيقي <strong>على</strong> قصور في التعليم ادرسي ونجاح مؤكدللتعليم اللامدرسي.‏ ولكن النتيجة التي نخرج نحن بها هي ضرورة بحثودارسة أوجه القصور في تعليم اللغة الأجنبية في ادرسة وضرورة الاستفادةمن طرق التعليم التي ارسها تلك اراكز الثقافية ولا تكون النتيجة كمانكرر دائما هي إلغاء ادرسة.‏ ذلك أن وظيفة ادرسة لا تقف عند حد‏(النقل)‏ ا هو متوارث من معارف ومهارات ثقافية وحضارية وإا وظيفتها خاصة في اراحل اتأخرة من التعليم في الجامعة أن تضيف إلىاوروث الحضاري وتطوره وهذا لا يتم جرد إتقان مهارات التعامل معالا^خرين وإلا فقياسا <strong>على</strong> ذلك كن لنا الاكتفاء ا نراه بالنسبة ننسميهم ‏(الترجمانات)‏ في اناطق الأثرية اصرية فهم يستطيعون أن يحدثواالزوار الأجانب بلغتهم ويفهموا منهم دون أن يتعلموا هذا في مدارس أوجامعات.‏ إن التطوير والإضافة إا كن أن يتما عرفة ‏(النظريات)‏و(الأسس)‏ الأكادية واذاهب اتعددة في مجال التعلم.‏و<strong>على</strong> الرغم من الهجوم الضاري الذي شنه ‏(إيلتش)‏ <strong>على</strong> ‏(كل)‏ اؤسساتفهناك من اؤسسات ما يكون ضرره شاملا وعميقا وهناك ما يكون ضئيلالضرر بل وهناك من اؤسسات ما كن أن يكون معينا للفرد في حياتهبحيث لا يكون هناك من بأس في الإبقاء عليها واستمرارها.‏من أجل هذا قام إيلتش بتصنيف للمؤسسات إلى ثلاث فئات تتدرج منأقصى اليم إلى أقصى اليسار وبنى تصنيفه هذا <strong>على</strong> مقدار الاستغلالوالقهر الذي كن أن يقع <strong>على</strong> الفرد من وراء هذه اؤسسة أو تلك.‏ وهكذايجيء التصنيف كما يلي:‏ الأمن الداخلي الجيش والسجون والإصلاحيات ودور رعاية اسنالاجىء....الخ.‏ شبكات الطرق ادارس...الخ.‏ مؤسسات إنتاج السيارات وما يرتبط بها من صناعات مكملة...‏ الخ.‏ مؤسسات إنتاج الأغذية والسلع الاستهلاكية...‏ الخ.‏ اطاعم الفنادق...‏ الخ.‏204


اللامدرسية ? صغار التجار معلمو بيانو...‏ الخ.‏ شبكات اياه اجملاري الكهرباء اواصلات.‏ويبدو من ذلك أن الاختيار يكون ب ط راديكالي متعارض ثلكلامنهما مؤسسات قائمة إلا أن واحدا من هذين النمط تتجسد فيهخصائص ارحلة اعاصرة بحيث كن تعريفها بأنها ‏(اؤسسة الاستغلالية».‏أما النمط الا^خر فيوجد أيضا ولكن <strong>على</strong> استحياء لأن اؤسسات التيثله بسيطة لا يتنبه لها أحد ولكنها اذج ستقبل أكثر أملا وهي كمايسميها إيلتش ‏(مؤسسات الأمان).‏ومن أمثلة النوع الأول ‏(السجون)‏ فقد كا نت حتى قبل قرن مراكزللاعتقال حتى تح مرحلة المحاكمة أو القتل أو النفي وكانت أحياناتستخدم كمرحلة للتعذيب ثم بدأنا مند وقت قريب نتنبه إلى أن وقوفالناس داخل أقفاص الاتهام قد يكون له دوره في تعديل سلوكهم بيد أنكثيرين بدأوا يدركون الا^ن أن السجن يزيد من عدد اجملرم ورا حولالجامح إلى مجرم.‏ كما بدأ كثير من الناس يدركون أيضا أن اصحاتالعقلية وبيوت التمريض والاجىء تقوم بنفس الدور (٨) ذلك أن اؤسساتتعمل <strong>على</strong> تحطيم نفسية مرضى العقل وكبار السن واللقطاء.‏و<strong>على</strong> الطرف الا^خر مؤسسات تعرف باستخدامتها الفورية ذلك أنالاتصال التلفوني ورات الاتصال ب طرف شارع وا^خر وطرق البريدوالأسواق العامة لا تحتاج إلى مجهود قليل أو كثير لإغراء الزبائن كييرتادوها إذ تستخدم الناس نظام اجملاري ومياه الشرب والحدائق العامةوطرقات اشي الجانبية دون إقناع مؤسسي إذ يعرفون صالحهم في ذلك.‏ومثل هذا النوع من اؤسسات نلمس فيها الإرادة الإنسانية ارسحريتها في الاختيار بعكس السابقة التي يشعر الفرد إزاءها بالاضطراروالجبر والإلزام والوقوع تحت إغراء الدعاية والإعلانات ووسائل الجذباخملتلفة.‏كذلك فإن مؤسسات أقصى اليسار تحتار إلى إجراءات تنظيمية لضبطالعمل لا لتقييد الأفراد إذ هي تسعى لتأكيد الاستخدام الأفضل للخدماتاقدمة.‏وتؤدي اؤسسات الاستغلالية التي <strong>على</strong> اليم إما إلى الإدمان205


فلسفات تربوية معاصرةالاجتماعي وإما إلى الإدمان السيكولوجي ويتجلى الإدمان الاجتماعي أوالتصعيد في الاتجاه نحو وصف مزيد من اعالجة إذا لم تكن الكمياتالصغيرة قد أحدثت النتائج ارجوة منها.‏ ويتجلى الإدمان السيكولوجي أوالتعويد ح يصبح استهلكون مشدودين إلى صنارة الحاجة وإلى مزيدومزيد من اعالجة أو الإنتاج.‏ ويل من ناحية أخرى اؤسسات التيتساعد <strong>على</strong> تنمية النزعة الذاتية إلى جعل الإنسان قادرا <strong>على</strong> تنمية النزعةالذاتية الذاتية إلى جعل الإنسان قادرا <strong>على</strong> إدراك حدودهونستطيع أن نحدد في انظور اؤسسي مؤسسات يل نحو اليسارولكنها في الحقيقة لا تنتمي إليه إذ هي تتنافس مع غيرها في مجالاختصاصها حتى وإن لم تدخل بصورة واضحة في مرحلة الإعلان ونجدفي هذا اجملال:‏ اخملابز واغاسل والحلاق واهني وبعض المحام‏..‏الخ.‏ إن هذه اؤسسات هي مؤسسات الوسط وإن كان يوجد بينها تفاوتمن حيث القرب من اليم أو اليسار.‏ومن فئات الوسط التي تقترب من اليم مؤسسات صناعة السياراتوما يرتبط بها من صناعات مكملة ذلك أن هذه الفئة يحرص أصحابها<strong>على</strong> خلق الحاجة إليها لدى الناس بل والسعي إلى محاولة جعلها تبدووكأنها ضرورة لا محيص عنها وهو ما نلمسه اما في حياتنا اعاصرةوتلاحق مثل هذه اؤسسات الإنسان بالتغيير استمر في ‏(اوديلات)‏ حتىلتصيبه بنوع من ‏(السعار الاستهلاكي).‏أما الفنادق واطاعم فهي تقع في الجانب الأيسر أو عنى أصحبالقرب منه ذلك أنها لا ترغم الزبائن <strong>على</strong> الاعتماد عليها لكنها تظل منمؤسسات الوسط لأنها تعتمد بالضرورة <strong>على</strong> الدعاية ا يجعلها أيالدعاية من وسائل وأدوات الضغط <strong>على</strong> الإنسان.‏وبالنسبة ؤسسات إنتاج الغذاء والسلع الاستهلاكية فهي وسط الوسطإذا صح هذا التعبير فهي أيضا تسعى إلى توليد الحاجة وتعظيمها بحيثتتحول إلى ضرورة لكن تظل فرصا قائمة بالنسبة للإنسان.‏. (٩)الظاهرة المدرسية:‏وا أراد إيلتش البحث عن بدائل في مجال التعليم وجد أنه لابد من206


اللامدرسية ?الاتفاق حول ما يعنيه صطلح ‏(ادرسة).‏ وهناك عدة وسائل لتحديداعنى اطلوب إذ كن أن نبدأ بتحديد الوظائف واهام التي تقوم بهاادرسة في عانا اعاصر;‏ فنقول أنها اؤسسة أو اكان الذي تتم فيهرعاية الأطفال وانتقاؤهم وتلقينهم وتعليمهم.‏ كما كن أن يتم تحديداعنى بتحديد اتعامل واستفيد منها وبذلك تكون هي اؤسسة التيتضم التلاميذ ويضطلع بالعمل فيها ادرسون وعدد من اوظف فضلاعن تعاملها مع الا^باء والأمهات.‏ وقد يتم التحديد من خلال منظور تاريخيوذلك بالكشف عن اؤسسات التي ظهرت في حقب التاريخ اخملتلفة فيعدد من اجملتمعات وقامت هام ووظائف شبيهة بتلك التي تقوم بها ادرسة.‏وهناك أخيرا إمكان أن نقوم بعملية حصر للأقوال اخملتلفة ااتي ذكرهاالعديد من افكرين والفلاسفة منذ عهد ‏(كوينتيليان)‏ أو ‏(كومنيوس)‏ لنعرفأي نظم ادارس يشبه تلك.‏ومع تقديره الكامل لكل هذه الطرق فإن إيلتش ينهج نهجا ا^خر هوأقرب إلى الطريقة الأولى مع الاستفادة من الثانية فادرسة هي اؤسسةالتي تحدد العمر الأدنى لدخولها ويقوم ادرس بالتعليم فيها وتتطلب منتلاميذها التفرغ الكامل لها كما أنها تفرض <strong>على</strong> هؤلاء التلاميذ منهجابعينه لابد من التزامهم بدراسته.‏العمر:‏ فتقوم ادارس بتصنيف الناس وفقا لأسس بعينها لابد من التسليمبها وهي:‏ أولا:‏ ان إمكان الأطفال هو ادرسة وثانيا:‏ أن الأطفال يتعلمونفي ادرسة وثالثا:‏ أن الأطفال لا يستطيعون أن يتعلمون الا في ادرسة.‏لكن هذه اسلمات تحتاج إلى مناقشة فقد قررنا بحكم العادة أنيذهب الأطفال إلى ادارس ليعملوا ما نأمرهم به وألا يلتحقوا بعمل أو أنيكون لهم دخل خاص وأن يتصرفوا ويسلكوا وفق التصور الذي نتصورهللأطفال لكننا ننسى مع الأسف الشديد أن مفهومنا اعاصر عنى الطفولةقد نشأ في أوروبا منذ وقت قريب جدا إذ اعلوم أن الطفولة كشيء يتميزعن فترات الحضانة واراهقة والشباب لم تكن معروفة خلال مراحل التاريخوقد ذهب بعض الفنان إلى رسم الطفل في مرحلة الحضانة في شكلراشد صغير يجلس <strong>على</strong> ذراع أمه.‏ وقد ظل أبناء الطبقة الوسطى فيأوروبا حتتى القرن التاسع عشر يتعلمون في انازل والطفولة افراز اجملتمع207


فلسفات تربوية معاصرةالصناعي حيث إن أبناء الريف كانوا ارسون العمل را قبل سن البلوغ.‏ولاشك أن كثيرين لم يرغبوا في معاملتهم كأطفال ولو لم تكن هناك هذهادارس التي تتقيد بسن محدد أو تعليم الزامي ا كان هناك معنى للطفولةومن هنا فإن إلغاء ادرسة سيمحو تلك التفرقة اتحيزة ضد المحتضنوالراشدين والعجائز صلحة الأطفال ويتيح الفرصة لهذه الفئات أن تستفيدبذلك الإنفاق الضخم اخملصص للتعليم في مرحلة الطفولة.‏إن إيلتش ينسى هنا تلك الحقائق التي كشفت عنها الأبحاث والدراساتالسيكولوجية عن خطورة مرحلة الطفولة وكيف أن ما نتعلمه وما نخبرهأثناءها يكاد يتحكم إلى حد كبير في مسار شخصيتنا ا كان لابد معهللجهود التربوية أن تتجه إلى هذه ارحلة بالذات لتعطيها أقصى ما كنبذله.‏ صحيح أن ثمة علاقة ب التطور الصناعي وب تزايد الاهتمامبتعليم الأطفال.‏ إلا أن هذا إا كان يعبر عن بعد ا^خر لا يشير إليه إيلتشألا وهو التنامى اذهل للمعرفة البشرية ا حتم البدء بعملية التعلم منذاللحظات الأولى للوعي لدى الأطفال خاصة أن الظاهرة الصناعية قدأتاحت الفرصة للاعتماد <strong>على</strong> ‏(الا^لة)‏ ا يعني توفير الجهد الإنساني كيينفقه في عملية التعلم.‏المدرسة والتلاميذ:‏ووفقا ا أصبح شائعا وسائدا ينظر إلى الأطفال <strong>على</strong> أنهم بالضرورةتلاميذ ولاشك أن وجود ‏(تلاميذ)‏ يتطلب بالضروة أيضا ‏(مدرس( وهؤلاءبدورهم يؤدي وجودهم إلى ضرورة أن تكون هناك ‏(مدارس)‏ تقوم <strong>على</strong>فكرة ليست صحيحة تروج لها وهي أن ‏(التعلم)‏ هو نتيجة ‏(التدريس)‏ معأن تأملا بسيطا فيما يجري حولنا في الحياة اليومية كن أن يؤكد لنا ننانتعلم الكثير خارج ادرسة وعن غير طريق ادرس فنحن نتعلم جميعاكيف نتكلم وتفكر ونحب ونشعر ونلعب وارس العمل والسياسة دون تدخلادرس ولا يشذ عن هذا هؤلاء الأطفال الذين يخضعون لعناية ادرسمعظم الوقت مثل أبناء الاجىء وأبناء ادرس أنفس.‏ إن استقراء الواقع فيما يرى إيلتش يؤكد أن معظم ما يتظاهر ادرسون بأنهم يعلمونهللتلاميذ يتعلمه هؤلاء من مجموعات الأصدقاء والاحظات العابرة واشاركة208


اللامدرسية ?في اناسبات ادرسية اخملتلفة ويرى أن ادرس <strong>على</strong> العكس _ همالذين يعطلون تعلم هذه الأشياء نتيجة عملهم الروتيني النمطي.‏ إن التلاميذلايدينون كثيرا بالفضل في تعلمهم للمدرس ذلك أن غالبيتهم قد اعتمدوا<strong>على</strong> الحفظ والاستظهار جملرد أن يجتازوا الامتحان ويحصلوا <strong>على</strong> شهادة.‏لقد ساعد وجود ادارس <strong>على</strong> تعزيز مهنة التدريس وإضفاء هالة منالتقدير الزائد <strong>على</strong> ارسيها دون اعتبار ا يتعلمه التلاميذ منهم.‏الانتظام الكامل في الدراسة:‏فالنظام ادرسي يقتضي أن يتفرغ التلاميذ اما للمدرسة وأن يجيئواإليها في مواعيد محددة منتظمة ويتعلموا في فصول دراسية ذات نظامبحيث ارس ادرس سلطته الا^مرة في سياح مقدس حتى يتمكن منالقيام همة التدريس.‏ ومن هنا يصبح دور ادرس جامعا لوظائف ثلاث:‏سجان وواعظ ومعالج!!‏ فهو اسؤول عن الضبط والربط وهو الذييسهر <strong>على</strong> ملاحظة القوان والتزامها ويحرص <strong>على</strong> الالتزام بالنصوصواللوائح الحاكمة وانظمة لحركة العمل وسيره.‏ وهو يقوم أيضا بدور الا^باءورجال الدين بوعظ التلاميذ ا يصح وما لايصح من السلوك ليس داخلادرسة فقط وإا خارجها كذلك.‏ وهو يجد نفسه ملزما بالتدخل فيالحياة <strong>الخاصة</strong> والشخصية للتلاميذ كي يعينهم <strong>على</strong> مواجهة اشكلاتالتي تقلقهم وتنغص عليهم حياتهم.‏ وارسة ادرس لكل هذه الوظائفتعني أنه يهيمن ويسيطر <strong>على</strong> تكوين شخصية التلميذ بحيث يصعب تصورأن ينتج هذا شخصية مستقلة حرة يقوم عليها اجملتمع الحر ولا توجدضمانات كن أن يعتمد عليها التلاميذ في طلب الحماية حيث إن فعلادرس بهذه الصورة أمر تجيزه ‏(الظاهرة ادرسية).‏تصنيف المعرفة إلى مققرات لابد من الالتزامات بها:‏فالذي يلتحق بادرسة يجد أمامه ‏(رزما)‏ من اعرفة قد صنفت وفقترتيبات اتفق عليها مسؤولو التعليم مرتبة ترتيبا متدرجا من مراحل التعليمالأولى إلى العالية لابد للطالب إذا أراد الانتقال من صف إلى ا^خر ومنمرحلة إلى أخرى أن يثبت أنه قد حصلها بنفس التقسيم ونفس الترتيب.‏209


فلسفات تربوية معاصرةإن هذا انهج ليس هو كل ما يتعلمه الطالب فبجانب ماهو معلن ومكتوبفي الكتب واقررات هناك منهج ا^خر كن أن نسميه ‏(بانهج الخفي)‏يضم كما كبيرا من القيم وافاهيم واعارف والاتجاهات التي تبث فيالتلاميذ من خلال امارسات اليومية بطريقة غير مباشرة وكثيرا ما يتجههذا انهج الخفي توجهات مضادة ا هو معلن وكأنه صورة أخرى منالسوق السوداء في التعليم&‏شبكات التعليم:‏إن هذه الصور النقدية للمدرسة تجلى شيء منها في تقرير لجنة‏(كارينجي)‏ الذي جا ءفيه:‏ ‏«يخضع الطلبة اسجلون في ادرسة لسلطةمدرس مشهود لهم حتى يحصلوا <strong>على</strong> شهاداتهم <strong>الخاصة</strong> ويشعر كل منالأساتذة والطلبة بالضيق وقلة الإمكانات اتمثلة في اال والوقت واباني».‏ويقود مثل هذا النقد كثيرا من الناس إلى التساؤل حول ما إذا كانت هناكطريقة أخرى للتعلم?‏ وإذا ما سئل هؤلاء الناس عن الطريقة التي تعلموا بهايسارعون إلى الاعتراف بأنهم تعلموا أكثر ما تعلموه خارج جدران ادرسةإذ حصلوا <strong>على</strong> معرفتهم بالحقائق والحياة والعمل عن طريق الصداقة أوالحب إذ هم يتعلمون من مشاهدة التلفزيون والقراءة والأقران وراتعلموا عن طريق التلمذة مثل الانتماء إلى ‏(شلة)‏ شارع أو من دخول استشفىأو من صحيفة أو من دكان سباك أو مكتب بريد.‏ ويبدو من ذلك أن البديلللمدرسة ليس هو استخدام اوارد العامة لإيجاد أسلوب جديد يتعلم بهالناس بل هو إيجاد طريقة جديدة تحدد العلاقة ب الناس وب البيئة.‏وحتى توجد هذه الطريقة لابد أن تتغير الاتجاهات نحو فكرة النمو للوسائلاتاحة للتعلم بالإضافة إلى تغير نوعية وبنية الحياة اليومية (١٠)لقد أسست ادارس <strong>على</strong> نظرية تفترض وجود سر خلف كل شيء فيالحياة كما تفترض أن نوعية الحياة التي يعيشها الإنسان تتطلب معرفةذلك السر وهو سر لا يعرف إلا من خلال تتابع منظم ويستطيع الفرد‏(امدَ‏ ‏ْرس)‏ ذا الواقع _ أن يرى العالم <strong>على</strong> أنه هرم من اعطيات اصنفةيتاح فقط لأولئك الذين يحملون الدرجات اميزة الصحيحة.‏ أما اؤسساتالتعليمية الجديدة التي يقترحها إيلتش فإنها تقوم بتحطيم هذا الهرم إذ210


اللامدرسية ?يجب أن تقوم هذه اؤسسات بإتاحة فرص التعلم أمام اتعلم أينما كانووقتما يشاء.‏والنظام التعليمي اقترح يهدف إلى تحقيق ثلاثة أغراض:‏أ نح جميع الذين يرغبون في التعلم فرصة لاستخدام اصادر اتاحةفي أية فترة من فترات حياتهم.‏ب يتيح الفرصة أمام جميع الذين يرغبون في توصيل معرفتهم إلىأولئك الذين يرغبون في الاستفادة منها.‏ج يتيح الفرصة أمام جميع الذين يرغبون في عرض قضية أمامالجمهور من القيام همتهم.‏وينطلق إيلتش في تحديد معالم النظام الجديد من تصوره أن الطفلينشأ في عالم من الأشياء يحيط به أناس يقومون بدور النماذج للخبراتوالقيم ويجد في الوقت نفسه أقرانا يتحدونه كي يجادل ويناقش ويتعاونويفهم وإذا كان الطفل محظوظا فسيجد نوعا من اواجهة والنقد الذييوجهه ‏(راشد)‏ ذو خبرة يهتم به.‏ ويبدو من ذلك أن ‏(الأشياء)‏ و(النماذج)‏و(الأقران)‏ و(الراشدين)‏ هي اصادر الأربعة التي يحتاج كل منها إلى نوعخاص من التنظيم حتى يتأكد من أنها أصبحت متاحة أمام كل فرد منالأفراد.‏ويجب ألا يبدأ التخطيط للمؤسسات التعليمية اقترحة التي يسميهاإيلتش ‏(شبكات التعلم)‏ بالسؤال التقليدي الشهير:‏ اذا يتعلم الإنسان?‏ بليجب أن يبدأ بالسؤال:‏ أي نوع من الأشياء أو الناس يجب أن يتصل بهماتعلمون خلال عملية التعلم?‏ يحتاج الشخص الذي يريد أن يتعلم إلىشيئ‏:‏ هما اعلومات والاستجابة النقدية إلى كيفية استخدامها.‏وكن تخزين اعلومات إما في الأشياء وإما في الأشخاص.‏ وبينماتكون الأشياء في النظام التعليمي الجيد متاحة لدأب اتعلم الخاص فإنالاتصال بالأشخاص <strong>ذوي</strong> اعلومات يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلىموافقتهم.‏ ويأتي النقد أيضا من اتجاه‏:‏ اتجاه الراشدين أي من الزملاءالذين يتعلمون والذين تتوافق اهتماماتهم مع اهتماماتي أو من أولئك الذينسيمنحونني قسطا من خبرتهم الأ<strong>على</strong>.‏وتصنف اوارد التعليمية في العادة بحسب أغراض انهج الذي يضعه211


فلسفات تربوية معاصرةالتربويون ويقترح إيلتش هنا أن يفعل العكس اما وذلك بتصنيف أربعةاتجاهات تساعد الطالب <strong>على</strong> أن يحصل <strong>على</strong> اورد التعليمي الذي يساعده<strong>على</strong> معرفة وتحقيق أهدافه <strong>الخاصة</strong> وهذه الاتجاهات هي:‏١ عالم الأشياء كمصدر للمعلومات:‏ فالأشياء هي اصادر الأساسيةللتعلم وتحدد نوعية البيئة وعلاقة الإنسان بها القدر الذي يتعلمه الإنسانمنها إذ يتطلب التعليم النظامي انفتاحا <strong>على</strong> الأشياء العادية من جانب أويتطلب من ناحية أخرى انفتاحا سهلا أو يعتمد <strong>على</strong> الأشياء <strong>الخاصة</strong> التيصنعت لأغراض التعلم ومثال الأول هو الحق الخاص لتشغيل أو تفكيكماكينة في أحد الكراجات ومثال الثاني هو الحق العام لاستخدام الجهازالحاسب أو الكمبيوتر أو الكتاب أو حديقة الأحياء النباتية أو ماكينةسحبت من مجال الإنتاج ووضعت تحت تصرف الطلاب.‏ أي اطلوب أننخترق حاجزين خطيرين يعوقان عملية التعلم عناها انفتح لكل طالبياعرفة الأول يقيمه عالم الصناعة الحديث عندما يحرض <strong>على</strong> ألا يفتحأبواب التعلم من أشيائه إلا للمتخصص وب<strong>التالي</strong> يحرم اتعلم منفرصة اكتساب خبرات جديدة.‏ والثاني تقيمه ادرسة حول الأشياء التيتجهزها للتعلم داخل أسوارها فتحرم غير التلاميذ من الاستفادة منهافضلا عما تؤدي إليه إجراءاتها من رفع تكلفة هذه الأشياء فإذا أردنامجتمعا غير درس فيجب علينا أن نعكس اتجاه‏:‏أولهما:‏ يجب أن تكون البيئة الطبيعية في متناول الجميع بحيث تتاحالفرصة ن يريد أن يقف <strong>على</strong> كيفية عمل الا^لات والأجهزة استخدمةفي الصناعات اخملتلفة.‏ثانيا:‏ أن تصبح تلك اواد التي خصصت للتعليم في خدمة التعلمالذاتي دون ربطها نهج دراسي مع فمثل هذا الربط قد يسد ميولالطلاب.‏٢ تبادل الخبرات:‏ وفي الوقت الذي يسعى فيه التربويون إلى قصرالقيام همة التدريس <strong>على</strong> من يحملون مؤهلا متخصصا في التعليم نجدإيلتش هنا يسخر من هذا الاتجاه ويدعو إلى ضرورة الاستفادة من أصحابالخبرات ن لا يعملون في مهنة التدريس.‏ إن كثيرا من ادارس تعاني مننقص شديد في مدرسي بعض التخصصات وخاصة تلك التي تقوم <strong>على</strong>212


اللامدرسية ?تعليم مهارات عملية مثل الاقتصاد انزلي والتربية اوسيقية والتربية الفنيةوغيرها ولو تخلينا عن تلك الطقوس المحيطة باهنة لاستطعنا أن نستثمرالعديد من الخبرات اهارية التي لابد أن سوق العمل لديه منها الكثير.‏ويبدو من الوضع القائم حاليا أن الأغراض الشخصية اتضاربة هي التيتتا^مر نع الرجال من تبادل خبراتهم ذلك أن العارف بالخبرة يربح منجعلها عملة نادرة وليس من جعلها متاحة للجميع كما يربح ادرس الذييتخصص في توصيل الخبرة من عدم رغبة الحرفي في جعل تلاميذهمينطلقون في مجال العمل.‏وهناك طريقتان تسهلان عملية تبادل الخبرات:‏الأولى:‏ أن ننشىء مراكز حرة لتبادل الخبرات تفتح أبوابها أمام الجمهور.‏وكن بل يجب أن تفتح هذه اراكز في اناطق الصناعية <strong>على</strong> الأقللخدمة تلك الخبرات التي تعتبر شروطا أساسية لتلمذة ما وهي خبراتالقراءة والطباعة ومسك الحسابات واللغة الأجنبية وبرمجة الكمبيوترواستخدام الأرقام وخلاف ذلك.‏الثانية:‏ أن تعطى الفرصة لبعض الفئات ذات الخبرات واهارات الجيدةلتعليم غيرهم داخل مراكز تبادل الخبرة نظير أجر.‏ورا يكون الطريق الأكثر فعالية تأسيس بنك لتبادل الخبرات حيثيعطي كل مواطن قرضا أساسيا يتمكن به من الحصول <strong>على</strong> الخبراتالأساسية اللازمة له وتعطي قروض كذلك لهؤلاء الذين يعلمون غيرهم كييتمكنوا من الاستفادة والتعلم ن يرتفعون عنهم في مستوى الخبرة.‏ وكنكذلك منح الا^باء قروضا كنهم من تعليم أبنائهم.‏وبصفة أساسية تحتاج حرية تبادل الخبرات العامة إلى ضمانات قانونيةتسمح بالتمييز <strong>على</strong> أساس اهارات اخملتبرة فقط وليس <strong>على</strong> أساس التاريخالعلمي.‏ ويحتاج مثل هذا الضمان بكل تأكيد رقابة عامة <strong>على</strong> الاختباراتالتي را تستخدم لتأهيل الأشخاص في سوق العمل.‏‎٣‎ تلاؤم الأقران:‏ تجمع ادارس <strong>على</strong> الرغم من مساوئها ب الزملاءفي فصل واحد ويشتركون جميعا في أنشطة تعليمية موحدة وتسمح فيأحسن حالاتها ‏(في نظام الساعات)‏ لكل طالب بأن يختار عددا محدودامن اقررات لكن هذا الالتقاء مع الأقران إا يكون عادة حول أهداف213


فلسفات تربوية معاصرةيحددها ادرسون بينما التعليم ارغوب فيه هو الذي يسمح لكل فرد بأنيحدد النشاط الذي يبحث فيه عن قرين يلائمه.‏ صحيح أن ادرسة تتيحللأطفال فرصة الهروب من منازلهم ولقاء أصدقاء جدد لكن هذه العمليةفي نفس الوقت تحصر اختيار الأطفال لأصدقائهم من ب أولئك الذينوضعوا معهم.‏ ويبدو أن إتاحة الفرصة أمام الناشئ منذ فترة مبكرةللقاء الا^خرين وتقوهم تساعدهم <strong>على</strong> تكوين رغبة دائمة في البحث عنرفقاء جدد في المحاولات الجديدةوكن القول إن نظام تبادل الخبرات إذا كان يحتاج إلى مكافا^ت أوقروض أو أية حوافز أخرى حتى كن تشغيله إلا أن نظام تلاؤم الأقرانلا يحتاج إلى مثل هذه الحوافز إذ كل ما يحتاجه هذا النظام هو شبكةللاتصالات.‏ لقد وضح لنا أن أشرطة التسجيل ووسائل الحفظ والتدريسابرمج ووسائل مضاعفة الأشكال والأصوات كلها تساعد <strong>على</strong> تقليلالاعتماد <strong>على</strong> العنصر الإنساني عند تعلم كثير من اهارات كما تزيد فينفس الوقت من كفاءة ادرس وعدد اهارات التي كن أن يتعلمها الإنسانخلال فترة حياتية.‏ وتتوازى مع ذلك حاجة متزايدة للالتقاء مع أناسيحرصون <strong>على</strong> الاستمتاع باهارات الجديدة اكتسبة.‏وستكون عملية إدارة شبكة تلاؤم الأقران من الأمور السهلة إذ سيقوماستخدم لهذه الشبكة بتعريف نفسه عن طريق ذكر اسمه أو عنوانه ووصفالنشاط الذي يحتاج فيه إلى قرين وسيرسل له الكومبيوتر أسماء وعناوينجميع أولئك الذين يشاركونه نفس الاهتمام.‏ وكن أن تستخدم الاتصالاتفي صورتها البدائية ب العميل والكومبيوتر عن طريق البريد إذ كن أنتزود ادن الكبرى حطات للا^لات الكاتبة تقدم إجابات فورية وستكونالوسيلة الوحيدة للحصول <strong>على</strong> اسم أو عنوان من الكومبيوتر هي ذكرالنشاط الذي يحتاج الزبون فيه إلى قرين.‏ وسيكون الأشخاص الذينيستخدمون هذا النظام معروف فقط إلى أقرانهم اتوقع‏.‏ وكن أنتضاف إلى نظام الكومبيوتر شبكة من لوحات الإعلان وعدد من الصحفالإعلانية تذكر الأنشطة التي لم يستطع الكومبيوتر أن يسعف بإيجاد الأقرانفيها.‏ ولن تكون هناك حاجة إلى ذكر الأسماء وعندئذ سيقوم القراء اهتمونبتقد أسمائهم إلى النظام.‏. (١١)214


اللامدرسية ?‎٤‎ اعلمون المحترفون:‏ وإذا كانت اللامدرسية كما تبدت في ا^راء إيلتشالتي سقناها توحي بأنها تسعى إلى الاستغناء عن اعلم إلا أن هذاالنقد الذي وجهته إليهم والإلحاح <strong>على</strong> ضرورة إقصائهم عن عملية التعليموالتعلم إا قصد به هذه الفئة بالشكل والفلسفة والأسلوب القائم فعلافي التعليم الا^ن ا يؤدي إليه من احتكار واستبداد وقهر لشخصياتالتلاميذ ومن ثم فالاستغناء التام عن ‏(اعلم)‏ مستحيل لكن أي معلم هذاالذي تسعى اللامدرسية إلى توفيره?‏أن اتعلم في ظل النظام الجديد ا كانوا قد تحرروا من سيطرةالا^خرين وجب أن يتعلموا كيف يستفيدون من النظام الذي اكتسبه الا^خرونخلال تجربة حياتهم ويجب أن يكون التعليم اللامدرسي باعثا لزيادة البحثعن الأفراد الذين لديهم البصر العميق والاستعداد لتدعيم الاتجاه فيالتعلم وإفادة الا^خرين ا لكون من اذج الخبرة.‏ وهكذا مع اختفاءمدرسي ادارس تنشأ ظروف تحتم ظهور اعلم <strong>ذوي</strong> النوعية <strong>الخاصة</strong>وقد يبدو في هذا تناقض إذ ستصبح ادارس وادرسون أمورا تكميليةولكن هذا بالضبط ما سيسفر عنه التطور في الشبكات الثلاث الأولىذلك أن الا^باء واعلم الطبيعي الا^خرين يحتاجون إلى نوع من الإرشادكما يحتاج اتعلمون الخاصون إلى اساعدة وتحتاج الشبكات إلى الأشخاصالذين يديرونها.‏ يحتاج الا^باء إلى الإرشاد لقيادة أبنائهم نحو الطريق الذييؤدي إلى التعليم اطلوب ويحتاج اتعلمون إلى قيادة ذات خبرة حيواجهون منطقة صعبة.‏ ويتمايز هذان العنصران من حيث إن الأول يشكلحاجة إلى التعلم بينما الثاني ثل حاجة إلى القيادة العقلانية في جميعمجالات اعرفة.‏ يدعو الأول إلى معرفة التعليم الإنساني واوارد التعليميةبينما يدعو الثاني إلى الحكمة ابنية <strong>على</strong> الخبرة في أي مجال من مجالاتالبحث.‏وسيحتاج إنشاء وإدارة الشبكات التعليمية بعض اصمم والإداريولكن ليس بعدد أو نوعية أولئك الذين يعملون في إدارة ادارس وذلك أنهلن يكون هنالك مكان أو مقابل لانضباط الطلبة والعلاقات العامة وتعيومراقبة ادرس أو فصلهم في أعمال الشبكات التي وصفناها.‏ كذلك لنيكون هنالك إعداد منهج أوشراء كتب مدرسية أو صيانة ملاعب ومرافق أو215


فلسفات تربوية معاصرةمراقبة منافسات رياضية ب ادارس كما لن يكون هناك حبس أو تحضيردروس أو ضغط سجلات وهي الأمور التي تستنزف في الوقت الحاضرمعظم أوقات ادرس‏.‏ وبدلا من ذلك ستحتاج إداريا خلايا التعلم إلىبعض أنواع اهارات والسلوك اطلوبة من مسؤولي اتاحف واكتباتومؤسسات التوظيف ورؤساء عمال الفنادق.‏تعقيب:‏رغم أننا في عدة مواقع من هذه الدراسة كنا حريص <strong>على</strong> التعقيبالفوري عند عرض بعض الأفكار والقضايا التي أثارها اللامدرسيون إلاأن الأمر مازال في حاجة إلى رؤية كلية عامة مهما كانت موجزة.‏فمثل كثير من افكرين نجد أن اللامدرسي قد نجحوا إلى حد كبيرفي تعرية الواقع التعليمي ادرسي وكشف الكثير من مساوئه وسلبياتهلكن الخطوة <strong>التالي</strong>ة التي تجيء بعد هذا وهي خطوة البديل غالبا ماتصيب القارىء بقدر من الإحباط.‏ومثل كثير من اشروعات الطوباوية التي تبدعها خيالات بعض افكريناهموم شكلات العالم:‏ الحاضر واستقبليجب التوقف كثيرا أمامهالات الضوء التي تحيط بها ذات البريق للتفكير جديا في السبل والإجراءاتالعملية لترجمة اليوتوبيا إلى شكل مجسم في عالم الواقع إذ عندئذ سوفنجد أن هالات الضوء هذه را تخفت شيئا فشيئا.‏إن إيلتش وبعض أقرانه نشأوا في الغرب لكن معظم عملهم كان فيالعالم الثالث ومن هنا نستطيع أن نبصر كيف أن ‏(الخلاصة النهائية أو‏(التوليفة)‏ التي توصلوا إليها لا تحقق اما ولاحتى غالبا ما حلموا بهواجهة مشكلات التعليم في هذا العالم التعيس ذلك أن كثيرا من اقدماتالتي بنوا عليها ذات جذور واضحة في الحضارة الغربية تحمل خصوصيتهاوفلسفتها فكان منظقيا أن تجيء النتائج غير متسقة اما مع مقدماتها.‏والقارىء لا يخطىء التنبيه إلى أن كثيرا من هذه اقدمات إا تعكسدرجة ونوعية التطور في اجملتمع الصناعي الحديث تلك الدرجة وتلكالنوعية لم تصل إليها بعد معظم إن لم يكن كل بلدان العالم الثالث إذااستثنينا بلدانا تقل عن أصابع اليد الواحدة.‏216


اللامدرسية ?ومهما تكن الهالة التي تحيط بهذه الأفكار كبيرة وحية ألا نستطيعالقول إنها تشجع <strong>على</strong> قيام بعض النزعات ‏(التجهيلية)?‏ إن إيلتش نفسهيدفعنا إلى هذه الفرضية ح يعترف بأنه من الصعب <strong>على</strong> الأقل فيالوضع الحالي أن نتصور بوضوح الأشكال اؤسسية التي سوف تأخذهاالتربية في هذا مجتمع الغد وح يدعونا إلى أن نبرهن <strong>على</strong> ‏(خيالمبدع)‏ في هذا اجملال وح يتمنى خوفا من أن نبحث قبل الأوان عن أننستبدل بادرسة بنية ما تلبث حتى تغدو <strong>على</strong> شاكلتها.‏ قيام أسلوب جديدمن العلائق التربوية ب الإنسان وبيئته أفلا ندرك أن أمنيته هذه محفوفةبالغموض?‏ (١٢) .إن الإشارات والتوضيحات التي ذكرها إيلتش لا تكفي مع ذلك ولاتقوى <strong>على</strong> تبديد كل قلق وبوجه خاص هذه اعدات والوسائل ذات الوجوهاتعددة التي يعبئها كل إنسان <strong>على</strong> نحو ما يروق له أفلا يفترض توافرهاالعملي ضربا من الكيان اؤسسي الذي قد يشبه إلى حد كبير مدرسةحديثة?‏ وإذا نحن رفضنا <strong>على</strong> العكس أي تنظيم لكونه قسريا أو مدرسيابالدرجة الأولى فهل نصبح قادرين <strong>على</strong> تلبية مطالب الأطفال نعني تلكاطالب التي لم يقم الدليل بعد <strong>على</strong> كون الوفاء بها كن أن يتحقق دون ماتدريب منهجي منظم?‏ أو ليس الصف ادرسي هو وحده الذي يستطيع فيالواقع أن يقدم معارف أساسية وأن يدرب تدريبا منهجيا <strong>على</strong> التقنياتالفكرية التي يتوقف <strong>على</strong> تعلمها بلوغ سائر اكتسبات فيما بعد وتعلمالقراءة والكتابة شريطة أن يتم تحديد فن تعليمي ملائم أفلا يستلزمالدوام انتظم <strong>على</strong> ادرسة والحضور اوجه اضبوط والتقدم اقوموالوجود الواعي رشد مجرب لاسيما لدى أولئك الذين لا توفر لهم العائلةأساسا جوهريا مكينا من التعليم?‏ ومن الذي يرسل أبناءه إلى مصادر ثقافيةلا تقدم <strong>على</strong> نحو إلزامي اللهم إلا الأب الذي لك من الإعداد ما يسمحله بأن يدرك فضائل مثل هذه الثقافة?‏ أليس مشروع إيلتش إذن خلافالأهدافه الأصيلة مشروعا لا يفيد سوى أصحاب الحظوة?‏ وأخيرا إذا نحناستبدلنا بادرسة العامة شبكات خاصة من الاتصال أفلا يؤدي ذلك إلىزيادة في عدد استمع من شأنها أن تيسر سيطرة تلك الأوساط ‏(اسيطرة)‏التي يود إيلتش أن يحطم هيمنتها (١٣) .217


فلسفات تربوية معاصرةواللامدرسية بصفة عامة تتجاهل اسائل اتعلقة بالسلطة السياسيةفي اجملتمع.‏ ويبدو أحيانا أن دعاتها يجهلون القوى الحقيقية التي يقومعليها البناء الاجتماعي والعوامل التي تؤثر فيه.‏ بل ونجد ا^راء بعض زعمائها جودمان ورر أقرب إلى الفوضوية التي ترجع أصولها إلى ا^راء ‏(كربوتك‏)‏Kropotkin وتنادي جتمع بلا حكومة ونشاط إنساني بلا مؤسسات.‏ كلمنها يؤمن بأساطير كتب التاريخ الأمريكي التي تصور الزوار الأول فيصورة مثالية كنموذج للاعتماد <strong>على</strong> النفس (١٤)إنه ن الواضح أن دعوة إيلتش للقضاء <strong>على</strong> ادرسة تنطلق من موقعالدفاع عن القيم الإنسانية وأخصها الحرية الفردية وإيلتش يختار مسائلتعليمية محددة بوجه نقده إليها دون أي اعتبار للخاصية التاريخية المحددةللمدرسة في اجملتمعات اخملتلفة كما يتجاهل أشكال الصراع الاجتماعيالمحتدمة حول ادرسة ضمن اجملتمع الواحدوهكذا يقتصر اتهام إيلتش للمدرسة بالتقصير في تحقيق اساواةالتعليمية ب اواطن <strong>على</strong> البلدان الرأسمالية.‏ وفي هذا السياق لا ينفعإيلتش القول بأن ادرسة خلافا للمؤسسات الأخرى هي واحدة ومتجانسةفي البلدان جميعا نظرا لأنها تستهدف دائما تحقيق ازيد من الإنتاجوالضبط الاجتماعي فالأسئلة التي يجب أن تثار هنا هي:‏ أي إنتاج?‏ وأيضبط اجتماعي?‏ وصلحة من تقوم بتحقيقهما ادرسة في اجملتمعاتاخملتلفة وضمن اجملتمع الواحد?‏ هذا إذا اتفقنا منذ البداية <strong>على</strong> أن عانااعاصر تاز بتناقضات أساسية ب نظمه اخملتلفة.‏وفي هذا السياق أيضا يجب أن نفهم نقد إيلتش الذي وجهه للمدرسةكمؤسسة استهلاكية واستلابية.‏ إن إلصاق مفهوم البضاعة الاستهلاكيةباناهج ادرسية والشهادات ادرسية والإنتاج ادرسي عموما ينطبق<strong>على</strong> اجملتمعات الغربية الرأسمالية التي تحكمها قوان السوق والعرضوالطلب والربح الأكبر.‏ والنزعة الاستلابية التي يز ادرسة الرأسماليةتأتيها بشكل رئيسي من مفهومها للثقافة ‏(كبضاعة)‏ ومن اسافة اتزايدةالتي تفصل ب هذه الثقافة والحاجة إليها الحقيقيةإن إيلتش يبدو وكأنه يحاول تبرئة البورجوازية من انافع اوضوعيةالتي تعود إليها من عمليات الانحراف ‏(والتي ما انفكت تصيب اؤسسة. (١٦). (١٥)218


اللامدرسية ?ادرسية)‏ عن غاياتها الأساسية.‏ وفضلا عن ذلك عندما يدعو إيلتشللقضاء <strong>على</strong> ادرسة و<strong>على</strong> مبدأ تدخل الدولة في شؤون ادرسة والذيكان من ثمراته اتقدمة إقرار التعليم الإلزامي واتساوي ولو شكليا فإنهيجسد موضوعيا رغبات أصحاب اشاريع الرأسمالية الصغيرة في العودةإلى الرأسمالية التي انبثقت مع مطلع هذا القرن والتي أساء تدخل الدولةأكثر فأكثر إلى مفهومها ابسط للتناغم ب عملية العرض والطلب أنه نوعمن الحن إلى مرحلة ما قبل الأزمات الرأسمالية يعبر عنه إيلتش فيأكثر من مكان من كتابه بالدعوة إلى الأصالة وإلى التناغم ب الإنسانومحيطه وإلى الحرية الفرديةومن اؤسف أن إيلتش لا يرى الحل في غير الدعوة إلى تدمير ادرسةباعتبارها مؤسسة.‏ والأشد خطورة هو أنه يدعونا إلى استبدالها بشبكاتمعرفية ظاهرها متحرر وحقيقتها أكثر استعبادا للعلاقات السائدة.‏ فماذايتبقى من هذه الشبكات غير الدعوة إلى الانطلاق من مفهوم الرغبةالشخصية في التعلم إحياء للمفهوم ابسط للمبادرة الفردية?‏ وما العملإذا كانت الرغبة <strong>الخاصة</strong> للطبقات الفقيرة هي رفض التعلم أو تعلم ابادىءالبسيطة التي يشترطها العمل اليدوي والتنفيذي في ح أن الرغبة <strong>الخاصة</strong>للطبقات السائدة هي في الحصول <strong>على</strong> الثقافة الضرورية لقيادة العملوإدارته?‏ إن مفهوم الرغبة أو الحاجة إلى التعلم لدى الطبقات اخملتلفةوالأفراد هو انبثاق مباشر واقعهم اوضوعية ضمن علاقات سائدة.‏ وإيلتشلا يريد أكثر من أن تكون شبكاته اعرفية خادما أمينا للعلاقات السائدةفي اجملتمع الرأسمالي <strong>على</strong> حساب القيمة الحقيقية للإنسان.‏ إن إنقاذحرية الأفراد من سيطرة اؤسسات لا تكون بالانسياق وراء رغباتهم الا^نيةوالتي هي محصلة اجتماعية وإا تكون عن طريق النضال الهادف إلىبناء علاقات أكثر تحريرا للإنسان وقواه ابدعةومن الاحظات <strong>على</strong> الشبكة البديلة خلوها من أي تنظيم يعنى بشؤونالصغار الذين يحتاجون إلى اكتساب اهارات الأساسية في الكتابة والقراءةوالحساب والتي دونها لا كنهم التعامل مع شبكات اعرفة فمن غيراتصور أن يترك الصغار وشأنهم أو لعناية أسرهم فقط وهم في سنيحتاجون فيها بالفعل إلى ‏(بالغ)‏ يحمي ويرعى ويرشد.‏. (١٨). (١٧)219


فلسفات تربوية معاصرةومن ب اا^خذ أيضا ارتكاز النموذج اقترح <strong>على</strong> استخدام تكنولوجياغاية في التقدم مثل العقول الإلكترونية والأجهزة اعقدة للتصنيف والبرمجةوهو ما يحتاج إلى متخصص <strong>ذوي</strong> مهارات عالية وهم عملة نادرة فياجملتمعات النامية التي تحتاج قبل غيرها إلى تطوير أنظمتها التعليمية بلقد يؤدي استخدام مثل هذه الأجهزة إلى نوع من السيطرة ارسه الدولانتجة لهذه التكنولوجيا <strong>على</strong> الدول استوردة لهاوهناك جوانب أخرى ينبغي الوعي بها عند التفكير في الإفادة منالنموذج اقترح تتعلق بطبيعة العلاقات التي تنشأ ب الجنس ففي كثيرمن اجملتمعات النامية يصعب تصور قيام علاقة ب أقران من الجنسبل ورا يستحيل أن يتم لقاء ب رجل وامرأة بهدف تبادل اعلوماتوالخبرات دون أن يكون الشك والريبة مصاحبة لهذا اللقاء الذي قد لايسمح به ابتداء.‏لكن هذا لا يجعلنا نغض الطرف عن ا^راء صحيحة كشفت عنهااللامدرسية وأبرز ما كن الإشارة إليه هنا أن ادرسة قد أثبتت جدارتهافي برمجة العقول وتنميط السلوكيات وتوحيد الاستجابات لكل من يتعرضلفعلها التعليمي وليس هناك أداة تنافس ادرسة في القيام ثل هذاالعمل الذي يحتاجه الأنظمة السياسية الحريصة <strong>على</strong> بقاء واستمرارالتوازنات الاجتماعية القائمةوالبديل اطروح يلفت نظرنا إلى أهمية إعادة الثقة في الحياة التينعيشها كل يوم ا تزخر به من مواقف وأدوات وعلاقات لتكون مصدرارئيسيا لتنمية قدرات الأفراد وإكسابهم اهارات واعارف.‏. (١٩). (٢٠)220


اللامدرسية ?هوامش الفصل الخامس‎١‎ غي.‏ أفانزيني:‏ الجمود والتجديد في التربية ادرسية ترجمة عبدالله الدا ص ٤٣٥.‎٢‎ الجمود والتجديد ص ٤٣٦.‎٣‎ الجمود والتجديد ص ٤٤٠.‎٤‎ إيلتش مجتمع بلا مدارس يوسف نور عوض وزميله ص ٢١.‎٥‎ مجتمع بلا مدارس ص ٢٥.‎٦‎ محمد نبيل نوفل:‏ دراسات في الفكر التربوي اعاصر الأنجلو ص ١٦٨.‎٧‎ مجتمع بلا مدارس ص ٤٢.‎٨‎ مجتمع بلا مدارس ٨٧.‎٩‎ مجتمع بلا مدارس ص ٨٩.‎١٠‎ مجتمع بلا مدارس ص ١٠٧.‎١١‎ مجتمع بلا مدارس ص ١٢٩.‎١٢‎ التجديد والجمود ص ٤٥٨.‎١٣‎ الجمود والتجديد ص ٤٦٠.‎١٤‎ دراسات في الفكر التربوي اعاصر ص ٢٢٢.‎١٥‎ جميل إبراهيم مجلة الفكر العربي العدد ٢٤/ ديسمبر ١٩٨١ ص ٣٩٦.‎١٦‎ جميل إبراهيم ص ٣٩٧.‎١٧‎ ارجع السابق ص ٣٩٨.‎١٨‎ ارجع السابق ص ٣٩٩.‎١٩‎ عبد الفتاح تركي التربية اعاصرة العدد الثامن ١٩٨٧ ص ٤٦.‎٢٠‎ عبد الفتاح تركي ص ٤٢.221


فلسفات تربوية معاصرة222


خاةخاةلعلنا بعد هذا التجوال ب ربوع عدد منفلسفات التربية اعاصرة أن نكون قد استطعناتقد صورة لهذه الفلسفات قادرة إلى حد ما<strong>على</strong> الوفاء بأحد متطلبات الثقافة التربويةالأساسية.‏وعندما نعيد النظر السريع لهذه الصورة الكليةالعامة فسوف نجد أن عناصرها الأساسية تشيرإلى الخطوط العريضة <strong>التالي</strong>ة:‏ إن فلسفة التربية هي ذلك الجهد الفكريالذي نستخدم به طريقة النظر الفلسفي فيمناقشة افاهيم الأساسية التي تقوم عليها الحياةالتربوية ومحاولات رسم صورة ا ينبغي أن تكونعليه الحياة التربوية.‏ عكست فلسفة من فلسفات التربية اعالمالرئيسية للمجتمع الذي عاصرته <strong>على</strong> استوىالمحلي وإلى حد كبير ترددت أصداء ‏(العصر)‏ فيجنباتها فقد كانت البراجماتية ملخصة للروحالأمريكي في اعتبار ‏(الناتج)‏ و(العواقب)‏ هي معيارقبول الفكر أو رفضها فضلا عن رد الفعل اناقضا ساد من قبل في الفكر التربوي من اعتبار ‏(اادةاعرفية)‏ هي محور العملية التعليمية فجاء هؤلاءليؤكدوا أن ‏(اتعلم)‏ هو الذي يجب أن يكون هوالمحور.‏ووفقا للمزاج ‏(الإنجليزي)‏ برزت التحليلية ذات223


فلسفات تربوية معاصرةنزعة تجريبية وذات توجه علمي تقف فيه في مواجهة تيارات مثالية غزتبريطانيا والولايات اتحدة الأمريكية في القرن التاسع عشر ووفقا لنزعاتوتخصصات مؤسسي شعبها اخملتلفة يجيء ‏(انطق)‏ ليكون هو أداة التحليلفتوفر لكثيرين من علماء التربية أدوات يستطيعون بها أن يناقشوا مفاهيمالتربية ونظرياتها ويحللوها تحليلا منطقيا لغويا.‏أما الاتجاه النقدي فهو إن صح التعبير ‏(توليفة)‏ ب الفلسفة ااركسيةو(ظروف)‏ و(متغيرات)‏ اجملتمع الغربي الرأسمالي عامة والولايات اتحدةخاصة قام بهذه ‏(التوليفة)‏ اليسار الجديد الذي ا^من بكثير من مقولاتااركسية لكنه في نفس الوقت وجد نفسه ملزما بألا ينسى أساليبومناخ اجملتمع الغربي الذي قام <strong>على</strong> الرأسمالية فيجيء نفر من علماءالاجتماع والتربوي ليؤكدوا أن الأزمة ليست أزمة تعليم بقدر ما هي أزمةمجتمع وأنه ليس بالتعليم وحده كن تغيير اجملتمع وتطويره بل إناستمرارالتعليم في ظل استمرار اجملتمع بصور خلل أساسية يجعل منالتعليم أداة لتكريس الخلل وإدامته.‏وكان لابد للعالم النامي أن يجد وجهة نظر تعكس همه الأساسي كتجمعمن أ وشعوب عاشت وتعيش قهرا مكن لقوى البغي والاستغلال أن صدماءها لا عن طريق قوى عسكرية وأساليب سياسية فقط وإا عنطريق تربية ‏(قطيع)‏ ليس عليه إلا أن يطيع ويسمع وينتج!‏ ومن ثم تجيءوجهة النظر هذه حاملة طابع الاحتجاج <strong>على</strong> هذه التربية داعية إلى نوعا^خر منها يقوم <strong>على</strong> اناقشة والنقد والحوار والاعتماد <strong>على</strong> الذات.‏وأخيرا تجيء الدعوة اللامدرسية محاولة أن تقف في وجه ‏(التنميط)‏العام الذي ساد حضارة العصر اعتمادا <strong>على</strong> مدارس تستقبل جموعا بأفرادها مالا حصر له من اختلافات وفروق فتحاول هذه ادارس أنتصبهم في قوالب موحدة جامدة ا دفع نفرا من التربوي إلى الهجومالحاد <strong>على</strong> ‏(ادرسة)‏ واناداة بأن تجيء التربية حرة عن طريق كافة القنواتالقادرة <strong>على</strong> تشكيل السلوك الإنساني بغير قولبة ودون تنميط.‏كذلك فإن الصورة الكلية لفلسفات التربية تشير إلى تنوع في مراتبهاالفلسفية من فلسفات بحتة لم يكن لها جهد تربوي واضح وملموس وبتيارات بدأت جهدا تربويا من اللحظة الأولى كتيار اللامدرسية ليجيء224


خاةالمحللون والدارسون ليستنبطوا ‏(نظرات فلسفية)‏ و(أصولا فلسفية)‏ تقومعليها.‏وب هذه وتلك تجيء الفلسفات والاتجاهات الأخرى:‏فإذا كانت البراجماتية لها أبعادها ونظراتها الفلسفية اعروفة فإنبعضا من مؤسسيها ورجالها لم يتركوا مهمة النظر التربوي في هذهالنظرات والأصول لا^خرين كي يقوموا بها إذ قام واحد منهم هو جونديوي نفسه ليقدم الوجه التربوي للبراجماتية فضلا عن عدد ا^خر منتلاميذه .ولأن التحليلية هي منهج في التناول والنظر إلى الأمور اتجه به أصحابهأولا وبالذات لفحص اشكلات الفلسفية السائدة فقد وجد بعض نا^من بهذا التوجه أنه من امكن أن يستخدم نفس هذا انهج لفحص اشكلاتوافاهيم التربوية.‏واستطاع النقديون أن زجوا ب ‏(الفلسفة)‏ و ‏(الاجتماع)‏ لتجيء نظراتهم‏(فلسفة اجتماعية)‏ تتجه إلى قضايا اجملتمع ومشكلاته دون الانغلاقوالانشغال بتلك اشكلات التجريدية الفلسفية التقليدية ومن ثم يجيءاربون الذين تأثروا بها مهموم هم كذلك بالنظر الاجتماعي لقضاياالتربية ومشكلاتها.‏ونحب أن نصارح القارىء بأن الصورة التي قدمناها لفلسفات تربيةمعاصرة قد جاءت مفسرة ولم تجىء ناقدة مقيّمة.‏ومثل هذا ‏(الاعتراف)‏ يحتاج إلى تفسير!‏لذلك لأننا قد حاولنا من خلال هذا الكتاب أن نعرض لعدد منالفلسفات والاتجاهات في كتاب واحد وهو أمر يلقى صعوبات اذ يدفعالكاتب دفعا إلى أن يكون في عملية ‏(سباق)‏ و(تحد)..‏ ‏(سباق)‏ يتبدي فيالحرص <strong>على</strong> إحاطة القارىء علما بأكثر قدر كن من الا^راء الأساسية.‏و(تحد)‏ يتبدى في أهمية ألا تسقط منه أثناء هذا السباق فكرة مهمةفضلا عن ذلك ‏(الحد)‏ الورقي الذي يشكل له ‏(سقفا)‏ لا يصح أن يتعداه!‏وا كان ‏(الشرح)‏ خطوة تسبق ‏(النقد)‏ فقد انتهى الوقت المحدد ونحنمازلنا بعد في أواخر مرحلة الشرح!‏هذا من ناحية...‏225


فلسفات تربوية معاصرةومن ناحية أخرى فنحن نعي أن مهمتنا الحالية هي مهمة ‏(تثقيفعام)‏ وليست إعدادا تخصصيا أكاديا فليس هذا الكتاب موجها إلىالباحث وعلماء التربية وخبرائها وحدهم وإا هو موجه كذلك إلى مجموعاثقف ن يرغبون في أن ‏(يعلموا)‏ و(يفهموا)‏ هذا القطاع العام منالدراسات التربوية والنفسية.‏وإذا كان النظر الناقد لا يتعارض بطبيعة الحال مع مهمة التثقيفالعام إلا أنه يتطلب _ في خطوة سابقة كما أشرنا _ الإمساك أولا بافاتيحالأساسية للمجال أو القضية.‏ ولو كان الكتاب عن فلسفة واحدة أو اتجاهبعينه لأمكننا أن نحقق الأمرين معا ‏(التثقيف التربوي)و(التقييم النقدي)‏وهو الأمر الذي حدث بالنسبة للقضية الأخيرة <strong>الخاصة</strong> باللامدرسية فلأنالجانب الفلسفي متواضع ومحدود والنظرات التربوية قليلة فقد أتاح لناهذا مساحة ورقية ارس عليها شيئا من النقد!.‏ولعل الخطوة التي وقفنا عندها جموعة الدراسات وهي الشرح أوالتفسير تفيد من ناحية ما في أن تترك القارىء حرا أمام ساحة واسعةتتنوع فيها العروض فيختار ما يشاء وفقا ا يقتنع به ويرى أنه هو الأصوب.‏ومع كل هذا فإننا كن أن نسجل عددا من التحفظات <strong>على</strong> بعضجوانب عدد من فلسفات التربية التي عرضنا لها:‏_ فإذا كانت التربية البراجماتية قد هدفت إلى إبراء التربية من ذلكالظلم الذي وقع <strong>على</strong> ‏(الطفل)‏ حيث أهملته كثير من النظريات السابقةعليها مولية الاهتمام إلى ‏(اعرفة)‏ وإلى أن تصب الطفل في قالب‏(الراشدين)‏ إلا أنها وقعت في الجهة اضادة فأدت تطبيقيا إلى التقليلمن أهمية اعرفة و(الغلو)‏ في الاهتمام يول الأطفال واهتماماتهم حتىأصبحت ‏(التربية الحديثة)‏ مثار لعنة _ أحيانا _ عند بعض الناس إذ رأوا‏(انفلاتا)‏ في سلوك طلاب وقلة اعتبار من الصغار للكبار.‏كذلك فإنها بتحكيمها ‏(النتائج)‏ في قبول الفكرة أو رفضها قد أغفلتمعايير أخرى تتصل بتطلعات اجملتمع استقبلية التي قد تدفعه أحيانا إلى طرح حلول أو بدائل را تسبب ضررا فرديا أو نتيجة سلبية فيالا^ونة الحاضرة لكنها <strong>على</strong> ادى البعيد تنتج خيرا جملموع الأمة!.‏_ وبالنسبة للاتجاه النقدي فلرا كان أقل فلسفات التربية مجالا226


خاةللتحفظ ولكن الأمر أيضا يستوجب الإشارة إلى أن تلك اقولة التي أحإليها هذا الاتجاه بأن البنية اجملتمعية الكلية هي المحددة وهي الحاكمةسيرة العمل التربوي أحيانا ما تضع افكر أمام طريق مسدود فماذاهو فاعل ومقاليد سياسة اجملتمع واقتصاده ليست في يد أحد من علماءالتربية?كيف له أن يأمل إذن في إصلاح وتطوير?‏ إن اربى هنا يشعر بأنه‏(فأر)‏ مطالب بأن يعلق الجرس ليس في رقبة القط فقط واا بتغييرالقط ليجيء قط ا^خر يخلو من نزعة أكل الفئران!‏ولقد دفع هذا بعض الباحث في الا^ونة الأخيرة إلى التركيز <strong>على</strong>مجالات صغيرة بدلا من اجملتمع الكبير...‏ ‏(الفصل)‏ ‏(ادرسة)‏ و(جماعةالنشاط)...‏ وهكذا مؤكدين أننا بذلك نكون في مجال تحت سيطرة إرادتناالذاتية التربوية وهو توجه لا بأس به شريطة أن يكون بديلا عن التوجهالأول.‏وأخيرا فإن لنا أن نردد تلك الحكمة الشهيرة التي تقول:‏ ما لا يؤخذكله لا يترك كله!‏ فنحن ن يؤمنون بأن أحدا لا لك الحقيقة الإنسانيةكلها ومثل الباحث والعلماء مثل تلك اجملموعة من الناس العميان الذينأشار إليهم أبو حيان التوحيدي التفوا حول فيل دون أن يعرفوا ذلك وطلبمن كل واحد منهم أن يصف ما أمامه!‏ وا ذلك جاءت أوصافهم مختلفةومتباينة اما ونستطيع أن نقول إن كلا منهم كان صادقا من حيث الزاويةالتي وقف عندها لكنه إن زعم وحده الصادق خرج من دائرة الصدق وإنزعم أن وصفه هو الوصف الشامل الكامل خرج من دائرة الصدق!.‏إن كثيرين ينعتون موقفنا هذا وما مامثله بأنه موقف من يريد أن يريحنفسه فيركن إلى التوفيق وكأنه يقول:‏ ‏«كلهم كويس‏»‏ أو ‏«كلهم زين»!‏ونحن ندهش حقا من ذلك الاستخفاف الذي نلمسه أحيانا من هذاالذي يسمونه ‏(توفيقا)‏ إنه ليس توفيقا باعنى الشائع اعروف ب أطرافمتنافرة تريد التقارب والتوافق بأن يتنازل كل طرف عن جزء من موقفهوإا نرى من وجهة نظرنا أنه من السذاجة الاستمرار <strong>على</strong> تلك النظرةالأحادية الجانب التي لا ترى في الظاهرة الإنسانية إلا الجانب الذي نقفناحيته فهذه الظاهرة <strong>على</strong> درجة من التعقيد لايفيد معها إلا هذا النظرالتكاملي الذي يرى تعددا في زوايا الرؤية يكمل كل منها الأخرى لنصل إلى227


فلسفات تربوية معاصرةصورة كلية.‏ أقرب إلى الحقيقة.‏ولعل نظرة كلية إلى فلسفات التربية اشار إليها وغيرها تؤكد لنا هذا:‏_ فالفلسفة البراجماتية مثلا كانت وحدتها الفكرية:‏ ادرسة افيها من تلاميذ ومعلم ومنهج وإدارة ومبنى وتجهيزات وعلاقات وتفاعلاتولقد أحسنت كثيرا النظر إلى هذا الجانب لكنها تركت ثغرة خطيرة حيثلم تد ببصرها خارج أسوار ادرسة حيث القوى الاجتماعية وتفاعلاتهاوأوزانها وتأثيراتها.‏ والجانب الذي قدمته هذه التربية خاصا بانهج وطريقةالتعليم والاهتمام بالطفل وبالبيئة ادرسية أضاف الكثير إلى الفكر التربويإضافة غير مسبوقة كما أنها غير ملحوقة!.‏_ وإذا كان من العسير النظر بع الاعتبار إلى هذه الا^راء التي نادى بهااللامدرسيون لأن وجود اؤسسة ادرسية ضرورة لا غنى عنها لكن هذهالنقود التي وجهوها إلى ‏(التمدرس)‏ من شأنها أن تلفت نظرنا إلى ضرورةمواجهة سلبيات الظاهرة من حيث غلبة ‏(التنميط)‏ والتكرار والل وضرورةالحذر من الطغيان اؤسسي إلى إمكانات التفرد والإبداع والإبتكار وحريةالإرادة الفردية.‏ومع ذلك فلا بد أن نعترف بأن مسألة ‏(التكامل)‏ هذه ليست سهلة..‏فهذه الاتجاهات التربوية كما بينا تستند إلى أصول فلسفية وهذهالأصول ليس يسيرا جمعها في صورة تكاملية واحدة!‏إننا بذلك لا نريد نسف ما ندعو إليه من أن ‏(مالا يؤخذ كله لا يترككله)‏ وإا نتخذ هذه النهاية نقطة بداية سيرة أخرى ندعو إليها علماءالتربية ومفكريها ومنظريها فنحن في وطننا العربي في حاجة إلى الخروجمن دراسة هذه الفلسفات واستقراء واقع الأمة واستشراف مستقبلهاواستيعاب ماضيها وتراثها بتوجه فلسفي تربوي يحمل بصمات هذه الأمةالتي نعتز بالانتماء إليها ونتطلع ونسعى معا إلى أن تشرق الشمس منجديد.‏228


اؤلف في سطور:‏د.‏ سعيد إسماعيل عليد.‏ سعيد إسماعيل علي× ولد بالقاهرة ١٩٣٧.× رأس وأشرف <strong>على</strong> أقسام أصول التربية والتربية الإسلامية بجامعاتع شمس والأزهر وقناة السويس والزقازيق.‏× تخرج في قسم الفلسفة با^داب القاهرة ١٩٥٩.× عضو اجمللس القومي للتعليم والبحث العلمي بالقاهرة.‏× خبير جمع اللغة العربية.‏× رئيس تحرير مجلة دراسات تربوية.‏× رئيس رابطة التربية الحديثة.‏× من مؤلفاته:‏× دراسات فياجتماعيات التربية-محنةالتعليم في مصر-أصولالتربية الإسلامية-دراساتالكتابفي التربية والفلسفة-نظراتالقادمفي الفكر التربوي-دور الأزهرفي السياسة اصرية-قضاياالتعليم في عهد الاحتلال-‏الفكر التربوي العربيالحديث.‏الفلسفات الشرقيةتأليف:‏ جون كولرترجمة:‏ كامل يوسف حسمراجعة:‏ د.‏ إمام عبد الفتاح إمام229


deعندما أعلن فيلسوف اليونان ‏«سقراط»‏ عن بدء تحويل مجرىالتفكير الفلسفي بإطلاق مقولة ‏«اعرف نفسك»‏ كان ذلك إيذانابالإعلان عن رباط مقدس كان لابد منه ب ‏«الفلسفة»‏ و«التربية».‏فإذا كانت الفلسفة في أحد معانيها رؤى نظرية يحاول أصحابهاعن طريقها رسم خطوط عريضة ستقبل أفضل للبشرية فإنهذا ‏«اخملطط الفكري»‏ لا تقتصر قيمته <strong>على</strong> مجرد كونه ‏«صورةمكتوبة»‏ وإا يتطلع صاحبه كذلك إلى أن يراه شخصا يتحركويحرك الواقع الإنساني.‏إن هذه العملية التي نسعى من خلالها إلى بث الحياة في خلاياالفكر حتى يكتسب القدرة <strong>على</strong> تحريك الواقع نحو ماهو أفضلهي جوهر العمل التربوي.‏ومادامت التربية هي ‏«إجراءً‏ تنفيذيا»‏ فإنها تظل دائما بحاجةإلى ‏«اخملطط الفكري»‏ الذي يرسي لها ‏«الأسس والقواعد»‏ ويحددمنهج السير وأسلوبه ويرسم الأهداف ابتغاة عن طريق الفلسفة.‏ومن هنا يجيء هذا الكتاب ليقدم للقارىء ‏«‏اذج»‏ لفلسفاتمعاصرة أكدت حدودها الفكرية علاقات التفاعل ب الفلسفةوالتربية مع التسليم بأن هناك اذج أخرى قد لا يتسع لها كتابواحد يفيها حقها من الدراسة.‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!